السبت، 27 يناير 2024

: مواقف وعبر من حياة الشيخ الألباني يرويها بنفسه

: مواقف وعبر من حياة الشيخ الألباني يرويها بنفسه رحمه الله المؤلف: أبو مالك محمد بن حامد بن عبد الوهاب المحقق: مواقف وعِبر من حياة العلامة الألباني يرويها بنفسه رحمه الله جمعها ورتبها أبو مالك محمد بن حامد بن عبد الوهاب (1/4)

  بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران / 102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء /1 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب / 70 , 71 ثم أما بعد فمن المعلوم أن حياة العلماء - على كافة مستوياتهم - مليئة بالأحداث المثيرة , والوقائع الغريبة , والتي تجعل المتابع لهم , والقارئ لسيرهم , متعطشاً دائماً (1/5) لمعرفة المزيد عنهم , وعن حياتهم الخاصة , وما مروا به من أحداث. وتصبح هذه الأخبار , وتلك الأحداث لها المصداقية الكاملة حينما يرويها صاحب الموقف نفسه , ويسطرها في كتبه وأعماله. من هؤلاء الأعلام محدث الشام العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى , فقد كان يروي بعض المواقف والأحداث - الهامة والغير هامة , الكبيرة والصغيرة - في ثنايا كتبه ومؤلفاته - على تنوعها. ومن خلال انشغالي بأعمال الشيخ رحمه الله تعالى والعيش مع كتبه ومؤلفاته , تتبعت هذه الأحداث , وتلك المواقف , واستخرجتها في مدونتي الخاصة , فكان أن اجتمع لدي الكثير من هذه الأحداث , وتلك المواقف. وأحببتُ أن يشاركني إخواني المسلمين في شتى بقاع المعمورة - وخاصة المحبين للشيخ رحمه الله تعالى -؛ فجمعت هذه المواقف ورتبتها وأخرجتها في هذا الكتيب الذي بين يديك الآن , سائلاً المولى تبارك وتعالى أن يرحم صاحبها وجامعها وناشرها , وكل من اطلع عليها , هو ولي ذلك ونعم الوكيل. وكتبه محمد حامد محمد (1/6) نبذة من حياة الشيخ وبهذه المناسبة يحق لي أن أقول بيانا للتاريخ , وشكرًا لوالدي - رحمه الله تعالى-: وكذلك في الحديث بشرى لنا: آل الوالد الذي هاجر بأهله من بلده (أشقودرة) عاصمة (ألبانيا) يومئذٍ, فرارًا بالدين من ثورة (أحمد زوغو) أزاغ الله قلبه , الذي بدأ يسير في المسلمين الألبان مسيرة سلفه (أتاتورك) في الأتراك, فجنيت - بفضل الله ورحمته- بسبب هجرته هذه إلى (دمشق الشام) ما لا أستطيع أن أقوم لربي بواجب شكره, ولو عشت عمر نوح عليه الصلاة والسلام , فقد تعلمت فيها اللغة العربية السورية أولا, ثم اللغة العربية الفصحى ثانيًا , الأمر الذي مكنني أن أعرف التوحيد الصحيح الذي يجهله أكثر العرب الذين كانوا حولي - فضلا عن أهلي وقومي- إلا قليلا منهم , ثم وفقني الله - بفضله وكرمه دون توجيه من أحد منهم - إلى دراسة الحديث والسنة أصولا وفقهًا , بعد أن درست على والدي وغيره من المشايخ شيئًا من الفقه الحنفي وما يُعرف بعلوم الآلة, كالنحو والصرف والبلاغة , بعد التخرج من مدرسة (الإسعاف الخيري) الإبتدائية , وبدأت أدعو من حولي من إخوتي وأصحابي إلى تصحيح العقيدة, وترك التعصب المذهبي , وأحذِّرهم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة , وأرغّبهم في إحياء السنن الصحيحة التى أماتها حتى الخاصة منهم, وكان من ذلك صلاة العيدين في المصلى في دمشق , ثم أحياها إخواننا في حلب , ثم في بلاد أخرى في سوريا , واستمرت هذه السنة تنتشر حتى أحياها بعض إخواننا في (عمان/ الأردن) , كما حذرت الناس من بناء المساجد على القبور والصلاة , وألَّفت في ذلك كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" وفاجأت قومي وبني وطني الجديد بما لم يسمعوا من قبل , وتركت الصلاة في المسجد الأموي, في (1/7) الوقت الذي كان يقصده بعض أقاربي , لأن القبر يحيى فيه كما يزعمون! ولقيت في سبيل ذلك – من الأقارب والأباعد- ما يلقاه كل داعية للحق لا تأخذه في الله لومة لائم, وألَّفت بعض الرسائل في بعض المتعصبين الجهلة , وسُجنت مرتين بسبب وشاياتهم إلى الحكام الوطنيين والبعثيين , وبتصريحي لبعضهم حين سئلت: لا أؤيد الحكم القائم, لأنه مخالف للإسلام ,وكان ذلك خيرًا لي وسببًا لانتشار دعوتي. ولقد يسر الله لي الخروج للدعوة إلى التوحيد والسنة إلى كثير من البلاد السورية والعربية , ثم إلى بعض البلاد الأوربية , مع التركيز على أنه لا نجاة للمسلمين مما أصابهم من الاستعمار والذل والهوان , ولا فائدة للتكتلات الإسلامية والأحزاب السياسية إلا بالتزام السنة الصحيحة وعلى منهج السلف الصالح – رضي الله عنهم- وليس على ما عليه الخلف اليوم- عقيدة وفقهًا وسلوكًا- فنفع الله ما شاء ومن شاء من عباده الصالحين , وظهر ذلك جليًا في عقيدتهم وعبادتهم , وفي بنائهم لمساجدهم , وفي هيئاتهم وألبستهم , مما يشهد به كل عالم منصف , ولا يجحده إلا كل حاقد أو مخرّف , مما أرجو أن يغفر الله لي بذلك ذنوبي , وأن يكتب أجر ذلك لأبي وأمي , والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات (رب اوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين). [الصحيحة 7/ 615]. (1/8) تجويع الشيخ رحمه الله نفسه أربعين يومًا تطبيبًا لقد جوعت نفسي في أواخر سنة 1379 أربعين يوما متتابعا، لم أذق في أثنائها طعاما قط، ولم يدخل جوفي إلا الماء! وذلك طلبا للشفاء من بعض الأدواء، فعوفيت من بعضها دون بعض، وكنت قبل ذلك تداويت عند بعض الأطباء نحو عشر سنوات دون فائدة ظاهرة، وقد خرجت من التجويع المذكور بفائدتين ملموستين: الأولى: استطاعة الإنسان تحمل الجوع تلك المدة الطويلة خلافا لظن الكثيرين من الناس والأخرى: أن الجوع يفيد في شفاء الأمراض الامتلائية كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى، وقد يفيد في غيرها أيضا كما جرب كثيرون، ولكنه لا يفيد في جميع الأمراض على اختلاف الأجسام خلافا لما يستفاد من كتاب " التطبيب بالصوم " لأحد الكتاب الأوربيين، وفوق كل ذي علم عليم. [الضعيفة 1/ 419] (1/9) سبب تسمية ابنة الشيخ " حسانة " لقد كان الباعث على تحرير القول في هذا الحديث خاصة أن الله تبارك وتعالى رزقني بعد ظهر الثلاثاء في عشرين ربيع الآخر سنة 1385 طفلة جميلة، فلما عزمت على أن أختار لها اسما من أسماء الصحابيات الكريمات، وقع بصري على هذا الاسم " حسانة "، فمال إليه قلبي، لتحقيق الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في تسميته " جثامة " به، ولكن لم أبادر إلى ذلك حتى درست إسناد الحديث على نحو ما سبق، وتحققت من صحته. والحمد لله على توفيقه، وأسأله تعالى أن يجعلها من المؤمنات الصالحات، والعابدات العالمات، السعيدات فى الدنيا والآخرة. [الصحيحة 1/ 426]. (1/10) وفاة أخي الشيخ أقول بهذه المناسبة / لقد توفي شقيقي الكبير محمد ناجي أبو أحمد في موسم السنة الماضية (1410) على عمل صالح إن شاء الله , في الجمرات آخر أيام التشريق وهو جالس مع بعض رفاقه الحجاج , وقد ذكر لي بعضهم أن أحد الجالسين معه قدم إليه بيده اليسرى كأسًا من الشاي , فقال له: يا أخي اعطني بيدك اليمنى ولا تخالف السنة , أو كما قال , ومات من ساعته , رحمه الله وحشرنا وإياه (مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا). [تلخيص أحكام الجنائز: ص24]. (1/11) سجن الشيخ وكان قد تبين لي بعد الفراغ منه أن الحافظ المنذري - رحمه الله - لم يقتصر في اختصاره إياه على حذف أسانيده والمكرر من متونه فقط , بل حذف منه بعض المتون أيضًا , فلما بدا لي ذلك تمنيت أن لو تتاح لي فرصة , لأتولى أنا بنفسي اختصاره بطريقتي الخاصة , وشاء الله تبارك وتعالى ذلك , حيث قدر علي أن أسجن في عام 1389هـ الموافق لسنة 1969 م مع عدد من العلماء من غير جريرة اقترفناها سوى الدعوة إلى الإسلام وتعليمه للناس , فأُساقُ إلى سجن القلعة وغيره في دمشق , ثم يُفرج عني بعد مدة لأساق مرة ثانية وأنفى إلى الجزيرة , لأقضي في سجنها بضعة أشهر , أحتسبها في سبيل الله عز وجل. وقد قدر الله ألا يكون معي فيه إلا كتابي المحبب " صحيح الإمام مسلم" وقلم رصاص وممحاة , وهناك عكفت على تحقيق أمنيتي , في اختصاره وتهذيبه, وفرغت من ذلك في نحو ثلاثة أشهر , كنت أعمل فيه ليل نهار , ودون كلل ولا ملل , وبذلك انقلب ما أراده أعداء الأمة انتقامًا منا إلى نعمة لنا , يتفيأ ظلالها طلاب العلم من المسلمين في كل مكان , فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. كما يسر الله تعالى لي التفرغ لعدد كبير من الأعمال العلمية ما كان يتاح لي أن أعطيها الوقت اللازم لو بقيت حياتي تسير على النهج المعتاد , فقد قامت بعض الحكومات المتعاقبة بمنعي من الخروج إلى المدن السورية في الزيارات الشهرية التى كنت أقوم بها في الدعوة إلى الكتاب والسنة. وهو نوع مما يسمى في العرف الشائع بـ"الإقامة الجبرية" , كما أنني قد مُنعت خلال فترات متلاحقة من إلقاء دروسي العلمية الكثيرة التى كان التحضير لها يأخذ جزءًا كبيرًا من وقتي , وهذا كله قد صرف عني الكثير من الأعمال , حال بيني وبين لقاء عدد كبير من الناس الذين كانوا يأخذون من وقتي الشئ الكثير. [مختصر البخاري 1/ 8]. (1/12) أسماء أولاد الشيخ وإن من توفيق الله عز وجل إياي أن ألهمني أن أعبد له أولادي كلهم وهم: عبد الرحمن وعبد اللطيف وعبد الرزاق من زوجتي الأولى - رحمهما الله تعالى - وعبد المصور وعبد الأعلى من زوجتي الأخرى والاسم الرابع ما أظن أحدا سبقني إليه على كثرة ما وقفت عليه من الأسماء في كتب الرجال والرواة ثم اتبعني على هذه التسمية بعض المحبين ومنهم واحد من فضلاء المشايخ جزاهم الله خيرا أسأل الله تعالى أن يزيدني توفيقا وأن يبارك لي في آلي (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) ثم رزقت سنة 1383 هـ وأنا في المدينة المنورة غلاما فسميته محمدا ذكرى مدينته صلى الله عليه وسلم وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي " متفق عليه. وفي سنة 1386 هـ رزقت بأخ له فسميته عبد المهيمن، والحمد لله على توفيقه. [الضعيفة 1/ 629]. (1/13) شكوى الشيخ من صاحب المكتب الإسلامي - وأما الخطأ الآخر، فهو ما صدر من زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي، فإنه أعاد طبع كتابي المذكور آنفا " ضعيف الجامع الصغير " طبعة ثانية دون إذني وعلمي، فوقعت له فيه أمور عجيبة، وتصرفات غريبة، وتعليقات وحواش تنبئ عن اعتداء صارخ على مؤلفه وادعاء للعلم مهلك، وحسبي الآن مثال واحد، وهو ما أنا في صدده، فقد وقع الحديث في طبعته هذه المتوجة بإشرافه كعادته: " لا شيء في البهائم "! نعم هكذا تحرف عليه لفظ (الهام) في الحديث إلى (البهائم)! وليس هذا خطأ مطبعيا حتى يغتفر كما زعم بعض الجهلة، لأن الطابع أعاده على عجره وبجره في تعليق له على طبعته الجديدة أيضا - ودون إذني أيضا - لكتابي " صحيح الجامع " (2/ 1248) على هذا الحديث قال: " أوله: لا شيء في البهائم " .. "! فهذا إن دل على شيء فهو يدل - كما يقال اليوم - على أن الرجل يهرف بما لا يعرف، وينقل الخطأ الذي وقع فيه أولا، ينقله بأمانة ثانيا! والله المستعان. [الصحيحة 6/ 448]. - وأما صاحب (المكتب الإسلامي)، فإنه أيضا أعاد طبع " الرياض " في هذه السنة (1412)، وهي نفسها التي صدرت فيها طبعة المذكور قبله، ولا أدري أيهما غار من الآخر فطبع طبعته منافسا له! والشاهد أن الصاحب المشار إليه علق على الحديث بقوله: " سكت الشيخ ناصر عن هذا الحديث، وليس في روايات مسلم 1/ 454: " فانظر يا ابن آدم "، وفي روايات مسلم زيادة مفادها: فيدركه فيكبه في نار جهنم ". قلت: وفيه ملاحظات عديدة: الأولى: السكوت الذي نسبه إلي - وقد كرره مرارا! فيه غمز خبيث ما (1/14) أظنه إلا منه، وليس من " جماعة العلماء " الذين ادعى في مقدمة طبعته الجديدة أنها من تحقيقهم، فهل يقع العلماء في مثل هذا الغمز الذي لا فائدة منه إلا التشفي، وبغير حق! لأنه يريد أن يشعر القراء بإخلالي في تحقيقي السابق للكتاب: " الرياض " الذي لم يكن هو قد أراد له كل جوانب التحقيق، وإنما على ما تيسر، فضلا عن أنه لم يكن فيه التزام مقابلة أحاديثه بأصولها، ولا الصاحب المذكور يرضى بذلك، ولو فعل لأفلس، لأن تأليف الكتاب من جديد أيسر من ذلك التحقيق. وعلى الباغي تدور الدوائر، ويؤكد ذلك ما يلي: الثانية: لقد انتبه لتلك الزيادة أنها ليست في مسلم، ولكنه لم يعزها لمصدر، ولا بين ضعفها، مع أنه زعم في مقدمة طبعته الجديدة أنها من " تحقيق جماعة من العلماء "! الثالثة: قوله: " مفادها .. " تعبير غير علمي لأنه يساوي قوله: " معناها "، فالصواب أن يقال: نصها. كما هو ظاهر لا يخفى إلا على جاهل غبي. الرابعة: هذا النص هو في رواية لمسلم مختصرة جدا، فكان عليه أو على " جماعة العلماء " -إن كان صادقا - أن يذكروا رواية مسلم الأخرى التي اعتمدتها في حديث الترجمة، لأنها أتم كما ترى. الخامسة: كان عليه أو عليهم! أن ينبهوا أن هناك في متن حديث " الرياض " مخالفة أخرى لما في " مسلم "، ففيه: " فلا يطالبنكم "، وفي " الرياض ": " لا يطالبنك "! لقد ذكرني هذا الغماز اللماز بالمثل العامي: من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة! رابعا: عزا المنذري الحديث في "الترغيب " (1/ 141) لأبي داود أيضا، وهو وهم. فاقتضى التنبيه. [الصحيحة 6/ 389] (1/15) - وقد نبه عليه صاحب المكتب الإسلامي في طبعته الجديدة لـ " الرياض " لسنة (1412) التي زينها بتصديرها بصفحتين مصورتين من مخطوطتين للكتاب زعم أنه رجع إليهما، يعني للتحقيق، ولا أثر لذلك في طبعته هذه، وإلا فهذا هو المكان المناسب ليثبت للقراء زعمه المذكور بأن يبين ما في المخطوطتين حول هذا الوهم. وتلك شنشنة نعرفها من أخزم فهو كثيرا ما يزين مطبوعاته ببعض الصفحات المصورة من مخطوطات يدعي أنها في مكتبته 0 وقد تكون مصورات - يوهم القراء بأنه رجع إليها في التحقيق، وليس الأمر كذلك، وأوضح مثال على ذلك طبعه أخيرا السنن الأربعة التي كنت ميزت صحيحها من ضعيفها فقدمت إليه فطبعها طبعات تجارية ظاهرة، وقسم كل كتاب منها إلى قسمين: "الصحيح " و " الضعيف "، فخلط في ذلك خلطا عجيبا لأن ذلك ليس من علمه، ولا أقول من اختصاصه، فجعل في " الصحيح " ما ينبغي أن يكون في " الضعيف "، وعلى العكس، ولبيان هذا مجال آخر، والشاهد هنا أنه زين هذه الكتب بصور صفحات من مخطوطات السنن، كأنه كلف أن يقوم بطباعتها من جديد محققة على المخطوطات، وإنما كلف بطبع التصحيح والتضعيف الذي قمت به على السنن! ولكنه التشبع بما لم يعط! ثم إن المحقق الجديد المدعو بـ (حسان عبد المنان) لكتاب " رياض الصالحين " قد حذف الحديث من المكان الأول منه - وهو الأتم فائدة - واقتصر على إيراده إياه في الموضع الآخر منه، وحذف منه قوله: " متفق عليه ". دون أي بيان منه هل كان الحذف عن رأي منه، أم عن تحقيق وقع له برجوعه إلى بعض المخطوطات، وهذا مما لم يعن به، ولم يدعه - والحمد لله - كما فعل غيره. ثم إن الظاهر أنه لم ينتبه للإرسال الذي فيه أو الانقطاع، وإلا لسارع إلى التشبث به لتضعيف الحديث كما فعل بغيره مما رواه البخاري ومسلم، فضلا عما (1/16) رواه غيرهما من أصحاب السنن، وقدمت نماذج كثيرة منها في الاستدراكات التي ألحقتها بالمجلد الثاني من " الصحيحة " الطبعة الجديدة. والله المستعان. [الصحيحة 6/ 384] - وبهذه المناسبة لابد لي من كلمة قصيرة حول طبع المكتب الإسلامي لهذا الكتاب " الرياض " طبعة جديدة! سنة (1412). لقد وضع لها مقدمة سوداء، ملؤها الزور والافتراء، والغمز واللمز، مما لا مجال الآن لتفصيل القول في ذلك فإنه بحاجة إلى تأليف كتاب خاص، والوقت أضيق وأعز، وبخاصة أن كل من يقرأها ويقرأ بعض تعليقاته يقطع بأن الرجل محرور، ومتناقض فيما يقول، و ... إذا كانت الحكمة القديمة تقول: " يغنيك عن المكتوب عنوانه "، فيكفي القاريء دليلا على ما أشرت إليه قوله تحت عنوان الكتاب واسم المؤلف: " تحقيق جماعة من العلماء تخريج محمد ناصر الدين الألباني ". فغير وبدل ما كان في الطبعة الأولى: " تحقيق محمد ناصر الدين الألباني " فجعل مكان كلمة (تحقيق) كلمة (تخريج) لينسب التحقيق إلى غيره وهم (جماعة العلماء)! وهذا أقل ما يقال فيه أنه لم يتأدب بأدب القرآن: * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) *. ثم من هم هؤلاء (العلماء)؟ لقد أبى أن يكشف عن أسمائهم لأمر لا يخفى على كل قاريء لبيب، واعتذر هو عن ذلك بعذر أقبح من ذنب فقال في " المقدمة " (ص 6): " اشترطوا علينا أن لا تذكر أسماؤهم .. "! وإن من السهل على القاريء أن يعرف حقيقة هؤلاء (العلماء) بالرجوع إلى تعليقاتهم، فإنه سوف لا يجد علما ولا تحقيقا إلا ما كان في الطبعة الأولى، وإلا ما ينقلونه من كتبي مثل " صحيح أبي داود " وغيره، بل إنه سيرى ما يدل على الجهل وقلة العلم! وهاكم مثالا على ذلك، ما جاء في حاشية (ص 643) تعليقا على (1/17) قول الإمام النووي رحمه الله في آخر الحديث (1891): " وفي رواية للبخاري ومسلم " " قلت: رواها مسلم فقط، فعزوها للبخاري وهم "! ... فأقول: بل هذا القائل هو الواهم، فإن الحديث في " البخاري " (رقم 245 - فتح 6/ 318). ثم أقول: من هو القائل: " قلت ... "؟ والجواب: مجهول باعتراف الناشر الذي نقلت كلامه آنفا، فنسأله - وقد حشر نفسه في " جماعة العلماء " باشتراكه معهم في التعليق والتصحيح مصرحا باسمه تارة، هذا إن لم يكن هو المقصود بقوله: "جماعة العلماء " - فنسأله أو نسأل " جماعة العلماء " - كله واحد! -: ما قيمة قول المجهول في علم مصطلح الحديث؟ وهذا إذا لم يكن قوله في ذاته خطأ، فكيف إذا كان عين الخطأ كما رأيت؟! ومن هذا القبيل قولهم أو قوله (! ) تعليقا على الحديث (1356): " يفهم من كلام الشيخ ناصر: أن الحديث ضعيف لتدليس الوليد بن مسلم، والأمر ليس كذلك، فإن الوليد صرح بالتحديث .. ". قلت: فجهلوا أو جهل أن تدليس الوليد هو من نوع تدليس التسوية الذي لا يفيد فيه تصريحه هو بالتحديث عن شيخه، بل لابد أن يصرح كل راو فوقه بالتحديث من شيخه فما فوق! فاعتبروا يا أولي الأبصار. [الصحيحة 6/ 155] - وبهذه المناسبة لا بد لي من البيان الآتي: ما كادت طبعة حسان هذه لـ "الرياض" سنة (1412 هـ) تنزل إلى السوق، حتى أنزل صاحب المكتب الإسلامي طبعة جديدة لـ "رياض الصالحين للنووي" تختلف في تحقيقاتها وتعليقاتها كل الاختلاف عن الطبعة الأولى منه لسنة (1399) التي كنت أنا الذي قام بتخريجها والتعليق عليها، اختلافاً ظاهراً وباطناً. (1/18) أما الظاهر، ففي الأولى طبع عليها: "تحقيق محمد بن ناصر الدين الألباني". أما هذه فطبع عليها هاتين الجملتين: تحقيق جماعة من العلماء. تخريج محمد ناصر الدين الألباني"!! فهل كان صادقاً في هذا؟ ذلك ما ستعلمه مما سأذكره قريباً. لقد وضع الجملة الأولى لإيهام الناس أن طبعته محققة من العلماء فيضرب بذلك نفاق سوق طبعة حسان! والحقيقة أن لا علماء لديه، بل ولا طلاب علم، وإنما موظفون يفعلون ما يؤمرون. إن لم يكن الفاعل هو نفسه! [الضعيفة 6383] - وقد كنت نبهت على هذا في تخريجي لهذا الكتاب الذي كنت سميته "غاية المام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" رقم (71). وقد أخر المكتب الإسلامي طبع كتابي هذا عن أصله "الحلال والحرام" عدة سنين؛ لأسباب الله أعلم بها، ثم المؤلف والناشر! وكان ذلك حاملاً للناشر على أن يدلس على القراء ويوهمهم بأن التخريج الذي هو في تعليق الطبعة المذكورة (13) هو من صنعي، فطبع على الوجه الأول تحت اسم المؤلف القرضاوي ما نصه: "الطبعة الثالثة عشرة. تخريج المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني"! وذلك سنة (1400هـ -1980م). وهذا كذب وزور! فلما راجعته في ذلك في مكتبه في بيروت أجاب بقوله - وهو غير مكترث بما فعل -: "خطأ من بعض الموظفين"! ثم تبين فيما بعد أنه تعمد ذلك ترويجاً للكتاب! ولقد آذاني بذلك كثيراً؛ فإنه نسب إلي كل الأخطاء العلمية الحديثية التي وقعت في كتاب الشيخ (1/19) القرضاوي، وكنت بينتها في تخريجي إياه، وهذا هو المثال بين يديك، وقد تكاثر إيذاؤه لي في الآونة الأخيرة، وبخاصة بعد هجرتي من دمشق إلى عمان، في تعليقاته وتصرفاته بكتبي تصرفاً لا يرضاه ذو عقل ودين. والله المستعان. [الضعيفة 7/ 260]. (1/20) بيان أن الشيخ على منهج المحدثين ولما كان موضوع الكتاب إنما هو بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة كان من البدهي أن لا أتقيد فيه بمذهب معين للسبب الذي مر ذكره وإنما أورد فيه ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما هو مذهب المحدثين قديما وحديثا وقد أحسن من قال: أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا أنفسه أنفاسه صحبوا. ولذلك فإن الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى جامعا لشتات ما تفرق في بطون كتب الحديث والفقه - على اختلاف المذاهب مما له علاقة بموضوعه - بينما لا يجمع ما فيه من الحق أي كتاب أو مذهب وسيكون العامل به إن شاء الله ممن قد هداه الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ثم إني حين وضعت هذا المنهج لنفسي - وهو التمسك بالسنة الصحيحة - وجريت عليه في هذا الكتاب وغيره - مما سوف ينتشر بين الناس إن شاء الله - كنت على علم أنه سوف لا يرضي ذلك كل الطوائف والمذاهب بل سوف يوجه بعضهم أو كثير منهم ألسنة الطعن وأقلام اللوم إلي ولا بأس من ذلك علي فإني أعلم أيضا أن إرضاء الناس غاية لا تدرك وأن: (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس) (صحيح الصحيحة 2311) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولله در من قال: ولست بناج من مقالة طاعن ... ولو كنت في غار على جبل وعر ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر فحسبي أنني معتقد أن ذلك هو الطريق الأقوم الذي أمر الله تعالى به المؤمنين وبينه نبينا محمد سيد المرسلين وهو الذي سلكه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وفيهم الأئمة الأربعة - الذين ينتمي اليوم إلى (1/21) مذاهبهم جمهور المسلمين - وكلهم متفق على وجوب التمسك بالسنة والرجوع إليها وترك كل قول يخالفها مهما كان القائل عظيما فإن شأنه صلى الله عليه وسلم أعظم وسبيله أقوم ولذلك فإني اقتديت بهداهم واقتفيت آثارهم وتبعت أوامرهم بالتمسك بالحديث وإن خالف أقوالهم ولقد كان لهذه الأوامر أكبر الأثر في نهجي هذا النهج المستقيم وإعراضي عن التقليد الأعمى فجزاهم الله تعالى عني خيرا [مقدمة صفة الصلاة]. (1/22) بيان مذهب الشيخ الفكري والاعتقادي وإني لن أنسى - ما حييت - تلك المناقشة التي كانت جرت منذ نحو عشر سنين في المدينة المنورة بيني وبين أحد الخطباء والوعاظ الذين يحبون أن يتصدروا المجالس ويستقلوا بالكلام فيها فقد دخل علينا نحن في سهرة لطيفة جمعت نخبة طيبة من طلاب العلم من السلفيين أمثالي فلم يقم له أحد من الجالسين سوى صاحب الدار مرحبا ومستقبلا فصافح الشيخ الجالسين جميعا واحدا بعد واحد مبتدئا بالأيمن فالأيمن فأعجبني ذلك منه حتى انتهى إلي وكنت آخرهم مجلسا ولكني رأيت وقرأت في وجهه عدم الرضى بتركهم القيام له فأحببت أن ألطف وقع ذلك عليه فبادرته متلطفا معه بقولي وهو يصافحني: عزيز بدون قيام يا أستاذ كما يقولون عندنا بالشام في مثل هذه المناسبة فأجاب وهو يجلس وملامح الغضب بادية عليه - بما معناه: لا شك أن القيام للداخل إكراما وتعظيما ليس من السنة في شيء وأنا موافق لك على ذلك ولكننا في زمن أحاطت فيه الفتن بالمسلمين من كل جانب وهي فتن تمس الإيمان والعقيدة في الصميم. ثم أفاض في شرح ذلك وذكر الملاحدة والشيوعيين والقوميين وغيرهم من الكافرين فيجب أن نتحد اليوم جميعنا لمحاربة هؤلاء ودفع خطرهم عن المسلمين وأن ندع البحث والجدال في الأمور الخلافية كمسألة القيام والتوسل ونحوهما فقلت: رويدك يا حضرة الشيخ فإن لكل مقام مقالا فنحن الآن معك في مثل هذه السهرية الأخوية لم نجتمع فيها لبحث خاص ولا لوضع الخطة لمعالجة المسائل الهامة من الرد على الشيوعيين وغيرهم وأنت ما كدت تجلس بعد ثم إن طلبك ترك البحث في الأمور الخلافية هكذا على الإطلاق لا أظنك تقصده لأن الخلاف يشمل حتى المسائل الاعتقادية وحتى في معنى شهادة أن لا (1/23) إله إلا الله. فأنت تعلم أن أكثر المشايخ اليوم يجيزون الاستغاثة بغير الله تعالى. والطلب من الأموات وذلك مما ينافي معنى شهادة التوحيد عندنا جميعا - أشير إلى أنه في هذه المسألة معنا - فهل تريدنا أن لا نبحث حتى في تصحيح معنى الشهادة بحجة أن المسألة فيها خلاف؟ قال: نعم. حتى هذا يجب أن يترك موقتا في سبيل تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة لدرء الخطر الأكبر: الإلحاد و. . . قلت: وماذا يفيد مثل هذا التجمع - لو حصل - إذا لم يقم على أساس التوحيد وعدم الإشراك بالله عز وجل. وأنت تعلم أن العرب في الجاهلية كانوا يؤمنون بالله تعالى خالقا ولكنهم كانوا يكفرون بكونه الإله الحق {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} فلم يفدهم إيمانهم ذلك شيئا ولم ينجهم من محاربة الرسول إياهم. فقال: نحن نكتفي اليوم بجمع الناس تحت كلمة لا إله إلا الله. قلت: ولو بمفهوم خاطئ؟ قال: ولو أقول: فهذه المناقشة تمثل لنا في الحقيقة واقع كثير من الدعاة المسلمين اليوم وموقفهم السلبي تجاه تفرق المسلمين في فهمهم للدين فإنهم يدعون كل من ينتمي إليهم على أفكاره وآرائه دون أن يحملوهم بالعلم والحجة من الكتاب والسنة على توحيدها وتصحيح الخطأ منها وجل اهتمامهم إنما هو في توجيههم إلى الأخلاق الإسلامية وآخرون منهم لا شغل لهم إلا تثقيف أتباعهم بالسياسة والاقتصاد ونحو ذلك مما يدور عليه كلام أكثر الكتاب اليوم حوله ونرى فيهم من لا يقيم الصلاة ومع ذلك فهم جميعا يسعون إلى إيجاد المجتمع الإسلامي وإقامة الحكم الإسلامي. وهيهات هيهات إن مجتمعا كهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بدأ الدعاة بمثل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى الله حسبما جاء في كتاب الله وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/24) ومن البديهي أن مثل هذه الدعوة لا يمكن النهوض بها بعدما دخل فيها ما ليس منها من طريق الدس على النبي صلى الله عليه وسلم باسم الحديث والدس على تفسير القرآن باسم التأويل فلا بد من الاهتام الجدي العلمي لتصفية المصدرين المذكورين مما دخل فيهما لنتمكن من تصفية الإسلام من مختلف الأفكار والآراء والعقائد المنتشرة في الفرق الإسلامية حتى ممن ينتسب إلى السنة منهم. وأعتقد أن كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس الصحيح من التصفوية فسوف لا يكتب لها النجاح اللائق بدين الله الخالد. ولقد تنبه لهذا أخيرا بعض الدعاة الإسلامين فهذا هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى فإنه بعد أن قرر تحت عنوان (جيل قرآني فريد) أن هذه الدعوة أخرجت جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعه وأنها لم تعد تخرج من ذلك الطراز مرة أخرى تساءل عن السبب مع أن قرآن هذه الدعوة لا يزال وحديث الرسول وهديه العملي وسيرته الكريمة كلها بين أيدينا كما كانت بين يدي ذلك الجيل الأول ولم يغب إلا شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بأنه: (لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتميا لقيام الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للناس كافة وما جعلها آخر رسالة وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض إلى آخر الزمان) ثم نظر في سبب عدم تكرر المعجزة عدة عوامل طرأت أهمها ما أشرنا إليه من اختلاف في طبيعة النبع فقال: (كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن القرآن وحده فما كان حديث رسول الله وهديه إلا أثرا من آثار ذلك النبع فعندما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: كان خلقه القرآن. (1/25) كان القرآن وحده إذن هو النبع الذين يستقون منه ويتكيفون به ويتخرجون عليه ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة ولا ثقافة ولا علم ولا مؤلفات ولا دراسات كلا فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوربا تعيش عليه أو على امتداده. وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك وحضارات أخرى قاصية ودانية: حضارة الهند وحضارة الصين إلخ. وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها. كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة فلم يكن إذن عن فقر في الحضارات العالمية والثقافات العالمية يقصر ذلك الجبل على كتاب الله وحده. . في فترة تكونه. . . وإنما كان ذلك عن تصميم مرسوم ونهج مقصود. يدل على هذا القصد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة وقوله: (حسن) (إنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد صنع جيل خالص القلب. خالص العقل. خالص التصور. خالص الشعور. خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي الذي يتضمنه القرآن الكريم. ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد ثم ما الذي حدث؟ اختلطت الينابيع صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم وأساطير الفرس وتصوراتهم وإسرائيليات اليهود ولاهوت (1/26) النصارى وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم وعلم الكلام كما اختلط بالفقه والأصول أيضا. وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل فلم يتكرر ذلك الجيل أبدا) ثم ذكر - رحمه الله - عاملين آخرين ثم قال (ص 17): (نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية. . . تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية وتفكيرا إسلاميا. . . هو كذلك من صنع هذه الجاهلية لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا ولا يتضح تصور الإسلام في عقولنا ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة. فلابد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها. لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال. النبع المضمون الذي لم يختلط ولم تشبه شائبة نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق: وجود الله سبحانه. . . ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة وقيمنا وأخلاقنا ومفاهيمنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة. ثم لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية في خاصة نفوسنا. . . ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له فهو بهذه الصفة. . . صفة الجاهلية. . . غير قابل لأن نصطلح معه. إن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أو لا (1/27) لنغير هذا المجتمع أخيرا. وسنلقى في هذا عنتا ومشقة وستفرض علينا تضحيات باهظة ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذي أقر الله به منهجه الإلهي ونصره على منهج الجاهلية). من أجل ذلك كان لا بد للعاملين من أجل الدعوة الإسلامية أن يتعاونوا جميعا على الخلاص من كل ما هو جاهلي مخالف للإسلام ولا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض). فإذا هم فعلوا ذلك فقد وضعوا الأساس لقيام المجتمع الإسلامي وبدونه لا يمكن أن تكون لهم قائمة أو تنشأ لهم دولة مسلحة. وإني لأعجب أشد العجب من بعض الكتاب والدكاترة الذين يؤلفون في معالجة بعض أمراض النفوس كمؤلف رسالة (باطن الإثم الخطر الأكبر في حياة المسلمين) ثم لا يقنع بذلك حتى يكشف عن جهل كبير بالخطر الحقيقي الذي يحيط بالمسلمين وهو ما أشار إليه الأستاذ سيد قطب - رحمه الله تعالى - في كلامه المتقدم: فإن الدكتور المشار إليه لم تعجبه هذه الحقيقة فأخذ يغمز منها ومن المذكر بها تحت عنوان له في الرسالة المذكورة (ص 85): (مشكلتنا أخلاقية وليست فكرية). قال: (ومعنى كل هذا الذي ذكرناه أننا نعاني من مشكلة تتعلق بالخلق والوجدان وليس لها أي تعلق بالقناعة أو الفكر). كذا قال ثم تعجب من الناس الذين يشعرون بمشكلته ويتنبهون إلى ما سماه بالخطر الأكبر في حياة المسلمين ولكنهم بدلا من أن يعالجوه بالسبل التي (1/28) ذكرها هو في رسالة يعالجونه بمزيد من الأبحاث الفكرية. . . ثم قال مشيرا إلى كلام سيد قطب رحمه الله: (فماذا يجدي أن نسهب في شرح (المجتمع الجاهلي) أو نتفنن في كشف المخطات العدوانية التي يسير عليها أعداء الإسلام وأرباب الغزو الفكري أو نهتم بعرض المزيد من منهجية الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية وأن البلاء الذي يعانيه المسلمون ليس الجهل بشيء من هذا كله وإنما هو المرض العضال الذي يستحكم بنفوسهم)؟ ليس بالمسلمين حاجة بعد اليوم إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية فالمسلمون على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية لو أن الأمر كان موكولا إلى الوعي وحده وإنما هم بحاجة بعد اليوم إلى القوة الهائلة التي تدفع إلى التنفيذ وهيهات أن يكون أمر التنفيذ بيد الفكر أو العقل وحده والقوة الهائلة التي يحتاجوها إنما هي قوة الأخلاق) هكذا يقول الدكتور العليم وفي كلامه من المغالطات والخطيئات ما لا يتسع المجال لبسط القول في بيانها فإن أحدا من الإسلاميين لا يتصور أن يقول أن الوعي والفكر وحده يكفي لحل المشكلة خلافا لما أوهمه كلامه ولكن المشكلة التي أنكرها الدكتور هي الأصل لقوة الأخلاق ألا وهو الإيمان والتوحيد الصحيح والعقيدة الصحيحة ولذلك كانت الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم أول ما يبدؤون من الدعوة إنما هو توحيد الله عز وجل فلم يكونوا يعالجون بادئ الأمر المشاكل الأخلاقية ولا الاقتصادية وغير ذلك مما افتتن بمعاجلته كثير من الكتاب اليوم مع الغفلة عن المشكلة الأساسية وهي انحراف الكثير من المسلمين اليوم وما قبل عن العقيدة الصحيحة ولكتب (1/29) الكلام التي يسمونها بكتب التوحيد ضلع كبير في ذلك وأنا أسأل الدكتور العليم سؤالا واحدا: هل يمكن لفرد أو أفراد أو جماعة أو أمة أن يحظوا بالقوة الهائلة التي يحتاجونها اليوم وهي قوة الأخلاق إذا كانت عقيدتهم غير صحيحة فإذا أجاب بعدم الإمكان فنسأله فهل الذي يعلمه هو أن هناك أمة مسلمة لا تزال عقيدتهم صحيحة كما كانت عليه في عهد السلف على الرغم من أن فيهم من هو على عقيدة المعتزلة النفاة والجبرية وغلاة المتصوفة الذي منهم اليوم وفي بلدنا خاصة من يقول بأن المسلم ليس بحاجة إلى أن يتعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تساعد على فهمهما وإنما يكفي في ذلك تقوى الله ويحتجون من القرآن بما هو حجة عليهم لو كانوا يعلمون كقوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} وبناء على ذلك ينكرون كثيرا من الحقائق الشرعية كالشفاعة الثابتة للأنبياء والرسل وبخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزول عيسى وخروج الدجال وغير ذلك كثير وفي مصر والهند أناس يسمون بالقرآنيين الذين يفسرون القرآن دون الاستعانة على تفسيره بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين بل وبدون التزام للقواعد العلمية العربية. فإن أجاب الدكتور بأن عقيدة المسلمين اليوم هي كما كانت في عهد السلف فنسأله هل هذا الذي ذكرته من العقائد الباطلة موجود اليوم وفي بلده خاصة فإن أجاب بالإيجاب كما هو الظن به فيكف يتجرأ على القول المتقدم: (ليس بالمسلمين حاجة بعد إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية فالمسلمون اليوم على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية)؟ وإذا كابر وجحد ورجع إلى القول بأن المسلمين فيهم الخير والبركة من (1/30) هذه الحيثية سقطت مخاطبته لأن الأمر كما قال الشاعر: وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وأخيرا لا بد من أن أواجه إلى حضرة الدكتور السؤال الذي يكشف له إن شاء الله عن خطئه الذي وضع له ذلك العنوان الخاطئ إن كان لم يتبين له حتى الآن نحن نسألك بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ فإن أجبت بالجواب الذي نؤمن به وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم دليل إيمان الجارية ألا وهو قولنا: في السماء وفهمه على الوجه الذي فهمه السلف أنه تبارك وتعالى على العرش فقد أصبت الحق واتفقت معنا في هذه المسألة التي علاقتها بالأفكار والعقائد وليس بالأخلاق ولكنك في الوقت نفسه خالفت جماهير المسلمين حتى المشايخ والأساتذة والدكاترة الذين درست عليهم الشريعة فإنهم لا يوافقونك على هذا الجواب الحق وما عهدك بالكوثري وأبي زهرة ببعيد. وإن أنت أنكرت توجيه هذا السؤال الذي سنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيت أن تجيب عليه بجواب إيجابي أو أجبت بجواب المعتزلة: الله موجود في كل مكان. وهذا معناه القول باتحاد الخالق والمخلوق وهو الكفر بعينه أو تجيب بما في (الجوهرة) وحاشيتها وغيرها من كتب الكلام التي درستها وتثقفت بثقافتها حتى (أصبحت تملك من الوعي ما ينسج لك الحصانة الكافية) فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة كما سبق أن أشرنا إلى بعض النقول عن بعض الأئمة الموثوق بهم عندنا جميعا ونحن على مذهبهم في ذلك وباختصار فسواء كنت معنا أو ضدنا في هذه العقيدة فكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين منذ مئات السنين حتى اليوم وفي الطائفة التي تؤمن بالسؤال والجواب الوارد في الحديث المشار إليه آنفا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن قيم الجوزية (1/31) وجميع إخواننا الحنابلة اليوم الذي هم من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكل من الطائفتين هم بلا شك مما يشملهم ظنك الواسع الذي عبرت عنه بقولك في الرسالة السابقة (ص 9): (وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير. . . ) وأما أنا فأعتقد أن كلا من الطرفين إذا تمسك بآداب الإسلام سيقول بلسان حاله أو قاله للطائفة المخالفة: (وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) والدكتور يعلم فيما أعتقد أن إحدى الطائفتين أيا كانت فهي على ضلالة وليس هي بلا شك من حيث الخلق وإنما من جهة الفكرة والعقيدة وكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين اليوم في هذه المسألة وغيرها من مسائل الاعتقاد أفليس هؤلاء المختلفون بحاجة يا دكتور إلى الدراسات الفكرية ولا أقول كما قلت: (إلى مزيد من الدراسات الفكرية)؟ لأن الإنسان العاقل يطمع في المزيد عندما يجد المزيد عليه فيكف وهو مفقود أو في حكم المفقود. فهو يطمع فيه ثم في المزيد عليه أليس هؤلاء جميعا بحاجة ملحة إلى تلك الدراسات حتى يتبين الحق للطائفة الضالة أيا كانت هذه الطائفة فتنضم إلى الطائفة المحقة وتزداد هذه إيمانا على إيمان بحقها وصوابها ومعرفة بملتها والدعوة إليها وبذلك نسير إلى المجتمع الإسلامي المنشود وهو لا ينافي إذا قام به بعض الدعاة أن يقوم آخرون بمعالجة أمراض النفوس وأخلاقها كما فعل الدكتور في رسالته السابقة الذكر (باطن الإثم) ولكن بشرط أن لا ينكر على الأولين جهادهم الأكبر ولا أن يدعوهم بأن يسلكوا سبيلهم في معالجة المشكلة المدعاة {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات}. [من مقدمة: مختصر العلو]. (1/32) جهود الشيخ المستمرة في الدفاع عن السنة قال الشيخ رحمه الله: وإني أحمد الله تبارك وتعالى حمدا كثيرا طيبا على نعمة الإسلام أولا وعلى أن هداني إلى السنة ثانيا , ووفقني - بفضله- إلى نصرتها وخدمتها ثالثا , وذلك بالدعوة إليها والتفقه فيها , بعد تمييز صحيحها من ضعيفها , فإن هذا التمييز هو المنهج الذي ينبغي أن يُقام عليه الفقه الإسلامي , بله العقيدة الإسلامية , وإلا اختلط الباطل بالحق , والخطأ بالصواب, وتعددت الأقوال والآراء , حتى يحتار فيها كثير من العلماء, ولا يجدون إلى معرفة الراجح منها سبيلا , فيذرونها معلقة: قيل كذا, وقيل كذا! أو أنهم يصيرون إلى الترجيح بغير مرجح اتباعا للمصلحة - زعموا- أو الهوى! فقطعا لدابر ذلك كله كان لابد من التزام هذا المنهج السليم من التمييو بين الصحيح والضعيف من الحديث ليكون المسلم على بصيرة من دينه وقوفا منه مع أمر ربه (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) وقد تجاوب معنا في ذلك كثير جدا من أفاضل العلماء والمؤلفين والدعاة والطلبة في مختلف البلاد الإسلامية , ولا أدل على هذا من الطلبات الكثيرة التي تصلني منهم يوما بعد يوم , مُلحين بضرورة متابعة نشر ما عندي من السلسلتين وغيرهما , ليزدادوا بها علما , ويأخذوا بالصحيح وفقه, ويذروا الضعيف إلى غيره. ومقابل هؤلاء الفاضل بعض الشيوخ، المقلدين وغيرهم من الصوفيين والطرقيين، الذين لا حياة لهم إلا بالاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، التى يسيطرون بها على قلوب العامة ثم على ما فى 0000 لذلك فهم لا يرضون عن ذلك التمييز، ولازمة من التمسك بالإسلام على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة، (1/33) ويحاربون الدعاة إليه محاربة شديدة لا هوادة فيها، ويستبيحون فى سبيل ذلك من الكذب والبهت والافتراء ما لا يستحله إلا الكفار الذين قال الله فيهم: {) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ}، لأنهم يعلمون أن هذه الدعوة ستقضى على مشيختهم وسخافاتهم وخرافاتهم التى يستغلون بها السذج، وطيبى القلوب من الناس 0 ولدى على ذلك أمثله كثيرة، وحسبى الآن فى هذه المقدمة مثالان أثنان، لهما صلة وثقى بها: الأول: أن وزير الأوقاف فى بعض الإمارات العربية - ولعله صوفى، أو حوله بطانة صوفية - اصدر مذكرة نشر مضمونها فى أوائل شوال سنة (1406هـ) فى بعض الجرائد كالبيان وغيرها، يتهم فيها إخواننا السلفيين فى تلك الإمارة بتهم شتى، منها (التطرف)! والخطورة على العقيدة الإسلامية! وإنكار المذاهب الربعة!!! وكل كذب وزور، الهدف منه ظاهر لكل ذى بصيرة فى الدين، وهو التمهيد الجو لمنعهم من الدعوة إلى الله، وتبصير الناس بدينهم على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهج السلف الصالح، ومنهم الأئمة الأربعة رضى الله تعالى عنهم أجمعين 0 ولم تكتف المذكرة بهذه التهم، بل أضافت على ذلك تهما أخرى، تتعلق بشخصى أنا، هى أظهر بطلانا من سابقاتها، فقالت: (ويتزعمها خصم يدعى ناصر الدين الألبانى) فهذا كذب وزور، يشهد به كل من يعفنى شخصيا ن فإن انكبابى على التأليف والتحقيق أكر من نصف قرن من الزمان يحول بينى وبين التزعم المزعوم، هذا لو كانت نفسى تميل إليه، فكيف وهو مناف لطبيعتى العلمية؟؟ (1/34) وأوضح ما فى المذكرة من الافتراء، قولها عقب الزعم السابق: (كما جرى طرده من الإمارات قبل أربع سنوات ومنعه من العودة للبلاد)! قلت: وهذا كذب له قرون كما يقال فى بعض اللغات ن فإنه لم يكن شئ من ذلك البته - والحمد لله، وليس أدل على ذلك من أننى عدت إليها بتاريخ 29/ 3/1985 بأذن دخول رسمى رقم 6094/أ، ثم خرجت كذلك بتاريخ 5/ 4/1985 كما هو مسجل فى جواز سفرى رقم 284024س ... ر/77 0 ثم إننى أرى أن هذا الخبر الكاذب الذى صدر من شخص مسؤول هناك ن لا يمسنى أنا شخصيا فقط، بل ويمس الدولة التى هو وزير فيها، أذ لا يعقل أن يوافق حكامها - وهم مسلمون مثلى - على الطرد المزعوم، لا لسبب يذكر سوى اننى أقول: {ربى الله}، وأدعو إليه، وهو القائل: {ومن أحسن قولا ممن دعا على الله وعمل صالحا وقال غننى من المسلمين}، فى الوقت الذى يسمح فيه للكفار بالدخول إلى البلاد على اختلاف أديانهم وغاياتهم؟! اللهم فإنى إليك أشكو غربة افسلام وأهله، اللهم فاعز المسلمين، واذل الكافرين والمنافقين 0 ثم إن من فريات تلك المذكرة قولها: (إن هذه الجماعة تنكر المذاهب الأربعة)! فأقول: هذا كذب وزور، فنحن نقدر الأئمة الأربعة - وكذا غيرهم - حق قدرهم، ولا نستغنى عن الاستفادة من علمهم، والاعتماد على فقههم، دون تعصب لواحد منهم على الآخرين، وذلك مما بينته بيانا شافيا منذ أكثر من ثلاثين سنة فى مقدمة كتابى: (صفة صلاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم من التكبير إلى التسليم كانك تراها) فإليها أحيل من كان يريد التأكد من كذب هذه الفرية وإن (1/35) من أفرى الفرى قولها عطفا على ما سبق: (وتشكك بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق تكذيب أحاديث (! ) الصحاح المعتمدة، والتشكيك بصحة بعض الأحاديث النبوية الأخرى)! فأقول: {سبحانك هذا بهتان عظيم} و {إفك مبين}، واعتداء جيم على مسلم نذر نفسه ووقته وجهده لخدمة السنة والدفاع عنها والرد على مخالفيها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، وقضى فى ذلك أكثر من نصف 0 قرن من الزمان، لا يكل ولا يمل، والحمد لله 0 وله فى ذلك المؤلفات الكثيرة التى يشهد بفائدتها وأهميتها كبار العلماء والأدباء، وينتفع بها الملايين من طلاب العلم فى كل البلاد الإسلام وغيرها، وقد اعيد الكثير منها، وبعضها ينبئ عن ذلك صريح اسمها، مثل (دفاع عن الحديث النبوى) و (منزلة السنة فى افسلام، وأنه لا يستغنى عنها بالقرآن)، و (الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد) ولم يطبع بعد، وهو فى الرد على من نفى صحة نسبة (المسند) للإمام أحمد، وغيرها كثير مما هو مطبوع معروف، وقد جمع أسماء الكثير منها بعض المحبيين فى كتب ورسائل، وقفت وأنا أكتب هذه المقدمة على واحدة منها مطبوعة بعنوان: (سلم الامانى فى الوصول إلى فقه الألبانى) وفى اعتقادى أن تلك المذكرة الجائرة، تشير بهذه الفرية الباطلة إلى جهودنا المستمرة فى خدمة السنة المطهرة التى منها بيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الدائرة على ألسنة كثير من الخطباء والمحاضرين والمدرسين وغيرهم من خاصة المسلمين وعامتهم، متوهمين أنها أحاديث صحيحة، وهى عند أهل العلم ضعيفة أو موضوعة، فيتهمهم الجهال بأنهم يكذبون بالأحاديث الصحيحة، والله المستعان 0 (1/36) وفى ختام هذا الرد لا بد لى من أن أذكر صاحب تلك المذكرة وبطانته إن كانوا مؤمنين بقول رب العالمين: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} 0 وبقول صلى الله عليه وآله وسلم الثابت عنه - وهم لا يكذبون بالأحاديث الصحيحة إن شاء الله: - (من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنة الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ن ولي بخارج) 0 (الصحيحة 438 والارواء 2318)، و (ردغة الخبال) جاء تفسيرها فى حديث آخر أنها: عصارة أهل النار 0 نسأل الله السلامة والعافية فى الدنيا والآخرة 0 ذلك هو المثال الأول من أمثلة محاربة الدعاة إلى الكتاب والسنة وتمييز صحيحها من ضعيفها 0 والآن جاء وقت بيان المثال الآخر فأقول: هناك فى المغرب رجل ينتمى إلى العلم، وله رسائل معروفة ويزعم أنه خادم الحديث الشريف ن وهو الشيخ عبد الله بن الصديق الغمارى وهو يختلف عن الرجل الأول المشرقى من حيث أنه معروف بعدائه الشديد منذ القديم لأنصار السنة، ولكل من ينتمى إلى عقيدة السلف مما يدل العاقل أنه لم يستفد من الحديث إلا حملة! ولا أدل على ذلك من كتيب له طبع فى هذه السنة (1986) بـ (طنجة) بعنوان: (القول المقنع فى الرد على الألبانى المبتدع (! أقول ك عن كل من يقرأ هذا العنوان من القراء مهما كان اتجاهه - يتساءل فى نفسه متعجبا: ماذا أرتكب الألبانى من البدع – وهو المعرف بمحاربته إياها فى محاضراته وكتبه، ومن مشاريعة المعروفة (قاموس البدع) وقد نص على الكثير منها فى فصول خاصة فى آخر بعض كتبه، مثل بدع الجنائز، وبدع الجمعة وبدع (1/37) الحج والعمرة ن فما هى البدع التى جاء بها الألبانى حتى وصمه الغماوى بـ (المبتدع)؟ مع أنه كان {أحق بها وأهلها}، لأنه هو المعروف بالأبتداع فى الدين، والأنتصار للمبتدعة والطرقيين، كما يشهد بذلك كل من اطلع على شئ من رسائله، وحسب القارئ دليلا على ما أقول، أنه شيخ الطريقة الشاذلية الدارقاوية الصديقية، وهو يفجر بذلك فى بعض كتاباته (1)، كما يفجر بأنه خادم السنة! وليته كان خادما لها، بل نقنع منه أن لا يكون من الهادمين لها! فإذا بدأ القارئ بقراءة كتيب الغمارى، فسرعان ما يبدو له ان موضوعه حديثى محض يرد فيه على الألبانى بعض ما انتقده عليه فى تعليقه على رسالة: (بداية السول فى تفضيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام العز بن عبد السلام، من بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وغير ذلك، وأنه لا علاقة له بالبدعة كما سيأتى عن شاء الله تعالى بيانه 0 م يتابع القارئ القراءة فيجد أن الشيخ الغمارى كأنه شعر بأنه لم ينل من الألبانى بغيته من التشهير به، وبيان جهله الذى يرميه به فى ردة عليه من الناحية الحديثية ن لذلك قفز إلى مناقشة اللبانى فى بغض المسائل الفقهية، ففيها يجد المسألة التى من أجلها وصم الغمارى الألبانى بـ (المبتدع)، ألا وهى قوله بعدم شرعية زيادة كلمة (سيدنا) فى الصلوات الإبراهيمية! اتباعا لتعليمه صلى الله عليه وآله وسلم أمته إياها بقوله: (قولوا: اللهم صلى على محمد 0000) وهنا يزداد القارئ اللبيب استغرابا مجددا: كيف يكون مبتدعا من التزم تعليم النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزد عليه شيئا، ولا يكون الغمارى هو المبتدع حقا وهو لا يرى هذا الألتزام؟! بل هو ينكره على الألبانى؟! __________ (1) انظر مقدمته على كتاب أخيه الشيخ أحمد: (الحسبة) (1/38) قلت: بل وعلى السلف جميعا من صحابة وتابعين، وأئمة مجتهدين فإنهم قدوتى فى عدم شرعية ذلك ن وبخاصة الحافظ ابن حجر الذى أفتى بذلك، وقد نقلت فتواه فى تعليقى على (صفة الصلاة) وختمها بقوله: (ولو كانت زيادة 0 سيدنا) مندوبة ما خفيت عليهم حتى اغفلوها والخير كله فى الاتباع). وأشار الغمارى إلى فتوى الحافظ التى ذكرت خلاصتها فى تعليقى على (فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم لإسماعيل القاضى (ص 26)، وتعقب الغمارى هذه الخلاصة بقوله (ص 20 - 21): (وهذا جمود شديد، وتزمت ممقوت .... )، إلي آخر هرائه الذى ذكر فقيه حكاية عن فلاح لا تنطبق إلا عليه ن ثم قال: (فنحن حين نذكر السادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم نزدها من أنفسنا (! ) ولكن من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا سيد ولد آدم) ... والمبتدع الألباني وقع في البدعة التى ينعاها علينا، وهو لا يشعر، لضعف فهمه وقلة إدراكه، فهو حين يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة كتبه يصلي على أصحابه معه لا، وزيادة الصحابة بدعة، لما تقدم بيانه). فتأمل أيها الأخ القارئ! إلي غرور هذا الرجل وجهله وإقدامه على الاستدلال بالحديث المذكور على بدعته، فإن لازمه أن السلف كانوا غافلين عن دلالته فما أحقه بوعيد قوله تعالي في كتابه: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا}. وقد زاد عليه أخوه أحمد في ذلك، فألف كتابا يغنيك اسمه عن مضمونه ودلالة على انحرافه عن السبيل وهو: (تشنيف الآذان باستحباب السيادة في (1/39) الصلاة والإقامة والأذان)! ووافقه الغماري الصغير على ذلك (ص51) من رسالته التى سماها: (إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة)! على حد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ... يسمونها بغير اسمها)!. ذلك قولهم! وهم يعلمون أن الآذان وما ذكر معه توقيفي بوحى السماء، وقد بلغه صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وعلمهم إياه كما أنزل، فلا يجوز التقدم بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم والزيادة عليه اتفاقا، ولا إخال يخالف فيه إلا ضال مضل، حتى ولا صاحب هذا الرد المفظع! فإنه قد صرح فيه بذلك، ولكنه _ لجهله البالغ _ وضعه في غير موضعه، فقال (ص9 - 10): (وننبه هنا على خطأ وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بعضا ولم يتفطن له إلا الشيعة (! ) ذلك أن الناس حين يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكرون معه أصحابه، مع ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سأله على محمد وآل محمد)، وفي رواية: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته)، ولم يأت في شئ من طرق الحديث ذكر أصحابه مع كثرة الطرق وبلوغها حد التواتر فذكر الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيادة على ما علمه الشارع واستدراك عليه وهو لا يجوز) قلت:: ليس في هذا الكلام من الحق إلا قولك الأخير: أنه لا تجوز الزيادة على مكا علمه الشارع .. . إلخ، فهذا حق نقول به ونلتزم، ما استطعنا إلي ذلك سبيلا، ولكن ما بالك أنت وأخوك خالفتم ذلك، واستجببتم زيادة كلمة (سيدنا) في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ولم ترد في شئ من طرق الحديث؟! أليس في ذلك استدارك صريح عليه صلى الله عليه وآله وسلم يا من تعظيمه بالتقدم بين يديه؟! (1/40) أما سائر كلامك فباطل لوجوه: الأول: أنك أثنيت على الشيعة بالفطنة، ونزهتهم عن البدعة، وهم فيها من الغارقين الهالكين، واتهمت أهل السنة بها وبالبلاء والغباوة، وهم - والحمد لله - مبرؤن، فحسبك قوله صلى الله عليه وآله وسلم في أمثالك: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم). رواه مسلم. (كما صليت على إبراهيم .... ، اللهم بارك على محمد ... ) إلخ الصلوات الإبراهمية المعروفة عند كل مصل، ومذكورة في (صفة الصلاة). الثالث: فإن قلت: فاتني التنبيه على تمام الحديث. قلنا لك: هب أن الأمر كذلك – وما اظن - فاستدلالك بالحديث حينئذ باطل، لأن أهل السنة جميعا الذين اتهمتهم بما سبق لا يذكرون أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الصلوات الإبراهيمية! الرابع: فإن قلت: إنما اعنى ذكرهم الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله في الخطب! قلنا: هذا وإن كنت قد صرحت به في آخر رسالتك (ص21) ونقلته عنك فيما سبق (ص10) - فإنه لا يساعدك على إرادة هذا المعنى استدلالك بالحديث لكونه خاصا بالصلاة لا الخطبة كما بنيت آنفا، وقولك في آخر تنبيهك المزعوم ك (فذكر الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيادة على ما علمه الشارع، واستدراك عليه وهو لا يجوز). حقا إن ذلك لا يجوز، ولكن أين تعليمه الصلاة عليه في خطبة الكتاب الذى ذكر فيه هو صلى الله عليه وآله وسلم وآله دون الأصحاب، حتى يكون (1/41) ذكرهم واستدراكا عليه صلى الله عليه وآله وسلم آله وصحابته أجمعين؟! الخامس: فغن قلت: إنما استدللت بالحديث لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد ... )، فعم ولم يخص صلاة ولا غيرها. فأقول: هذا العموم المزعوم أنت أول مخالف له، لأنه يستلزم الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصلوات الإبراهيمية كلما ذكر عليه الصلاة والسلام، وما رأيتك فعلت ذلك ولو مرة واحدة في خبطة كتاب أو في حديث ذكر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا علمنا أحدا من السلف فعل ذلك، والخير كله في الصلاة كما أفادته بعض الأحاديث الصحيحة، ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري (11/ 154 / 155 - الطبعة السلفية)، فليراجعه من شاء، ولذلك كنت اهترت الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصلوات الإبراهيمية في كل تشهد، وسط وأخير ن وهو نص الإمام الشافعي كما تراه في (صفة الصلاة) (ص185) مشروحا. وكيف يمكن أن يكون هذا الاستدلال صوابا وفيه ما سبق بيانه من المخالفات والمنكرات؟ مع أنه لم يقل أحد من أهل العلم ببدعية ذكر الصحابة معه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه تبعا كما تزعم أنت، بل ما زالوا ي ذكرونهم في كتبهم سلفا وخلفا، كالإمام الشافعي في (رسالته) على ما ذكره الحافظ السخاوي في (القول البديع)، والرافعي والشيرازي والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر، وغيرهم كثير وكثير جدا لا يمكن حصرهم، ما زال كل واحد منهم (يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة كتبه، يصلي على أصحابه معه) كما أفعل أنا أحيانا، اقتداء بهم، وبخاصة أن الحافظ ابن كثير نقل في (تفسيره) الإجماع على جوازه، ومع ذلك كله رميتني بسبب ذلك بدائك. (1/42) وبدعتني، أفهؤلاء الأئمة مبتدعة عندك! ويحك، أم أنت تزن بميزانين وتكيل بكيلين؟! وماذا تقول في أخيك الشيخ أحمد فإنه ايضا يفعل مثلي في خطب بعض كتبه، مثل كتابه (مسالك الدلالة) ورسالته في القبض، أتراه مبتدعا أيضا؟ يمكن أن يكون كذلك في غير هذه المسألة، أما فيها فلا، وكذلك فعل أخوك الآخر المسمي عبد العزيز في خطبة كتابه (التحذير) وكتابه (تسهيل المدرج إلي المدرج) أمبتدع هو أيضا؟! بل هو ما حققته أنت بذاتك في رسالتك (الأربعين الصديقية) وخاتمة رسالتك الأخري في (الاستمناء)! فما قول القراء في هذا الرجل المتقلب كالحرباء؟! وخلاصة الكلام في هذا المقام: أن الغماري اتفق مع أخيه على استحباب ذكر كلمة (سيدنا) في الصلوات الإبراهيمية، مع كونها زيادة على تعليمه صلى الله عليه وآله وسلم واستدراكا عليه! وهو لا يجوز في صريح كلامه!! وتفرد هو خلافا لأخويه وجماهير العلماء من قبل ومناقضة لنفسه - على إنكار ذكر الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام في الخطبة، وزعم أنه بدعة، وأني لفعلي ذلك مبتدع عنده! وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي على أصحابه بمناسبات مختلفة، ومن ذلك حديث (كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللهم صل عليهم)، فأتاه أبو أوفي بصدقته فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفي) رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في (الإرواء) (853) وغيره. ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وآله وسلم، بل قد صح عن ابن عمر انه كان يقول في الجنازة: (اللهم بارك فيه وصل عليه، واغفر له، وأورده حوض رسولك ... ) رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (10/ 414)، (1/43) وسنده صحيح على شرط الشيخين. وبعد هذا كله، فإني أرجو أن يكون ظهر للقراء جميعا من هو (المبتدع)؟ وأنه يجوز لى أن أتمثل بالمثل السائر: (رمتنى بدائها وانسلت) 0 ثم غنى أعتذر إليهم، فقد طال البحث مع هذا الرجل فى هذه المسألة وبيان جهله وزغله فيها أكثر مما كننت ظننت، ولكن لعل الأمر كما قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} 0 ولعل من الخير أن يأخذ منه القراء مثالا صالحا لطريقة معالجة هذا الرجل لبعض المسائل الفقهية، ومبلغ علمه فيها، وصورة عن أسلوبه فى ردة على من يخالفه فى الرأى، وكثرة نبزة إياه بشتى الألقاب، خلافا لقول الله تعالى فى القرآن: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وحسبك من ذلك عنوان كتيبه! وأما ما فى جوفه مما قاء به فشئ ما رأيته ولا سمعته من فاجر فاسق مل رمية إياى بـ (اللمز، والتجهيل، والسفه، والوقاحة، والزعارة والعرامة لبقبيحة، والضلة العمياء، والأفتراء، والبهت، والكذب)، وغير ذلك مما لا يتصور بذاءة وفحشا، مما لا فائدة للقارئ من نقل كلامه فى ذلك إلا الأسى والحزن على حال بعض العلماء فى هذا الزمان، ولكن لا بد من نقل شئ منه حتى لا يظن السوء، قال (ص 19) عامله الله بما يستحق: (وقد أخطأ من زعمه وهابيا بل هو أعمق من الوهابيين تعصبا وأشد منهم تعنتا، وأجمد على بعض النصوص بغير فهم، وأكثر ظاهرية من ابن حزم، مع سلاطة فى اللسان، وصلابة فى العناد لا تخطر بخلد إنسان ن وهذا شعار أدعياء السنة والسلفية فى هذا الزمان! قال: (وبلغنا عنه أنه أفتى بمنع إعطاء الزكاة للمجاهدين الأفغانيين (1/44) نصرهم الله 0000)، إلخ هرائه وافترائه 0 قال: فما بال هذا الألباني المبتدع يفرق بين المسلمين ويضلل جمهورهم ... ولم يبق من المسلمين سنى إلا هو ومن على شاكلته من الحشوية والمجسمة الذين ينسبون إلي الله تعالي ما لا يليق بجلاله). أعود مرة أخري لأقول: (سبحانك هذا بهتان عظيم} و {إفك مبين}. ولا مجال للرد عليك في هذه الفريات والأكاذيب سوي ان أخاطبك بقول الله تعالي للمشركين واليهود: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ولن تستطيع إلي ذلك سبيلا، إلا إن استطاع المشركون واليهود أن يأتوا ببرهانهم! وإن من عدل الله تعالي وحكمته في الظالم الفاسق من عباده أن يجري على لانه ما يدل الناس على كذبه وبهتانه، مثل قول الغماري: (وبلغنا ... ) فإنه مخالف لصريح الآية: {يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. } فلو أن الغماري كان مؤمنا حقا لاستجاب لأمر ربه ولتبين له ان ما بلغه كذب أيضا وزور، وهذا أقوله إذا لم يكن هو مصدر هذه الفرية أيضا، فإنها ليست بأخطر من سابقاتها! عامله الله بما يستحق ن فإن الذى أفتيت به خلاف ما ادعاه (1) والله المستعان. وقد يتساءل بعض القراء عن السبب الذى حمل هذا الغماري على ارتكاب كل هذه الرزايا والمخازي؟ __________ (1) وقد نشر شئ من ذلك في بعض المجلات، مثل (التوحيد) المصرية، و 0 الجامعة السلفية الهندية ن وسجل في بعض الأشرطة. (1/45) فأقول: لا أعلم لذلك سببا يذكر، إلا عداءه الشديد لأنصار السنة والداعين إليها، والمعروفين في بعض البلاد ب (السلفيين) فهو يبغضهم بغضا شديدا، ويحقد عليهم حقدا بالغا، فهو عليهم (أحقد من جمل) كما جاء في المثل، ولذلك رماهم بالحشوية وبالتجسيم، كما فعل أسلافه من الجهمية والمعطلة منذ القديم، وخصني أنا من بينهم فاتهمني بمختلف الأكاذيب، وبالتفريق والتضليل! وما نقلته عنه من التهم دليل واضح على أن هذا إنما هو صفته، فالله حسيبه. ولعل القراء يلاحظون معى اتفاق هدف الغماري هذا، ومع هدف ذاك الوزير الصوفي في التهويش، وإثارة الناس على السلفيين عامة، وعلى خاصة، وفي هذه السنة بالذات، فهل كان ذلك عن اتفاق سابق بينهما في مكان ما، كما قال عز وجل: {أتواصوا به، بل هم قوم طاغون}، أم الأمر كما قال في آية أخري: {تشابهت قلوبهم}؟! وفي اعتقادي، أن الذى حمله على أن خصني بتلك الحملة الشعواء العمياء أنني كنت أنتقدته لأول مناسبة عرضت لي، وذلك في مقدمتي لرسالة العز بن عبد السلام ك (بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)، في بعض ما علقه هو عليها من قبل، فلما وقف على نقدي هذا، وتبين له صوابه، لم يسعه إلا أن يعترف ببعضه، ولكن بطريقة خبيثة، يخفي بها على القراء انه مما استفاده ىمن نقدي! وسكت عن بعض وزاغ عنه، فلم يتعرض له بذكر! ولا يخفي على القراء، أن معنى ذلك انه معترف أيضا بصواب نقدي إياه فيه أيضا، وأنه حق، ولكنه مع ذلك فقد كتمه، فصفة من يكون هذه يا ايها الغماري؟، والله عز وجل يقول في كتابه: (0 ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}. (1/46) وقال: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}؟! وفي بعض آخر زاغ عن الحق، وجادل بالباطل، وبطريق ة فيها الكثير من اللف والدوران. ولابد لي من بيان ذلك ولو طال بنا الكلام، فإنه هو المقصود من الرد على هذا الرجل في هذه المقدمة، وما قبله كان من قبيل التوطئة له، والله المستعان. وقبل الشروع في ذلك، لا بأس من التنبيه على ان نقدي للغماري لم يكن فيه شئ من التهجم عليه ن ولا لمزته بأشياء حصلت في تلك الرسالة كما زعم في مقدمة كتيبه الصغير، اللهم إلا إن كان يعد الرد العلمي، وبيان أوهام من يخلط في هذا العلم، تهجما ولمزا، فقد فعلت ذلك ن وهو شأن أهل العلم دائما، كما قال مالك رحمه الله تعالى: (ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف إذا كان المردود عليه من أهل الأهواء يدعي ما لا علم له به؟ كهذا الرجل المعجب بعلمه الذى سمح لمن طبع رسالته في الكبائر أن يلقبه ب (الإمام الحافظ)! بل قال هو عن نفسه في مقدمتها! انه تمكن في علم الأصول، وبرز فيه على الشيوخ، بله الأقران! وقال فيها متعاليا على العلماء: (وهذا بحث مهم، بجهله كثير من أهل العلم)! عجيب - والله - أمر هذا الرجل، يتبجح بكل هذا، ثم يرمين به دون ما خجل أو حياء. انظر كتيبه الصغير (ص12). ومناقشتي إياه - فيما تقدم - حول استحبابه زيادة كلمة (سيدنا) في الصلوات الإبراهيمية، واستنكاره الصلاة على الصحابة، قد بينت للقراء مبلغة من العلم ومعرفته بالفقه، وأنه دعي في هذا التبجح ونحوه والآن أبدأ - بإذنه (1/47) تعالي - ببيان ما وعدت به آنفا، وشرح موقفه تجاه نقدي السابق إياه، وبذلك يظهر أيضا للقراء جميعا أن علمه في الحديث وأصوله، كعلمه في الفقه وأصوله، ولولا تلك الأكاذيب والأباطيل التى رماني بها لما استحسنت. أن أذكر القراء بقول الشاعر فى مثله وهو يصدق عليه: زوامل للأشعار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدرى البعير إذا غدا ... بأجماله او راح ما فى الغرائر لقد كان نقدى على الغمارى محصورا فى خمسة مواضيع، الخصها هنا بما يلى: الأول: أنه لا يعنى ببيان مرتبة الأسانيد والأحاديث من صحة أو ضعف إلا نادرا، أن ذلك هو المقصود من التخريج 0 الثانى: أنه يعتمد على تحسين الترمذى، وظنى به أنه يعلم تساهله فيه 000 الثالث: إهماله تخريج بعض الأحاديث ن ولعل ذلك كان سهوا منه، بعضها فى (الصحيحين) الرابع: يعزو بعض الأحاديث لغير المشاهير كأصحاب (الصحاح) و (السنن) الخامس: تقويته لحديث ابن مسعود: (الخلق كلهم عيال الله 000) بقوله: (إسناده جيد)! مع أن فيه متروكا، وكحديث: (أنا سيد ولد آدم، وعلى سيد العرب) 0 فإنه قال: (حديث ضعيف، خلافا لقول الذهبى: إنه موضوع) فماذا كان جواب الغمارى على نقدى هذا؟ لم تساعده نفسه الأمارة بالسوء على الإجابة العلمية الهادئة، فقد أفتتح الجواب باتهامه إياى ببعض تهمة الكثيرة المتقدمة، فزعم أننى تهجمت عليه ولمزته! وهذا كذب واضح لمن تأمل تأدبى (1/48) معه وتلمسى له العذر بقولى: (وظنى به أنه يعلم 000)، وقولى: (ولعل ذلك كان سهوا) فضاع - مع الاسف - الأدب معه، وجزانى جزاء سنمار! وإليك الآن جوابه عن تلك المواضيع، لتزداد معرفة بعلمه فى هذا المجال أيضا، وبخلقه كذلك: 1 - لقد اعترف بما ذكرته ولم يحاول الزوغان عنه - كما هى عادته ولكنه سوغ ذلك بقوله: (لم أبين الأسانيد، لأن الرسالة فى الفضائل النبوية، ولتلك الأحاديث ما يؤيدها من القرآن والسنة الصحيحة 0 على أن مما قرره العلماء 0000 جواز العمل بالحديث الضعيف فى الفضائل والترغيب ما لم يكن موضوعا 000) وجوابا عليه أقول: أولا: هذا عذر أقبح من ذنب كما يقال، لأن كون الأحاديث فى الفضائل 0000 كما زعمت ن لا يمنعك - لو استطعت - من بيان مراتبها كما لم يمنعك ذلك من تخريج الكثير منها 0 ثانيا: لقد اثبت لك أن هذا الذى فعلته هو من باب الشتغال بالوسيلة عن الغاية، وأن ذلك ليس من شأن المتمكن فى هذا العلم الشريف وضربت لك هناك مثلا بالذى يتوضأ ثم لا يصلى 0 فما بالك أعرضت عن الجواب عنه، ولم تنبس ببنت شفة حوله؟! أليس هذا اعترافا منك أنك لست منهم؟! ثالثا: أما استرواحك إلى ما نسبته للعلماء من جواز العمل بالضعف فى الفضائل، فهو من خلطك وزوغانك الذى عرفت به فى ردودك، وبيان ذلك من وجهين: الأول: أن ذكر الحديث دون بيان ضعفه شئ، والعمل به شئ آخر كما (1/49) هو ظاهر بداهة، فإن العلماء رحمهم الله وإن اختلفوا فى جواز العمل بالحديث الضعيف فى الفضائل على تفصيل يأتى ذكره أو الإشارة إليه، فإنه لا قائل مطلقا بوجوب العلم به ن بخلاف ذكره دون بيان ضعفه ن فغنه لا يجوز بداهة، لأن الذى يفعل ذلك - كالشيخ الغمارى مثلا - له حالة من حالتين لا ثالث لهما: الأولى: أن يعرف ضعفه ثم لا يبينه 0 فهذا لا يجوز لما فيه من إثم كتمان العلم، وإيهام من لا علم عنده - وهو جمهور المسلمين خاصتهم وعامتهم - صحته، وهو مما صرح الإمام مسلم فى مقدمة (صحيحه) بعدم جوازه ن وكنت نقلت نص كلامه وكلام غيره من الأئمة فى مقدمة كتابى (الأحاديث الضعيفة والموضوعة)، ومقدمة كتابى (صحيح الترغيب والترهيب) فليرجع إليهما من شاء البسط 0 والأخرى: أن لا يعرف ضعفه، لجهله بهذا العلم، كما الغالب على أكثر الناس وبخاصة فى هذا الزمان ن وإما لعدم توفر السباب التى تيسر له معرفة ضعفه، فى هذه الحالة ينبغى له أن يشير إلى ذلك بصيغة التمريض: (روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا وكذا)، كما ذكر ذلك ابن الصلاح وغيره، وفى رأيى أنه لا بد التصريح اليوم بواقع الأمر، كان يقول: (روى 000 ولا أدرى أثابت هو أم لا؟ )، أو يقول: (وهو ضعيف الإسناد)، إذا كان يعلم ذلك 0 أنظر تمام هذا البحث فى مقدمه (صحيح الترغيب) (ص21 - ... 22) 0 قلت: فالغمارى إما أن يعلم ضعف تلك الأحاديث الضعيفة وسكت عنها فهو آم 0 وإما أن لا يعلم ن فعلية أن يعترف بذلك، ولا يدافع عن جهله فيركن إلى قول من قال: يجوز العمل بالضعيف فى فضائل الأعمال! فإنه زوغان منه عن البحث كما بينت آنفا، على أنه حجة عليه لو كان يعلم، وبيانه فيما يأتى (1/50) بأذنه تبارك وتعالى 0 الثانى: أنك حكيت عن الذين أجازوا العلم بالحديث الضعيف فى الفضائل فى أثناء تسويغك لعدم بيانك لضعف أحاديثك ما هو حجة عليك لو كنت تدرى ما يخرج من فمك، ويجرى به قلمك، فقد ذكرت عنهم (ص 4) انهم اشترطوا لجواز العمل به شروطا منها: 1 - أن لا يشتد ضعف الحديث 0 2 - وأن لا يعتقد ثبوته عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم 0 وهذا منهم شئ جيد جدا، جزاهم الله خيرا ن وإن كان تحقيق ذلك عسيرا جدا على العلماء فضلا عن غيرهم من العامة ومدعى العلم، بحيث صارت تلك الشروط نظرية غير واقعية كما حققت ذلك فى مقدمة (ضعيف الجامع الصغير) (ص 47 - 51)، و (صحيح الترغيب) (34 - 36)، وضربت بعض الأمثلة وقعت لبعض العلماء قبلنا، وأذكر الان أمثلة أخرى صدرت من الغمارى هذا: 1 - (من جمع بين صلاتين فقد اتى بابا من أبواب الكبائر) هكذا أورده فى (تنوير البصيرة) (ص 62) وقال: (ضعيف) وغنما هو ضعيف جدا كما قال الحافظ ابن حجر، فيه حنش بن قيس وهو متروك، وقد بينت ذلك فى (الضعيفة) (4581) 0 2 - (ليس منا من خصى أو أختصى، ولكن صم ووفر عر جسدك) 0 قال الغمارى فى (الاستمناء) (ص30): (رواه الطبرانى بإسناد ضعيف)! واقول: بل هو موضوع ن فيه المعلى بن هلال الطحان قال الحافظ: (اتفق النقاد على تكذيبه)! (1/51) ولذلك أوردته فى هذا المجلد من (الضعيفة) (1314)، وذكرت فيه قول الهيثمى فى الطحان هذا: (متروك). ورددت فيه على من حسنه غفلة عن علته ن أو توهما أن له طريقا أخرى وإنما هو حديث آخر! كما ستراه مفصلا بأذنه تعالى 0 ثم رأيت الغمارى قد أورد الحديث فى كتابه الذى سماه (الكنز الثمين) (رقم 3205)، وقد صرح فى مقدمته (ص 4): (أنه ليس فيه أحاديث ضعيفة أو واهية) 0 فأقول: قد تبين لى أنه غير صادق فيما قال، وهذا هو المثال بين يديك ن والسبب تقليده للمناوى وغيره، وهو مما اتهمنى به فى كتيبة الصغير (ص4)، فقد عاد إليه، وهذا من عدل الله وحكمته فى عبادة كما قيل: (من حفر بئرا لأخيه وقع فيه)! وقد كنت تتبعت أحاديث حرف اللف من كتابة المذكور (الكنز)، فوجدت فيه نحو مائتى حديث ضعيف او موضوع من أصل (1402) حديثا، ولو أن فى الوقت متسعا، لو ضعت عليه كتابا أبين فيه تلك الأحاديث وغيرها مما وقع له من الضعاف فى بقية أحرف الكتاب، فقد وجدته فيه كالسيوطى فى (الجامع الصغير)، الذى قال فى مقدمته: أنه صا نه عما تفرد به كذاب او وضاع، ثم لم يف بذلك ن كما تراه مفصلا فى (ضعيف الجامع الصغير) ومقدمته، ومن ذلك هذا الحديث، ومن (الجامع) نقلة الغمارى دون أى جهد منه أو تحقيق، ولذلك وقع منه هذا التناقض الفاح الشديد: (ضعيف)، (صحيح)، وليس ذلك من قبيل اختلاف الاجتهاد، كما يقع ذلك لبعض العلماء، لأسباب معروفة، وإنما أتى من قبل ركونه إلى التقليد، وجنوحه عن البحث والتحقيق، وإلا فكيف يمكن لباحث عارف بهذا العلم أن يضعف فقط، بله أن يصحح حديثا فيه من اتفق النقاد على تكذيبه؟! وليس له طريق أخرى! (1/52) 3 - (ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بلا عمامة) 0 ذكره الغمارى فى رسالته (إزالة الألتباس) (ص 21) فى أول أحاديث ستة أستدل بها القائلون بأن ستر الرأس من آداب الصلاة، ولكن الغمارى وهاها كلها فى صدد رده عليهم، فإنه لا يرى أن ذلك كما قالوا، إلا أنه قال فى هذا الحديث: (رواه أبو نعيم والديلمى، قال الحافظ السخاوى: لا يثبت 0 وقال المناوى: حديث غريب 0 قلت: وهذا الحديث مع ضعفه أقوى ما ورد فى هذا الباب)! كذا قال! تقليدا منه أيضا للمناوى فى (فيض القدير) و (التيسير)، وقد فاتهما أن فيه أحمد بن صالح الشمومى المكى كان يضع الحديث، ولعلهما توهما أنه أحمد بن صالح المصرى الحافظ الثقة 0 وفى إسناده علتان أخريان، وقد بينت ذلك كله فى المجلد الثانى عشر من هذه السلسلة رقم (5699) والغرض مما سبق أمران اثنان: الأول: أن يكون طالب العلم على أنتباه وحذر من حكم الغمارى أو غيره من المستاهلين أو المقلدين والجاهلين على الحديث بالضعف المطلق غير مقرون ببيان شدة الضعف، ويرتب عليه واز العمل به فى الفضائل، وهو فى الواقع واه شديد الضعف، لا يجوز العمل به اتفاقا 0 والآخر: أن الشرط الأول الذى تقدم ذكره عن الغمارى يستلزم أمرين اثنين: بيان ضعفه ن وأنه ليس شديد الضعف 0 وبيان ذلك أن الغمارى إذا ذكر حديثا ما وهو يعلم - فرضا - أنه ضعيف ن وسكت عنه، ولكن من أين للقراء أن يعرفوا ضعفه عنده، وقد كتمه عنهم؟! (1/53) فهم – والحالة هذه – سيعلمون به ظانين أنه ثابت لسكوته عليه، كما هو واقع معروف من عامة الناس / فلهذا يجب بيانه، تفريقا بين الضعيف والقوى اعتقادا وعملا، وهذا ما صرح به الحافظ ابن حجر عقب الشرط الأول، فقال فى (تبيين العجب بما ورد فضل رجب) (ص 21): (وينبغى مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر ذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وقد صرح بمعنى ذلك الستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره ن وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين)، فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق فى العمل بالحديث فى الحكام أو فى الفضائل، إذ الكل شرع) قلت: وهذا الشرط مما تعمد الغمارى طيه وكتمانه أيضا عن قرائه، لأنه يعلم أنه يدان به أكثر من الشرطين السابقين، ويؤكد ما قلت من وجوب بيان ضعف الحديث حتى لا يعمل به كما لو كان ثابتا 0 وبذلك يتجلى للقراء أن اعتذار الغمارى عن سكوته عن تلك الأحاديث الضعيفة بدعوى أنها فى الفضائل ن أنه – كما سبق - عذر اقبح من ذنب، ومكابرة عن الاعتراف بالحق ن وهو الكبر الذى من كان فى قلبه ذرة منه لا يدخل الجنة كما صح عن البنى صلى الله عليه وآله وسلم 0 فالله اسأل أن يظهر قلوبنا من الشقاق والنفاق ن وسوء الأخلاق 0 وفى رد الغمارى هنا أمور أخرى زلت قدماه فيها، يطول الكلام حولها جدا، وبخاصة فى هذه المقدمة ن وهو ميله على العمل بالحديث الضعيف فى الأحكام أيضا! ويزعم أنه كان فى زاويته الصديقية يلفت أنظار الطلبة إلى (1/54) الأحاديث الضعيفة التى عمل بها الأئمة أو الجمهور وهى ضعيفة مع علمهم بضعفها 0 فتأمل أيها القارئ إلى هذا المفترى على الأئمة، كيف يضلل طلبته وقراءة بمثل هذا الكلام المضلل، فإنه يعلم أن عملهم بالحديث الضعف يحتمل أن يكون لمطابقته لما يجوز الاستدلال به عند فقدانهم الحديث كالقياس مثلا، أو نحوه مما يقول به بعضهم، فكيف إذا كان معه عندهم حديث ضعيف؟! وقد ذكر هو نفسه نحو هذا المعنى فى رسالته فى (الاستمناء) (ص35)، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، كما لا يخفى على ذوى العلم والكمال 0 كما تعلم أيضا أن من المقرر عند علماء أصول الفقه والحديث أنه لا يعمل به فى الأحكام (1) وقد ذكر هذا هو نفسه فى الصفحة المذكورة، ولكنه عاد لينقض ذلك بقوله (ص 37): (وقولهم: الحديث لا يعمل به فى الأحكام هو مما خالف فيه العلماء قولهم، ذلك أنهم استدلوا فى كتبهم بكثير من الأحاديث الضعيفه 0000) إلى آخر ما قال- وبئس ما قال-، فإنه يتهم علماء الحديث والأصول جميعا بأنهم يقولون بخلاف ما يفعلون! وتالله إن رأيت مثلهذا الرجل بهتا وافتراء وقلة حياء، فلقد هانت عندى كل افتراءاته على، - التى سبق أن ذكرت بعضها - حين رأيت اتهامه المذكور للعلماء دون أى استثناء، وما ذلك إلا ليتخذ فعلهم - إن ثبت - حجة له فيما ذهب إليه من الجواز 0 والحق والحق أقول: هو الذى يفعل بخلاف ما يقول، فكثيرا ما يرد الحديث الذى عند خصمه بضعف إسناده كما فعل فى حديث (صلاة بعمامة 0000) المتقدم، فإنه لم يعمل به مع أنه موافق لقوله فى العمل بالحديث الضعيف فى الفضائل والأحكام، فهذا من الأدلة الكثيرة على أنه يكيل بكيلين، __________ (1) انظر (المجموع) للإمام النووى (1/ 59) فقد عزا ذلك للعلماء جميعا دون استثناء 0 (1/55) ويلعب على الحبلين 0 ومن تلك الأمور التى زل فيها الغمارى المغمور قوله: (والجمهور الذين أجازوا العمل بالضعيف فى الفضائل ونحوها اقتدوا بصنيع الشارع حيث تجاوز فى الفضائل ما لم يتجاوز فى الفرائض والأحكام 0 وغليك أمثلة من ذلك 0000) ثم ساق سبعة منها كلها تدور حول إباحته تعالى على لسان نبيه فى النوافل ما لم يبح لهم فى الفرائض! فأقول: هذا من تدليساته ومغالطاته الخبيثة، إذ إن التجاوز الذى فى هذه الأمثلة ونحوها لا يعنى الاستحباب المقصود من قول القائلين بجواز العمل بالحديث الضعيف 0000 لأنهم إنما يعنون الاستحباب، أى أن العمل به أفضل من تركه، وليس الأمر كذلك فى الأمثلة التى أولها صلاة النافلة، من قعود مع القدرة على القيام، فهذا جائز وليس بمستحب، بل المستحب أن يصلى قائما، وكذلك القول فى سائر أمثلته 0 فسقط كلامه برمته 0 ثم لو صح كلامه فى الفضائل فما فائدته وهو يقول بما هو أكثر وأدهى وأمر، وهو جواز العمل بالحديث الضعيف فى الأحكام أيضا؟! لعله يقدم للقراء مدركا أيضا لها القول لم يعرفه الأولون والآخرون، كما فعل فى الذى قبله متجاهلا مدرك العلماء الذين قالوا بعدم جواز العمل بالضعيف فى الفضائل بله الأحكام، وهو أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن المرجوح، والعمل بالظن المرجوح لا يجوز بأدلة معروفة فى الكتاب والسنة، بل ذلك من عمل المشركين الذين فيهم رب العالمين: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}، {إن الظن لا يغنى من الحق شيئا}، وهو أكذب الحديث وقد نهى النبى صلى الله عليه وآله وسلم عن (1/56) العمل به فى الحديث الصحيح: (إياكم والظن فإن أكذب الحديث) 0 (انظر مقدمة (صفة صلاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم)، و (صحيح الترغيب)، و (صحيح الجامع) و (ضعيف الجامع)، فإن فيها بسطا وافيا للموضوع 0 فتجاوز المغمور كل هذه الأدلة وأعرض عنها إلى رأيه الفج، وهو يعلم قول أهل العلم جميعا: (لا اجتهاد فى مورد النص)، و (إذا ورد الأثر بطل النظر)، ولكن ما قيمة قولهم تجاه من ابتلى باتباع الهوى، وقلب الحقائق ولم يخش الله تبارك وتعالى!؟ نسأل الله السلامة 0 ولقد قف شعرى - والله - من قوله: (اقتدوا بصنيع الشارع)! فإن التشريع من أفعاله تعالى الخاصة به، فليس لأحد أن يصنع، ويشرع للناس ما لم يشرعه {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}؟! فهل يعنى المغمور بقوله هذا: أنه يجوز لغيره تعالى أن يقتدى به ويشرع للناس مثل تشريعه، أم أن الهوى أعمى قلبه فنطق بكلمة الكفر، وما قدر الله حق قدره؟! بقى شئ واحد مضى من كلامه لم نتعرض له برد، وهو وقوله: (ولتلك الأحاديث (يعنى الضعيفة التى سكت عن بيان ضعفها) ما يؤيدها من القرآن والسنة)! هذه مجرد دعوى، يستطيعها البطلة، ولا يعجز عنها أصغر الطلبة، ولو كانوا من المتخرجين من الزاوية (! ) فلا تستحق الرد ولو بكلمة 0 وبهذا ينتهى ردى على جوابه عن نقدى الأول إياه ن فلننقل على القراء جوابه عن نقدى الثانى له، وهو اعتمادى على تحسين الترمذى مع تساهله فيه 0 (1/57) فقد قال: 2 - (لم أعتمد على تحسين الترمذى فى تلك الرسالة إلا مرة أو مرتين على الأكثر، ولم يكن تقليدا بل إقرار له لأنه صواب) أقول: هذا كسابقة مجرد دعوى، فهى مردودة، ولو كان صادقا لسارع إلى الدفاع عن نفسه بالدليل والحجة، فإنه فى موضع التهمة، فلماذا لا يدفعها عن نفه إن كان قادرا عليها؟! وذلك بأن يأتى بحديث من الأحاديث التى اشار إليها ويبين وجه الصواب فى تحسينه 0 ومن المؤسف أن رسالة (بداية السول) بتعليقه ليست الآن فى متناول يدى، لنؤكد للقراء أنه غير صادق فيما يدعيه، بمثال ننقله منها، ولكن من الممكن التمثيل بحديث عرض مفاتيح كنوز الأرض على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأختياره أن يكون نبيا، وفيه أنه قال: (أجوع يوما واشبع يوما 000) الحديث، فإنه فى الرسالة (الفقرة 29 - بتحقيقى)، وهو مما حسنه الترمذى، وقد بينت فى تعليقى عليها أن إسناد الترمذى وأحمد وغيرهما ضعيف جدا، وذكرت له بعض الشواهد، لكن ليس فيها ذكر الجوع والشبع، وانتهيت فيه إلى أن هذه الزيادة منكرة، فإن كان هذا الحديث مما عناه الغمارى فى جوابه المتقدم، وإلا فهو قد اعتمد على الترمذى فى تحسينه إياه فى كتاب آخر له، وهو الذى سماه (الكنز الثمين) (رقم (2149)، وقد زعم فى مقدمته أنه ليس فيه أحاديث ضعيفة، كما تقدم، فهو دليل واضح على صحة ما نسبته إليه من اعتماده على تحسين الترمذى المعروف تساهله فيه النقاد 0 ثم سود الغمارى نصف صفحة من رسالته يرد فيها على قول الذهبى: (لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذى)، بكلام نقله عن الحافظ العراقى استخلص (1/58) منه أن ما أعتبره الذهبى تساهلا منه هو فى الحقيقة اختلاف فى الاجتهاد! ثم ختم الغمارى ذلك بقوله: (نعم قد تعقبته فى تحسينه او تصحيحه فى كثير من مؤلفاتى وتعليقاتى)! قلت: تساهل الترمذى إنكاره مكابرة لشهرته عند العلماء، وقد تتبعت أحاديث (سننه) حديثا حديثا، فكان الضعيف منها نحو ألف حديث، أى قريبا من خمس مجموعها، ليس منها ما قويته لمتابع أو شاهد، ومع ذلك فإنه يكفينا منك الآن اعترافك بتعقبك إياه، فإنه يعنى أنه كان مخطئا عندك، وحينئذ فلا فرق بين تسميته متساهلا أو مجتهدا، لأن التساهل من مثله يكون إلا عن اجتهاد، وليس عن هوى أو غرض! وكذلك يقال فى المتشددين منهم، ومن أجل ذلك، فانتقادى إياك لا يزال قائما، وبخاصة أنه كان فيه ما نصه: (فلا ينبغى للعارف بهذا العلم الشريف أن يسكت عن تحسينه، بل لا بد له من التصريح بتأييده أو نقده حسب واقع إسناده 0000) إلخ وأقول الآن: لماذا سكت عن تلك الأحاديث، ولم تبين رأيك فيها ما دام أنك تعقبته فى غيرها، وأدرت الموضوع إلى ما لا فائدة فيه من الرد على الذهبى؟! فهلا جعلته على ما جاء فى رسالة (رفع اليدين فى الدعاء بعد الصلاة) للشيخ محمد بن مقبول الأهدل، وقد وضعت لها مقدمة فى ست صفحات مؤيدا فيها ما ذهب إليه من مشروعية الرفع المذكور، وكتبت عليها بعض التعليقات، وليس فيها حديث واحد ثابت - ولا أقول: صحيح - بل فيه مثل ذاك الحديث الواهى: (ما من عبد يبسط كفية فى دبر كل صلاة 00000)، وسكت عنه الغمارى، لسبب لا يخفى على القارئ، وفيه رجل اتهمه الإمام أحمد وغيره، كما بينته فى (الضعيفة) (5701)، فقد جاء فى هذه الرسالة (ص131) ما نصه: (وقال الحافظ ابن حجر فى نكته على ابن الصلاح: إن الترمذى (1/59) حسن أحاديث فيها ضعفاء، وفيها من رواية المدلسين، ومن كثر غلطة، وغير ذلك، فكيف يعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة؟! ) (1) هذا كلامه، فلماذا لم تعلق عليه، وهو أحق بالتعليق لو كنت منصفا لا تكيل بكيلين، ولا تزن بميزانين؟! 3 - وأما نقدى الثالث إياه، وهو: (إهماله تخريج بعض الحاديث 000 وبعضها فى (الصحيحين) 000)، فلم يتعرض له بجواب، فهو اعتراف منه ضمنى بأنه حق، ولكن أليس كان أشرف له أن يصرح بذلك؟! بلى، لو أنه كان منصفا، أليس هذا وما قبله وما يأتى بعده من الأدلة القاطعة على انك أننت المتصف بكل تلك التهم الخبيثة التى رميتنى بها، ومنها ما ختمت به كتيبك بقولك: (أما الإنصاف وعفه اللسان فيسمع عنهما ولا يحسهما من نفسه)! فالله حسيبك، وهو يتولى الصالحين، ويدافع عن الذين آمنوا 0 4 - وأما نقدى الرابع إياه المصدر بأنه يعزو الحديث لغير المشاهير 000 وذكرت على سبيل المثال حديثين: الأول: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، عزاه هو لابن أبى عاصم فى (الأدب)، وسكت عنه، ومع أن كتاب (الأدب) هذا غير مطبوع فقد أحال عليه، وأعرض عن عزوة للترمذى وكتابه مع كونه أشهر، فهو مطبوع وكذلك ابن حبان، ولا يجوز مثل هذا العزو مع وجود من هو أولى به عند أهل العلم وبخاصة أن الترمذى حسنة! الآخر: حديث السدرة عزاه للنسائى وابن أبى حاتم، وهو فى (الصحيحين)! __________ (1) وانظر (مرقاة المفاتيح) للشيخ القارئ (1/ 21) (1/60) هذا خلاصة نقدى إياه، فليتأمل القارئ جوابه الآتى عليه يتبين له علم الرجل وخلقه! قال بعد أن اختصر نقدى إياه فى الحديث الآخر: (وأقول: هذا التعقب غفلة منه كبيرة، ذلك أن مؤلف الرسالة قال فى الخصلة الأولى: إنه ساد الكل، فقال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، فغزوت الحديث لمن رواه بهذا اللفظ 000 ولم أخالف القاعدة فى العزو 0 لكن الألبانى غفل وذهل) هذا آخر كلامه، وما لم أذكره مشيرا إليه بالنقطتين لا علاقة له مطلقا بجوابه، مع أنه كما قيل: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، وإلا فما معنى قوله: فعزوت الحديث لمن رواه بهذا اللفظ، فهذا وحده يدل على أن الرجل لا يخشى الله ولا يستحى من عباد الله، لأن قوله هذا مع كونه لا يخفى على القراء، لأنه إعادة للنقطة التى هى موضغ انتقادى عليه، لأنى سأقول له مرة أخرى: لماذا عزوته لابن أبى عاصم، ولم تعزه لمن هو أولى بالعزو منه كالترمذى وابن حبان؟ فهذا هو وجه المخالفة يا من تستغفل الناس وتتهمهم بما فيك. وأما الحديث الثانى فلم يتعرض له بجواب على الإطلاق 0 فهذا مع ما فيه من الاعتراف الضمنى بأن الرجل حواش قماش لا تحقيق عنده، فهو أشرف له وأستر من جوابه عن الحديث الأول، لما فيه من الزوغان والمجادلة بالباطل 0 والله المستعان 0 5 - واما نقدى الخامس إياه ن فقد اعترف أيضا بصوابه فى الحديث الأول 0 ولكن بصورة لا ترفه وتليق بطريقته! وذلك من ناحتين: الأولى: أنه جرى فى اجوبته السابقة أن يبدا بقوله: (قال الألبانى أولا 000)، (قال الألبانى ثانيا 000)، قال الألبانى رابعا 0000) ولم يقل: قال الألبانى ثالثا 0 تهربا (1/61) وتكبرا أن يعترف بالحق كما سبق 0 فلما جاء على جوابه عن هذا النقد لم يقل أيضا: قال الألبانى خامسا، لكى يغطى اعترافه الصريح بخطئه أنه بسبب نقد الألبانى وإرشاده، فقال عقب جوابه السابق المنتهى بقوله الذى هو أسوأ منه: (غفل وذهل): (وقولى فى حديث ابن مسعود: (الخلق عيال الله) سنده جيد، سهولا أدرى كيف حصل لى؟ بل أوقعنى فيه صنيع الحافظ السخاوى)! فأقول: لو أن غيرك قال: (لا أدرى) لم أستجز لنفسى أن أقول له: إن كنت لا تدرى فتك مصيبة ... أو كنت تدرى فالمصيبة أعظم! وإنما أقول لك بصراحة: إذا كنت صادقا فى قولك هذا، ولم يكن من دسائسك وأهوائك، فإنك قد أتيت من مخالفتك لقول أئمة الحديث: (قمش ثم فتش)، فأنت قماش حواش، تركن فى الغالب إلى التقليد، الذى ترمى به غيرك، وأنت فيه غريق! ولولا ذاك لما وقع منك هذا الخطأ الفاحش الذى يترفع عنه المبتدئ فى هذا العلم الشريف، فإنك لما رأيت السخاوى خرج الحديث من رواية ابن مسعود وأنس وغيرهما، وسكت عن إسناد ابن مسعود وأعل غيره، وختم بحثه بقوله: (وبعضها يؤكد بعضا)، توهمت من ذلك كله ما دفعك على الوقوع فى الخطأ فلو أنك فتشت عن إسناد ابن مسعود لوجدت فيه ذاك المتروك (موسى بن (1) عمير أبو هارون القرشى) تلك هى الناحية الأولى 0 وأما الناحية الأخرى: فهى دفاعة عن نفسه بالباطل، وحمله مسؤولية __________ (1) سقط من الأصل المطبوع (موسى بن) فليتنبه 0 (1/62) خطئه على الحافظ السخاوى كما سبق، وهذا من جنفه وظلمه الذى لا يكاد ينجو منه حتى الموتى، ولا من تزويره، فإن السخوى لم يجود إسناده، كل ما فى الأمر أنه سكت عنه، وهذا وإن كان منه غير جيد، فهل يفهم منه أحد مهما كان غريقا فى الجهل: أنه جود إسناده كما يزعم الغماوى؟! هذا وقد خرجت الحديث فيما يأتى برقم (3590) وتكلمت على طرقه ن وارت على أنه إنما يثبت منه بلفظ: (خير الناس أنفعهم للناس) وأما الحديث الآخر: (أنا سيد ولد آدم، وعلى سيد العرب) 0 وهو الذى كنت انتقدت عليه قوله فيه: (حديث ضعيف خلافا لقول الذهبى: أنه موضوع)، ومخالفته إياه، وبينت له هناك أن الحافظ العسقلانى قد أقره على وضعه! لأن مدار الحديث عند الحاكم الذى عزاه الغمارى إليه - على وضاعين معروفين 0 فقد كابر الغمارى أيضا فيه كما سترى فإنه قال ما خلاصته: وقول الذهبي: موضوع، غلو غير مقبول لأنه ورد عن غير الوضاعين). ثم ذكر له طريقين آخرين: أحدهما: عن أنس مرفوعا. قال الهيثمي: (فيه خاقان بن عبد الله ابن الأهتم ضعفه أبو داود). وذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه. والآخر: عن عائشة أيضا مرفوعا به رواه الحاكم وقال: (صحيح الإسناد، وفيه غمر بن الحسن الراسبي، وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين). قال الغماري عقبه من عند نفسه: (قلت: إسناد الحديث نظيف ليس فيه (1/63) كذاب ولا متهم، والراسبي ذكره ابن أبي حاتم برواية محمد بن موسى الجرشي عنه، ولم يجرحه بشئ وبمقتضي القاعدة المقررة يكون تعديل الحاكم مقبولا، لكن الذهبي تعقب قول الحاكم: أرجو أنه صدوق، فقال: أظن أنه هو الذى وضعه. وهو تعنت شديد وقول بالظن، والظن أكذب الحديث. والعجب من الحافظ كيف وافق الذهبي على هذا الحكم المتعنت، وغفل عما تقتضيه القاعدة في هذا المقام؟! فالحديث بهذين الطريقين: طريق أنس وطريق عائشة، لا يبعد ان يكون من قبيل الحسن لغيره). والجواب وبالله التوفيق على وجهين: مجمل ومفصل: أما المجمل، فلا نسلم حسنه بمجموع الطريقين، لأن في طريق عائشة راويا واهيا شديد االضعف توهمه الغماري ثقة، أو تجاهله كما سيأتي بيانه في (المفصل). وأما الضعيف من حيث إسناده فليس البحث الآن فيه، والغماري نصب الخلاف فيه، بينه وبين الحافظ الذهبي والعسقلاني، لغاية في نفسه، ولي سبحانه وتعالى كذلك، وإنما هو في متنه لقولهما ببطلانه، مع تصريحهما بأن فيه من لا يعرف كما يأتي، وذلك يعنى أنه ضعيف السند، ولا منافاة بينهما كما لا يخفي على العارف بهذا العلم، ويأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالي. واما الجواب المفصل فهو من وجوه: 1 - تعليله لرد حكم الذهبي على الحديث بالوضع بقوله: (لأنه ورد عن غير الوضاعين). فهو مرفوض من اصله، وهو بذلك يوهم القراء أن الحديث لا يكون موضوعا إلا إذا كان فيه وضاع، وهذا خلاف ما صرح به العلماء في أصول علم (1/64) الحديث وفروعه، فكم من حديث حكموا عليه بوضعه أو بطلانه، وليس في إسناده وضاع أو كذاب ن وفي هذه السلسلة عششرات الأمثلة على ذلك، وقد جاء في (اختصار علوم الحديث) لابن كثير: (يعرف الموضوع بأمور كثيرة ... ومن ذلك ركاكة ألفاظه، وفساد معناه، أو مجازفة فاحشة، أو مخالفته لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة). والغماري يعرف هذا جيدا، لأنه مما لا يخفي على صغار الطلبة، ولكنه يتجاهل الحقائق ليصدق عليه ما يتهم به غيره، والمرة بعد، انظر مثلا كنيبة الآخر: (إتقان الصنعة) (ص47)، وكتب (الأحاديث الموضوعة)، كلها قائمة على هذا، فما من كتاب منها إلا وفيه أحاديث موضوعة بأسانيد ضعيفة، لأن الوضع جاء من داخل المتن الدال علىبطلانه، وعلى هذا حكمت أنا على حديث (نعم المذكر السجة)، الذى يصر الغماري وبعض تلامذته على أنه ضعيف فقط، غير ملتفت إلي معناه الدال على بطلانه كما كنت بينته فيما مضي برقم (83)، وما ذلك إلا محافظة منه على وسائل التمشيخ (! ) وجلب المريدين السذج الذين يغترون بالمظاهر، ولأمر ما قال الغماري هذا في رسالته السابقة (ص48): (وتعليق السبحة في العنق ليس فيه شئ، وهو نظير وضع الكاتب القلم على أذنه)!! ثم ذكر حديث: (وضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي). وقال: (رواه الترمذى بإسناد ضعيف)! وهو يعلم أن فيه هنبسه بن عبد الرحمن الأموي، قال أبو حاتم: (كان يضع الحديث). وله طرق أخري تدور أيضا على وضاعين وكذابين كما تراه مفصلا في (1/65) المجلد الثاني من هذه السلسة، رقم (861 - 862). من أجل ذلك لم يسع أخاه الشيخ أحمد الغماري إلا يورد هذا الحديث في كتابه (المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير) من رواية الترمذى وغيره (ص18، 65 - 66) وقال: (وهذا من وضع العجم، وقال ابن الجوزي: إنه موضع). فعل خفي هذا على الغماري الصغير، أم تعمد مخالفة اخيه الأكبر لمجرد أنه اتفق مع الألباني في الحكم على الحديث بالوضع، أم هو الدوران وراء المصلحة مهما كانت المخالفة للعلم والعلماء، والعياذ بالله تعالي؟! ومن الأمثلة على الحديث الموضوع متنا بشهادة من لا يستطيع الغماري أن يصفه ب (المبتدع) وهو اخوه السابق الذكر ن فقد قال في حديث: (اجعلوا أئمتكم خياركم ... ) (ص10). وأقرب مثال لما نحن فيه قوله في الحديث: (تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر) (صلى الله عليه وآله وسلم 36): (قلت: فيه الحسين بن إبراهيم البابي، قال الذهبي: لا يدري (من هو)، فلعل الحديث من وضعه ... ) وانظر الحديث برقم (227). وهذا البابي كما تري مجهول، ومع ذلك حكم عليه الغماري الكبير بالوضع، وقد قال الذهبي في حديث السيادة في راوية المجهول مثل هذا القول وأقوي منه كما يأتي، ومع ذلك زاغ عنه الغماري الصغير. والله المستعان وبذلك يسقط تعليله المذكور، ويتبين لكل ذي عينين أن الغماري هذا لا يراعي في كلامه على الحديث قواعد العلماء، وإنما يتكلم عليه حسبما يوحي إليه هواه! 2 - قوله في حديث عائشة: إسناده نظيف، ليس فيه كذاب ولا (1/66) متهم. 3 - فأقول: هذه الدعوي كاذبة، حملك عليها جمودك على قول الحاكم ومن بعده بان ذاك الراسبي، فاستلزمت منه أنه ليس فيه علة أخري هى أقوي من الراسبي، فإن الحاكم أخرجه (3/ 124) من طريق محمد بن معاذ عنه. وابن معاذ هذا لا أستبعد عنك أن تتوهم أنه العنبري الثقة - إن كنت رجعت إلي (المستدرك) فوقعت عيناك عليه! - وإنما هو الشعراني ابو بكر النهاوندي كما حققته وبسطت عليه فيما سيأتي في المجلد الثاني عشر رقم (5678) وقد قال فيه الذهبي والعسقلاني: (واه). أي شديد الضعف، فهو في حكم المتهم، وبذلك يسقط ما ادعاه الغماري من النظافة! 3 - قوله: والراسبي ذكره ابن أبي حاتم .. ولم يجرحه، ولم يوثقه أيضا، فكان ماذا؟ غاية ما يمكن أن يقال فيه: إنه سكت عنه، وهو ما يسكت عن أحد إلا لأنه لم يتبين له حاله، كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم نفسه في مقدمة كتابه. على أن الراوي عنه محمد بن موسى الجري مجروح لا يحتج به عنده كما يفيده قوله في ترجمته (4/ 1 / 84). (شيخ)! فما الراسبي إذا لم يعرفه ابن أبي حاتم من رواية الجرشي الذى لا يحتج به؟! ولذلك قال الذهبى والعسقلانى فى الراسى هذا: (لا يعرف ن واتى بخبر باطل، متنه: على سيد العرب) فأقول: قابل قولهما المتقدم فى حديث التختم بالعقيق الذى احتج به الغمارى الكبير على وضعه، وتتبين وتتأكد من بطلان إنكار الغمارى الصغير عليهما كما يأتى 0 4 - قوله: (وبمقتضى القاعدة المقررة يكون تعديل الحاكم له (1/67) مقبولا 000 إلخ) فاقول: تأمل أيها القارئ كيف يعمى الأمر على القراء، فيطلق القاعدة ولا يبينها ن تدليسا عليهم، وإيهاما لهم بأنه متمسك بالقاعدة المقررة فى علم المصطلح، وينسب الحافظ الذهبى إلى التعنت ويلحق به الحافظ العسقلانى فى الغفلة!! ولا يشك أحد أنهما أعلم منه واتقى، وأبعد عن أتباع الهوى الذى ابتلى به هذا الغمارى المسكين فى كثير من كتاباته وبخاصة ما كان منها فى انتقاده للآخرين 0 وبيان ذلك هنا من وجهين: الأول: أن الحاكم لم يجزم بأن الراسبى هذا صدوق ن وإنما قال: أرجو 0 وفرق واضح بين الأمرين 0 والآخر: هب أنه جزم بأنه صدوق، فما قيمة قوله وهو معروف عند العلماء بأنه من المتساهلين (1)، ولا سيما إذا لم يعتد بقوله الحفاظ الذين جاءوا من بعده واستدركوا عليه كالذهبى وغيره، وقد ذكر اللكنوى رحمه الله تعالى فى (الأجوبة) (161): انه إذا تعارض قول الحاكم مع الذهبى، رجح قل الذهبى، لأن الأول متساهل والثانى غير متساهل 0 فالحديث الذى حكم الحاكم بكونه صحيح الإسناد 0 وحكم الذهبى بكونه ضعيف الإسناد، يرجح فيه قول الذهبى على قول الحاكم، وكم من حديث حكم عليه الحاكم بالصحة وتعقبه الذهبى بكونه ضعيفا أو موضوعا 0000 إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى 0 وأقول: هذا إذا كان الذهبى وحده مخالفا للحاكم ن فكيف إذا كان معه الحافظ ابن حجر كما هو الشأن هنا 0 فسقط بذلك تشبث الغمارى بالحاكم 0 __________ (1) انظر (الأجوبة الفاضلة) لأبى الحسنات اللكنوى (ص 80 - 86) 0 (1/68) فإن قيل: ما هى القاعدة المقررة التى اعتمد عليها الغمارى فى رده على الذهبى والعسقلانى ولم يبينها؟ فأقول: هى قول ابن الصلاح وغيره أنه يكفى الواحد فى التعديل على الصحيح 0 وقد عرفت مما سبق أنها ليست على إطلاقها، وأن المقصود بها من لم يكن معروفا بالتساهل فى التوثيق والتصحيح الحاكم وابن حبان ونحوهما ن وهذا مما لا يخفى على الغمارى، ولكنه يجادل بالباطل وينساق لهواه 0 نسأل الله السلامة 0 5 - قوله: فالحديث بهذين الطريقين 000 لا يبعد أن يكون من قبيل الحسن لغيره 0 فأقول: كلا، وذلك لوجهين: الأول: أن فيه ذلك الواهى محمد بن معاذ كما سبق بيانه فى الفقرة (2)، ومثله لا يفيد فى المتابعات والشواهد كما هو مقرر فى علم المصطلح 0 والآخر: أن البحث فى متن الحديث كما تقدم فى الجواب المجمل، فلا فائدة من محاولتك لإخراج سند الحديث من الضعف، ومتنه باطل بشهادة الحافظين الذهبى والعسقلانى، وهما المرجع فى مثل هذا الأمر دونك، وما أحسن ما قيل فى مثل هذه المناسبة: وابن اللبون إذا ما لز فى قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس فإن قيل: فما وجه بطلان هذا الحديث متنا؟ فاقول مخالفته للسنة الصحيحة الثابتة من طرق عن ابن عمر رضى الله تعالى عنه فى (صحيح البخارى) وغيره، وهى مخرجه فى (ظلال الجنة) (رقم 1190 - 1198)، بل قد صح ذلك عن على نفسه رضى الله تعالى عنه ن فروى البخارى بسنده الصحيح عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبى: أى الناس خير بعد (1/69) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أبو بكر قال: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر 00 الحديث ورواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وغيرهم من طرق عنه، وهو مخرج فى (ظلال الجنة) (1200 - 1208) 0 وروى (1166) بسند حسن عن عمر قال لبى بكر ك لا بل نبايعك، وأنت سيدنا وخيرنا واحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 0 وقد جاء فى (الصحيحين) مرفوعا أن أبا بكر كان أحب الرجال إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يعقل بعد هذه النصوص القاطعة بأفضلية أبى بكر رضى الله تعالى عنه ان يقال: (وعلى سيد العرب) وقد تقدم أن من علامات الحديث الموضوع أن يخالف السنة الصحيحة ن فهى عندة الذهبى والعسقلانى فى قولها ببطلان الحديث 0 ولقد كنت أوردت معنى ما تقدم من السنة فى ردى على الغمارى فى مقدمة (البداية)، واشرت إلى نسبته إلى التشيع، بسبب تحمسه لهذا الحديث الباطل ن وذكرت أنه من وضع الشيعة 0 ثم تأكدت من ذلك حين رأيته يرد على الحافظين ويستعلى عليهما، وينسبها على الغفلة كما تقدم، ولا يتبرأ من التشيع الذى رمى به، بل إنه زاد على ذلك – ضغثا على غبالة - فسود ثلاث صفحات فى الطعن على أهل السنة وأئمة الحديث كابن تيمية والذهبى ن فيرميهما بالنصب، وإنكار فضائل فضائل على رضى الله تعالى عنه، ويصرح بأن كثيرا من أهل السنة انخدعوا بالنواصب! فردوا أحاديث كثيرة فى فضل على رضى الله تعالى عنه، ومنها هذا الحديث بزعمه فيتأول بقوله: (فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (على سيد العرب) أنه ذو الشرف والمجد فيهم، لأنه من أهل البيت 0000 إلخ) فأقول: أثبت العرش م انقش، فإن التأويل فرع التصحيح كما هو معروف عند العلماء، والحديث ضعيف الإسناد كما سبق تحقيقه، فهو لا يستحق (1/70) التأويل 0 على أن سياق الحديث يبطله، فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا سيد ولد آدم صريح فى تفضيله صلى الله عليه وآله وسلم على جميع ولد آدم، وهو الذى فهمه العلماء ومنهم العز بن عبد السلام فى رسالته (بداية السول) كما سيأتى بيانه تحت الحديث رقم (5678)، فلو صحت زيادة (وعلى سيد العرب) دلت أيضا على تفضيله بعده صلى الله عليه وآله وسلم على العرب جميعا ن وهذا باطل بشهادة الصحابة كما تقدم، ومنهم على نفسه رضى الله عنهم أجمعين 0 ومثل هذه ال زيادة فى البطلان والمخالفة حديث: (كان احب النساء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة، ومن الرجال على) وسيأتى فى هذا المجلد إن شاء الله تعالى برقم (1124) مع تخريجه والكشف عن علته، ووهم من وهم فيه، وذكر بعض الأحاديث الصحيحة الدالة على بطلانه 0 وبعد ن فإن مجال الرد على الغمارى والكشف عن أوهامه وتدليساته على القراء، وضلالاته وافتراءاته وإثارته للفتن التى شاركه فى بعضها ذاك الخزرجى - مجال واسع جدا ن وفيما سبق من البيان كفاية لكل منصف راغب فى الهداية ن وإنى مع ذلك أرجو لهما أن يتراجعا عما رمونا به من البهت والافتراء، فإن لم يفعلا فإنى داع بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 0 (اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ن وأنصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ن ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) [من مقدمة السلسة الضعيفة / المجلد الثالث] (1/71) مقابلته للشيخ أحمد شاكر وللتاريخ أقول: لقد كنتُ التقيتُ الشيخَ أحمدَ - رحمه الله تعالى - في مكة في حَجتي الأولى - وذلك قبل أكثر من أربعين سنة -، وزرته في الفندق الذي كان نازلاً فيه، وعرّفته بنفسي وأني أرغب أن أعرف رأيه بالتفصيل في اعتداده بتوثيق ابن حبان، فاعتذر بمرض زوجته! ثم قدر لي أن سافرت بعد الحج إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي، فأخبرت بأن لشيخ نازل في فندق لا أذكر اسمه، فزرته، وطلبت منه أن يشرح لي وجهة نظره في توثيق ابن حبان، وذكرته بما قاله فيه الحافظ ابن عبد الهادي، وابن حجر العسقلاني، فلم يأت بشيء! سوى أنه قال: لا يجوز للمتأخرين إلا أن يعتدوا بجهود العلماء المتقدمين وعلمهم، فوافقته في هذا بداهة، ولما لفتُّ نظره إلى أن هذا شيء وما نحن فيه شيء آخر؛ لأن ابن حبان خالف العلماء كما شرحه الحافظان المشار إليهما، فإذا هو - سبحان الله - شعلة نار، لا يمكن مناقشته! فجلستُ قليلاً، ثم استأذنت منصرفاً بخُفَّيْ حُنَيْن! [الضعيفة 12/ 557] (1/72) مقابلته للعلامة محمد سلطان المعصومي العلامة محمد سلطان العصومي رحمه الله تعالى وهو مؤلف رسالة هداية السلطان 'إلى بلاد اليابان " التي ادعى أحد الدكاترة أنها ليست له وإنما لبعض إخواننا مع أنني تناولتها منه هدية مطبوعة حين زرته في مكة في حجتي الأولى سنة 1368 هـ[تحذير الساجد: ص65]. (1/73) أثر استماع اللهو في الصد عن ذكر الله وقد صدق ابن القيم رحمه الله فإن أثر السماع في المبتلين به ظاهر ومشاهد كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وحسبي أن أذكر لك مثالا واحدا مما شهدته بنفسي مما يجسد في الأذهان المعنى الصحيح لقوله تعالى: (لهو الحديث) فقد كنت في المسجد يوم الجمعة أستمع إلى الخطبة وبجانبي شاب في نحو الثلاثين من العمر وقد جلس متربعا وهو يطقطق بأصابعه على الأرض كما لو كان يسمع أغنية فهو يرقص أصابعه معها وأشرت إليه بالامتناع والاستماع إلى الخطبة. فهذه الحادثة من حوادث كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن السماع قد صد أهله عن ذكر الله - كالخمر - وعن الاستماع إليه والله عز وجل يقول: (إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ومن المعلوم أن الآية تشمل الجمعة كما في بعض الآثار وهو اختيار ابن كثير فقد صدهم (اللهو) عن الذكر والاستماع إليه والله المستعان [تحريم آلات الطرب: ص157] (1/74) سماع الشيخ حديث من شيخ دمشقي " كونوا في الدنيا أضيافا، واتخذوا المساجد بيوتا، وعودوا قلوبكم الرقة، وأكثروا التفكر والبكاء، ولا تختلفن بكم الأهواء، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون ". قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " (3/ 326): سمعت هذا الحديث من فم شيخ دمشقي يلقيه على منبر مسجد مضايا يوم الجمعة الواقع في 18/ 11/71 هـ وقد جعله محور خطبته! فاستنكرت الحديث في نفسي، ولكني ما كان تقدم مني تخريجه، فخرجته بعد يوم فتحقق ظني وأنه منكر، والحمد لله على توفيقه، ووفق مشايخنا لتحري الصحيح من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وحفظهم أن يقولوا عليه ما لم يقل. (1/75) مناظرته لشيخ أزهري ومن آثار هذه الأحاديث السيئة أنها توحي للمرء بأن يظل على حدته وأن لا يعالجها لأنها من خلق المؤمن! وقد وقع هذا، فإنى ناظرت شيخا متخرجا من الأزهر في مسألة لا أذكرها الآن فاحتد في أثنائها، فأنكرت عليه حدته، فاحتج علي بهذا الحديث! فأخبرته بأنه ضعيف، فازداد حدة وافتخر علي بشهاداته الأزهرية، وطالبني بالشهادة التي تؤهلني لأن أنكر عليه! فقلت: قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا ... " الحديث! رواه مسلم [الضعيفة 1/ 104]. (1/76) عناية الشيخ بكتاب " الأدب المفرد " ويعود تاريخ اهتمامي بهذا الكتاب الفريد " الأدب المفرد" إلى ما قبل عشرين سنة , أو يزيد, من يوم قررت أن ألقي منه دروسًا على طائفة من النساء المتجلببات , وكما هي عادتي في أن لا أقدم إلى الناس إلا ما صح من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان بدهيًا أن ألتزم هذا المنهج في تدريس الكتاب, ولذلك فقد كان لابد لي من تحضير الدرس , وتمييز ما صح من أحاديث الكتاب وآثاره مما لم صح, ليتيسر لي تقديم ما صح منه إليهن, تجاوبًا مني مع حديث نبي الله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " قالوا لمن؟ قال " لله , ولكتابه, ولنبيه, ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم وغيره , وهو مخرج في " الإرواء" (26) , و" وغاية المرام" (332). ثم جرت أمور حالت دون الاستمرار في تدريسه , غير أنني استمررت في التمييز المشار إليه على نوبات متفرقة حتى انتهيت منه بتاريخ 8 جمادى الأولى سنة (1394) وأنا في دمشق. ثم هاجرت إلى عمان , فأعدت النظر في ذلك كله , ونقحته , وفرزت منه ما ضُعف في جزء لطيف , وما صح في مجلد طريف , وأضفت إلى كل منهما , تعليقات مفيدة , وفوائد فريدة , حديثية , وفقهية , ولغوية استفدت بعضها من كتاب " فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد " للشيخ فضل الله الجيلاني , وهو شرح وحيد لهذا الكتاب العظيم. [مقدمة صحيح الأدب المفرد]. (1/77) مدافعة الشيخ أحدهم وهو يصلي في الكعبة ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة (1369)، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده وهكذا!! ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة، ثم أقبل علي منكرا، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور، والآمرة بدفع المار، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك، فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون! واحتج بعضهم بهذا الحديث (1)، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث، وبيان علته. فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة. [الضعيفة 2/ 326]. __________ (1) - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين الكعبة سترة. (وفي رواية): طاف بالبيت سبعا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ". (1/78) السفر إلى بيت المقدس ولقد شددت الرحل إلى بيت المقدس لأول مرة بتاريخ (23/ 5/1385 هـ) حين اتفقت حكومتا الأردن وسوريا على السماح لرعاياهما بدخول أفراد كل منهما إلى الأقصى، وزرت الصخرة للاطلاع فقط ; فإنه لا فضيلة لها شرعا، خلافا لزعم الجماهير من الناس ومشايعة الحكومات لها، ورأيت مكتوبا على بابها من الداخل حديثا فيه أن الصخرة من الجنة، ولم يخطر في بالي آنئذ أن أسجله عندي لدراسته، وإن كان يغلب على الظن أنه موضوع. [الضعيفة 3/ 407]. (1/79) سفر الشيخ إلى الإمارات وقد كان الداعي إلى تخريجه: أنني سافرت سفرة اضطرارية إلى الإمارات العربية، فكنت في دعوة غداء عند بعض المحبين في الله في (أبو ظبي) يوم الجمعة 9 محرم سنة 1402 هـ، وفي المجلس شاب يماني سلفي يدعى بـ (عبدالماجد)، فسأل أحد الحاضرين: هل (الماجد) من أسماء الله تعالى؟ فقلت: لا أعلمه إلا في رواية الترمذي للحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"، فزاد الترمذي فيه سرد الأسماء، وفيها هذا الاسم (الماجد)! لكن العلماء ضعفوا هذه الزيادة، وهي في "المشكاة" (2288)، مع بيان ضعفها. فذكر أحد الحاضرين أنه رأى هذا الاسم في حديث آخر في "مختصر تفسير ابن كثير" للشيخ الصابوني، فطلبته، فرأيته قد ساقه محذوف السند كعادته، غير مشير إلى ضعفه؛ لأنه من الجمهور الذي لا علم عنده بالصناعة هذه؛ بل هو يستكثر بما ليس عنده؛ فإن الحديث يكون في الأصل "تفسير ابن كثير" مخرجاً معزواً لبعض أصحاب الحديث المؤلفين، فيختصر التخريج من "مختصره"، ويجعله في أسفل حاشيته، يوهم القراء أن التخريج له، وليس له منه إلا التزوير، كما يشير إلى ذلك قوله صلي الله عليه وسلم: "من تشبع بما لم يعط؛ فهو كلابس ثوبي زور". ولو أنه فعل ذلك مرة أو مرتين لما تعرضنا له بذكر، ولكنه جعل ذلك ديدنة ومنهاجاً؛ فإنه جعل كل التخريجات التي في الأصل في حاشية "مختصره"! والله تعالى هو المستعان. [الضعيفة 11/ 628] (1/80) هجرة الشيخ من عمان إلى دمشق كان الداعي إلى تخريج هذا الحديث: أنني لما أقمت مضطراً في بيروت أواخر سنة 1401 منفياً من عمان إلى دمشق بتاريخ 19 شوال من السنة المذكورة؛ قضيت وقت غربتي في تحقيق كتاب "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للعلامة الصنعاني. [الضعيفة 11/ 638]. (1/81) من عمان إلى بيروت إن الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سببا ولكل أمر سمى أجلا وقدر كل شيء تقديرا حسنا وكان من ذلك أنني هاجرت بنفسي وأهلي من دمشق الشام إلى عمان في أول شهر رمضان سنة (1400) فبادرت إلى بناء دار لي فيها آوي إليها ما دمت حيا فيسر الله لي ذلك بمنه وفضله وسكنتها بعد كثير من التعب والمرض أصابني من جراء ما بذلت من جهد في البناء والتأسيس ولا زلت أشكو منه شيئا قليلا والحمد لله على كل حال والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ولقد كان أمرا طبيعيا أن يصرفني ذلك عما كنت اعتدته في دمشق من الانكباب على العلم دراسة وتدريسا وتأليفا وتحقيقا لا سيما ومكتبتي الخاصة لا تزال في دمشق لم أتمكن من ترحيلها إلى عمان الصعوبات وعراقيل معروفة فكنت أعلل نفسي كل يوم وأمنيها بأن المياه عما قريب ستعود إلى مجاريها ولكن الرياح كثيرا ما تجري بخلاف ما يشتهي الملاح فإنه ما كاد بعض إخواننا في الأردن يشعرون بأنني استقررت في الدار حتى بدؤوا يطلبون مني أن أستأنف إلقاء الدروس التي كنت ألقيها عليهم في السنين الماضية قبل هجرتي إلى عمان حيث كنت أسافر إليها في كل شهر أو شهرين فألقي عليهم درسا أو درسين في كل سفرة وألحوا علي في الطلب وعلى الرغم من أنني ما كنت عازما على شيء من الإلقاء لأوفر ما بقي لي من نشاط وعمر لإتمام بعض مشاريعي العلمية - وما أكثرها - رأيت أنه لا بد من أحقق طلبتهم ورغبتهم الطيبة فوعدتهم خيرا وأعلنت لهم أنني سألقي عليهم درسا كل يوم خميس بعد صلاة المغرب في دار أحد إخواننا الطيبين هناك قريبا من داري. وتحقق ذلك بإذن الله تعالى فألقيت الدرس (1/82) الأول ثم الثاني من كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي بتحقيقي وأجبتهم بعد الدرس عن بعض أسئلتهم الكثيرة المتوفرة لديهم والتي تدل على تعطشهم ورغبتهم البالغة في العلم ومعرفة السنة. وبينما أنا أستعد لإلقاء الدرس الثالث إذا بي أفأجأ بما يضطرني اضطرارا لا خيار لي فيه مطلقا إلى الرجوع إلى دمشق حيث لم يبق لي فيها سكن وذلك أصيل نهار الأربعاء في 19 شوال سنة 1401 هـ فوصلتها ليلا وفي حالة كئيبة جدا وأنا أضرع إلى الله تعالى أن يصرف عني شر القضاء وكيد الأعداء فلبثت فيها ليلتين وفي الثالثة سافرت بعد الاستشارة والاستخارة إلى بيروت مع كثير من الحذر والخوف لما هو معروف من كثرة الفتن والهرج والمرج القائم فيها والوصول إلى بيروت محفوف بالخطر ولكن الله تبارك وتعالى سلم ويسر فوصلت بيروت في الثلث الأول من الليل قاصدا دار أخ لي قديم وصديق وفي حميم فاستقبلني بلطفه وأدبه وكرمه المعروف وأنزلني عنده ضيفا معززا مكرما. جزاه الله خيرا. [مقدمة رفع الأستار]. (1/83) مشاهداته هو وزوجه أم الفضل أثناء العمرة لما اعتمرت أنا وزوجتي أم الفضل سنة (1410 هـ) كنا نرى كثيرا من المعتمرات يسعين منقبات فكنت أنصح الرجال وهي تنصح النساء بأن هذا لا يجوز فإن كان ولا بد فعليكن بالسدل ونذكر الحديث الوارد في ذلك فلا نجد منهم تجاوبا وكنت أشعر بأن ذلك أثر من تشديد بعض المشايخ في مسألة الوجه وكان عليهم - إذ أبوا إلا التشديد - أن يضيفوا إلى ذلك تحذير المحرمات من الانتقاب فإنه فاش جدا فيهن كما شاهدت ذلك في كل حجاتي وعمري ورأيت في المسعى شابا يسعى وبجانبه امرأة متنقبة فاقتربت منه وسألته: هذه محرمة؟ قال: نعم. فقلت: يا أخي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا. . . ". فلم يدعني أكلم الحديث وبادر بقوله: هذه مسألة خلافية قلت: ليس بحثي في وجه المرأة وإنما في انتقاب المحرمة. فلم يعبأ بي وانطلق معها يسعى. [الرد المفحم: ص148]. إلى هنا انتهى الكتاب المطبوع ثم رأيت بعض المواقف التي يحسن أن أضعها هنا إتماماً للفائدة وكان ذلك في يوم الأحد 9 يناير 2011م (1/84) الزواج الثاني للشيخ فإنه لما كان يوم عقد نكاحي على زوجتي الثانية بعد بضعة أشهر من وفاة الأولى - " أم عبد الرحمن " رحمها الله تعالى - عرض علي بعض الإخوان أن يلقى هو خطبة النكاح وذكر أنه لمس غير مرة فائدتها وأثرها حين كان يلقيها. فقلت: لا مانع عندي ولكن أريد أن ألقي عليها نظري فاعرضها علي فرأيتها لا بأس بها بيد أنني أدخلت عليها بعض التحسينات مثل حذف بعض الأحاديث الضعيفة وإقامة أخرى. صحيحة مقامها وكان أهم ذلك عندي أن قدمتها بخطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلما أصحابه بعد أن تتبعت طرقها وألفاظها من مختلف كتب السنة المطهرة. [مقدمة خطبة الحاجة]. (1/85) مناقشة بين الشيخ وأحد وعاظ المسجد النبوي وإني لن أنسى - ما حييت - تلك المناقشة التي كانت جرت منذ نحو عشر سنين في المدينة المنورة بيني وبين أحد الخطباء والوعاظ الذين يحبون أن يتصدروا المجالس ويستقلوا بالكلام فيها فقد دخل علينا نحن في سهرة لطيفة جمعت نخبة طيبة من طلاب العلم من السلفيين أمثالي فلم يقم له أحد من الجالسين سوى صاحب الدار مرحبا ومستقبلا فصافح الشيخ الجالسين جميعا واحدا بعد واحد مبتدئا بالأيمن فالأيمن فأعجبني ذلك منه حتى انتهى إلي وكنت آخرهم مجلسا ولكني رأيت وقرأت في وجهه عدم الرضى بتركهم القيام له فأحببت أن ألطف وقع ذلك عليه فبادرته متلطفا معه بقولي وهو يصافحني: عزيز بدون قيام يا أستاذ كما يقولون عندنا بالشام في مثل هذه المناسبة فأجاب وهو يجلس وملامح الغضب بادية عليه - بما معناه: لا شك أن القيام للداخل إكراما وتعظيما ليس من السنة في شيء وأنا موافق لك على ذلك ولكننا في زمن أحاطت فيه الفتن بالمسلمين من كل جانب وهي فتن تمس الإيمان والعقيدة في الصميم. ثم أفاض في شرح ذلك وذكر الملاحدة والشيوعيين والقوميين وغيرهم من الكافرين فيجب أن نتحد اليوم جميعنا لمحاربة هؤلاء ودفع خطرهم عن المسلمين وأن ندع البحث والجدال في الأمور الخلافية كمسألة القيام والتوسل ونحوهما فقلت: رويدك يا حضرة الشيخ فإن لكل مقام مقالا فنحن الآن معك في مثل هذه السهرية الأخوية لم نجتمع فيها لبحث خاص ولا لوضع الخطة لمعالجة المسائل الهامة من الرد على الشيوعيين وغيرهم وأنت ما كدت تجلس بعد ثم إن طلبك ترك البحث في الأمور الخلافية هكذا على الإطلاق لا أظنك تقصده لأن الخلاف يشمل حتى المسائل الاعتقادية وحتى في معنى شهادة أن لا إله إلا الله. فأنت تعلم أن أكثر المشايخ اليوم يجيزون الاستغاثة بغير الله تعالى. والطلب من الأموات وذلك مما ينافي معنى شهادة التوحيد عندنا جميعا - أشير إلى أنه في هذه المسألة معنا - فهل تريدنا أن لا نبحث حتى في تصحيح معنى الشهادة بحجة أن المسألة فيها خلاف؟ قال: نعم. حتى هذا يجب أن يترك موقتا في سبيل تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة لدرء الخطر الأكبر: الإلحاد و. . . قلت: وماذا يفيد مثل هذا التجمع - لو حصل - إذا لم يقم على أساس التوحيد وعدم الإشراك بالله عز وجل. وأنت تعلم أن العرب في الجاهلية كانوا يؤمنون بالله تعالى خالقا ولكنهم كانوا يكفرون بكونه الإله الحق {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون (1/86) } فلم يفدهم إيمانهم ذلك شيئا ولم ينجهم من محاربة الرسول إياهم. فقال: نحن نكتفي اليوم بجمع الناس تحت كلمة لا إله إلا الله. قلت: ولو بمفهوم خاطئ؟ قال: ولو أقول: فهذه المناقشة تمثل لنا في الحقيقة واقع كثير من الدعاة المسلمين اليوم وموقفهم السلبي تجاه تفرق المسلمين في فهمهم للدين فإنهم يدعون كل من ينتمي إليهم على أفكاره وآرائه دون أن يحملوهم بالعلم والحجة من الكتاب والسنة على توحيدها وتصحيح الخطأ منها وجل اهتمامهم إنما هو في توجيههم إلى الأخلاق الإسلامية وآخرون منهم لا شغل لهم إلا تثقيف أتباعهم بالسياسة والاقتصاد ونحو ذلك مما يدور عليه كلام أكثر الكتاب اليوم حوله ونرى فيهم من لا يقيم الصلاة ومع ذلك فهم جميعا يسعون إلى إيجاد المجتمع الإسلامي وإقامة الحكم الإسلامي. وهيهات هيهات إن مجتمعا كهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بدأ الدعاة بمثل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى الله حسبما جاء في كتاب الله وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن البديهي أن مثل هذه الدعوة لا يمكن النهوض بها بعدما دخل فيها ما ليس منها من طريق الدس على النبي صلى الله عليه وسلم باسم الحديث والدس على تفسير القرآن باسم التأويل فلا بد من الاهتام الجدي العلمي لتصفية المصدرين المذكورين مما دخل فيهما لنتمكن من تصفية الإسلام من مختلف الأفكار والآراء والعقائد المنتشرة في الفرق الإسلامية حتى ممن ينتسب إلى السنة منهم. وأعتقد أن كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس الصحيح من التصفوية فسوف لا يكتب لها النجاح اللائق بدين الله الخالد. [مختصر العلو: ص 57]. (1/87) قصة طريفة وعلى سبيل التذكير، ومن جهة بيان شدة تأثر الناس بالعادات، ومن باب التسلية في أثناء البحث العلمي، أورد لكم القصة الطريفة الآتية: كنت منذ نحو عشرين سنة أو أكثر في قرية تعتبر من مصايف سوريا، تسمى بـ مضايا، نزلت إلى المسجد لصلاة الفجر فلم يحضر إمام المسجد، وكان يوم جمعة، فقدموني لأصلي بهم إماماً، وأنا أعرف أن من السنة أن يقرأ الإمام في صبح الجمعة سورة السجدة في الركعة الأولى، وسورة الدهر في الركعة الأخرى، لكني لا أُتقن حفظ السورتين؛ لذلك رأيت أن أقرأ من سورة أخرى أحفظها، وكان ذلك من سورة مريم، فقرأت نحو صفحة أو أكثر قليلاً، فلما كبرت تكبيرة الركوع وركعت إذا بالناس جميعاً يهوون ساجدين، فالذين خلفي أحسوا بأني لست ساجداً وإنما أنا راكع، فتداركوا أمرهم وقاموا وشاركوني في الركوع، أما الذين وراء المنبر ولا يرون الإمام -ومن البدع الموجودة في بلادنا وفي بلادكم -أيضاً- هذا المنبر الطويل الذي يقطع الصف الأول والثاني- ما زالوا ساجدين إلى أن سمعوا قولي: سمع الله لمن حمده، حين ذاك بدأت الضوضاء والغوغاء في صفهم، وما أدري ماذا تكلموا، ولا شك أنهم نالوا من عرضي. بعد أن أتممت الصلاة توجهت إليهم أعظهم فقلت لهم: يا جماعة! هل أنتم عجم أو عرب؟ والله لو أن هذه القصة وقعت من الأعاجم الذين لا يعرفون كلمة من اللغة العربية لكان عاراً عليهم، ألا تفرقون بين قول الإمام: (الم) وبين قوله: (كهيعص)؟ أم أن قلوبكم وعقولكم وراء البقر والزرع والضرع؟ الشاهد: كيف أن العادات تؤثر في الناس، وتجعلهم يغفلون ما يسمعون من القرآن، كذلك إذا قال الإمام: السلام عليكم ورحمة الله سلموا معه، فأنا وجدت أنه من الحكمة أنه لم ينقل إلينا لا عن الرسول عليه السلام، ولا عن الصحابة جهرهم بالسلام حينما يصلون بالناس، لكنه نقل إلينا عن عمر بن الخطاب جهره بقوله: [أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر]. [من دروس الشيخ المفرغة , وانظر إصلاح المساجد ص63] (1/88) سَبَبُ تأليفِ كتاب صفة صلاة النبي ولما كنت لم أقف على كتاب جامع في هذا الموضوع؛ فقد رأيت من الواجب عليَّ أن أضع لإخواني المسلمين - ممن هَمُّهُم الاقتداء في عبادتهم بهدي نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاباً مستوعباً - ما أمكن - لجميع ما يتعلق بصفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التكبير إلى التسليم؛ بحيث يُسَهِّل على من وقف عليه - من المحبين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبّاً صادقاً - القيام بتحقيق أمره في الحديث المتقدم: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". ولهذا فإني شَمَّرت عن ساعد الجدّ، وتتبعت الأحاديث المتعلقة بما إليه قصدت من مختلف كتب الحديث؛ فكان من ذلك هذا الكتاب الذي بين يديك، وقد اشترطت على نفسي أن لا أورد فيه من الأحاديث النبوية إلا ما ثبت سنده؛ حسبما تقتضيه قواعد الحديث الشريف وأصولُه، وضربت صفحاً عن كل ما تفرد به مجهول، أو ضعيف؛ سواء كان في الهيئات، أو الأذكار، أو الفضائل وغيرها؛ لأنني أعتقد أن فيما ثبت من الحديث (1) غُنيةً عن الضعيف منه؛ لأنه لا يفيد - بلا خلاف - إلا الظن؛ والظن المرجوح، وهو كما قال تعالى: {لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: _______________ (1) الحديث الثابت يشمل الصحيح والحسن عند المحدثين بقسميهما: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره. (1/89) " إياكم والظنَّ! فإن الظنَّ أكذبُ الحديث " (1). فلم يتعبدْنا اللهُ تعالى بالعمل به، بل نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه؛ فقال: " اتقوا الحديث عني؛ إلا ما علمتم " (2). فإذا نهى عن رواية الضعيف؛ فبالأحرى أن ينهى عن العمل به. هذا، وقد سميت الكتاب: " صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التكبير إلى التسليم كأنك تراها ". وقد جعلته على شطرين: أعلى، وأدنى: أما الأول: فهو كالمتن؛ أوردت فيه متون الأحاديث، أو الجمل اللازمة منها، ووضعتها في أماكنها اللائقة بها، مؤلِّفاً بين بعضها؛ بحيث يبدو الكتاب منسجماً من أوله إلى آخره، وحرصت على المحافظة على نص الحديث، ولفظه الذي ورد في كتب السنة، وقد يكون له ألفاظ؛ فأوثر منها لفظاً لفائدة التأليف، أو غيره، وقد أضم إليه غيره من الألفاظ؛ فأنبه على ذلك بقولي: (وفي لفظ: كذا وكذا)، أو: (وفي رواية: كذا وكذا). ولم أعزُها إلى رواتها من الصحابة إلا نادراً، ولا بينت من رواها من أئمة الحديث؛ تسهيلاً للمطالعة والمراجعة. وأما الشطر الآخر: فهو كالشرح لما قبله؛ خرّجت فيه الأحاديث الواردة في الشطر الأعلى، مستقصياً ألفاظه وطرقه، مع الكلام على أسانيدها وشواهدها، تعديلاً وتجريحاً، وتصحيحاً وتضعيفاً؛ حسبما تقتضيه علوم الحديث الشريف _________________ (1) البخاري، ومسلم. وهو مخرج في كتابي " غاية المرام تخريج الحلال والحرام " (رقم 412). (2) صحيح. أخرجه الترمذي، وأحمد، وابن أبي شيبة. وعزاه الشيخ محمد سعيد الحلبي في " مسلسلاته " (1/ 2) للبخاري؛ فوهم. ثم تبين لي أن الحديث ضعيف، وكنت اتبعت المناوي في تصحيحه لإسناد ابن أبي شيبة فيه، ثم تيسر لي الوقوف عليه؛ فدا هو بَيِّن الضعف، وهو نفس إسناد الترمذي وغيره. راجع كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1783)، وقد يقوم مقامه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين ". رواه مسلم وغيره. راجع مقدمة كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (المجلد الأول). بل يغني عنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياكم وكثرة الحديث عني! من قال عليّ؛ فلا يقولن إلا حقّاً، أو صدقاً، فمن قال عليّ ما لم أقل؛ فليتبوأ مقعده من النار ". أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 760)، وأحمد وغيرهما. وهو مخرج في " الصحيحة " (1753). (1/90) وقواعده، وكثيراً ما يوجد في بعض الطرق من الألفاظ والزيادات ما لا يوجد في الطرق الأخرى؛ فأضيفها إلى الحديث الوارد في القسم الأعلى إذا أمكن انسجامها مع أصله، وأشرت إلى ذلك بجعلها بين قوسين مستطيلين هكذا: []، دون أن أنصَّ على من تفرَّد بها من المخرجين لأصله، هذا إذا كان مصدر الحديث ومخرجه عن صحابي واحد، وإلا؛ جعلته نوعاً آخر مستقلاً بنفسه - كما تراه في أدعية الاستفتاح وغيره -، وهذا شيء عزيز نفيس؛ لا تكاد تجده هكذا في كتاب. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ثم أذكر فيه مذاهب العلماء حول الحديث الذي خرجناه، ودليل كل منهم مع مناقشتها، وبيان ما لها، وما عليها، ثم نستخلص من ذلك الحق الذي أوردناه في القسم الأعلى، وقد أُورِدُ فيه بعض المسائل التي ليس عليها نص في السنة؛ إنما هي من المجتهد فيها، ولا تدخل في موضوع كتابنا هذا. أسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به إخواني المؤمنين، إنه سميع مجيب. [مقدمة كتاب صفة صلاة النبي الأصلي 1/ 18] (1/91) طباعة كتاب إرواء الغليل في نخريج أحاديث منار السبيل هذا كتابنا " إرواء الغليل في نخريج أحاديث منار السبيل " نقدمه اليوم إلى قرائنا الكرام بعد أن كثر السؤال عنه وألح بطبعه كثير من أهل العلم والفضل في مختلف البلاد الإسلامية كلما جاء ذكره أو بلغهم اسمه. وقد كنت فرغت من تخريجي منذ أكثر من خمسة عشر عاما ولذلك جريت على الإحالة عليه في تخريج بعض الأحاديث في كثير من مؤلفاتي المطبوعة منها والمخطوطة سواء ما كنت قد سلكت في تخريجه مسلك البسط أو التوسط أو الإيجاز أوالاكتفاء بذكر مرتبة الحديث فقط مثل " الأحاديث الصحيحة " (1). و " الأحاديث الضعيفة) (2) و " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " (3) و " ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة " و " التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب " (4) ومثل بعض الرسائل الصغيرة نحو " الكلم الطيب " و " التوسل: أنواعه وأحكامه " و " الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات " وغيرها. ولذلك فإنه كان من الضروري إخراجه إلى عالم المطبوعات منذ سنين تيسيرا علي في المراجعة عند الإحالة أولا واستجابة لرغبة أهل العلم وإفادتهم ثانيا. ومع أن الفضل في تأليفه يعود إلى الأخ الفاضل الأستاذ محمد زهير الشاويش وكان حريصا على نشره على الناس إلا أنه حال بينه وبين ذلك أسباب منها اضطراره إلى الخروج من سورية ثم من لبنان لمدة طويلة وأخيرا الوضع المضطرب في بيروت منذ بضع سنوات. والآن وقد استقرت الأوضاع بعض الشئ " وتيسرت له سبل الطباعة فقد بادر - جزاه الله خيرا - إلى إخراجه إلى عالم المطبوعات فضم بذلك فضلا إلى فضل أتم الله علينا وعليه نعمه ظاهرة وباطنة. ثم إن الباعث على هذا التخريج كان أمورا أذكر أهمها: الأول: أن أصله: " منار السبيل. . . . " _____________ (1) طبع منه المجلد الأول والثاني والثالث (2) طبع منه المجلد الأول والثاني (3) طبع والحمد لله (4) ثم صيرت كتاب " الترغيب " كتابين: " صحيح الترغيب والترهيب " و " ضعيف الترغيب والترهبب " وقد طبع الأول من الصحيح (1/92) هو من أمهات كتب مذهب الإمام أحمد إمام السنة الذي جمع من الأحاديث مادة غزيرة قلما تتوفر في كتاب فقهي آخر في مثل حجمه - إذ هو جزءان فقط - حتى بلغ عددها ثلاثة آلاف حديث أو زادت جلها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم الثاني: أنه لا يوجد بين أيدي أهل العلم وطلابه كتاب مطبوع في تخريج كتاب في الفقه الحنبلى كما للمذاهب الأخرى خذ مثلا كتاب " نصب الراية لأحاديث الهداية " (1) في الفقه الحنفي للحافظ جمال الدين الزيلعى و " تلخيص ابن حجر العسقلاني " فرأيت أن من واجبي تجاه إمام السنة ومن حقه علي أن أقوم بخدمة متواضعة لمذهبه وفقهه رحمه الله تعالى وذلك بتخريج هذا الكتاب. الثالث: أنني توخيت بذلك أن أكون عونا لطلاب العلم والفقه عامة والحنابلة منهم خاصة الذين هم - فيما علمت - أقرب الناس إلى السنة على السلوك معنا في طريق الاستقلال الفكري الذي يعرف اليوم ب (الفقه المقارن) هذا الفقه الذى لا يعطيه حقه - اليوم - أكثر الباحثين فيه والمدرسين لمادته في (كليات الشريعة) المعروفة الآن فإن من حقه أن لا يستدل فيه بحديث ضعيف لا تقوم به حجة. فترى أحدهم يعرض لمسألة من مسائله ويسوق الأقوال المتناقضة فيه ثم لا يذكر أدلتها التفصيلية فإذا كان فيها شئ من. الأحاديث النبوية " حشرها حشرا دون أن يبين ويميز صحيحها من حسنها بل ولا قويها من ضعيفها فيكون من نتيجة ذلك وآثاره السيئة أن تتبلبل أفكار الطلاب وتضطرب آراؤهم في ترجيح قول على قول آخر ويكون عاقبة ذلك أن يتمكن من قلوبهم الخطأ الشائع: أن الحق يتعدد (2) بل صرح بعضهم أخيرا فقال: إن هذه الأقوال المتعارضة كلها شرع الله! وأن يزدادوا تمسكا بالحديث الباطل: " اختلاف أمتي رحمة " (3) وقد تتغلب العصبية المذهبية على أحدهم وقد يكون هو أستاذ المادة نفسه فيرجح من تلك الأقوال الموافق لمذهبه وينتصر له بحديث من تلك الأحاديث وهو لا يدري أنه حديث ضعيف عند أهل الحديث ونقاده والمنهج العلمي الصحيح يوجب عليه أن يجري عملية تضعيفه بين تلك الأحاديث المتعارضة المستدل بها للأقوال المتناقضة فما كان منها ضعيفا لا تقوم به حجة تركت جانبا ولم يجز المعارضة بها وما كان منها صحيحا أو ثابتا جمع بينها بوجه _____________ (1) وهو من مطبوعات المكتب الاسلامي (2) انظر مقدمة كتابي " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (3) انظر كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " رقم (57) (1/93) من وجوه التوفيق المعروفة في علم أصول الفقه وأصول الحديث وقد أوصلها الحافظ العراقي في حاشيته على " علوم الحديث " لابن الصلاح إلى أكثر من مئة وجه الرابع: أن لمثل هذا التخريج العلمي علاقة وثقى بما اصطلحت على تسميته ب " التصفية " وأعني بها أن النهضة الإسلامية المرجوة لا يمكن ان تقوم إلا على أساس تصفية الإسلام مما دخل فيه على مر القرون ومن ذلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة وبخاصة ما كان منها في كتب الفقه وقد أقيمت عليها أحكام شرعية فإن تصفية هذه الكتب من تلك الأحاديث مع كونه واجبا دينيا لكي لا يقول المسلم على نبيه (صلى الله عليه وسلم) ما لم يقله أو ما لا علم له به فهو من أقوى الأسباب التي تساعد المسلمين المختلفين على التقارب الفكري ونبذ التعصب المذهبي. الخامس: أننا - بمثل هذا التخريج والتصفية - نسد الطريق على بعض المبتدعة الضالة الجهلة الذين يحاربون الأحاديث النبوية وينكرون حجية السنة ويزعمون أن الإسلام ليس هو إلا القرآن! ويسمون في بعض البلاد " القرآنيين ". وليسوا من القرآن في شئ (1). ويلبسون على الجهال بقولهم: إن السنة غير محفوظة وإن بعضها ينقض بعضا ويأتون على ذلك ببعض الأمثلة منها حديث: " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء يعني عائشة " (2) ثم يعارضون به قوله (صلى الله عليه وسلم) في النساء أنهن " ناقصات عقل ودين " (3) ويقولون: أنظروا كيف يصف النساء بالنقص في هذا الحديث ثم يأمر بأخذ شطر الدين من عائشة وهي متهمة في النقص! فإذا ما علم المسلم المتبصر في دينه أن الحديث الأول موضوع مكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والحديث الآخر صحيح زال التعارض المزعوم أولا لأنه لا يصح في عقل عاقل - غير مجنون - معارضة الحديث الصحيح بالموضوع وانكشف تلبيسهم وجهلهم وضلالهم. ثم إذا رجع إلى الحديث الاخر الصحيح ثانيا وأخذه بتمامه من مصدره الموثوق به يتبين له أن النقص المذكور ليس إطلاقه كما يتعمد الدجالون أن يوهموا الناس وإسقاطا منهم للسنة من قلوبهم زعموا وإنما هو أن المرأة لا تصلي ولا تصوم وهي حائض وأن شهادتها على النصف من شهادة الرجل كما جاء تفسيره في الحديث نفسه في " صحيح البخاري " وغيره. ________________ (1) انظر رسالتي " منزلة السنة في الاسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن (2) حديث موضوع انظر " المنار المنيف " للعلامة ابن القيم (3) رواه البخاري 1/ 346 - رقم 725 من هذا المختصر (1/94) وهذا هو الشأن على الغالب بين الأحاديث الضعيفة والصحيحة وطرق شياطين الإنس والجن لإضلال الناس كثيرة متنوعة فهذا يضل بمثل حديث عائشة المذكور آنفا وآخر بمثل الحديث المتقدم " اختلاف أمتي رحمة ". من أجل كل ذلك كان هذا التخريج النافع إن شاء الله تعالى. واعلم أن فن التخريج ليس غاية في نفسه عند المحققين من المحدثين بحيث يقتصر أمره على أن نقول مخرج الحديث: " أخرجه فلان وفلان و. - عن فلان عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كما يفعله عامة المحدثين قديما وحديثا بل لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفا فإنه والحالة هذه لا بد له من أن تتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة وهذا ما يعرف في علم الحديث بالحسن لغيره أو الصحيح لغيره. وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها لأنه يتطلب سعة في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها ومعرفة جيدة بعلل الحديث وتراجم رجاله أضف إلى ذلك دأبا وجلدا على البحث فلا جرم أنه تقاعس عن القيام بذلك جماهير المحدثين قديما والمشتغلين به حديثا وقليل ما هم. على أننى أرى أنه لا يجوز في هذه الأيام الاقتصار على التخريج دون بيان المرتبة لما فيه من إيهام عامة القراء الذين يستلزمون من التخريج القوة - أن الحديث ثابت على كل حال. وهذا مما لا يجوز كما بينته في مقدمة: " غاية المرام " فراجعه فإنه هام. من أجل ذلك فإني قد جريت في هذا التخريج كغيره على بيان مرتبة كل حديث في أول السطر ثم اتبع ذلك بذكر من خرجه ثم بالكلام على إسناده تصحيحا أو تضعيفا وهذا إذا لم يكن في مخرجه الشيخان أو أحدهما وإلا استغنيت بذلك عن الكلام كما كنت بينته في مقدمتي لتخريج أحاديث " شرح العقيدة الطحاوية " ومقدمتي على " مختصر مسلم " للمنذري. وقد لا يتيسر لي الوقوف على إسناد الحديث وحينئذ أنقل ما وقفت عليه من تخريج وتحقيق لأهل العلم أداء للأمانة وتبرئة للذمة ولكني في هذه الحالة أبيض للحديث على الغالب فلا أذكر له مرتبة. والله - سبحانه وتعالى - أسال أن يسدد خطانا وأن يحفظ علينا ما به من النعم أولانا وأن يغفر لنا ذنوبنا ويصلح أعمالنا ويخلص نوايانا وأن يعاملنا بفضله إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله الا أنت أستغفرك وأتوب إليك. بيروت غرة رجب 1399. وكتب محمد ناصر الدين الألباني. [مقدمة إرواء الغليل] (1/95) زيارة الشيخ للمنطقة الشرقية بالسعودية في السنة المذكورة (1) - وبعد العمرة - قيض لي أن أزور المنطقة الشرقية من السعودية وألقيت فيها بعض المحاضرات وأجبت عن أسئلة السائلين والسائلات أيضا كتابة وهاتفيا فبلغني عن بعض الملتزمات منهن لما بلغهن حديث: " لا تنتقب المرأة المحرمة. . . " قلن: نتنقب ولا نكشف عن وجوهنا ونفدي فقلت: سبحان الله ما يفعل الجهل بأهله فقد جعل الله لهن مخرجا: أن يسترن وجوههن بالسدل ولكن ذلك من آثار تشديد بعض المشايخ في تلك البلاد مع إهمال التنبيه على الجوانب الأخرى المتعلقة بالمسألة والتيسير فيها وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة لا يمكن أن يخرج لنا جيلا من النساء يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن في كل البلاد والأحوال مع أزواجهن وغيرهم ممن تحوجهم الظروف أن يتعاملن معهم كما كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كالقيام على خدمة الضيوف وإطعامهم والخروج في الغزو يسقين العطشى ويداوين الجرحى وينقلن القتلى وربما باشرن القتال بأنفسهن عند الضرورة فهل يمكن للنسوة اللاتي ربين على الخوف من الوقوع في المعصية - إذا صلت أو حجت مكشوفة الوجه والكفين - أن يباشرن مثل هذه الأعمال وهن متنقبات ومتقفزات؟ لا وربي فإن ذلك مما لا يمكن إلا بالكشف عن وجوههن وأكفهن وقد ينكشف منهن ما لا يجوز عادة كما قال تعالى: (إلا ما ظهر منها) كما سنرى في بعض الأمثلة الشاهدة لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. [الرد المفحم: ص148 , 149] _____________ (1) أي عام 1410هـ (1/96) حجة الشيخ الأولى ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف (1) في مكة حينما حججت لأول مرة سنة (1369)، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده وهكذا!! ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة، ثم أقبل علي منكرا، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور، والآمرة بدفع المار، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك، فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون! واحتج بعضهم بهذا الحديث، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث، وبيان علته. __________ (1) " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين الكعبة سترة. (وفي رواية): طاف بالبيت سبعا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد " [الضعيفة 928] (1/97) إجازة الشيخ الطباخ للألباني قلت: وهذا الحديث (1) من المسلسلات المشهورة المروية بالمحبة، وقد أجازني بروايته الشيخ الفاضل راغب الطباخ رحمه الله، وحدثني به ... وساق إسناده هكذا مسلسلاً بالمحبة. [صحيح أبي داود 5/ 254]. ______________ (1) عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيده، وقال: " يا معاذُ! والله! إني لأُحِبّكَ، والله! إني لأُ حِبُّكَ ". فقال: " أوصيك يا معاذ! لا تدعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة تقول: اللهم! آعِني على ذِكرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادتك ". [1362 صحيح أبي داود] (1/98) مشاهدات الشيخ في المسجد النبوي ومما يؤسف له أن هذا البناء قد بني عليه منذ قرون إن لم يكن قد أزيل تلك القبة الخضراء العالية وأحيط القبر الشريف بالنوافذ النحاسية والزخارف والسجف وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه صلى الله عليه وسلم بل قد رأيت حين زرت المسجد النبوي الكريم وتشرفت بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 1368 هـ رأيت في أسفل حائط القبر الشمالي محرابا صغيرا ووراءه سدة مرتفعة عن أرض المسجد قليلا إشارة إلى أن هذا المكان خاص للصلاة وراء القبر فعجبت حينئذ كيف ضلت هذه الظاهرة الوثنية قائمة في عهد دولة التوحيد أقول هذا مع الاعتراف بأنني لم أر أحدا يأتي ذلك المكان للصلاة فيه لشدة المراقبة من قبل الحرس الموكلين على منع الناس من يأتوا بما يخالف الشرع عند القبر الشريف فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي وقد كنت قلت منذ ثلاث سنوات في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها " (208 من أصلي): فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائط يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي محالفة لا ترضى مؤسسه صلى الله عليه وسلم اعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها وتسد بذلك النقص الذي سيصيبه سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها؟ ) ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة والله المستعان. [تحذير الساجد: ص91] (1/99) ظهور أثر الدعوة إلى التصفية ومن الجدير بالذكر أخيراً أن أقول: إنه وبعد مضي السنوات الطويلة على دعوتنا إلى وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة، وإلى مبدأ (التصفية) بصورة خاصة، تصفية الإسلام من البدع والمنكرات والأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ التي حجبت نور الإسلام بعض الوقت، وبددتْ جهود المسلمين في سُبُل عاقت مسيرتهم وتقدمهم، وجلِ الله القائل: " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون "، والتي كان من وسائل تحقيق تلك الدعوة نشر " السلسلتين ": " الصحيحة " و " الضعيفة "؛ نجد أننا بدأنا نلمس انتشار الوعي بين عامة المسلمين، فضلاً عن خاصتهم، وذلك ببزوغ نزعة التحري والتثبت فيما إذا كان الحديث الذي يسمعونه أو يقرؤونه صحيحاً أم ضعيفاً، وما ذلك في ظني إلا بدايات إثمار البذور والغراس التي بذرناها وغرسناها منذ نحو نصف قرن من الزمان، ولازلنا- بحمد الله وفضله- مستمرين على هذا، مؤكدين دوماً وجوبَ الأخذ بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك كل ما هو غير صحيح؛ مع لزوم معرفته خشية اعتباره ديناً، فإن معرفة الصحيح من الضعيف سِكَّتان متوازيتان على خط واحد، لا تلتقيان؛ نعرف الصحيح ونلتزمه وندعو إليه، ونعرف الضعيف فنحذره ونحذّر منه، ولله درّ حذيفة رضي الله عنه حيث قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، ورحم الله القائل: عرفت الشر لا الشر *** لكن لتوقّيه ومن لا يعرف الخير *** من الشر يقع فيه أقول: هذه الصحوة، والحمد لله أصبحت ظاهرة تلمسها وتسمع عنها، فكثير من الكتّاب والمدرسين والخطباء تجدهم يعْنَون بهذا الأمر، ويحرصون على التزام ما صح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدر إمكاهم، ناهيك عن ظهور العديد من طلاب العلم الذين أخذوا تخصصون في هذا العلم، والذين نرجو لهم الثبات والفلاح، والإخلاص في طلبهم العلم لله. [الضعيفة 5/ 7] (1/100)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فهرس كتاب اعلام الموقعين لابن القيم

إعلام الموقعين/فهرس الجزء الأول [[إعلام الموقعين/الجزء الأول#نوعا التلقي عنه ﷺ|نوعا التلقي عنه ﷺ]] إخراج المتعصب عن زمرة العلماء فصل حفاظ ال...