السبت، 27 يناير 2024

ج9. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للالباني {من ح رقم 5368 الي5781.}

 

ج9.

ج9. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها 

السيئ في الأمة

المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ)

5368 - (لعن الله سبعة من خلقه من فوق سبع سماواته، وردد لعنته على واحد منهم ثلاثاً، ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه، قال:

ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط.

ملعون من ذبح لغير الله.

ملعون من أتى شيئاً من البهائم.

ملعون من عق والديه.

ملعون من جمع بين المرأة وابنتها.

ملعون من غير حدود الأرض.

ملعون من ادعى إلى غير مواليه) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 8492 - ط) ، وأبو بكر الشافعي في "الفوائد" (73/ 254/ 2) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 341/ 1) من طرق عن أبي مصعب الزهري: حدثني محرر بن هارون - رجل من قريش - عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً.

وتابعه عبد الله بن عمر بن الرماح - عند ابن عدي -، وبشر بن الحكم بن حبيب بن مهران - عند البيهقي في "الشعب" (2/ 132/ 2) -؛ كلاهما عن محرر بن هارون به.

وخالف أبو عتبة أحمد بن الفرج فقال: حدثنا ابن أبي فديك: حدثنا هارون

التيمي عن الأعرج به.

أخرجه الحاكم (4/ 356) ، وسكت عنه! وتعقبه الذهبي، فقال:

"قلت: هارون ضعفوه".

قلت: هو هارون بن هارون بن عبد الله بن محرر بن الهدير القرشي التيمي، فهو أخو محرر بن هارون، وكلاهما ضعيف جداً.

لكن أبو عتبة أحمد بن الفرج ضعيف، فلا يحتج به عند التفرد، فكيف عند المخالفة؟

ولم يتنبه لهذا المنذري؛ فقال (3/ 198) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا محرز بن هارون التيمي، ويقال: (محرر) بالإهمال.

ورواه الحاكم من رواية هارون أخي محرر، وقال: "صحيح الإسناد". وكلاهما واه؛ ولكن محرز قد حسن له الترمذي، ومشاه بعضهم، وهو أصلح حالاً من أخيه هارون"!

قلت: إن كان لا بد من المفاضلة بينهما؛ فالعكس هو الصواب، كما يشير إلى ذلك قول الحافظ ابن حجر في الأول:

"محرر - براءين؛ وزن محمد؛ على الصحيح - ابن هارون بن عبد الله التيمي - متروك".

وقال في أخيه:

"ضعيف".

ولكني أرى أنهما في شدة الضعف سواء؛ فالأول قد قال فيه البخاري وغيره:

"منكر الحديث". وقال ابن حبان (3/ 20) :

"كان ممن يروي عن الأعرج ما ليس من حديثه، وعن غيره ما ليس من حديث الأثبات، لا تحل الرواية عنه، ولا الاحتجاج به".

وقال في أخيه هارون (3/ 94) :

"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار لأهل الصناعة فقط".

وضعفه غيره.

لكن الحديث قد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ آخر، وفيه ذكر السبعة غير:

".. ملعون من جمع بين امرأة وابنتها"، وذكر مكانه:

"لعن الله من كمه أعمى عن الطريق".

وهو مخرج في "الصحيحة" (3462) .

5369 - (يا معشر المسلمين! اتقوا الله وصلوا أرحامكم؛ فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم. وإياكم والبغي؛ فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي. وإياكم وعقوق الوالدين؛ فإن ريح الجنة توجد من

 

(11/612)

 

 

مسيرة ألف عام، والله! لا يجدها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء، إنما الكبرياء لرب العالمين. والكذب كله إثم؛ إلا ما نفعت به مؤمناً، ودفعت به عن دين. وإن في الجنة لسوقاً ما يباع فيها ولا يشترى، ليس فيها إلا الصور، فمن أحب صورة من رجل أو امرأة؛ دخل فيها) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم 5794) ، ومن طريقه أبو نعيم في "صفة الجنة" (2/ 42/ 195) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طريف البجلي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن كثير الكوفي قال: أخبرنا جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عن جابر بن عبد الله قال:

خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مجتمعون، فقال: ... فذكره. وقال:

"لا يروى هذا الحديث عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد بن محمد ابن طريف".

قلت: ولم أجد له ترجمة فيما لدي من كتب الرجال؛ وقد ذكره في "التهذيب" في الرواة عن أبيه محمد بن طريف، وكناه بأبي زيد، وكنية أبيه: أبو جعفر الكوفي، وهو من شيوخ مسلم الثقات.

لكن محمد بن كثير الكوفي متهم؛ قال البخاري في "التاريخ" (1/ 1/ 217) :

"منكر الحديث". وقال ابن حبان (2/ 287) :

 

(11/613)

 

 

"كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات، التي إذا سمعها من الحديث صناعته؛ علم أنها معمولة أو مقلوبة، لا يحتج به بحال". وفي "ميزان الذهبي":

"قال أحمد: خرقنا حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن المديني: كتبنا عنه عجائب، وخططت على حديثه. ومشاه ابن معين".

قلت: وساق له ابن عدي في "الكامل" (6/ 255-256) أحاديث منكرة جداً، تدل على سوء حاله، وقال:

"وهو منكر الحديث عن كل من يروي عنه، والبلاء منه".

ومن هذه الأحاديث: ما أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 76) بلفظ:

"من عطس أو تجشأ، أو سمع عطسة أو جشاءً، فقال: الحمد لله على كل حال من الأحوال؛ صرف الله عنه سبعين داءً، أهونها الجذام".

ولعله يأتي إن شاء الله تعالى.

قلت: وبه أعل الهيثمي حديث الترجمة، فقال (5/ 125) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن كثير الكوفي، وهو ضعيف جداً".

وفيه علة ثالثة، وهي جابر الجعفي؛ فإنه ضعيف، بل قد كذبه بعضهم.

وقد أعله به أيضاً الهيثمي في مكان آخر، فقال (8/ 149) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" من طريق محمد بن كثير عن جابر الجعفي،

 

(11/614)

 

 

وكلاهما ضعيف جداً".

وأشار المنذري في "الترغيب" إلى تضعيف الحديث في موضعين منه بقوله في أوله:

"وروي عن جابر.." (3/ 99،221-222) .

والحديث؛ أورده السيوطي في "الجامع الكبير" بتقديم وتأخير، وقال:

"رواه ابن عساكر [6/ 223] عن محمد بن الفرات الجرمي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي. ومحمد كذبه أحمد وغيره، وقال (د) : روى أحاديث موضوعة".

واعلم أنه قد صح من الحديث ما يتعلق بثواب صلة الرحم، وعقوبة البغي وقطيعة الرحم، روي ذلك من طرق؛ خرجتها في "الصحيحة" (978) .

والفقرة الأخيرة منه في سوق الجنة؛ قد روي بإسناد خير من هذا؛ ولكنه ضعيف لا يصح؛ كما سبق بيانه برقم (1982) في المجلد الرابع.

5370 - (أربعة يصبحون في غضب الله، ويسمون في سخط الله. قلت: ومن هم يا رسول الله؟! قال: المتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، والذي يأتي البهيمة، والذي تأتيه الرجال) .

ضعيف

أخرجه البخاري في "التاريخ" (1/ 1/ 110) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 306/ 1) ، وعنه البيهقي في "الشعب" (2/ 121/ 1) و (4/ 356/ 5385) ، والطبراني في "الأوسط" (رقم 7001) من طريق دحيم: حدثنا ابن أبي فديك عن محمد بن سلام الخزاعي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً.

 

(11/615)

 

 

أورده البخاري في ترجمة ابن سلام الخزاعي هذا، وقال:

"لا يتابع عليه". وقال ابن عدي:

"وهذا الذي أنكره البخاري لا أعلم رواه عن محمد بن سلام غير ابن أبي فديك".

وكذا قال الطبراني أن ابن أبي فديك تفرد به عن ابن سلام. وقال أبو حاتم:

"مجهول". وقال الذهبي:

"لا يعرف".

قلت: وأما أبوه سلام الخزاعي؛ فلعله سلام بن أبي مطيع - واسمه سعد - الخزاعي؛ المترجم في "التهذيب" برواية الشيخين عنه. وبروايته هو عن قتادة وهشام ابن عروة؛ وغيرهما. فإن يكن هو؛ فمعنى ذلك أن في الإسناد انقطاعاً؛ لأنه من أتباع التابعين، ولذلك؛ لم يذكروا له رواية عن الصحابة. وقال الحافظ في "التقريب":

"ثقة صاحب سنة، في روايته عن قتادة ضعف، من السابعة، مات سنة أربع وستين (ومئة) ، وقيل بعدها".

5371 - (يا أيها الناس! قتيل قتل وأنا فيكم ولا يعلم من قتله؟! لو اجمتع أهل السماء والأرض على قتل امرىء؛ لعذبهم الله؛ إلا أن يفعل ما يشاء. وفي رواية: إلا أن لا يشاء ذلك) .

منكر بهذا التمام

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (ق 258/ 1) ، والبيهقي في "السنن" (8/ 32) وفي "الشعب" (4/ 347/ 5351) من طرق عن عطاء بن مسلم الخفاف عن العلاء بن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت

 

(11/616)

 

 

عن ابن عباس قال:

قتل قتيل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم من قتله؟ فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال: ... فذكره. والسياق لـ "الشعب"، والرواية الأخرى لابن عدي. وقال:

"عطاء بن مسلم؛ في أحاديثه بعض ما ينكر عليه".

قلت: وقد بين سبب ذلك ابن أبي حاتم، فقال (3/ 1/ 336) عن أبيه:

"كان شيخاً صالحاً يشبه بيوسف بن أسباط، وكان دفن كتبه، وليس بقوي؛ فلا يثبت حديثه". ولذلك؛ قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يخطىء كثيراً".

قلت: ومما يدل على ضعفه: اضطرابه في متن هذا الحديث؛ فهو تارة يذكر الزيادة التي في آخره:

"إلا أن لا يشاء ذلك"؛ وهي من رواية الحسن بن حماد الحضرمي وإبراهيم ابن موسى الرازي - وكلاهما ثقة -.

وتارة لا يذكرها؛ كما في رواية للبيهقي من طريق علي بن قادم عنه - وهو ثقة أيضاً -، وتابعه محمد بن مهران الجمال - وهو ثقة حافظ -، فرواه عنه بدونها أيضاً؛ إلا أنه قال:

"بلا عدد ولا حساب".

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 172/ 2) .

ويؤكد نكارة هذه الزيادة أمور:

 

(11/617)

 

 

أولاً: أن الحديث قد جاء عن جمع من الصحابة بأسانيد قوية بألفاظ متقاربة، ليس في شيء منها هذه الزيادة، وقد خرجت بعضها في "الروض النضير" تحت الحديث (925) ، وأخرج الكثير منها الحافظ المنذري في "الترغيب" (3/ 202) ؛ فليراجعه من شاء الوقوف عليها، أو في كتابي "صحيح الترغيب والترهيب".

ثانياً: أن الحديث قد روي بهذه القصة عن أبي سعيد الخدري قال:

قتل قتيل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصعد المنبر ... الحديث نحوه دون الزيادة.

أخرجه البزار (ص 236 - زوائده) ، والحاكم (4/ 352) من طريق داود ابن عبد الحميد: حدثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطية عنه، وزاد:

"والذي نفسي بيده! لا يبغضنا - أهل البيت - أحد؛ إلا كبه الله في النار". وقال البزار:

"أحاديث داود عن عمرو؛ لا نعلم أحداً تابعه عليها، وهو ضعيف، وعطية كذلك".

وسكت عنه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: خبر واه". وقال الهيثمي (5/ 296) :

"رواه البزار، وفيه داود بن عبد الحميد، وغير من الضعفاء".

لكن أخرجه الترمذي (1/ 262) من طريق يزيد الرقاشي: حدثنا أبو الحكم البجلي قال: سمعت أبا سعيد الخدري وأبا هريرة يذكران عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث دون الزيادة. وقال:

 

(11/618)

 

 

"حديث غريب".

قلت: أي: ضعيف؛ لضعف يزيد الرقاشي.

وقد تابعه أبو حمزة الأعور عن أبي الحكم البجلي عن أبي هريرة وحده.

أخرجه البيهقي في "الشعب" (2/ 117/ 2) .

وأبو حمزة هذا؛ اسمه ميمون القصاب، وهو ضعيف أيضاً.

لكن العله يتقوى أحدهما بالآخر؛ فيكون الحديث حسناً بهما، وهو صحيح قطعاً بالشواهد التي سبقت الإشارة إليها.

ثالثاً: أن الحديث لو كان عند ابن عباس بهذه الزيادة؛ لم يذهب - إن شاء الله - إلى أن القاتل لا توبة له، وقد صح هذا عنه من طرق؛ كما تراه مخرجاً في "الصحيحة" برقم (2697) .

من أجل ما سبق من البيان والتحقيق؛ لم يحسن المنذري صنعاً حين أورد حديث الترجمة في "الترغيب" (3/ 202) من رواية البيهقي ساكتاً عليه! والله المستعان.

5372 - (من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء؛ فليتق الله، وليصل رحمه) .

ضعيف بهذا التمام

أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 143) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 224/ 1) ، والطبراني في "الأوسط" (3165) ، وابن بشران في "الأمالي" (2/ 132/ 1) ، والحاكم (4/ 160) ، والضياء في "المختارة" (1/ 188-189) من طريق معمر عن أبي

 

(11/619)

 

 

إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو إسحاق - وهو السبيعي - كان اختلط، ومعمر ليس ممن روى عنه قبل الاختلاط، ثم - هو إلى اختلاطه - مدلس، وقد عنعنه عند جميع من خرجه.

وكذلك رواه أبو حفص الأبار عن منصور عن أبي إسحاق عن عاصم به.

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7024) .

نعم؛ إنه قد توبع؛ فقد أخرجه البزار في "مسنده" (1879) من طريق عبد الحميد بن عبد العزيز بن أبي رواد: حدثنا ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة به، دون قوله:

"ويدفع عنه ميتة السوء". وقال البزار:

"قد روي هذا مرفوعاً من وجوه، وأعلى من روى ذلك علي، وقد روي عن علي من طريق آخر، ولا أحسب ابن جريج سمع هذا من حبيب، ولا رواه غيره".

قلت: فلا غناء في هذه المتابعة، وذلك؛ لوجوه:

الأول: ما أشار إليه البزار من الانقطاع بين ابن جريج وحبيب، وليس ذلك لأنه لم يعاصره؛ فإن بين وفاتيهما نحو ثلاثين سنة فقط، ويوم مات ابن جريج كان قد جاوز السبعين، وإنما لأنه كان يدلس، وهو معروف بذلك.

الثاني: الانقطاع أيضاً بين حبيب بن أبي ثابت وعاصم بن ضمرة؛ فإنه موصوف بالتدليس أيضاً، وقد عنعنه، ولعله لذلك قال أبو داود:

 

(11/620)

 

 

"ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شيء يصح".

الثالث: ضعف عبد المجيد بن عبد العزيز؛ مع كونه من رجال مسلم؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء، وكان مرجئاً، أفرط ابن حبان فقال: متروك".

الرابع: أنه ليس في هذه المتابعة تلك الزيادة:

".. ميتة السوء"! وإنما خرجت الحديث هنا من أجلها، وإلا؛ فالحديث بدونها صحيح؛ قد جاء عن جمع من الصحابة؛ كما أشار إلى ذلك البزار فيما تقدم عنه، وقد خرجت بعضها في "الصحيحة" (276) ، وفي "صحيح أبي داود" (1486) .

ومما سبق من التحقيق؛ تعلم ما في قول المنذري من التساهل والإجمال؛ إذ قال (3/ 223) :

"رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده"، والبزار بإسناد جيد، والحاكم"!

ومثله قول الهيثمي (8/ 153) - وأقره الأعظمي في تعليقه على "كشف الأستار" -:

"رواه عبد الله بن أحمد، والبزار، والطبراني في "الأوسط"، ورجال البزار رجال "الصحيح"؛ غير عاصم بن ضمرة، وهو ثقة"! وما ذكرته من التساهل والإجمال ظاهر؛ لأنه لو سلمنا بجودة إسناد البزار وثقة رجاله كلهم؛ لم يفد ذلك في حديث الترجمة شيئاً؛ لما ذكرنا أن فيه الزيادة، وهي ليست عند البزار!

 

(11/621)

 

 

وقد وجدت لها شاهداً؛ ولكنه مما لا غناء فيه أيضاً؛ لما فيه من الضعف الشديد، وهو ما أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/ 1014) من طريق صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ:

"إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بها في العمر، ويدفع بها ميتة السوء، ويدفع الله بها المكروه والمحذور".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علتان:

الأولى: صالح المري - وهو ابن بشير الزاهد - ضعيف جداً؛ قال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 372) :

"كان يروي الشيء الذي سمعه من ثابت والحسن على التوهم، فيجعله عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فظهر في روايته الموضوعات التي يرويها عن الأثبات، فاستحق الترك".

ولذلك؛ قال البخاري وغيره:

"منكر الحديث". وقال النسائي:

"متروك".

وضعفه الآخرون. وبه أعله الهيثمي، فقال (8/ 151) :

"رواه أبو يعلى، وفيه صالح المري، وهو ضعيف".

والأخرى: الرقاشي؛ وهو ضعيف؛ كما في "التقريب".

وقد تركه بعضهم، فهو قريب من صالح المري، فانظر ترجمته في "تهذيب

 

(11/622)

 

 

التهذيب".

ولذلك؛ أشار المنذري في "الترغيب" (3/ 223-224) إلى تضعيف الحديث.

وفي (أن الصدقة تمنع ميتة السوء) طريق أخرى عن الرقاشي، وأحاديث أخرى شديدة الضعف أيضاً، وهي مخرجة في "إرواء الغليل" برقم (885) .

5373 - (ما قعد يتيم مع قوم على قصعتهم؛ فيقرب قصعتهم شيطان) .

موضوع

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (ق 108/ 2 - زوائد مسنده) ، والطبراني في "الأوسط" (7307) عن يزيد بن هارون: حدثنا الحسن بن واصل: حدثني الأسود بن عبد الرحمن العدوي عن هصان بن كاهل عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به يزيد بن هارون".

ومن هذا الوجه: أخرجه الخطيب البغدادي في "الموضح" (2/ 16) في ترجمة الحسن بن واصل. وقال:

"وهو الحسن بن دينار".

قلت: وهو متروك؛ كذبه غير واحد؛ قال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 232) .

"يحدث الموضوعات عن الأثبات، ويخالف الثقات في الروايات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان يتعمد لها، تركه ابن المبارك ووكيع، وأما أحمد بن حنبل

 

(11/623)

 

 

ويحيى بن معين؛ فكانا يكذبانه.."؛ ثم ساق له أحاديث؛ هذا أحدها، وقال:

"باطل لا أصل له".

ولذلك؛ أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (آخر الصدقات) .

وقعقع حوله السيوطي في "اللآلي"؛ فلم يصنع شيئاً كغالب عادته! وقد أقره في "الجامع الكبير".

وتساهل بعضهم فحسنه! فقال المنذري (3/ 230) :

"حديث غريب، رواه الطبراني في "الأوسط"، والأصبهاني؛ كلاهما من رواية الحسن بن واصل، وكان شيخنا أبو الحسن رحمه الله يقول: هو حديث حسن"!

قلت: ولعله أراد (حسن) لغة لا اصطلاحاً.

وقلده الهيثمي؛ بل زاد عليه ضغثاً على إبالة؛ فقال (8/ 160) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفيه الحسن بن واصل، وهو الحسن بن دينار، وهو ضعيف لسوء حفظه، وهو حديث حسن"!

5374 - (أنا أول من يفتح باب الجنة؛ إلا أني تأتي امرأة تبادرني، فأقول لها: ما لك، ومن أنت؟! فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 1569-1570) عن عبد السلام بن عجلان الهجيمي: أخبرنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعاً.

 

(11/624)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير عبد السلام هذا؛ قال الذهبي في "الميزان":

"قال أبو حاتم: يكتب حديثه. وتوقف غيره في الاحتجاج به".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"! ولكنه قال:

"يخطىء ويخالف".

قلت: ومن كان كذلك؛ فحري أن لا يحتج به، ولا سيما ولم يوثقه أحد غيره، فقول المنذري (3/ 231) :

"رواه أبو يعلى، وإسناده حسن"!

غير حسن.

ومن طريقه عبد السلام المذكور: أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص 71) ؛ لكن وقع فيه: "عن أبي يزيد المدني" مكان: "أخبرنا أبو عثمان النهدي"! ولعله من سوء حفظ عبد السلام نفسه. والله أعلم.

وأما قول الهيثمي في "المجمع" (8/ 162) :

"رواه أبو يعلى، وفيه عبد السلام بن عجلان، وثقه أبو حاتم (كذا) ، وابن حبان، وقال: يخطىء ويخالف. وبقية رجاله ثقات"!!

قلت: فقوله: "وثقه أبو حاتم" خطأ؛ لأن أبا حاتم إنما قال فيه:

"شيخ يكتب حديثه".

وهذا ليس يعني أنه ثقة عنده، بل هو دونه؛ كما في "درجات رواة الحديث"

 

(11/625)

 

 

عنده (1/ 37) ، أي: في المرتبة الثالثة؛ قال:

"وإذا قيل: "شيخ"؛ فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه؛ إلا أنه دون الثانية".

ولذلك؛ قال الذهبي في "الميزان" (2/ 385) :

"قوله: "هو شيخ"؛ ليس هو عبارة جرح، ولكنها أيضاً ما هي عبارة توثيق، وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة. ومن ذلك قوله: "يكتب حديثه"؛ أي: ليس هو بحجة".

ولذلك؛ رأيت الحافظ لما ترجم في "التهذيب" لـ (العباس بن الفضل المدني) بسماع أبي حاتم منه وقوله: "شيخ"، وبذكر ابن حبان إياه في "الثقات" [8/ 511] ؛ لم يوثقه في "التقريب"، بل قال فيه:

"مقبول". فخذها فائدة قد لا تراها في مكان آخر.

وإن مما يدل على ضعف عبد السلام هذا، وأنه لا يحتج به: اضطرابه في إسناده ومتنه:

أما الإسناد؛ فقد جعل (أبا يزيد المدني) مكان (أبي عثمان النهدي) عند الخرائطي، كما تقدم.

وأما المتن؛ فلفظه عنده:

"حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي؛ غير أني أنظر عن يميني؛ فإذا امرأة تبادرني إلى باب الجنة، فأقول: ما لهذه تبادرني؟ فيقال لي: يا محمد! هذه امرأة كانت حسناء جملاء، وكان عليها يتامى لها، فصبرت عليهن حتى بلغ

 

(11/626)

 

 

أمرهن الذي بلغ، فشكر الله لها ذلك". (2/ 646 - "المكارم" - الطبعة الجديدة) .

إذا عرفت هذا؛ فمن الخطأ - الناشىء من قلة التحقيق - قول المعلق على "مسند أبي يعلى" (12/ 7) :

"إسناده جيد"!

لا سيما وقد نقل عن البوصيري أنه ضعف إسناده بـ (عبد السلام) هذا في "إتحاف الخيرة" (2/ 139) !

وما نقله من توثيق ابن شاهين إياه؛ ففيه نظر؛ لمخالفته لقول أبي حاتم، ونسبة ابن حبان - على تساهله - إياه إلى الخطأ والمخالفة.

يضاف إلى ذلك أننا قد لمسنا في توثيقات ابن شاهين من التساهل ما عرف به غيره، وإذا رجعت إلى ترجمته في "التذكرة" و "السير"؛ رأيت فيه كلاماً كم حيث معرفته بالرجال، فراجع لكي تتحقق مما نقول، ولا تكن ممن يعرف الحق بالرجال!

5375 - (إن الله تعالى يقول: يا عبادي! كلكم مذنب إلا من عافيت؛ فاستغفروني أغفر لكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، إني جواد ماجد واجد؛ أفعل ما أشاء، عطائي كلام، وعذابي كلام؛ إذا أردت شيئاً فإنما أقول له: كن فيكون) .

ضعيف

أخرجه أحمد (5/ 177) من طريق شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ شهر - وهو ابن حوشب -، وقال في

 

(11/627)

 

 

"التقريب":

"صدوق، كثير الإرسال والأوهام".

وقد كان الداعي إلى تخريجه: أنني سافرت سفرة اضطرارية إلى الإمارات العربية، فكنت في دعوة غداء عند بعض المحبين في الله في (أبو ظبي) يوم الجمعة 9 محرم سنة 1402 هـ، وفي المجلس شاب يماني سلفي يدعى بـ (عبد الماجد) ، فسأل أحد الحاضرين: هل (الماجد) من أسماء الله تعالى؟ فقلت: لا أعلمه إلا في رواية الترمذي للحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة:

"إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"، فزاد الترمذي فيه سرد الأسماء، وفيها هذا الاسم (الماجد) ! لكن العلماء ضعفوا هذه الزيادة، وهي في "المشكاة" (2288) ، مع بيان ضعفها.

فذكر أحد الحاضرين أنه رأى هذا الاسم في حديث آخر في "مختصر تفسير ابن كثير" للشيخ الصابوني، فطلبته، فرأيته قد ساقه محذوف السند كعادته، غير مشير إلى ضعفه؛ لأنه من الجمهور الذي لا علم عنده بالصناعة هذه؛ بل هو يستكثر بما ليس عنده؛ فإن الحديث يكون في الأصل "تفسير ابن كثير" مخرجاً معزواً لبعض أصحاب الحديث المؤلفين، فيختصر التخريج من "مختصره"، ويجعله في أسفل حاشيته، يوهم القراء أن التخريج له، وليس له منه إلا التزوير، كما يشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"من تشبع بما لم يعط؛ فهو كلابس ثوبي زور".

ولو أنه فعل ذلك مرة أو مرتين لما تعرضنا له بذكر، ولكنه جعل ذلك ديدنة ومنهاجاً؛ فإنه جعل كل التخريجات التي في الأصل في حاشية "مختصره"!

 

(11/628)

 

 

والله تعالى هو المستعان.

ثم إن الحديث في "المسند" بأتم مما ذكر أعلاه تبعاً للمختصر. وأصله في "صحيح مسلم" من طريق أخرى عن أبي ذر بلفظ:

"قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي ... " الحديث بطوله، وليس فيه مما في حديث الترجمة إلا الاستغفار.

أخرجه مسلم (8/ 17) . وهو رواية أحمد (5/ 160) .

5376 - (لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا بالله أبداً) .

ضعيف

رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة: حدثنا منجاب بن الحارث: أنبأنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: في قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ؛ قال: ... فذكره.

كذا في "مجموع الفتاوى" (16/ 438-439) ؛ وسكت عن إسناده.

وهو ظاهر الوهن؛ لضعف عطية وبشر بن عمارة. بل قال ابن تيمية:

"له شواهد، مثل ما في "الصحاح" في تفسير قوله تعالى: (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) ؛ قال ابن عباس:

ما السماوات السبع ومن فيهن في يد الرحمن؛ إلا كخردلة في يد أحدكم.

 

(11/629)

 

 

ومعلوم أن العرش لا يبلغ هذا؛ فإن له حملة وله حول، قال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله) "!

5377 - (إن أول هذه الأمة خيارهم، وآخرهم شرارهم؛ مختلفين متفرقين، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليأته منيته وهو يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10517) : حدثنا عبدان ابن أحمد: حدثنا خليفة بن خياط وماهر بن نوح قالا: حدثنا المفضل بن معروف: حدثنا عون بن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير المفضل هذا، فقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 184) :

".. ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!

قلت: وحق له أن لا يعرفه؛ فإنه محرف من (الفضل) ؛ فإنه هكذا على الصواب أورده المزي في الرواة عن عون بن أبي راشد من "التهذيب"، وكذلك السمعاني في نسبة (القطعي) : بضم القاف وفتح الطاء وكسر العين المهملتين، وقال:

"يروي عن بشر بن حرب الندبي". وقد أورده العقيلي في "الضعفاء"، وقال:

"كان قليل الضبط، يخالف في حديثه"؛ ثم ساق له هذا الحديث.

 

(11/630)

 

 

ثم ساقه من رواية زيد بن وهب ومن رواية الشعبي؛ كلاهما عن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو. ثم قال:

"هذه الرواية أولى". قال الحافظ في "اللسان":

"والحديث من طريق الأعمش عن زيد: في "مسلم" بطوله، وعند (د، س) ، وطريق الشعبي أيضاً عند مسلم"!

قلت: هو عنده في أول "الإمارة"، وليس فيه الشطر الأول من المتن، وقال: "فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة؛ فلتأته منيته وهو يؤمن بالله ... "، الحديث نحوه. وهو مخرج في الكتاب الآخر: "الصحيحة" (241) .

وجملة القول: أن الطرف الأول من الحديث منكر؛ لمخالفة الفضل بن معروف في لفظه لرواية زيد بن وهب والشعبي عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: إسناداً ومتناً. والله أعلم.

5378 - (كان يقول - بعد التكبير وبعد أن يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً -: اللهم! لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ... ) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (10993) عن جنادة بن سلم عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته جنادة هذا؛ ضعفه أبو زرعة. وقال أبو حاتم:

"ما أقربه أن يترك؛ عمد إلى أحاديث موسى بن عقبة؛ فحدث بها عن عبيد الله بن عمر".

 

(11/631)

 

 

وأما ابن حبان؛ فوثقه! فلا يلتفت إليه. ولذلك؛ قال الذهبي في "الكاشف":

"ضعف".

وإن مما يدل على ضعفه: أن الحديث رواه مالك عن أبي الزبير به دون ذكر دعاء التوجه في أوله.

ومن طريق مالك: أخرجه مسلم (2/ 184) .

وتابعه سليمان الأحول، وقيس بن سعد: عند مسلم، والطبراني (10987،11012) وغيرهما.

وكذلك هو في "صحيح البخاري" (رقم 582 - مختصره) .

ولم يتنبه للفرق بين رواية جنادة - هذه الضعيفة - ورواية الشيخين وغيرها - المخالفة لها -: صاحبنا الشيخ حمدي السلفي، فلم يعلق عليها بشيء يبين ضعفها، بل إنه أوهم صحتها بإحالته بها على رواية الشيخين المتقدمة! ولذلك؛ رأينا بيان ذلك.

5379 - (كان [- صلى الله عليه وسلم -] إذا استفتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين.

سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.

إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين) .

ضعيف

أخرجه أبو محمد الجوهري في "مجلسان من الأمالي" (ق 68/

 

(11/632)

 

 

2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (13324) عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمر قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته الأسلمي هذا؛ ضعفه أحمد وجماعة. وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (2/ 107) ، وقال:

"هو ضعيف".

وكذا قال الحافظ في "التقريب".

وساق له الذهبي هذا الحديث في جملة ما أنكر عليه.

5380 - (قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

إن شاء الله أن يخرج أناساً من الذين شقوا من النار، فيدخلهم الجنة؛ فعل) .

موضوع

قال ابن القيم في "حادي الأرواح" (2/ 179) :

"وقال ابن مردويه في "تفسيره": حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا جبير (1) ابن عرفة: حدثنا يزيد بن مروان الخلال: حدثنا أبو خليد: حدثنا سفيان - يعني: الثوري - عن عمرو بن دينار عن جابر قال: ... فذكره".

وسكت عنه، وتبعه الصنعاني في "رفع الأستار" (ص 85) ، ولكنه لم يسق إسناده؛ فما أحسن!

__________

(1) كذا في الأصول! وإنما هو خير بن عرفة، وهو مجهول الحال. (الناشر)

 

(11/633)

 

 

ولذلك؛ رأيت أنه لا بد من أن أكشف عن حاله؛ فأقول:

إن إسناده هالك، والمتهم به الخلال هذا؛ فقد أورده الذهبي في "الميزان"، وقال:

"قال يحيى بن معين: كذاب. وقال عثمان الدارمي: قد أدركته، وهو ضعيف قريب مما قال يحيى".

وشيخه أبو خليد: اسمه عتبة بن حماد الدمشقي، وهو صدوق؛ كما في "التقريب".

وأما شيخ الطبراني سليمان بن أحمد: جبير بن عرفة؛ فلم أجد له ترجمة الآن.

5381 - (إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ثم ماتوا عليها، وهو في الباب الأول من جهنم، لا تسود وجوههم ولا تزرق عيونهم، ولا يغلون بالأغلال، ولا يقرنون مع الشياطين، ولا يضربون بالمقامع، ولا يطرحون في الأدراك، منهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها يوماً ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج، وأطولهم مكثاً فيها: مثل الدنيا منذ يوم خلقت إلى يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة ... وذكر بقية الحديث) .

موضوع

أورده السيوطي في أول رسالة: "الكشف عن مجازة هذه الأمة الألف"، فقال:

 

(11/634)

 

 

قال الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول": حدثنا صالح بن أحمد بن أبي محمد: حدثنا يعلى (كذا) ابن هلال عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وسكت عنه السيوطي، وتبعه العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في رسالته القيمة: "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص 6 مخطوطة المكتب الإسلامي) ؛ وأنا في صدد تحقيقها إن شاء الله تعالى (1) ، ولذلك؛ وجدتني مندفعاً إلى تحقيق القول فيه، وشكر الله للحافظ السيوطي حيث ساق إسناده من "النوادر" الذي لا نعرف له وجوداً في عالم المخطوطات؛ بله المطبوعات، وإذا كان ذلك يبرر له أن يسكت عنه - كما جرى عليه عرف المحدثين -؛ فما عذر العلامة الصنعاني في السكوت عليه، وفيه ما يأتي بيانه؟!

أول ما يبدو لنا من الضعف في هذا الإسناد؛ إنما هو في شخص ليث - وهو ابن أبي سليم الحمصي الكوفي -، وهو معروف بالضعف عند جماهير العلماء قديماً وحديثاً، فمثله لا يخفى حاله على الإمام الصنعاني! فالظاهر أنه لم يقف على إسناده؛ لكن كا عليه أن يشعر القارىء بذلك؛ كما هو منصوص عليه في علم المصطلح، لكي لا يغتر أحد بسكوته عليه.

لكن قد بدا لي - بعد إمعان النظر في هذا الإسناد والمتن - أنه موضوع من الناحيتين:

أما الإسناد؛ فلأنه لا يوجد في الرواة من اسمه يعلى بن هلال، وتذكرت أن فيهم المعلى بن هلال، وفيه كلام، فرجعت إلى "الميزان" للذهبي، فوجدته قد

__________

(1) وقد طبعت في حياة الشيخ - رحمه الله -، وكتب الله لها القبول - كسائر مؤلفاته - القبول. والحديث في (ص 71) من المطبوع. (الناشر)

 

(11/635)

 

 

نقل تكذيبه عن غير واحد من الأئمة، وساق له أحاديث تدل على حاله؛ منها حديث:

"التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء"، يرويه المعلى بن هلال عن ليث عن مجاهد، وقد كنت خرجته فيما تقدم (916) ، فتيقنت أنه هو صاحب هذا الحديث، وأن اسمه تحرف إلى (يعلى) على السيوطي أو غيره.

وأما المتن؛ فلقوله فيه: "لا تسود وجوههم"؛ فإنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها: "أن الله يقول لملائكته: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فيخرجون منها قد اسودوا ... " الحديث.

أخرجه الشيخان، وابن أبي عاصم في "السنة" (842 - بتحقيقي) ، وابن حبان (2599) بنحوه.

5382 - (الحقب الواحد: ثلاثون ألف سنة) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7957) من طريق جعفر ابن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا بثين فيها أحقاباً) : "الحقب ... ".

قلت: وهذا موضوع؛ آفته جعفر هذا؛ فإنه متهم بالوضع، وقال الحافظ في "التقريب":

"متروك الحديث".

قلت: وقد سبق له بعض الموضوعات كالحديث (345،607) .

وبه أعل هذا الحديث الهيثمي في "المجمع" (7/ 133) ؛ لكنه سهل القول

 

(11/636)

 

 

فيه، فقال:

"هو ضعيف"!

وهو متردد الرأي فيه؛ فتارة يقتصر على تضعيفه، وتارة يكذبه، وتارة يتركه.

والحديث؛ أورده ابن كثير في تفسير الآية المذكورة؛ من رواية ابن أبي حاتم من الوجه المذكور؛ لكن بلفظ:

"ألف ألف سنة"!

كذا وقع فيه "ألف ألف" مكررة، فلا أدري أهكذا رواية ابن أبي حاتم، أم هو خطأ من الناسخ أو الطابع لابن كثير، فليراجع له "الدر المنثور" للترجيح. ثم قال ابن كثير:

"وهذا حديث منكر جداً، والقاسم والراوي عنه جعفر بن الزبير كلاهما متروك".

كذا قال! ولا دخل للقاسم في هذا الحديث؛ فإن المعتمد فيه أنه حسن الحديث إذا كان الراوي عنه ثقة.

(تنبيه) : كان الداعي إلى تخريج هذا الحديث: أنني لما أقمت مضطراً في بيروت أواخر سنة 1401 منفياً من عمان إلى دمشق بتاريخ 19 شوال من السنة المذكورة؛ قضيت وقت غربتي في تحقيق كتاب "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للعلامة الصنعاني؛ فرأيت فيه هذا الحديث منقولاً عن "حادي الأرواح" لابن القيم (2/ 216) بلفظ:

"الحقب: خمسون ألف سنة"! وقال الصنعاني مفسراً:

 

(11/637)

 

 

"و (الأحقاب) جمع، وأقله ثلاثة، يعني: مئة ألف سنة وخمسين ألف سنة".

فتبينت منه أن الذي في "الحادي" المطبوع ليس خطأ من الطابع؛ وإنما هو من ابن القيم نفسه، أو من نسخته التي نقل عنها من "المعجم"؛ بدليل نقل الصنعاني عنه وتفسيره إياه!

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى؛ لما رأيت الإمامين ابن القيم والصنعاني سكتا عن الحديث، وكان لا بد من التعليق عليه لبيان مرتبته من الثبوت؛ فكان هذا التخريج الذي يدلك على تساهل أفاضل العلماء في هذا المجال - فضلاً عمن دونهم فضلاً وعلماً -! والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وروى الحاكم (2/ 512) عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود في قوله تعالى: (لابثين فيها أحقاباً) قال:

الحقب: ثمانون سنة. وقال:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي! وأقره السيوطي في "الدر" (6/ 307) ! وأقول: أبو بلج: هذا اسمه يحيى بن سليم؛ قال الحافظ:

"صدوق ربما أخطأ".

فمثله حسن الحديث.

لكن قد سقط من "المستدرك" ما دونه من المسند، فلا أدري ما حاله؟

وروى البزار (4/ 186/ 3503) عن سليمان بن مسلم قال: سألت سليمان

 

(11/638)

 

 

التيمي: هل يخرج من النار أحد؟ فقال: حدثني نافع عن ابن عمر مرفوعاً:

"والله! لا يخرج من النار أحد؛ حتى يمكث فيها أحقاباً". قال:

والحقب: بضع وثمانون سنة، كل سنة ثلاث مئة وستون يوماً مما تعدون.

وذكره الهيثمي في "المجمع" (10/ 395) ، وقال:

"وفيه سليمان بن مسلم الخشاب، وهو ضعيف جداً".

وسكت عنه ابن كثير في "التفسير"؛ فإن سليمان هذا؛ قال ابن حبان:

"لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار"؛ كما في "الميزان" للحافظ الذهبي، وساق له حديثين - هذا أحدهما -، ثم قال:

"قلت: وهما موضوعان في نقدي".

وأقره الحافظ العسقلاني في "اللسان"، ونقل عن ابن عدي أنه قال فيهما:

"هما منكران جداً".

ثم رأيت لحديث ابن مسعود شاهداً من رواية الحجاج بن نصير: حدثنا همام عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة به.

أخرجه البزار (3/ 2278) ، وقال:

"لا نعلم أحداً رفعه إلا الحجاج، وغيره يوقفه".

قلت: وهو ضعيف كان يقبل التلقين؛ كما قال الحافظ في "التقريب".

وبه أعله الهيثمي؛ لكنه قال (3/ 78) :

 

(11/639)

 

 

"وثقه ابن حبان، وقال: يخطىء ويهم. وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".

قلت: فيبدو لي - والله أعلم - أن الحديث بهذا اللفظ المختصر حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم.

5383 - (إن آخر رجل يدخل الجنة: رجل يتقلب على الصراط ظهراً لبطن؛ كالغلام يضربه أبوه وهو يفر منه، يعجز عنه عمله أن يسعى، فيقول: يا رب! بلغ بي الجنة ونجني من النار، فيوحي الله تعالى إليه: عبدي! إن أنا نجيتك من النار وأدخلتك الجنة؛ أتعترف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد: نعم يا رب! وعزتك وجلالك! لئن نجيتني (1) من النار؛ لأعترفن لك بذنوبي وخطاياي. فيجوز الجسر، ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه: لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار، فيوحي الله إليه: عبدي! اعترف لي بذنوبك وخطاياك أغفرها لك، فيوحي الله إليه: عبدي! اعترف لي بذنوبك وخطاياك أغفرها لك، وأدخلك الجنة! فيقول العبد: لا وعزتك! ما أذنبت ذنباً قط، ولا أخطأت خطيئة قط، فيوحي الله إليه: عبدي! إن لي عليك بينة، فيلتفت العبد يميناً وشمالاً، فلا يرى أحداً، فيقول: يا رب! أرني بينتك! فيستنطق الله جلده بالمحقرات، فإذا رأى ذلك العبد؛ يقول: يا رب! عندي - وعزتك! - العظائم المضمرات! فيوحي الله عز وجل إليه: عبدي! أنا أعرف بها منك، اعترف لي بها أغفرها لك، وأدخلك الجنة! ثم ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه،

يقول: هذا أدنى أهل الجنة منزلة؛ فكيف بالذي فوقه؟!) (2) .

__________

(1) الأصل: " تنجيني "، والتصويب من " الحادي و " المجمع ". (الناشر) .

(2) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " يأتي برقم (6027) ". (الناشر) .

 

(11/640)

 

 

ضعيف. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7669) من طريق أبي فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي: حدثني أبي عن أبيه: حدثني أبو يحيى الكلاعي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالعلل؛ يزيد بن سنان الرهاوي وابنه محمد؛ ضعيفان.

وأما أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد؛ فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"؛ ولم يزد فيه على قوله:

"كتب إلى أبي وإلي"!

فالظاهر أنه مجهول.

والحديث؛ سكت عنه ابن القيم في "حادي الأرواح" (2/ 218-219) ! وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 402) :

"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم، وضعفاء فيهم توثيق لين".

5384 - (لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ جاءه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! أرسلني الله عز وجل إليك؛ تكريماً لك، وتشريفاً لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك: يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني - يا جبريل - مغموماً، وأجدني - يا جبريل -؛ مكروباً. ثم جاءه اليوم الثاني، فقال ذلك له، فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رد عليه أول يوم. ثم جاءه اليوم الثالث، فقال له كما قال أول يوم، ورد عليه كما رد. وجاء

 

(11/641)

 

 

معه ملك يقال له: إسماعيل على مئة ألف ملك، كل ملك منهم على مئة ألف ملك؛ فاستأذن فسأل عنه؛ ثم قال جبريل: هذا ملك الموت؛ يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ائذن له. فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد! إن الله عز وجل أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته. قال: أو تفعل يا ملك الموت؟! قال: نعم؛ بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك! قال: فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل عليه السلام، فقال جبريل: يا محمد! إن الله عز وجل اشتاق إلى لقائك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لملك الموت:

امض لما أمرت به. فقبض روحه. فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية؛ سمعوا صوتاً من ناحية البيت: سلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته! إن في الله عزاءً من كل مصيبة؛ وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا: فإنما المصاب من حرم الثواب! فقال علي عليه السلام: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام) .

موضوع

أخرجه الإمام الشافعي في "السنن" عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن جعفر بن محمد عن أبي أن رجالاً من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين فقال: ألا أحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -. قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً على إرساله، آفته: القاسم هذا - وهو العمري المدني -؛ قال الإمام أحمد:

 

(11/642)

 

 

"ليس بشيء، كان يكذب ويضع الحديث".

وكذبه ابن معين أيضاً. ولهذا؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، رماه أحمد بالكذب".

قلت: وقد تابعه من هو مثله، ولعل أحدهما سرقه من الآخر؛ فأخرجه الطبراني في "الكبير" (2890) من طريق عبد الجبار بن العلاء: حدثنا عبد الله ابن ميمون القداح: حدثنا جعفر بن محمد به؛ إلا أنه أسنده فقال: عن أبيه عن علي بن حسين قال: سمعت أبي يقول: ... فذكره.

قلت: والقداح هذا؛ قال أبو حاتم:

"متروك". وقال البخاري:

"ذاهب الحديث. وقال ابن حبان:

"لا يجوز أن يحتج به". وفي "التقريب":

"منكر الحديث، متروك".

وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (9/ 35) .

ثم سرقه منهما كذاب آخر وغاير في الإسناد؛ إلا وهو أبو الوليد المخزومي؛ فقال: حدثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: ... فذكره مختصراً بلفظ:

عزتهم الملائكة؛ يسمعون الحس ولا يرون الشخص، فقالت: ... فذكره.

أخرجه الحاكم (3/ 57) ، وقال:

 

(11/643)

 

 

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!!

وهذا من أوهامهما الفاحشة! ومن الظاهر أنهما لم يعرفا أبا الوليد المخزومي هذا، وقد أورده الذهبي في كنى "الميزان"، وقال:

"هو خالد بن إسماعيل؛ الكذاب".

ثم ترجمه هناك في الأسماء، فقال:

"قال ابن عدي: كان يضع الحديث على الثقات. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال".

ثم رواه أحد المتروكين بسند آخر - وهو عباد بن عبد الصمد - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أحدق به أصحابه، فبكوا حوله واجتمعوا، فدخل رجل أصهب اللحية؛ جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:

إن في الله عزاءً من كل مصيبة ... الحديث، فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم؛ هذا أخو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الخضر عليه السلام.

أخرجه الحاكم (3/ 58) ؛ وقال:

"هذا شاهد لما تقدم، وإن كان عباد بن عبد الصمد ليس من شرط هذا الكتاب"! ووافقه الذهبي!

وأقول: لا يستشهد به أيضاً لشدة ضعفه؛ أورده الذهبي نفسه في "الميزان"، وقال:

 

(11/644)

 

 

"بصري واه. قال البخاري: منكر الحديث. ووهاه ابن حبان وقال: له عن أنس نسخة أكثرها موضوعة. وقال أبو حاتم: ضعيف جداً"، ثم ساق له أحاديث قال في أحدها:

"يشبه وضع القصاص". وقال في آخر:

"وهذا إفك بين".

وإذا عرفت هذا الحديث وشدة ضعفها؛ فمن الغريب اعتماد شيخ الإسلام ابن تيمية على الطريق الأولى في ميله في فتوى له إلى القول بحياة الخضر في حياته - صلى الله عليه وسلم -! فقد سئل عنها في استفتاء له، فأجاب بقوله:

"وأما حياته؛ فهو حي، والحديث المذكور: "لو كان حياً لزارني"؛ لا أصل له، ولا يعرف له إسناد، بل المروي في "مسند الشافعي" وغيره: أنه اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن قال: إنه لم يجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد قال ما لا علم له به؛ فإنه من العلم الذي لا يحاط به ... "!!

قلت: وهذه الفتوى كأنها كانت منه قبل أن يتمكن من العلم الصحيح؛ فإن أكثر فتاوته على خلافها، وأن الخضر مات، وأنه لو أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجب عليه أن يأتيه وينصره، كما بينت ذلك من كلامه في مقدمتي لكتاب "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للإمام الصنعاني، وهو تحت الطبع (1) .

وقوله: "إنه اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم -"! كأنه يعني: بعد وفاته معزياً به. وهذا هو الذي رواه الشافعي وغيره كما رأيت. وسكوته عن إسناده - بل واحتجاجه به على

__________

(1) ثم طبع بحمد الله في حياة الشيخ - رحمه الله - في المكتب الإسلامي.

 

(11/645)

 

 

حياته، ورده على من قال بوفاته ونسبته إلى القول بغير علم - من شطط القول، لا سيما وهو ممن يشمله رده!!

5385 - (إنه يسمع الآن خفق نعالكم؛ أتاه منكر ونكير، أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد، فليجلسانه، فيسألانه: ما كان يعبد؟ ومن كان نبيه؟ فإن كان ممن يعبد الله؛ قال: كنت أعبد الله، ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ جاء بالبينات، فآمنا به واتبعناه، فذلك قول الله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، فيقال له: على اليقين حييت، وعليه مت، وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى الجة، ويوسع له في حفرته.

وإن كان من أهل الشك؛ قال: لا أدري! سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيقال له: على الشك حييت، وعليه مت، وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى النار، ويسلط عليه عقارب وتنانين، لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئاً؛ تنهشه، وتؤمر الأرض فتضم؛ حتى تختلف أضلاعه) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4766) من طريق ابن لهيعة عن موسى بن جبير الحذاء أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان يحدثان عن أبي هريرة قال:

شهدنا جنازة مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغ من دفنها وانصرف الناس؛ قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، وقال:

"لم يروه إلا موسى بن جبير، تفرد به ابن لهيعة".

 

(11/646)

 

 

قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه. وقال المنذري في "الترغيب" (4/ 187) :

"ابن لهيعة حديثه حسن في المتابعات، وأما ما تفرد به؛ فقليل من يحتج به".

قلت: وشيخه موسى بن جبير الحذاء؛ لم يوثقه أحد غير ابن حبان، ومع ذلك فقد قال فيه:

"كان يخطىء ويخالف". ولهذا؛ قال ابن القطان:

"لا يعرف حاله". وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله في "التقريب":

"مقبول". يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فهو ضعيف لين الحديث. وهو في هذا الحديث قد جاء بأمور تفرد بها دون الثقات؛ كذكر العقارب والتنين ... إلخ. فالحديث بهذه الزيادة منكر. والله أعلم.

5386 - (يا أبا رزين! إن مسلم إذا زار أخاه المسلم؛ شيعه سبعون ألف ملك؛ يصلون عليه، يقولون: اللهم! كما وصله فيك؛ فصله) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 8485) من طريق عمرو بن الحصين: أخبرنا محمد بن عبد الله بن علاثة: أخبرنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن مالك بن يخامر عن لقيط بن عامر أبي رزين العقيلي قال: ... فذكره مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن عطاء الخراساني إلا ابنه عثمان، ولا عن عثمان إلا ابن علاثة، تفرد به عمرو بن الحصين".

قلت: وهو متروك متهم؛ كما تقدم مراراً.

وبه أعله الهيثمي، فقال في "المجمع" (8/ 173) :

 

(11/647)

 

 

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عمرو بن الحصين، وهو متروك".

قلت: وابن علاثة صدوق يخطىء.

وعثمان بن عطاء الخراساني ضعيف.

وأبو عطاء - وهو ابن أبي مسلم الخراساني - صدوق يهم كثيراً ويرسل ويدلس؛ كما في "التقريب".

5387 - (إن في الجنة غرفاً، يرى ظواهرها من بواطنها، وبواطنها من ظواهرها، أعدها الله للمتحابين فيه، والمتزاورين فيه؛ والمتباذلين فيه) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 3049) من طريق إسماعيل بن سيف قال: أخبرنا عوين بن عمرو القيسي - أخو رباح بن عمرو - قال: أخبرنا سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن سعيد إلا عوين، تفرد به إسماعيل".

قلت: ضعفه البزار. وقال ابن عدي:

"كان يسرق الحديث، روى عن الثقات أحاديث غير محفوظة".

وأما ابن حبان؛ فأورده في "الثقات"، وقال:

"مستقيم الحديث إذا حدث عن ثقة"!

قلت: وشيخه عوين - ويقال: عون - ليس بثقة؛قال ابن معين:

"لا شيء". وقال البخاري:

 

(11/648)

 

 

"منكر الحديث، مجهول". وقال العقيلي في "الضعفاء":

"لا يتابع على حديثه".

والحديث؛ أشار المنذري إلى تضعيفه (3/ 240) ! وهو قصور.

ومثله - بل وأولى منه بالتقصير - قول الهيثمي (10/ 278) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه إسماعيل بن سيف، وهو ضعيف"!

قلت: شيخه أسوأ حالاً منه كما رأيت، فتضعيفه به أولى.

وقد صح الحديث في: "من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام"، ورد من حديث ابن عمرو، وأبي مالك الأشعري، فانظرهما - إن شئت - في "صحيح الترغيب".

وفي فضل المتحابين في الله وسائر المذكورين في الحديث أحاديث كثيرة؛ عن معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن عبسة، وأبي هريرة، وغيرهم، وهي مخرجة في "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب" (4/ 46-48) .

5388 - (من زار أخاه المؤمن؛ خاض في رياض الجنة حتى يرجع، ومن عاد أخاه المؤمن؛ خاض في رياض الجنة حتى يرجع) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الكبير" (7389) عن عبد الأعلى ابن أبي المساور: حدثنا عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال:

أتينا صفوان بن عسال فقال: أزائرين؟ قلنا: نعم. فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

 

(11/649)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته ابن أبي المساور؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، كذبه ابن معين".

وأما الهيثمي؛ فألان القول فيه، فقال (2/ 298) :

"ضعيف"!

وكأنه تبع في ذلك المنذري الذي أشار (3/ 240) إلى تضعيف الحديث فقط!

5389 - (نعم الإدام الخل، هلاكاً بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم، وهلاك بالرجل أن يحتقر ما في بيته أن يقدمه إلى أصحابه) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم: 5198) ، (6/ 30/ 5062 - ط) : حدثنا محمد بن النضر الأزدي قال: أخبرنا يزيد بن عبد الرحمن المعني: قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال:

نزل بجابر بن عبد الله ضيف له، فجاءهم بخبز وخل، فقال: كلوا؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن عبد الواحد بن أيمن إلا المحاربي".

قلت: قال الحافظ في "التقريب":

"لا بأس به، وكان يدلس".

 

(11/650)

 

 

قلت: وقد عنعنه كما ترى، فلولا ذلك؛ لكان الإسناد جيداً؛ فإن رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير يزيد بن عبد الرحمن المعني، فقال ابن أبي حاتم (4/ 2/ 278) :

"سمع منه أبي وروى عنه، وقال: صدوق".

ولعل المنذري أشار إلى هذا الإسناد بقوله في "الترغيب" (3/ 244) :

"رواه أحمد، والطبراني، وأبو يعلى ... وبعض أسانيدهم حسن".

ذلك؛ أن إسناد أحمد لا يحتمل التحسين عندي؛ فإنه قال: حدثنا أسباط ابن محمد: حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال:

دخل على جابر نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقدم إليهم خبزاً وخلاً، وقال: كلوا ... إلخ.

ومن هذا الوجه رواه البيهقي (7/ 279) .

فإن الوصافي هذا ضعيف؛ كما قال الحافظ.

لكنه لم يتفرد به؛ فقد أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (2/ 537،589) من طريق إبراهيم بن عيينة عن أبي طالب القاضي عن محارب بن دثار عن جابر به نحوه. وقال المنذري في "الترغيب" (3/ 244) :

"رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى، وبعض أسانيدهم حسن، و "نعم الإدام الخل" في "الصحيح". ولعل قوله: "إنه هلاك بالرجل ... " إلخ من كلام

 

(11/651)

 

 

جابر؛ مدرج غير مرفوع. والله أعلم". وقال الهيثمي (8/ 180) :

"رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط"، وأبو يعلى، وفي إسناد أبي يعلى أبو طالب القاص، ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا"!

قلت: أبو طالب هذا: هو يحيى بن يعقوب بن مدرك بن سعد الأنصاري القاضي؛ خال أبي يوسف؛ كما في "الكنى" للدولابي (2/ 16) ؛ ثم ساق له هذا الحديث من طريق أبي تميلة عنه عن محارب به؛ دون قوله:

"هلاكاً بالقوم ... ".

ويحيى بن يعقوب؛ أورده البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 2/ 312-313) ، وقال:

"منكر الحديث، عداده في الكوفيين".

ورواه عنه ابن عدي في "الكامل" (ق 423/ 2) . وقال الذهبي في كنى "الميزان":

"فيه لين، غمزه أبو أحمد الحاكم".

وأما ابن حبان؛ فأورده في "الثقات"، ومع ذلك قال فيه:

"وكان يخطىء"!

قلت: فلا تطمئن النفس لهذه الزيادة التي زادها على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الإدام الخل".

لا سيما ولم يتفق عليه فيها؛ فهذا أبو تميلة - واسمه يحيى بن واضح

 

(11/652)

 

 

الأنصاري؛ وهو ثقة - لم يذكرها عنه كما رأيت؛ خلافاً لإبراهيم بن عيينة، وهو صدوق يهم؛ كما في "التقريب"، فإن كان حفظه عن أبي طالب؛ فالعلة منه؛ أعني: أبا طالب، وهو شديد الضعف؛ كما أشار إلى ذلك البخاري في قوله المتقدم فيه:

"منكر الحديث".

وأما أصل الحديث: "نعم الإدام الخل"؛ فقد صح عن جابر وغيره من طرق؛ خرجت بعضها في "الصحيحة" (2220) .

5390 - (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر أيام التشريق [من صلاة الظهر] حتى يخرج من منى، يكبر في دبر كل صلاة) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7229،7230) و "الأوسط" (7417) عن سليمان بن داود الشاذكوني: حدثنا عبد الواحد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا شرقي بن القطامي عن عمرو بن قيس عن محل بن وداعة عن شريح بن أبرهة قال: ... فذكره. وقال:

"لا يروي هذا الحديث عن شريح بن أبرهة إلا بهذا الإسناد، تفرد به شرقي ابن القطامي".

قلت: وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (3/ 264) .

وعبد الواحد بن عبد الله الأنصاري؛ لم أعرفه.

لكن الشاذكوني؛ كذبه ابن معين وغيره.

 

(11/653)

 

 

5391 - (من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله؛ فليس ذلك بمؤمن) .

ضعيف جداً

أخرجه الخرائطي في "مساوي الأخلاق" (ق 36/ 1- مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق سويد بن عبد العزيز: حدثنا عثمان بن عطاء عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، وزاد:

"وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: سويد بن عبد العزيز؛ قال الذهبي:

"واه جداً".

الثانية: عثمان بن عطاء - وهو ابن أبي مسلم الخراساني - ضعيف؛ كما قال العسقلاني وغيره.

الثالثة: أبوه عطاء؛ قال الحافظ:

"صدوق، يهم كثيراً، ويرسل ويدلس".

وأما الزيادة؛ فهي صحيحة؛ لورودها من طرق عن جمع من الصحابة، وقد خرجت بعضها في "الصحيحة" تحت الحديث (549) .

(تنبيه) : أورد المنذري الحديث في "الترغيب" (3/ 236) بزيادة:

"أتدري ما حق الجار؟ ... " الحديث. وقال:

 

(11/654)

 

 

"رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق". وأشار إلى ضعفه! والذي رأيته في "مكارم الأخلاق" المطبوعة (ص 40) أوله: "أتدري ... " إلخ؛ ليس في أوله حديث الترجمة، وقد سبق تخريجه برقم (2587) ، وإسنادهما واحد، فلا أدري أوهم المنذري فجعلهما حديثاً واحداً، أم هو رواية في "المكارم" المطبوعة؟! وظني أن فيها خرماً، أو أن المنذري استجاز جعلهما حديثاً واحداً؛ لما رأى وحدة سندهما! والله أعلم.

5392 - (صلاة المرابط تعدل خمس مئة صلاة؛ ونفقة الدينار والدرهم فيه أفضل من سبع مئة دينار ينفقه في غيره) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (101/ 2) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (ص 245) من طريق أبي الشيخ، وهذا عن ابن أبي عاصم، والبيهقي في "الشعب" (4/ 43/ 4295) بسنده عن جميع ابن ثوب عن خالد بن معدان عن أبي أمامة به مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته جميع - بالفتح؛ ويقال: بالضم -؛ وهو ضعيف جداً؛ كما يفيده قول البخاري فيه:

"منكر الحديث".

وكذا قال الدارقطني وغيره. وقال النسائي:

"متروك الحديث".

والحديث؛ أورده المنذري (2/ 152) من رواية البيهقي، وأشار إلى تضعيفه، وأتبعه بقوله:

 

(11/655)

 

 

"وروى أبو الشيخ وغيره من حديث أنس: "إن الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة". وفيه نكارة".

5393 - (إن فيهم - يعني: قريشاً - لخصالاً أربعة (!) : إنهم لأصلح الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة عند مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وأمنعهم من ظلم الملوك) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 207 - نسختي) : حدثنا أحمد بن رشدين قال: أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرنا الليث بن سعد قال: حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال: قال المستورد الفهري: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - وذكر قريشاً -: ... فذكره. وقال:

"تفرد به عبد الملك بن شعيب بن الليث".

قلت: هو ثقة من رجال مسلم، وكذلك من فوقه.

لكن الراوي عنه أحمد بن رشدين - وهو أحمد بن محمد بن الحجاج المصري -؛ قال ابن عدي - كما في "الميزان" -:

"كذبوه، وأنكرت عليه أشياء".

ثم ذكر الذهبي أحاديث أنكرت عليه من أباطيله. وكان ينبغي أن يذكر هذا الحديث منها؛ لمخالفة ابن رشدين للإمام مسلم في "صحيحه"؛ فإنه قال (8/ 176) : حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث: حدثني عبد الله بن وهب ... فساقه إلى المستورد القرشي قال - عند عمرو بن العاص -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

 

(11/656)

 

 

"تقوم الساعة والروم أكثر الناس".

فقال له عمرو: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال: لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالاً أربعاً ... فذكرها؛ كما في حديث الترجمة؛ إلا أنه قال: "لأحلم" مكان: "لأصلح". وزاد: "وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك".

ومن هذا يتبين أن الحديث عند عبد الملك موقوف على عمرو بن العاص، جعله ابن رشدين مرفوعاً من رواية المستورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قاله في قريش!

وذلك من أكاذيبه أو أخطائه.

وخفي هذا على الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (10/ 26-27) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخه أحمد بن رشدين، وهو ضعيف، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!

5394 - (من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر، أو إدخال سرور؛ رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة) (1) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم - 3518) من طريق إدريس ابن يونس الحراني قال: أخبرنا يحيى بن عمر بن صباح قال: حدثنا سليمان بن وهب عن إبراهيم بن أبي عبلة عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء مرفوعاً به. وقال:

"لم يروه عن إبراهيم إلا سليمان، ولا عن سليمان إلا يحيى، تفرد به إدريس ابن يونس".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " مسند الشهاب ". (الناشر)

 

(11/657)

 

 

قلت: قال ابن القطان:

"لا يعرف حاله".

ويحيى بن عمر بن صباح؛ لعله الذي في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 174) :

"يحيى بن عمر الليثي، روى عن العلاء بن عبد الكريم، ومسكين أبي فاطمة، و ... روى عنه عبد الله بن أحمد الدورقي. قال أبي: لا أعرفه".

قلت: ولعل آفة الحديث شيخه سليمان بن وهب؛ فقد أخرجه أبو الفضل بن طاهر في "الكلام على أحاديث الشهاب" من طريق أخرى عنه به؛ قال:

"سليمان بن وهب: هو النخعي. ووهب جده، وهو سليمان بن عمرو".

قلت: وهو معروف بالكذب والوضع، وقد تقدمت له أحاديث.

والحديث؛ سكت عنه المنذري (3/ 252) ثم الهيثمي (8/ 192) !

وعزاه الأول لـ "كبير الطبراني" أيضاً.

وقد روي نحوه من حديث عائشة وابن عمر بإسنادين واهيين جداً، وسيأتي تخريجهما برقم (5771) .

ثم رأيته في "الترغيب" للأصبهاني (1/ 482-483) من طريق عبد الوهاب ابن الضحاك: حدثنا إسماعيل بن عياش عن شريح بن عبيد عن أبي الدرداء به.

وعبد الوهاب هذا متروك.

 

(11/658)

 

 

5395 - (رباط يوم في سبيل الله كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً؛ جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأمن الفتان، ويبعث يوم القيامة شهيداً) .

منكر بذكر (الشهيد)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6179) : حدثنا بكر بن سهل: حدثنا شعيب بن يحيى عن نافع بن يزيد قال: أخبرني معاوية ابن يزيد بن شرحبيل أن عبد الله بن الوليد مولى المغيرة حدثه أنه سمع ابن أبي زكريا يحدث عن شرحبيل بن السمط:

أنه رأى سلمان الفارسي وهو مرابط بساحل حمص، فقال: ما لك على هذا؟ قال: مرابط. قال سلمان: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ بكر بن سهل ضعيف؛ كما قال النسائي وغيره.

ومعاوية بن يزيد بن شرحبيل، وشيخه عبد الله بن الوليد مولى المغيرة؛ لم أعرفهما.

ولعل الهيثمي أرادهما بقوله في "مجمع الزوائد" (5/ 290) :

"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم".

وسائر الرواة معروفون.

وابن أبي زكريا اسمه عبد الله الخزاعي، وهو ثقة، وقد توبع كما يأتي.

وفي "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 388) :

"معاوية بن يزيد بن أبي الزرقاء البغدادي، روى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي".

 

(11/659)

 

 

فيحتمل أن يكون هو ابن شرحبيل؛ فإنه من هذه الطبقة. والله أعلم.

والحديث؛ أخرجه أحمد (5/ 440،441) من طريقين آخرين عن ابن أبي زكريا به؛ دون قوله:

".. ويبعث يوم القيامة شهيداً".

فهي زيادة منكرة؛ لتفرد الطبراني بها في هذا الطريق المظلم.

ومما يؤكد ذلك: أنه تابعه جمع من الثقات عن شرحبيل بن السمط به؛ دون الزيادة.

أخرجه مسلم (6/ 51) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 101-102) ، والحاكم (2/ 80) ، والطبراني أيضاً (6177،6178،6180) .

ثم رواه الطبراني (6077،6134) من طريقين آخرين عن سلمان به نحوه، دون الزيادة؛ فهي زيادة باطلة.

5396 - (يقول الله عز وجل: من عادى لي ولياً؛ فقد ناصبني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعله؛ كترددي عن الموت المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته.

وربما سألني وليي المؤمن الغنى؛ فأصرفه من الغنى إلى الفقر، ولو صرفته إلى الغنى؛ لكان شراً له.

إن الله عز وجل قال: وعزتي، وجلالي، وعلوي، وبهائي، وجمالي؛ وارتفاع مكاني! لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه؛ إلا أثبت أجله عند

 

(11/660)

 

 

بصره، وضمنت السماء والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12719) : حدثنا عبيد بن كثير التمار: حدثنا محمد بن الجنيد: حدثنا عياض بن سعيد الثمالي عن عيسى بن مسلم القرشي عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً مظلم؛ فإن ما بين ابن عباس والشيخ التمار؛ لم أجد لهم ترجمة، وقال الهيثمي (10/ 270) :

"رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم".

قلت: الشيخ التمار متروك الحديث؛ كما قال الأزدي والدارقطني. وقال ابن حبان:

"أدخلت عليه نسخة مقلوبة".

قلت: فهو آفة الحديث؛ فما كان للهيثمي أن يغفل عنه!

5397 - (يا جارية! هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك (يعني: حاتماً الطائي) مسلماً؛ لترحمنا عليه! خلوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق) .

موضوع

أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (باب وفد طيىء - من المجلد الثاني - مخطوطة الأوقاف الحلبية) ، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (4/

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " ينظر (1775) من الضعيفة " ". (الناشر)

 

(11/661)

 

 

32/ 1 و 19/ 223/ 1) عن أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي: حدثنا ضرار بن صرد قال: حدثنا عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال: قال علي ابن أبي طالب:

لما أتي بسبايا طيىء وقفت جارية [حمراء، لعساء، دلفاء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلة الساقين، لفاء الفخذين؛ خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين.

قال: فلما رأيتها أعجبت بها، وقلت: لأطلبن إلى رسول الله [أن] يجعلها في فيئي، فلما تكلمت؛ أنسيت جمالها من فصاحتها] (1) ؛ فقالت: يا محمد! إن رأيت أن تخلي عنا، ولا تشمت بنا أحياء العرب؛ فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط! أنبأنا ابنة حاتم طيىء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله! تحب مكارم الأخلاق؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"والذي نفسي بيده! لا يدخل أحد الجنة إلا بحسن الخلق".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وله علل:

الأولى: جهالة عبد الرحمن بن جندب؛ أورده الحافظ في "اللسان"، وقال:

__________

(1) ما بين المعكوفتين من " تاريخ ابن كثير " (5 / 67) ؛ لأن مسودتي التي نقلت منها الحديث وتخريجه؛ كنت اختصرت هذا القدر منها.

 

(11/662)

 

 

"مجهول".

الثانية: أبو حمزة الثمالي - واسمه ثابت بن أبي صفية -؛ قال الحافظ في "التقريب":

"ضعيف رافضي".

الثالثة: ضرار بن صرد؛ قال الحافظ:

"صدوق له أوهام".

الرابعة: عبيد بن كثير - وهو التمار، شيخ الطبراني في الحديث المتقدم قبله -، وهو ضعيف جداً كما عرفته.

وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير بقوله عقب الحديث:

"هذا حديث حسن المتن، غريب الإسناد جداً، عزيز المخرج"!

وأما تحسينه لمتنه؛ فالظاهر أنه يعني: الحسن اللغوي، لا الاصطلاحي؛ أي: من حيث المعنى، ولعله عنى المقدار المرفوع منه فقط، وإلا؛ فيد الصنع والوضع ظاهرة فيه عندي، لا سيما في وصف علي رضي الله عنه للجارية، كما لو كان رآها عارية أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -! وإلا؛ فمن أين له أن يصفها بقوله:

(خدلة الساقين) ؛ أي: ممتلئة الساقين؟! بل قوله:

(لفاء الفخذين) ؛ أي: سمينتهما، بحيث تدانيا من السمن؟! وقوله:

(خميصة الخصرين) ؛ أي: ضامرة الخصرين؟! وقوله:

(ضامرة الكشحين) ؛ وكأنه تفسير لما قبله؛ فإن الكشح ما بين الخاصرة

 

(11/663)

 

 

والضلوع؟! وقوله:

(مصقولة المتنين) ؛ أي: ناعمة المنكبين؟!

ومعنى (حمراء) : البيضاء أو الشقراء، ومنه الحديث الموضوع:

"خذوا نصف دينكم عن الحميراء"؟! وقوله:

(لعساء) ؛ أي: باطن شفتها أسود؟! وقوله:

(دلفاء) ؛ أي: تمشي رويداً، وتقارب الخطى من سمنها؟! وقوله:

(عيطاء) ؛ أي: طويلة العنق؟! وقوله:

(درماء الكعبين) ؛ أي: غطاهما اللحم والشحم، حتى لم يبن لهما حجم؟!

ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد ساق الحديث في "تخريج المختصر" (ق 45/ 1-2) من طريق البيهقي به؛ واقتصر على تضعيفه بقوله:

"هذا حديث غريب، أخرجه الحاكم في "الإكليل" هكذا، والبيهقي في "الدلائل" من طريقه ... "!

ولم يبين علله!!

5398 - (إذا رأيت من أخيك ثلاث خصال؛ فارجه: الحياء، والأمانة، والصدق. وإذا لم ترها منه؛ فلا ترجه) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن عدي في مقدمة "الكامل" (ص 252 - طبع بغداد) من طريق أبي زهير قال: حدثنا رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

 

(11/664)

 

 

"لم نكتبه إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو ضعيف جداً؛ رشدين هذا؛ قال أحمد، والبخاري:

"منكر الحديث".

وضعفه جماعة. وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 302) :

"كثير المناكير، يروي عن أبيه أشياء ليست حديث الأثبات عنه، كان الغالب عليه الوهم والخطأ".

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" للديلمي أيضاً.

وقد ذكر المعلق على "ابن عدي" - الأستاذ السامرائي - أنه في "مسند الفردوس" (مخطوط ورقة 23 - تسديد القوس) .

ونقل عن العلائي أنه قال في رشدين: "ضعيف". لكن وقع في نقله: (راشد) ، وكذلك وقع في المقدمة! وهو من الأخطاء المطبعية الكثيرة والكثيرة جداً، التي وقعت في مطبوعته هذه، والظاهر أنه لم يقم هو بنفسه على تصحيح تجاربها. والله أعلم.

5399 - (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى ... فيما أحسب) (1) .

شاذ

أخرجه مسلم (8/ 105) من طريق شداد أبي طلحة الراسبي عن

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن في أصله: " مضى (1316) ".

قلت: لكن هنا فوائد ليست هناك. (الناشر)

 

(11/665)

 

 

غيلان بن جرير عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قال أبو روح: لا أدري ممن الشك؟!

أورده شاهداً لما ساقه من قبل من ثلاثة طرق عن أبي بردة بلفظ:

"إذا كان يوم القيامة؛ دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقول: هذا فكاكك من النار".

هذا لفظ طلحة بن يحيى عن أبي بردة. ولفظ عون وسعيد بن أبي بردة:

"لا يموت رجل إلا أدخل الله مكانه النار يهودياً أو نصرانياً".

قلت: وهذا أخرجه أحمد (4/ 391،398) - عنهما -، والطيالسي (499) - عن سعيد وحده -. وتابعهما عمارة القرشي: عند أحمد (4/ 407) .

وأما لفظ طلحة بن يحيى؛ فأخرجه أحمد أيضاً (4/ 410) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 80) .

وقد تابعه عليه بريد - وهو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري -: عند أحمد (4/ 402) .

وتابعه أيضاً محمد بن المنكدر، ومعاوية بن إسحاق: عنده (4/ 407-408) .

وعبد الملك بن عمير: عند ابن عساكر بنحوه، وتقدم لفظه في "الصحيحة" برقم (1381) .

قلت: وطلحة بن يحيى وإن كان فيه كلام من قبل حفظه؛ حتى قال الحافظ فيه:

"صدوق يخطىء"!

 

(11/666)

 

 

فحديثه قوي بهذه المتابعات الكثيرة، لا سيما وله شاهد من حديث أنس، ذكرته تحت الرقم المذكور، فالحديث بهذين اللفظين صحيح.

وأما اللفظ الأول؛ فهو منكر أو شاذ على الأقل؛ لأنه تفرد به الراسبي، وهو وإن كان وثقه أحمد وغيره؛ فقد ضعفه شيخه عبد الصمد بن عبد الوارث. وقال العقيلي:

"له غير حديث لا يتابع عليه". وقال ابن حبان:

"ربما أخطأ". وقال الدارقطني:

"يعتبر به". وقال الحاكم أبو أحمد:

"ليس بالقوي عندهم".

قلت: فهذه الأقوال تدل على أن الرجل لم يكن قوياً في حفظه، وإن كان صدوقاً في نفسه. ولذلك؛ لم يخرج له مسلم إلا في الشواهد؛ كهذا الحديث. وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يخطىء" (1) .

فمثله حديثه مرشح للتقوية بالشاهد والمتابعة، أو للضعف بالمخالفة كحديث الترجمة.

وبها أعله البيهقي، فقال في "شعب الإيمان" (1/ 266-267) - بعد أن

__________

(1) وأما قول الذهبي في " الكاشف ": " وثقه أحمد وغيره، وضعفه من لا يعلم "!

فأظن أن في العبارة تحريفاً، وإلا؛ فكيف يجوز وصف من ضعفه بأنه لا يعلم، وفيهم جمع من أهل العلم المعروفين؟! كما يشير إلى ذلك كلام البيهقي، وسمينا من عرفنا منهم.

 

(11/667)

 

 

ساق الحديث الصحيح من الطرق الثلاث عند مسلم وأتبعه بحديث الترجمة -:

"فهذا حديث شك فيه [بعض] رواته، وشداد أبو طلحة ممن تكلم أهل العلم بالحديث فيه، وإن كان مسلم استشهد به في كتابه؛ فليس هو ممن يقبل منه ما يخالف فيه، والذين خالفوه في لفظ الحديث عدد، وهو واحد، وكل واحد ممن خالفه أحفظ منه، فلا معنى للاشتغال بتأويل ما رواه، مع خلاف ظاهر ما رواه الأصول الصحيحة الممهدة في أن لا تزر وازرة وزر أخرى. والله أعلم".

قلت: وهذا منه رحمه الله في غاية التحقيق، وإليه يرجع الفضل في تنبهي لهذه العلة، بعد أن كنت أوردت الحديث في "صحيح الجامع" برقم (7891) اعتماداً مني على الإمام مسلم، وليس بتحقيقي؛ اتباعاً للقاعدة الغالبة: أن ما أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ فقد جاوز القنطرة، لا سيما والعمر أقصر، والوقت أضيق من التوجه إلى نقد "الصحيحين"؛ للتعرف على الأحاديث القليلة التي يمكن أن تكون معلولة عند العارفين بهذا العلم. بينما مجال نقد أحاديث غيرهما من كتب السنة واسع جداً.

وهذا ما جريت عليه في كل مؤلفاتي؛ إلا في بعض الأحوال النادرة، مما جرني إليه البحث والتحقيق، أو نبهني على ذلك بعض من سبقني من أهل العلم والتوفيق، كهذا الحديث، والحمد لله وحده.

من أجل ذلك - وتعاوناً على البر والتقوى - أرجو من كل من كان عنده نسخة من "ضعيف الجامع الصغير" أن ينقل إليه هذا الحديث، والله تعالى أسأل أن يغفر لنا خطايانا، وأن لا يؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا؛ إنه سميع مجيب!

هذا؛ وممن لم يتنبه لعلة هذا الحديث الإمام النووي رحمه الله؛ فإنه تأوله

 

(11/668)

 

 

توفيقاً بينه وبين الأصول التي أشار إليها البيهقي رحمه الله تعالى؛ ولا حاجة إلى ذلك كما سبق.

وأما كون الكافر في النار مكان المسلم فيها. وفكاكاً له منها؛ فقد جاء بيانه في قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار؛ ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون) ".

وهو مخرج في "الصحيحة" (2279) .

ونحوه في "صحيح البخاري" (6569) ، وهو من حديث أبي هريرة.

وبه احتج البيهقي على ما ذكرنا من المعنى، فقال عقبه:

"ويشبه أن يكون هذا الحديث تفسيراً لحديث الفداء، فالكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن إذا أورث على الكافر مقعده من النار؛ يصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر. والله أعلم".

ونحوه في "شرح مسلم" للنووي؛ فراجعه إن شئت.

(فائدة) : قد أطال الإمام البخاري الكلام في إعلال حديث الفداء الصحيح هذا بذكر طرقه عن أبي بردة عن أبيه - وقد ذكرت آنفاً بعضها -، ثم ختم ذلك بقوله (1/ 1/ 37-39) :

"والخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة، وأن قوماً يعذبون ثم يخرجون: أكثر وأبين وأشهر"!

 

(11/669)

 

 

ولست أرى فيما ذكره ما يصح أن يعل الحديث به؛ لأنه ليس صريحاً في نفي العذاب عن كل مؤمن، حتى على الرواية التي صدر بها كلامه بلفظ:

إن أمتي أمة مرحومة، جعل عذابها بأيديها في الدنيا"، وقد خرجته في "الصحيحة" (959) ! ولذلك؛ قال البيهقي في الرد عليه - بعد أن ذكر خلاصة كلامه -:

"والحديث قد صح عند مسلم وغيره رحمهم الله من الأوجه التي أشرنا إليها وغيرها، ووجهه ما ذكرناه، وذلك لا ينافي حديث الشفاعة؛ فإن حديث الفداء - وإن ورد مورد العموم في كل مؤمن - فيحتمل أن يكون المراد به كل مؤمن قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته، ففي بعض ألفاظه:

"إن أمتي أمة مرحومة، جعل الله عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة؛ دفع الله إلى رجل من المسلمين رجلاً من أهل الأديان؛ فكان فداءه من النار". وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تصر ذنوبه مكفرة في حياته. ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة. والله أعلم".

5400 - (شهر رمضان شهر أمتي، ترمض فيه ذنوبهم، فإذا صامه عبد مسلم، ولم يكذب، ولم يغتب، وفطره طيب؛ خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها) .

ضعيف جداً

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (ص 228) عن الحاكم معلقاً عليه بسنده إلى عصام بن طليق عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علتان:

 

(11/670)

 

 

الأولى: أبو هارون العبدي متروك، وتقدم مراراً.

والأخرى: عصام بن طليق، وهو ضعيف؛ كما في "التقريب". وقال ابن معين:

"ليس بشيء".

والحديث؛ أورده المنذري في "الترغيب" من رواية أبي الشيخ، وأشار إلى تضعيفه، ولفظه:

"إن شهر رمضان شهر أمتي، يمرض مريضهم فيعودونه، فإذا صام مسلم لم يكذب، ولم يغتب، وفطره طيب، سعى إلى العتمات محافظاً على فرائضه؛ خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها".

وتعقبه الحافظ إبراهيم الناجي في "عجالة الإملاء" (124/ 1) بما خلاصته: أن عزوه لأبي الشيخ وهم، وإنما هو في "مسند الفردوس" وغيره.

قلت: قد سقت الحديث بلفظ "المسند". وبمقابلته باللفظ المعزو لأبي الشيخ؛ يظهر أن بينهما فرقاً جلياً؛ فإن في كل منهما من الزيادة ما ليس في الآخر، فإن ثبت الوهم - وهذا ما أستبعده -؛ فهو وهم في المتن أيضاً. والله أعلم.

ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى؛ يرويه محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي: حدثنا الوليد بن مسلم الدمشقي عن عمرو بن محمد الأصبهاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري به. وقال: ... الحديث بطوله.

أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 28) في ترجمة (عمرو بن محمد الأصبهاني) ، وقال:

 

(11/671)

 

 

"يروي عن زيد بن أسلم، وأراه صحفه بعض الرواة، وهو عندي (عمر بن محمد بن صبهان) ".

قلت: وهذا؛ قال الذهبي في "المغني":

"ساقط. قال أبو زرعة: واه".

والآفة: من الراوي عنه (محمد بن إبراهيم الشامي) ؛ فإنه كذاب؛ كما قال الدارقطني، ولعله الذي صحف اسم شيخ شيخه عمداً! وقال الحاكم:

"روى عن الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز أحاديث موضوعة". وقال ابن حبان:

"يضع الحديث على الشاميين".

ورأيت الحديث في "الدر المنثور" (1/ 188) برواية أبي الشيخ مثل لفظ "الترغيب"؛ ومن الظاهر أنه نقله منه!

5401 - (يا جبريل! ما لي أراك متغير اللون؟! فقال:

ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمفاتيح النار. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

يا جبريل! صف لي النار، وانعت لي جهنم! فقال جبريل:

إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداءً مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها.

 

(11/672)

 

 

والذي بعثك بالحق! لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم؛ لمات من في الأرض كلهم جميعاً من حره. والذي بعثك بالحق! لو أن ثوباً من ثياب النار علق بين السماء والأرض؛ لمات من في الأرض جميعاً من حره. والذي بعثك بالحق! لو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا، فنظروا إليه؛ لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه. والذي بعثك بالحق! لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا؛ لا رفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى السفلى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

حسبي يا جبريل! لا ينصدع قلبي فأموت. قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل وهو يبكي. فقال:

تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به؟! قال:

وما لي لا أبكي! أن أحق بالبكاء؛ لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس؛ فقد كان من الملائكة. وما يدريني لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت. قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا أن: يا جبريل! ويا محمد! إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه.

فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون؛ فقال:

 

(11/673)

 

 

أتضحكون ووراءكم جهنم؟! فلو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل.

فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسراً، ولم أبعثك معسراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سددوا وقاربوا) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 2750 - مصورتي) من طريق الحكم بن مروان الكوفي قال: أخبرنا سلام الطويل عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن عدي بن عدي الكندي قال: قال عمر بن الخطاب:

جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره. وقال:

"لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به سلام".

قلت: قال الهيثمي (10/ 387) :

"وهو مجمع على ضعفه".

قلت: بل اتهمه بعضهم بالكذب. بل قال ابن حبان (1/ 339) :

"يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها". وقال الحاكم:

"روى أحاديث موضوعة".

قلت: وهذا في نقدي من موضوعاته؛ فإن قوله عن إبليس:

"كان من الملائكة"؛ مخالف لقوله تعالى: (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) .

 

(11/674)

 

 

ولا يصح تفسير الآية بأن المراد الملائكة وأنه أطلق عليهم (الجن) ؛ لأنهم لا يرون؛ لأن القرآن والسنة مصرحان بأن إبليس خلق من نار، والحديث يصرح بأن الملائكة خلقت من نور.

وكذلك ذكره فيه هاروت وماروت، فيه إشارة إلى قصتهما المعروفة مع الزهرة، وهي من الإسرائيليات الباطلة التي لا يصح نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما تقدم برقم (170، 912،913) .

5402 - (إن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حزيناً لا يرفع رأسه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

ما لي أراك - يا جبريل - حزيناً؟! قال:

إني رأيت لفحة من جهنم؛ فلم يرجع إلي روحي بعد) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 5472) عن محمد ابن علي بن خلف العطار قال: أخبرنا محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن عمر ابن علي قال: حدثني أبي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر به، وقال:

"لم يروه عن زيد بن أسلم إلا علي بن عبد الله، تفرد به محمد بن علي بن خلف".

قلت: هو متهم؛ قال ابن عدي:

"عنده عجائب، وهو منكر الحديث".

وأما الخطيب؛ فذكر توثيقه في "التاريخ" (3/ 57) عن محمد بن منصور!

 

(11/675)

 

 

وأما محمد بن علي بن عبد الله ... فلم أجد له ترجمة.

وكذا أبوه.

لكني وجدت في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 194) :

"علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب. روى عنه داود ابن عبد الله بن أبي الكرام الجعفري. سمعت أبي يقول: سمعت داود الجعفري يقول: قال لي علي بن عبيد الله - وكان أبصر الناس بالطب - وفي نسخة: بالطلب -".

قلت: فلعله هذا.

وعلى كل حال؛ فهو مجهول.

5403 - (ينشىء الله سحابة لأهل النار، فيقال: يا أهل النار! أي شيء تطلبون؟ فيذكرون سحابة الدنيا، فيقولون: يا ربنا! الشراب. فتمطرهم أغلالاً تزيد في أغلالهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم، وجمراً تلتهب عليهم) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأهوال" (ق 143/ 2) ، والطبراني في "الأوسط" (4115 - ط) ، وابن عدي (6/ 394) من طريق منصور بن عمار (وقال الطبراني: ابن عباد. وهو تصحيف) قال: أخبرنا بشير بن طلحة عن خالد بن دريك عن يعلى بن منية رفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، ولم يذكر ابن أبي الدنيا الرفع - والسياق للطبراني - وقال:

"لا يروى عن يعلى إلا بهذا الإساد، تفرد به منصور".

قلت: وهو ضعيف؛ قال ابن أبي حاتم (4/ 1/ 176) عن أبيه:

 

(11/676)

 

 

"ليس بالقوي، صاحب مواعظ". وقال ابن عدي:

"منكر الحديث".

وبشير بن طلحة؛ قال أحمد:

"ليس به بأس".

وخالد بن دريك: هو الشامي، ثقة؛ لكنه عن يعلى بن منية مرسل.

فالحديث له علتان؛ بل ثلاث:

الإرسال، وضعف ابن عمار، واضطرابه في رفعه ووقفه.

وقد أشار إلى هذه العلة الأخيرة الحافظ المنذري، فقال (4/ 232) :

"رواه الطبراني، وقد روي موقوفاً عليه، وهو أصح".

وأما الهيثمي؛ فقال (10/ 390) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من فيه ضعف قليل، ومن لم أعرفه"!

5404 - (الرفق يمن، والخرق شؤم) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4243) عن إسماعيل ابن توبة القزويني قال: أخبرنا محمد بن الحسن عن المعلى بن عرفان عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن المعلى إلا محمد، تفرد به إسماعيل".

قلت: وهو صدوق.

 

(11/677)

 

 

وشيخه محمد بن الحسن - وهو الفقيه الشيباني تلميذ أبي حنيفة - لينه النسائي من قبل حفظه.

فالآفة من المعلى بن عرفان؛ فإنه منكر الحديث؛ كما قال البخاري. وقال النسائي:

"متروك الحديث".

وبه أعله الهيثمي، فقال (8/ 19) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه المعلى بن عرفان، وهو متروك".

قلت: وقد روي من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد مضى الكلام عليه برقم (3889) .

5405 - (لما فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - خيبر؛ أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواقي ذهب وفضة، وحمار أسود. قال: فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الحمار، فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد ابن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً، كلهم لم يركبهم إلا نبي، ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، أتوقعك أن تركبني، وكنت قبلك لرجل من اليهود، وكنت أعثر به عمداً، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد سميتك يعفوراً، يا يعفور! قال: لبيك. قال: أتشتهي الإناث؟ قال: لا، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يركبه في حاجته؛ فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل، فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار؛ أومأ

 

(11/678)

 

 

إليه أن: أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فلما قبض النبي عليه الصلاة والسلام؛ جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان؛ فتردى فيها، فصارت قبره؛ جزعاً منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) .

موضوع

أورده ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (3/ 308) في ترجمة محمد بن مزيد أبي جعفر مولى بني هاشم عن أبي حذيفة موسى بن مسعود عن عبد الله بن حبيب الهذلي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي منظور - وكانت له صحبة - قال: ... فذكره. وقال عقبه:

"وهذا حديث لا أصل له، وإسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ".

وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 294) ، وقال:

"هذا حديث موضوع، فلعن الله واضعه؛ فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام والاستهزاء به! ".

ثم نقل كلام ابن حبان المذكور آنفاً، وأقروه عليه، كالحافظ الذهبي في "الميزان"، والعسقلاني في "اللسان"، وفي "الفتح" (كتاب الجهاد) .

وقد خفي حال أبي جعفر هذا على الخطيب البغدادي، فترجمه في "التاريخ" (3/ 287-288) دون أن يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً!

5406 - (دخل رجل على أهله، فلما رأى ما بهم من الحاجة؛ خرج إلى البرية، فلما رأت امرأته؛ قامت إلى الرحى فوضعتها، وإلى التنور فسجرته، ثم قالت: اللهم ارزقنا! فنظرت؛ فإذا الجفنة قد امتلأت،

 

(11/679)

 

 

قال: وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئاً. قال: فرجع الزوج قال: أصبتم بعدي شيئاً؟ قالت امرأته: نعم؛ من ربنا؛ فأم إلى الرحى [فرفعها] ؛ فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟! فقال:

أما إنه لو لم يرفعها؛ لم تزل تدور إلى يوم القيامة.

شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول:

والله! لأن يأتي أحدكم صبيراً، ثم يحمله؛ يبيعه فيستعف منه؛ خير له من أن يأتي رجلاً يسأله) .

...... (1) . أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 513) قال: حدثنا ابن عامر: أنبأنا أبو بكر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: ... فذكره.

ثم قال (2/ 421) : حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا عبد الحميد - يعني: ابن بهرام - قال: حدثنا شهر بن حوشب قال: قال أبو هريرة:

بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي لا يقدران على شيء؛ فجاء الرجل من سفره، فدخل على امرأته جائعاً قد أصابته مسبغة شديدة، فقال لامرأته: أعندك شيء؟ قالت: نعم؛ أبشر أتاك رزق الله! فاستحثها فقال: ويحك! ابتغي إن كان عندك شيء، قالت: نعم، هنية نرجو رحمة الله، حتى إذا طال عليه الطوى قال: ويحك! قومي فابتغي إن كان عندك خبز فأتيني به؛ فإني قد بلغت وجهدت! فقالت: نعم، الآن ينضج التنور فلا تعجل، فلما إذ سكت عنها ساعة، وتحينت

__________

(1) كذا أصل الشيخ - رحمه الله -، لم يحكم عليه، والحديث بهذا اللفظ ثابت؛ كما في " الصحيحة " (6 / 1052) ، ولعل الشيخ - رحمه الله - أورده هنا من أجل طريق شهر الآتية؛ فإنه قال في " الصحيحة " هناك: " وشهر بن حوشب ضعيف، وفي حديثه زيادات منكرة ". (الناشر)

 

(11/680)

 

 

أيضاً أن يقول لها؛ قالت هي من عند نفسها: لو قمت فنظرت إلى تنوري، فقامت فوجدت تنورها ملآن جنوب الغنم، ورحييها تطحنان، فقامت إلى الرحى، فنفضتها وأخرجت ما في تنورها من جنوب الغنم. قال أبو هريرة:

فوالذي نفس أبي القاسم بيده - عن قول محمد - صلى الله عليه وسلم - -! :

"لو أخذت ما في رحييها ولم تنفضها؛ لطحنتها إلى يوم القيامة".

5407 - (كان يعلق أصابعه؛ ثلاثاً) .

شاذ

أخرجه الترمذي في "الشمائل" (رقم 140) : حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه به.

قلت: وهو إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وابن كعب بن مالك: هو إما عبد الله، أو عبد الرحمن، وبالأخير جزم بعض الرواة كما يأتي.

وأيهما كان؛ فهو ثقة من رجالهما، وعلى هذا؛ فالإسناد صحيح.

لكن المتن شاذ؛ لأن ابن بشار قد خولف فيه؛ فقال الإمام أحمد (3/ 454) : حدثنا عبد الرحمن به. فذكره بلفظ:

رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعق أصابعه الثلاث من الطعام.

وهكذا أخرجه مسلم (2032) عن شيوخه الثلاثة: أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم قالوا: حدثنا ابن مهدي به.

 

(11/681)

 

 

وقال ابن أبي شيبة في روايته: عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه.

قلت: فاتفاق هؤلاء الحفاظ على هذا اللفظ: (الثلاث) ؛ يدل على وهم وشذوذ ابن بشار بروايته بلفظ: (ثلاثاً) .

ولعل الترمذي قد أشار إلى ذلك بقوله عقب حديث الترجمة:

"وروى غير محمد بن بشار هذا الحديث قال: (يلعق أصابعه الثلاث) ".

ويؤيده: ما أخرجه هو (143) ، ومسلم، وأبو داود (3848) ، والدارمي (2/ 97) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص 194 و 195) ، والبيهقي (7/ 278) ، وأحمد أيضاً (6/ 386) من طرق عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن ابن سعد المدني عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاث أصابع، ويلعق يده قبل أن يمسحها.

والأحاديث في اللعق والأمر به كثيرة، وقد خرجت بعضها في "إرواء الغليل" (1969) .

وأما تثليث اللعق؛ فلا أعلم فيه حديثاً غير هذا، وقد عرفت أنه خطأ، وأن المحفوظ الأكل بالأصابع الثلاثة.

5408 - (كان يتختم في يمينه ويقول: اليمين أحق بالزينة من الشمال) .

ضعيف

أخرجه أبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص 125) عن محمد بن إسحاق بن يزيد الأنطاكي: أخبرنا الفريابي المقدسي: أخبرنا الحسن بن مخلد

 

(11/682)

 

 

عن المفضل بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: الحسن بن مخلد؛ قال الأزدي:

"روى عن علي بن مسهر مناكير".

والأخرى: محمد بن إسحاق بن يزيد الأنطاكي؛ في "الميزان":

"حدث بدمياط عن الهيثم بن جميل، تكلم فيه". قال الحافظ:

"وقال مسلمة بن قاسم: مجهول".

وأما المفضل بن فضالة؛ فإن كان البصري فضعيف، وإن كان المصري فثقة.

وقوله: "واليمين أحق بالزينة"؛ قد روي في آخر حديث أنس بلفظ:

"تختموا بالعقيق؛ فإنه ينفي الفقر، واليمين أحق بالزينة".

وقد تكلمت عليه فيما سبق برقم (227) .

5409 - (كان يتختم في يمينه، وقبض والخاتم في يمينه) .

ضعيف جداً

أخرجه أبو الشيخ (ص 125) من طريق عبيد بن القاسم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، ورجاله ثقات؛ غير عبيد هذا - وهو الأسدي الكوفي -؛ قال الحافظ في "التقريب":

 

(11/683)

 

 

"متروك، كذبه ابن معين، واتهمه أبو داود بالوضع".

قلت: وإنما أوردت هذا والذي قبله؛ للشطر الثاني من كل منهما.

وإلا؛ فالشطر الأول صحيح ثابت في "الصحيحين" وغيرهما عن جمع من الصحابة، قد خرجت بعضها في "إرواء الغليل" (رقم 820) .

5410 - (كان عليه الصلاة والسلام قبل الإسراء والمعراج يصلي ركعتين صباحاً، وركعتين مساءً؛ كما كان يفعل النبي إبراهيم عليه السلام. رواه البخاري) !

لا أصل له

كذا رأيته في كتاب "التربية الإسلامية للصف الخامس الابتدائي" (ص - 44) تأليف عبد الحميد السائح، عبد العزيز الخياط، عز الدين الخطيب التميمي، يوسف العظم، زهير كحالة.

هكذا جاء في طرة الكتاب من الطبعة الثانية عشرة! طبع مطابع الجمعية العلمية الملكية بعمان.

قلت: وهذا حديث لا أصل له؛ كما كنت بينته في كتابي "دفاع عن الحديث النبوي" في الرد على "فقه الدكتور البوطي" (ص 42) الذي ذكر فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما ذكر هؤلاء المؤلفون مما تراه أعلاه، ولعلهم قلدوه في ذلك! ولكنهم زادوا عليه قولهم:

"رواه البخاري"!

وهذا كذب على الإمام البخاري؛ فإنه لم يرو شيئاً من هذا؛ لا هو ولا غيره من أئمة السنة والحديث. ولهذا؛ قلت في ردي على الدكتور البوطي:

 

(11/684)

 

 

"أقول: لا أعرف لهذا الحديث إسناداً؛ فإن كان الدكتور قد وقف عليه؛ فليذكر لنا مصدره لندرسه، وما أخاله يصح. نعم؛ ذكر ابن سيد الناس في "عيون الأثر" (1/ 91) عن مقاتل بن سليمان:

"وفرض الله أول الاسلام الصلاة ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، ثم فرض الخمس ليلة المعراج". ثم ذكر نحوه عن الحربي (1/ 149) ، ونقل عن ابن عبد البر؛ أنه قال:

"لا يوجد هذا في أثر صحيح".

ثم أشار ابن سيد الناس (1/ 152) إلى تضعيف قول الحربي.

قلت: ومقاتل بن سليمان متروك شديد الضعف، قال الحافظ:

"كذبوه وهجروه، ورمي بالتجسيم".

قلت: فمثله لا يكون حديثه إلا موضوعاً. هذا لو وصله وأسنده، فكيف به وقد أرسله وأعضله؟!

فيا للعجب من هؤلاء الأساتذة الخمسة؛ ألم يكن فيهم رجل واحد يتنبه لهذا الخطأ الفاحش المزدوج، يحول بينهم وبين الوقوع في الكذب - لغة - على الإمام البخاري، بل وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!

ومن هذا القبيل: ما وقع في كتاب "الدعوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة بشرية" (1) (ص 34) ما نصه - بعد أن ساق سورة (العصر) -:

__________

(1) لمؤلفه الدكتور صادق أمين، وأظنه اسما مستعارا؛ لا حقيقة له ولا مسمى. ثم تبين أنه الدكتور عبد الله عزام أصلحنا الله وإياه!

 

(11/685)

 

 

"ولذلك؛ وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة العصر بأنها تعدل ثلث القرآن". "صحيح البخاري" الجزء (6/ 233) "!!

كذا قال مؤلفه الدكتور! وهذا يشبه ما قبله في الكذب المخالف للواقع، بل هو فيه أغرق؛ لأنه ذكر الجزء والصفحة، ولا شيء منه هناك!

5411 - (كان يحب القثاء) .

ضعيف

أخرجه الترمذي في "الشمائل" (رقم 203) قال: حدثنا محمد ابن حميد الرازي: حدثنا إبراهيم بن المختار عن محمد بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت:

بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثاء زغب، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب القثاء، فأتيته وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها، فأعطانيه.

ثم أخرجه هو (رقم 204،349) ، وأحمد (6/ 359) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص 215) من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت:

أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بقناع من رطب وأجر زغب، فأعطاني ملء كفه حلياً، أو قالت: ذهباً.

قلت: والإسناد الأول ضعيف مسلسل بالعلل:

أولاً: أبو عبيدة بن محمد وثق توثيقاً ليناً. وإلى ذلك أشار الذهبي في "الكاشف" بقوله:

 

(11/686)

 

 

"وثق". والحافظ في "التقريب" بقوله:

"مقبول".

ثانياً: عنعنة محمد بن إسحاق؛ فإنه كان مدلساً.

ثالثاً: إبراهيم بن المختار؛ فإنه ضعيف؛ كما في المصدرين السابقين.

رابعاً: محمد بن حميد الرازي ضعيف.

لكنهما لم ينفردا به في الجملة؛ فقد تابعهما يونس عن محمد بن إسحاق به مختصراً جداً بلفظ:

كان يعجبه القثاء.

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم - 6723) ، وقال:

"تفرد به يونس بن بكير"!

كذا قال! وقد وفاته متابعة إبراهيم بن المختار المتقدمة.

كما فاته متابعة شريك في الطريق الثانية؛ لكن ليس فيه حديث الترجمة.

وشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - فيه ضعف من قبل حفظه.

لكن لعل حديثه يتقوى بالطريق الأخرى؛ ولا عكس؛ لأن في الأولى من الزيادة ما ليس في الأخرى. والله أعلم.

5412 - (كان يأكل متكئاً، فنزل عليه جبريل عليه السلام، فقال: انظروا إلى هذا العبد كيف يأكل متكئاً؟!

 

(11/687)

 

 

قال: فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) .

ضعيف

أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4/ 275) من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن إسماعيل الأعور قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل؛ إسماعيل: هو ابن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي الأعور، وهو السدي الأكبر؛ وهو من رجال مسلم؛ وفيه ضعف.

وابن لهيعة معروف بالضعف وسوء الحفظ.

وله شاهد يرويه بقية بن الوليد قال: حدثني الزبيدي قال: حدثني الزهري عن أحمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عمر (!) رضي الله عنهما يحدث:

أن الله عز وجل أرسل إلى نبيه صلي لله عليه وسلم ملكاً من الملائكة ومعه جبرئيل عليه السلام، فقال الملك: إن الله عز وجل يخيرك بين أن تكون عبداً نبياً، وبين أن تكون ملكاً. فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، بل أكون عبداً نبياً". فما أكل بعد ذلك طعاماً متكئاً.

أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 16-17) من طريق أحمد بن شعيب النسائي بسنده الصحيح عن بقية به. وقال:

"قال لنا أحمد بن شعيب: لا نعلم أحمد بن عبد الله هذا إلا أحمد بن

 

(11/688)

 

 

محمد بن عبد الله بن عباس، كأن الزهري نسبه إلى جده، لا نعلم له سماعاً من جده"!

قلت: كذا وقع في الأصل هنا وفيما تقدم: "أحمد بن عبد الله"! وما أراه إلا محرفاً: من "محمد بن عبد الله"؛ فقد أورد الحديث الحافظ المزي في "التحفة" (5/ 232) في ترجمة محمد بن عبد الله بن العباس عن أبيه ابن عباس، ثم ساق الحديث من رواية النسائي في "الوليمة" يعني: من "سننه الكبري"؛ وهو في جزء صغير منه، محفوظ في مكتبة الظاهرية بدمشق - حرسها الله تعالى - لا تطوله يدي؛ فإني أكتب هذا وأنا في عمان بعد هجرتي إليها في أول رمضان سنة (1400) . وقال الحافظ المزي:

"ذكره أبو القاسم (يعني: ابن عساكر) في ترجمة محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس عن جده،وقال في آخره: "كذا قال: محمد بن عبد الله"، وإنما هو: محمد بن علي بن عبد الله. كذا قال أبو القاسم! والصواب: (محمد بن عبد الله) ؛ كما جاء في الرواية. وكذلك ذكره البخاري في "التاريخ" (ج 1 ق 1 ص 124) فيمن اسمه (محمد بن عبد الله) . وكذلك ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه فيمن اسمه محمد بن عبد الله".

وكذلك أورده الحافظ في "الفتح - كتاب الأطعمة"، لكنه في "النكت الظراف" تعقب الحافظ المزي في تعقبه المتقدم على ابن عساكر؛ فقال:

"قلت: ذكره الذهلي في "علل حديث الزهري" عن يزيد بن عبدربه عن بقية في ترجمة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ووقع في السند (محمد ابن عبد الله بن عباس) . فالذهلي سلف ابن عساكر في دعوى أن "علياً" سقط

 

(11/689)

 

 

بين "محمد" و "عبد الله". وذكر شيخي في "شرح الترمذي": أن أبا الشيخ أخرجه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي، فوقع عنده في السند: "محمد بن علي بن عبد الله بن عباس". وكذلك رويناه في "فوائد أبي محمد بن صاعد" من طريق عبد الله بن سالم عن الزبيدي. ورواه معمر عن الزهري قال: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه ... فذكر الحديث. وقيل: إن هذا أرجح طريق، والله أعلم".

قلت: إذا عرفت هذا؛ تبين لك أن الرواة اختلفوا على الزهري في إسناد الحديث على وجوه؛ أهمها:

أ- عنه عن محمد بن عبد الله بن عباس.

ب- عنه عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.

وعليه؛ فما وقع في إسناد الطحاوي: "أحمد بن عبد الله" خطأ مطبعي على الغالب. وقوله عن النسائي:

" ... إلا أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباس" خطأ آخر! ولعل الأصل: "ولا نعلم محمد بن عبد الله هذا إلا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس"؛ بدليل ما تقدم. والله أعلم.

وأيضاً؛ فقوله في إسناد الحديث: "كان ابن عمر" خطأ ثالث، والصواب: "كان ابن عباس"؛ كما نقله الحافظان المزي والعسقلاني عن النسائي.

ولم يتنبه لهذا: الشيخ حسن النعماني المعلق على "المشكل"، فذكر في التعليق أن الرواية عن ابن عمر لا عن ابن عباس!

وجملة القول: أن هذا الشاهد ضعيف؛ لأنه إن كان عن محمد بن عبد الله

 

(11/690)

 

 

ابن عباس؛ فهو مجهول لم يوثقه أحد، وإن كان عن ابن أخيه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس؛ فإنه منقطع؛ كما أشار إلى ذلك الطحاوي بقوله:

"لا نعلم له سماعاً من جده".

ثم إنه لو صح الحديث؛ لكان نصاً في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"إني لا آكل متكئاً". رواه البخاري وغيره؛ كما تراه مخرجاً في "مختصر الشمائل" (رقم 124،125) ، و"الإرواء" (1966) ؛ فقد اختلفوا في تفسير الاتكاء فيه على أقوال تراها في "الفتح"، وقد ذكر أن ابن الجوزي جزم بأنه الميل على أحد الشقين، ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك.

قلت: وهو الذي يتبادر لي هنا. والله أعلم.

5413 - (رجب شهر عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات؛ فمن صام يوماً من رجب؛ فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام؛ غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام؛ فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشرة أيام؛ لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، ومن صام منه خمسة عشر يوماً؛ نادى مناد في السماء: قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل، ومن زاد؛ زاده الله عز وجل. وفي رجب حمل الله نوحاً في السفينة، فصام رجب، وأمر من معه أن يصوموا؛ فجرت بهم السفينة ستة أشهر، آخر ذلك يوم عاشوراء؛ أهبط على الجودي، فصام نوح ومن معه والوحش؛ شكراً لله عز وجل. وفي يوم عاشوراء أفلق الله البحر لبني إسرائيل. وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم - صلى الله عليه وسلم - وعلى مدينة يونس، وفيه ولد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -) .

 

(11/691)

 

 

موضوع.

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5538) من طريق عثمان ابن مطر الشيباني عن عبد الغفور - يعني: ابن سعيد - عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه - قال عثمان: وكانت لأبيه صحبة - قال: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عثمان بن مطر؛ قال ابن حبان (2/ 99) :

"يروي الموضوعات عن الأثبات".

وشيخه عبد الغفور؛ قريب منه. وبه أعله الهيثمي، فقال (3/ 188) :

"وهو متروك".

قلت: وقال ابن حبان (2/ 148) :

"كان ممن يضع الحديث على الثقات على كعب وغيره، لا يحل كتابة حديثه ولا الذكر عنه إلا على جهة الاعتبار".

وقوله في إسناد الطبراني:

"يعني: ابن سعيد"! خطأ لا أدري ممن هو؟! فإنه عبد الغفور بن عبد العزيز أبو الصباح الواسطي؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 1/ 55) - بعد أن ساق نسبه هكذا -:

"روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى عنه عثمان بن مطر الشيباني".

وقال الحافظ في ترجمة سعيد الشامي - والد عبد العزيز - من "الإصابة":

"جاءت عنه أحاديث من رواية ولده عنه. تفرد بها عبد الغفور أبو الصباح بن عبد العزيز عن أبيه عبد العزيز عن أبيه سعيد ... "؛ ثم ساق بعضها.

وعبد العزيز بن سعيد والد عبد الغفور؛ لم أجد من ترجمه.

 

(11/692)

 

 

5414 - (كان شديد البياض) .

منكر

قال ابن كثير في "السيرة" من "البداية" (6/ 17) : وقال يعقوب ابن سفيان: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: حدثني عمرو بن الحارث: حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي: أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره. وقال:

"وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه"!

كذا قال!

وأقول: وأنى له الحسن، وإسحاق هذا؛ قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب"؟!

ومحمد بن مسلم: هو الإمام الزهري.

ثم إن الحديث منكر؛ فقد جاءت أحاديث كثيرة عن غير ما واحد من الصحابة في وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان أبيض، وفي بعضها:

أنه كا مشرباً بحمرة. وفي غيرها:

أبيض ليس بالأبهق (1) ، وهو الكريه البياض كلون الجص، يريد أنه كان نير البياض؛ كما في "النهاية"، وليس في شيء منها أنه كان شديد البياض، وقد ذكر طائفة منها ابن كثير نفسه، وروى بعضها الترمذي في "الشمائل"؛ فانظر كتابي "مختصر الشمائل" (رقم 1، 5،10، 12) .

__________

(1) كذا الأصل، والرواية (الأمهق) . (الناشر)

 

(11/693)

 

 

5415 - (من لم يستحي مما قال أو قيل له؛ فهو لغير رشدة، حملته أمه على غير طهر) (1) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الكبير" (7236) : حدثنا محمد بن خالد الراسبي: حدثنا أبو ميسرة النهاوندي: حدثنا الوليد بن مسلمة الحراني: حدثنا عبيد الله ابن عبد الله بن عمرو بن شويفع عن أبيه عن جده شويفع مرفوعاً.

قلت: سكت عنه صاحبنا السلفي؛ فلم يعلق عليه بشيء، وهو موضوع؛ آفته الوليد بن مسلمة هذا - وهو الطبري -؛ قال الحافظ في "الإصابة":

"تفرد به الوليد، وهو ضعيف، نسبوه إلى وضع الحديث".

وله ترجمة سيئة في "الميزان"، و"اللسان".

وأبو ميسرة النهاوندي: اسمه أحمد بن عبد الله بن ميسرة؛ قال ابن عدي:

"يحدث عن الثقات بالمناكير، ويسرق حديث الناس". وقال ابن حبان:

"لا يحل الاحتجاج به".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " ليس في " الجامع " ". (الناشر)

 

(11/694)

 

 

5416 - (من جلب طعاماً إلى مصر من أمصار المسلمين، فباعه بسعر يومه؛ كان له عند الله أجر شهيد في سبيل الله عز وجل) .

ضعيف

رواه الخطيب في "تاريخه" (13/ 442) بسند صحيح عن الوليد ابن صالح: حدثنا عيسى بن يونس: حدثنا أبو عمرو البصري عن فرقد عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله مرفوعاً.

 

(11/694)

 

 

وهذا سند ضعيف؛ فرقد هذا: هو ابن يعقوب السبخي، وهو لين الحديث كثير الخطأ؛ كما في "التقريب".

وأبو عمرو البصري لم أعرفه.

وأما الوليد بن صالح؛ فوثقه أبو حاتم وغيره، وله ترجمة في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 7) ، و"تاريخ بغداد"، وفي ترجمته ساق الحديث.

وقد خالفه عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، فقال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم به.

أخرجه تمام الرازي في "الفوائد" (رقم 129) ، والجرجاني في "تاريخ جرجان" (ص 44،356) ، والإسماعيلي في "المعجم" (59/ 2) من طرق عن إبراهيم بن فيل البالسي: حدثنا عبد الوهاب به.

وهذا إسناد ظاهره الصحة؛ فإن رجاله كلهم ثقات.

فقد أسقط ابن نجدة: أبا عمرو البصري وفرقداً بين عيسى وإبراهيم، وجعل مكانهما الأعمش.

وهو ثقة؛ لكنه موصوف بالتدليس، فأخشى أن يكون بينه وبين إبراهيم فرقد هذا. ولذلك؛ فإني أتوقف عن تصحيح الحديث إلى أن يثبت سماعه إياه من إبراهيم.

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 240/ 1) للديلمي فقط! وكذلك فعل في رسالته: "أبواب السعادة في أسباب الشهادة" (رقم 45 - مصر) .

 

(11/695)

 

 

وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 189) لابن مردويه في "التفسير" بسند ضعيف.

وانظر: "أبشر؛ فإن الجالب إلى سوقنا كالمجاهد ... ".

5417 - (من سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه، يقيم فيهم أمر الله، ويطعمهم من حلال؛ كان حقاً على الله أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم..) .

باطل

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 353 - مخطوطة الظاهرية) عن الفضل بن عطاء عن الفضل بن شعيب عن منظور عن أبي معاذ عن أبي كاهل رفعه في حديث طويل؛ هذا قطعة منه. وقال:

"إسناده مجهول، فيه نظر، لا يعرف إلا من هذا الوجه". وقال الذهبي في ترجمة الفضل بن عطاء هذا:

"سنده مظلم، والمتن باطل".

وأقره الحافظ في "اللسان". وقال ابن عبد البر في ترجمة أبي كاهل:

"له حديث منكر طويل، فلم أذكره".

وأقره الحافظ في "الإصابة"، وعزاه لأبي أحمد - يعني: ابن عدي -، وابن السكن أيضاً، وقال هذا الأخير:

"إسناده مجهول".

وأما السيوطي؛ فعزاه في "أبواب السعادة في أسباب الشهادة" (رقم 46 -

 

(11/696)

 

 

مصر) للطبراني فقط في "الكبير"، ونقل عن الذهبي قوله: "إسناده مظلم" فقط دون ما بعده: "والمتن باطل"!

5418 - (الثوم من طيبات الرزق) .

مقطوع ضعيف

أخرجه الترمذي (1812 - حمص) : حدثنا محمد بن حميد: حدثنا زيد الحباب عن أبي خلدة عن أبي العالية قال: ... فذكره موقوفاً عليه.

قلت: ومع وقفه لا يصح الإسناد إليه؛ لأن محمد بن حميد - وهو الرازي - مع حفظه؛ فقد ضعفوه.

وإنما حملني على تخريج هذا المقطوع - خلافاً لعادتي -: أنني رأيت أحد المعلقين على رسالة "موضوعات الصغاني" قد وهم وهماً فاحشاً في هذا، فقال (ص 60) :

".. فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الثوم من طيبات الرزق". وهذا الحديث أخرجه الترمذي في "جامعه"، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم: "تحفة الأحوذي" (5/ 530) عن أبي العالية بسند صحيح"!!

هذا كلامه بالحرف الواحد! فهو ينقله مقطوعاً، ويصيره مرفوعاً، فعلى ماذا يدل هذا التناقض؟! أقل ما يقال: إنه لم يفهم هذا العلم بعد، فلا يجوز لمثله أن يتولى فن التخريج والتحقيق إلا بعد أن يمضي عليه زمن يشعر هو في نفسه بأنه قد استوى عوده، ويشهد له من له سابقة في هذا المجال، ولهذا أنصح دائماً إخواننا الناشئين في هذا العلم أن لا يتسرعوا بنشر ما يخرجونه أو يحققونه، وإنما يحتفظون

 

(11/697)

 

 

بذلك لأنفسهم إلى أن ينضجوا فيه.

والحق والحق أقول: إن من فتن هذا الزمان حب الظهور وحشر النفس في زمرة المؤلفين، وخاصة في علم الحديث الذي عرف الناس قدره أخيراً بعد أن أهملوه قروناً، ولكنهم لم يقدروه حق قدره، وتوهموا أن المرء بمجرد أن يحسن الرجوع إلى بعض المصادر من مصادره والنقل منها؛ صار بإمكانه أن يعلق وأن يؤلف! نسأل الله السلامة من العجب والغرور!!

5419 - (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة) .

ضعيف بهذا السياق

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (ق 301/ 1 - النسخة القديمة 4/ 1519 - النسخة الحديثة الهندية) ، وتمام في "الفوائد" (ق 279/ 2) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (15/ 413/ 2) عن إسماعيل بن عياش الحمصي عن الوليد بن عباد عن عامر الأحول عن أبي صالح الخولاني عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ كما كنت بينته في "تخريج فضائل الشام ودمشق" (الحديث التاسع والعشرون) ، فلا داعي لإعادة الكلام، وإنما ذكرته في هذه "السلسلة" لأمور، أهمها اثنان:

الأول: زيادة مصادر في التخريج.

والآخر: التأكد أو التحقق من أن إسناد الحديث عند أبي يعلى يدور على الوليد بن عباد؛ فقد كان كلام الهيثمي على الحديث شككني في ذلك؛ لأنه لما

 

(11/698)

 

 

عزاه في مكان للطبراني؛ أعله بجهالة الوليد هذا، ولما عزاه في مكان آخر لأبي يعلى قال:

"ورجاله ثقات"! وتساءلت هناك: هل إسناد أبي يعلى من الوجه المذكور أم لا..؟ ولم أكن وقفت يومئذ على إسناد أبي يعلى، فلما تفضل الله علي بالوقوف عليه؛ بادرت إلى إزالة الشك، والتحقق من أن الإسناد واحد، وأن توثيق الهيثمي لرجال أبي يعلى إنما هو اعتماد منه على توثيق ابن حبان للوليد المذكور في سند الطبراني أيضاً، وذلك مما يفعله الهيثمي كثيراً، وهو من تساهله المعروف لدى العارفين بهذا العلم الشريف!

واعلم أن أصل الحديث صحيح؛ بل متواتر، جاء عن جمع من الصحابة، منهم أبو هريرة دون ذكر أبواب دمشق وبيت المقدس، خرجت الكثير الطيب منها في "الصحيحة" فانظر "صحيح الجامع" (7164-7173) .

وقد رويت هذه الزيادة بلفظ:

قالوا: وأين هم؟ قال: "بيت المقدس، وأكناف بين المقدس"! لكن في إسنادها جهالة؛ كما بينته في "الصحيحة" تحت الحديث (1957) .

نعم؛ صح عن معاذ موقوفاً عليه بلفظ: وهم أهل الشام.

انظر الحديث (1958) من "الصحيحة".

5420 - (لا تسبو الدنيا؛ فنعم مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر) .

موضوع

رواه الهيثم بن كليب في "السند" (47/ 1) ، وابن عدي في

 

(11/699)

 

 

"الكامل" (ق 12/ 2) ، والضياء المقدسي في "جزء من حديث أبي نصر العكبري وغيره" (183/ 1) عن إسماعيل بن أبان: أخبرنا السري بن إسماعيل عن عامر عن مسروق عن عبد الله مرفوعاً. وقال ابن عدي:

"وإسماعيل بن أبان الغنوي؛ عامة رواياته مما لا يتابع عليه؛ إما إسناداً وإما متناً. قال ابن معين: كذاب. وقال البخاري: متروك الحديث. تركه أحمد. وقال أحمد: كتبنا عنه هشام بن عروة وغيره، ثم حدث - أحاديث في الخضرة - أحاديث موضوعة، أراه عن فطر أو غيره، فتركناه".

قلت: وهذا الحديث ذكره الذهبي في ترجمته من مناكيره. وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 128) :

"كان يضع الحديث على الثقات. قال ابن معين: وضع على سفيان أحاديث لم تكن".

قلت: وشيخه السري بن إسماعيل ليس خيراً منه؛ أورده ابن حبان أيضاً في "المجروحين" (1/ 355) ، وقال:

"كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل؛ قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس واحد. وكان يحيى بن معين شديد الحمل عليه".

قلت: وهو من الأحاديث التي سود بها المدعو: (عز الدين بليق اللبناني) كتابه "منهاج الصالحين"، فأورده فيه (ص 117/ رقم 68) من رواية الديلمي، وأشار في مقدمته (ص 7) أنه استبعد عنه الأحاديث الضعيفة والموضوعة!

والواقع يشهد أنه بخلاف ذلك؛ وهذا مثال من أمثلة كثيرة، قد نتعرض لذكر بعضها.

 

(11/700)

 

 

5421 - (من أحب أن يكون أعز الناس؛ فليتق الله، ومن أحب أن يكون أقوى الناس؛ فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس؛ فليكن بما في يد الله أغنى منه بما في يده) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن أبي الدنيا في "القناعة" (2/ 3/ 1) قال: حدثنا سليمان بن منصور: حدثنا أبو المطرف المغيرة بن مطرف عن أبي المقدام عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس مرفوعاً.

ورواه القضاعي في "مسند الشهاب" (30/ 1) من طريق عباد بن عباد عن هشام بن زياد عن محمد بن كعب به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته أبو المقدام هشام بن زياد، وهو ضعيف بمرة؛ فقد أورده الذهبي في "الميزان"، وحكى تضعيفه عن جمع من الأئمة دون خلاف بينهم. ولذلك؛ قال في "الكاشف":

"ضعفوه".

وبعضهم ضعفه أشد التضعيف؛ فقال ابن حبان في "المجروحين":

"كان يروي الموضوعات عن الثقات، والمقلوبات عن الأثبات، حتى يسبق إلى قلب المستمع أنه كان المتعمد لها". وقال الحافظ في "التقريب" - تبعاً لقول النسائي فيه -:

"متروك".

ومن طريقه: رواه عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" (ص 295) ، وابن أبي حاتم - كما في "تفسير ابن كثير" (4/ 54) - وسكت عليه؛ لأنه ساق

 

(11/701)

 

 

إسناده، فبرئت بذلك ذمته، وجهل ذلك الحلبيان اللذان اختصرا "التفسير"؛ فأورداه في "مختصريهما"؛ مع أنهما صرحا في مقدمتيهما أنهما التزما أن لا يوردا إلا الأحاديث الصحيحة! فأخلا بذلك في كثير من الأحاديث، وقد تقدم التنبيه على بعضها.

5422 - (قال ربكم: وعزتي وجلالي! لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم يفعل) (1) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي عن أبيه قال: كتب إلي المهدي بعهدي، وأمرني أن أصلب في الحكم، وقال في كتابه: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس مرفوعاً به.

ومن طريقه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 44) .

ومن هذا الوجه: أخرجه أيضاً أبو الشيخ ابن حيان - كما في "الترغيب" (3/ 148) -، وأبو أحمد الحاكم في "الكنى" (ق 49/ 1) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/ 466/ 1 و 15/ 274/ 1 و 18/ 31/ 2) .

أورده أبو نعيم في ترجمة والد المهدي أبي جعفر المنصور، وقال:

"روى عنه ابنه المهدي أحاديث". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك فعل الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 53-61) ، وقد أطال في ترجمته، الأمر الذي يدل أنه كان غير معروف حاله في الرواية عندهم.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " كأنه خرج برقم (6429) فقابل ". (الناشر)

 

(11/702)

 

 

ومثله ابنه المهدي - واسمه محمد - ترجمه الخطيب (5/ 391-401) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وفي ظني أنه هو وأباه المقصودان بقول الهيثمي في "المجمع" (7/ 267) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه من لم أعرفهم".

وقد أعله المنذري بعلتين أخريين:

الأولى: أحمد بن محمد؛ شيخ الطبراني؛ قال:

"فيه نظر"!

والأخرى: قال:

"وجد المهدي: هو محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وروايته عن ابن عباس مرسلة"!

قلت: والجواب عن الأولى: أنه قد تابعه أبو الحارث محمد بن مصعب الدمشقي ومحمد بن الحسن بن فيل وغيرهما عند ابن عساكر في المجلد (18) .

وأما الأخرى: فالذي يظهر لي أن الجد هنا إنما هو علي بن عبد الله بن عباس لا ابنه محمد؛ فإن المهدي هو محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. فقول المهدي: "حدثني أبي" صريح في أنه يعني: المنصور. وقوله: "عن أبيه" إنما يعني أبا المنصور محمد بن علي. فقوله: "عن جده" إنما يعني - إذن - علي بن عبد الله بن عباس، وهذا ظاهر، والله أعلم.

(تنبيه) : هذا الحديث مما عزاه مؤلف "منهاج الصالحين" لرواية الإمام أحمد برقم (583) ! وهو من أخطائه الفاحشة التي طف بها كتابه، وأنا الآن في صدد

 

(11/703)

 

 

تتبعها والكشف عنها؛ تحذيراً وتذكيراً.

5423 - (يا سلمان! ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم، فيلقي له وسادةً إكراماً له؛ إلا غفر الله له) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (2/ 124-125) ، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 266) ، والطبراني في "الكبير" (6068) ، والحاكم (3/ 599) من طريق عمران بن خالد الخزاعي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال:

دخل سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو متكىء على وسادة، فألقاها له، فقال سلمان: صدق الله ورسوله! فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد الله! قال:

دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متكىء على وسادة؛ فألقاها إلي، ثم قال لي: ... فذكره.

قلت: أورده ابن حبان في ترجمة عمران هذا، وقال:

"روى عنه أهل البصرة العجائب، وما لا يشبه حديث الثقات، فلا يجوز الاحتجاج به".

وأما الحاكم؛ فسكت عنه! وبيض له الذهبي في "تلخيصه"!

ولكنه قال في "الميزان":

"وهذا خبر ساقط".

 

(11/704)

 

 

قلت: ومن هذا الوجه: رواه الطبراني في "الصغير" أيضاً (ص 157 - هندية) بلفظ مقلوب أوله؛ فقال:

دخل عمر بن الخطاب على سلمان ... والباقي مثله!

وأورده الهيثمي بروايتي الطبراني؛ وقال عقب كل واحدة منهما:

"وفيه عمران بن خالد الخزاعي، وهو ضعيف"!

وهذا الحديث مما سود به مؤلف "منهاج الصالحين" كتابه هذا (1138) ، وقد زعم أنه استبعد عنه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد استدركت عليه أكثر من ثلاث مئة حديث من النوعين.

ثم رواه الطبراني (6188) من طريق سويد بن عبد العزيز عن أبي عبد الله النجراني عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: قال سلمان الفارسي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"إذا زار أحدكم أخاه، فألقى له شيئاً يقيه من التراب؛ وقاه الله عذاب النار".

قلت: وسويد هذا واه جداً.

ولم يورده الهيثمي (8/ 174) عقب الروايتين السابقتين، وكأنه استغنى بهما عن هذا! والله أعلم.

5424 - (استوصوا بالكهول خيراً، وارحموا الشباب) .

موضوع

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/ 1/ 49 - مختصره) من طريق عثمان بن عبد الله القرشي: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن

 

(11/705)

 

 

أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: قال الحافظ عقبه:

"قلت: عثمان متروك".

قلت: وهو عثمان بن عبد الله الأموي؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 102) :

"يروي عن الليث ومالك وابن لهيعة، ويضع عليهم الحديث، لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار".

وكلمات سائر الأئمة تدور كلها حول اتهامه بالوضع.

وقد أطال ابن حجر ترجمته في "لسان الميزان"؛ فليراجعه من شاء.

5425 - (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه؛ فكأنما ينظر في النار) .

ضعيف جداً

رواه القضاعي في "مسند الشهاب" (ق 40/ 1) ، والحاكم (4/ 270) من طريق أبي المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته هشام هذا؛ فإنه متروك؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"، والذهبي من قبل في "التلخيص".

وقد تابعه - عند الحاكم - محمد بن معاوية: حدثنا مصادف بن زياد المديني قال: سمعت محمد بن كعب به مختصراً بلفظ:

"لا ينظر أحد منكم في كتاب أخيه إلا بإذنه".

 

(11/706)

 

 

سكت الحاكم عن الحديث من الوجهين! فتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: هشام متروك، ومحمد بن معاوية كذبه الدارقطني، فبطل الحديث".

ولذلك؛ قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 229) :

"طرقه واهية".

5426 - (لا تظهر الشماتة لأخيك؛ فيرحمه الله ويبتليك) .

ضعيف

أخرجه الترمذي (2508) ، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 186) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (9/ 96) ، وكذا المخلص في "الفوائد المنتقاة" (7/) (1) ، وأبو الحسن الحربي في "الأمالي" (247/ 1) ، وابن الأعرابي في "معجمه" (158/ 2) ، والماليني في "الأربعين" (42/ 2) ، والطبراني في "المنتقى منه" (81/ 2) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 310/ 1) ، والخطيب أيضاً في "الموضح" (2/ 5) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (5/ 177/ 2) ، وأبو جعفر الطوسي في "الأمالي" (ص 20) ، وابن حبان في "المجروحين" (2/ 213-214) من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني والقاسم بن أمية الحذاء كلاهما عن حفص بن غياث عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً به. وقال أبو نعيم:

"غريب من حديث برد ومكحول، لم نكتبه إلا من حديث حفص بن غياث النخعي". وقال الترمذي:

__________

(1) كذا أصل الشيخ - رحمه الله -، بدون رقم الصفحة. (الناشر)

 

(11/707)

 

 

"هذا حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع"!

قلت: وقد خالفه ابن حبان، فقال:

"وهذا لا أصل له من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ القاسم بن أمية شيخ يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".

قلت: وهذا الإعلال رده الحافظ ابن حجر في "التهذيب" بقوله:

"كذا قال! وشهادة أبي زرعة وأبي حاتم له أنه صدوق أولى من تضعيف ابن حبان".

وسبقه إلى هذا المعنى الذهبي في "الميزان".

ولذلك؛ لا تطمئن النفس لهذا الإعلال، وإن تبعه عليه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 224) ! على أن السيوطي قد رده من جهة أخرى، وهي أن القاسم هذا قد تابعه آخران سماهما، فانظر "اللآلي" (4/ 428) .

ولذلك؛ أورده الحافظ ابن حجر في جملة الأحاديث التي حكم القزويني بوضعها، ورد ذلك عليه، وهي مطبوعة في آخر "المشكاة" (3/ 311- بتحقيقي) ، ولكنه لم يحقق القول فيه على خلاف عادته؛ فإنه ادعى أن الترمذي إنما حسنه لاعتضاده بشاهد ساقه الترمذي له بمعناه! ومع أن هذا لا يصلح في الشواهد؛ لأن فيه متهماً بالكذب؛ كما تقدم نقله عند تخريج حديثه برقم (178) ؛ لأن الترمذي قد وصف حديث الترجمة بأنه:

"حسن غريب"، وما يحسنه لشواهده إنما يقول فيه:

"حسن" فقط؛ كما صرح بذلك في آخر كتابه "السنن".

 

(11/708)

 

 

فالصواب أنه حسنه لذاته؛ لثقة رجاله، واتصال إسناده عنده. أما الثقة؛ فلا مجال للنظر فيها لما سبق، وإنما النظر في الاتصال المذكور؛ فإن تصريحه بسماع مكحول من واثلة قد خالفه فيه شيخه البخاري؛ فقال: إنه لم يسمع منه.

ولا يشك عارف بهذا الفن أنه أعلم منه بعلل الحديث ورجاله، ولا سيما أنه وافقه على ذلك أبو حاتم الرازي، فأخشى أن يكون الترمذي اعتمد في ذلك على رواية لا تثبت؛ فقد جاء في "التهذيب" ما نصه:

"قال أبو حاتم: قلت لأبي مسهر: هل سمع مكحول من أحد من الصحابة؟! قال: من أنس. قلت: قيل: سمع من أبي هند؟ قال: من رواه؟ قلت: حيوة عن أبي صخرة عن مكحول: أنه سمع أبا هند. فكأنه لم يلتفت إلى ذلك. فقلت له: فواثلة بن الأسقع؟ فقال: من يرويه؟ قلت: حدثنا أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة! فكأنه أومى برأسه".

قلت: فهذا لو صح عن مكحول؛ ثبت سماعه منه، ولكن في الطريق إليه ما يدفعه؛ فأبو صالح - وهو عبد الله بن صالح المصري - كثير الغلط؛ كما قال الحافظ في "التقريب".

والعلاء بن الحارث كان اختلط، ولهذا لم يعتد به أبو حاتم، وهو الراوي له، فنفى سماعه منه؛ كما تقدم.

وأيضاً؛ لو ثبت سماعه منه في الجملة؛ لم يلزم ثبوت سماعه لهذا الحديث منه؛ لأن ابن حبان رماه بالتدليس.

نعم؛ إن صح ما في رواية الشهاب القضاعي من طريق أبي يعلى الساجي: أخبرنا

 

(11/709)

 

 

القاسم بن أمية الحذاء قال: سمعت حفص بن غياث يقول: سمعت برداً يقول: سمعت مكحولاً يقول: سمعت واثلة يقول ...

قلت: ففي هذا الإسناد التصريح بسماع مكحول.

والساجي - واسمه زكريا بن يحيى - أحد الأثبات؛ كما قال الذهبي.

لكن لا أدري ما حال الذين دون الساجي؛ فإن الكناشة التي عندي لم أكتبهم فيها يوم نسخت الأحاديث فيها من أصولها المحفوظة في المكتبة الظاهرية، ولا سبيل الآن إلى الرجوع إلى الأصل؛ لأني أكتب هذا التحقيق وأنا في عمان.

وعلى كل حال؛ فأنا في شك كبير في ثبوت سماعه في هذه الطريق؛ لمخالفتها لسائر طرق الحديث عند كل من ذكرنا من المخرجين.

والخلاصة: أن علة الحديث عندي: الانقطاع بين مكحول وواثلة. والله أعلم.

بقي شيء واحد؛ وهو أن السيوطي ذكر له شاهداً من حديث ابن عباس، وضعفه بإبراهيم بن الحكم بن أبان.

وقد ضعفه البخاري جداً؛ فلا يستشهد به، والله أعلم.

5427 - (من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله؛ فلينظر كيف منزلة الله عنده؛ فإن الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (2/ 512،575) ، ومن طريقه ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 81) ، والبزار في "مسنده" (ص 295 - زوائد

 

(11/710)

 

 

ابن حجر) ، والحاكم (1/ 494-495) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 321) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/ 268/ 2) من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة قال: سمعت أيوب بن خالد بن صفوان الأنصاري يقول: قال جابر بن عبد الله: ... فذكره مرفوعاً، وزادوا في أوله:

"يا أيها الناس! إن لله سرايا من الملائكة، تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض، فارتعوا في رياض الجنة؟ " (1) . قالوا: أين رياض الجنة؟ قال: "مجالس الذكر؛ فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروه أنفسكم، من كان ... " وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: عمر ضعيف". وفي ترجمته أورد الحديث، وقال:

"كان يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره إلا على سبيل الاعتبار". وقال الحافظ في "التقريب":

"ضعيف". وقال الهيثمي في "المجمع":

"رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وفيه عمر مولى غفرة؛ وقد وثقه غير واحد، وضعفه جماعة، وبقية رجالهم رجال (الصحيح) ".

ونحوه في "الترغيب" (3/ 234) ؛ إلا أنه قال:

"والحديث حسن. والله أعلم"!

قلت: وهو تساهل منه! وقد ذكره الذهبي فيما أنكر على عمر، مع تصريحه بضعفه آنفاً. والله أعلم.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - على هامش الأصل: " سيأتي برقم " (6205) ". (الناشر)

 

(11/711)

 

 

ثم رأيت الحديث قد رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص 242) من طريق غيلان يحدث عن مطرف (وهو ابن الشخير) قال: سمعته يقول:

من أحب أن يعلم ما له عند الله؛ فلينظر ما لله عنده.

وإسناده صحيح مقطوع.

وغيلان: هو ابن جرير البصري.

فلعل أصل الحديث موقوف، رفعه ذاك الضعيف. والله أعلم.

والحديث؛ أورده شارح "الطحاوية" في بحث الفوقية، ولم يصرح بأنه مرفوع؛ فإنه قال:

"جاء في الأثر ... " فذكره؛ لكنه قال: "في قلبه" مكان: "عنده"! و: "من قلبه" مكان: "من نفسه"!

وكنت لما خرجت الشرح المذكور علقت عليه بقولي:

"لا أعرفه".

وها قد عرفته فيما بعد مقطوعاً صحيحاً بطرفه الأول، وبتمامه مرفوعاً ضعيفاً، فبادرت إلى نشره، مع الشكر لمن كان السبب إلى إرشادي إلى وجوده في "المستدرك"، كما أشرت بذلك في الطبعة التاسعة من الشرح المذكور (ص 290) .

وأما مخرجه الشيخ شعيب الأرناؤوط فقد علق عليه (ص 389 - طبع مؤسسة الرسالة) بقوله:

"أطلق المؤلف كلمة (الأثر) على المأثور من كلام السلف؛ كما هو في اصطلاح

 

(11/712)

 

 

الفقهاء؛ فإن النص الذي أورده ليس بحديث"!

كذا قال! وهذا من تهوره وادعاء ما لم يحط به علمه، فهلا وقف عند قولي: "لا أعرفه"، أو ما هو بمعناه مثل قولهم: "لم أجده"،أو "لم أقف عليه"؟!

5428 - (لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا استظهار أوفق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء والصبر) .

موضوع

رواه الطبراي في "المعجم الكبير" (2688) ، وابن حبان في "المجروحين" (2/ 306-307) من طريق عثمان بن سعيد الزيات: حدثنا محمد ابن عبد الله أبو رجاء الحبطي التستري: حدثنا شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن شعبة إلا الحبطي، تفرد به عثمان بن سعيد الزيات، ولا يروى عن علي رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو موضوع؛ آفته الحبطي هذا؛ قال الهيثمي (10/ 283) :

"كذاب". وهو معنى قول ابن حبان في الحبطي هذا:

"يروي عن شعبة ما ليس من حديثه، ممن يأتي عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات".

وهو من الأحاديث التي سود بها المدعو (عز الدين بليق) كتابه الذي سماه "منهاج الصالحين" (رقم 1575) . ومن مصائبه أنه عزاه لابن ماجه أيضاً،

 

(11/713)

 

 

فكأنه قلد في ذلك الشيخ العجلوني في "كشف الخفاء"!

وقد أخطأ هذا خطأ آخر، فقال:

"رواه ابن ماجه، والطبراني عن أبي ذر، وفي الباب عن علي بن أبي طالب"!!

ووجه الخطأ: أنه جعل حديث الترجمة لأبي ذر عند ابن ماجه، وإنما هو لعلي عند الطبراني،ولأبي ذر - لدى الأول - جملة العقل واللتان بعدها، وقد رويت من طرق أخرى عن غيره من الصحابة؛ وكلها ضعيفة، وقد سبق تخريجها رقم (1910) .

ثم إن في الحديث علة أخرى، وهي الحارث - وهو ابن عبد الله الأعور -؛ فيه لين؛ كما قال الذهبي في "الكاشف".

ولأبي نعيم في "الحلية" (2/ 36) الجملة الأولى والثانية. وللقضاعي (ق 71/ 1) أكثره.

وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" (914) مختصراً من رواية أبي بكر بن كامل في "معجمه" وابن النجار عن الحارث عن علي!

5429 - (أول شيء كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ: بسم الله الرحمن الرحيم، إنه من استسلم لقضائي، ورضي بحكمي، وصبر علي بلائي؛ بعثته يوم القيامة مع الصديقين) .

موضوع

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" عن إسماعيل بن بشر: حدثنا حماد بن قريش: حدثنا سليمان بن عمرو عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

 

(11/714)

 

 

قال الحافظ في "الغرائب الملتقطة" (1/ 1/ 3) :

"قلت: جويبر ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس. والراوي عنه تالف. وفي السند أيضاً ... "! كذا بياض بخط الحافظ.

قلت: والتالف: هو سليمان بن عمرو، وهو أبو داود النخعي الكذاب؛ كما وصفه الذهبي، وذكر أن أحمد قال:

"كان يضع الحديث". وقال يحيى:

"كان أكذب الناس". وفي "اللسان":

"قال ابن المديني: كان من الدجالين. وقال ابن راهويه: لا أدري في الدنيا أكذب منه"! قال الحافظ ابن حجر:

"قلت: الكلام فيه لا يحصر؛ فقد كذبه ونسبه إلى الوضع من المتقدمين والمتأخرين ممن نقل كلامهم في الجرح والعدالة فوق الثلاثين نفساً".

قلت: وهو من أقبح الأحاديث التي شان بها الكاتب بليق كتابه "المنهاج" (1612) !

5430 - (يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، فيقتص بعضها ببعض، فإن بقيت حسنة؛ وسع الله له في الجنة) .

ضعيف

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 113) ، والطبري في "التفسير" (26/ 12) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12832) من طريق الحكم بن أبان العدني عن الغطريف أبي هارون عن جابر بن زيد عن ابن عباس

 

(11/715)

 

 

مرفوعاً به - زاد غير البخاري - عن الروح الأمين قال - زاد الطبراني -: قال الرب عز وجل ... فذكره.

أورده البخاري في ترجمة (الغطريف) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك فعل ابن أبي حاتم، وذكر أنه يماني؛ فهو مجهول.

وأما قول الهيثمي في "المجمع" (10/ 218) :

"رواه الطبراني، وإسناده جيد"!

قلت: فالظاهر أنه - أعني: الغطريف - وثقه ابن حبان؛ فإن الهيثمي كثير الاعتماد على توثيقه، وقد أشار إلى ذلك في مكان آخر، فقال (10/ 355) :

"رواه البزار [3456] ، ورجاله وثقوا، على ضعف في بعضهم".

والبعض الذي أشار إليه: هو الحكم بن أبان؛ فقد قال الحافظ فيه:

"صدوق عابد، وله أوهام".

ثم رأيت الحافظ ابن كثير قد أورد الحديث في "التفسير" (4/ 158) من رواية ابن جرير وابن أبي حاتم من هذا الوجه؛ وقال:

"وهو حديث غريب، وإسناده جيد لا بأس به"!!

5431 - (ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب) .

ضعيف

رواه ابن عدي (207/ 2) ، وابن عساكر في "التوبة" (4/ 1) عن غسان بن عبيد: حدثنا أبو عاتكة طريف بن سليمان عن أنس مرفوعاً. وقال ابن عدي:

 

(11/716)

 

 

"طريف بن سليمان أبو عاتكة؛ عامة ما يرويه عن أنس لا يتابعه عليه أحد من الثقات". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 382) :

"منكر الحديث جداً". وقال البخاري:

"منكر الحديث".

وغسان بن عبيد فيه ضعف.

وأخرجه الديلمي (4/ 20) من طريق أحمد بن محمد بن غالب عن أنس مرفوعاً.

وابن غالب هذا: هو غلام خليل الزاهد، وهو متروك.

والحديث؛ أورده السيوطي من رواية أبي المظفر السمعاني في "أماليه" عن سلمان، وله عنده تتمة.

5432 - (سبعة من السنة في الصبي يوم السابع: يسمى، ويختن، ويماط عنه الأذى، ويثقب أذنه، ويعق عنه، ويحلق رأسه، ويلطخ بدم عقيقته، ويتصدق بوزن شعره في رأسه ذهباً أو فضة) .

منكر بهذا التمام

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم 552 - بترقيمي) عن رواد بن الجراح عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال: سبعة ... الحديث. وقال:

"لم يروه عن عبد الملك إلا رواد".

قلت: وهو ضعيف؛ لاختلاطه واختلاف العلماء فيه؛ فمنهم من وثقه،

 

(11/717)

 

 

ومنهم من ضعفه، ومنهم من بالغ في تضعيفه؛ كالدارقطني فقال:

"متروك". ولخص أقوالهم الحافظ ابن حجر، فقال في "التقريب":

"صدوق، اختلط بآخره فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد".

قلت: فالعجب منه كيف احتج به لشرعية ثقب أذن الصبي، وقال - عقبه -:

"وهو يستدرك على قول بعض الشارحين: لا مستند لأصحابنا في قولهم: إنه سنة"!

قلت: وكيف يجوز إثبات السنة بمثل هذا الإسناد الواهي؟! ولا سيما وفي متنه جملة مستنكرة، وهي أنه يلطخ رأسه بدم عقيقته؛ فإن هذا التلطيخ كان في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل مكان الدم خلوقاً، وقد ذكر الحافظ نفسه في "الفتح" بعض الأحاديث الواردة في ذلك (9/ 594) ، وخرجت أنا بعضها في "الإرواء" (4/ 388-389) ؛ فليراجعها من شاء.

هذا؛ ولعل الحافظ لم يتيسر له الرجوع إلى سند الحديث؛ فاعتمد على قول شيخه الهيثمي في "المجمع" (4/ 59) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات"!

وهذا مع كونه غير مسلم - لما فيه من إهمال الجرح المفسر بالاختلاط عمداً أو سهواً -؛ فإنه لا يعني أن الإسناد قوي، كما سبق التنبيه عليه مراراً.

ومن المحتمل أن ذلك كان بسبب العجلة. ومما يشعر بذلك: أنه لم يسق الحديث بتمامه، بل طرفه الأول، ثم موضع الشاهد منه، فقال:

 

(11/718)

 

 

"فذكر السابع منها: وثقب أذنه". فهذا خطأ ظاهر فإنه الرابع منها، ولا تعليل له إلا العجلة، والله أعلم.

5433 - (إنك لم تدع لنا شيئاً، قال الله: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) ، فرددناها عليك) .

منكر

أخرجه أحمد في "الزهد" - كما في "الدر المنثور" (2/ 188) - ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (6114) ، والخطيب (14/ 44) أيضاً، وابن جرير في "التفسير" (5/ 120) من طريق هشام بن لاحق عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال:

جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله! فقال:

"وعليك [السلام] ورحمة الله". ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله.

فقال: "وعليك [السلام] ورحمة الله وبركاته".

ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته. فقال له: "وعليك".

فقال له الرجل: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي؛ أتاك فلان وفلان، فسلما عليك، فرددت عليهما أكثر مما رددت علي؟! فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير هشام بن لاحق؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 33) - بعد أن عزاه للطبراني -:

 

(11/719)

 

 

"وفيه هشام بن لاحق؛ قواه النسائي، وترك أحمد حديثه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!

قلت: وأورده ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 90-91) ، وقال:

"منكر الحديث، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به لما أكثر من المقلوبات عن أقوام ثقات".

قلت: وعزاه السيوطي لابن المنذر أيضاً، وابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند حسن!

كذا قال! وفيه تساهل ظاهر؛ فإن هشاماً هذا لم يوثقه - غير النسائي - إلا ابن عدي؛ فقال:

"أحاديثه حسان، أرجو أنه لا بأس به".

وتناقض فيه ابن حبان، فأورده في "الثقات" أيضاً، فقال:

"روى عن عاصم. وعنه أحمد بن هشام بن بهرام نسخة، في القلب من بعضها"!

ذكره في "اللسان". وفيه أن العقيلي ذكره في "الضعفاء"، وقال هو والساجي:

"قال البخاري: هو مضطرب الحديث، عنده مناكير، أنكر شبابة أحاديثه". قال الساجي:

"وهو لا يتابع".

 

(11/720)

 

 

قلت: فقد ضعفه الجمهور، وقولهم مقدم على قول من وثقه؛ لأنه جرح مفسر، حتى في كلام ابن حبان في "الثقات"، فهو يلتقي مع طعنه فيه في "الضعفاء"؛ ويتحصل من مجموع كلمتيه أن الرجل صدوق في نفسه؛ لكنه يخطىء، فهو لذلك بكتاب "الضعفاء" أليق. وقال ابن الجوزي في "العلل" (2/ 231) :

"لا يصح. قال أحمد: تركت حديث هشام بن لاحق. قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به".

وأقره الحافظ في "تخريج الكشاف" (ص 46) .

ثم إن قول الهيثمي المتقدم:

"وبقية رجاله رجال (الصحيح) "! فهو غير صحيح؛ لأن الراوي عن هشام - عند الطبراني - عبد الله بن أحمد بن حنبل؛ وإن كان ثقة؛ فليس من رجال "الصحيح"؛ فإنه لم يرو عنه من الستة إلا النسائي!

وللحديث شاهد من حديث نافع أبي هرمز عن عكرمة عن ابن عباس به نحوه.

أخرجه الطبراني في "الكبير" (12007) وفي "الأوسط" أيضاً؛ كما في "المجمع"؛ وقال:

"وفيه نافع بن هرمز، وهو ضعيف جداً".

قلت: فمثله لا يستشهد به.

وأما الحديث الذي رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم 771 - بترقيمي)

 

(11/721)

 

 

في ترجمة (أحمد بن يحيى الحلواني) بسنده الصحيح عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها:

"يا عائشة! هذا جبريل يقرأ عليك السلام".

فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. فذهبت تزيد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"إلى هذا انتهى السلام"، فقال: " (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) ". وقال الطبراني:

"لم يروه عن العلاء بن المسيب إلا عباد بن العوام".

قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه.

إلا أن العلاء بن المسيب قد تكلم فيه من قبل حفظه، حتى قال الحاكم:

"له أوهام في الإسناد والمتن". وأشر إلى ذلك الحافظ في "التقريب" بقوله:

"ثقة ربما وهم".

قلت: وأنا أظن أن قوله في هذا الحديث: فذهبت تزيد ... إلخ؛ غير محفوظ فيه؛ لأنه قد جاء من طرق عن عائشة رضي الله عنها بدونها.

كذلك أخرجه البخاري (3768،6249،6253) ، ومسلم (7/ 139) ، والنسائي في "عشرة النساء"، والدارمي (2/ 277) ، وابن سعد (8/ 67-

 

(11/722)

 

 

68،79) ، وأحمد (6/ 146،150، 208،224) من طرق كثيرة عن عائشة دون الزيادة.

فهي شاذة في نقدي. والله سبحانه تعالى أعلم.

ولعل سبب الوهم: أنه جاء في بعض الآثار ما يشبه هذه الزيادة، فاشتبه الأمر على الراوي، ودخل عليه رواية في أخرى، وهي ما رواه مالك في "الموطأ" (3/ 132) عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال:

كنت جالساً عند عبد الله بن عباس، فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ ثم زاد شيئاً مع ذلك أيضاً، قال ابن عباس - وهو يومئذ قد ذهب بصره -: من هذا؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك، فعرفوه إياه. قال: فقال ابن عباس:

إن السلام انتهى إلى بركة.

قلت: وإسناده صحيح.

ونحوه: ما رواه مالك أيضاً (3/ 133-134) عن يحيى بن سعيد:

أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، والغاديات والرائحات! فقال له عبد الله بن عمر: وعليك آنفاً! كأنه كره ذلك.

قلت: وإسناده منقطع بين يحيى وابن عمر.

لكن أخرجه البيهقي في "الشعب" من طريق عبد الله بن بابيه قال:

جاء رجل إلى ابن عمر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته.

 

(11/723)

 

 

فقال: حسبك إلى: "وبركاته"؛ انتهى إلى: "وبركاته".

ومن طريق زهرة بن معبد قال: قال عمر: انتهى السلام إلى "وبركاته".

ورجاله ثقات؛ كما قال الحافظ في "الفتح" (11/ 6 - السلفية) ، ولم يتعرض بذكر للإسناد إلى عبد الله بن بابيه - ويقال: ابن باباه -، وهو ثقة.

ولا يخفى أن أثر ابن عمر هذا لو صح لا يشهد - كأثر ابن عباس - لحديث الترجمة، وذلك لأمرين:

1- أن الحديث مرفوع، والأثر موقوف.

2- أن الحديث في رد السلام، والأثر في إلقائه.

ويؤيد ذلك: أنه ثبت عن ابن عمر وغيره من السلف ما يخالف هذا الحديث الضعيف: فروى البخاري في "الأدب المفرد" (ص 49 - دار الكتب العلمية) عن عمرو بن شعيب عن سالم مولى ابن عمر قال:

كان ابن عمر إذا سلم عليه، فرد؛ زاد، فأتيته وهو جالس، فقلت: السلام عليكم. فقال: السلام عليكم ورحمة الله. ثم أتيته مرة أخرى فقلت: السلام عليكم ورحمة الله. قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم أتيته مرة ثالثة فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطيب صلواته.

قلت: ورجاله ثقات معروفون؛ غير سالم هذا، وقد وقع في "الأدب" - كما ترى - أنه مولى ابن عمر، وكذلك وقع في "الفتح" نقلاً عنه!

ويبدو أنه خطأ قديم؛ فإنه في كتب الرجال: أنه مولى عبد الله بن عمرو، منها

 

(11/724)

 

 

"التاريخ الكبير" للبخاري نفسه، ويبدو أنه مجهول؛ لأنه لم يذكروا راوياً عنه غير ابن شعيب هذا. وأما ابن حبان: فذكره في "الثقات" على قاعدته المعروفة، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد به؛ كما لا يخفى على الخبراء بهذا العلم الشريف.

ثم روى في "الأدب المفرد" (ص 147،165) عن زيد بن ثابت: أنه كتب إلى معاوية - والظاهر أنه جواب كتاب من معاوية إليه -:

"والسلام عليك - أمير المؤمنين! - ورحمة الله وبركاته ومغفرته"، زاد في الموضع الأول: "وطيب صلواته".

قلت: إسناده صحيح. وسكت عنه الحافظ وعن الذي قبله. وذكر عن ابن دقيق العيد أنه نقل عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من قوله تعالى: (فحيوا بأحسن منها) الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدىء.

ثم ذكر بعض الأحاديث المرفوعة الصريحة في ذلك، ثم قال:

"وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت؛ قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على (وبركاته) ".

ومن تلك الأحاديث الصريحة: ما ذكره من رواية البيهقي في "الشعب" - بسند ضعيف - من حديث زيد بن أرقم:

كنا إذا سلم علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته.

قلت: وفاته أنه أخرجه البخاري أيضاً في "التاريخ"؛ كما كنت خرجته في

 

(11/725)

 

 

"الصحيحة" (1449) ، وذهبت هناك إلى تجويد إسناده؛ لأنه ليس في رجاله من ينظر فيه غير إبراهيم بن المختار الرازي، وهو وإن كان مختلفاً فيه؛ فقد اعتمدت على قول أبي حاتم فيه:

"صالح الحديث"؛ مع تشدده المعروف في التوثيق، لا سيما وقد وافقه على ذلك أبو داود، وهو مقتضى توثيق ابن شاهين وابن حبان إياه؛ إلا أن هذا قال:

"يتقى حديثه من رواية ابن حميد عنه".

وهذا ليس من روايته عنه، بل من رواية محمد بن سعيد بن الأصبهاني عنه، كما ذكرته هناك؛ خلافاً لأحد الطلبة الأفاضل الذي كتب إلى يرجح أنه محمد ابن حميد؛ دون أيما دليل سوى أن كلاً منهما روى عن إبراهيم بن المختار، غير ملتفت إلى أن الأول من شيوخ البخاري يقيناً، والآخر لم يذكره أحد في شيوخه أو أنه روى عنه، مع تصريحهم بأنه تركه. وهذا ظاهره أنه حدث عنه مطلقاً لعلمه بشدة ضعفه، أو أنه تبين له ذلك بعد أن سمع منه. وأما أنه حدث عنه وصار من جملة شيوخه ثم تركه؛ فهذا مما لا يفهمه أحد له معرفة بهذا العلم؛ إلا أن ينص أحد أنه كان من شيوخه ثم تركه، فهذا ما لم يقله أحد؛ خلافاً لما رمى إليه المشار إليه بقوله:

"والبخاري قد أتى ابن (كذا بالضم ولعله سبق قلم) حميد ثم تركه"!

وجملة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن؛ لمخالفته لظاهر آية رد التحية بأحسن منها، والأحاديث والآثار الموافقة لها. والله تعالى أعلم.

ثم إن حديث الترجمة؛ قد أورده ابن علان في "شرح الأذكار" (5/ 291) ؛ وقال - ولعله نقله عن "نتائج الأفكار" للحافظ ابن حجر -:

 

(11/726)

 

 

"أخرجه أحمد في "الزهد"، ولم يخرجه في "المسند"؛ لضعف هشام بن لاحق عنده، وقد وثقه غيره".

قلت: وقد سبق بيان أن الراجح التضعيف، لا سيما وقد تركه الإمام أحمد؛ كم تقدم نقله عن جمع من الأئمة. ومع ذلك؛ فإنه لم يعجب الكاتب المشار إليه آنفاً؛ فإنه أخذ يحاول التشكيك في ثبوت ذلك عن الإمام أحمد في مقال له آخر، أرسله إلي بعد كتابه الأول، فقال:

"ولم أجد هذا القول مستفيضاً عن أحمد"!!

وهذا مما يدل الواقف على كلامه ونقده للأحاديث على أنه ناشىء في هذا المجال؛ - وهذا أقل ما يمكن أن يقال -، وإلا؛ فمتى كان شرطاً في قبول قول الإمام أن يكون مستفيضاً؟! ألا ترى أنه يمكن لمخالفه أن يعارضه بقوله هذا فيما مال هو إليه من الاعتماد على قول أحمد الآخر:

"لم يكن به بأس"؟! أليس في ذلك كله مخالفة صريحة لقول العلماء:

"الجرح مقدم على التعديل" بشرطه المعروف؟! وهل يمكن لأحد اليوم أن يصنف أقوال أئمة الجرح والتعديل من حيث روايتها عنهم، فيقول: هذا القول آحاد عن فلان! وهذا مستفيض عنه أو عن غيره! وهذا متواتر؟!

وللمشار إليه من مثل هذا النقد المخالف للعلماء أمور أخرى حول هذا الحديث وغيره، لا نطيل الكلام ببيان فسادها.

وقد كنت كتبت إليه بشيء من ذلك في الرد على كتابته الأولى إلي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك قريباً، لذلك؛ لم أنشط للرد عليه في مقاله الآخر، لا

 

(11/727)

 

 

سيما وقد تجاهل فيه ردي عليه المومى إليه ولو بكلمة واحدة، مع إعراضه عن كلام الحافظ الذي كنت نقلته إليه؛ ذهب فيه إلى شرعية الزيادة على ".. وبركاته" في رد السلام خلافاً للكاتب؛ فإنه أصر على عدم مشروعيتها في مقال آخر! فإنه بعد أن تكلم على حديث الترجمة بما عنده من علم؛ كشفت آنفاً عن بعضه! أخذ يسوق شواهد له تقويه بزعمه، تدل المبتدىء في هذا العلم أنه لم يصل فيه بعد إلى مقامه! فإنه بعد أن ساق حديث عائشة الذي بينت آنفاً شذوذه؛ أتبعه ببعض الآثار عن الصحابة، منها أثر ابن عباس وابن عمر المتقدمين، وهي لا تشهد للحديث مطلقاً؛ لأنها في رد الزيادة على ".. وبركاته" في ابتداء السلام، والحديث إنما هو في رده؛ كما لا يخفى على البصير.

وبدهي جداً: أن يخفى على مثله ما هو أدق من ذلك على الباحثين؛ فقد نقل من "شرح ابن علان للأذكار" (5/ 292) قول الحافظ في حديث عائشة المتقدم:

"هذا حديث حسن غريب جداً، قد أخرج لرواته في "الصحيح"؛ إلا أن ابن المسيب لم يسمع من عائشة".

فعقب عليه بقوله:

"وما أدري ما وجه قوله: "ابن المسيب لم يسمع من عائشة"؟! فلينظر "الأوسط" أو "مجمع البحرين" ... "!!

قلت: فخفي عليه أن (ابن المسيب) هذا ليس هو سعيد بن المسيب التابعي الجليل، وإنما هو العلاء بن المسيب، وهو علة الحديث؛ كما تقدم منقولاً من مصورة "المعجم الأوسط"، فهو معذور أن يخفى ذلك عليه؛ لأن كل مراجعه إنما هي من

 

(11/728)

 

 

المطبوعات، فبالأولى أن يخفى عليه خطأ الحافظ في إعلاله بالانقطاع!

وكأنه لم يتنبه - الحافظ - لقول العلاء بن المسيب: "عن أبيه"، أو أنه لم يقع ذلك في نسخته من "الأوسط"، والظاهر الأول، وإلا؛ لأعله شيخه الهيثمي بالانقطاع لظهوره. والله أعلم.

والحقيقة: أن العلة إنما هي المخالفة والشذوذ من العلاء كما سبق بيانه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في تمام كلامه السابق، ولأمر ما لم ينقله الكاتب! فقال الحافظ:

"وسيأتي حديثها بدون هذه الزيادة في (باب الحكم السلام) ".

يشير إلى رواية الشيخين المتقدمة من طرق.

ثم تبين لي أن في متن حديث الترجمة نكارة تؤكد ضعفه، وهي قوله في الرد على الرجل الأخير الذي انتهى سلامه إلى "وبركاته":

"وعليك"؛ وقوله في آخر الحديث:

"فرددناها عليك"؛ فإن السياق يقتضي أن يرد عليه بالمثل؛ أي: إلى قوله: "وبركاته"، وكون الرجل لم يدع مجالاً للزيادة عليه لا يستلزم أن يكون الرد بـ: "وعليك"؛ لأنه دون المثل، كما هو ظاهر من الآية الكريمة: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . قال الحسن البصري في تفسيرها:

إذا سلم عليك أخوك المسلم فقال: السلام عليك؛ فقل: السلام عليكم ورحمة الله، (أو ردوها) : يقول: إن لم تقل له: السلام عليك ورحمة الله؛ فرد عليه كما قال: السلام عليكم؛ كما سلم، ولا تقل: وعليك.

 

(11/729)

 

 

أخرجه البيهقي من طريق المبارك بن فضالة عنه؛ كما في "الدر" (2/ 188) .

ولهذا؛ قال الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 456) - وتبعه صديق حسن خان في "نيل المرام" (ص 161) -:

"ومعنى قوله: (أو ردوها) : الاقتصار على مثل اللفظ الذي جاء به المبتدىء، فإذا قال: السلام عليكم؛ قال المجيب: وعليكم السلام".

قلت: فثبت أن قوله في الحديث: "وعليك" منكر؛ لأنه دون الرد بالمثل، بله الرد بالأحسن.

فالحديث ضعيف سنداً ومتناً. هذا ما ظهر لي؛ (وفوق كل ذي علم عليم) .

5434 - (إن محرم الحلال كمحلل الحرام) .

ضعيف

أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 103) ، وأبو بكر النيسابوري في "الفوائد" (142/ 1) ، والقاسم السرقسطي في "الدلائل" (2/ 146/ 2) ، وأبو بكر اليزدي في "مجلس له" (68/ 1) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (82/ 2) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري عن يحيى بن عباد بن حارثة الليثي أن أباه أخبره: أنه كان يصحب عبد الله بن عمر في الحج والعمرة، فقال: قال لي ابن عمر: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أورده ابن حبان في ترجمة إبراهيم هذا، وقال فيه:

"كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل". ثم روى عنه ابن معين أنه قال فيه:

"ليس بشيء". ثم قال عقب الحديث:

 

(11/730)

 

 

"وهذا من قول ابن عمر محفوظ، فأما من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا".

قلت: ويحيى بن عباد بن حارثة الليثي وأبوه: أوردها ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 77-78 و 4/ 2/ 172) ، ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً.

وأما ابن حبان؛ فذكر عباداً في "الثقات" دون ابنه! والله أعلم.

وجملة القول: أن هذا الإسناد ضعيف؛ لضعف إبراهيم، وجهالة شيخه يحيى ابن عباد وأبيه عباد.

لكن للحديث إسناد آخر؛ فقال الطبراني في "المعجم الأوسط" (8148 - بترقيمي) : حدثنا موسى بن هارون: حدثنا أبو موسى الأنصاري: حدثنا عاصم بن عبد العزيز الأشجعي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد زعم الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 176) أن رجاله رجال "الصحيح"! وهو من أوهامه رحمه الله؛ فإن من دون الحارث - باستثناء الأنصاري - ليسوا من رجال "الصحيح".

وفي الأشجعي وشيخه الحارث ضعف؛ كما يشير إلى ذلك قول الحافظ في كل منهما:

"صدوق يهم".

والأشجعي أضعف؛ فإنه ضعفه الأكثر. بل قال فيه البخاري:

"فيه نظر".

 

(11/731)

 

 

فالظاهر أنه هو علة هذا الإسناد. وقد أورده ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 308) من هذا الوجه، وقال:

"قال أبي: هذا حديث منكر".

قلت: وقد صح موقوفاً على عبد الله بن مسعود؛ فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (20573) ، وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (8852) ، والبغوي في "حديث علي بن الجعد" (9/ 113/ 1) من طرق عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود به. وقال الهيثمي (1/ 177) :

"ورجاله رجال (الصحيح) ".

وفي رواية للطبراني (8853) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق قال:

كنت جالساً عند عبد الرحمن بن عبد الله، فأتاه رجل يسأله عن ابنه القاسم؟ فقال: غدا إلى الكناسة يطلب الضباب. فقال: أتأكله؟ فقال عبد الرحمن: ومن حرمه؟! سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ... فذكره. قال الهيثمي أيضاً (4/ 39) :

"ورجاله رجال (الصحيح) ".

قلت: وهو كما قال؛ إلا أن أبا إسحاق هذا - وهو السبيعي - كان اختلط.

لكنه لم يتفرد به؛ فقد أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/ 17/ 2) من طريق المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: ... فذكره.

ثم روى ابن عساكر عن الحافظ أحمد العجلي قال:

 

(11/732)

 

 

"عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود؛ يقال: إنه لم يسمع من أبيه إلا حرفاً واحداً ... ". ثم ذكر هذا الحديث.

وكأنه يشير إلى رواية الطبراني المتقدمة من طريق إسرائيل؛ فإنها صريحة في سماع عبد الرحمن من أبيه ابن مسعود.

5435 - (يسلم الرجال على النساء، ولا يسلم النساء على الرجال) .

موضوع

أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (243) ، وابن حبان في "الضعفاء" (1/ 190) من طريق بشر بن عون: حدثنا بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً.

أورده ابن حبان في ترجمة بشر هذا، وقال:

"له نسخة فيها مئة حديث؛ كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال.."، ثم ساق له بهذا الإسناد أحاديث هذا أحدها.

وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 234) ، وقال:

"لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو حاتم الرازي: بشر وبكار مجهولان".

والحديث؛ عزاه الحافظ في "الفتح" (11/ 34) لأبي نعيم (!) في "عمل يوم وليلة"، وقال:

"وسنده واه، ومن حديث عمرو بن بن حريث مثله موقوفاً عليه، وسنده جيد"!

ذكره تحت شرح (باب: تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال) ، وحكى خلاف العلماء في ذلك، وانتهى من ذلك إلى الجواز إذا أمنت الفتنة، وهو

 

(11/733)

 

 

الراجح؛ لثبوت سلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على النساء.

وكذلك صح سلام الصحابة على العجوز التي كانت تقدم إليهم أصول السلق مطبوخاً مع الطحين بعد صلاة الجمعة.

رواه البخاري في "صحيحه" (6248) .

وروى في "الأدب المفرد" (1046) بسند حسن عن الحسن (وهو البصري) قال:

كن النساء يسلمن على الرجال.

5436 - (رأس هذا الأمر الإسلام، ومن أسلم سلم، وعمودة الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، لا يناله إلا أفضلهم) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 55/ 96) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن معاذ بن جبل مرفوعاً.

ثم رواه (8/ 266/ 7885) من طريق أخرى عن عثمان به مختصراً؛ دون ما قبل الذروة.. ولم يذكر معاذاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علي بن يزيد - وهو الألهاني - ضعيف.

وبه أعله الهيثمي (5/ 274) .

ونحوه عثمان بن أبي العاتكة. وقال الحافظ في "التقريب":

"ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني".

 

(11/734)

 

 

بيد أنه قد خالفه في متن الحديث وإسناده: أبو عبد الرحيم - وهو الحراني خالد بن أبي يزيد الثقة -؛ فقال: عن أبي عبد الملك عن القاسم عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"الإسلام ثلاثة أبيات: سفلى، وعليا، وغرفة.

فأما السفلى؛ فالإسلام؛ دخل عليه عامة المسلمين، فلا يسأل أحد منهم إلا قال: أنا مسلم.

وأما العليا؛ فتفاضل أعمالهم؛ بعض المسلمين أفضل من بعض.

وأما الغرفة العليا؛ فالجهاد في سبيل الله، لا ينالها إلا أفضلهم".

أخرجه الطبراني في "الكبير" (18/ 318/ 822) . وقال الهيثمي:

"وأبو عبد الملك لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!

قلت: هو علي بن يزيد الألهاني، وأبو عبد الملك كنيته، وهو صاحب القاسم، وقد عرفت ضعفه مما تقدم.

ومما يؤكد ذلك: اضطرابه في متن الحديث وسنده.

أما المتن؛ فظاهر.

وأما السند؛ فرواه عثمان عنه عن القاسم عن أبي أمامة عن معاذ.

ورواه أبو عبد الرحيم عنه عن القاسم عن فضالة.

وهو عن معاذ معروف من طرق عنه مختصراً ومطولاً.

 

(11/735)

 

 

وقد رواه شعبة عن الحكم قال: سمعت عروة بن النزال يحدث عن معاذ بن جبل قال: ... فذكر حديثه الطويل الذي أوله:

"لقد سألت عن عظيم ... " الحديث، وفي آخره:

"وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! ".

ورواه الترمذي وغيره من طريق أخرى عن معاذ، وهو مخرج في "الإرواء" (413) .

وأما طريق شعبة هذه؛ فأخرجه ابن أبي شيبة في أول كتاب "الإيمان" رقم (1) ، وأحمد (5/ 337) ، والطبراني في "الكبير" (20/ 147/ 304) من طرق عن شعبة به نحو حديث الترمذي، وفيه حديث الترجمة دون قوله:

"لا يناله إلا أفضلهم".

ورجاله ثقات؛ إلا أن عروة بن النزال فيه جهالة، مع انقطاع؛ بينه أحمد (5/ 233) من رواية روح عن شعبة:

قال شعبة: فقلت له: سمعه من معاذ؟ قال: لم يسمعه منه وقد أدركه.

وجملة القول: أن الحديث بهذه الزيادة:

"لا يناله إلا أفضلهم"؛ ضعيف لا يصح؛ لتفرد الألهاني به، واضطرابه في سنده ومتنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

5437 - (سألت جبريل عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) ؛ من الذي لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال:

 

(11/736)

 

 

هم الشهداء، يتقلدون أسيافهم حول عرشه، تتلقاهم الملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت، [أزمتها الدر [الأبيض] ، برحال [الذهب، أعنتها] السندس والإستبرق] ، نمارها ألين من الحرير، مد خطاها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة [على خيول] ، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا إلى ربنا؛ لننظر كيف يقضي بين خلقه؟ يضحك إليهم إلهي، وإذا ضحك إلى عبد في موطن؛ فلا حساب عليه) .

منكر بهذا التمام

قال في "الدر المنثور" (5/ 336) :

"أخرجه أبو يعلى، والدارقطني في "الأفراد"، وابن المنذر، والحاكم - وصححه -، وابن مردويه، والبيهقي في "البعث" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... (فذكره) ".

قلت: وفي عزوه بهذا التمام للحاكم نظر؛ فإنه إنما أخرجه في "المستدرك" (2/ 253) دون قوله: "يتقلدون أسيافهم.." إلخ؛ عن أبي أسامة عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة. وقال:

"صحيح الإسناد". وأقره المنذري في "الترغيب" (2/ 199) .

وأما الذهبي؛ فزاد في "التلخيص":

".. على شرط البخاري ومسلم".

قلت: وهو الصواب؛ فإن رجاله كلهم على شرطهما.

وعمر هذا: هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني؛ نزيل عسقلان، ولم يعرفه الحافظ ابن كثير كما يأتي. ثم قال المنذري:

 

(11/737)

 

 

"ورواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن عياش أطول منه؛ وقال فيه: (هم الشهداء، يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه ... ) "!

قلت: وإسماعيل بن عياش - وهو الحمصي الشامي - مختلف فيه. والذي استقر عليه رأي الحفاظ النقاد فيه: أنه ثقة فيما يرويه عن الشاميين، ضعيف فيما يرويه عن غيرهم، ولذلك؛ كان الواجب على المنذري أن يسمي لنا شيخه فيه!

وقد وقفت عليه بواسطة "تفسير ابن كثير"؛ فإنه - جزاه الله خيراً - ذكر إسناد أبي يعلى، فقال:

"وقال أبو يعلى: حدثنا يحيى بن معين: حدثنا أبو اليمان: حدثنا إسماعيل ابن عياش عن عمر بن محمد ... " فذكره كما تقدم في إسناد الحاكم. ثم قال:

"رجاله كلهم ثقات؛ إلا شيخ إسماعيل بن عياش؛ فإنه غير معروف. والله سبحانه وتعالى أعلم"!

وأقول: بل هو معروف؛ فإنه من ذرية عمر بن الخطاب كما تقدم؛ فقد ذكر الحافظ المزي - شيخ ابن كثير - في ترجمة عمر بن محمد هذا أنه روى عن زيد بن أسلم، وعنه جماعة منهم إسماعيل بن عياش فهو علة تلك الزيادة التي لم يروها الحاكم؛ لأن شيخه عمر هذا مدني كما تقدم،وقد عرفت من ترجمته آنفاً أنه ضعيف فيما يرويه عن المدنيين وغيرهم.

وقد يقول قائل: قد ذكرت آنفاً أن عمر هذا كان نزيل (عسقلان) ؛ وهي من بلاد الشام، فيمكن أن يكون إسماعيل سمعه منه فيها، وأنه حفظه عنه؟!

فأقول: هذا ممكن، ولكن لا بد له من مرجح، وهذا مفقود، وحينئذ يبقى حكم هذه الزيادة على الضعف، حتى يتبين المرجح؛ كشأن المختلط الذي لم يعلم

 

(11/738)

 

 

أحدث بالحديث قبل الاختلاط أم بعده؟ فهو على الضعف حتى يتبين أنه حدث به قبل الاختلاط.

على أنه يترجح عندي ضعف هذه الزيادة من جهة أخرى؛ وهي مخالفة إسماعيل لأبي أسامة - واسمه حماد بن أسامة -، وهو ثقة ثبت، ولم يروها كما تقدم من تخريج الحاكم. ويبعد جداً أن يكون حدث بها عمر بن محمد، ولا يحفظها أبو أسامة عنه، ويحفظها إسماعيل، مع ما فيه من القال والقيل! ولذلك؛ فإن هذه الزيادة منكرة عندي،بخلاف ما قبلها، ولذلك؛ لم أوردها مع حديث الحاكم في "صحيح الترغيب" (2/ 147/ 1378) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(تنبيه) : قد عزا الحديث لأبي يعلى الحافظ ابن حجر أيضاً في "المطالب العالية" (3/ 365/ 3721) ، وذكر الشيخ الأعظمي في تعليقه عليه: أن البوصيري قد سكت عليه! وقد كشفنا لك عن علته بفضل الله وتوفيقه.

ولم أره في "مجمع الزوائد" للهيثمي، ولا عزاه المنذري لأبي يعلى كما تقدم! فلعله في بعض النسخ منه. والله أعلم.

ثم إن متن الحديث قد نقلته من "تفسير ابن كثير"، والزيادات التي بين المعكوفات [] ؛ إنما هي من "الترغيب"، وبعضها من "الدر". ووقع فيه: "البرهة" مكان: "النزهة"! ولعله تصحيف.

ثم رأيت الحافظ قد ساق إسناد أبي يعلى في "المطالب العالية المسندة" (2/ 45/ 2) كما ساقه ابن كثير.

وقد رواه آخرون عن إسماعيل، وعن محمد بن عمر؛ دون قوله:

 

(11/739)

 

 

"تتلقاهم الملائكة ... ". وتقدم برقم (3685) .

5438 - (إن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - حين قبض سعد بن معاذ [من جرح أصابه يوم الخندق]- من جوف الليل معتجراً بعمامة من إستبرق، فقال: يا محمد! من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعاً يجر ثوبه إلى سعد، فوجده قد مات) .

ضعيف

أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (3/ 271) : حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي قال: حدثني من شئت من رجال قومي: إن جبريل ... الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة شيخ معاذ بن رفاعة.

على أن هذا نفسه فيه نظر؛ فإنه لم يوثقه غير ابن حبان، وحكى أبو الفتح الأزدي عن عباس الدوري عن ابن معين أنه قال فيه:

"ضعيف". قال الأزدي:

"ولا يحتج بحديثه"؛ كما في "التهذيب".

وقد روى عنه جمع، ولم يذكر فيه البخاري في "التاريخ"، وابن أبي حاتم في كتابه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال؛ إن لم يكن ضعيفاً.

وأما الحافظ؛ فقال:

"صدوق"!

وبيض له الذهبي في "الكاشف".

 

(11/740)

 

 

وقد خولف ابن إسحاق في إسناده ومتنه؛ فقال يزيد بن الهاد: عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله قال: ... فذكره مختصراً نحوه، ولفظه:

جاء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؛ فتحت له أبواب السماء، وتحرك له العرش؟

قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا سعد بن معاذ.

أخرجه البيهقي في "الدلائل" - كما في "السيرة" لابن كثير (3/ 245) -، رواه عن شيخه الحاكم، وقد أخرجه هذا في "المستدرك" (3/ 206) مختصراً نحوه؛ ليس فيه ذكر جبريل عليه السلام، فصار الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس من قول جبريل.

وكذلك رواه الإمام أحمد (3/ 327) ، والنسائي في "الكبرى" - كما في "تحفة الأشراف" (2/ 379) -، وعزاه إليه الذهبي أيضاً في "سير أعلام النبلاء" (1/ 293) ؛ لكن ذكره بلفظ البيهقي الذي فيه ذكر جبريل، وكأنه من أوهامه؛ إذا صح ما في "التحفة"! وتبعه على الوهم المعلق عليه؛ فعزاه لأحمد والحاكم، وقد عرفت أن روايتهما كرواية النسائي!

وجملة القول: أن حديث الترجمة ضعيف عندي؛ للجهالة، والضعف الذي في بعض رواته، ومخالفة ابن إسحاق لابن الهاد في إسناده ومتنه.

وقد وجدت له طريقاً أخرى، ولكنها واهية أيضاً، فلا يستشهد بها؛ يرويه أبو قرة محمد بن حميد: حدثنا سعيد بن تليد: حدثنا محمد بن فضالة عن أبي طاهر عبد الملك بن محمد بن أبي بكر عن عمه عبد الله بن أبي بكر قال:

 

(11/741)

 

 

مات سعد بن معاذ من جرح أصابه يوم الخندق شهيداً، قال: فلبغني أن جبريل عليه السلام نزل في جنازته معتجراً.. الحديث مثله.

أخرجه ابن عبد البر في ترجمة (سعد بن معاذ) من "الاستيعاب".

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ فإنه مع كونه بلاغاً من عبد الله بن أبي بكر، وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري التابعي؛ فيما يظهر لي؛ فإن في الطريق إليه جمعاً لا يحتج بهم:

الأول: عبد الملك بن محمد بن أبي بكر - وهو الحزمي -؛ أورده البخاري في "التاريخ" (3/ 1/ 431) ، وابن أبي حاتم (2/ 2/ 369) من رواية ابن وهب عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ويحتمل عندي أنه الذي في "الميزان" و "اللسان":

"عبد الملك بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"ليس في القبلة وضوء".

وعنه بقية. قال الدارقطني: عبد الملك ضعيف".

قلت: وهو من طبقة الحزمي هذا، وحديثه في القبلة في "سنن الدارقطني" (1/ 136) معلقاً.

الثاني: محمد بن فضالة؛ لم أعرفه، ويحتمل - على بعد - أنه الذي في "الميزان" و "لسانه":

 

(11/742)

 

 

"محمد بن فضالة بن الصقر، شيخ شامي. حدث عن هشام بن عمار. قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر".

وإنما استبعدت أن يكون هو هذا؛ لأمرين:

الأول: أنه متقدم الطبقة على هذا.

والآخر: أني أخشى أن يكون اسم (محمد) محرفاً من (المفضل) ؛ فقد جاء في ترجمة (سعيد بن تليد) من "التهذيب" أنه روى عن المفضل بن فضالة، وهو المصري؛ فإن يكن هو؛ فهو ثقة. والله أعلم.

والثالث: أبو قرة محمد بن حميد - وهو ابن هشام الرعيني -؛ ذكره الحافظ المزي فيمن روى عن سعيد بن تليد، ولم أجد له ترجمة.

واعلم أن الكلام على هذا الحديث وإيراده هنا في هذا الكتاب؛ إنما هو من أجل ما فيه من ذكر جبريل واعتجاره بعمامة الإستبرق.

وإلا؛ فجملة: "اهتز العرش" منه صحيحة، جاءت من وجوه كثيرة متواترة؛ كما قال ابن عبد البر، والذهبي، وبعضها في "الصحيحين"، فانظر: ترجمة سعد في "سير النبلاء"، و "فتح الباري" (7/ 123-124) ، و "الصحيحة" (1288) ، و "الإرواء" (3/ 166-167) ، و "مختصر الشمائل" (31/ 16) ، و "الظلال" (1/ 247-248) .

5439 - (سئلت اليهود عن موسى؟ فأكثروا [فيه] وزادوا ونقصوا؛ حتى كفروا. وسئلت النصارى عن عيسى؟ فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا؛ حتى كفروا.

 

(11/743)

 

 

وإنه سيفشو عني أحاديث، فما أتاكم من حديثي؛ فأقرأوا كتاب الله واعتبروه، فما وافق كتاب الله؛ فأنا قلته، وما لم يوافق كتاب الله؛ فلم أقله) .

منكر

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 316/ 13224) : حدثنا علي بن سعيد الرازي: حدثنا الزبير بن محمد بن الزبير الرهاوي: حدثنا قتادة ابن الفضيل عن أبي حاضر عن الوضين عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم مسلسل بالعلل:

1- الوضين: هو ابن عطاء الدمشقي؛ قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق سيىء الحفظ، ورمي بالقدر. من السادسة".

2- أبو حاضر؛ أورده ابن أبي حاتم في "الكنى" (4/ 2/ 362) برواية قتادة بن الفضيل عنه، وقال عن أبيه:

"مجهول".

وكذا في "الميزان" و "اللسان".

ثم أوردوا ثلاثتهم في "الأسماء"، فقالوا - واللفظ للأول -:

"عبد الملك بن عبد ربه بن زيتون أبو حاضر. روى عن رجل عن ابن عباس. روى عنه عيسى بن يونس".

ونحوه في "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 1/ 424) ، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

 

(11/744)

 

 

وأما الذهبي؛ فقال:

"عبد الملك بن عبدربه الطائي عن خلف بن خليفة وغيره، منكر الحديث، وله عن الوليد بن مسلم خبر موضوع، وله عن شعيب بن صفوان"!

قلت: والظاهر أن هذا غير الذي ترجم له ابن أبي حاتم والبخاري؛ فإنه متأخر عنه، وليس هو - بالتالي - أبا حاضر هذا الذي روى عن الوضين؛ للسبب نفسه.

ولكن هل هو ابن زيتون أبو حاضر؟

صنيع ابن أبي حاتم يدل على الفرق بينهما؛ بترجمته لكل منهما.

وخالفه الحافظ المزي؛ فذكره في شيوخ قتادةة بن الفضيل، وفي الرواة عن الوضين: عبد الملك بن عبدربه أبو حاضر. فالله أعلم.

وقد تبعه على ذلك الهيثمي، فأعل الحديث به؛ فقال في "مجمع الزوائد" (1/ 170) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبدربه، وهو منكر الحديث"!

ولكنه لفق بين ما ذهب إليه المزي، وبين قول الذهبي في الطائي: "منكر الحديث". وقد عرفت أن أبا حاضر هذا غير الطائي، وأنه مجهول؛ كما قال أبو حاتم، وتبعه الذهبي والعسقلاني؛ فهو غير عبد الملك بن عبدربه الطائي الذي قال فيه الذهبي: "منكر الحديث". والله أعلم.

3- قتادة بن الفضيل؛ قال أبو حاتم:

 

(11/745)

 

 

"شيخ".

وذكره ابن حبان في "الثقات".

وروى عنه جمع، ومع ذلك قال فيه الحافظ:

"مقبول"! يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث.

4- الزبير بن محمد الرهاوي؛ قد ذكروه في الرواة عن قتادة بن الفضيل، ولكني لم أجد له ترجمة.

والشطر الثاني من الحديث؛ قد نص كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه من وضع الزنادقة، وقد ذكرت طرفاً منه في الرد على "منهاج الصالحين" للمدعو (عز الدين بليق) ، رقم الحديث (247) .

5440 - (يا معاذ! إذا كان في الشتاء؛ فغلس بالفجر، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم. وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر؛ فإن الليل قصير، والناس ينامون، فأمهلهم حتى يدركوا) .

موضوع

أخرجه أبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص 75 - النهضة) ، وعنه البغوي في "شرح السنة" (2/ 198/ 356) ، والديلمي في "مسنده" (3/ 282-283) من طريق يوسف بن أسباط: حدثنا المنهال بن الجراح عن عبادة ابن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال:

بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد موضوع، ومتن منكر، والمتهم به: المنهال بن الجراح - وهو

 

(11/746)

 

 

الجراح بن المنهال أبو العطوف -، قلب اسمه يوسف بن أسباط الضعيف وغيره. وقد أورده - أعني: الجراح هذا - ابن حبان في "الضعفاء"، وقال (1/ 218) :

"كنيته أبو العطوف، وبه يعرف، وكان رجل سوء؛ يشرب الخمر، ويكذب في الحديث". وقال الدارقطني:

"متروك".

وضعفه آخرون.

ثم إن الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة المتفقة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الفجر بغلس؛ وهي مخرجة في "الإرواء" (1/ 278-281) :

وقد تابعه على الشطر الأول منه محمد بن سعيد عن عبادة بن نسي به في حديث له طويل.

أخرجه ابن عساكر في "التاريخ" (10/ 618) .

ومحمد بن سعيد هذا: هو الشامي المصلوب في الزندقة، كذبوه. وقال ابن عساكر:

"وقد روي هذا من وجه آخر أتم من هذا، بإسناد أشبه منه".

ثم ساقه من طريق البغوي: حدثني السري بن يحيى أبو عبيدة التميمي: أخبرنا سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري السلمي - وكان فيمن بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمال اليمن -، فقال: ... فذكر الحديث بطوله، وفيه الحديث بشطريه.

 

(11/747)

 

 

وقد قال الحافظ في ترجمة (عبيد) هذا من "الإصابة":

"ذكره البغوي وغيره في الصحابة، وقال ابن السكن: يقال: له صحبة، ولم يصح إسناد حديثه.

وأخرج هو، والبغوي، والطبري من طريق سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد ... ".

قلت: فذكر طرفه الأول من الحديث الطويل.

وفي إسناد هؤلاء الثلاثة (سيف بن عمر) ، وليس له ذكر في رواية ابن عساكر عن البغوي؛ فإما أن يكون رواية أخرى للبغوي، لم تتيسر للحافظ، أو أنه لم يقف عليها، أو أن في إسنادها عند ابن عساكر شيئاً من الخطأ أو السقط. والله أعلم.

وعلى كل حال؛ ففي الإسناد عندهم جميعاً: (يوسف) والد (سهل) - وهو يوسف بن سهل (1) بن مالك الأنصاري -، كذا ساقه المزي في ترجمة (سيف بن عمر) ، وقد ذكر في شيوخه: ابنه هذا (سهلاً) ، وهو ثقة؛ بخلاف أبيه (يوسف بن سهل) ؛ فإني لم أجد له ترجمة فيما عندي من المراجع، حتى ولا في "ثقات ابن حبان"!

وأما (سيف بن عمر) ؛ فمعروف؛ لكنه متهم بالوضع؛ قال الذهبي في "المغني":

"له تواليف، متروك باتفاق".

__________

(1) في أصل الشيخ - رحمه الله -: " سهيل ". (الناشر)

 

(11/748)

 

 

بخلاف السري بن يحيى؛ فإنه صدوق؛ كما قال ابن أبي حاتم.

وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 302) .

5441 - (إن الله عز وجل يقول:

أنتقم ممن أبغض بمن أبغض، ثم أصير كلاً إلى النار) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم 3500 - بترقيمي) عن أحمد بن بكر البالسي قال: أخبرنا عروة بن مروان الرقي قال: أخبرنا معتمر بن سليمان عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن ابن المنكدر إلا الحجاج، ولا عن الحجاج إلا معتمر، تفرد به عروة بن مروان".

قلت: وهو ضعيف؛ قال الدارقطني:

"كان أمياً، ليس بالقوي في الحديث".

والحجاج بن أرطاة مدلس، وقد عنعنه.

والبالسي ضعيف؛ كما قال الدارقطني. وقال ابن عدي:

"روى مناكير عن الثقات". وأما الأزدي؛ فقال:

"كان يضع الحديث".

وفي مقابله ابن حبان؛ فإنه ذكره في "الثقات"؛ ولكنه قال:

"كان يخطىء".

 

(11/749)

 

 

وبه وحده أعله الهيثمي، فقال في "المجمع" (7/ 289) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أحمد بن بكر البالسي، وهو ضعيف"!

قلت: وإعلاله بمن فوقه ممن ذكرنا أولى؛ فإن كلام الطبراني يشعر أنه لم يتفرد به. والله أعلم.

5442 - (قال ربكم: ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات، ثلاث لي، وثلاث لك، وواحدة بيني وبينك: فأما التي لي؛ فـ (الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين) ، [والتي بيني وبينك] : (إياك نعبد وإياك نستعين) ؛ منك العبادة وعلي العون لك. وأما التي لك: (اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 6547 - بترقيمي) من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي ابن كعب قال:

قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتحة الكتاب؛ ثم قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته ابن أرقم هذا؛ فإنه متروك؛ كما قال الذهبي في "الكاشف"، والهيثمي في "المجمع" (2/ 112) ، وبه أعله.

ثم إن في متنه نكارة؛ فقد صح بلفظ:

"قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني

 

(11/750)

 

 

عبدي ... " الحديث. رواه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما" وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" (502) .

(تنبيه) : ما بين المعكوفتين سقط من الأصل، ويظهر أنه سقط قديم؛ فإنه كذلك في "المجمع" برواية "الأوسط"، وقد استدركته من "الدر المنثور" (1/ 6) ، و "الجامع الكبير" (1/ 599) ؛ لكن وقع فيه: (طب) ؛ أي: الطبراني في "الكبيرط! والظاهر أنه خطأ من الناسخ؛ فإنه ليس فيه.

5443 - (كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم، اللهم! اصرف [عني] شره. وفي رواية: شر فلان) .

منكر بزيادة الصرف

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص 103 - التازية) من طريق عبد الملك بن الخطاب بن عبيد الله بن أبي بكرة قال: حدثني راشد أبو محمد عن عبد الله بن الحارث قال: سمعت ابن عباس يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: راشد هذا - وهو ابن نجيح الحماني - قال أبو حاتم:

"صالح الحديث".

وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال:

"ربما أخطأ". ولخص هذا الحافظ، فقال:

"صدوق، ربما أخطأ".

 

(11/751)

 

 

والأخرى: عبد الملك بن الخطاب؛ ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن القطان:

"حاله مجهولة". وقال الحافظ في "التقريب":

"مقبول".

قلت: فهو العلة.

ولا يقويه أنه رواه الطبراني في "الكبير" (10/ 386/ 10772) عن خالد ابن يوسف السمتي: حدثنا أبي عن راشد بن نجيح (الأصل: ابن أبي نجيح!) به. والزيادة له؛ وكذا الرواية.

وهذا إسناد أشد ضعفاً من الذي قبله، وآفته يوسف هذا؛ فقال الذهبي في ترجمة ابنه خالد:

"أما أبوه فهالك، وأما هو فضعيف".

والحديث صحيح محفوظ من طريق أخرى عن ابن عباس به، دون قوله:

"اللهم! اصرف عني شره..".

فقد أخرجه البخاري (6346، 7426) ، وفي "المفرد" أيضاً؛ ومسلم (8/ 85) ، والترمذي (3431) - وصححه -، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (414/ 652-653) ، وابن ماجه (3883) ، والطيالسي (2651) ، وأحمد (1/ 228، 254، 339، 356) ، وابن أبي شيبة (10/ 196/ 9204) ، والطبراني في "الكبير" (12/ 158) وفي "الدعاء" (2/ 1274/ 1023،1024) من طريق أبي العالية عن ابن عباس به دون الزيادة.

 

(11/752)

 

 

فهي منكرة.

فيتعجب من الحافظ كيف سكت عليها في "الفتح" (11/ 147) ؛ وقد ذكرها من طريق "الأدب المفرد"؟! وزاد أحمد والطبراني والنسائي:

ثم يدعو.

وسنده صحيح.

5444 - (بينا أنا جالس؛ إذ جاء جبريل، فوكز بين كتفي، فقمت إلى شجرة مثل وكري الطير، فقعد في إحداهما، وقعدت في الأخرى، فسمت فارتفعت؛ حتى سدت الخافقين؛ وأنا أقلب بصري، ولو شئت أن أمس السماء لمسست، فنظرت إلى جبريل كأنه حلس لاطىء، فعرفت فضل علمه بالله علي، وفتح لي بابين من أبواب الجنة، ورأيت النور الأعظم، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت، فأوحى إلي ما شاء أن يوحي) .

ضعيف

أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 209-210- مكتبة الكليات الأزهرية) ، وابن سعد في "الطبقات" (1/ 171) ، والبزار في "مسنده" (1/ 47/ 58) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 99/ 59 - مجمع البحرين) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 316) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 109 - هندية) من طريق الحارث بن عبيد الإيادي عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال أبو نعيم مضعفاً:

"غريب، لم نكتبه إلا من حديث أبي عمران، تفرد به الحارث بن عبيد أبو قدامة".

 

(11/753)

 

 

قلت: قال الذهبي في "الكاشف":

"ليس بالقوي، وضعفه ابن معين". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يخطىء".

قلت: ولم يصرح أحد بتوثيقه.

ومع ذلك؛ رجح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله توثيقه، وقد رددت عليه في "شرح الطحاوية" (ص 348 - الطبعة السادسة) .

ومما يؤكد ضعفه: أنه خالفه حماد بن سلمة؛ فقال: أخبرنا أبو عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي - زاد بعضهم - عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أخرجه البيهقي هكذا بالزيادة، وعلقه قبيل ذلك بدونها. وهكذا رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 194) ، وكذا ابن المبارك في "الزهد"، والحسن بن سفيان في "مسنده" - كما في "اللسان" -، وقال:

"وجزم البخاري وابن أبي حاتم والعسكري وابن حبان [يعني في "الثقات" (3/ 234) ] بأنه مرسل".

وذكره نحوه في ترجمة محمد بن عمير هذا من "الإصابة"، وقال:

"قال ابن منده: ذكر في الصحابة، ولا يعرف له صحبة ولا رؤية". ثم قال الحافظ:

"وأما أبوه: فلا أدري هل له إدراك أم لا؟ فإني لم أجد أحداً ممن صنف في الصحابة ذكره، وأخلق به أن يكون أدرك العهد النبوي"!

 

(11/754)

 

 

وأقول: نعم؛ لو صح ذكره في الإسناد؛ ولكن الظاهر أنه شاذ لا يصح؛ كما يشعر بذلك إعلال الأئمة إياه بالإرسال، وعدم ذكره في روايتهم - إلا البيهقي - على ما في ثبوتها في كتابه من الشك كما سبقت الإشارة إليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

5445 - (اعمم ولا تخص؛ فإن بين الخصوص والعموم كما بين السماء والأرض) .

ضعيف

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (2/ 1/ 14) من طريق الدارقطني عن محمد بن إسماعيل الصائغ عن علي بن جرير الخراساني عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال:

مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول: اللهم! ارحمني، فضرب بيده بين كتفي فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون؛ مترجمون في "التهذيب"؛ غير علي بن جرير الخراساني؛ والظاهر أنه الذي في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 178) :

"علي بن جرير الباوردي، روى عنه.. (بياض) . سئل أبي عنه؟ فقال: صدوق".

فإن (الباوردي) نسبة إلى (أبيورد) ؛ وهو بلد بـ (خراسان) ، كما في "معجم البلدان" وغيره، ولم أجد له ترجمة في غير المصدر المذكور، وهي غير كافية؛ لجهالة من روى عنه، فهو شبه المجهول عندي، لا سيما وقد خولف في إسناده.

 

(11/755)

 

 

فأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 130) من طريق العيشي: حدثنا حماد بن سلمة: حدثنا ثابت عن عمرو بن شعيب:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد خرج لصلاة الفجر؛ وعلي يقول: اللهم! اغفر لي وارحمني، اللهم! تب علي. فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - على منكبه، وقال: ... فذكره، دون قوله:

"ولا تخص".

وكذا رواه أبو داود في "المراسيل"؛ كما ذكره البيهقي عقبه، وهو في النسخة المطبوعة من "المراسيل" (ص 11-12) ؛ لكنها مختصرة من الأسانيد وبعض المتون؛ كما تبين لنا بالمراجعة، فلم نعرف هل هو من طريق العيشي هذا أم غيره؟!

وبالجملة؛ فالصواب في الحديث أنه مرسل عمرو بن شعيب، أخطأ الخراساني في وصله عن علي؛ لأن العيشي - وهو عبيد الله بن محمد - ثقة اتفاقاً.

ثم إن المتن منكر مخالف لكثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أدعيته؛ فإنها بصيغة الإفراد، حتى في الصلاة. ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - بين السجدتين:

"اللهم! اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارفعني، واهدني، وارزقني".

انظر كتابي "صفة الصلاة"، والرد على (عز الدين بليق) ؛ وقد أورد هذا الحديث في كتابه الذي سماه "منهاج الصالحين"! وإنما هو منهاجه هو؛ لجهله

 

(11/756)

 

 

بالشريعة، وكثرة الأحاديث الضعيفة فيه والموضوعة والمنكرة، وقد جاوزت الأربع مئة حديث في ردي المشار إليه، وهذا منها برقم (168) .

وقد أورده السيوطي في "الجامع الكبير" (1/ 124) من رواية الديلمي وأبي داود والبيهقي مرفوعاً.

ثم ذكره (3/ 160) في مسند علي من رواية الديلمي كما تقدم! ومعلوم أن ما عزاه إليه ضعيف، يكفي، مجرد العزو إليه عن بيان ضعفه؛ كما نص عليه في المقدمة.

5446 - (دثر مكان البيت، فلم يحج هود ولا صالح؛ حتى بوأه الله لإبراهيم) .

ضعيف جداً

أخرجه أبو إسحاق الحربي في "المناسك" (ص 482) من طريق إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: دثر ... إلخ. قال عروة: قلت لعائشة: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: عن رسول الله.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ إبراهيم وأبوه محمد متروكان، مترجمان في "الميزان"، و "اللسان"، وغيرهما.

ومحمد هذا: هو الذي بمشورته جلد الإمام مالك؛ كما هو مصرح به في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 1/ 167) ، و"الصغير" أيضاً (ص 190) ، و"الضعفاء" لابن حبان (2/ 264) وغيرها.

لكن وقع مثله في ترجمة ابنه إبراهيم من "الميزان" و "اللسان"!

 

(11/757)

 

 

فالظاهر أنه خطأ. والله أعلم.

والحديث؛ أورده الذهبي - ثم العسقلاني - في مناكير إبراهيم هذا.

5447 - (لا تكن فتاناً، ولا مختالاً، ولا تاجراً إلا تاجر خير؛ فإن أولئك المسبوقون في العمل) .

ضعيف

أخرجه الطيالسي في "مسنده" (رقم 96) : حدثنا شعبة عن الحكم عن رجل من أهل البصرة - ويكنونه أهل البصرة: أبو المودع، وأهل الكوفة يكنونه بـ:أبي محمد، وكان من هذيل - عن علي بن أبي طالب مرفوعاً به. وفيه قصة.

وأخرجه أحمد (1/ 87) من طريقين آخرين عن شعبة به؛ إلا أنه قال في الطريق الأخرى منهما: (مورع) - بالراء - بدل (مودع) - بالراء أيضاً -.

وكذلك أعاده أحمد (1/ 139) من الطريق الأخرى.

ثم رواه عبد الله من طريق حجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن أبي محمد الهذلي عن علي.

قلت: وأبو محمد هذا - أو أبو المودع، أو أبو المورع، وقيل: أبو المروع -؛ قال الحسيني:

"مجهول"؛ كما في "التعجيل"؛ وقال الذهبي في كنيته الأولى والثالثة:

 

(11/758)

 

 

"لا يعرف".

قلت: وذلك؛ لأنه لم يرو عنه غير الحكم بن عتيبة.

وأما قول الهيثمي في "المجمع" (5/ 173) - بعدما عزاه لأحمد وابنه -:

"ولم أجد من وثقه، وقد روى عنه جماعة".

فهو خطأ، قلده فيه الشيخ المناوي في "الجامع الأزهر" (3/ 107/ 1) ؛ يتبين ذلك لكل من رجع إلى ترجمته في "تعجيل المنفعة".

هذا؛ ويغلب على ظني أنه ثعلبة بن يزيد المترجم في "التهذيب"؛ فقد رأيت الحديث في "طبقات الأصبهانيين" لأبي الشيخ (ص 233- ظاهرية) من طريق أبان بن تغلب عن الحكم بن عتيبة عن ثعلبة بن يزيد عن علي بن أبي طالب به دون الاستثناء.

وكذا رواه الطحاوي في "المشكل" (3/ 15) بالاستثناء.

ويؤيد ذلك: أن ثعلبة هذا كوفي يروي عن علي، وعنه الحكم وغيره؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 207) :

"كان غالياً في التشيع، لا يحتج بأخباره التي ينفرد بها عن علي".

ثم تناقض فأورده في "الثقات" (4/ 98 - دائرة المعارف) من روايته عن علي، وعنه حبيب بن أبي ثابت! وقال الحافظ المزي في "التهذيب" (4/ 399 - الرسالة) :

"قال البخاري: في حديثه نظر، لا يتابع في حديثه. روى له النسائي في

 

(11/759)

 

 

"مسند علي" وقال: ثقة".

واعلم أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله قد حسن إسناد الحديث في تعليقه على "المسند" (2/ 69) ؛ مع أنه نقل قول الذهبي المتقدم في أبي محمد:

"لا يعرف"! ولكنه عقب عليه بقوله:

"وأنا أرى أن التابعين على الستر والثقة حتى نجد خلافهما"!!

قلت: وعلى هذا جرى في كثير من أحاديث "المسند"! وهو توسع غير محمود عندي؛ لأن النفس لا تطمئن لكون التابعي أياً كان على الستر والثقة؛ لأننا نخشى في روايته غير اتهامه في نفسه، وهو احتمال أن يكون ضعيفاً في حفظه، فلو أنه اشترط إلى ذلك أن يكون معروفاً برواية جمع من الثقات عنه، ولم يتبين في حديثه ما يضعف به من الخطأ والمخالفة للثقات؛ لكان مقبولاً. والله أعلم.

ثم رأيت الحديث قد أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 39/ 90) من طريق أبان بن تغلب به؛ إلا أنه قال: ثعلبة بن يزيد، أو يزيد بن ثعلبة ... وذكر الاستثناء، ثم قال:

"وهذا خبر - عندنا - صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح، وذلك؛ أنه خبر لا يعرف لبعض ما فيه مخرج عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصح إلا من هذا الوجه. وأخرى: أن في إسناده شكاً فيمن حدث عن علي رحمة الله عليه؛ أثعلبة بن يزيد هو أم يزيد بن ثعلبة؟ والثالثة: أن الذي فيه من ذكر (التاجر) إنما روي عن علي موقوفاً عليه من كلامه غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبخلاف اللفظ الذي فيه"!

 

(11/760)

 

 

ثم ساق عدة روايات موقوفة على علي رضي الله عنه، وأتبعها بقوله:

"وقد وافق علياً رحمة الله عليه في روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذم التجارة جماعة من الصحابة، نذكر ما صح عندنا من ذلك سنده".

ثم ساق عدة أحاديث في أن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق، ونحو ذلك، وبعضها مخرج في "الصحيحة" (366) .

ولكن إن كان هذا يشهد لما في حديث الترجمة من ذكر التاجر؛ فإنه لم يجب عن الأمر الآخر الذي أورده هو على نفسه؛ وهو الشك في الراوي عن علي: ثعلبة ابن يزيد أو العكس؟! فإن كان الأول؛ فقد عرفت البخاري وغيره فيه، وإن كان الآخر فمن هو؟ ولا نعلم في الرواة من يسمى يزيد بن ثعلبة.

ولا يخفى أن الطبري رحمه الله لا تتم دعواه إلا بعد أن يجيب عن الشك المذكور بترجيح أحد طرفيه، ثم بيان أن الذي رجحه ثقة عند المحدثين! وهذا ما لم يفعله، فنحن على الضعف الذي ظهر لنا، حتى يتبين لنا ما يضطرنا إلى الانتقال إلى ما ذهب إليه الإمام الطبري من الصحة. والله أعلم.

(تنبيه) : قوله: "المسبوقون"! كذا في رواية الطيالسي وأحمد في الموضع الأول. وفي الرواية الأخرى له وابنه عبد الله:

"المسوفون"؛ وكذا في رواية ثعلبة عند الطحاوي؛ خلافاً لرواية الطبري عنه؛ فإنها باللفظ الأول.

وهذا الاختلاف مما قد يزيد في ضعف الحديث؛ لأنه يدل على أن راويه لم يضبطه. والعلم عند الله تعالى.

 

(11/761)

 

 

5448 - ((يمحو الله ما يشاء) ؛ إلا الشقاوة، والسعادة، والحياة، والموت) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 9626 - مصورتي) من طريق محمد بن جابر عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن ابن أبي ليلى إلا محمد بن جابر، ولا رواه عن نافع إلا ابن أبي ليلى".

قلت: وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي الفقيه، وهو صدوق سيىء الحفظ جداً؛ كما قال الحافظ في "التقريب".

ونحوه الراوي عنه: محمد بن جابر - وهو الحنفي اليمامي -؛ قال الحافظ أيضاً:

"صدوق، ذهبت كتبه؛ فساء حفظه وخلط كثيراً، وعمي فصار يلقن، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة".

وبه وحده أعله الهيثمي، فقال في "المجمع" (7/ 43) :

"وهو ضعيف من غير تعمد كذب".

ولذلك؛ جزم السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 66) بأن سنده ضعيف، وعزاه لابن مردويه أيضاً.

وتبعه على ذلك الشوكاني في "فتح القدير" (3/ 85) .

 

(11/762)

 

 

ويحتمل عندي احتمالاً قوياً أن أصل الحديث الموقوف على ابن عباس؛ أخطأ في إسناده ورفعه: محمد بن جابر عن ابن أبي ليلى؛ فقد خالفه سفيان وغيره من الثقات فرووه عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به موقوفاً.

أخرجه ابن جرير في "التفسير" (16/ 478 - شاكر) . ونسبه السيوطي لعبد الرزاق أيضاً، والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "الشعب".

وقد رواه ابن جرير عن مجاهد أيضاً مقطوعاً. وسنده صحيح.

وكأنه تلقاه عن ابن عباس رضي الله عنه فإنه من تلامذته.

وثبت خلافه عن عمر وغيره، فروى ابن جرير (16/ 181-182) من طريق أبي حكيمة عن أبي عثمان النهدي:

أن عمر بن الخطاب قال - وهو يطوف بالبيت ويبكي -: اللهم! إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنباً؛ فامحه؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة.

ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 63) في ترجمة عصمة أبي حكيمة هذا. وقد قال فيه ابن أبي حاتم (3/ 2/ 20) عن أبيه:

"محله الصدق".

وذكره ابن حبان في "الثقات".

والظاهر أنه قد توبع؛ فقد رواه ابن جرير من طريق معتمر عن أبيه عن أبي حكيمة عن أبي عثمان، وأحسبني قد سمعته من أبي عثمان مثله.

 

(11/763)

 

 

وأبو المعتمر: اسمه سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة من رجال الشيخين.

ثم روى ابن جرير من طريق شريك عن هلال بن حميد عن عبد الله بن عكيم عن عبد الله أنه كان يقول:

اللهم! إن كنت كتبتني في السعداء؛ فأثبتني في السعداء؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب.

ورجاله ثقات؛ لولا ضعف حفظ شريك؛ لكنه يتقوى بطريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول:

اللهم! إن كنت كتبتني في أهل الشقاوة؛ فامحني، وأثبتني في أهل السعادة.

رواه ابن جرير، والطبراني في "الكبير" (8847) .

ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا قلابة لم يدرك ابن مسعود؛ كما قال الهيثمي (10/ 185) ، ولكنه شاهد قوي للطريق الموصولة قبله. والله أعلم.

ولعل الواسطة بينهما أبو وائل شقيق بن سلمة؛ فقد روى الأعمش عنه:

أنه كان يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات.

رواه ابن جرير بسند صحيح عنه.

وكان أبو وائل من أعلم أهل الكوفة بحديث ابن مسعود.

واعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد) : (لكل

 

(11/764)

 

 

أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) على أقوال كثيرة، استوعبها الشوكاني في "الفتح"، وذكر بعضها ابن جرير، ثم ابن كثير، واختار هذا ما هو أقرب للسياق؛ فقال:

"أي: لكل كتاب أجل، يعني: لكل كتاب أنزله الله من السماء مدة مضروبة عند الله، ومقدار معين، فلهذا: (يمحو الله ما يشاء) : منها: (ويثبت) ؛ يعني: حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه".

فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة أو في الشريعة المحمدية، ينسخ منها ما يشاء، ويثبت ما يشاء.

وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس: (يمحو الله ما يشاء) ، قال:

من القرآن؛ يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. (وعنده أم الكتاب) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ، وما يبدل، كل ذلك في كتاب.

وقد وجدت ما يقويه من رواية عكرمة عن ابن عباس، من وجهين عن عكرمة:

الأول: رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس؛ في قوله:

(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) ، وقال: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ... ) الآية، وقال: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ؛ فأول ما نسخ من القرآن القبلة ... الحديث.

 

(11/765)

 

 

رواه النسائي أواخر "الطلاق"، وأبو داود مختصراً.

وإسناده حسن؛ كما هو مبين في "الإرواء" (7/ 161/ 2080) .

والآخر: رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ في قول الله عز وجل:

(يمحو الله ما يشاء) ، قال: من أحد الكتابين؛ هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت. (وعنده أم الكتاب) ؛ أي: جملة الكتاب.

رواه ابن جرير (16/ 480،481) ، والحاكم (2/ 349) . وقال:

"صحيح غريب". ووافقه الذهبي.

قلت: وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق علي عن ابن عباس:

(وعنده أم الكتاب) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب؛ الناسخ والمنسوخ،، وما يبدل وما يثبت، كل ذلك في كتاب.

وفي سنده انقطاع وضعف.

ثم اعلم أنه - وإن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية؛ كما تقدم -؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك؛ كمثل قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر"؛ وهو حديث حسن مخرج في "الصحيحة" (154) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق:

 

(11/766)

 

 

في آجله) ؛ فليصل رحمه". متفق عليه، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (276) .

وقد صح عن ابن عباس أنه قال:

لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.

أخرجه الحاكم (2/ 350) . وقال:

"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.

إذا عرفت ما تقدم؛ فاعلم أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق، وأما القضاء المبرم المطابق للعلم الإلهي؛ فلا محو ولا تغيير، كما كنت شرحت ذلك في تعليقي على "مختصر مسلم" للمنذري (ص 470) ؛ فراجعه فإنه هام!

ثم رأيت القرطبي قد أشار إلى ذلك في تفسيره "الجامع"، فقال (5/ 332) :

"والعقيدة: أنه لا تبديل لقضاء الله، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت -، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو - والله أعلم. قال الغزنوي (1) :

وعندي: أن ما في اللوح خرج عن الغيب؛ لإحاطة بعض الملائكة، فيحتمل التبديل؛ لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال، وما في علمه من تقدير الأشياء

__________

(1) قلت: الظاهر أنه عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي، الملقب بـ (تاج الشريعة) ، فقيه حنفي مفسر، له " تفسير التفسير "، أبدع فيه؛ كما قال غير واحد، توفي سنة (582) ؛ كما في " الأعلام ".

 

(11/767)

 

 

لا يبدل".

وإذا عرفت هذا؛ سهل عليك فهم كثير من النصوص المرفوعة والآثار الموقوفة، وقد تقدم بعضها، وتخلصت من الوقوع في تأويلها. والله الهادي.

ثم وقفت على كلام جيد لشيخ الإسلام ابن تيمية، يؤيده ما ذهبت إليه في "مجموع الفتاوى" (8/ 516-518،540،541) و (14/ 488-492) ، فراجعه؛ فإنه مهم!

5449 - ((يمحو الله ما يشاء ويثبت) ؛ قال: يمحو من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه) .

ضعيف جداً

رواه ابن سعد في "الطبقات" (3/ 574) : أخبرنا عفان ابن مسلم قال: أخبرنا همام بن يحيى عن الكلبي في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) قال: ... فذكره. فقلت: من حدثك؟ قال: حدثني أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ورواه ابن جرير (16/ 484-485) من طريق أخرى عن عفان به.

وهذا إسناد ضعيف جداً، إن لم يكن موضوعاً؛ آفته الكلبي هذا؛ فإنه سبئي متهم بالكذب، بل قد اعترف هو بذلك.

فروى ابن حبان (2/ 254) : أخبرنا عبد الملك بن محمد قال: حدثنا عمر ابن شبة قال: حدثنا أبو عاصم قال: قال لي سفيان الثوري: قال لي الكلبي:

ما سمعته مني عن أبي صالح عن ابن عباس؛ فهو كذب.

 

(11/768)

 

 

ورجال هذا الإسناد ثقات؛ على ضعف في عبد الملك هذا - وهو الرقاشي -، وليس لفظه صريحاً بالاعتراف المذكور، لا سيما وقد رواه ابن أبي حاتم (3/ 271) :أخبرنا عمر بن شبة بلفظ: زعم لي سفيان الثوري قال: قال لنا الكلبي:

ما حدثت (1) عني عن أبي صالح عن ابن عباس؛ فهو كذب؛ فلا تروه.

وهذا إسناد صحيح؛ فهو يحتمل أن الكذب من أبي صالح؛ وهو المسمى (باذام) أو (باذان) مولى أم هانىء وهو صاحب التفسير الذي رواه عن ابن عباس، ورواه عنه الكلبي هذا؛ كما في "طبقات ابن سعد" (6/ 296) ، وهو ضعيف، أو أشد. انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم 225) ، فكأن الكلبي يتهم بذلك أبا صالح نفسه! ويرجح هذا رواية أخرى عند ابن حبان أيضاً (2/ 255) بإسناده المتقدم بلفظ:

.. عن سفيان قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك فهو كذب.

ويقويه رواية يحيى بن سعيد عن سفيان قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل شيء حدثتك؛ فهو كذب.

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 101) : قال لنا علي: حدثنا يحيى بن سعيد.

وكذلك رواه في "التاريخ الصغير" (ص 158) .

وهذا إسناد صحيح غاية؛ فهو أصح من الأول، لا سيما والرواية الأخرى منه

__________

(1) كذا الأصل! وفي " تهذيب ابن حجر " عن ابن أبي حاتم: " عن "، ولعله الصواب. (الناشر)

 

(11/769)

 

 

بمعناه؛ فهو المعتمد.

وقد سقط من رواية "الميزان" (تحقيق البجاوي) قوله: "قال لي أبو صالح"؛ فصارت العبارة فيه:

كل ما حدثتك عن أبي صالح؛ فهو كذب!

والخلاصة: أن القائل: "كل شيء حدثتك فهو كذب"؛ إنما هو أبو صالح؛ وليس هو الكلبي، وإنما هو الراوي لذلك عن أبي صالح، ولذلك؛ حذر من التحديث بذلك بقوله للثوري:

فلا تروه.

ومن البداهة في مكان: أن أبا صالح - على ضعفه - لا يدان بذلك؛ لوهاء الكلبي؛ فتنبه، ولا تتورط بما وقع في "الميزان"؛ كما وقع لي فيما تقدم من الكلام على الحديث (111) من هذه "السلسلة"، والمعصوم من عصمه الله تعالى!

وجملة القول: أن حديث الترجمة ضعيف جداً؛ لأن مداره على الكلبي عن أبي صالح، وقد عرفت وهاءهما الشديد. ولهذا؛ لم يحسن السيوطي بسكوته على الحديث في "الدر المنثور" (4/ 66) ؛ لا سيما وقد وقع فيه:

... عن الكلبي رضي الله عنه! فأوهم أن الكلبي صحابي! وإنما هو من صغار التابعين، والترضي خاص بالصحابة عرفاً. وأما أتباعهم فيترحم عليهم؛ وما أدري إذا كان الكلبي السبئي يستحق الترحم عليه؟!

(تنبيه) : قد ذكر أبو السعود في "تفسيره" من الأقوال التي قيلت في تفسير

 

(11/770)

 

 

آية (يمحو الله ما يشاء ... ) قول:

"يمحو الأجل أو السعادة والشقاوة"، ثم قال:

"وبه قال ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم، والقائلون به يتضرعون إلى الله أن يجعلهم سعداء، وهذا رواه جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام"!!

ففيه ثلاثة أخطاء:

الأول: قوله: "وابن عمر"! . صوابه "عمر"؛ كما تقدم في الحديث الذي قبله.

الثاني: قوله: "رواه جابر"؛ فليس لجابر إلا حديث الترجمة.

الثالث: أطلق العزو لجابر؛ فأوهم أنه جابر بن عبد الله بن عمرو - لأنه المتبادر عند الإطلاق -، وليس به، وإنما هو جابر بن عبد الله بن رئاب كما تقدم، وكلاهما أنصاري؛ فتنبه!

5450 - (يا أبا بكر! برد أمرنا وصلح) (1) .

ضعيف جداً

رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (ص 21 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 73) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 28/ 2) ، والخطابي في "غريب الحديث" (ق 33/ 1- ظاهرية و 1/ 180-181- جامعة أو القرى) عن الحسين بن حريث: حدثنا أوس ابن عبد الله بن بريدة: حدثني الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " مضى برقم (4112) ". (الناشر)

 

(11/771)

 

 

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توجه نحو المدينة؛ خرج بريدة الأسلمي في سبعين راكباً من أهل بيته من بني سهم، فيتلقى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ليلاً. فقال له:

"من أنت؟ ". قال: بريدة. فالتفت إلى أبي بكر، وقال:

"يا أبا بكر! برد أمرنا وصلح". ثم قال:

"ممن؟ ". قال: من أسلم. قال لأبي بكر: "سلمنا". ثم قال:

"ممن؟ ". قال: من بني سهم. قال:

"خرج سهمك".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أوس هذا متروك؛ كما قال الدارقطني. ونحوه قول البخاري:

"فيه نظر".

وله طريق أخرى، ولكنها واهية أيضاً؛ لأنها من رواية عبد العزيز بن عمران: حدثنا أفلح بن سعيد عن سليمان بن فروة عن أبيه عن بريدة الأسلمي به مختصراً؛ قال:

لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مهاجره؛ لقي ركباً، فقال:

"يا أبا بكر! سل القوم ممن هم؟ ". قالوا: من أسلم. قال:

"سلمت يا أبا بكر! سلهم من أي أسلم؟ ". قالوا: من بني سهم. قال:

"ارم بسهمك يا أبا بكر! ".

 

(11/772)

 

 

أخرجه البزار في "مسنده" (2/ 301-302- كشف الأستار) ، وقال:

"لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا نعلم له إلا هذا الطريق"!

كذا قال! والطريق الأولى ترد عليه. وقد أعل هذه الهيثمي في "المجمع" (6/ 55) بقوله:

"وعبد العزيز بن عمران الزهري متروك".

(تنبيه) : كان الداعي إلى تخريج الحديث: أنني شرعت قريباً في أواسط شهر الله المحرم سنة (1404) في اختصار كتاب ابن قيم الجوزية: "تحفة المودود في أحكام المولود"، فمر بي هذا الحديث، وقد عزاه في موضع لابن أبي خيثمة، وفي آخر لأبي عمر بن عبد البر في "الاستذكار"؛ ساكتاً عليه فيهما، فتذكرت أن شيخه ابن تيمية كان قد ذكر طرفاً منه في كتابه "الكلم الطيب" الذي كنت حققته وخرجت أحاديثه، ثم طبعته سنة (1385) في المكتب الإسلامي، ذكره مع أحاديث أخرى (ص 125-127) قائلاً:

"هذه الأحاديث في (الصحاح) ".

فعلقت عليه يومئذ بأنني لم أعثر عليه، وأبديت شكي في كونه في "الصحاح"! والآن تأكدت من خطأ عزوه إليها، وتبينت أن إسناد الحديث ضعيف جداً: والله تعالى هو الموفق الهادي.

واعلم أن ابن أبي خيثمة: هو الحافظ أحمد بن زهير بن حرب النسائي البغدادي صاحب "التاريخ الكبير"، فالظاهر أن ابن القيم منه نقله، ومن طريقه: أخرجه ابن عبد البر في "الاستذكار"؛ فقد رأيته أخرجه في "الاستيعاب" أيضاً في ترجمة بريدة بن الحصيب رضي الله عنه من رواية قاسم بن أصبغ قال:

 

(11/773)

 

 

أخبرنا أحمد بن زهير: قال: أخبرنا حسين بن حريث عن الحسين بن واقد به، وزاد في أوله:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتطير، ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكباً ...

وهكذا أورده ابن القيم أيضاً في "مفتاح دار السعادة" - من رواية "الاستذكار" -:

"الحسين بن حريث عن الحسين بن واقد"؛ ليس بينهما (أوس بن عبد الله) المتروك! وكأنه سقط من بعض النساخ، بدليل أنه زاد فيه - أعني: "الاستذكار" - عقب الحديث:

"قال أحمد بن زهير: قال لنا أبو عمار [قلت: هو الحسين بن حريث] : سمعت أوساً يحدث هذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن بريدة، فأعدت ثلاثاً: من حدثك؟ قال: سهل أخي".

قلت: فهذا صريح في أن ابن حريث سمع الحديث أولاً من أوس يحدث به عن ابن واقد، ثم سمعه بعد منه عن أخيه سهل بن عبد الله، وهو متروك أيضاً.

فهذا يدلنا على أمرين:

الأول: أن مدار الحديث عند ابن عبد البر في كتابيه على أوس.

والآخر: أن أوساً كان يضطرب في إسناده: فمرة يرويه عن ابن واقد - وهو صدوق -، وأخرى عن أخيه سهل المتروك.

ويؤيد الأول: أن السيوطي أورد الزيادة التي عند ابن عبد البر في كتابه "الجامع الصغير" من رواية الحكيم، والبغوي عن بريدة.

 

(11/774)

 

 

فقال المناوي في "شرحه" عليه:

"ورواه عنه قاسم بن أصبغ، وسكت عليه عبد الحق مصححاً له. قال ابن القطان: وما مثله يصحح؛ فإن فيه أوس بن عبد الله بن بريدة، منكر الحديث".

وقد عرفت أن الحديث عند ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ؛ ففيه إذن أوس بن عبد الله؛ وهو متروك.

وقد خفي هذا على محقق "الوابل الصيب" لابن القيم - الشيخ إسماعيل الأنصاري -؛ فإنه مع كونه لم يفصح عن درجته؛ خلافاً لما نص عليه في مقدمته؛ فإنه تكلف جداً في تأويل عزو ابن تيمية الحديث هذا لـ "الصحاح" كما تقدم، وقد تبعه ابن القيم في "الوابل"! بل وأوهم الشيخ القراء بأنه صحيح، فقال:

"فيمكن أن يكون مرادهما بكونه في "الصحاح": أنه في الأحاديث الصحيحة؛ لأن عبارة "في الصحيح" قد تطلق على الصحيح المقابل للحسن والضعيف، كما تطلق على ما في بعض الكتب التي التزم مؤلفوها فيها الصحة"!!

قلت: الإطلاق الآخر هو المتبادر والمعروف عند علماء الحديث.

وأما الأول؛ فغير معهود إلا نادراً جداً، ولقرينة قوية، وإلا؛ كان تدليساً وتضليلاً، وليس هنا في كلام الشيخين أية قرينة، بل القرينة فيه تؤكد أنه بالمعنى المعروف؛ فإن الأحاديث التي أورداها في فصل "الفأل والطيرة"، كلها في "الصحاح" بالمعنى المعهود؛ فهذا يبعد أن يكونا أراد بذلك المعنى النادر.

ثم هب أن هذا هو المراد؛ فهل الحديث صحيح الإسناد، حتى يؤول كلامهما بذاك التكلف البارد؟! نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصدع بالحق، وأن لا تأخذنا في

 

(11/775)

 

 

ذلك لومة لائم، ولا جلالة عالم.

ثم إن مما يؤكد ضعف هذا الحديث: أن أوس بن عبد الله قد خالفه في متنه قتادة - الإمام الثقة - فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً بلفظ آخر، تراه مخرجاً في الكتاب الآخر: "الصحيحة" (762) ، فليراجعه من شاء.

5451 - (إنه سيولد لك بعدي ولد، فسمه باسمي وكنه بكنيتي. قاله لعلي) .

منكر بهذا اللفظ

أورده ابن القيم في "تحفة المودود" (ص 83-84- الهندية العربية) ساكتاً عليه، فقال: وقال ابن أبي خثيمة في "تاريخه": حدثنا ابن الأصبهاني: حدثنا علي بن هاشم عن فطر عن منذر عن ابن الحنفية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، وزاد:

فكانت رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي.

قلت: ورجاله ثقات؛ على كلام في علي بن هاشم - وهو ابن البريد -، وهو صدوق، ولكنه شيعي، وقد تكلم بعضهم فيه من قبل حفظه، فقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 110) :

"كان غالياً في التشيع؛ مم يروي المناكير عن المشاهير؛ حتى كثر ذلك في رواياته، مع ما يقلب من الأسانيد".

وجرى على ظاهر إسناده: الأخ عبد القادر أرناؤوط؛ فقال في تعليقه على "التحفة" (ص 143 - دار البيان) :

"وإسناده حسن"!

 

(11/776)

 

 

فلم يتنبه لكون ابن البريد قد خالفه الثقات في لفظه، على ما فيه من ضعف في حفظه كما تقدم، وهم:

1- أبو أسامة حماد بن أسامة؛ قال: عن فطر به، ولفظه:

قال علي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن ولد لي غلام بعدك؛ أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال:

"نعم".

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 668) : حدثنا أبو أسامة به.

ومن طريقه: أخرجه أبو داود (4967) ، وعن هذا البيهقي (9/ 309) .

2- وكيع بن الجراح؛ قال: حدثنا فطر به، وزاد:

فكانت رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي.

أخرجه أحمد (1/ 95) : حدثنا وكيع به.

3 و 4- قال ابن سعد في "الطبقات" (5/ 91) : أخبرنا الفضل بن دكين وإسحاق بن يوسف الأزرق قالا: حدثنا فطر بن خليفة به.

والفضل بن دكين: كنيته أبو نعيم.

ومن طريقه: أخرجه البيهقي، وكذا الحاكم (4/ 478) ، وقال:

"صحيح على شرط الشيخين"! ووافقه الذهبي.

وأقول: إنما هو على شرط البخاري وحده؛ فإن فطر بن خليفة لم يخرج له

 

(11/777)

 

 

مسلم شيئاً؛ علي أن البخاري روى له مقروناً.

5- أبو غسان؛ قرنه الحاكم بأبي نعيم.

6- يحيى بن سعيد القطان: حدثنا فطر بن خليفة به.

أخرجه الترمذي (2846) ، وقال:

"هذا حديث صحيح".

7- إبراهيم؛ وهو ابن موسى، أبو إسحاق الفراء الرازي.

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (843) .

قلت: فهؤلاء سبعة ثقات حفاظ قد خالفوا علي بن هاشم في لفظه؛ فلم يرفعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلوأن واحداً منهم فقط خالفه؛ لكان كافياً في الحكم على لفظه بالنكارة، فكيف بهم مجتمعين؟!

وإنما يقع المرء في مثل هذا الخطأ: من فوقه عند الظاهر السند، دون إفراغ الجهد في تتبع الطرق والأسانيد والألفاظ، والنظر فيها بعين الناقد البصير! وهذا ما يفعله الجم الغفير من المشتغلين بالتخريج في العصر الحاضر، بل وفيما قبله أيضاً.

واعلم أن الزيادة المتقدمة قد اتفق من ذكرنا من الثقات على ذكرها في الحديث دون الأول منهم، وهي صريحة في أنها رخصة خاصة بعلي رضي الله عنه، فلا يعارضها قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي". متفق عليه. وقد قال الحافظ في "الفتح" (10/ 573) :

 

(11/778)

 

 

"روينا هذه الرخصة في "أمالي الجوهري". وأخرجها ابن عساكر في الترجمة النبوية من طريقه، وسندها قوي".

وقد عزا الحديث لابن ماجه أيضاً، وهو وهم! وتقوية الحافظ لسند الحديث فيه إشعار بأنه لم يرتض إعلال البيهقي إياه بالانقطاع. وقد رد عليه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بما يوضح أن لا انقطاع فيه.

فإن قال قائل: ألا يقوي حديث الترجمة ما رواه ابن سعد (5/ 91-92) : أخبرنا محمد بن الصلت وخالد بن مخلد قالا: حدثنا الربيع بن المنذر الثوري عن أبيه قال:

وقع بين علي وطلحة كلام، فقال له طلحة: لا كجرأتك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! سميت باسمه، وكنيت بكنيته، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمعهما أحد من أمته بعده؟ فقال علي: إن الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله، اذهب يا فلان! فادع فلاناً وفلاناً - لنفر من قريش -، قال: فجاءوا فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"إنه سيولد لك بعدي غلام، فقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا تحل لأحد من أمتي بعده"؟

والجواب: لا؛ لأسباب:

الأول: أن الربيع بن المنذر الثوري لا يعرف حاله؛ فقد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"، وابن أبي حاتم، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

الثاني: أنه منقطع بين منذر الثوري وعلي رضي الله عنه.

ويؤكد ذلك: أن الحاكم أخرجه في "علوم الحديث" (ص 190) من طريق

 

(11/779)

 

 

أخرى عن ابن الصلت قال فيه: عن أبيه - أظنه - عن ابن الحنفية.

الثالث: أن لفظه مخالف أيضاً للفظ المحفوظ عن فطر بن خليفة برواية الثقات عنه كما تقدم، وكذلك هو مخالف للفظ ابن الصلت عند الحاكم؛ فإنه قال:

.. فشهدوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لعلي أن يجمعهما، وحرمهما على أمته من بعده.

ومثله في النكارة: ما رواه الحاكم - من طريق عبد العزيز بن الخطاب -، وأبو بكر القطيعي في زياداته في "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/ 676) ، ومن طريق الخطيب في "التاريخ" (11/ 218) ، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 245) - من طريق الحسن بن بشر - كلاهما عن قيس بن الربيع عن ليث عن محمد بن الأشعث عن ابن الحنفية عن علي مرفوعاً مختصراً بلفظ:

"يولد لك ابن؛ قد نحلته اسمي وكنيتي". وقال ابن الجوزي:

"لا يصح، والحسن بن بشر منكر الحديث".

قلت: تعصيب الجناية به - وقد تابعه عبد العزيز بن الخطاب، كما ذكرنا، وهو صدوق عند الحافظ - مما لا يجوز.

وإنما العلة من قيس بن الربيع؛ أو شيخه الليث - وهو ابن أبي سليم -؛ فإنهما ضعيفان.

5452 - (ما سميتموه؟ فقلنا: محمداً. فقال: هذا اسمي، وكنيته أبو القاسم) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/ 187/ 459) ،

 

(11/780)

 

 

وابن قانع في "معجم الصحابة"، والحاكم (3/ 374-375) من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن عيسى بن طلحة: حدثتني ظئر لمحمد بن طلحة قالت:

لما ولد محمد بن طلحة؛ أتينا به النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: ... فذكره.

سكت عنه الحاكم، وكأنه لوهائه. وقد قال الذهبي عقبه:

"قلت: أبو شيبة واه". وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 49) :

"رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة، وهو متروك".

وقال الحافظ في "التقريب": "متروك الحديث".

قلت: فالعجب منه؛ كيف أورد الحديث في "الفتح" (10/ 573) من رواية الطبراني من طريق عيسى بن طلحة.. ولم يذكر أن فيه هذا المتروك، بل إنه أوهم القراء أنه صحيح؛ لأنه احتج به لقول من قال: إن النهي الثابت في "الصحيح" عن التكني بكنيته - صلى الله عليه وسلم - خاص بزمانه - صلى الله عليه وسلم -. وقال:

"وهذا أقوى".

وأعجب من ذلك: أن الطبراني نفسه جزم في مكان آخر من "المعجم" (19/ 242) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كناه؛ فقال في ترجمة محمد بن طلحة بن عبيد الله:

"ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسماه محمداً، وكناه أبا القاسم"!

ثم ساق بسند آخر قصة أخرى؛ فيها نهي عمر عن أن يدعى محمداً! وأن

 

(11/781)

 

 

محمد بن طلحة قال له: أذكرك الله يا أمير المؤمنين! فوالله! لمحمد - صلى الله عليه وسلم - سماني محمداً.

ورواه أحمد أيضاً (4/ 216) . وسنده صحيح.

وليس فيه عندهما أنه كناه أبا القاسم، فهذا يؤكد بطلان ما رواه أبو شيبة من التكنية. والله أعلم.

وقد روي خلافه؛ فقال ابن أبي خيثمة: وقيل: إن محمد بن طلحة لما ولد؛ أتى طلحة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: أسمه محمداً، وأكنيه أبا القاسم. فقال:

"لا تجمعهما له، هو أبو سليمان".

ذكره ابن القيم في "التحفة" (ص 47 - هندية) .

قلت: وهذا أولى بالصحة؛ لموافقته للأحاديث الصحيحة، وإن كنت لم أقف على إسناده (1) .

5453 - (لا يأخذ أحدكم من طول لحيته، ولكن من الصدغين) .

ضعيف جداً

رواه ابن عدي (260/ 2) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 323-324) ، والخطيب في "تاريخه" (5/ 187) عن عفير بن معدان عن عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وقال ابن عدي:

"عفير بن معدان؛ عامة رواياته غير محفوظة". وفي "التقريب":

__________

(1) ثم وقف الشيخ - رحمه الله - على إسناده، فخرّجه فيما يأتي (برقم 5464) ، فانظره. (الناشر)

 

(11/782)

 

 

"ضعيف".

قلت: ولبعضه شاهد موقوف؛ أخرجه المحاملي في "الأمالي" (ج 12/ رقم 65) عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم) قال:

التفث: حلق الرأس، وأخذ الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والوقوف بعرفة والمزدلفة.

ورجاله كلهم ثقات؛ إلا أن هشيماً كثير التدليس، وقد عنعنه؛ ولولا ذاك لحكمت على إسناده بالصحة.

ثم وجدت الإمام الطبري قد أخرج هذا الأثر في تفسير الآية المذكورة (17/ 109) من طريق هشيم قال: أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس به.

فقد صرح هشيم بالإخبار؛ فأمنا بذلك شر تدليسه؛ فصح إسناده والحمد لله.

ثم روى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية:

(ثم ليقضوا تفثهم) : رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار، والطواف بالبيت والصفا والمروة.

قلت: وإسناده صحيح.

ثم روى نحوه في قص اللحية عن مجاهد مثله.

وسنده صحيح.

وكان الباعث على تخريج حديث الترجمة ورود سؤال من أحد الإخوان السلفيين عن صحته، وأرانيه في رسالة بيده بعنوان: "إعفاء اللحى وقص الشارب"

 

(11/783)

 

 

للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي، فأمرته أن يخرجه من "تاريخ بغداد"؛ فأريته ضعفه بسبب عفير بن معدان، فرأيت تخريجه في هذه "السلسلة" تعميماً للفائدة، ولأنبه على بعض الأمور:

أولاً: أن الشيخ المذكور أورد الحديث من رواية الخطيب ساكتاً عليه عقب نقله عن النووي قوله:

"والمختار تركها على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً".

والحديث؛ مع ضعفه حجة عليه؛ لأنه صريح في جواز الأخذ من (الصدغين) تثنية (الصدغ) : جانب الوجه من العين إلى الأذن. والمراد: الشعر الذي فوقه.

ثانياً: لم يورد جملة الصدغين؛ فلا أدري أكان ذلك عمداً أو سهواً؟!

ثالثاً: يبدو أن المؤلف لم يكن دقيقاً في نقل الأحاديث من مصادرها الأصيلة، ولعله كلف بعض الطلبة بنقلها، وتصحيح تجارب الرسالة؛ فقد رأيت فيها بعض الأخطاء التي لا تحتمل، فانظر إلى قوله (ص 4) :

"ولمسلم: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المجوس؛ لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب" ... "!

هكذا وقعت هذه الجملة التعليلية: "لأنهم كانوا ... " بين الهلالين المزدوجين؛ وليست من الحديث لا عند مسلم ولا عند غيره، وإنما هي من كلام المؤلف! فكان حقها أن تقع بعد الهلالين الأخيرين. فالظاهر أن الشيخ لم يشرف بنفسه على تصحيح تجارب الرسالة.

 

(11/784)

 

 

والحديث؛ قطعة من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:

"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس". رواه مسلم (1/ 153) .

وقد أورده الشيخ في الصفحة التالية (5) دون هذه الجملة الأخيرة: "خالفوا المجوس"، وقدمها في الصفحة التي قبل هذه، ومعها الإدراج الذي أشرت إليه آنفاً.

رابعاً: ذكر (ص 7) حديث زيد بن أرقم مرفوعاً بلفظ:

"من لم يأخذ شاربه فليس منا"، وقال: "صححه الترمذي"!

وأقول: نص الحديث عند الترمذي (2762) : ".. من شاربه.." بزيادة: "من"، وكذلك هو في "المشكاة" (4438) برواية آخرين، وكذلك رواه ابن حبان (1481 - موارد) ، والضياء المقدسي.

ولا يخفى الفرق بين هذا وبين ما وقع في الرسالة؛ فإن الأول يدل على أن الأخذ إنما هو من بعض الشارب، وليس كله كما يرى المؤلف، وذلك بقص ما طال على الشفة، وهو المراد بالحف والجز الوارد في بعض الأحاديث الصحيحة؛ كما بينته السنة العملية. وراجع لهذا "آداب الزفاف" (ص 120) .

خامساً: قال (ص 14) : "ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة؛ لفعل ابن عمر". وعلق عليه، فقال:

"الحجة في روايته لا في رأيه؛ ولا شك أن قول الرسول وفعله أحق وأولى بالاتباع من قول غيره أو فعله؛ كائناً ما كان"!

فأقول: نعم؛ لكن نصب المخالفة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر خطأ؛ لأنه ليس

 

(11/785)

 

 

هناك حديث من فعله أنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يأخذ من لحيته. وقوله:

"وفروا اللحى"؛ يمكن أن يكون على إطلاقه، فلا يكون فعل ابن عمر مخالفاً له، فيعود الخلاف بين العلماء إلى فهم النص. وابن عمر - باعتباره راوياً له - يمكن أن يقال: الراوي أدرى بمرويه من غيره، لا سيما وقد وافقه على الأخذ منها بعض السلف كما تقدم، دون مخالف له منهم فيما علمنا. والله أعلم.

ثم وقفت على أثر هام يؤيد ما تقدم من الأخذ، مروياً عن السلف؛ فروى البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 263/ 1) : أخبرنا أبو طاهر الفقيه: حدثنا أبو عثمان البصري: حدثنا محمد بن عبد الوهاب: أنبأنا يعلى بن عبيد: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم قال:

كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها. يعني: الليحة.

قلت: وهذا إسناد جيد؛ من فوق البصري كلهم ثقات من رجال "التهذيب".

وأما أبو عثمان البصري؛ فهو عمرو بن عبد الله؛ كما في ترجمة محمد بن عبد الوهاب - وهو الفراء النيسابوري - من "التهذيب". وقد ذكره الحافظ الذهبي في وفيات سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، وسمى جده "درهماً المطوعي"، ووصفه بأنه:

"مسند نيسابور" في كتابه "تذكرة الحفاظ" (4/ 847) .

وأما أبو طاهر الفقيه؛ فهو من شيوخ الحاكم المشهورين الذين أكثر عنهم في "المستدرك"، وشاركه في الرواية عنه تلميذه البيهقي؛ واسمه: محمد بن محمد ابن محمش الزيادي، أورده الذهبي في "التذكرة" أيضاً في وفيات سنة عشر

 

(11/786)

 

 

وأربع مئة، ووصفه بأنه:

"مسند نيسابور العلامة". وله ترجمة في "طبقات الشافعية" للسبكي (3/ 82) .

5454 - (إن الأقلف لا يترك في الإسلام حتى يختن؛ ولو بلغ ثمانين سنة) .

موضوع

رواه البيهقي (8/ 324) من طريقين عن أبي علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن أبيه علي رضي الله عنه قال:

وجدنا في قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيفة ... فذكره. وقال البيهقي:

"وهذا حديث ينفرد به أهل البيت عليهم السلام بهذا الإسناد"!

قلت: هذا كلام لا يروي ولا يشفي.

ونحوه قول ابن القيم في "تحفة المودود في أحكام المولود" (ص 56) - بعد أن عزاه (ص 54) للبيهقي وأقره على ما قال -:

"حديث لا يعرف، ولم يروه أهل الحديث، ولم يخرج إلا من هذا الوجه وحده، تفرد به موسى بن إسماعيل عن آبائه بهذا السند، فهو نظير أمثاله من الأحاديث التي تفرد بها غير الحفاظ المعروفين بحمل الحديث"!

 

(11/787)

 

 

قلت: وكأنه يشير إلى أن علة الحديث جهالة موسى بن إسماعيل بن موسى هذا، وهو - وإن كان كما يشير -؛ فإني لم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال المعتمدة عندنا.

وكذلك أبوه إسماعيل بن موسى.

وإنما أوردهما النجاشي في "رجاله" (ص 19،292) ، ولم يزد في ترجمتيهما على أن ذكر لهما بعض الكتب من رواية محمد بن محمد بن الأشعث هذا؛ ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً، كما هو الغالب عليه.

والحقيقة التي تجب أن تقال: إن تعصيب علة الحديث بهذين الرجلين العلويين خطأ؛ لأن ابن الأشعث هذا متهم، أورده الذهبي في "الميزان"؛ وقال:

"قال ابن عدي: كتبت عنه، وحمله شدة تشيعه أن أخرج إلينا نسخة قريباً من ألف حديث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن آبائه بخط طري عامتها مناكير. فذكرنا ذلك للحسين بن علي بن الحسين بن عمر بن علي بن الحسين بن علي العلوي شيخ أهل البيت بمصر؛ فقال: كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة، ما ذكر قط أن عنده رواية لا عن أبيه ولا عن غيره. قال السهمي:

سألت الدارقطني عنه فقال: آية من آيات الله! وضع ذلك الكتاب، يعني: (العلويات) ".

قلت: فهذا الأفاك هو آفة الحديث.

فالعجب من البيهقي - ثم ابن قيم الجوزية - كيف لم يبينا ذلك؟! فلعلهما لم

 

(11/788)

 

 

يستحضرا ترجمته. والله أعلم.

هذا حال الرجل عند علمائنا.

وأما عند الشيعة؛ فقد أورده النجاشي في "رجاله" (ص 268) ، فقال:

"ثقة، من أصحابنا، سكن مصر، له كتاب "الحج"؛ ذكر فيه ما روته العامة عن جعفر بن محمد عليه السلام في الحج"!!

كذا قال! ولم يتعرض لذكر النسخة التي أشار إليها ابن عدي وما فيها من المناكير، ولا لكتابه "العلويات" الذي وضعه، كما شهد بذلك الإمام الدارقطني! وما ذاك إلا لتعصب الشيعة لأصحابهم، وعدم اهتمامهم بعلم أئمتنا ونقدهم إياهم، ومع ذلك؛ فإن بعض معاصريهم اليوم يدعون إلى التقريب بين السنة والشيعة! وهذا في رأيي مستحيل؛ ما لم يتفقوا معنا على القواعد العلمية الصحيحة التي لا تحابي سنياً ولا شيعياً، وهيهات هيهات!

وللطرف الأول من الحديث شاهد من رواية أو الأسود قالت: سمعت منية بنت عبيد بن أبي برزة تحدث عن جدها أبي برزة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في الأقلف يحج بيت الله؟ قال:

"لا؛ حتى يختتن".

أخرجه البيهقي (8/ 324) . وعزاه ابن القيم لرواية ابن المنذر، وقال:

"هذا إسناد مجهول لا يثبت".

قلت: يشير إلى حال منية هذه؛ بكسر النون بعدها تحتانية؛ قال الحافظ في "التقريب"، و "اللسان":

 

(11/789)

 

 

"لا يعرف حالها".

قلت: وأشار إلى ذلك الذهبي في "الميزان"؛ بإيراده إياها في "فصل النسوة المجهولات".

ثم أورد في "الكنى" أم الأسود هذه، فقال:

"مولاة أبي زرعة، عن منية بنت عبيد وأم نائلة. قال النسائي في آخر "الضعفاء": غير ثقة".

ثم قدر تخريجه فيما يأتي برقم (5526) .

5455 - (كان يحفي شاربه) .

ضعيف جداً

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 166) وقد ذكره من حديث أم عياش:

"رواه الطبراني، وفيه عبد الكريم بن روح، وهو متروك"!

قلت: والمراد بـ (الطبراني) عند الإطلاق؛ إنما هو "المعجم الكبير" من "معاجمه" الثلاثة. على هذا جرى هو وغيره من الحفاظ، وإليه عزاه السيوطي في "الجامع الصغير"! ولم أره في ترجمة أم عياش من المجلد الخامس والعشرين، وقد طبع أخيراً بهمة أخينا الفاضل حمدي عبد المجيد السلفي - جزاه الله خيراً -، وقد أورد لها فيه (ص 91-92) خمسة أحاديث، ليس منها حديث الترجمة؛ فلعله أورده في غيرها لمناسبة ما!

وليس هو في "المعجم الصغير"؛ فإنه ليس فيه أي حديث؛ كما يستفاد من كتابي "الروض النضير"، وقد كنت رتبت به "المعجم الصغير" على أسماء

 

(11/790)

 

 

الصحابة، ورتبت تحتها أحاديث كل منهم على الحروف.

ولا هو في "المعجم الأوسط"، وإنما فيه من الخمسة حديثان في ترجمة محمد بن أحمد بن هشام الحربي (2/ 21) رقم (5401،5402) ، وقد كنت رقمت أحاديثه، وفهرست أسماء رواته من الصحابة، وذكرت أرقام أحاديث كل واحد منهم تحت اسمه، فلم أجد في اسم أم عياش سوى الرقمين المذكورين؛ ولكن النسخة التي فهرستها فيها - مع الأسف - خرم، وأستبعد أن يكون الحديث فيما سقط منها؛ لأن أحداً لم يعزه "لأوسط الطبراني"، ولأن الحافظ ابن حجر لم يعزه في "الإصابة" إلا لابن منده. فالله أعلم.

والحديث؛ قال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير":

"إسناده ضعيف، وقول المؤلف: حسن؛ غير حسن".

وإنما أخذ تحسين السيوطي من الرمز له بالحسن في "الجامع"! والاعتماد على رموزه فيه؛ مما لا يحسن؛ لأسباب كنت ذكرتها في مقدمة كتابي: "صحيح الجامع" و "ضعيف الجامع".

ثم إن مما يحسن التنبيه عليه: أن ثاني تلك الأحاديث الخمسة قد رواه ابن ماجه أيضاً، وفيه عبد الكريم هذا، فنقل الشيخ حمدي السلفي عن "الزوائد" أنه قال:

"وعبد الكريم مختلف فيه"!

فهذا القول من البوصيري مؤلف "الزوائد" غير دقيق، وذلك؛ لأن أحداً لم يصرح بتوثيقه، كل ما في الأمر أن ابن حبان أورده في كتاب "الثقات"، وقال:

 

(11/791)

 

 

"يخطىء ويخالف".

هكذا ذكروا في "تهذيب المزي" و "تهذيبه" للعسقلاني! وهذا في نقدي من الأمور التي ينبغي أن يؤخذ على ابن حبان في كتابه هذا "الثقات"؛ فإن من كان من شأنه أن يخطىء ويخالف؛ كيف يكون ثقة؟!

إن وصفه إياه بهاتين الصفتين يجعله بكتابه "الضعفاء" أليق من كتابه "الثقات"، كما لا يخفى على أولي النهى! ولذلك؛ جزم الحافظ في "التقريب" بضعف عبد الكريم هذا. وقال الذهبي في "الكاشف":

"فيه لين".

ولذلك؛ فإنه لم يحسن صنعاً حين نقل قول ابن حبان السابق دون أن يعزوه إلى كتابه "الثقات"، وتبعه على ذلك الخزرجي في "الخلاصة"؛ لأن هذا الصنيع يوهم من لا علم عنده أنه قال ذلك في كتابه "الضعفاء"؛ لما ذكرته آنفاً. وقد أورد فيه ابن حبان جماعة من الضعفاء؛ لقوله فيهم: "كان يخطىء" ونحوه. فانظر مثلاً ترجمة إسحاق بن إبراهيم (1/ 134) ، وأيمن بن نابل (1/ 183) ، وثابت بن زهير (1/ 206) ، والصباح بن يحيى (1/ 377) ؛ بل قال في جعفر ابن الحارث أبي الأشهب (1/ 212) :

"كان يخطىء في الشيء بعد الشيء، ولم يكثر خطؤه حتى يصير من المجروحين في الحقيقة؛ ولكنه ممن لا يحتج به إذا انفرد، وهو من الثقات يقرب".

وذكر نحوه في آخرين؛ فانظر (1/ 260،262، 353) .

ومما لا يرتاب فيه عارف بهذا الفن: أن قوله في الراوي:

 

(11/792)

 

 

"يخطىء ويخالف"؛ إن لم يكن أقرب إلى الجرح من قوله في أبي الأشهب هذا:

".. ولم يكثر خطؤه ... "؛ فليس هو خيراً منه.

وبعد؛ فإن تناقض ابن حبان في بعض الرواة معلوم عند العارفين به، فكثيراً ما يورد الراوي الواحد في كتابيه: "الثقات" و "الضعفاء"، فهذا الراوي قريب منه؛ إلا أنه أورده في "الثقات"، ووصفه فيه بصفة الضعفاء!!

وجملة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد جداً، ولم أجد في معناه غيره؛ اللهم؛ إلا ما رواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 449) من طريق حماد بن سلمة قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن ابن جريج: أنه قال لابن عمر:

رأيتك تحفي شاربك؟! قال:

رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يحفي شاربه.

قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أن حماد بن سلمة إنما أخرج له البخاري تعليقاً، وقد تكلم فيه بعضهم؛ قال الحافظ في "التقريب":

"أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بأخرة". وقال الذهبي في "الميزان":

"وكان ثقة، له أوهام". وقال في "الكاشف":

"هو ثقة صدوق يغلط، وليس في قوة مالك".

 

(11/793)

 

 

قلت: وأنا أظن أن هذا الحديث من أغلاطه؛ وذلك؛ لأن المحفوظ عن عبيد الله ابن عمر - وهو العمري المصغر - عن سعيد عن ابن جريج قال:

قلت لابن عمر: أربع خلال رأيتك تصنعهن، لم أر أحداً يصنعهن؟! قال: ما هي؟ قال: رأيتك تلبس هذه النعال السبتية، ورأيتك تستلم هذين الركنين اليمانيين؛ لا تستلم غيرهما، ورأيتك لا تهل حتى تضع رجلك في الغرز، ورأيتك تصفر لحيتك؟! قال:

أما لبسي هذه النعال السبتية؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسها، أو يتوضأ فيها، ويستحبها.

وأما استلام هذين الركنين؛ فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمهما، لا يستلم غيرهما.

وأما تصفيري لحيتي؛ فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفر لحيته.

وأما إهلالي إذا استوت بي راحلتي؛ فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضع رجله في الغرز واستوت به راحلته أهل.

أخرجه أحمد (2/ 17-18) : حدثنا يحيى عن عبيد الله به.

قلت: ويحيى: هو ابن سعيد القطان الإمام؛ قال الحافظ:

"ثقة متقن حافظ، إمام قدوة".

قلت: فهذا هو الحديث؛ ساقه هذا الحافظ المتقن عن عبيد الله بن عمر بتمامه؛ فأخطأ عليه حماد بن سلمة، فلم يسقه بتمامه، وذكر مكان الخلة: إحفاء الشارب.

 

(11/794)

 

 

وكذلك رواه الإمام مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ مثل رواية يحيى عن عبيد الله.

وأخرجه الشيخان وغيرهما عن مالك به، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1554) .

وكذلك رواه الطيالسي (1928) عن العمري عن سعيد به.

ولعل أصل الحديث الذي وهم فيه حماد - على ما بينا - موقوف على ابن عمر؛ فقد علقه البخاري (10/ 334 - فتح) بقوله:

"وكان ابن عمر يحفي شاربه، حتى ينظر إلى بياض الجلد؛ ويأخذ هذين؛ يعني: بين الشارب واللحية".

لكن في سنده ضعف؛ فقد قال الحافظ:

"وصله أبو بكر الأثرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: رأيت ابن عمر يحفي شاربه حتى لا يترك منه شيئاً. وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن أبي عثمان: رأيت ابن عمر يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله".

قلت: عمر بن أبي سلمة ضعفه جمع. وقال الحافظ:

"صدوق يخطىء".

وعبد الله بن أبي عثمان - وهو القرشي -؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه:

"صدوق؛ لا بأس بحديثه".

قلت: فإن صح السند إليه - كما هو الظاهر -؛ فهو جيد؛ ولكنه لا يصلح

 

(11/795)

 

 

شاهداً لرواية عمر بن أبي سلمة؛ لأن المتبادر من حديثه خلافها؛ لأن قوله: يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله؛ صريح - أو كالصريح - في أنه كان لا يحفيه؛ وإلا؛ لو أراد الإحفاء لم يكن لقوله: أعلاه وأسفله؛ معنى كما هو ظاهر.

وقريب من حديث ابن أبي عثمان هذا: ما رواه البيهقي (1/ 151) من طريق أخرى عن ابن عمر:

أنه كان يستعرض سبلته فيجزها، كما تجز الشاة أو يجز البعير.

ورجاله ثقات؛ غير شيخ شيخ البيهقي أبي بكر محمد بن جعفر المزكي؛ فلم أعرفه.

لكن الظاهر أنه لم يتفرد به؛ فقد سكت عنه الحافظ في "الفتح" (10/ 348) ؛ وعزاه للطبري أيضاً، وهو في طبقة المزكي هذا بل أعلى.

ويقويه ما عند البيهقي أيضاً من طريق ابن عجلان عن عبيد الله بن أبي رافع قال:

رأيت أبا سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، ورافع بن خديج؛ وأبا أسيد الأنصاري، وابن الأكوع، وأبا رافع ينهكون شواربهم حتى الحلق.

وإسناده حسن؛ إن كان شيخ ابن عجلان: عبيد الله بن أبي رافع هذا؛ فقد قال البيهقي عقبه:

"كذا وجدته. وقال غيره: عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، وقيل: ابن رافع".

وكأنه يعني بـ "غيره": إبراهيم بن سويد؛ فقد قال: حدثني عثمان بن

 

(11/796)

 

 

عبيد الله بن رافع: أنه رأى أبا سعيد الخدري ... إلخ؛ إلا أنه لم يذكر أبا رافع معهم.

أخرجه الطبراني (1/ 212/ 668) . وقال الهيثمي (5/ 166) :

"وعثمان هذا لم أعرفه"!

كذا قال هنا! وقال في موضعين آخرين (5/ 163،164) :

"وعثمان؛ ذكره ابن أبي حاتم، ولم يضعفه"!

قلت: وقال (3/ 156) :

"روى عنه ابن أبي ذئب".

قلت: وإبراهيم بن سويد أيضاً - كما ترى في هذه الرواية -، وهو إبراهيم بن سويد بن حبان المدني، وهو ثقة. وهو أقوى من محمد بن عجلان، فروايته أرجح.

وروى أيضاً إبراهيم بن طهمان: عند الطبراني (2/ 196/ 1740 و 4/ 262/ 4240) في أثر آخر.

فقد روى عن عثمان هذا ثلاثة من الثقات، فالنفس تطمئن لروايته، ولا سيما وقد وثقه ابن حبان (3/ 177) . فالإسناد حسن. والله أعلم.

لكن قد خالف ابن عمر ومن معه من الصحابة جمع آخر منهم:

فأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 255/ 3218) ، والبيهقي - واللفظ له - من طريق شرحبيل بن مسلم الخولاني قال:

رأيت خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقصون (ولفظ الطبراني: يقمون) شواربهم، ويعفون لحاهم، ويصفرونها: أبوأمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وعتبة

 

(11/797)

 

 

ابن عبد السلمي، والحجاج بن عامر الثمالي، والمقدام بن معدي كرب الكندي؛ كانوا يقصون (ولفظ الطبراني: يقمون) شواربهم مع طرف الشفة.

قلت: وإسناده جيد، كما قال الهيثمي (5/ 167) .

وسكت عنه الحافظ، ووقع فيه وهم فاحش؛ فإنه لم يذكر فيه قوله: كانوا يقصون ... إلخ، بل ذكره عقب رواية عبيد الله بن أبي رافع المتقدم؛ فإنه قال عقبها:

"لفظ الطبري. وفي رواية البيهقي: يقصون ... " إلخ!

فأوهم أنها رواية في حديث عبيد الله، وإنما هي من رواية شرحبيل! فلعل هذا الخلط من أحد النساخ أو الطباع.

وإذا عرفت ما تقدم؛ يتبين لك أن الإحفاء غير ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلاً، وإنما ثبت عن بعض الصحابة، كما ثبت عن بعضهم خلافه، وهو إحفاء ما على طرف الشفة، وهو الذي من فعله - صلى الله عليه وسلم - في شارب المغيرة كما سيأتي بعد صفحات. وهذا الإحفاء هو المراد بالأحاديث القولية الآمرة بالإحفاء وما في معناها، وليس أخذ الشارب كله؛ لمنافاته لقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"من لم يأخذ من شاربه ... ". والأحاديث يفسر بعضها بعضاً، وهو الذي اختاره الإمام مالك، ثم النووي وغيره (1) ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.

واختار الطحاوي الإحفاء، وأجاب عن حديث المغيرة بقوله:

"فليس فيه دليل على شيء؛ لأنه يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك ولم

__________

(1) انظر " المجموع شرح المهذب " (1 / 287 - 288) . (الناشر)

 

(11/798)

 

 

يكن بحضرته مقراض يقدر على إحفاء الشارب"!

قلت: وهذا الجواب ظاهر التكلف؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيته؛ لأن في الحديث - كما تقدم - أن المغيرة كان ضيفاً عليه - صلى الله عليه وسلم - لما قص شاربه، فهل يعقل أن لا يكون عنده - صلى الله عليه وسلم - مقراض بل مقاريض؛ إذا تذكرنا أنه كان له تسع زوجات؟!

فلعل الطحاوي لم يستحضر ضيافة المغيرة عليه - صلى الله عليه وسلم -، أو أنها لم تقع له، وهذا هو الأقرب الذي يقتضيه حسن الظن به؛ لأنه إنما روى الحديث مختصراً.

وكذلك ذكره الشوكاني (1/ 101) ، وقال عقبه - بعد أن حكى خلاصة كلام الطحاوي بقوله: "قال: وهذا لا يكون معه إحفاء" -:

"ويجاب عنه أنه محتمل، ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة، وهو إن صح كما ذكر؛ لا يعارض تلك الأقوال منه - صلى الله عليه وسلم -"!

قلت: وجواب الشوكاني أبعد عن الصواب من جواب الطحاوي؛ لأن الاحتمال المذكور باطل؛ لا يمكن تصوره من كل من استحضر قص الشارب على السواك.

وأما ترجيح أقواله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو صحيح لو كانت معارضة لفعله معارضة لا يمكن التوفيق، وليس الأمر كذلك؛ لما سبق بيانه.

واعلم أن الباعث إلى تخريج هذا الحديث: أنني رأيت الشوكاني ذكره من حديث ابن عباس نقلاً عن ابن القيم، فارتبت في ذلك، فرجعت إلى كتابه "زاد المعاد"؛ فرأيته فيه بلفظ:

 

(11/799)

 

 

كان يجز شاربه.

فعرفت أنه تحرف على الشوكاني أو الناسخ أو الطابع لفظ: (يجز) إلى: (يحفي) ! ويؤكد ذلك أن ابن القيم قال عقب حديث ابن عباس هذا مباشرة:

"قال الطحاوي: وهذا (يعني: الجز) الأغلب فيه الإحفاء، وهو يحتمل الوجهين".

قلت: فلو كان لفظ الحديث: (يحفي) ؛ لما صح تفسيره بما ذكر، كما هو ظاهر.

ثم اعلم أن حديث ابن عباس ورد من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً بألفاظ؛ هذا أحدها.

أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/ 333) .

والثاني: بلفظ:

كان يقص شاربه.

أخرجه الإمام أحمد (1/ 301) ، والدينوري في "المجالسة" (26/ 25-26) ، وعنه ابن عساكر في "التاريخ" (2/ 166/ 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (11725) ، وزادوا:

وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه.

والثالث: بلفظ:

كان يقص أو يأخذ من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله.

 

(11/800)

 

 

أخرجه الترمذي (2761) من طريق إسرائيل عن سماك به.

واللفظان قبله أخرجهما من ذكرنا من طريق حسن بن صالح عن سماك به.

والحسن بن صالح وإسرائيل؛ كلاهما ثقة. فالظاهر أن هذا الاختلاف في لفظه؛ إنما هو من سماك بن حرب؛ فإنه متكلم فيه إذا روى عن عكرمة؛ قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة؛ فكان ربما يلقن".

أقول هذا تحقيقاً للرواية، وإلا؛ فلا فرق عندي بين هذه الألفاظ الثلاثة من حيث الدراية؛ فإن لفظ: (يجز) هو بمعنى: (يقص) ، وبمعناه اللفظ الآخر: (يأخذ من شاربه) ؛ فإن (من) تبعيضية؛ فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"من لم يأخذ من شاربه فليس منا". أخرجه الترمذي وغيره وصححوه.

وقد جاء بيان صفة الأخذ في السنة العملية؛ فإليها المرجع في تفسير النصوص القولية المختلف في فهمها؛ فإن من القواعد المقررة: أن الفعل يبين القول حتى لو كان من كلام الله تعالى.

وإليك ما وقفت عليه من السنة:

أولاً: عن المغيرة بن شعبة قال:

ضفت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة.. وكان شاربي وفى، فقصه لي على سواك.

رواه أبو داود وغيره. وإسناده صحيح، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (182)

 

(11/801)

 

 

و "مختصر الشمائل" (140) .

وفي رواية للطحاوي والبيهقي:

فدعا بسواك وشفرة، فوضع السواك تحت الشارب، فقص عليه.

ثانيا: عن أيوب السختياني عن يوسف بن طلق بن حبيب:

أن حجاماً أخذ من شارب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأى شيبة في لحيته ... الحديث.

رواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 433) .

قلت: ورجاله ثقات؛ غير يوسف بن طلق بن حبيب؛ فلم أعرفه! ومن المحتمل أن يكون قوله: (يوسف بن) خطأ من الناسخ أو الطابع، أو محرفاً عن شيء؛ كأن يكون (أبي يوسف طلق بن حبيب) ؛ فإن طلقاً هذا قد ذكر المزي في الرواة عنه من "تهذيبه": أيوب السختياني. فإذا ثبت هذا الاحتمال؛ فيكون الإسناد صحيحاً مرسلاً؛ فهو شاهد قوي لما قبله.

ثالثاً: عن مندل عن عبد الرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ الشارب من أطرافه.

أخرجه ابن سعد (1/ 449) .

لكن مندل هذا - وهو ابن علي العنزي - ضعيف لسوء حفظه.

وعبد الرحمن بن زياد لم أعرفه، ويحتمل أن يكون عبد الرحمن بن زياد؛ تابعي روى له الترمذي. أو عبد الرحمن بن زياد مولى بني هاشم، وكلاهما مقبول عند الحافظ. والله أعلم.

 

(11/802)

 

 

5456 - (فما عدلت بينهما؛ يعني: في القبلة) .

موضوع

ذكر البيهقي من حديث أبي أحمد بن عدي: حدثنا القاسم بن مهدي: حدثنا يعقوب بن كاسب: حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس:

أن رجلاً كان جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء بني له، فقبله، وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنيته، فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

كذا أورده ابن القيم في "تحفة المودود في أحكام المولود" (ص 76 - هندية) ، وكأنه ساقه بسنده لتبرأ ذمته منه. ولما بدأت في أواخر محرم 1404 هـ باختصار الكتاب المذكور، كان من منهجي فيه أن أحذف منه لم يصح من الأحاديث والأحكام، ولما وصلت إلى هذا الحديث كان لا بد من دراسة سنده، فتبين لي أنه مما يجب حذفه؛ لأن إسناده ضعيف جداً؛ آفته القاسم بن مهدي شيخ ابن عدي، وهو القاسم بن عبد الله بن مهدي الإخميمي؛ قال فيه الدارقطني:

"متهم بوضع الحديث".

وذكر له الذهبي حديثاً موضوعاً باطلاً، ولما حكى عن ابن عدي أنه قال: "وهو عندي لا بأس به" تعقبه بقوله:

"قلت: قد ذكرت له حديثاً باطلاً، فيكفيه".

قلت: وأنا أظن أن هذا الحديث من أباطيله أيضاً.

ثم وجدت له متابعاً في "كامل ابن عدي"، وأشار إلى تحسينه، فنقلته إلى

 

(11/803)

 

 

"الصحيحة" (3098) (1) .

5457 - (إن نطفة الرجل بيضاء غليظة، فمنها يكون العظام والعصب، وإن نطفة المرأة صفراء رقيقة، فمنها يكون الدم واللحم) .

ضعيف

أخرجه أحمد (1/ 465) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 213/ 10360) من طريقين عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله:

مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل الناس يقولون: هذا رسول الله. فقال يهودي: إن كان رسول الله فسأسأله عن شيء، فإن كان نبياً علمه. فقال: يا أبا القاسم! أخبرني؛ أمن نطفة الرجل يخلق الإنسان أم من نطفة المرأة؟ فقال: ... فذكره. والسياق للطبراني؛ وزاد أحمد:

فقام اليهودي فقال: هكذا كان يقول من قبلك.

ومن هذا الوجه: رواه البزار في "مسنده - كشف الأستار) (ق 218/ 1 - المصورة) - ولم يسق لفظه -، وقال:

"لا نعلم رواه عن القاسم هكذا إلا عطاء، وعنه إلا أبو كدينة"!

قلت: اسمه يحيى بن المهلب البجلي، وهو صدوق من رجال البخاري؛ لكنه قد توبع؛ فإنه عند الطبراني عن حمزة الزيات - وهو من رجال مسلم - عن عطاء بن السائب.

__________

(1) وسبق فيها أيضاً (برقم 2883) . (الناشر)

 

(11/804)

 

 

فالعلة من عطاء؛ فإنه كان اختلط.

وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (8/ 241) ، فقال:

"رواه أحمد، والطبراني، والبزار بإسنادين، وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب، وقد اختلط"!

قلت: في هذا التخريج تسامح كبير لا يعبر عن الواقع! فإن رواية عامر بن مدرك - عند البزار - ليس فيها هذا التفصيل الذي في رواية عطاء؛ فإن لفظ عامر:

"ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا؛ غلب الشبه".

وعامر هذا - وإن كان لين الحديث؛ فإن - لحديثه شواهد في "صحيح مسلم" وغيره، خرجت بعضها في "الصحيحة" (1342) ؛ بخلاف حديث عطاء؛ فإن ما فيه من العظام والعصب، واللحم والدم؛ لم يرد في شيء من تلك الشواهد، فكان منكراً، ولذلك؛ خرجته هنا.

ولحديث عامر شاهد من حديث ابن عباس نحوه؛ وزاد في آخره:

"وإن اجتمعا؛ كان منها ومنه". قالوا: صدقت.

أخرجه البزار (2375) : حدثنا السكن بن سعيد: حدثنا أبو عامر عبد الملك ابن عمرو: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس به. وقال:

"لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وقد روي عن غيره من وجوه، وفي حديث ابن عباس زيادة".

 

(11/805)

 

 

قلت: يشير إلى ما ذكرت من الزيادة فيما أظن. وفي ثبوتها نظر عندي؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة المشار إليها آنفاً (1) .

وأيضاً فـ (مسلم) الراوي عن مجاهد؛ إن كان هو (الملائي الأعور) ؛ فهو ضعيف، وإن كان هو (مسلماً البطين) ؛ فهو ثقة، وقد روى كلاهما عن مجاهد؛ كما في "تهذيب المزي".

فمن الصعب - والحالة هذه - تحديد هذه - تحديد المراد منهما هنا، وبخاصة أنهما لم يذكرا في شيوخ إبراهيم بن طهمان؛ لكن الحديث بالأول منهما أشبه. والله أعلم.

والسكن بن سعيد - شيخ البزار - لم أعرفه!

5458 - (يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم؛ تأجج أفواههم ناراً. فقيل: من هو؟ قال: ألم تر أن الله يقول: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) ... الآية) ؟! .

موضوع

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 1797) ، وعنه ابن حبان في "صحيحه" (2580 - موارد) ، والواحدي في "الوسيط" (1/ 151-152/ 1) من طريق يونس بن بكير: حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث عن أبي برزة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته نافع هذا أو زياد.

والأول: هو نفيع أبو داود الأعمى؛ كما جزم به في "التهذيب"، وهو متروك. وقد كذبه ابن معين؛ كما في "التقريب". وقال فيه ابن حبان في

__________

(1) وانظر " فتح الباري " (7 / 272 - 274) . (الناشر)

 

(11/806)

 

 

"الضعفاء" (3/ 55) :

"كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهماً، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار".

فإن قيل: فكيف روى له هذا الحديث في "الصحيح"؟!

فأقول: الظاهر - والله أعلم - أنه توهم أنه غير نفيع هذا، ومع ذلك؛ فإنه لم يورده في التابعين من "الثقات"؛ بخلاف ما فعله في الراوي عنه: زياد بن المنذر، كما يأتي.

والآخر: زياد بن المنذر - وهو أبو الجارود الثقفي -؛ قال الحافظ:

"رافضي، كذبه يحيى بن معين".

قلت: وأورده ابن حبان أيضاً في "الضعفاء"، وقال:

"كان رافضياً، يضع الحديث في مثالب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويروي في فضائل أهل البيت أشياء ما لها أصول، لا تحل كتابة حديثه". قال الحافظ عقبه في "التهذيب":

"قلت: وفي "الثقات" لابن حبان: "زياد بن المنذر. روى عن نافع بن الحارث، وعنه يونس بن بكير". فهو هو، غفل عنه ابن حبان".

قلت: وفي "الميزان" ترجمة أخرى؛ قال عقب (ابن المنذر) المتقدم:

"زياد بن المنذر، أبو حازم، شيعي، ضعفه أبو حاتم، ولم يذكره ولده عبد الرحمن في كتابه".

 

(11/807)

 

 

قلت: وكذلك لم يذكره الحافظ في "اللسان"، فكأنه ذهب عليه، أو سقط من قلم بعض النساخ. وإنما أورده رجلاً آخر من زياداته، ونسبه (الطائي) ، ثم أفاد أنه انقلب اسمه على الراوي، وأن الصواب: (المنذر بن زياد) ، فلعل ابن حبان توهم أيضاً أن زياداً هذا: هو أبو حازم الذي ضعفه أبو حاتم. والله أعلم.

وبالجملة؛ فآفة الحديث هو أو شيخه نفيع. وبالأول أعله ابن عدي؛ فقال الحافظ في "تخريج الكشاف" (4/ 39) - بعد ما عزاه لـ "صحيح ابن حبان" -:

"وفي إسناده زياد أبو المنذر، كذبه ابن معين. وشيخه نافع بن الحارث، ضعيف أيضاً، وقد أورده ابن عدي في "الضعفاء" في ترجمة زياد، وأعله به".

والحديث؛ عزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضاً، وابن مردويه من الوجه المتقدم.

وزاد عليهم السيوطي في "الدر" (2/ 124) : ابن أبي شيبة في "مسنده"، والطبراني.

وإذا علمت حال إسناد هذا الحديث؛ فقد أساء الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على "البيضاوي" (ق 101/ 2) ؛ حيث قال:

"رواه ابن حبان وغيره"!

فسكت عنه؛ فأوهم صحته! ولعله قلد في ذلك الحافظ ابن كثير، فهو أولى بالانتقاد؛ لما عرف به أنه من الحفاظ النقاد.

ولذلك؛ اغتر بسكوته مختصر كتابه الشيخ الصابوني (1/ 361) ؛ فإنه سكت عليه؛ وقد عزاه لابن مردويه فقط ‍‍‍‍!! وذلك قل من جل مما يدل على مبلغ

 

(11/808)

 

 

معرفة الرجل بهذا العلم.

وكذلك أشار إلى هذا الحديث: العلامة ابن القيم في "تحفة المودود" (ص 103) ساكتاً عليه! وكان هو الباعث على تخريجه وتحقيق الكلام على إسناده؛ لأتمكن من الإبقاء عليه أو حذفه من "مختصره"، الذي أنا في صدده، فقد حذفته.

(تنبيه) : وقع الحديث في "تفسير ابن كثير" بلفظ: "القوم"! وواضح أنه خطأ مطبعي، ومع ذلك خفي على الشيخ الصابوني؛ فأورده كما وجده!

5459 - (نظرت - يعني: ليلة أسري به -؛ فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشارفهم، ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار يخرج من أسافلهم. قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً؛ إنما يأكلون في بطونهم ناراً) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن جرير في "التفسير" (4/ 184) عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: حدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة أسري به قال: نظرت ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أبو هارون هذا - واسمه عمارة بن جوين - متروك، ومنهم من كذبه.

والحديث؛ عزاه السيوطي لابن أبي حاتم أيضاً، وإسناده من هذا الوجه الواهي؛ كما تراه في "تفسير ابن كثير" (1/ 456) .

وهو قطعة من الحديث الطويل جداً في الإسراء والمعراج؛ أخرجه ابن جرير

 

(11/809)

 

 

أيضاً (15/ 10-12) ، والبيهقي في "الدلائل" (2/ 136-142) من طريق أبي هارون المذكور. وقد ساقه ابن كثير بطوله في "تفسيره" من طريقه، وقال:

"وهو مضعف عند الأئمة، على غرابة الحديث وما فيه من النكارة".

قلت: ومما فيه قوله:

"ثم مضيت هنية؛ فإذا أنبأنا بنساء يعلقن بثديهن، فسمعتهن يصحن إلى الله عز وجل. قلت: يا جبريل! من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك ... " الحديث بطوله.

وقصة النساء هذه؛ مما أشار إليه ابن القيم أيضاً في "التحفة" (ص 103) ؛ دون أن ينبه على ضعفها، بل ساقه مساق المسلمات! والله المستعان.

5460 - (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم؛ فأحسنوا أسماءكم) .

ضعيف

أخرجه أبو داود (4948) ، والدارمي (2/ 294) ، وابن حبان (1944) ، والبيهقي (9/ 306) ، وأحمد (5/ 194) ، وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (ق 29/ 1) ، والبغوي في "حديث علي بن الجعد" (9/ 110/ 1) ، ومن طريقه أبو محمد البغوي في "شرح السنة" (12/ 327/ 3360) ، وابن عساكر في "التاريخ" (6/ 17/ 1 و 8/ 529/ 2) كلهم من طريق داود بن عمرو عن عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي عن أبي الدرداء مرفوعاً به. وقال أبو داود - معللاً إياه بالانقطاع -:

"ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء".

 

(11/810)

 

 

وتبعه جمع، فقال البيهقي عقبه:

"هذا مرسل؛ ابن أبي زكريا لم يسمع من أبي الدرداء".

وكذا قال المنذري في "الترغيب" (3/ 85) . وقال الحافظ في "الفتح" (10/ 577) :

"ورجاله ثقات؛ إلا أن في سنده انقطاعاً بين عبد الله بن أبي زكريا - راويه عن أبي الدرداء - وأبي الدرداء؛ فإنه لم يدركه"!

وفيما ذكره من التوثيق نظر؛ فإن داود بن عمرو فيه كلام؛ أورده الذهبي في "الميزان"، وقال:

"وثقه ابن معين. وقال العجلي: ليس بالقوي، انفرد بهذا الحديث".

قلت: والحافظ نفسه ضعفه في "التقريب" بقوله فيه:

"صدوق يخطىء".

ومن هذا التحقيق؛ يتبين للباحث خطأ النووي في قوله في "الأذكار":

"روينا في "سنن أبي داود" بالإسناد الجيد عن أبي الدرداء ... " فذكره!

وكذا ابن القيم في قوله في "تحفة المودود" (ص 36) :

"رواه أبو داود بسند حسن"!

ووهم مؤلف "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب" وهماً آخر أفحش من هذا؛ فقال (ص 61-62) :

 

(11/811)

 

 

"رواه البخاري"!

ومن الغرائب: أن المناوي بعد أن نقل في "فيض القدير" تجويد النووي لإسناده، وتعقبه بالانقطاع الذي نقلناه آنفاً عن البيهقي وغيره، وجزم بقوله تبعاً لهم:

"فالحديث منقطع"!

عاد في كتابه الآخر "التيسير" - وهو مختصر الأول كما نص عليه في مقدمته - فقال:

"وإسناده جيد؛ كما في "تهذيب الأسماء" وغيره"!

فما أسرع ما نسي!

5461 - (يا أبا عبيدة! قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة رجل واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم، وهو الذين ذكر الله عز وجل؛ يعني: قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم) .

ضعيف

أخرجه ابن جرير (3/ 144-145) ، والبغوي في "تفسيره" (2/ 118 - المنار) ، وكذا ابن أبي حاتم - كما في "تفسير ابن كثير" (1/ 355) - وغيرهم من طريق محمد بن حمير قال: حدثنا أبو الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب عن أبي عبيدة بن الجراح قال:

 

(11/812)

 

 

قلت: يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال:

"رجل قتل نبياً، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف". ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ... ) ؛ إلى أن انتهى إلى: (وما لهم من ناصرين) . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر حديث الترجمة.

قلت: سكت عنه ابن كثير، وهو حديث منكر عندي، وإسناده ضعيف مجهول؛ علته أبو الحسن هذا؛ فإنه مجهول؛ كما قال الذهبي في آخر "الميزان"، والحافظ ابن حجر في "اللسان".

وبه أعله الحافظ في "تخريج أحاديث الكشاف" (4/ 24) .

وأنكر من هذا الحديث: الأثر الذي ساقه ابن كثير عقب هذا من رواية [ابن] أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

قتلت بنو إسرائيل ثلاث مئة نبي من أول النهار، وأقاموا سوق بقلهم من آخره. وقال في مكان آخر (1/ 102) :

"قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال: ... فذكره بلفظ:

كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاث مئة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار".

قلت: وهذا إسناد صحيح؛ إن كان الطيالسي قد ثبت السند إليه به؛ فإنه ليس في "مسنده" المطبوع، وهو المفروض؛ لأنه ليس من شرطه؛ فإنه موقوف

 

(11/813)

 

 

على ابن مسعود.

فإن صح عنه؛ فهو من الإسرائيليات الباطلة التي يكذبها العقل والنقل:

أما العقل؛ فإنه من غير المعقول أن يتوفر هذا العدد الكبير من الأنبياء في وقت واحد وبلد واحد، ويتمكن اليهود من ذبحهم ذبح النعاج قبل انتهاء النهار، وفي آخره يقيمون سوقهم! هذا من أبطل الباطل.

وأما النقل؛ فهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي ... " الحديث؛ متفق عليه، وهو مخرج في "الإرواء" (2473) .

فهذا صريح في أن أنبياء بني إسرائيل كان يخلف بعضهم بعضاً، ويأتي أحدهم بعد الآخر؛ كقوله تعالى: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) ؛ أي: متواترين واحداً بعد واحد.

نعم؛ ذلك لا ينفي أن يرسل الله أكثر من رسول - بله نبي - واحد في وقت واحد لحكمة يعلمها؛ مثل هارون مع موسى، وقوله في أصحاب القرية: (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون) .

وأما بعث مثل ذاك العدد الضخم من الأنبياء في زمن واحد؛ فليس من سنة الله تبارك وتعالى.

ولا بد من التنبيه هنا على موقفين متباينين تجاه هذا الأثر؛ من رجلين معاصرين:

الأول: الشيخ محمد علي الصابوني مختصر "تفسير الحافظ ابن كثير"؛ فإن

 

(11/814)

 

 

هذا الرجل؛ مع أنه صرح في المقدمة تحت عنوان: طريقة الاختصار (ص 9) أنه اقتصر على الأحاديث الصحيحة، وحذف الضعيف منها، كما حذف الروايات الإسرائيلية!

ومع ذلك؛ فإنه لم يف بهذا، وهو أمر طبيعي بالنسبة إليه؛ فإنه ليس من رجال هذا الميدان؛ فقد أبقى في كتابه هذا "المختصر" كثيراً من الأحاديث الضعيفة والواهية، والإسرائيليات المنكرة! والمثال على كل من الأمرين ظاهر بين يديك؛ فالحديث - مع ضعف إسناده الظاهر عند المحدثين ونكارته البينة عند المحققين - انطلى عليه أمره، وغره فيه أن ابن كثير لما أورده سكت عليه ولم يبين ضعفه! وخفي عليه - لجهله وبعده عن هذا العلم - أن المحدث إذا ساق الحديث بإسناده؛ فقد برئت ذمته منه.

ولذلك؛ كان من الواجب عليه أحد أمرين:

إما أن يختصر هذا النوع من الحديث؛ فلا يورده في "مختصره".

وإما أن يبين درجته إذا احتفظ به؛ وهذا مما لا سبيل له إليه؛ لما ذكرنا أنه ليس من رجال هذا العلم. ولكن إذا كان قد اغتر بسكوت ابن كثير على بعضها، وكان عاجزاً عن أن يعرف بنفسه درجة الحديث؛ فما له أورد كثيراً من الأحاديث الضعيفة الأخرى التي بين ابن كثير بنفسه وهاءها وضعفها؛ ونقل هو ذلك عنه في الحواشي؟! خلافاً لشرطه! فانظر مثلاً الأحاديث الواردة في (المجلد الأول) صفحة (103، 111، 119، 158، 195، 226، 277، 361، 543، 549، 609، 613، 619، 633) .

فهذه الأحاديث المشار إليها كلها ضعفها ابن كثير، فأين دعوى مختصره: أنه

 

(11/815)

 

 

اقتصر فيه على الأحاديث الصحيحة، وحذف الضعيف؟! فكيف وبعضها موضوع؛ كحديث (ص 619) :

"من أعان ظالماً؛ سلطه الله عليه". قال ابن كثير:

"وهو حديث غريب"! وهذا من تساهله كما بينته في "الضعيفة" (1937) .

على أن هناك أحاديث أوردها ساكتاً عليها كغالب عادته، وهي مما ضعفه ابن كثير؛ كحديث ابن مردويه في نزول آية: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار ... ) في علي (1/ 245) ؛ قال ابن كثير:

"فيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف"!

قلت: بل هو متروك، وكذبه الثوري؛ كما قال الحافظ.

وحديث ابن مردويه الآخر (1/ 540) ؛ قال ابن كثير:

"هذا حديث غريب جداً"؛ وهو مخرج في "الضعيفة" (4439) .

وعلى العكس من ذلك؛ أوهم بجهله صحة حديث عن ابن عباس ضعفه ابن كثير مرفوعاً، وصححه موقوفاً نقلاً عن الترمذي، فقال المختصر - بعد التضعيف -:

"وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس"! فأسقط منه قول الترمذي: "موقوفاً"!

ورأيته في حديث واحد في المجلد الأول من "مختصره" (ص 566) قائلاً:

"الحديث؛ وإن كان ضعيف السند؛ ففي أحاديث الشفاعة ما يؤيده ويؤكده"!

كذا قال! وهو مما يدل على جهل بالغ؛ لأنه ليس في شيء من الأحاديث

 

(11/816)

 

 

التي أشار إليها ما في هذا الحديث الضعيف من النكارة، ينبئك عنها طرفه الأول منه:

"إن ربي عز وجل استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم؟ فقلت: ما شئت.. فاستشارني الثانية ... "!!

ولا أدري كيف استساغ هذا المختصر مثل هذا التعبير الذي فيه رائحة التشبيه بالعبيد: (وأمرهم شورى بينهم) ؟! مع ضعف إسناده؛ فإن فيه ابن لهيعة، وهو معروف بالضعف، وله تخاليط كثيرة.

ومن جهل هذا الرجل: أنه تأول أثر ابن مسعود - المتقدم - في قتل اليهود للأنبياء بالمئات في اليوم الواحد؛ مع أنه اشترط على نفسه - كما سبق - أن يحذف الروايات الإسرائيلية، فقد أخل به أيضاً - حين أورده -، ولظهور نكارته تأوله بتأويل بارد؛ فعلق عليه بقوله (1/ 71) :

"وعبارة: "في اليوم" لا تعني كل يوم، ولكن بعض الأيام"!

ولقد كان الأولى به - لو كان عنده علم وبصيرة فيه - أن لا يورده؛ وفاءً بشرطه، وأن يستريح من تكلف تأويله البارد الظاهر بطلانه بداهة، لا سيما بالنسبة للفظ ابن أبي حاتم المتقدم:

"قتلت بنو إسرائيل ثلاث مئة نبي من أول النهار ... "؛ فإنه أصرح في إبطال تأويله، وهو على علم به؛ فقد أورده في "مختصره" (1/ 274) ، دون أن يتنبه لبطلانه! والله المستعان.

وأما الرجل الآخر المعاصر؛ فهو المدعو (عز الدين بليق) ، مؤلف ما سماه بـ

 

(11/817)

 

 

"منهاج الصالحين"، فلقد كان موقفه من هذا الأثر موقفاً آخر معاكساً لموقف الشيخ الصابوني تماماً؛ فإنه أنكره أشد الإنكار في أول كتابه: "موازين القرآن الكريم" (ص 13-14) ، وكتابه الآخر: "موازين القرآن والسنة" (ص 69) .

وبقدر ما أصاب في إنكاره إياه؛ فقد أخطأ أقبح الخطأ في اعتباره إياه مثالاً لبعض الأحاديث الموضوعة التي وردت في كتب التفسير، وجهل أو تجاهل - لسوء طويته - أنه ليس حديثاً؛ وإنما هو من الإسرائيليات!

فتأمل تباين موقف الرجلين من هذا الأثر، ثم تأمل كيف يلتقيان في الإساءة - بجهلهما - إلى الإسلام، وتوهمهما الأثر حديثاً، ذاك بتأويله إياه، وهذا بضربه له مثالاً للأحاديث الموضوعة، لا سيما وقد أتبعه بمثال آخر، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"خلق الله التربة يوم السبت ... " الحديث، وهو صحيح لا غبار عليه سنداً ومتناً؛ رواه مسلم في "صحيحه"! ومع ذلك جعله (بليق) مثالاً آخر للأحاديث الموضوعة! وسود لإثبات ذلك - زعم - ست صفحات (15-21) !

وأصل ضلاله هذا؛ إنما هو من سوء الفهم، ولربما من سوء القصد - أيضاً -؛ فإنه فسر (التربة) فيه بأنها الأرض! والصواب أنها التراب، كما يدل عليه تمام الحديث واللغة، على ما بينته في آخر المجلد الرابع من "السلسلة" الأخرى: "الصحيحة" (الاستدراك 15) .

ومن عجيب حال هذا الرجل: أنه في الوقت الذي يطعن في عشرات الأحاديث الصحيحة في كتابه الثاني المتقدم، وبعضها متواتر؛ كأحاديث عيسى عليه السلام وغيرها فهو في الوقت نفسه قد حشا كتابه "المنهاج" بمئات الأحاديث الضعيفة والمنكرة، وبعضها من الموضوعات، كحديث عرض الحديث

 

(11/818)

 

 

على القرآن؛ فإن وافقه قبل، وإن خالفه رفض! وهو من وضع الزنادقة؛ كما بينته في غير ما موضع! وغيره كثير وكثير. فالله المستعان.

هذا؛ وقوله في أول حديث الترجمة.

"أشد الناس عذاباً رجل قتل نبياً"؛ قد جاء بإسناد حسن عن ابن مسعود، وهو مخرج في "السلسلة" الأخرى برقم (281) .

5462 - (إذا مات أحدكم؛ فقد قامت قيامته؛ فاعبدوا الله كأنكم ترونه، واستغفروه كل ساعة) (1) .

موضوع

أخرجه الديلمي (1/ 1/ 151- زهر الفردوس) من طريق عنبسة ابن عبد الرحمن: حدثنا محمد بن زاذان عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عنبسة هذا؛ فإنه كان يضع الحديث.

وقد مضى له غير ما حديث موضوع؛ فانظر اسمه في فهرس المجلد الأول والثاني من هذه "السلسلة".

وقريب منه: شيخه محمد بن زاذان؛ فإنه متروك، فانظر الحديث (435،518) .

والحديث؛ ذكره السخاوي في "المقاصد" (ص 75) من رواية العسكري عن أنس بلفظ:

"الموت القيامة، إذا مات أحدكم؛ فقد قامت قيامته، يرى ما له من خير وشر".

__________

(1) سبق تخريج الشيخ - رحمه الله - الحديث برقم (1166) مختصراً. فانظره. (الناشر) .

 

(11/819)

 

 

ولم يتكلم على إسناده بشيء، لا في رواية العسكري ولا في رواية الديلمي، وقد ذكرها تحت حديث:

"من مات؛ فقد قامت قيامته" (ص 428) مشيراً إلى أنه لا أصل له بهذا اللفظ الأخير. وقال:

"وللطبراني من حديث زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال:

يقولون: القيامة القيامة، وإنما قيامة المرء موته.

ومن رواية سفيان بن أبي قيس قال:

شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا؛ فقد قامت قيامته".

5463 - (يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم؛ ستراً من الله عز وجل عليهم) (1) .

باطل

رواه ابن عدي في "الكامل" (ق 17/ 2) عن إسحاق بن إبراهيم الطبري: حدثنا مروان الفزاري عن حميد الطويل عن أنس مرفوعاً. وقال:

"منكر المتن بهذا الإسناد".

وأقره الذهبي في "الميزان"، وابن حجر في "اللسان".

ومن قبلهما ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 248) ؛ فإنه أورد الحديث من طريق ابن عدي، ثم قال:

"هذا حديث لا يصح، والمتهم به إسحاق، قال ابن عدي ... ". وقال ابن

__________

(1) خرّج الشيخ - رحمه الله - هذا الحديث قديماً برقم (433) ، فانظره. (الناشر)

 

(11/820)

 

 

حبان في إسحاق هذا (1/ 138) :

"منكر الحديث جداً، يأتي عن الثقات بالأشياء الموضوعات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب".

ثم ساق له عدة أحاديث موضوعة تدل على حاله السيئة؛ فليراجعه من شاء. ولذلك؛ قال الحاكم في - "المدخل" كما في "اللسان" -:

"روى عن الفضيل وابن عيينة أحاديث موضوعة".

ولذلك؛ فالحديث باطل؛ كما قال ابن القيم في "مناره" (ص 51) ، قال:

"والأحاديث الصحيحة بخلافه، قال البخاري في "صحيحه": (باب ما يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم) . ثم ذكر حديث: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان".

ومن عجائب السيوطي: أنه تعقب - في "اللآلي" (2/ 449) - ابن الجوزي بقوله:

"قلت: له طريق آخر ... ".

ثم ساق حديث ابن عباس المتقدم برقم (434) ، وهو موضوع أيضاً؛ فيه كذاب؛ كما بينته هناك.

ولذلك؛ تعقبه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" بقوله (2/ 381) :

"هو من طريق إسحاق بن بشر؛ وهو كذاب وضاع، فلا يصلح شاهداً".

ولهذا؛ فقد أساء السيوطي بتعقبه المذكور من جهة، وبسكوته عليه وفيه

 

(11/821)

 

 

الكذاب من جهة أخرى، كما سكت عليه أيضاً في كتابه الآخر "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (80/ 118 - تحقيق الأخ الفاضل محمد الصباغ) !

وقريب من ذلك: ما صنعه الزرقاني في "مختصر المقاصد الحسنة" (76/ 222) ؛ فإنه أورد الحديث، وقال:

"ضعيف"!

فأوهم أنه ليس شديد الضعف، ليس فيه من رمي بالكذب والوضع! وهذا إنما يأتي من التقليد وقلة التحقيق.

ونحوه في "تذكرة الموضوعات" للشيخ محمد طاهر الفتني (ص 224) .

5464 - (لا أجمعهما له، هو أبو سليمان) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن أبي خثيمة في "التاريخ" (328) : أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن يحيى عن إبراهيم بن أبي يحيى عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ قال:

لما ولد محمد بن طلحة بن عبيد الله؛ أتى به طلحة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:

"أسمه محمداً". فقال: يا رسول الله! أكنيه أبا القاسم؟ قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل؛ ابن قنفذ تابعي لم يدرك القصة. وإبراهيم ابن أبي يحيى؛ الظاهر أنه إبراهيم بن أبي حية اليسع؛ فإن كنيته اليسع أبو يحيى؛ ولقبه أبو حية؛ كما في "اللسان". قال البخاري:

__________

(1) مال الشيخ - رحمه الله - إلى ثبوته قبل وقوفه على إسناده، فانظر آخر الحديث (5452) . (الناشر)

 

(11/822)

 

 

"منكر الحديث". وقال الدارقطني:

"متروك".

وقد أشار ابن عبد البر إلى ضعف هذا الحديث في "الاستيعاب".

لكن قد صح النهي عن الجمع بين اسمه - صلى الله عليه وسلم - وكنيته في غير هذا الحديث، كما بينته في التعليق على "مختصر تحفة المودود" لابن القيم بقلمي. ولم يصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كناه بأبي القاسم؛ خلافاً لما ذكره ابن عبد البر!

5465 - (إذا كان يوم القيامة؛ خرج صائح من عند الله، فنادى بأعلى صوته: يا أمة محمد! إن الله قد عفا لكم عن حقه قبلكم، فتعافوا فيما بينكم، وادخلوا الجنة بسلام) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (341) : حدثنا محمد ابن بشير الكندي قال: أخبرنا معن بن عيسى الأشجعي وعبد الله بن إبراهيم الغفاري عن زيد بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه عن جده عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته زيد هذا؛ فإنه مجهول؛ كما قال الذهبي في ترجمة (عبد الله بن إبراهيم الغفاري) من "الميزان".

وأورد فيها حديثين آخرين من روايته عن زيد، فقال ابن عدي:

"لم أسمع بزيد إلا في هذين الحديثين، ولا أعلم روى عنه إلا عبد الله بن إبراهيم"!

 

(11/823)

 

 

قلت: ويرده هذا الحديث؛ فقد روى عنه معن بن عيسى الأشجعي؛ وهو ثقة ثبت؛ حتى قال أبو حاتم:

"هو أثبت أصحاب مالك".

لكن الراوي عنه محمد بن بشير الكندي فيه كلام؛ قال يحيى:

"ليس بثقة". وقال الدارقطني:

"ليس بالقوي".

5466 - (من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم أتى الركن ليستلمه؛ خاض في الرحمة، فإذا استلمه فقال: بسم الله والله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ غمرته الرحمة، فإذا طاف بالبيت؛ كتب الله له بكل قدم سبعين ألف حسنة، وحط عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وشفع في سبعين من أهل بيته، فإذا أتى مقام إبراهيم، فصلى عنده ركعتين إيماناً واحتساباً؛ كتب الله له عتق أربعة عشر محرراً من ولد إسماعيل، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .

منكر

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (104/ 2 - مصورة الجامعة الإسلامية: الثانية) من طريق عيسى بن إبراهيم الطرسوسي: حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا إسماعيل بن عياش عن المغيرة بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً.

 

(11/824)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ المغيرة بن قيس بصري منكر الحديث؛ كما قال ابن أبي حاتم (4/ 1/ 227-228) عن أبيه.

وابن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وهذه منها.

والطرسوسي؛ لم أعرفه.

5467 - (يوشك أن تظهر فتنة لا ينجي منها إلا الله، أو دعاء كدعاء الغريق) .

منكر

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (123/ 1) من طريق يحيى ابن المتوكل عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ يحيى بن المتوكل: هو المدني أبو عقيل؛ مجمع على ضعفه. بل قال ابن حبان (3/ 116) :

"منكر الحديث، ينفرد بأشياء ليس لها أصول من حديث النبي عليه الصلاة والسلام، لا يسمعها الممعن في الصناعة إلا لم يرتب أنها معمولة".

ويعقوب بن سلمة: هو الليثي مولاهم المدني، وهو مجهول الحال.

وأبوه لين الحديث؛ كما في "التقريب"!

وحقه أن يقول في أبيه: إنه مجهول؛ لأنه لم يذكر له في "التهذيب" راوياً غير ابنه، بل ختم ترجمته فيه بقوله:

"لا يعرف"، وهو الذي جزم به الذهبي في "الميزان".

 

(11/825)

 

 

5468 - (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان؛ نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد؛ لم يعذبه أبداً، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين؛ أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله، فإذا كانت ليلة الفطر؛ ارتجت الملائكة، وتجلى الجبار بنوره - مع أنه لا يصفه الواصفون -؛ فيقول للملائكة - وهم في عيدهم من الغد -: يا معشر الملائكة - يوحي إليهم -! ما جزاء الأجير إذا أوفى عمله؟ فتقول الملائكة: يوفى أجره. فيقول الله تعالى: أشهدكم أني قد غفرت لهم) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (180/ 1) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 189-190) من طريق حماد بن مدرك: حدثنا عثمان ابن عبد الله الشامي: حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال ابن الجوزي عقبه:

"هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه مجاهيل، والمتهم به عثمان ابن عبد الله؛ قال ابن عدي: حدث بمناكير عن الثقات، وله أحاديث موضوعة. وقال ابن حبان: يضع على الثقات".

قلت: وحماد بن مدرك؛ لم أجد له ترجمة، والظاهر أنه من المجاهيل الذين أشار إليهم ابن الجوزي، وقد أقره السيوطي في "اللآلي المصنوعة" (2/ 100-101) .

ومع هذا كله؛ أورد المنذري هذا الحديث في "ترغيبه" (2/ 68-69) من رواية الأصبهاني هذه! وذلك من تساهله الذي حملني على جعل كتابه إلى

 

(11/826)

 

 

قسمين: "صحيح الترغيب" و "ضعيف الترغيب"؛ وقد شرحت تساهله هذا في مقدمة "الصحيح" بما لا تجده في غيره، وقد تم طبع المجلد الأول منه، يسر الله لنا طبع سائرها مع "الضعيف" (1) .

5469 - (إذا كان أول ليلة من رمضان؛ فتحت أبواب السماء؛ فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان.

فليس من عبد مؤمن يصلي ليلة؛ إلا كتب الله له ألفاً وخمس مئة حسنة بكل سجدة، ويبنى له بيت في الجنة من ياقوتة حمراء، لها ستون ألف باب [لكل باب] منها قصر من ذهب موشح بياقوتة حمراء.

فإذا صام أول يوم من رمضان؛ غفر له ما تقدم إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان.

ويستغفر له كل يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة إلى أن توارى بالحجاب، وكان له بكل سجدة يسجدها في شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلها خمس مئة عام) .

موضوع

أخرجه البيهقي في "الشعب" (3/ 314/ 3635) ، والأصبهاني في "الترغيب" (180/ 1) من طريق محمد بن مروان السدي عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة العبدي وعن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

قلت: والسدي هذا - وهو الصغير - متهم بالكذب.

__________

(1) ثم طبع الكتاب - بقسميه - في خمسة مجلدات بعد وفاة الشيخ - رحمه الله - بقليل. (الناشر)

 

(11/827)

 

 

ولست أدري لماذا لم يورد ابن الجوزي حديثه هذا في "الموضوعات"؟! وقد أورد له حديثاً في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وقال فيه:

"كذاب"؛ كما تقدم برقم (203) ؛ فلعله لم يقف عليه.

وقد أساء المنذري بإيراده إياه في "الترغيب" (2/ 66-67) دون أن يبين حال راويه؛ فإنه لم يزد على قوله:

"رواه البيهقي، وقال: "قد روينا في الأحاديث المشهورة ما يدل على هذا، أو لبعض معناه". كذا قال رحمه الله"!!

وكأن المنذري أشار إلى نقد كلام البيهقي؛ فإنه ليس في الأحاديث المعروفة ما في هذا إلا الفقرة الأولى؛ فإنها في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة نحوه.

وقنع المنذري بالإشارة إلى تضعيفه فقط!

وقلده المعلقون الثلاثة، فصرحوا بأنه "ضعيف"؛ مع أنهم عزوه للبيهقي والأصبهاني بالأرقام! ولا يحسنون إلا هذا:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما * * * والماء فوق ظهورها محمول.

5470 - (إذا كان غداة الفطر؛ قامت الملائكة على أفواه الطرق فنادوا: يا معشر الناس! اغدوا إلى رب رحيم، يمن بالخير ويثيب الجزيل؛ أمركم بصوم النهار فصمتوه، فإذ أطعتم ربكم فاقبضوا أجوركم.

فإذا صلوا نادى مناد من السماء: ارجعوا إلى منازلكم راشدين؛

 

(11/828)

 

 

فقد غفرت ذنوبكم، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (618) ، والمعافى بن زكريا في "الجليس" (4/ 83) ، والأصبهاني في "الترغيب" (188/ 1) من طريقين عن سعيد بن عبد الجبار [عن توبة] عن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه مرفوعاً به. والزيادة للطبراني.

وكذلك رواه الحسن بن سفيان في "مسنده"؛ إلا أنه قال: عن توبة أو أبي توبة.

وكذلك أخرجه المعافى في "الجليس"؛ لكنه قال:

عن أبي توبة.. بغير شك، وكذا نقله في "الإصابة".

قلت: وأبو توبة - أو توبة - لم أعرفه. ومن المحتمل أن يكون هو الذي في "الجرح" (1/ 1/ 446) :

"توبة بن نمر الحضرمي المصري، وكان قاضي مصر، فلما مات استقضي عبد الله بن لهيعة، وابنته تحت ابن لهيعة. روى عن أبي عفير عن ابن عمر. روى عنه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة".

ولعله مما يرجح الاحتمال المذكور: أن الراوي عنه - سعيد بن عبد الجبار - هو حضرمي أيضاً، وهو سعيد بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي، وهو ضعيف.

وعلى كل حال؛ فقد روي الحديث من طريق أخرى عند الطبراني (617) من رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير عن سعيد بن أوس الأنصاري به.

 

(11/829)

 

 

وهذا إسناد واه بمرة؛ أبو الزبير مدلس؛ وقد عنعنه.

لكن الآفة ممن دونه؛ فإن جابراً هذا - وهو الجعفي - متروك.

وعمرو بن شمر شر منه. قال الحاكم:

"كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره".

وأعله الهيثمي (2/ 201) بالجعفي وحده، فقصر.

ومدار الطريقين على سعيد بن أوس الأنصاري، ولم أجد من ترجمه.

ووقع في "ترغيب الأصبهاني": سعد بن أوس ولم أجده أيضاً؛ فهو علة الحديث. والله أعلم.

5471 - (إن الله يحب [أهل] البيت الخصب) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (209/ 2) من طريق ابن أبي الدنيا قال: حدثني محمد بن قدامة الجوهري: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن جريج: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مع إعضاله؛ فإن ابن جريج - واسمه عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج - لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة.

وفي الطريق إليه محمد بن قدامة الجوهري، وفيه لين؛ كما في "التقريب".

وأعله السيوطي في "الجامع الصغير" بالإعضال فقط! والزيادة منه.

 

(11/830)

 

 

5472 - (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (210/ 1) من طريق ابن أبي الدنيا بسنده عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن [ابن] جريج عن علي ابن زيد بن جدعان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل؛ ابن جدعان تابعي معروف بالضعف.

وابن جريج مدلس.

وعبد المجيد بن عبد العزيز - وهو ابن أبي رواد المكي - ضعيف أيضاً. وبالغ فيه ابن حبان؛ فقال في "الضعفاء" (2/ 161) :

"منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير؛ فاستحق الترك"!

والحديث؛ أعله السيوطي في "الجامع" بالإرسال فقط.

وزاد المناوي إعلاله بضعف ابن جدعان.

واعلم أنني إنما أوردت الحديث هنا لهذه الزيادة:

"في مأكله ومشربه"! لتفرد هذه الطريق بها؛ فإنها - مع ضعفها - مخالفة للطرق الأخرى التي روت الحديث موصولاً مسنداً عن ابن عمرو، ووالد أبي الأحوص دونها؛ وهما مخرجان في "غاية المرام" (75) .

 

(11/831)

 

 

5473 - (إنا أمرنا أن نأخذ الخير بأيماننا) .

منكر

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (211/ 1) من طريق عبد العزيز

 

(11/831)

 

 

ابن أبان: حدثنا محمد بن بشر بن بشير بن معبد الأسلمي قال: حدثني أبي عن جدي - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -:

أنه كان بـ (أذربيجان) ، فأتوا بطعام، وعندهم ناس من الدهاقين، فلما فرغوا؛ أتوا بماء يغسلون أيديهم، وأتوا بأشنان، فأخذه بيمينه، فتغامزت الدهاقين! فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد العزيز هذا؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، وكذبه ابن معين".

وقد خالفه في متنه: طلق بن غنام - وهو ثقة - فقال: حدثنا محمد بن بشر ابن بشير عن أبيه بشر بن بشير:

أنه أتي بأشنان يغسل يده، فأخذه بيده اليمنى، قال: إنا لا نأخذ الخير إلا بأيماننا.

رواه البخاري في "التاريخ" (1/ 2/ 96) .

فهذا موقوف، وهو الصواب.

وإن كان معنى المرفوع صحيحاً، يدل على ذلك حديث الأمر بالأخذ والإعطاء باليمين، وهو مخرج في الكتاب الآخر (1236) .

5474 - (السلطان ظل الله تعالى في الأرض، فإن أحسنوا؛ فلهم الأجر، وعليكم الشكر، وإن أساءوا؛ فعليهم الإصر وعليكم الصبر، لا يحملنكم إساءته على تخرجوا من طاعته؛ فإن الذل في طاعة الله

 

(11/832)

 

 

خير من خلود في النار، لولاهم ما صلح الناس) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ق 214/ 2) من طريق عمرو بن عبد الغفار عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن سعد بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

قلت: يا رسول الله! أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد؛ ما هو؟ قال: ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عمرو بن عبد الغفار؛ قال ابن عدي:

"اتهم بوضع الحديث".

وقد رواه غيره من المتهمين بإسناد آخر عن ابن عمر مرفوعاً نحوه؛ وقد مضى برقم (604) .

5475 - (اطلب العافية لغيرك؛ ترزقها في نفسك) .

ضعيف جداً

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (226/ 2) من طريق محمد ابن كثير الفهري: حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ ابن لهيعة ضعيف.

لكن الآفة من الفهري هذا؛ فإنه متروك؛ قال ابن معين:

"ليس بثقة". وقال ابن عدي:

"روى بواطيل، والبلاء منه".

 

(11/833)

 

 

5476 - (ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين، والناس في الحساب: رجل لم تأخذه [في الله] لومة لائم، ورجل لم يمد يديه إلى ما لا يحل له، ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (232/ 2) من طريق غسان ابن مالك السلمي: حدثا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن محمد بن رستم عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ والبلاء من عنبسة هذا؛ فإنه متروك، رماه أبو حاتم بالوضع. وقال ابن حبان (2/ 178) :

"صاحب أشياء موضوعة، وما لا أصل له".

وغسان بن مالك؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 2/ 50) عن أبيه:

"ليس بالقوي، بين في حديثه الإنكار".

لكن روى عنه أبو زرعة الرازي؛ فهو ثقة عنده.

وعلى كل حال؛ فالآفة من شيخه عنبسة.

 

(11/834)

 

 

5477 - (يا بني أكثر من الدعاء؛ فإنه يرد القضاء المبرم. يا بني! أكثر من قول: لا إله إلا الله؛ فإنها أثقل من سبع سماوات ومن الأرضين وما فيهن. يا بني! لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أصبحت وإذا أمسيت؛ فإن القرآن يحيي القلب الميت، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وبالقرآن تسير الجبال. يا بني! أكثر من ذكر الموت؛ فإنك إذا أكثرت ذكر الموت: زهدت في الدنيا، ورغبت في الآخرة، وإن الآخرة

 

(11/834)

 

 

هي دار القرار، والدنيا غرارة لأهلها، والمغرور من اغتر بها) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (238/ 1) من طريق أبي محمد بن حيان: حدثنا أبو إسحاق بن أحمد الفارسي: حدثنا سهل بن زياد القطان عن كثير بن سليم عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آثار الصنع عليه ظاهرة، وهو من صنع كثير هذا؛ فقد قال فيه ابن حبان (2/ 223) :

"كان ممن يروي عن أنس ما ليس من حديثه من غير رؤيته، ويضع عليه، ثم يحدث به". ونحوه قول أبي حاتم فيما رواه ابنه عنه (3/ 2/ 152) :

"ضعيف الحديث، منكر الحديث، لا يروي عن أنس حديثاً له أصل من رواية غيره".

وقد مضى له حديث آخر استنكره أبو زرعة برقم (117) .

5478 - (ثلاث من كن فيه؛ آواه الله في كنفه، ونشر عليه رحمته، وأدخله في محبته: من إذا أعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) .

موضوع

أخرجه الحاكم (1/ 125) ، وعنه البيهقي في "الشعب" (4/ 105/ 4433) ، والأصبهاني في "الترغيب" (ق 236/ 1) من طريق يعقوب ابن سفيان: حدثنا عمر بن راشد - كان ينزل (الجار) -: حدثنا محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب عن هشام بن عروة عن محمد بن علي عن ابن عباس مرفوعاً. وقال الحاكم:

 

(11/835)

 

 

"صحيح الإسناد؛ فإن عمر بن راشد شيخ من أهل الحجاز من أهل المدينة، قد روى عنه أكابر المحدثين"!! وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: بل واه؛ فإن عمر قال فيه أبو حاتم: وجدت حديثه كذباً".

قلت: تمام كلام أبي حاتم في رواية ابنه عنه (3/ 1/ 108) :

".. وزوراً، والعجب من يعقوب بن سفيان كيف روى عنه؟! لأني في ذلك الوقت وأنا شاب؛ علمت أن تلك الأحاديث موضوعة، فلم تطب نفسي أن أسمعها، فكيف خفي على يعقوب بن سفيان ذلك؟! ".

قلت: وفي ذلك إشارة إلى أن رواية الثقة عن شيخ لا يكون توثيقاً له، وهو الصحيح؛ حتى ولو كان ينص على عدالة شيوخه، كما قال الحافظ ابن كثير في "مختصره" (ص 106) ؛ خلافاً لما أشار إليه كلام الحاكم المتقدم:

"قد روى عنه أكابر المحدثين"!

فلا جرم أن الحافظ الذهبي لم يعرج عليه.

وكأن الحاكم أشار بذلك إلى رواية يعقوب بن سفيان عنه.

ثم أخرجه البيهقي (4434) من طريق ابن عدي، وهذا في "الكامل" (6/ 378) : حدثنا أحمد بن داود بن أبي صالح: حدثنا أبو مصعب المديني - يقلب (مطرف) -: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب به نحوه.

ساقه ابن عدي مع أحاديث أخرى في ترجمة (مطرف) هذا؛ وقال:

"يأتي بمناكير".

 

(11/836)

 

 

فتعقبه الذهبي في "الميزان" بقوله:

"قلت: هذه أباطيل؛ حاشا مطرفاً من روايتها! وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عدي؟! فقد كذبه الدارقطني، ولو حولت هذه إلى ترجمته كان أولى".

ونحوه في "التهذيب" لابن حجر.

5479 - (في الجنة شجرة أصلها من ذهب، وأغصانها الفضة، وثمرها الياقوت والزبرجد، ينبعث لها ريح؛ فيحك بعضها بعضاً، فما سمع شيء قط أحسن منه) .

ضعيف

أخرجه ابن راهويه في "مسنده" (4/ 56/ 2) : أخبرنا عتاب ابن بشير عن عبد الله بن مسلم بن هرمز الهرمزي عن مجاهد قال:

قيل لأبي هريرة: هل في الجنة سماع؟ قال: نعم؛ شجرة ... إلخ.

قلت: وهذا - مع وقفه -؛ فيه ابن هرمز هذا، وهو ضعيف؛ كما في "التقريب".

وعتاب صدوق يخطىء؛ مع كونه من رجال البخاري.

وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً.

أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" من طريق مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن رجل عن أبي هريرة مرفوعاً به.

قلت: مسلمة هذا متروك.

 

(11/837)

 

 

وتابعيه مجهول لم يسم.

وله شاهد؛ يرويه حفص بن عمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:

"إن في الجنة ... " فذكره بنحوه.

أخرجه ابن الجوزي في "جامع المسانيد" (ق 42/ 1) .

وحفص هذا؛ الظاهر أنه ابن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن؛ فإنه من هذه الطبقة. فإن يكن هو؛ فهو مقبول عند الحافظ.

وبالجملة؛ فالحديث لا يزال في مرتبة الضعف؛ لتعريه عن شاهد معتبر. والله أعلم.

5480 - (اقضيا يوماً آخر) (1) .

ضعيف

أخرجه ابن راهويه في "مسنده" (94/ 1) : عن ابن جريج قال: قلت: لابن شهاب: أحدثك عروة بن الزبير عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

"من أفطر في تطوع؛ فليقضه"؟

قال: لم أسمع من عروة في ذلك شيئاً، ولكني سمعت في خلافة سليمان ابن عبد الملك من ناس عن بعض من نساء عائشة أنها قالت:

كنت أنا وحفصة صائمتين، فقرب إلينا طعام، فابتدرناه فأكلناه، فدخل النبي

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " انظر (5202) ". (الناشر)

 

(11/838)

 

 

- صلى الله عليه وسلم -؛ فبادرتني إليه حفصة - وكانت ابنة أبيها -؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

5481 - (عشر مباح للمسلمين في مغازيهم: العسل، والماء، والتراب، والخل، والملح، والحجر، والعود - ما لم ينحت - والجلد الطري، والطعام يخرج به) .

موضوع

أخرجه ابن راهويه في "مسنده" (4/ 95/ 2) : أخبرنا عبد الملك بن محمد الشامي - وهو صاحب الأوزاعي -: أخبرنا أبو سلمة العاملي: حدثني الزهري: حدثني عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - يوم حنين بالجعرانة - ... فذكره. وقال:

"حديث منكر، وعبد الملك عندهم في حد الترك".

قلت: وقد وثقه بعضهم، وهو لين الحديث؛ كما قال الحافظ.

وإنما آفة الحديث: شيخه أبو سلمة العاملي - واسمه: الحكم بن عبد الله بن خطاف -، وهو متروك، ورماه أبو حاتم بالكذب.

 

(11/839)

 

 

5482 - (من مات وعليه صوم نذر؛ فليصم عنه وليه) .

منكر

أخرجه ابن راهويه في "المسند" (4/ 95/ 2-96/ 1) : أخبرنا عبد الله بن واقد الجزري: أخبرنا حيوة بن شريح: أخبرني سالم بن غيلان عن عروة ابن الزبير عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ومتن منكر؛ بزيادة: "نذر"! تفرد به الجزري هذا، وهو متروك، وكان أحمد يثني عليه، وقال:

 

(11/839)

 

 

"لعله كبر واختلط، وكان يدلس"!

قلت: قد صرح هنا بالتحديث؛ فالعلة من سوء حفظه.

ويؤكد ذلك: أن ابن وهب تابعه في أصل الحديث دون هذه الزيادة، فقال: قال حيوة به.

أخرجه أحمد (6/ 69) .

وكذلك أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق أخرى عن عروة به؛ وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2079) .

وأما قول ابن راهويه عقب الحديث.

"السنة على هذا".

فهو الراجح من الناحية الفقهية، وعليه حمل هذا الحديث عند المحققين؛ فكأن الجزري روى الحديث بالمعنى الذي يراه، وهذا من شؤم الرواية بالمعنى!

5483 - (إن الدين يقتص من صاحبه يوم القيامة إذا مات ولم يقضه؛ إلا من تدين في ثلاث:

رجل تذهب قوته [في سبيل الله] ، فيدين ما يتقوى به على عدو الله وعدو رسوله؛ فمات فلم يقضه.

ورجل مات عنده مسلم؛ فلم يجد ما يكفنه إلا بدين؛ فمات ولم يقضه.

ورجل خاف على نفسه العزبة ولم يكن عنده ما يتزوج، فاستدان

 

(11/840)

 

 

فتزوج؛ ليعف نفسه خشية على دينه. فالله يقضي عن هؤلاء الدين يوم القيامة) .

ضعيف

أخرجه ابن راهويه في "مسنده" (4/ 112/ 2-113/ 1) - والسياق له -، ويعقوب الفسوي في "التاريخ" (2/ 525-526) ، وابن ماجه (2/ 83) - والزيادة لهما -، والبزار (1340) ، وكذا أبو يعلى - كما في "زوائد ابن ماجه" للبوصيري (ق 151/ 1) - من طريق الإفريقي عبد الرحمن بن زياد ابن أنعم عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل الإفريقي.

ومثله شيخه عمران؛ فقد ضعفه ابن معين، وتبعه الحافظ، ولم يلتفت إلى توثيق الفسوي له. وكذلك فعل الذهبي، فقال فيه في "الكاشف":

"لين".

وأعله الهيثمي (4/ 133) بالإفريقي فقط من رواية البزار! وهو قصور ظاهر قلده عليه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على "كشف الأستار" (2/ 118) كما هي عادته!

5484 - (أمر عماراً أن يفعل هكذا؛ وضرب بيديه الأرض، ثم نفضهما، ومسح على وجهه ويديه، وقال سلمة: ومرفقيه) .

منكر بذكر المرفقين

أخرجه ابن ماجه (1/ 201) من طريق حميد بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن الحكم وسلمة بن كهيل:

أنهما سألا عبد الله بن أبي أوفى عن التيمم؟ فقال: ... فذكره.

 

(11/841)

 

 

قلت: وهذا متن منكر، وإسناده ضعيف؛ علته ابن أبي ليلى - واسمه محمد ابن عبد الرحمن -؛ قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق؛ سيىء الحفظ جداً".

قلت: وضعفه وسقوطه عن مرتبة الاحتجاج به؛ أمر معروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف، ولولا أني رأيت المعلق على ترجمة سلمة بن كهيل من "تهذيب التهذيب" نقل تصحيح بعضهم لهذا الإسناد؛ لما خرجته كما ستراه في الحديث التالي، لا سيما وحديث التيمم في "الصحيحين" وغيرهما من حديث عمار ليس فيه ذكر المرفقين، وهو مخرج في "الصحيحة" (694) ، و "صحيح أبي داود" (343) .

(تنبيه) : قد أعل الحديث البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (ق 41/ 2) بضعف حفظ ابن أبي ليلى؛ ولكنه قال:

"ولم ينفرد به ابن أبي ليلى؛ فقد رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن أبي أوفى عن أبيه ... فذكره"!

كذا وقع في "المخطوطة":

"عن أبيه"! فلعلها مقحمة من بعض النساخ؛ فإنهم لم يذكروا لأبي أوفى رواية مطلقاً، لا من رواية ابنه عبد الله، ولا غيره.

وكذلك وقع في المطبوعة (1/ 80) ، ووقع فيها: "مصنفه" مكان: "مسنده"؛ وهو خطأ أيضاً؛ فإن الحديث ليس في "مصنف ابن أبي شيبة".

ثم لينظر في قول البوصيري: "فذكره"؛ هل يعني أنه بلفظ سلمة: "ومرفقيه"،

 

(11/842)

 

 

وهو منكر كما تقدم، أم بلفظ الحكم: "يديه"، وهو المحفوظ؟!

5485 - (لا تنفخ؛ فإن النفخ كلام) .

منكر

أخرجه ابن راهويه في "مسنده" (4/ 214/ 2) : أخبرنا يونس ابن بكير: أخبرنا عنبسة بن الأزهر عن سلمة بن كهيل عن أم سلمة:

أنها قالت لذي قرابة لما قام فصلى فنفخ: لا تفعل؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لغلامه رباح: ... فذكره.

قلت: وهذا متن منكر، وإسناد ضعيف منقطع؛ فإن سلمة بن كهيل ما أظنه لقي أم سلمة؛ فإنه كوفي وهي مدنية، وقد ماتت وله من العمر نحو (15) عاماً، وقد قال ابن المديني في "العلل":

"لم يلق سلمة أحداً من الصحابة إلا جندباً وأبا جحيفة".

واستدرك عليه بعضهم بأن ابن ماجه روى في "باب التيمم" من "سننه" بإسناد صحيح عن الحكم وسلمة بن كهيل: أنهما سألا عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن التيمم ... الحديث!

فأقول: هذا ممكن؛ فان ابن أبي أوفى تأخرت وفاته؛ فإنه مات سنة (87) بالكوفة، وهو آخر من مات فيها من الصحابة؛ لكن قوله:

"بإسناد صحيح"! غير صحيح، كما تقدم بيانه آنفاً.

ثم إن عنبسة بن الأزهر ويونس بن بكير؛ فيهما ضعف من قبل حفظهما.

وقد خولفا في إسناده ولفظه، فأخرجه ابن راهويه أيضاً، وأحمد (6/ 301،

 

(11/843)

 

 

323) ، والترمذي (381، 382) ، وابن حبان (483) ، والطبراني في "مسند الشاميين" (ص 379) من طرق ثلاث عن أبي صالح مولى طلحة عن أم سلمة قالت:

رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - غلاماً لنا - يقال له: أفلح - إذا سجد نفخ، فقال:

"يا أفلح! ترب وجهك". وضعفه الترمذي بقوله:

"وإسناده ليس بذاك، وميمون أبو حمزة ضعفه بعض أهل العلم".

وأقره الحافظ في "الفتح" (3/ 85) .

لكن أبو حمزة قد توبع عند أحمد وابن حبان؛ فعلة الحديث أبو صالح هذا؛ فإنه لا يعرف؛ كما قال الذهبي.

5486 - (يا أيها الناس! حرم هذا المسجد على كل جنب من الرجال، أو حائض من النساء؛ إلا النبي، وأزواجه، وعلياً، وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ألا بينت الأسماء أن تضلوا) .

منكر

أخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (1/ 38) ، وابن حزم في "المحلى" (2/ 252 - طبع الجمهورية) من طريق عطاء بن مسلم عن ابن أبي غنية عن إسماعيل عن جسرة - وكانت من خيار النساء - قالت: كنت مع أم سلمة رضي الله عنها، فقالت:

خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من عندي، حتى دخل المسجد فقال: ... فذكره. وقال ابن حزم:

"باطل، عطاء بن مسلم الخفاف منكر الحديث. وإسماعيل مجهول".

 

(11/844)

 

 

قلت: وقد رواه أفلت بن خليفة عن جسرة به نحوه مختصراً.

وأعله ابن حزم بأفلت هذا، وأعله غيره بجسرة؛ وهو الراجح عندي؛ كما بينته في "ضعيف أبي داود" (32) ، فلا نعيد القول فيه.

5487 - (لا ترقدوا في مسجدي هذا، فخرج الناس، وخرج علي رضي الله عنه، فقال لعلي: [ارجع] فقد أحل لك فيه ما أحل لي، كأني بك تذودهم على الحوض، وفي يدك عصا عوسج) .

منكر جداً

أخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (1/ 37-38) من طريق حرام بن عثمان عن أبي عتيق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

أخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناساً من المسجد، وقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ حرام هذا؛ قال الشافعي وغيره:

"الرواية عن حرام حرام". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 269) :

"كان غالياً في التشيع، منكر الحديث فيما يرويه، يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل".

وساق له الذهبي مما أنكر عليه عدة أحاديث؛ هذا منها، وقال:

"وهذا حديث منكر جداً".

 

(11/845)

 

 

5488 - (لما تجلى الله تعالى للجبل؛ طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة في المدينة، وثلاثة في مكة: وقع بالمدينة أحد، وورقان،

 

(11/845)

 

 

ورضوى، ووقع بمكة ثبير، وحراء، وثور) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (1/ 79) ، والخطيب في "التاريخ" (10/ 441) عن عبد العزيز بن عمران عن معاوية بن عبد الله عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس مرفوعاً. وقال الخطيب:

"هذا الحديث غريب جداً، لم أكتبه إلا بهذا الإسناد".

قلت: ثم روى عن ابن معين أنه قال في عبد العزيز هذا - وهو ابن عمران بن عبد العزيز الزهري المدني -:

"ليس بثقة؛ إنما كان صاحب شعر". وعن البخاري:

"منكر الحديث، لا يكتب حديثه". وعن النسائي:

"متروك الحديث".

ولذلك؛ أورد ابن الجوزي الحديث في "الموضوعات" (1/ 120-121) ؛ وقال:

"قال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا أصل له، وعبد العزيز بن عمران يروي المناكير عن المشاهير".

وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (1/ 24) بأن له متابعاً! متروكاً.

ورده عليه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 144) بقوله:

"بل هو كذاب؛ فلا يصلح تابعاً". وهو كما قال.

__________

(1) سبق للشيخ - رحمه الله - تخريج الحديث برقم (162) ، وسيأتي ضمن الحديث التالي برقم (5490) ، وما ههنا فيه فوائد زوائد. (الناشر)

 

(11/846)

 

 

قلت: والجلد بن أيوب؛ قال الدارقطني:

"متروك"، وقال أحمد:

"ضعيف، ليس يسوى حديثه شيئاً".

وفي ترجمته أورد الحديث ابن حبان في "ضعفائه" (1/ 211) ، وقال:

"موضوع، لا أصل له".

وذكر أن إسماعيل بن علية كان يرميه بالكذب.

قلت: وهذه العلة لم يتعرض لذكرها من ذكرنا من النقاد: ابن الجوزي، والسيوطي، وابن عراق!

5489 - (هل تدرون ما اسم هذا الجبل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا [حمت] جبل من جبال الجنة، اللهم! بارك فيه، وبارك لأهله فيه، وقال للروحاء: هذه سجاسج واد من أودية الجنة، ولقد مر بها موسى؛ عليه عباءتان قطوانيتان على ناقة ورقاء؛ في سبعين ألفاً من بني إسرائيل حاجين البيت العتيق، ولا تمر الساعة حتى يمر بها عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله حاجاً أو معتمراً؛ أو يجمع الله له ذلك كله) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 16/ 12،13) - والسياق له -، وابن شبة في "تاريخ المدينة" (1/ 80) - مختصراً - من طريق كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال:

غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أول غزوة غزاها - الأبواء، حتى إذا كنا بـ (الروحاء) ؛ نزل بـ (عرق الظبية) ، فصلى، ثم قال: ... فذكره.

 

(11/847)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ لأن كثيراً ضعيف متهم بالكذب.

وقد اقتصر الهيثمي في "المجمع" (6/ 68) على تضعيفه! وقد استدركت الزيادة التي بين المعكوفيين منه ومن "التاريخ"؛ فقد سقطت من "المعجم".

واعلم أن إيراد الحديث في هذا الكتاب إنما هو باعتبار النصف الأول منه؛ لغرابته ونكارته؛ إلا؛ فالنصف الآخر ثابت في بعض الأحاديث الصحيحة، فانظر "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب" (2/ 115-117) .

ومن أحاديث كثير المذكور الحديث التالي:

5490 - (أربعة أجبال من أجبال الجنة، وأربعة أنهار من أنهار الجنة، وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة، قيل: فما الجبال؟ قال:

أحد يحبنا ونحبه - جبل من جبال الجنة، [و (ورقان) جبل من جبال الجنة] ، والطور جبل من جبال الجنة، ولبنان من جبال الجنة.

والأنهار الأربعة: النيل، والفرات، وسيحان، وجيحان.

والملاحم: بدر، وأحد، والخندق، وحنين) .

موضوع بهذا التمام

أخرجه الطبراني في "الكبير" (17/ 18/ 19) - والسياق له -، وابن شبة في "تاريخ المدينة" (1/ 80-81) - مختصراً - بإسنادهما المتقدم، والزيادة من "التاريخ"؛ والظاهر أنها سقطت من أصل رواية الطبراني؛ فإنها لم ترد أيضاً في "مجمع الزوائد" (4/ 14) .

وقد عزاه للطبراني، وضعفه بكثير!

 

(11/848)

 

 

وهو عندي بهذا السياق موضع؛ لكن صح منه:

"أحد جبل يحبنا ونحبه"؛ فقد رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في "فقه السيرة" (ص 291) ، وقد أخرجه ابن شبة عن جمع من الصحابة.

"وأربعة أنهار من الجنة ... " مخرج في "الصحيحة" (110) .

ثم روى ابن شبة الحديث (1/ 85) من طريق عبد العزيز عن أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه بتقديم وتأخير.

وهذا إسناد ضعيف جداً كسابقه؛ عبد العزيز: هو ابن عمران الزهري المدني، وهو متروك كما تقدم بيانه في الحديث الآنف الذكر (4588) .

وأبو معشر: اسمه نجيح بن عبد الرحمن؛ ضعيف.

5491 - (يا أم قيس! ترين هذه المقبرة؛ يبعث الله منها سبعين ألفاً يوم القيامة على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب، [كأن وجوههم القمر ليلة البدر] . فقام عكاشة فقال: وأنا يا رسول الله؟! قال: وأنت. فقام آخر فقال: وأنا يا رسول الله؟! قال: سبقك بها عكاشة) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الكبير" (25/ 181/ 445) - والسياق له -، وابن شبة في "التاريخ" (1/ 91-92) - والزيادة له - من طرق عن سعد أبي عاصم: حدثنا نافع مولى حمنة بنت شجاع قالت: قالت لي أم قيس:

لو رأيتني ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بيدي في سكة من سكك المدينة، ما فيها بيت، حتى انتهى إلى بقيع الغرقد، فقال لي: ... فذكره. وزاد الثاني:

 

(11/849)

 

 

قال سعد: فقلت لها: ما له لم يقل للآخر؟ قالت: أراه كان منافقاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ نافع هذا؛ أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 453) لهذه الرواية؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك أورده ابن حبان في "الثقات" (3/ 269) ؛ على قاعدته المعروف شذوذها عن قواعد الأئمة.

وسعد هذا: هو ابن زياد أبو عاصم مولى سليمان بن علي؛ قال ابن أبي حاتم (2/ 1/ 83) عن أبيه:

"يكتب حديثه، وليس بالمتين".

قلت: وأما قول الهيثمي (2/ 13) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه من لم أعرفه"!

فهو عجيب؛ لأن الطبراني رواه بإسنادين صحيحين عن سعد؛ فهو يعنيه وشيخه نافعاً، وقد ترجمهما ابن أبي حاتم!

والحديث منكر؛ لأن المحفوظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في السبعين ألفاً أنهم: "الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". أخرجه الشيخان.

والظاهر: أنه في عامة أمته - صلى الله عليه وسلم -؛ وليس في الذين يدفنون في البقيع. والله أعلم.

والحديث؛ سكت عنه الحافظ في "الفتح" (11/ 413 - السلفية) ! فلم يصب.

 

(11/850)

 

 

ثم رواه ابن شبة من طريق عبد العزيز عن حماد بن أبي حميد عن ابن المنكدر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مرسلاً دون قصة عكاشة.

وهذا ضعيف جداً؛ عبد العزيز متروك؛ كما تقدم.

وحماد ضعيف.

5492 - (مقبرة بغربي المدينة؛ يقرضها السيل يساراً، يبعث منها كذا وكذا؛ لا حساب عليهم) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن شبة في "التاريخ" (1/ 93) من طريق عبد العزيز ابن عمران عن عبد العزيز بن مبشر عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عمران هذا، وهو متروك؛ كما تقدم غير مرة.

وعبد العزيز بن مبشر؛ لم أعرفه.

والمقبري الراوي عن أبيه؛ إن كان سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ فهو ثقة كأبيه.

وإن كان عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ فهو متروك. والله أعلم.

 

(11/851)

 

 

5493 - (جزاك الله من أم وربيبة خيراً؛ فنعم الأم، ونعم الربيبة كنت لي. يعني: فاطمة بنت أسد أم علي) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن شبة في "التاريخ" (1/ 124) : حدثنا عبيد بن إسحاق العطار قال: حدثنا القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل

 

(11/851)

 

 

قال: حدثني أبي عبد الله بن محمد - قال: ولم يدعه قط إلا أباه، وهو جده - قال: حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

بينما نحن جلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ أتى آت، فقال: يا رسول الله! إن أم علي وجعفر وعقيل قد ماتت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"قوموا بنا إلى أمي". فقمنا وكأن على رؤوس من معه الطير. فلما انتهينا إلى الباب؛ نزع قميصه، فقال:

"إذا غسلتموها فأشعروها إياه تحت أكفانها". فلما خرجوا بها؛ جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة يحمل، ومرة يتقدم، ومرة يتأخر، حتى انتهينا إلى القبر، فتمعك في اللحد، ثم خرج، فقال:

"أدخلوها باسم الله، وعلى اسم الله". فلما أن دفنوها قام قائماً، فقال: ... فذكره. قال: فقلنا له - أو قيل له -: يا رسول الله! لقد صنعت شيئين ما رأيناك صنعت مثلهما قط؟! قال:

"ما هو؟ ". قلنا: نزعك قميصك، وتمعكك في اللحد؟! قال:

"أما قميصي؛ فأردت أن لا تمسها النار أبداً إن شاء الله. وأما تمعكي في اللحد؛ فأردت أن يوسع الله عليها قبرها".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته من أحد راوييه:

إما القاسم بن محمد؛ فقد قال أبو حاتم:

"متروك". وقال أحمد:

"ليس بشيء".

 

(11/852)

 

 

وإما عبيد بن إسحاق؛ ضعفه يحيى. وقال البخاري:

"عنده مناكير". وقال الأزدي:

"متروك الحديث". وقال ابن عدي:

"عامة حديثه منكر".

وأما أبو حاتم؛ فرضيه!

5494 - (أجهدوا أيمانهم أنهم ذبحوها، ثم اذكروا اسم الله وكلوا) .

ضعيف

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 131/ 1-2531) وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (411/ 878) من طريق محمد بن حمير قال: حدثني سلمة بن العيار عن جرير بن حازم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال:

كان أناس من العرب (وفي رواية أبي الشيخ: الأعراب) يأتون باللحم، فكان في أنفسنا منه بشيء، فذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ... فذكره. إلا أن لفظ أبي الشيخ: "ذكوها" مكان: "ذبحوها".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، رجاله ثقات؛ غير أبي هارون العبدي - واسمه عمارة بن جوين -؛ قال الحافظ:

"متروك، ومنهم من كذبه".

وخفي حاله على الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (4/ 36) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات"!

 

(11/853)

 

 

وانطلى الأمر على الحافظ ابن حجر؛ فقلده في "الفتح" (9/ 635) !

ولو أنه رجع إلى سنده في "الأوسط"؛ لم يخف عليه حاله.

وقد صح منه الشطر الثاني من حديث عائشة رضي الله عنها:

أن قوماً قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن قوماً يأتوننا بلحم، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال:

"سموا عليه أنتم، وكلوه".

قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر.

أخرجه البخاري (5507) وغيره، وقد خرجته في "صحيح أبي داود" (2518) .

وقد اختلف في وصله وإرساله، وأشار البخاري إلى ترجيح الوصل؛ خلافاً للدارقطني؛ كما بينه الحافظ.

وممن أرسله: سفيان بن عيينة، وزاد في روايته:

"اجتهدوا أيمانهم، وكلوا". فقال الحافظ:

"أي: حلفوهم على أنهم سموا حين ذبحوا. وهذه الزيادة غريبة في هذا الحديث، وابن عيينة ثقة؛ لكن روايته هذه مرسلة".

وأقول: بل هي - إلى ذلك - شاذة في حديث عائشة؛ لأنها لم تذكر في شيء من الطرق الأخرى الموصولة أو المرسلة.

وحديث الترجمة لو صح؛ يدل على أنه سقط منها قوله:

 

(11/854)

 

 

إنهم ذبحوها! وهو الذي يقتضيه سياق حديث عائشة. والله أعلم.

5495 - (إن الله عز وجل خلق الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، وذلك قول الله عز وجل: (وأصحاب اليمين) ، (وأصحاب الشمال) ؛ فأنا من أصحاب اليمين؛ وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثاً، فجعلني في خيرها ثلثاً، فذلك قوله: (وأصحاب الميمنة) ، (والسابقون السابقون) ؛ فأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) ، وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله عز وجل، ثم جعل القبائل بيوتاً؛ فجعلني في خيرها بيتاً، وذلك قوله: (إنما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ، وأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب) .

موضوع بهذا التمام

أخرجه يعقوب الفسوي في "المعرفة" (1/ 498) : حدثني يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا قيس عن الأعمش عن عباية بن ربعي الأسدي عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد واه جداً؛ ليس فيه ثقة سوى الأعمش:

أولاً: عباية هذا؛ ذكره العقيلي في "الضعفاء"، وقال:

"غال ملحد، وكان يشرب الدن وحده".

ثانياً: قيس - وهو ابن الربيع - ضعيف.

 

(11/855)

 

 

ثالثاً: يحيى بن عبد الحميد - وهو الحماني -؛ قال في "التقريب":

"حافظ؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث".

قلت: وآثار الوضع والغلو في المتن ظاهرة؛ لا سيما في الجملة الأخيرة منه:

".. مطهرون من الذنوب".

فإنه يشعر بأن التطهير في الآية تطهير كوني! وليس كذلك؛ بل هو تطهير شرعي؛ كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية - في رده على الرافضي - في كتابه العظيم: "منهاج السنة".

وقد رواه الفسوي وغيره من طريق أخرى أخصر منه؛ ليس فيه ما ذكرنا؛ ولكن في إسناده؛ يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم؛ وقد اضطرب في إسناده؛ كما تقدم بيانه برقم (3073) .

لكن صح من رواية مسلم وغيره مختصراً جداً، وصححه الترمذي؛ وقد خرجته لمناسبته تحت الحديث المتقدم (163) .

5496 - (سيخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسه أحد بعده) .

ضعيف

أخرجه الفسوي في "المعرفة" (1/ 563) ، وابن سعد في "الطبقات" (7/ 500-501) ، وابن عساكر في "التاريخ" (15/ 445/ 2) من طريق أبي صخر عن عبد الله بن معتب - أو مغيث - بن أبي بردة عن أبيه عن جده مرفوعاً. وزاد ابن سعد:

 

(11/856)

 

 

قال نافع بن يزيد: قال ربيعة: فكنا نقول: هو محمد بن كعب القرظي. و (الكاهنان) : قريظة والنضير.

قلت: وعزاه الذهبي في "تاريخ الإسلام" (4/ 199-200) للفسوي، وابن وهب. وتحرف على الطابع اسم (معتب) أو (مغيث) إلى: (سعيد) !

وسكت الذهبي عن إسناده! وهو ضعيف؛ لجهالة عبد الله بن معتب أو مغيث وأبيه؛ فقد أورد الأول منهما ابن أبي حاتم (2/ 2/ 174) بهذه الرواية؛ غير أنه قال:

" ... ابن مغيث ... "، ولم يشك، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ولم يذكر أباه مطلقاً؛ لا فيمن اسمه (مغيث) ، ولا فيمن اسمه (معتب) . والله أعلم.

5497 - (يكون في أمتي رجل - يقال له: صلة بن أشيم - يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا) .

ضعيف

أخرجه الفسوي في "المعرفة" (2/ 77) ، وابن سعد في "الطبقات" (7/ 134) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 241) من طريق عبد الله بن المبارك: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل؛ ابن جابر هذا من أتباع التابعين، وهو ثقة. وابن المبارك أشهر من أن يذكر.

 

(11/857)

 

 

5498 - (إنا لله وإنا إليه راجعون، أتاني جبريل آنفاً، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقلت: أجل؛ إنا لله وإنا إليه راجعون، مم ذاك يا جبريل؟! فقال: إن أمتك مفتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير. فقلت: فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟ قال: كل سيكون. فقلت: من أين ذاك وأنا تارك فيهم كتاب الله عز وجل؟! قال: بكتاب الله عز وجل يضلون، فأول ذلك من أمرائهم وقرائهم، تمنع الأمراء الحقوق، ويسأل الناس حقوقهم فلا يعطوها؛ فيغشوا ويقتتلوا، ويتبع القراء أهواء الأمراء؛ فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون. فقلت: يا جبريل! فبم يسلم (الأصل: يسأل) من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر؛ إن أعطوا الذي لهم أخذوه، وإن منعوا تركوه) .

ضعيف جداً

أخرجه الفسوي في "المعرفة" (2/ 308-309) من طريق محمد بن حمير عن مسلمة بن علي عن عمر بن ذر عن أبي قلابة عن أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر بن الخطاب قال:

أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلحيتي (كذا! ولعل الصواب: بلحيته) - وأنا أعرف الحزن في وجهه -، فقال: ... فذكره. وقال:

"ومحمد بن حمير هذا حمصي ليس بالقوي. ومسلمة بن علي دمشقي ضعيف الحديث. وعمر بن ذر هذا أظنه غير الهمداني، وهو عندي شيخ مجهول، ولا يصح هذا الحديث".

أقول: أما أن الحديث لا يصح؛ فنعم.

وأما أن محمد بن حمير ليس بالقوي، وأنه ممن يعل به الحديث؛ فلا؛ لأنه قد

 

(11/858)

 

 

وثقه ابن معين وغيره، وحسبك أنه ممن احتج بهم البخاري في "صحيحه". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق".

وإنما علة الحديث: من شيخه مسلمة بن علي؛ فإنه متروك؛ كما في "التقريب". وقد تقدمت له أحاديث كثيرة.

5499 - (نهاني أن أتختم في هذه وهذه. يعني: الخنصر والإبهام) .

شاذ بهذا اللفظ

أخرجه ابن ماجه (3648) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم عن أبي بردة عن علي قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عاصم - وهو ابن كليب الجرمي -؛ فهو من رجال مسلم وحده؛ غير أن البخاري روى له تعليقاً.

وعبد الله بن إدريس: هو الأودي.

وابن أبي شيبة: اسمه عبد الله بن محمد، وهو الثقة الحافظ صاحب "المصنف" وغيره من المؤلفات؛ فالسند صحيح.

لكن في المتن شذوذ ونكارة من وجهين:

الأول: قوله: هذه وهذه! وإنما هو:.. أو هذه ... على الشك.

والآخر: قوله: يعني: الخنصر والإبهام! والصواب:

السبابة أو الوسطى.

وبيان ذلك من وجوه:

 

(11/859)

 

 

الأول: أنه قد جاء من طريق ثقتين آخرين عن ابن إدريس على الصواب، فقال مسلم (6/ 152) : حدثني محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب جميعاً عن ابن إدريس قال: سمعت عاصم بن كليب ... بلفظ:

نهاني - يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - - أن أجعل خاتمي في هذه أو التي تليها ... لم يدر عاصم في أي الثنتين.

قلت: وما اتفق عليه ثقتان أولى بالاعتماد عليه مما تفرد به ثقة واحد وخالف؛ لا سيما إذا جاء ما يشهد له من رواية الثقات الآخرين عن عاصم، كما يأتي بيانه. وهذا المخالف يحتمل أن يكون ابن ماجه نفسه أو شيخه ابن أبي شيبة، فليراجع كتابه "المصنف - كتاب اللباس" من شاء التحقق من ذلك؛ فإني بعيد عن مخطوطته، ومطبوعته الجديدة؛ فإن المطبوعة القديمة منه لم تصل إلى "اللباس" منه.

ثم رأيته في المطبوعة الجديدة (8/ 504) بلفظ: هذه وهذه. يعني: السبابة والوسطى. فثبت أن الوهم من ابن ماجه، أو لعله من أحد نساخ كتابه.

وقوله: هذه وهذه ... كذا هو في المطبوعة!

والآخر: أن ابن إدريس قد تابعه جمع من الثقات على الوجهين الراجحين؛ فأنا ذاكر من وقفت عليه منهم، ومخرج لروايتهم؛ ليكون القارىء على بينة مما نقول:

فأولهم: سفيان بن عيينة عن عاصم بن كليب عن ابن لأبي موسى به ... فذكر الحديث بنحوه.

 

(11/860)

 

 

هكذا أخرجه مسلم؛ لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ حديث ابن إدريس المتقدم عنده.

وقد رواه بإسناده عنه: الترمذي (1787) ، وساق لفظه؛ فإذا هو هكذا:

هذه وهذه، وأشار إلى السبابة والوسطى. وقال:

"حديث حسن صحيح".

قلت: ففيه بيان ما أجمل في رواية ابن إدريس الراجحة، بذكره السبابة والوسطى؛ خلافاً لحديث الترجمة: الخنصر والإبهام؛ لكنه وافقه في قوله:

هذه وهذه.

فجمع بينهما ولم يتردد.

لكني أظن أنه سقطت ألف (أو) من بعض النساخ أو الطابعين (!) ؛ فقد رواه الحميدي في "مسنده" (52) : حدثنا سفيان بإسناده المذكور بلفظ: (أو) ، وهو المحفوظ؛ لما سيأتي التصريح به من بعض الثقات أنه شك عاصم.

وقد أخرجه أبو عوانة في "مسنده" (5/ 497) من طريق الحميدي؛ إلا أنه قد اختصره.

وثانيهم: شعبة عن عاصم به نحوه.

كذا أخرجه مسلم أيضاً.

وقد أخرجه أحمد (1/ 109،138) من طريقين؛ أحدهما عن محمد بن جعفر - وعنه تلقاه مسلم -؛ ولفظه:

 

(11/861)

 

 

في السبابة أو الوسطى.

ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي في "الزينة"؛ لكن سقط منه ألف (أو) .

وكذلك وقع عند أبي عوانة (5/ 496) ، والطيالسي (167) .

ويؤكد السقوط: رواية أحمد الأخرى عن شعبة:

في ذه أو ذه: الوسطى والسبابة ... وزاد فيها:

وقال جابر - يعني: الجعفي -: هي الوسطى لا شك فيها.

وقد رواها في مكان آخر (1/ 150) عن شعبة أيضاً عن جابر بلفظ:

أن أضع الخاتم في الوسطى.

وهذه فائدة هامة؛ لكن جابر الجعفي ضعيف لا يحتج به.

وإن مما يؤكد السقوط المذكور: رواية الثقة الآتي وهو:

ثالثهم: أبو الأحوص عن عاصم بلفظ:

... هذه أو هذه. قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها.

أخرجه مسلم، وأبو عوانة (5/ 497) ، والنسائي - مختصراً -. وقال أبو عوانة:

وأومأ إلى الوسطى أو التي تليها ... بالإثبات الألف أيضاً.

رابعهم: أبو عوانة عن عاصم بلفظ:

ونهاني أن أجعل خاتمي في هذه، وأهوى أبو بردة إلى السبابة أو الوسطى. قال

 

(11/862)

 

 

عاصم: أنا الذي اشتبه علي أيتهما عنى.

أخرجه أحمد (1/ 154) ، وأبو عوانة (5/ 498) - مختصراً -.

وأبو عوانة: اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة ثبت، أخرج له الشيخان وغيرهما.

وهي تؤكد خطأ حديث الترجمة من الوجهين المتقدمين.

ومثلها ما يأتي:

خامسهم: بشر بن المفضل: حدثنا عاصم مثله، ولفظه:

... في هذه، أو في هذه: في السبابة والوسطى. شك عاصم.

أخرجه أبو داود (2/ 198- التازية) .

وبشر بن المفضل ثقة ثبت من رجال الشيخين أيضاً.

سادسهم: سفيان عن عاصم مختصراً بلفظ:

نهاني أن أجعل الخاتم في هذه أو في هذه. قال عبد الرزاق: لإصبعيه السبابة والوسطى.

أخرجه أحمد (1/ 124) .

وسفيان: هو الثوري، وهو أشهر من أن يذكر بالثقة والحفظ.

سابعهم: محمد بن فضيل عن عاصم به؛ إلا أنه اختصره، فقال:

نهاني أن أجعل خاتمي في هذه السباحة أو التي تليها.

 

(11/863)

 

 

أخرجه أحمد (1/ 78) .

ومحمد بن فضيل ثقة من رجال الشيخين أيضاً.

ثامنهم: علي بن عاصم: أخبرنا عاصم بن كليب الجرمي مثله؛ إلا أنه قال:

هذه أو هذه: السبابة والوسطى. وزاد:

قال: فكان قائماً؛ فما أدري في أيتهما قال.

أخرجه أحمد (1/ 134) .

وعلي بن عاصم لا بأس به في الشواهد والمتابعات.

تاسعهم: صالح بن عمر: أخبرنا عاصم بن كليب؛ بلفظ:

قال عاصم: وأنا اشتبه علي أيتهما هي؟!

أخرجه أبو يعلى (1/ 176) .

وجملة القول: أنه ثبت - برواية ابن إدريس المحفوظة عنه، ومتابعة الثقات التسعة له - أن حديث الترجمة ضعيف شاذ لا صحة له، وأن الصحيح رواية مسلم وغيره: النهي عن التختم في السبابة والوسطى؛ شك راويه عاصم بن كليب.

فقول الشيخ الطيبي - كما في "المرقاة" (4/ 445) -:

" (أو) هذه ليست لترديد الراوي؛ بل للتقسيم؛ كما في قوله تعالى: (ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) "!

فهذا خطأ ظاهر؛ وإن أقره الشيخ علي القاري، وقلده المعلق على (صحيح

 

(11/864)

 

 

مسلم - طبع إستنبول) ؛ منشؤه من الوقوف والجمود على المتون، دون الرجوع إلى الأصول!

ولكن ليت شعري؛ إذا كان هذا عذر الشيخين المذكورين؛ فما عذر المعلق على "صحيح مسلم"؛ وهو يرى فيه عقب الحديث قول ابن إدريس:

لم يدر عاصم في أي الثنتين؟!

أليس هو التقليد؟!!

ثم إن مما يؤكد خطأ ذكر الخنصر في الحديث؛ قول أنس رضي الله عنه:

كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه. وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى.

أخرجه مسلم، والبخاري (5874) نحوه من طريق أخرى عنه.

وفي معناه: ما رواه الطبراني عن أبي موسى قال:

رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألبس خاتمي في السبابة والوسطى؛ فقال:

"إنما خاتم لهذه وهذه"؛ يعني: الخنصر والبنصر.

قال الهيثمي (5/ 153) :

"وفيه محمد بن عبيد الله؛ فإن كان العرزمي؛ فهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات"!

قلت: بل هو متروك؛ كما قال الحافظ وغيره.

فإن قيل: فإذا كان الراوي عاصم شك، ولم يدر أي الإصبعين أراد النبي

 

(11/865)

 

 

- صلى الله عليه وسلم -: السبابة والوسطى؟ فعلى ماذا العمل؟

فأقول: إلى أن يتبين لنا أيهما أراد - صلى الله عليه وسلم - برواية أخرى أو بحديث آخر؛ فينبغي أن يكون العمل بلفظي الحديث احتياطاً، فلا يتختم في الوطسى ولا في السبابة. وهو الذي نقله القاري عن النووي: أنه يكره ذلك كراهة تنزيه. والله أعلم.

5500 - (يا وائل بن حجر! إذا صليت؛ فاجعل يديك حذاء أذنيك، والمرأة تجعل يديها حذاء ثدييها) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 19/ 28) عن ميمونة بنت حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر قالت: سمعت عمتي أم يحيى بنت عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيها عبد الجبار عن علقمة - عمها - عن وائل بن حجر قال:

جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:

"هذا وائل بن حجر؛ جاءكم، لم يجئكم رغبة ولا رهبة؛ جاء حباً لله ولرسوله". وبسط له رداءه، وأجلسه إلى جنبه وضمه إليه، وأصعد به المنبر، فخطب الناس، فقال لأصحابه:

"ارفقوا به؛ فإنه حديث عهد بالملك".

فقلت: إن أهلي قد غلبوني على الذي لي! قال:

"أنا أعطيكه، وأعطيك ضعفه". فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فإن ميمونة بنت حجر، وعمتها أم يحيى بنت عبد الجبار؛ لم أجد لهما ترجمة. وقال الهيثمي في موضعين من "المجمع" (2/

 

(11/866)

 

 

103 و 9/ 373-374) :

"رواه الطبراني من طريق ميمونة بنت حجر بن عبد الجبار عن عمتها أم يحيى بنت عبد الجبار؛ ولم أعرفها، وبقية رجاله ثقات".

قلت: ولا أعلم حديثاً صحيحاً في التفريق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة؛ وإنما هو الرأي والاجتهاد.

وقد ثبت عن بعض السلف خلافه، فانظر آخر كتابي "صفة الصلاة".

ومما يؤيد ذلك: أنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل يديه حذو منكبيه تارة، ويحاذي بهما أذنيه تارة؛ كما تراه مخرجاً في "صفة الصلاة". فالتفريق المذكور في الحديث منكر. والله أعلم.

__________

انتهى بحمد الله وفضله المجلد الحادي عشر من " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيىء في الأمة "، ويليه إن شاء الله تعالى المجلد الثاني عشر، وأوله حديث:

5501 - (لا تدخلوا على النساء وإن كن كنائن. . .) .

و" سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ".

 

(11/867)

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

المقدمة:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فهذا هو المجلد الثاني عشر من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأثرها السيئ في الأمة ". يخرج إلى عالم المطبوعات ليرى النور بعد عشرات السنين. ليلحق بأمثاله من المجلدات السابقة. ليكون المسلم على بينة من أمر دينه، فلا ينسب إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، فيقع تحت وعيد قوله صلى الله عليه وسلم. " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع "، أو تحت وعيد قوله الآخر: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "، وحتى لا يقع المسلم في الضلال والبدعة، ويصرف جهده ووقته فيما لم يشرعه الله ورسوله، وهو يحسب أنه يحسن صنعأ! ! وسيرى القارئ الكريم تحت أحاديث هذا المجلد - كسابقه - الكثير والكثير من الأبحاث والتحقيقات الحديثية، والردود العلمية القوية، والفوائد والتنبيهات الخفية. كل في مكانه ومناسبته، وخذ أمثلة على ذلك الأحاديث: (5512، 13 55، 5515، 7 551، 5529، 5533 - 5539، 5542، 5543، 5550، 5553، 5556، 5557، 5560، 5561، 5564، 5571، 5576، 5579، 5581، 5589، 5590، 5593 - 5598، 5600 - 5607 وهكذا معظم أحاديث هذا المجلد) .

وبطبيعة الحال فإن هذا المجلد - كسابقه - لم يراجعه الشيخ المراجعة الأخيرة لتهيئته للطباعة، ولو فعل لزاد وأفاد، ولذلك. وجدنا بعض الملاحظات على هذا المجلد، منها - بل أهمها - أننا وجدنا عددا من الأحاديث لم يثبت عليها الشيخ - رحمه الله - الحكم المختصر قبل التخريج - كعادته -، فوضعنا الحكم المناسب عليها بناء على نظرنا في دراسة الشيخ لطرقه وتحقيقه، مع الرجوع إلى بعض إخواننا طلاب العلم في ذلك، وإليك أرقام هذه الأحاديث كلها: (5530،

__________

 

[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]

ينظر التعليقات الموجودة بداية من المجلد الثامن

 

(12/3)

 

 

5532، 5507، 5558، 5559، 5563، 5577، 5594، 4 562، 5668، 5679، 5682، 5726، 5727، 5731، 4 575، 5828، 0 583، 2 584، 5848، 5858، 5859، 5873، 5878، 0 588، 5881، 5890، 1 92 5، 27 59، 46 9 5، 5948، 5955) .

وهنالك حديث قمنا بحذفه. نظرا لتخريج الشيخ - رحمه الله - إياه في هذا المجلد برقم (5702) تخريجا أوسع بفوائد زوائد، وهو الحديث (5501) .

ووجدنا بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها، ففصلنا اللاحق عن السابق بوضع [/ م] بعد الرقم المكرر، ولم نعدل الأرقام؛ لأن الشيخ - رحمه الله - كان يحيل عليها في كتبه الأخرى، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي، وهذه الأحاديث هي: (5723، 5743، 5798، 1 585، 5894، 5978) .

وقد وجدنا - أيضا - قفزا في ترقيم الأحاديث في خمسة مواضع، نتج عنها سقوط خمسة أرقام، وهي: (5533، 5764، 5792، 5952، 5989) . وأخير " لا يفوتنا التوجه بالشكر إلى كل من كانت له يد في إنجاز هذا العمل العظيم في جميع مراحله. بما فيه عمل الفهارس العلمية المختلفة على نحو ما كانت تصنع في حياة الشيخ - رحمه الله -. فجزاهم الله خيرا وشكر لهم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالين.

21 من شهر صفر 1423 هـ

الناشر

 

(12/4)

 

 

5501 - (.......................................) (1) .

__________

(1) كان هنا الحديث: " لا تدخلوا على النساء وإن كن كنائن. . . "، وقد أعاد الشيخ - رحمه الله - تخريجه بفوائد زوائد في هذا المجلد برقم (5702) ، فرأينا حذفه من هنا. (الناشر) .

 

(12/5)

 

 

5502 - (من كتم على غال فهو مثله) .

ضعيف.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 16 / 2) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 375 / 1) من طريق إسحاق بن ثعلبة عن مكحول عن سمرة مرفوعا. وقال ابن عدي مضعفاً لاسحاق هذا: " روى عن مكحول عن سمرة أحاديث كلها غير محفوظة ". وقال أبو حاتم فيه:

" مجهول، منكر الحديث ".

قلت: ومكحول - (وهو الشامي الفقيه - ثقة. ولكنه قد رمي بالتدليس، فمن المحتمل أن يكون أسقط الواسطة بينه وبين سمرة. فقد روي الحديث بإسناد مظلم عن سليمان بن سمرة بن جندب عن أبيه سمرة به.

وسليمان هذا. مجهول الحال، فربما يكون هو الواسطة بين مكحول وسمرة. وقد تكلمت على رجال إسناده إلى سليمان، وما فيه من الضعف والجهالة في " ضعيف أبي داود " (272) .

 

(12/5)

 

 

5503 - (أكرم الله عز وجل هذه الأمة بالعمائم والآلوية) .

ضعيف.

أخرجه سعيد بن منصور في " السنن " (برقم 2528) : نا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو قال: سمعت خالد بن معدان وفضيل بن فضالة

 

(12/5)

 

 

يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف لإرساله: خالد بن معدان تابعي معروف، وهو ثقة كاللذين دونه.

وقد روي جله موصولا من رواية عنبسة بن عبد الرحمن عن خالد بن كلاب

أنه سمع أنس بن مالك يقول. . . فذكره مرفوعا بلفظ: " إن الله أكرم أمتي بالألوية ".

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (117 - 118) ، وابن عساكر (2 / 144 / 1) . وقال العقيلي: " خالد بن كلاب مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ ".

يعني هذا. وقال الذهبي:

" الحديث منكر، وخالد تركه الأزدي ".

وكذا في " اللسان ".

وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات "، من رواية العقيلي، ونقل عنه هو وابن حجر أنه قال:

" حديثه؛ لا أصل له ".

وأقره السيوطي في " اللآلي "، ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (ق 288 / 1) . قلت: ولست أدري لماذا تتابعوا على الحمل في هذا الحديث على خالد هذا، والراوي عنه عنبسة بن عبد الرحمن - وهو الأموي - معروف بالضعف الشديد بل

 

(12/6)

 

 

الوضع. والحافظ نفسه قال فيه في " التقريب ":

" متروك، رماه أبو حاتم بالوضع "؟

ثم إنهم قد خفي عليهم - جميعا - حديث الترجمة، وهو مما ينقذ الحديث من الحكم عليه بالوضع كما هو ظاهر، ولعله لذلك اقتصر الحافظ في الفتح " (6 / 127) على قوله في حديث أنس:

" إسناده ضعيف ".

وقد عزاه لرواية أبي يعلى، وما وجدته في نسخة " مسنده " المصورة التي عندي،

ولا أورده الهيثمي في " مجمعه " (5 / 321) وهو على شرطه. لكن قد أورده الحافظ في " المطالب العالية " (2 / 151) من رواية أبي يعلى أيضا ومنه تبين أنه عنده من الطريق المتقدمة طريق خالد بن كلاب، ولم يذكر الراوي عنه: هل هو عنبسة بن عبد الرحمن أم غيره؟ والذي يغلب على الظن أنه الأول. والله أعلم.

5504 - (إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عند الجارية، فعقوا عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة) .

غريب.

أخرجه البزار (233 1) ، والبيهقي (9 / 1 0 3 - 2 0 3) من طريق الضحاك بن مخلد: ثنا أبو حفص سالم بن تميم عن أبيه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، وقال البزار:

" لا نعلمه عن الأعرج عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ".

قلت: ووقع عنده: " أبو حفص الشاعر "، ولم يسمه، ولم أجد له ذكرا فيما عندي

من كتب الرجال، لا في الأسماء ولا في الكنى، وليراجع له " الكنى " للدولابي.

 

(12/7)

 

 

وكذلك أبوه تميم. لم أعرفه، وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 58) :

" رواه البزار من رواية أبي حفص الشاعر عن أبيه، ولم أجد من ترجمهما ". قلت: أما الشطر الثاني من الحديث. فهو صحيح من رواية عائشة وأم كرز الكعبية، وهو مخرج في " الإرواء " (166 1) و " صحيح أبي داود " (2522، 2524، 2525) .

5505 - (من رفع رأسه من الركوع قبل الإمام. فلا صلاة له) .

ضعيف.

رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2 / 375 / 3759) عن رجل

عن محمد بن جابر قال: سمعت عبد الله بن بدر يحدث عن علي بن شيبان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ظاهر الضعف. لجهالة الرجل الذي لم يسم.

وضعف محمد بن جابر، وهو الحنفي اليمامي. قال الحافظ في " التقريب "

" صدوق، ذهبت كتبه، فساء حفظه وخلط كثيرا، وعمي فصار يلقن ".

ومن طريقه رواه بقي بن مخلد أيضا. كما في ترجمة شيبان بن محرز من

" الإصابة "؛ لكنه عزاه لابن ماجه أيضا! وهو من أوهامه رحمه الله.

 

(12/8)

 

 

5506 - (من زار القبور. فليس منا) .

ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 569 / 5 670) عن قتادة

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.

 

(12/8)

 

 

قلت: وهذا إسناد مرسل، فهو ضعيف.

ولعل الحديث - إن صح - كان في وقت النهي عن زيارة القبور، ثم نسخ ذلك بإذن النبي صلى الله عليه وسلم بزيارتها، كما جاء في أحاديث كثيرة، قد ذكرنا قسما طيبا منها في " أحكام الجنائز ". فليراجعها من شاء الوقوف عليها.

5507 - (كان يصافح النساء وعلى يده ثوب) .

ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في المصنف " (6 / 9 / 9832) عن إبراهيم قال:. . . فذكره مرفوعا

قلت: وهو مرسل. بل معضل، والسند إلى إبراهيم صحيح.

 

(12/9)

 

 

5508 - (هذا سجاسج: واد من أودية الجنة، قد صلى في هذا المسجد قبلي سبعون نبيا، ولقد مر به موسى بن عمران حاجاً أو معتمرا في سبعين ألفا من بني إسرائيل على ناقة له ورقاء، عليه عباءتان قطوانيتان) .

ضعيف جداً) . أخرجه أبو إسحاق الحربي في " كتاب المناسك " ص 446 - تحقيق حمد الجاسر) من طريق كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده:

أن النبي صلى في مسجد الروحاء الذي عند عرق الظبية، وقال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا كثير هذا متروك، كما هو معروف.

 

(12/9)

 

 

5509 - (نِعْمَ القوم حِمْيَر؛ بأفواههِمُ السلامُ، وبأيديهمُ الطعام) .

ضعيف جداً. أخرجه الفسوي في " المعرفة " (2 / 220) : حدثني إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي: حدثني عمرو بن الحارث بن العلاء أبو عون بن أبي عبد الله أن قيس بن الحارث الغامدي: حدثنا ابن الصّنابحي قال: إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! العن حميراً. فقال: (يرجم الله حميراً) ! فقال: يا رسول الله! العن حميراً. قال: (يرحم الله حميراً) ! فقال: يا رسول الله! إنما قلت: العن حِمْيَراً. فقال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ اسحاق بن إبراهيم؛ قال الحافظ: " صدوق يهم كثيرا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ".

وعمرو بن الحارث بن العلاء - كذا وقع في الأصل - وأظنه خطأ؛ فإنه: ابن الحارث بن الضحاك كما في " الجرح " (3 / 1 / 226) وغيره، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا؛ إلا أن يكون (العلاء) من أجداده، وهذا مما لم يذكروه. أشار الذهبي إلى أنه مجهول؛ فقال في " الميزان ".

(تفرد بالرواية عنه إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، ومولاة له اسمها " علوة "، فهو غير معروف العدالة. وابن زيريق ضعيف) . وقال الحافظ فيه وفي أبي عون - واسمه عبد الله -: " مقبول ".

 

(12/10)

 

 

ثم تأكد ما ظننته من الخطأ؛ أنه وقع على الصواب في حديث آخر، وهو الآتي بعده:

5510 - (إذا سألتمْ، فَسَلُوا الله عز وجل الفردوس؛ فإنها سرُّ الجنة، يقول الرجل منكم لراعيهِ: عليك بِسرِّ الوادي؛ فإنه أَعْشَبُهُ وأَمْرَعُهُ) .

ضعيف جدا.

أخرجه الفسوي في " المعرفة " (2 / 348 - 349) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق (الأصل: رزيق! وهو خطأ) قال: حدثني عمرو بن الحارث بن الضحاك قال: حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عوف أن سويد بن جبلة حدثهم أن عرباض بن سارية حدثهم، يرده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:. . . فذكره.

قلت وإسناده ضعيف جدا؛ كما سبق بيانه في الحديث الذي قبله.

 

(12/11)

 

 

5511 - (بل أنت عُتْبَةُ بنُ عَبدٍ) .

ضعيف. أخرجه الفسوي في " التاريخ " (2 / 349) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 120 / 296) ، وابن قانع في " معجم الصحابة " من طرق عن محمد بن شعيب بن شابور: ثنا محمد بن القاسم الطائي قال: سمعت يحيى ابن عتبة بن عبد يحدث عن أبيه: أنه أتى في أناس يريدون أن يغيروا أسماءهم، قال: فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاني وأنا غلام حدث، فقال: " ما اسمك "؟ فقلت: عتلة بن عبد. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره، وزاد:

 

(12/11)

 

 

" أرني سيفك ". فسله، فسله، فلما نظر إليه؛ فإذا وسيف فيه دقة وضعف فقال: " لا تضرب بهذا؛ ولكن اطعن به طعناً ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ يحيى هذا لا يعرف إلا في هذه الرواية، وبها أورده ابن حبان في " ثقاته " على قاعدته في توثيق المجهولين، ولم يورده البخاري في " التاريخ "، ولا ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، مع أنهما ذكراه في شيوخ الطائي الراوي عنه هنا. وذكر الثاني منهما أنه روى عنه أيضاً يحيى بن صالح الوحاظي الثقة وغيره، فهو مجهول الحال، ولعله في " ثقات ابن حبان "؛ فقد قال الهيثمي (8 / 53) :

(رواه الطبراني من طرق، ورجال بعضها ثقات) !

كذا قال، وإنما له طريق واحدة، هي طريق يحيى هذا، وإنما الطرق التي أشار إليها عن ابن شابور فقط، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول التخريج.

5512 - (كلُّ سارحَةٍ ورائحةٍ على قومٍ؛ حرامٌ على غيرِهم) .

ضعيف جدا.

أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " (2 / 431 - 432) ، والطبراني في " الكبير " (8 / 207 / 7732) عن سليمان بن سلمة الحمصي قال: ثنا بقية قال: ثنا سلامة بن عميرة المنابحبي - حي من اليمن - عن لقمان ابن عامر الوصابي - حي من اليمن - عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ آفته سليمان هذا؛ فإنه متروك متهم، وقد مضت له أحاديث في المجلد الثاني برقم (586، 594، 779) ، وقول الهيثمي

 

(12/12)

 

 

(4 / 163) بعد أن عزاه للطبراني:

(وفيه سليمان بن سلمة الخبائري؛ وهو ضعيف) .

ففيه تساهل؛ لأن الخبائري أسوأ حالاً، بشهادة الهيثمي نفسه في بعض الأحاديث التي أشرت إليها آنفاً.

وقال المناوي بعد أن نقل قول الهيثمي المذكور:

(وقال غيره: فيه الحسن بن علي المعمري " الأصل: العمري؛ وهو خطأ "، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: حافظ رفع موقوفات قليلة. وسليمان بن سلمة الخبائري تركه أبو حاتم وغيره. و (بقية) ضعفوه) .

ولنا عليه مؤاخذتان:

الأولى: إعلاله بالمعمري لا وجه له؛ لأمرين:

أحدهما: أن رفعه موقوفات قليلة مع كثرة حفظه لا يخرجه من العدالة والإحتجاج به، وما أحسن ما قال الحافظ البرديجي: (ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب) .

وقا الحافظ: في آخر ترجمته من " اللسان ":

(فاستقر الحال آخرا على توثيقه؛ فإن غاية ما قيل فيه: إنه حدّث بأحاديث لم يتابع عليها وقد علمت من كلام الدارقطني أنه رجع عنها، فإن كان أخطأ فيها كما قال خصمه فقط رجع عنها، وإن كان مصيبا فيها كما كان يدعي فذاك أرفع له والله أعلم) .

 

(12/13)

 

 

والآخر: أن المعمري لم ينفرد به؛ فقد تابعه الحافظ الفسوي فقال: حدثني سليمان بن سلمة الحمصي به، والسياق له.

والأخرى: إعلاله ببقية وقوله: " ضعفوه "؛ فليس بجيد؛ لأنه إنما ضعفوه لتدليسه، وهنا قد صرح بالتحديث كما ترى.

وفي الحديث علة أخرى لم يتعرض لذكرها المناوي ولا الهيثمي، وهي سلامة ابن عميرة؛ فإني لم أجده له ترجمة، فهو من مشايخ بقية المجهولين، وقد قال العجلي: (بقية ثقة ما روى عن المعروفين، وما روى عن المجهولين فليس بشيء) . وقال يعقوب بن شيبة: (صدوق ثقة، ويتقى حديثه عن مشيخته الذين لا يعرفون، وله أحاديث مناكير جداً) .

ومما سبق؛ يظهر جليّاً أن إسناد الحديث ضعيف جدا، فقول المناوي في [التيسير] : " إسناده ضعيف "؛ مردود، مع أنه قد ذكر في [الفيض]-كما تقدم - أن فيه الخبائري المتروك.

(تنبيه) : قوله: (المنابحبي) ؛ كذا وقع في " المعرفة " ولم أعرف هذه النسبة، وأظنها محرفة؛ فإني لم أجدها في شيء من كتب الأنساب وغيرها. والله أعلم.

5513 - (مَنْ لَمْ يَقْرَأْ خَلْفَ الإمامِ؛ فَصَلاتُهُ خِدَاجٌ) .

موضوع بذكر (الإمام) . أخرجه الفسوي (2 / 432) عن شيخه المتقدم سليمان الحمصي قال: حدثنا المؤمل بن عمر أوقعنب العتبي: حدثنا يوسف أبو

 

(12/14)

 

 

عنبسة خادم أبي أمامة قال: سمعت أبا أمامة يقول:. . . فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناده ضعيف جداً؛ لما علمت آنفاً من حال سليمان هذا، وأنه متروك متهم.

واللذان فوقه؛ لم أعرفهما.

لكني وجدت في ترجمة أبي أمامة صدي بن عجلان في [الإصابة] حديثاً آخر له؛ من رواية وهب بن صدقة: سمعت جدي يوسف بن حزن الباهلي: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول:. . . فذكره.

قلت: فالظاهر أنه هذا؛ ولكن لم أجد له ترجمة أيضاً، ومثله حفيده وهب بن صدقة. فالله أعلم.

وقد روي الحديث بإسناد آخر مظلم؛ من طريق سليمان بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سوار: نا عمرو بن ميمون بن مهران: حدثني أبي ميمون بن مهران عن أبيه مهران مرفوعاً به.

أخرجه البيهقي في [القراءة خلف الإمام] (62 / 131) ، وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 326 / 2) ، وكذا الطبراني في " الأوسط " (2 / 293 / 9322) ؛ دون قوله: " خلف الإمام " وقال:

(لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به سليمان بن عبد الرحمن) .

قلت: الظاهر لي أنه التميمي الدمشقي ابن بنت شرحبيل، وهو صدوق يخطئ؛ كما في " التقريب ".

وقال الذهبي في " الكاشف ":

 

(12/15)

 

 

(مفت ثقة؛ لكنه مُكْثِرٌ عن الضعفاء) . وذكر في " الميزان " أن أبا حاتم قال: (صدوق؛ إلا أنه من أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين) .

قلت: وعبد الرحمن بن سوار؛ لم أجد له ترجمة، فالظاهر أنه من المجهولين الذين أشار إليهم أبو حاتم آنفاً.

وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 111) -بعد عزوه للطبراني -: (وفي إسناده جماعة لم أعرفهم) .

كذا قال! وليس فيه ممن لا يعرف سوى ابن سوار هذا.

وشيخ الطبراني الوليد بن حماد الرملي؛ ترجمه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " برواية جماعة عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد تابعه عند البيهقي: عبد الله بن حماد الآملي؛ إن لم يكن تحرف اسمه من الناسخ. والله أعلم.

وجملة القول؛ أن علة هذا الإسناد ابن سوار هذا، ومن فوقه ثقات من رجال " التهذيب "، غير مهران والد ميمون الجزري، فأورده في " الإصابة " وساق له حديثين بهذا الإسناد، هذا أحدهما - من رواية ابن السكن وقال:

(قال ابن السكن: لا يروي عن ميمون شيء إلا من هذا الوجه) .

قلت: وكأنه يشير إلى عدم ثبوت صحبته، وقد ذكره البخاري في الصحابة؛ كما قال البغوي ونقله العسقلاني، ولم يورده البخاري في " التاريخ الكبير ". والله أعلم.

 

(12/16)

 

 

وإنما حكمت على الحديث بالوضع؛ لوهاء سنده، ولمخالفته للحديث الصحيح المعروف بلفظ:

(من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب؛ فهي خداج) يقولها ثلاثاً.

رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (779) ، وزاد في رواية:

(فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي!) .

قلت: فهذه الزيادة موقوفة على أبي هريرة، فجعلها سليمان الحمصي وابن سوار في صلب الحديث مرفوعاً!

وأما حديث عبادة: (. . . فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .

فهو ضعيف بهذا اللفظ؛ له ثلاث علل؛ كما شرحته في " ضعيف أبي داود " (146 - 147) ، وإنما صح مختصراً بلفظ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .

أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (780) ، ولو صح باللفظ الأول؛ فهو لا يدل على وجوب قراءة المؤتم للفاتحة، وإنما الجواز كما بينه العلامة اللكنوي في [إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة بالفاتحة خلف الإمام] (ص 209) .

ويؤكد ذلك أنه صَحَّ بلفظ:

 

(12/17)

 

 

(فلا تفعلوا؛ إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب) .

أخرجه عبد الرزاق في " الصنف " (2 / 128) ، وأحمد (5 / 410) ، والبخاري في " جزء القراءة "، والبيهقي في " القراءة خلف الإمام " (161 / 129 - 130) وقوّاه.

وإسناده صحيح.

وعلى هذا اللفظ اعتمدت في كتابي " صفة الصلاة " ودلالته على الجواز؛ بل الجواز المرجوح أوضح من اللفظ الأول كما هو ظاهر؛ إذا لوحظ قوله: " إلا أن. . . "، فلا يصح إذن اعتباره شاهداً لحديث الترجمة كما قد يتوهمه بعضهم ممن لا فقه عندهم!

نعم؛ لو صح الحديث الآتي بعده لكان شاهداً قويا له؛ لكن فيه ما سأبينه.

5514 - (لا صَلاةَ لمنْ لمْ بقرأْ بفاتِحَةِ الكتابِ خَلْفَ الإِمَام) .

منكر بزيادة (خلف) .

أخرجه البيهقي في " القراءة خلف الإمام " (ص56) من طرق عن محمد بن سليمان بن فارس: حدثني أبو إبرهيم محمد بن يحيى الصفار - وكان جارنا -: ثنا عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. قال أبو الطيب: قلت لمحمد بن سليمان: (خلف الإمام) ؟ قال: (خلف الإمام) . وقال: (إسناد صحيح) !

قلت: وفيه نظر من وجهين:

 

(12/18)

 

 

الأول: أن أبا إبراهيم محمد بن يحيى الصفار ما رأيت له ترجمة، وهو من طبقة أبي عبد الله محمد بن يحيى النيسابوري الإمام المخرج له في " الصحيحين "، وما أظن أن البيهقي توهم أنه هو لمعرفته بالرجال واختلاف كنيتيهما، وتميز الأول عن الإمام بلقب (الصفار) .

والآخر: أنه قد خالفه الحسن بن مكرم فقال: أنا عثمان بن عمر به؛ دون قوله: " خلف الإمام ".

والحسن هذا؛ روى عنه جمع من الثقات الحفاظ، ووثقه الخطيب، فراجع " تاريخه " إن شئت (7 / 432) .

أخرجه البيهقي في " القراءة " (12 / 22) .

وتابعه الإمام الدارمي؛ فقال في " سننه " (1 / 283) : أخبرنا عثمان بن عمر به؛ دون الزيادة.

وعثمان هذا؛ هو ابن عمر بن فارس العبدي، ثقة من رجال الشيخين.

وتابعه جمع عن يونس به: عند البيهقي (13 / 25) .

وتابعه أيضاً عبد الله بن وهب: أخبرني يونس به.

أخرج مسلم (2 / 9) ، وأبو عوانة (2 / 125) ، والدارقطني في " سننه " (1 / 322 / 18) ، والبيهقي أيضاً (12 / 21) وكذا في " السنن " (2 / 61) .

ويونس هذا؛ ثقة ثبث محتج به في " الصحيحين ".

وقد تابعه معمر: عند عبد الرزاق (2 / 93 / 2623) ، ومسلم، وأبي عوانة،

 

(12/19)

 

 

والنسائي (1 / 145) ، والبيهقي أيضاً (13 / 26و27) وفي " السنن " (2 / 374) ، وأحمد (5 / 322) .

وصالح: عند مسلم، وأبي عوانة، والبيهقي (12 / 23) وفي " السنن " (2 / 375) ، وأحمد (5 / 321) .

وسفيان بن عيينة: عند الستة وغيرهم، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (780) . ورواه عنه: ابن الجارود أيضاً في " المنتقى " (185) .

وجمع آخر: عند البيهقي (14 / 28 - 31) .

كل هؤلاء الثقات وغيرهم رووه عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة؛ بدون الزيادة.

فهي زيادة منكرة؛ بل باطلة دونما شك أو ريب.

ولعل أبا الطيب - وهو محمد بن أحمد الذهلي - كان يرى ذلك؛ كما يشعر به سؤاله لمحمد بن سليمان عنها، وكأنه كان سؤالا استنكارياً. والله أعلم.

فإن قيل: هل خفيت على البيهقي هذه الروايات الدالة على خطأ الصفَّار هذا لو فرض أنه ثقة عنده؟

فأقول: ما أظن ذلك يخفى على من دونه علماً ومعرفة، ولكنه التعصب المذهبي يحمل صاحبه على تجاهل الحقيقة؛ انتصاراً للمذهب. نسأل الله السلامة!

5515 - (مَنْ أرادَ كَنْزَ الحديثِ؛ فَعَلَيْهِ ب " لا حَوْلَ ولا قوةَ إلا بالله ") .

ضعيف.

أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 282 / 970) تعليقاً،

 

(12/20)

 

 

ووصله الفسوي في " المعرفة " (2 / 445) ، والطبراني في " الكبير " (18 / 301 / 773) من طريق خالد بن يزيد عن عبد الله بن مسروح عن ربيعة بن يورا عن فضالة بن عبيد مَرْفُوعًا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ ربيعة بن يورا؛ أورده. البخاري في " التاريخ " لهذه الرواية، وكذا ابن أبي حاتم (1 / 2 / 475) ، ولم يذكرا فيه جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا، فهو في عداد المجهولين.

وأما ابن حبان؛ فأورده في (الثقات) !

وعبد الله بن مسروح؛ لعله خير من ربيعة؛ فقد أورده البخاري وابن أبي حاتم لهذه الرواية أَيْضًا؛ لكن قال أبو حاتم:

(أراه هو صاحبه عقبة بن عامر) .

قلت: ترجمته عنده قبيل هذا، وذكر أنه روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني وخالد بن يزيد الصدفي. يعني: الراوي لهذا الحديث. وأظن أن (الصدفي) محرف (المصري) ؛ فإنه لم ينسبه النسبة الأولى أحد ممن ترجم له، ومنهم ابن أبي حاتم (1 / 2 / 358) .

وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 99) : " رواه الطبراني من طريق عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يورا، وعبد الله؛ لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".

كذا وقع فيه: " عبد الله بن يزيد "! وكأنه سبق نظر أو قلم؛ ولذلك لم يعرفه، وإنما هو عبد الله بن مسروح، وقد ترجمه من ذكرنا، ويحتمل اِحْتِمَالًا كَبِيرًا أن

 

(12/21)

 

 

يكون في " ثقات ابن حبان ".

(تنبيه) : تحرف اسم (يورا) في بعض المصادر، فوقع في " المجمع ": (بورا) بالباء الموحدة، وفي " المعرفة ": (نورا) بالنون، وقال محققه الفاضل الدكتور العمري:

" هكذا في الأصل، ولم أجده "!

وقوله: " الحديث "؛ هكذا في المصادر الثلاثة، وفي " المجمع ": (الجنة) !

5516 - (يخرجُ ناسٌ مِنَ المشرقِ، فَيُوَطِّئونَ للمهديِّ سُلْطَانَهُ) .

ضعيف. أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة والتاريخ " (2 / 497) ، وابن ماجه (4139 - الأعظمي) من طريق ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مَرْفُوعًا.

قلت: وهذا إِسْنَاد ضعيف؛ من أجل ابن لهيعة وشيخه؛ قال البوصيري في

" الزوائد " (250 / 1) :

" هذا إسناد ضعيف؛ لضعف عمرو بن جابر وابن لهيعة ".

قلت: ابن لهيعة ضعفه معروف. وأما الحضرمي؛ فقد اختلفوا فيه، والأكثرون على تضعيفه، ووثقه الفسوي وغيره، وقال ابن لهيعة نفسه:

" كان ضعيف العقل، كان يقول: علي في السحاب. كان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول: هذا علي قد مرّ في السحاب. كان شَيْخًا أحمق ". وقال أحمد:

" روى عن جابر مناكير، وبلغني أنه كان يكذب ".

وجزم الحافظ بضعفه في (التقريب) .

 

(12/22)

 

 

5517 - (إنَّ العَبْدَ يَلْبَثُ مُؤْمِنًا أَحْقَاباً، ثمّ أحْقَاباً ثمّ يموتُ والله عنه سَاخِطٌ، وإنَّ العبدَ يلبثُ كَافِرًا أحقاباً، ثمّ أحقاباً ثمّ يموتُ والله عنه راضٍ. ومَنْ ماتَ همّازاً لَمّازاً ملقباً للناسِ؛ كان عَلامَتُهُ يومَ القيامةِ أَنْ يَسِمَه اللهُ على الخُرْطُومِ مِنْ كلا الشّفتين) .

ضعيف. أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (2 / 515 - 516) ، والطبراني في " الأوسط " (2 / 259 / 8965) من طريق أبي صالح: حدثني الليث: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عبد الملك بن عبد الله عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو مَرْفُوعًا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علل:

الأولى: أبو صالح هذا - وهو عبد الله بن صالح -؛ كاتب الليث. ومن طريقه

رواه ابن أبي حاتم؛ كما في " تفسير ابن كثير " وغيره. وبه أعله الهيثمي، فقال في " المجمع " (213 / 7) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عبد الله بن صالح، وثقه

عبد الملك بن شعيب؛ وضعفه غيره ".

قلت: وفيه كلام كثير، والذي يتلخص منه وانتهى إليه الحفاظ المتأخرون أن

فيه ضَعْفًا، فقال الذهبي في " الميزان ":

" له مناكير ". وقال في " الكاشف ":

" فيه لين ". وقال الحافظ في " التقريب ":

 

(12/23)

 

 

" صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة ".

الثانية: سعيد بن أبي هلال؛ فإنه كان اختلط؛ كما قال الإمام أحمد.

الثالثة: عبد الملك بن عبد الله؛ هو التجيبي؛ كما في ترجمة شيخه الصدفي

من " تهذيب المزي "، والظاهر أنه مصري؛ لأن (التجيبي) نسبة إلى (تجيب) ، محلة بفسطاط مصر؛ كما في " أنساب السمعاني "، ولم أعرفه، وفي " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 354 - 355) جماعة من طبقته لم ينسب أحد منهم هذه النسبة، ولم يحك فيهم جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا.

وعيسى بن هلال الصدفي؛ ذكره الفسوي في ثقات التابعين في مصر، وفي ترجمته ساق الحديث. وكذلك ذكره ابن حبان في " الثقات "! (3 / 193) ، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".

قلت: فمثله حسن الحديث؛ لكن أشار الذهبي إلى تليين توثيقه بقوله في

" الكاشف ":

" وُثِّق "؛ بل قال في حديث آخر له ذكره في " الكبائر " (ق 28 / 2) :

" ليس إسناده بذاك ". وقال أبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب " (ق 198 / 1) :

" حديث غريب ".

ولعلي أتوجه إلى تخريج الحديث المشار إليه في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى، ولذلك لم ينشرح الصدر لتقوية حديث الترجمة لو صح إسناده إليه. والله أعلم.

 

(12/24)

 

 

قلت: والحديث من جملة الأحاديث الضعيفة التي سَوَّدَ بها الشيخ الصابوني كتابه " مختصر تفسير ابن كثير، (3 / 535) ! زَاعِمًا في المقدمة أنه جرد منه الأحاديث الضعيفة! وهو في ذلك غير صادق! ولا هو أهل لذلك! كما شرحت ذلك بعض الشيء في مقدمة المجلد اَلرَّابِع من " سلسلة الأحاديث الصحيحة "، وقد تم طبعه، وتداولته الأيدي في منتصف هذه السنة (1404) ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وقد لقينا عَنَتَا كَبِيرًا في سبيل طباعته لجهل القائمين على الطباعة بطرق تصحيح التجارب، وإهمالهم وإخلالهم بالمواعيد؛ بحيث أنه تحمل إخراجه إلى حيز الوجود أكثر من سنة! والله المستعان.

5518 - (إن أبي إِبْرَاهِيم - عليه اَلسَّلَام - هَمَّ أن يَدْعُوَ عليهم - يعني: أهل العِراقِ -، فأوحَى اَللَّه تعالى إليه: لا تَفْعَل؟ فإنِّي جَعَلتُ خَزَائِن علمي فيهم، وأَسْكَنْتُ الرحمة في قُلُوبهمْ) .

موضوع. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (1 / 24 - 25) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 62) عن أبي عمر محمد بن أحمد الحليمي قال: نبأنا آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب عن معن بن الوليد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(اللهم بارك لنا في صاعنا ومُدِّنا، وفي شامنا وفي يَمَنِنا، وفي حِجازنا ".

قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك، فقام إليه الرجل فقال: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان في اليوم الثالث قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم. فولى الرجل وهو يبكي، فدعاه

 

(12/25)

 

 

النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

" أمن العراق أنت؟ ".

قال: نعم. قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ المتهم به الحليمي هذا، من ولد حليمة السعدية، ظئر النبي صلى الله عليه وسلم، قال السمعاني في " الأنساب ":

" حدث عن أدم بن أبي إياس أربعة أحاديث مناكير بإسناد واحد، والحمل عليه فيها ". وقال الذهبي في " الميزان ":

" يروي عن آدم بن أبي إياس أحاديث منكرة باطلة، قال أبو نصر بن ماكولا: الحمل عليه فيها ". ثم ساق له الحديث التالي لهذا. وزاد في " اللسان ":

" وقال ابن عساكر: منكر الحديث ".

قلت: ومن فوقه كلهم ثقات من رجال البخاري؛ غير معن بن الوليد، ولم أجد له ترجمة، وهو غير معن بن الوليد بن هشام الغساني الدمشقي؛ فإنه متأخر عن هذا، سمع منه أبو حاتم، وترجمه ابنه (4 / 1 / 278) مُوَثَّقًا.

وإن مما يؤكد وضع هذا الحديث أن طرفه الأول، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة

إلى قول الرجل: " وفي عراقنا "؛ قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره، كما خرجته في " الصحيحة " (2246) من طرق عنه صلى الله عليه وسلم، ليس في شيء منها هذه الزيادة في مَدْح العراق؛ بل فيها قوله صلى الله عليه وسلم جَوَابًا على قول الرجل: " وفي عراقنا؟ ":

(بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان.

 

(12/26)

 

 

فثبت بطلان حديث الترجمة.

5519 - (إذا كان يَوْم اَلْقِيَامَة؟ نُصِبَ لإبراهيم مِنْبَرٌ أمامَ العَرْشِ، ونُصِبَ لي مِنْبَر أمام العرش، ونُصِب لأبي بكر كرسيّ فيجلس عليه، وينادي مناد: يا لَكَ من صِدِّيقٍ بين خليل وحبيب!) .

موضوع. أخرجه الخطيب (4 / 386 - 387) بسند الذي قبله عن معاذ مَرْفُوعًا.

وقد عرفت آفته.

 

(12/27)

 

 

5520 - (دَخَلَ إِبْلِيس العراق فقضى حَاجَته، ثم دخل اَلشَّام فطردوه حتى بَلَغَ (بُسَاق) ، ثم دَخَلَ مِصْر فَبَاضَ بها وفَرَّخَ وبَسَطَ عَبْقَرِيَّهُ) (1) .

ضعيف. أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة، (2 / 748 - 749) ، وأبو الشيخ في " العظمة " (12 / 28 / 2) ، والطبراني في " الكبير " (12 / 340 / 13290) من طريق ابن شهاب عن يعقوب بن عبد الله بن المغيرة بن الأخنس عن ابن عمر مَرْفُوعًا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ رجاله ثقات غير يعقوب بن عبد الله؛ فإني لم أجده في شيء من كتب الرجال هكذا: (ابن عبد الله) ، وإنما فيها: (ابن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس) ، وهو ثقة، من السادسة عند ابن حجر في (التقريب) ، فإن كان هو فالإسناد منقطع، ومن الغريب أن الحافظ الهيثمي مر على هذا دون أي تنبيه؟ فقال (60 / 10) :

__________

(1) العبقري: ضرب من البُسُط. كما في (القاموس) .

 

(12/27)

 

 

" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "؛ من رواية يعقوب بن عبد الله بن

عتبة بن الأخنس (!) عن ابن عمر. ولم يسمع منه، ورجاله ثقا ت ".

كذا وقع في كتابه " المجمع " جمع بين (عبد الله) و (عتبة) فقال: (ابن

عبد الله بن عتبة) ، ولم يذكر (المغيرة) ، وهو خلاف ما في كتب التراجم كما

تقدم، فالظاهر أنه خطأ مطبعي أو من تصرف بعض النساخ أو المصححين؛ فقد وقع

في نحوه الأستاذ صلاح الدين المنجد في تعليقه على " ابن عساكر "؛ فإنه صحح

اسم (عبد الله) فجعله (عتبة) وقال في التعليق: " في الأصل (عبد الله) ، وهو خطأ "!

وإنما الخطأ ما فعل؛ فإنه في الأصول كلها التي وقفنا عليها: (عبد الله) ؛

لاسيما وابن عساكر رواه من طريق الفسوي!

ثم إن للحديث طَرِيقًا أخرى: عند ابن عساكر، يرويه بسنده عن خطاب بن

أيوب: ثنا عباد بن كثير عن سعيد عن قتادة عن سالم عن ابن عمر به نحوه؛ دون

ذكر (بساق) .

وخطاب بن أيوب؛ ذكره ابن أبي حاتم (1 / 2 / 386) بغير هذه الرواية، ولم يذكر فيه جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا.

وعباد بن كثير؛ هو الثقفي البصري؛ متروك، قال أحمد:

" روى أحاديث كذب ".

هذا؛ ولعل أصل الحديث موقوف، وهم بعض الرواة فرفعه؛ فقد قال أبو عذبة: قدمت على عمر بن الخطاب رابع أربعة من الشام ونحن حجاج، فبينا نحن عنده

 

(12/28)

 

 

أتاه آت من قبل العراق، فأخبر أنهم قد حصبوا إمامهم، وقد كان عمر عوضهم منه مكان إمام كان قبله فحصبوه، فخرج إلى الصلاة مغضباً، فسها في صلاته، ثم أقبل على الناس فقال:

من ههنا من أهل الشام؟ فقمت أنا وأصحابي، فقال:

يا أهل الشام! تجهزوا لأهل العراق؛ فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ. ثم قال: اللهم! إنهم قد لبّسوا علي، فلبِّس عليهم، وعجِّل لهم الغلام الثقفي؛ يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم!

أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (2 / 529، 754) عن شريح بن عبيد، و (2 / 755) عن عبد الرحمن بن ميسرة؛ كلاهما عنه.

قلت: وهذا إسناد حسن: أبو عذبة؛ أورده ابن أبي حاتم برواية شريح عنه، ولم يذكر فيه جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا؛ لكن قد روى عنه أَيْضًا عبد الرحمن بن ميسرة؛ كما ترى، وذكره الفسوي في ثقات التابعين المصريين. والله أعلم.

5521 - (إنما يفتري الكذب من لا يؤمن، إن العبد يَزِلُّ الزّلّة، ثم يرجع إلى ربه فيتوبُ، فيتوب الله عليه) .

موضوع.

أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 113 / 235) : حدثني عمر بن إسماعيل الهمداني قال: حدثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله ابن جراد قال: قال أبو الدرداء: يا رسول الله! هل يسرق المؤمن؟ قال:

" قد يكون ذلك ". قال: هل يزني المؤمن؟ قال:

 

(12/29)

 

 

" بلى وإن كره أبو الدرداء ". قال: هل يكذب المؤمن؟ قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته يعلى بن الأشدق أو الهمداني؛ فإن الأول أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:

" قال البخاري: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة؟ ليس بشيء. وقال ابن حبان: وضعوا له أحاديث يحدث بها ولم يدر ".

والآخر متروك, وكان ابن معين يكذبه. انظر الحديث المتقدم: " أنا مدينة العلم. . " (2955) .

وإني متعجب جدا من إيراد الإمام الطبري بهذا الحديث ساكتا عنه, وفيه هذان المتهمان, وأنا وإن كنت حديث عهد بالاطلاع على كتابه " التهذيب " ودراسته فقد بدأت أشعر بأن عنده شيئا من التساهل في إيراد الحديث وتقويته, ولا أدري إذا كان هذا الشعور سيزداد مع الدراسة أو سيضمحل, ذلك ما سنخرجه من أحاديثه:

5522 - (إني قد علمت ما لقيت في الله ورسوله، وما ذهب من مالك, وقد طيبت لك الهدية , فما أهدي اليك من شيء؛ فهو لك) .

موضوع.

أخرجه الطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 172 / 375) من طريق الهيثم بن الربيع قال: حدثني الأصبع بن زيد عن سليمان بن الحكم عن محمد ابن سعيد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال:

لما بعثني رسول الله (ص) الى اليمن قال:. . . . فذكره. وقال:

" هذا خبر غير جائز الاحتجاج بمثله؛ لوهي سنده، وضعف كثير من نقلته،

 

(12/30)

 

 

ومحمد بن سعيد؛ هو المصلوب ".

قلت: قال الحافظ في " التقريب ":

" كذبوه، وقال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث ".

وسليمان بن الحكم واه باتفاقهم؛ كما قال الذهبي في " الضعفاء ".

والهيثم بن الربيع؛ الظاهر أنه العقيلي البصري؛ قال الحافظ:

" ضعيف ".

قلت: وأشار الطبري في كلمته السابقة إلى ضعفه وضعف اللذين قبله.

5523 - (اللهم مشبع الجوعة، [وقاضي الحاجة] ، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم -) .

ضعيف. أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 420 / 974) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 230 / 2 / 4165) من طريق مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن عتبة أب معاذ البصري عن عكرمه عن عمران ابن حصين قال:

كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا، إذ أقبلت فاطمة رحمها الله، فوقفت بين يديه، فنظرت إليها، وقد ذهب الدم من وجهها، وغلبت الصفرة من شدة الجوع، قال: فنظر إليها رسول الله، فقال:

" ادني يافاطمة! ". فدنت حتى قامت بين يديه، فرفع يده، فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج بين أصابعه، ثم قال ":. . . فذكره.

 

(12/31)

 

 

قال عمران: فنظرت إليها، وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة، كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم.

قال عمران: فلقيتها بعد، فسألتها؟ فقالت: ما جعت بعد ياعمران!

وقال الطبراني عقبه - والزيادة له -:

" لا يرويه عن عكرمة إلا عتبة أبو معاذ، تفرد به مسهر بن عبد الملك، ولا يروى عن عمران إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف؛ لأن مسهرا لين الحديث؛ كما في " التقريب ".

وأما شيخه عتبة أبو معاذ؛ فصدوق له أوهام. فهو خير منه، ومع ذلك فالهيثمي ما أعله إلا به؛ فقال في " المجمع " (9 / 203) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عتبة بن حميد؛ وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله وثقوا ".

5524 - (من قل ماله، وكثر عياله، وحسنت صلاته، ولم يغتب المسلمين؛ جاء يوم القيامة وهو معي كهاتين) .

ضعيف جدا. رواه الطبري في " التهذيب " (1 / 422 / 981) ، وأبو يعلى في " مسنده " (65 / 2) ، والأصبهاني في " الترغيب " (234 / 1) ، والخطيب في " التاريخ " (11 / 259) عن مسلمة بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ لأن مسملة بن علي هذا متروك؛ كما قال

 

(12/32)

 

 

الحافظ في " التقريب ".

والحديث؛ أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 256) ؛ دون أن يعزوه لأحد خلافا للمعروف من عادته، والظاهر أنه سقط منم الناسخ أو الطابع.

5525 - (أدوا الفرائض، واقبلوا الرخص، ودعوا الناس؛ فقد كفيتموهم) .

ضعيف. أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ق14 / 1 - زوائده) : حدثنا الحسن بن قتيبة: ثنا سفيان عن العلاء بن المسيب عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ الحسن هذا؛ قال الذهبي:

" هو هالك ".

ثم هو مرسل إن كانت الرواية هكذا، كما يشير إلى ذلك الناسخ بكتبه حرف (ص) ؛ إشارة إلى أنه كذلك وقع في الأصل.

ولعله سقط منه (عن ابن عمر) ؛ فقد أورده السيوطي في " جامعيه " من رواية الخطيب في " التاريخ " عنه، وذكر المناوي في " شرحيه " أن إسناده ضعيف. ولم يبين علته، ولست أدري إذا كان عند الخطيب من هذا الوجه أو غيره؛ فإني لم أره في " فهرس تاريخه " الذي وضعه الشيخ الغماري. والله أعلم.

 

(12/33)

 

 

5526 - (الأقلف لا يحج بيت الله حتى يختتن) .

ضعيف. أخرجه الروياني في " مسنده " (30 / 19 / 2) ، والبيهقي (8 / 324)

 

(12/33)

 

 

عن أحمد بن يونس: حدثني أم الأسود قالت: سمعت منية بنت عبيد ابن أبي برزة تحدث عن جدها أبي برزة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأقلف يحج بيت الله؟ قال:

" لا؛ حتى يختتن ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته منية هذه؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" لا يعرف حالها ".

قلت: لعل الأولى أن يقال:

" لا يعرف عينها "، وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في " الميزان ":

" تفردت عنها أم الأسود ".

ولذلك؛ نقل ابن القيم في " تحفة المودود " قول ابن المنذر بعدما عزاه له. فقال:

" ثم قال ابن المنذر: لا يثبت؛ لأن إسناده مجهول ".

وروى لها الترمذي حديثا آخر في التعزية، وقال:

" ليس إسناده بالقوي ". وهو مخرج في " الإرواء " (3 / 217) .

5527 - (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف) .

ضعيف جدا. أخرجه الطبراني في " الكبير " (6 / 324) من طريق

 

(12/34)

 

 

عبد الأعلى بن أبي المساور عن عكرمة عن الحارث بن عميرة قال:

انطلقت حتى أتيت المدائن، وإذا أنا برجل عليه ثياب خلقان، ومعه أديم أحمر يعركه، فالتفت، فنظر إلي، فأومأ بيده: مكانك ياعبد الله! فقمت، فقلت لمن كان عندي: من هذا الرجل؟ قالوا: هذا سلمان، فدخل بيته، فلبس ثيابا بياضا، ثم أقبل وأخذ بيدي وصافحني وساءلني، فقلت: يأبا عبد الله! ما رأيتني فيما مضى ولا عرفتني؟ ! قال: بلى؛ والذي نفس بيده! لقد عرف روحي روحك حين رأيتك، ألست الحارث بن عميرة؟ فقلت: بلى. فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ آفته ابن أبي المساور؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" متروك، وكذبه ابن معين ".

وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (8 / 88) ، وقال في مكان آخر (10 / 273) :

" رواه الطبراني بأسانيد ضعيفة ".

قلت: لعل الصواب أن يقال: بإسنادين ضعيفين؛ فإنه مع ما في تعبيره من الإجمال والتساهل الموهم أن إسناد هذا ضعيف فقط وليس بمتروك بخلاف تصريحه الأول؛ فإن إسناده الآخر عند الطبراني (6 / 323 / 6169) بلفظ:

" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ".

وهو - وإن كان فيه من لا يعرف؛ فإنه - بهذا اللفظ صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

 

(12/35)

 

 

فقد أخرجه أحمد (2 / 295، 527، 539) ، ومسلم (8 / 41 - 42) من طريقين صحيحين عن أبي هريرة مرفوعا. وأحدهما في " الأدب المفرد " للبخاري (901) .

ورواه البغوي في " شرح السنة " (13 / 65) من طريق ثالثة عن أبي هريرة وأبي داود في (الأدب) .

وعلقه البخاري في أول " الأنبياء " من حديث عائشة، ووصله في " الأدب المفرد " (900) من طريقين عن يحيى بن سعيد عن عمرة عنها. وأحدهما في " مسند أبي يعلى " (3 / 1082 - 1083، وعنده: عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت:

كانت بمكة امرأة مزاحة، فنزلت على امرأة مثلها، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: صدق حبي، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . . فذكرته.

وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه الطبراني في " الكبير " (9 / 207 / 8912) من حديث انب مسعود.

وسقط من الناسخ رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد عزاه إليه مرفوعا من رواية الطبراني: الهيثمي في " المجمع " (8 / 78) ، والسيوطي في " الجامع الصغير ". انظر " صحيح الجامع " (2765) .

قلت: وفي كل هذه الطرق لا يوجد فيها ما جاء في حديث الترجمة: " في الله "، فهي زيادة منكرة، ومن أجلها خرجت الحديث هنا.

وقد وجدت لها طريقا أخرى، ولكنها مثلها في الوهاء، فلا بد من البيان لها:

فقد قال أبو يعلى في " المعجم " (ق18 / 1) : ثنا الحسن بن خالد

 

(12/36)

 

 

السكري: ثنا بشر بن إبراهيم: ثنا عبد الله بن مهران عن أبي هاشم صاحب الرمان عن زاذان عن ابن عمر مرفوعا مثل حديث الترجمة.

وآفة هذا الإسناد: بشر بن إبراهيم، وهو الأنصاري البصري المفلوج؛ قال العقيلي:

" يروي عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليها ". وقال ابن عدي:

" هو عندي ممن يضع الحديث ".

قلت: ولعله سرقه من ابن أبي المساور المتقدم ذكره. والله أعلم.

ومما تفرد به هذا الوضاع: الحديث الآتي:

5528 - (يوشك أن يظهر الجهل، ويخزن [العلم] ، ويتواصل الناس بألسنتهم، ويتباعدون بقلوبهم، فإذا فعلوا ذلك؛ طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) .

موضوع. أخرجه أبو يعلى في " المعجم " بإسناده السابق عن بشر بن إبراهيم بسنده المتقدم عن ابن عمر مرفوعا.

وبشر هذا؛ وضاع؛ كما ذكرته آنفا عن ابن عدي وغيره، وكأنه سرقه أيضا من بعض الضعفاء، وغير من متنه شيئا؛ فقد رواه الحجاج بن فرافصة عن أبي عمر عن سلمان الفارسي مرفوعا بلفظ:

" إذا ظهر القول، وخزن العمل, وائتلفت الألسنة. . . " والباقي نحوه.

أخرجه الطبراني (6 / 323 / 6170)

وأبو عمر؛ لم أعرفه، وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بقوله (7 / 287) :

 

(12/37)

 

 

" رواه الطبراني في " الأوسط "، و " الكبير " وفيه جماعة لم أعرفهم ".

وقد روي الحديث بزيادة أخرى؛ بإسناد ضعيف أيضا من حديث علي، وقد تقدم برقم (2992) .

5529 - (إن الخضر في البحر، واليسع في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج؛ يحجان ويعتمران كل عام، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل) .

موضوع. أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ق110 / 1 - زوائده) : حدثنا عبد الرحيم بن واقد: ثنا القاسم بن بهرام: ثنا أبان عن أنس مرفوعا به. قال الهيثمي عقبه:

" قلت: وقد ذهب من الأصل مقدار ثلث سطر ".

قلت: وكذلك أورده السيوطي في " الجامع الكبير " إلى قوله: " قابل " من رواية الحارث، ثم قال:

" وفيه أبان، وعبد الرحيم بن واقد؛ متروكان ".

وهو حديث موضوع؛ ككل أحاديث حياة الخضر عليه السلام، على ما حققه العلماء الأجلاء؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد أورد ابن الجوزي طائفة كبيرة منها في " الموضوعات "، وتبعه السيوطي في " اللآلي المصنوعة "، وليس هذا فيها، فكان عليه أن يورده في " ذيل الأحاديث الموضوعة " الذي استدرك فيه ما فات ابن الجوزي من الموضوعات؛ فإن أبان هذا -وهو ابن أيي عياش -؛ كان يكذب في الحديث؛ كما قال شعبة.

 

(12/38)

 

 

5530 - (عويمر حكيم أمتي، وجندب طريد أمتي؛ يعيش وحده، ويموت وحده، والله وحده يكفيه) .

ضعيف. أخرجه الحارث في " مسنده " (ق 120 / 2 - زوائده) بسند صحيح عن صفوان عن أبي المثنى المليكي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج إلى أصحابه قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح إلى أبي المثنى؛ فإن صفوان - وهو ابن عمرو السكسكي - ثقة؛ لكنه مرسل؛ على جهالة في أبي المثنى، واسمه ضمضم الأملوكي، روى عنه هلال بن يساف أيضا كما في " الجرح والتعديل " على خلاف في ذلك تراه في " التهذييب "، وقال ابن حبان في " الثقات " (3 / 121) :

" وهذا الذي يقال له (المليكي) ".

وكذا قال السمعاني في " الأنساب ".

ولم يرتض ذلك ابن أبي حاتم؛ فقال:

" وقال ابن المبارك: (المليكي) ، وهو وهم "

قلت: ويدفع هذا التوهيم رواية الحارث هذه؛ فإنها من غير طريق ابن المبارك. فتأمل.

وجملة القول؛ أن الحديث مرسل، وبه أعله السيوطي في " الجامع الصغير "، على جهالة في مرسله. والله أعلم.

(تنبيه) : هكذا وقع آخر الحديث في " زوائد المسند ":

 

(12/39)

 

 

" والله وحده يكفيه ". ووقع في " الجامع " بلفظ: " والله يبعثه وحده ".

ولعل هذا هو الصواب؛ لأنه يشهد له الحديث التالي:

5531 - (رحم (يرحم) الله أبا ذر؛ يمشي وحده، ويموت وحده ويبعث وحده) .

ضعيف. أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (4 / 179 - ابن هشام) ، ومن طريقه ابن سعد في " الطبقات " (4 / 234 - 235) ، وكذا الحاكم (3 / 50 - 51) - والسياق له - من طريق بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يارسول الله! تخلف فلان - فيقول:

" دعوه؛ إن يكفيه خير؛ فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك؛ فقد أراحكم الله منه ". حتى قيل: يارسول الله! تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" دعوه إن يك فيه خير؛ فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك؛ فقد أراحكم الله منه ". فتلوم أبو ذر رضي الله عنه على بعيره، فلما أبطأ عليه؛ أخذ متاعه، فجعله على ظهره، فخرج يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ي بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين فقال: يارسول الله! هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

 

(12/40)

 

 

" كن أبا ذر "

فلما تأمله القوم؛ قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكر الحديث.

فضرب الدهر من ضربته وسيّر أبو ذر إلى (الربذة) فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة

الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا هذا أبو ذر فلما مات فعلوا به كذلك فاطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل

الكوفة فقالوا ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر فاستهل ابن مسعود رضي الله عنه يبكي فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله. . . "

الحديث، فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه، فلما قدموا المدينة ذكر لعثمان قول عبد الله وما ولي منه وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد " ورده الذهبي بقوله:

" قلت: فيه إرسال ".

قلت: يشير إلى اعلاله بالانقطاع بين القرظي وابن مسعود لكن قد روى البخاري في " التاريخ " (1 / 216) بإسناد قوي سماع القرظي منه فالأولى إعلاله

ببريدة بين سفيان الأسلمي، فقد أورده الذهبي في " الميزان " وقال:

" قال البخاري: فيه نظر. وقال أبو داود: لم يكن بذاك، وكان يتكلم في عثمان. وقال الدارقطني: متروك. وقيل: كان يشرب الخمر، وهو مقل ".

واعتمد في كتابه " الكاشف " قول البخاري، وفي الضعفاء قول

 

(12/41)

 

 

الدارقطني. وهذا يعني أنه ـ عنده ـ ضعيف جداً فهو أولى من قول ابن حجر فيه:

" ليس بالقوي ".

وبالجملة فهو علة الحديث وليس الإرسال وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " الإصابة " عند عزوه لابن إسحاق:

" بسند ضعيف "

5532 - (اصبروا وأبشروا فإني قد باركت على صاعكم ومدكم فكلوا ولا تفرقوا، فإن الطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الاربعة

يكفي الخمسة والستة وإن البركة في الجماعة فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا أو شهيداً يوم القيامة ومن خرج عنها رغبة عما فيها أبدل الله به من هو خير

منه فيها ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء) .

ضعيف. أخرجه البزار في " مسنده " (رقم 1185 - كشف الأستار) من طريق سعيد بن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر قال:

غلا السعر بالمدينة واشتد الجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكر. وقال:

" لا نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه، تفرد به عمرو بن دينار وهو لين وأحاديثه لا يشركه فيها أحد قد روى عنه جماعة ".

قلت: يشير إلى أنه عمرو بن دينار البصري قهرمان آل الزبير وهو مجمع على ضعفه وليس هو عمرو بن دينار المكي الحجة المحتج به في الصحيحين فإنه أقدم من

الأول ولم يذكروا له رواية عن سالم بن عبد الله بن عمر ولا ذكروا

 

(12/42)

 

 

في الرواة عنه سعيد بن زيد وإنما ذكروا ذلك في الأول وقد ذكروا فيه قول النسائي والفلاس:

" روى عن سالم أحاديث منكرة " وقال ابن حبان في الضعفاء (2 / 71) : " كان ممن ينفرد بالموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة

التعجب ".

ويبدوا أنه اختلط هذا على الهيثمي بعمرو بن دينار الثقة فقال في " مجمع الزوائد " (3 / 306) :

" رواه البرزا ورجاله رجال الصحيح "

وكأنه اغتر بقول المنذري في الترغيب (2 / 143) : " رواه البزار بإسناد جيد

ولئن كان هذا غريبا من المنذري فهو من الهيثمي أغرب لأنه نقل في الزوائد عن البزار الإشارة إلى أنه عمرو بن دينار الضعيف كما تقدم ثم نسي! فَجَّل من لا

ينسى.

ثم جاء احد المتأخرين من المغاربة وهو الشيخ عبد الله بن محمد العماري فأورد هذا الحديث في كتابه الذي أسماه " الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين " وزعم في

مقدمته أنه جرد فيه الأحاديث الثابتة من " الجامع الصغير " وضم إليه أحاديث من مصادر أخرى، منها: " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري وادعى فيها أنه

لم يعتمد في صحة الحديث أو حسنه على رموز السيوطي في الجامع وإنما على تصريح الحفاظ أو على ما تقتضيه القواعد وهذا

 

(12/43)

 

 

الأخير لا أثر له في كتابه وإنما هو التقليد لبعض الحفاظ دون الرجوع إلى قواعدهم وأصولهم وتراجم رجالهم والأدلة على ذلك كثيرة فقد حشا الكتاب بعشرات

الأحاديث الضعيفة والمنكرة وحسبك دليلاً على ذلك هذا الحديث فإنه ليس في " الجامع " وإنما نقله من " الترغيب " لفظاً وتخريجاً واغتر بتجويد المنذري لإسناده

وجهل أو تجاهل تساهل المنذري في التصحيح والتحسين كما كنت بينته في مقدمة كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 12 - 15، 48 - 54) ولعله أعني:

الشيخ الغماري لم يتيسر له الوقوف على إسناد هذا الحديث وإلا لم يخف عليه إن شاء الله تعالى وهاؤه ولم يغتر أيضا بتجويد المنذري إياه والله أعلم.

ثم إن سعيد بن زيد الراوي عن عمرو بن دينار وإن كان روى له مسلم ففيه ضعف وقال الحافظ في التقريب: " صدوق له أوهام " لكن إعلال الحديث بشيخه

عمرو بن دينار أولى لشده ضعفه ويبدو لمن أمعن النظر في متنه من العارفين بهذا العلم أن غالبه مركب من عدة أحاديث صحيحة ولعل هذا هو الذي غر الشيخ الغماري

فركن إليه ولم يندفع إلى النظر في إسناده والله أعلم. .

ثم رأيت ابن ماجة قد أخرج في سننه (3255، 3287) من طريق سعيد بن زيد أيضاً الطرف المتعلق بالطعام، لكنه قال: " ثنا عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير. . . ".

فأوضح أنه عمرو بن دينار الضعيف ولذلك تنبه له المنذري حينما أخرج

 

(12/44)

 

 

منه جملة التجمع على الطعام فقال (3 / 121 / 2) :

" وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير واهي الحديث "

5533 - (إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم من بابت وفي يده ريحُ غَمَرِ فاصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) (1) .

موضوع. أخرجه الترمذي (1860) والحاكم (4 / 119، 137) وابن عدي في الكامل (7 / 2606) من طريق أحمد بن منيع حدثنا يعقوب بن الوليد

المدني عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين " كذا قال والذي نقله المنذري عنه في " الترغيب " (3 / 130) إنما هو أنه قال:

" صحيح الإسناد "

ولعل الصواب هذا هو الأصل فإنه وإن يكن خطأ فالأول أشد خطأ لأن يعقوب هذا ليس من رجال الشيخين مع ضعفه الشديد كما يأتي أقول هذا من باب حسن الظن

بالحاكم وإلا فهو له من مثله من الأخطاء الفاحشة الشيء الكثير كما هو معروف عند الدارسين لكتابة الناقدين له حسب القواعد الحديثية وقد مضت له أمثلة كثيرة في

هذا الكتاب الحافل ببيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة وهذا منها فقد قال الذهبي عقب قوله المتقدم:

__________

(1) وقد صحح الشيخ رحمه الله الشطر الأخير منه: " من بات. . . " في " صحيح الجامع " برقم (6115) . (الناشر) .

 

(12/45)

 

 

" قلت: بل موضوع فإن يعقوب كذبه أحمد والناس " وأشار الترمذي إلى تضعيفه بهذا السياق فقال عقبه: " هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد روي من

حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قلت: يعني منه قوله صلى الله عليه وسلم: " من باب. . . . " إلخ فإنه الذي ترجم له في الباب بقوله " باب ما جاء في كراهية البيتوته وفي يده ريح غمر ".

فهذا القدر من الحديث هو الذي يعنيه الترمذي بقوله المذكور ويؤيده أمران اثنان:

الأول: أن حديث سهيل هذا الذي علقه الترمذي قد رواه جمع من الأئمة من طرق عدة عن سهيل به دون ما قبله الذي تفرد به ابن الوليد الكذاب!

هكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1220) وأبو داود (3852) وابن حبان في " صحيحه " (1354) وأحمد (2 / 263، 527) والبيهقي في السنن (7 / 276) وفي الشعب (3 / 182 / 1) وغيرهم ممن ذكرنا في الروض النضير تحت الحديث (823) .

والآخر: أن الترمذي أتبع حديث سهيل بمتابعة الأعمش له عن أبي صالح به.

ساقه بإسناده الصحيح عنه به دون ما تفرد به ذاك الكذاب وقال عقبه:

" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الأعمش إلا من هذا الوجه ".

قلت: قد رواه البيهقي أيضاً في الشعب من هذا الوجه وعلقه من وجه آخر عن الأعمش به.

 

(12/46)

 

 

فالإسناد صحيح

ولهذا القدر من الحديث شواهد من حديث ابن عباس وغيره خرجتها في المصدر المشار إليه آنفاً.

وبالجملة فالذي استغربه الترمذي وضعفه إنما هو حديث الترجمة الذي تفرد ذالك الكذاب بذكر الزيادة أوله والذي استحسنه هو الشطر الثاني منه الذي رواه سهيل

وغيره من الثقات كما ذكر واستحسنه أيضاً البغوي في شرح السنة (11 / 217 / 2878) بعد أن رواه من طريق سهيل.

وإسناد صحيح على شرط مسلم كما قال الحافظ في الفتح.

واعلم أنني وقفت لبعض المؤلفين على أخطاء فاحشة حول حديث الترجمة فلا بد من بيانها نصحاً لقرائها:

الأول: الحافظ المنذري رحمه الله تعالى فإنه أورد الحديث في الترغيب (3 / 130) من رواية الترمذي واستغرابه إياه - والحاكم - وتصحيحه إياه ثم تعقبه بقوله:

" يعقوب بن الوليد الأزدي كذاب واتهم لا يحتج به لكن رواه البيهقي والبغوي وغيرهما من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح [عن أبيه] (*) عن

أبي هريرة كما أشار إليه الترمذي وقال البغوي في شرح السنة: حديث حسن وهو كما قال رحمه الله فإن سهيل بن أبي صالح - وإن كان تكلم فيه فقد - روى له

مسلم في الصحيح احتجاجا واستشهادا وروى له البخاري مقروناً. . . وقد روى عنه شعبة ومالك ووثقه الجمهور وهو

__________

(*) ما بين المعقوفتين من قلم الحافظ المنذري ولم ينبه عليه الشيخ ـ رحمهما الله تعالى ـ. (الناشر) .

 

(12/47)

 

 

حديث حسن. والله أعلم ".

قلت: فاستدراكه بقوله: " لكن رواه البيهقي والبغوي. . . " إلى قوله: " وهو حديث حسن " صريح في أنه يعني حديث الترجمة ويؤكد ذلك أنه ساق

قبله قوله صلى الله عليه وسلم:

" من نام وفي يده ريح غمر. . . " من حديث أبي هريرة رواية أي داود والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه ومن حديث فاطمة رضي الله عنها برواية ابن ماجة

ثم ساقه بعده من حديث ابن عباس وقواه ومن حديث أبي سعيد وحسن إسناده فلا يعقل أن يقصد باستدراكه المذكور هذا القدر من حديث الترجمة لأن هذا صحيح يقيناً

عنده ولو بمجموع هذه الشواهد فهو إذن يعني بالاستدراك والتحسين الذي فيه الحديث بتمامه!

وهذا من أخطائه الفاحشة التي نبهنا على بعضها في مقدمة كتابي صحيح الترغيب فراجعها إن شئت.

ومن العجيب حقا أن لا ينبه على هذا الخطأ الفاحش العلامة الحافظ الناجي تلميذ الحافظ العسقلاني في كتابه القيم " عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب، على ما وقع

للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه الترغيب والترحيب " (177 / 2) بل لعله انطلى عليه الأمر كما انطلى على غيره ممن لا يذكر معه كما يأتي فإن غاية

ما صنعه في هذا الباب أنه فسر كلمتي " حساس لحاس " فقال: " (حساس) بالحاء المهملة لا بالجيم أي شديد الحس والإدارك و (الحس) : الحركة

والصوت الخفي و (لحاس) أي: كثير اللحس لما يصل وشدد للمبالغة ".

 

(12/48)

 

 

الثاني: المحقق المناوي فإنه بعد أن ذكر في فيض القدير تصحيح الحاكم للحديث وقال:

" واغتر به المصنف فلم يرمز لضعفه وما درى أن الذهبي رده عليه ردا شنيعا [فقال] : بل موضوع. . . " قال:

" وقال الذهبي في موضع آخر: يعقوب بن الوليد الأزدي كذب واتهم فلا يحتج به. قال: لكن رواه البيهقي والبغوي من وجه آخر. . . فهو من هذا الوجه

حسن ".

قلت: هذا الذي عزاه للذهبي هو خطأ آخر من المناوي وإنما هو خلاصة كلام المنذري المتقدم وهي أصرح منه في الخطأ كما هو ظاهر وكأن المناوي رحمه الله تنبه

لهذا الخطأ الفاحش حين اختصر كتابه " فيض القدير " إلى " التيسير بشرح الجامع الصغير " فإنه لم يزد فيه على قوله:

" وقال الحاكم: على شرطهما ورد بأنه ضعيف بل موضوع ".

فلم يعرج على الاستدراك المذكور فأصاب. والله تعالى هو الهادي إلى الصواب.

الثالث: الذين قاموا على نشر " الجامع الكبير " للسيوطي والتعليق عليه من دكاترة لجنة " الجامع " من مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة فقد كتبوا على

الحديث ما يدل على أنهم اغتروا باستثناء المنذري المتقدم فنقلوا (2 / 1853 / 1135 - 5621) منه ـ دون أن يسموه ـ قول البغوي المتقدم: " حديث حسن "

وقد عرفت انه يعني الشطر الثاني منه فأوهموا القراء خلاف مرداده تقليداً منهم للمنذري.

 

(12/49)

 

 

الرابع: الشيخ عبد الله الغماري في كتابه الذي أسماه " الكنز الثمين "،

وأدعى أن كل ما فيه من الأحاديث صحيح ثابت! كما تقدم بيانه في الحديث

الذي قبله، واستدللت به على أنها مجرد دعوى، وهذا الحديث دليل آخر، وما

أكثر الأدلة على ذلك؛ فإنه قلد المنذري في خطئه الذي سبق بيانه، وإليك

البيان:

أولا: أورد الحديث في كتابه (832) على أنه صحيح! وهو موضوع؛ فيه ذاك

المتهم بالكذب.

ثانيا: الحديث؛ ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " وكذا " الكبير " برواية

(ت ك) ؛ أي: الترمذي والحاكم. فعدل هو عنهما، فعزاه ل (هب والبغوي) ؛

اغترارا منه بقول المنذري:

" ولكن رواه البيهقي والبغوي. . . وقال: حديث حسن ".

وجهل أن هذا الاستدراك خطأ من المنذري، وأن المذكورين لم يخرجا الحديث

بتمامه، وإنما الشطر الثاني منه، وهو الذي قال فيه البغوي: " حديث حسن "؛

كما سبق تحقيقه بالأرقام!

وهذا شؤم التقليد الذي يدعي هو وإخوته محاربته، ويجعل نفسه إماما في

العلم بمعرفة تصحيح الحديث وتحسينه الوارد في " معجم الطبراني " وغيره كما

أشار إلى ذلك في مقدمة الكتاب (ص ف) ! وصرح فيها أنه ألفه غريبا عن أهله

وبعيدا عن كتبه، معتمدا على فضل الله - وفيه غناء (!) - ثم على ما جادت به

ذاكرته. .! فليصدق من شاء! مع أنه يصرح أنه جرده من " الجامع الصغير " إلا

قليلا! ولئن صدق فيما قال؛ فهو دليل صريح على أنه لم يحقق أحاديث

 

(12/50)

 

 

كتابه ويراجع أسانيدها ويتتبع شواهدها وعللها! فهو السبب في كثرة الأحاديث

الضعيفة والمنكرة التي وقعت فيه مما كنت أوردته في كتابي " ضعيف الجامع

الصغير " بعد مزيد من البحث والتحقيق كما هو مشروح في مقدمته. ولله في

خلقه شؤون!

الخامس: الأستاذ عزت الدعاس المعلق على " سنن الترمذي " فإنه علق

على حديث الترجمة بقوله (6 / 137) :

" أخرجه أبو داود في " الأطعمة ". . . وابن ماجه "!

وإنما عندهما الشطر الثاني منه! فإلى الله المشتكى من جهل المؤلفين بهذا العلم

الشريف، وكثرة الدخلاء فيه والمدعين له! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وسيأتي لهذا الكذاب - يعقوب - حديث آخر برقم (6095) .

5534 - (إن لله عبادا يجلسهم الله يوم القيامة على منابر من نور،

ويغشى وجوههم النور، حتى يفرغ من حساب الخلائق) .

ضعيف جدا. أخرجه الطبراني في " الكبير " (8 / 131 / 7527) عن

الحسين (الأصل: الحسن) ابن أبي السري العسقلاني: ثنا محمد بن حمير:

ثنا محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: هذا إسناد ضعيف جدا؛ رجاله ثقات غير ابن أبي السري؛ وهو

الحسين بن المتوكل بن عبد الرحمن أبو عبد الله بن أبي السري؛ اتهمه أهله

الأقربون، فقال أخوه محمد بن أبي السري:

" لا تكتبوا عن أخي؛ فإنه كذاب ". وقال أبو عروبة الحراني:

 

(12/51)

 

 

" هو خال أمي، وهو كذاب ". وضعفه أبو داود وابن حبان.

ومنه يتبين خطأ قول المنذري (4 / 48) - وتبعه الهيثمي (10 / 277) ،

وقلده الغماري في " كنزه " (1013) -:

" وإسناده جيد "!

5535 - (إن من أمتي من لو جاء أحدكم فسأله دينارا لم يعطه، ولو

سأله درهما لم يعطه، ولو سأله فلسا لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاه

الله إياها: ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 116 / 2 / 7699) بسند

صحيح عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه؛ قال الإمام أحمد:

" لم يسمع سالم من ثوبان، ولم يلقه؛ بينهما معدان بن أبي طلحة، وليست

هذه الأحاديث بصحاح ". وقال أبو حاتم:

" أدرك أبا أمامة، ولم يدرك عمرو بن عبسة، ولا أبا الدرداء ولا ثوبان ".

وقد رواه هناد وابن صصري عن سالم بن أبي الجعد نحوه مرسلا؛ كما

في " الجامع الكبير " (1 / 273) .

وقد خفيت هذه العلة على الشيخ الغماري، فأورد الحديث في " كنزه " - الذي

زعم في مقدمته أنه جرده عن الضعيف والمعلل من الحديث - (رقم 1075) !

وهو في الحقيقة لم يصنع شيئا سوى مجرد النقل عن " الجامع الصغير " غالبا

 

(12/52)

 

 

و " الترغيب " أحيانا، ولذلك؛ نراه يخطئ بخطئهما، ويقلدهما تقليدا أعمى،

وإن كان يتظاهر بمحاربة التقليد مطلقا، وهذا ما أصابه في هذا الحديث نفسه؛ فإنه

نقله عن " الترغيب " (4 / 94) ؛ فإنه قال فيه:

" رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في (الصحيح) "!

وصدره مع ذلك بصيغة (عن) التي ليست عنده نصا في التحسين؛ بله

التصحيح، كما كنت فصلت ذلك في مقدمة " صحيح الترغيب "! ولعل الغماري

يعلم ذلك، وأما أن قوله: " رواته ثقات "، أو: " محتج بهم في (الصحيح) " لا

يكفي في صحة الحديث؛ فهو على علم به؛ لأنه نبه عليه في المسألة الرابعة من

المقدمة (ص ن) ، فكيف جاز له أن يعتمد على المنذري، فيورد الحديث فيما زعم

أن كل أحاديثه صحيحة؟ !

وليس هذا فقط! بل اغتر أيضا بإطلاق المنذري العزو للطبراني، الموهم أنه

يعني (المعجم الكبير) - وكثيرا ما يفعل ذلك كما نبهت عليه في المقدمة

المشار إليها آنفا، وذلك من مساوئ كتابه التي لا يعلمها جماهير المتأخرين

المستفيدين من كتابه كالغماري هذا -؛ فإن الحديث إنما رواه الطبراني في " الأوسط " فحسب!

لكن جملة (الطمرين) لها شواهد، كنت ذكرتها تحت هذا الحديث في

" الصحيحة " (2642) ؛ غير متنبه إلى أنه بحاجة إلى شواهد لسائره، فلما

تنبهت لهذا ولم أجدها؛ رأيت لزاما علي أن أودعه هنا. وأن أستثني من الضعف

الجملة المشار إليها. والله هو الهادي.

 

(12/53)

 

 

5536 - (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق،

وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وهو مازح، وببيت في أعلى الجنة

لمن حسنت سريرته) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 50 / 2 / 865) عن عتيق

الزبيري قال: نا عقبة (*) بن علي عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر مرفوعا. وقال:

" لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا عقبة، تفرد به عتيق ".

قلت: وثقه الدارقطني، وروى عنه أبو زرعة؛ ولكن شيخه عقبة* بن علي

ضعفه العقيلي؛ فقال:

" لا يتابع على حديثه، وربما حدث بالمنكر عن الثقات ".

وبه أعله الهيثمي؛ فقال في " المجمع " (1 / 157) :

" رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عقبة بن علي، وهو ضعيف ".

وشيخه عبد الله بن عمر؛ لعله حفيد عمر، فهو عبد الله بن عبد الله بن عمر

ابن الخطاب، وهو ثقة من رجال الشيخين، فإن يكن هو؛ فالعلة من عقبة، كما

ذكرنا.

وإن مما يشهد لضعفه وما قال العقيلي فيه: أن هذا الحديث قد جاء عن غير

واحد من الصحابة مثله؛ إلا الفقرة الأخيرة؛ فقالوا فيها:

". . . لمن حسن خلقه ". مكان قوله:

- - - - - - - - - - - - - - - -

في أصل الشيخ - رحمه الله -: (علقمة) ، والتصحيح من المصادر المذكور، وسيذكره

الشيخ على الجادة بعد أسطر. (الناشر) .

 

(12/54)

 

 

". . . لمن حسنت سريرته ".

فهو بهذا اللفظ من مناكير عقبة التي أشار إليها العقيلي فيما تقدم، ولذلك

خرجته هنا، وإلا؛ فالحديث ثابت بمجموع طرقه؛ لكن باللفظ الذي ذكرته من

رواية من أشرنا إليهم من الصحابة، وهو مخرج في " الصحيحة " (273) ، وله

شاهد آخر من حديث أنس حسنه الترمذي؛ لكن فيه نكارة من جهة أخرى،

ولذلك؛ خرجته فيما تقدم من هذا الكتاب برقم (1056) ، فراجعه إن شئت.

ومن هذا التخريج والتحقيق تعلم خطأ الشيخ الغماري في إيراده هذا الحديث

المنكر في " كنزه " الذي زعم أنه كنز فيه الأحاديث الصحيحة فقط! والواقع يشهد

بخلاف ذلك، وقد سبقت عدة أمثلة، هذا منها - وليس آخرها -، وكأنه اغتر

بسكوت المنذري عليه، ولم يعلم أن الهيثمي أبان عن علته، وإن علم فالمصيبة

أعظم. وإن ظن أنه ثابت بشواهده؛ فهي عليه، لا له!

5537 - (اهجري المعاصي؛ فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على

الفرائض؛ فإنها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله؛ فإنك لا تأتي الله

بشيء أحب إليه من كثرة ذكره) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في " الكبير " (25 / 129 / 313) عن هشام

ابن عمار: ثنا إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس: حدثني مربع عن أم أنس أنها

قالت:

يا رسول الله! أوصني. قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناده واه؛ مربع هذا؛ لم أجد من ذكره، ومن المحتمل أنه محرف

 

(12/55)

 

 

من (مرقع) ، وهما اثنان:

أحدهما: التميمي الحنظلي، وهو صدوق؛ كما في " التقريب ".

والآخر: الأسدي، ذكره ابن أبي حاتم برواية اثنين عنه: أحدهما ليث بن

أبي سليم الضعيف، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو - في أحسن الأحوال -

مجهول الحال.

وابن نسطاس؛ متفق على ضعفه؛ إلا الطبراني؛ بل قال البخاري:

" فيه نظر ".

وبه أعله الهيثمي، فقال - بعد عزوه للطبراني (4 / 218) -:

" وهو ضعيف ". وكذا قال في مكان آخر (10 / 75) .

وأما المنذري؛ فقال في " الترغيب " (2 / 231) :

" رواه الطبراني بإسناد جيد "!

وكذا قال! وهو خطأ واضح، قلده فيه الغماري، فأورد الحديث في " كنزه "

(1250) !

ثم رواه الطبراني (25 / 149 / 359) من طريق محمد بن إسماعيل

الأنصاري عن يونس بن عمران بن أبي أنس عن جدته أم أنس به نحوه.

وهذا إسناد ضعيف أيضا، أعله الهيثمي باللذين دون أم أنس فقال:

" وكلاهما ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ".

 

(12/56)

 

 

قلت: وكذلك فعل البخاري من قبل؛ لكنه أفاد أن الأنصاري هذا هو

محمد بن إسماعيل بن مجمع. وذكر الحافظ في " اللسان " أن ابن المديني قال

فيه:

" مجهول ". أي: مجهول الحال.

وأما شيخه يونس؛ فهو مجهول العين؛ لأنه لم يرو عنه غيره.

5538 - (أولاد - وفي رواية أطفال - المؤمنين في جبل في الجنة

يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة) .

منكر بهذا التمام. أخرجه الحاكم (1 / 384) ، وعنه البيهقي في " البعث "

(155 / 210) ، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 263) ، والديلمي (1 /

1 / 118) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 219 / 2) ، والحافظ

عبد الغني في " تخريج حديثه " (ج73 / 40 / 1) من طريق مؤمل بن

إسماعيل: ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن أبي حازم عن أبي هريرة

مرفوعا. وقال:

" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! !

قلت: وهذا خطأ فاحش، وبخاصة من الذهبي؛ لأن مؤملا هذا ليس من

رجال الشيخين أولا، ثم هو شديد الخطأ ثانيا؛ فقد قال فيه إمام المحدثين البخاري:

" منكر الحديث ".

وقد اعترف كل من ترجم له - حتى الذهبي - بأنه سيئ الحفظ، فقال في

" الميزان ":

 

(12/57)

 

 

" حافظ عالم يخطئ. وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: صدوق شديد في

السنة، كثير الخطأ. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: في حديثه

خطأ كثير ". وقال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق سيئ الحفظ ".

وقد أعتمد قول أبي حاتم المتقدم الذهبي نفسه في " الكاشف "، ثم أتبعه

ببيان سبب كثرة خطئه فقال:

" وقيل: دفن كتبه، وحدث حفظا؛ فغلط ".

قلت: فمثله لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟ ! فقد جاء بإسناد

آخر حسن مختصرا بلفظ:

" ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم في الجنة ".

أخرجه ابن حبان وغيره، وسبق تخريجه في " الصحيحة " (603) .

ثم إن الحديث يخالف بظاهره ما جاء في عدة أحاديث صحيحة: إن نبينا

صلى الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة، وأن أولاد الآباء يأبون أن يدخلوا الجنة إلا وأبائهم

معهم، فيدخلون جميعا.

فهذا من شؤم الأحاديث الضعيفة التي يحلو لبعضهم أن يملؤوا بها كتبهم دون

تحقيق وبصيرة؛ كالشيخ الغماري؛ فإنه أورد الحديث هذا في " كنزه " (1278)

موهما القراء بصحته! وزاد ضغثا على أبالة أن عزاه ل (حب) ؛ أي: ابن حبان،

وهو لم يروه إلا مختصرا من الطريق الأخرى كما ذكرت آنفا! ومثله في الوهم عزو

السيوطي في " الجامعين " ل (حم) ؛ أي: مسند أحمد؛ فإنه لم يروه إلا بلفظ ابن

 

(12/58)

 

 

حبان الصحيح! فمن المحتمل أن هذا الرمز (حم) تحرف على الغماري إلى (حب) ،

فوقع في الوهم؛ لأن كل - أو على الأقل: جل - مادة كتابه " الكنز " من " الجامع

الصغير "! فهو مقلد له، فانضم هنا إلى التقليد الوهم على الوهم، ظلمات بعضها

فوق بعض!

وهناك مخالفة أخرى لمؤمل بن إسماعيل من جماعة من الثقات:

منهم: يحيى القطان قال: عن سفيان به موقوفا.

أخرجه ابن عساكر.

منهم: وكيع. فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 379) : حدثنا

وكيع عن سفيان به مختصرا بلفظ:

" أطفال المسلمين في جبل بين إبراهيم وسارة يكفلونهم ".

وقال العلامة الزبيدي في " شرح الإحياء " (8 / 567) بعد أن أشار إلى

رواية وكيع هذه:

" ورواه ابن مهدي وأبو نعيم؛ كلاهما عن الثوري؛ فوقفاه. وقال الدارقطني:

إنه أشبه ".

ووقع له مثل الوهم المتقدم؛ فإنه بعد أن أقر الحاكم على تصحيح الحديث على

شرطهما قال:

" وكذا صححه ابن حبان "! !

وقد عرفت أن ابن حبان إنما رواه باللفظ الصحيح.

 

(12/59)

 

 

وأقبح من هذا الوهم قول الشيخ (أبو الوفاء مصطفى المراغي) في تخريجه

للحديث في شرحه ل " بعث ابن أبي داود " (ص 66) :

" أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد والحاكم. . . " فذكره! فالظاهر

أنه في أثناء النقل دخل عليه حديث في حديث، فوقع في هذا الوهم الفاحش

فعزاه للشيخين وابن ماجه! ! !

5539 - (الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق عظيم، ولكم مثل

ذلك، فأطيعوهم ما عملوا بثلاث: إذا حكموا عدلوا، وإذا استرحموا

رحموا، وإذا عاهدوا وفوا، ومن لم يفعل ذلك منهم؛ فعليه لعنة الله

والملائكة والناس أجمعين) .

منكر بهذا السياق. أخرجه أبو عمرو الداني في " الفتن " (3 / 2) من

طريق الأعمش عن سهل أبي الأسد عن بكير بن الحاث الجزري عن أنس بن

مالك قال:

أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون في بيت رجل من الأنصار، فأخذ

بعضادتي الباب وقال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علل:

الأولى: الاضطراب في إسناده؛ فقد رواه وكيع عن الأعمش هكذا.

وتابعه: شيبان عن الأعمش به؛ إلا أنه قال: بكير الجزري. لم ينسبه.

أخرجه البيهقي في " سننه " (3 / 121) ، وهو رواية لأحمد (3 / 183) .

 

(12/60)

 

 

وخالفهما جرير فقال: عن الأعمش عن بكير الجزري عن أبي الأسد عن أنس قال:. . . فذكر نحوه؛ دون قوله: (عظيم) ، (فأطيعوهم) ، وقلب إسناده.

أخرجه الداني أيضاً. وعلقه الدولابي في " الكنى " (1 / 106) وقال: «سهل أبي الأسد» .

وخالفهم شعبة فقال: عن علي أبي الأسد قال: حدثني بكير بن وهب الجزري قال: قال لي أنس بن مالك:. . . فذكره نحوه.

أخرجه أحمد (3 / 129) , والدولابي , وابن عساكر (17 / 150 / 1) , وعلقه البخاري في ترجمة بكير بن وهب الجزري من «التاريخ» (1 / 2 / 112) , وذكر له وجوهاً أخرى من الاضطراب، ومن المعلوم أن الاضطراب علة من العلل يضعف به الحديث؛ لأنه يدل على أن الراوي لم يحفظه، وسواء كان ذلك في الإسناد أو المتن.

الثانية: الاضطراب في متنه، وهو تفرد جرير بقوله فيه «عظيم» ، «فأطيعوهم» دون سائر الرواة. ومما لاشك فيه أن الأرجح رواية الأكثر، فتكون هذه الزيادة منكرة.

الثالثة: الجهالة؛ فإن كلاً من أبي الأسد - على اختلاف في اسمه - وبكير بن وهب - على الاختلاف في اسم أبيه - فيهما جهالة , وبخاصة الثاني منهما، وقد قال الحافظ في كل منهما:

«مقبول» ؛ يعني: عند المتابعة.

وقد وجدت لهما متابِعِين كُثُراً، ولاسيما على الفقرة الأولى من الحديث؛

 

(12/61)

 

 

فقد خرجته في «إرواء الغليل» (520) من ستة طرق , ثم وجدت له طريقاً سابعاً في «كبير الطبراني» (725) مثل رواية الأكثر دون الزيادة المنكرة , ولذلك؛ أوردته بدونها في «صحيح الجامع» (2755) من رواية أحمد والنسائي والضياء عن أنس.

وأما الشيخ عبد الله الغماري؛ فأورده في «كنزه» بلفظ:

«الأئمة من قريش، ولي عليكم حق عظيم، ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثاً،. . .» إلخ.

وعزاه لأحمد والطبراني في «الكبير» عن أنس! وهذا من أخطائه الكثيرة أو تساهله , فإنَّ هذا اللفظ ليس عندهما ولا عند غيرهما مِمَّن أخرج الحديث، وأقرب شيء إليه حديث الترجمة , ولعل قوله: «ولي» خطأ مطبعي، صوابه: «ولهم» . وقوله: «ولهم» ؛ صوابه: «ولكم» .

5540 - (إِنَّ الشياطينَ تَغْدُو بِرَايَاتِهَا إلى الأَسْوَاقِ , فَيَدْخُلُونَ مَعَ أولِ دَاخِلٍ , ويَخْرُجُونَ مَعَ آخِرِ خَارِجٍ) .

ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8 / 161 / 7618) و «مسند الشاميين» (ص 101) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد الوهاب بن الضحاك، وبه أعله الهيثمي (4 / 77) .

وشرحبيل بن مسلم؛ فيه ضعف من قبل حفظه.

 

(12/62)

 

 

5541 - (إنَّ لله ملائكةً تغدُو براياتِهَا إلى المسَاجِدِ، فيدخُلُون مع أول داخِلٍ، ويخرُجُونَ مع آخرِ خارج) .

ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (ص 101 - 102) بإسناده المتقدم في الحديث الذي قبله.

 

(12/63)

 

 

5542 - (لا يقطعُ صلاةَ المسلمِ شيءٌ؛ إلا الحِمَار، والكَافر، والكَلْب، والمرأة) .

منكر بذكر (الكافر) . أخرجه أحمد (6 / 84) ، والطبراني في «مسند الشاميين» (ص 198) بسند صحيح عن راشد بن سعد المقرائي عن عائشة قالت: قال رسول الله. . . فذكره.

فقالت عائشة: يا رسول الله! لقد قُرِنَّا بدوابِّ سُوءٍ!

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فإن راشد بن سعد - وهو حمصي -، وإن كان ثقة؛ فما أراه سمع من عائشة , وذلك لسببين:

الأول: أنه غير معروف السماع من عائشة رضي الله عنها؛ بل لم يذكر الحافظ المزي في «التهذيب» له رواية عنها.

والآخر: أنهم ذكروا أنه روى عن ثوبان وسعد بن أبي وقاص وأبي الدرداء؛ فقال أبو حاتم والحربي:

«لم يسمع من ثوبان» . وقال أحمد:

«لا ينبغي أن يكون سمع منه» . وقال أبو زرعة:

 

(12/63)

 

 

«راشد بن سعد عن سعد بن أبي وقاص؛ مرسل» .

فقال الحافظ العسقلاني عقب ذلك:

«وفي روايته عن أبي الدرداء نظر» .

قلت: يبدو لي أن في هذا القول تسامحاً كبيراً؛ فإن من المعروف عند العلماء أن مثله إنما يقال في الأمر المحتمل، وليس فيما هو مجزوم به كما هو الشأن في هذه الرواية؛ فإن في وفاته أقوالاً، أكثرها أنه مات قبل عثمان بسنة، وعثمان توفي سنة (35) ، فيكون بين وفاتيهما نحو (74) أربع وسبعين سنة , فمثله لا يمكن أن يسمع منه من كانت وفاته سنة (108) كالمقرائي هذا، إلا أن يكون معمراً قديم الولادة , وهذا غير معروف عنه، والأصل عدمه. فهو لم يسمع منه جزماً، وإذا كان من ذكرنا من الأئمة قد نفوا سماعه من ثوبان - ووفاته سنة (54) -، ومن سعد بن أبي وقاص - ووفاته سنة (55) -، فكذلك يقال في روايته عن عائشة أنه لم يسمع منها؛ لأنه توفيت سنة (57) , فأولى وأولى الجزم أنه لم يسمع من أبي الدرداء، وهو قديم الوفاة كما بينا.

وجملة القول؛ بأن هذا الإسناد علته الانقطاع , فثبت ضعفه.

ثم إن في متن الحديث نكارة من ناحيتين:

الأولى: ذكر الكافر فيه؛ فإن الحديث محفوظ من رواية جمع من الصحابة؛ كأبي ذر وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم؛ عن النبي به نحوه دون ذكر الكافر، وهذه الأحاديث في «صحيح مسلم» وغيره، وبعضها مخرج في «صحيح أبي داود» (669، 700) .

 

(12/64)

 

 

نعم؛ قد رويت هذه الزيادة (الكافر) في حديث آخر عن ابن عباس مرفوعاً نحوه؛ لكنه معلول أيضاً، وهو مخرج في «ضعيف أبي داود» (110)

والأخرى: أنه قد جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها من طرق صحيحة: عند الشيخين وغيرهما: أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة.

فقالت عائشة:

قد شبهتمونا بالحمير والكلاب! والله لقد رأيت رسول الله يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة. . . الحديث.

وهو مخرج بنحوه في «صحيح أبي داود» (706) ، فلو كانت سمعت من النبي حديث الترجمة؛ لما أنكرت الحديث وقد ذكروه أمامها بعد وفاة النبي، وتحتج على ذلك بالاضطجاع المذكور. فالظاهر أن أحد الرواة اختلط عليه ما ذكروه أمامه من الحديث المرفوع بقولها الذي أنكرته به؛ فذكر أن النبي هو الذي ذكر الحديث أمامها، وأنها قالت ذلك بحضوره! وهذا منكر جداً. فالصواب أن الإنكار منها وقع بعده , وأن الحديث روي لها ولم تسمعه منه، وإلا؛ لَسَلَّمَتْ به تسليماً، ومما يؤكد ذلك قولها في رواية لمسلم بعدما ذكروا لها الحديث:

إن المرأة لدابة سوء؛ لقد رأيتني بين يدي رسول الله. . . .

فهذا عين ما جاء في آخر حديث الترجمة , فهو يؤكد أن السيدة رضي الله عنها قالته بعد وفاته , فوهم الراوي، فزعم أنه قالت ذلك بحضوره؛ كما وهم في نسبة الحديث لروايتها عنه مباشرة.

وبالجملة؛ فالحديث صحيح من رواية غيرها من الصحابة , وبدون زيادة

 

(12/65)

 

 

(الكافر) , وأن نسبة الحديث إلى روايتها عنه ^ مباشرة منكر , لا يصح. والله تعالى أعلم.

ومن أوهام الهيثمي قوله (2 / 60) :

«رواه أحمد. ورجاله موثقون» .

وحقه أن يقول: «. . . ثقات» ؛ فإنه لا خلاف فيهم.

5543 - (إذا صَلَّى أحدُكُم؛ فَلْيُصَلِّ إلى رَحْلِهِ , أو ليَخُطّ خطاً في الأرضِ، أو لِيَنْصبْ سهماً من كنانتِهِ، ولا يضرُّهُ ما وراءَ ذلك) (*) .

منكر بذكر (الخط) . أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (ص 261 - 262) و (2 / 258 / 1298) من طريق محمد بن كثير الصنعاني: ثنا عبد الله بن شوذب عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته أبو هارون هذا - واسمه عمارة بن جوين -؛ قال الذهبي والعسقلاني:

«متروك» , زاد الثاني:

«ومنهم من كذَّبه» .

قلت: وهذا الحديث بهذا الإسناد غريبٌ جداً، لم أره في شيء من كتب

__________

(*) أعاد الشيخ - رحمه الله - تخريج هذا الحديث مرة أخرى باختصار مع بعض الزيادات، وكتب فوقه هناك: «سبق تخريجه بأوسع، رقم (5543) ، فهو المعتمد؛ لكن يؤخذ من تخريجه ما فيه من زيادة» . فقمنا بالدمج كما أراد الشيخ - رحمه الله - وانظر «تمام المنة» (ص 300 - 302) . (الناشر) .

 

(12/66)

 

 

السنن والمسانيد والمعاجم وغيرها.

والحديث محفوظ مفرقاً في أحاديث أخرى؛ إلا الخط:

فقد روي من طريق أخرى من حديث أبي هريرة: عند أبي داود وغيره.

لكن في إسناده اضطراب شديد وجهالة , ولذلك؛ ضعفه جمع؛ كما بينته في «ضعيف أبي داود (رقم 107 - 108) بما لا يدع أي شك في ضعفه وعدم صلاحيته للاحتجاج به؛ ثم لما وقفت على هذا بادرت لإخراجه والكشف عن عِلَّتِهِ هذه؛ خشيَةَ أن يعثر عليه أحد ممن لا علم عنده، فيتوهم أنه يصلح شاهداً لحديث أبي هريرة , فيقع في الخطأ؛ لجهله بأنه لا يصلح للاستشهاد به لشدة ضعفه.

وفيه علة أخرى؛ لكنها ليست مثل الأولى في الضعف. وهي ضعف محمد بن كثير الصنعاني؛ قال الحافظ:

«صدوق كثير الخطأ» .

فيحتمل أنه - لشدَّة وهمه، وكثرة خطئه - انقلب عليه إسناده، فجعله من حديث أبي سعيد الخدري، وهو من حديث أبي هريرة. والله أعلم.

ومن تلك الأحاديث المحفوظة قوله:

«إذا وضع أحدُكُم بين يديه مثلَ مؤخَّرة الرجل؛ فليصلِّ ولا يبالِ مَنْ مَرَّ وراء ذلك» .

أخرجه مسلم وأبوعوانة في «صحيحيهما» ، وصححه الترمذي، وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (686) .

 

(12/67)

 

 

هذا؛ وقد ذكر الحافظ السخاوي في «فتح المغيث» (1 / 224) لحديث أبي هريرة المشار إليه شاهدين:

أحدهما: من حديث إبراهيم بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال:

رأيت رسول الله " دخل من قبل باب بني شيبة , حتى جاء إلى وجه الكعبة، فاستقبل القبلة , فخط من بين يديه خطاً عَرْضاً، ثم كبر، فصلى؛ والناس يطوفون بين الخط والكعبة.

رواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» .

كذا قال! ولم أره في الرواية المختصرة من «مسند أبي يعلى» ! وكأنه لذلك لم يورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» لا في «الصلاة» ولا في «الحج» ؛ لكن لم يورده الحافظ ابن حجر أيضاً في «المطالب العالية» ! مع أنه قد نص في المقدمة أنه يستدرك على شيخه الهيثمي ما فاته ذكره في «المجمع» ؛ لأنه يعتمد فيه على الرواية المختصرة. وكذلك لم يورده السيوطي في (مسند أبي محذورة) من «الجامع الكبير» . فالله أعلم.

وإبراهيم هذا؛ هو ابن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة , وهو مجهول، وله حديث آخر في الأذان؛ له طرق أخرى عن أبي محذورة , خرجته من أجلها في «صحيح أبي داود» (515 - 522) ، وهو ابن عم إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة؛ كما صرح الحافظ المزي في «تهذيبه» ، وهو صدوق يخطئ، وليس هو صاحب هذا الحديث، وإنما هو الأول؛ لكنهم يذكروا له رواية عن أبيه، وإنما عن جده عبد الملك، وقد صرح بسماعه منه في حديث الأذان المشار إليه , فقوله هنا:

 

(12/68)

 

 

«عن أبيه عن جده» ؛ لعله خطأ من الناسخ أو الطابع؛ فإن المطبوعة سيئة جداً؛ فيها أخطاء فاحشة , فلعل الصواب:

«عن جده عن أبيه» . والله أعلم.

والشاهد الآخر: قال السخاوي عقب الشاهد المتقدم:

«وكذا عند الطبراني من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وفي سندهما ضعف؛ لكنهما من طريقين: إحداهما مرسلة , والأخرى مقطوعة يتقوى بها حديث أبي هريرة» !

قلت: وفيما قاله نظر من وجوه:

الأول: أن حديث أبي هريرة قَوْلِيٌّ، كحديث الترجمة , وحديث أبي يعلى فِعْلِيٌّ، فشهادته قاصرة , تدل على شرعية الخط - لو صح -، وليس على أن النبي ^ أمر به. وهذا مما يجب أن يتنبه له في الشواهد.

الثاني: حديث الطبراني لم نقف عليه ولا أورده الهيثمي أيضاً؛ فإنه من شرطه؛ لأن الطبراني إذا أطلق العزو إليه فالمراد «المعجم الكبير» له، كما هو المصطلح عليه عند العلماء، ومن المؤسف أن الجزء الذي فيه أحاديث أبي موسى - واسمه عبد الله بن قيس - لم يطبع منه.

الثاني: أنه لم يسق لفظه لننظر فيه؛ أهو فعلي أو قولي؟

الرابع: قوله: «لكنهما من طريقين. . .» إلخ. لم يتبين لي مراده؛ فإن الشاهد الأول عن أبي محذورة , والآخر عن أبي موسى، فأين الإرسال والانقطاع , وهذا نقوله إذا فسرنا قوله:

 

(12/69)

 

 

«مَقْطُوعَة» بـ «مُنْقَطِعَة» عَلَى اصْطِلاحِ الْبَعْضِ، وَإِلا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ «مَوْقُوفَةً عَلَى التَّابِعِيِّ» ، فَالأَمْرُ أَشْكَلُ.

هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ التَّرْجَمَةِ، وَلَكِنْ فِيهِمَا مَتْرُوكَانِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ السَّخَاوِيُّ نَفْسَهُ عَلَيْهِمَا فِي الاسْتِشْهَادِِ بِهِمَا. واللهُ أَعْلَمُ.

5544 - «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَفِي مَكَّتِنَا وَفِي مَدِينَتِنَا، وَفِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي الْعِرَاقِ وَمِصْرَ، فَقَالَ: «هُنَاكَ يَطْلَعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، وَثَمَّ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ» .

مُنْكَرٌ بِذِكْرِ مِصْرَ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ» (ص 266) مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرُّهَاوِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي أَبُو رَزِينٍ الْفِلِسْطِينِيُّ عَنْ أبِي عُبَيْدٍ حَاجِبِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعَاً.

قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ مُسَلْسَلٌ بِالْعِلَلِ:

[الأُولَى] أبُو فَرْوَةَ هَذَا، أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ (4 / 2 / 288) بِرِوَايَتِهِ عَنْ جَمْعٍ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي وإلَيَّ، وَلَمْ يَزِدْ! .

[الثانيةُ] أَبُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرُّهَاوِيِّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

[الثالثة] يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الرُّهَاوِيُّ ضعيف، كما فِي «التقريب» .

 

(12/70)

 

 

الرَّابِعَة: أَبُو رَزِينٍ الْفَلَسْطِينِيُّ، لَمْ أَعْرِفْهُ.

وَبِالْجُمْلَةِ، فَهُوَ إِسْنَاٌد وَاهٍ مُظْلِمٌ، وَذِكْرُ مِصْرَ فِي الْمَتْنِ مُنْكَرٌ جِدَّاً.

فَقَدْ أَخْرَحَهُ الْبُخَارِيُّ (7094) ، وَأَحْمَدُ (2 / 118) ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيْرِ» (12 / 384) جَمِيعَاً مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ناَفِعٍ بِهِ، دُونَ ذِكْرِ مِصْرَ.

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ «نَجْدِنَا» بَدَلَ «عِرَاقِنَا» ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِـ «نَجْدِنَا» كَمَا كُنْتُ بَيَّنْتُهُ فِي تَخْرِيْجِ «فَضَائِلِ الشَّامِ» (الْحَدِيثُ الثَّامِنُ) .

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيْرِ» (12 / 84 / 12553) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، دُونَ ذِكْرِ مِصْرَ، وَبِلَفْظِ «عِرَاقِنَا» .

5545 - «تَعَيَّشُوا بِنِسَائِكِمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَعِيشَ مَعَ امْرَأَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإِنْ شَاءَ أَفْسَدَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَصْلَحَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، إِنْ بُلَّ شَهْرَيْنِ لَمْ يَلِنْ، وَإِنْ أُقِيمَ لَمْ يَسْتَقِمْ، فَعَاشِرُوهُنَّ بِأَخْلاقِهِنَّ» .

ضَعِيفٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ» (ص 484_485) : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا أبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَخِيهِ مَحْفُوظِ عَنْ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ قَالَ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:. . . . . . فَذَكَرَهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ. نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُوهُ لَمْ أَعْرِفْهُمَا. وَالأَوَّلُ أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ

(4 / 1 / 473) فقالَ: «نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ أبُو إِبْرَاهِيمَ الْحَضْرَمِيُّ الْحِمْصِيُّ. رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ. رَوَى عَنْهُ أبُو أَيُّوبَ الْبَهْرَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمْصِيُّ» .

 

(12/71)

 

 

وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ كَمَا تَرَى، فَهُوَ مَجْهُولٌ.

وَأمَّا أَبُوهُ خُزَيْمَةَ، فَلَم يُتَرْجِمْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلا غَيْرُهُ فِيمَا عَلِمْتُ، مَعَ أنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ فِي الرُّوَاةِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، فَقَالَ:

«رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ خُزَيْمَةُ بْنُ جُنَادَةَ بْنِ مَحْفُوظٍ نُسْخَةًً كَبِيْرَةً» .

وَقَدْ رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ حَدِيثَاً آخَرَ (ص 468) بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَوَقَعَ فِيهِ:

«أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةُ بْنُ جُنَادَةَ» .

5546 - «وَاكِلِي ضَيْفَكِ، فَإِنَّ الضَّيْفَ يَسْتَحِي أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ» .

مُنْكَرٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ» (ص 487) بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذي قَبْلَهُ عَنْ ابْنِ عَائِذٍ عَنْ ثَوْبَانَ:

أنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدَّمَ لَهُ طَعَامَاً، فَقَالَ النَّبِيُّ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. . . . . فَذَكَرَهُ.

قُلْتُ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فِيهِ مَجْهُولانِ كَمَا تَقَدَّمَ بيانُهُ آنِفَاً.

وَفِي مَتْنِهِ نَكَارَةٌ عِنْدِي، لأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنْ تُشَارِكَ ضَيْفَهَا ثَوْبَانَ فِي الطَّعَامِ، وَهُوَ لَيْسَ مَحْرَمَاً لَهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

(12/72)

 

 

5547 - «كُلُّوا مِنْهَا ثُلُثَاً - يَعْنِي الضَّحَايَا -» .

مُنْكَرٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ» (ص 611) قالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنَا بِشْرٌ عنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ

 

(12/72)

 

 

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول. . . . . . فَذَكَرَهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ رِجَالُ الْبُخَارِيِّ، غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْنُ جَابِرٍ الْحِمْصِيُّ، كَمَا فِي حَدِيثٍ سَابِقٍ لَهُ عِنْدَهُ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً، وَهُوَ عِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ لِمَا يَأْتِي.

وَبِشْرٌ: هُوَ ابْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ.

وَالْحَدِيثُ هَكَذَا ضُبِطَ بِالأَصْلِ «ثُلُثَاً» ، وَهُوَ خَطَأٌ لا نَدْرِي: أَهُوَ مِنْ بَعْضِ نَاسِخِي الْكِتَابِ، أم هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ الْحِمْصِيُّ الْمَذْكُورُ؟ ! . وَسَوَاءً كَانَ هَذَا أَوْ ذَاكَ، فَهُوَ مُنْكَرٌ، لأَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ بِلَفْظِ «ثَلاثَاً» : أَيْ ثَلاثَ لَيَالٍ، وَلَيْسَ ثُلُثَ الأُضْحِيَّةِ، وَلا بَأْسَ مِنْ أنْ أَسُوقَ بَعْضَهَا:

[أوَّلاً] : قَالَ أبُو عَوَانَةَ فِي «صَحِيحِهِ» (5 / 234) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ قَالا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ. . . . (قُلْتُ: فَسَاقَهُ بِسَنَدٍ آخَرَ عَنْ عَلِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعَاً نَحْوَ الآتِي، ثُمَّ قَالَ:) قالَ: وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ بِإِسْنَادِهِ الأَوَّلِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«كُلُوا مِنْهَا ثَلاثَاً» .

قُلْتُ: كَذَا وَقَعَ فِيهِ «وَأَبُو الْحَسَنِ» ، والْمَذْكُورُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ «وَأَبُو الْحُسَيْنِ» ، ثُمَّ وَقَعَ فيه «قَالَ: وَحَدَّثَنَا» ، فَلَعَلَّ الصَّوابَ «قَالا» ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ: مُحَمَّدُ بْنُ

عَوْفٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ - وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَيْضَاً -، وَسَوَاءٌ

 

(12/73)

 

 

أَكَانَ الْمَعْنِىَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى خَطَأ مَنْ نَسَبَ إِلَى بِشْرِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ «ثُلُثَاً» ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا يَأتِي:

[ثَانِيَاً] قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِلَفْظِ:

«كُلُوا مِنْهَا ثَلاثَاً. يَعْنِي لُحُومَ الأَضَاحِي» .

أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمَعَانِي» (2 / 306_307) تَحْتَ: بَابِ أَكْلِ لُحُومِ الأَضَاحِي بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِيهِ «ثلثاً» بِإِسْقَاطِ أَلَفِ اللامِ كِتَابَةً لا لَفْظَاً، كِكِتَابَةِ الْعَلَمِينَ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ. فَعَلَى هَذَا يُرَجَّحُ أَنَّ مَا فِي الأَصْلِ كُتِبَ كَذَلِكَ، لَكَنْ أَخْطَأَ مَنْ ضَبَطَهُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَاللامِ. وَاللهُ أَعْلمُ.

[ثَالثَاً] رَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ بهِ بِلَفْظِ:

«كُلُوا مِنَ الأَضَاحِي ثَلاثَاًَ» .

فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْكُلُ حَتَّى يَنْفِرَ مِنْ مِنَيً مِنْ لُحُومِ الأَضَاحِي.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (5574) ، وَمُسْلِمٌ (6 / 79 - 80) ، وَأبُو عَوَانَةَ (5 / 232) .

وَأَخْرَجَهُ أحْمَدُ (2 / 9) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِلَفْظِ:

«لا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَتِهِ فوقَ ثَلاثٍ» .

وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأحْمَدُ (2 / 34) .

وَتابَعَهُ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهِ، وَزَادَ:

 

(12/74)

 

 

«وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ» .

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأحْمَدُ (2 / 81) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ جَمْعٌ آخَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَوْعَبَ الْكَثِيْرَ مِنْهَا الطَّحَاوِيُّ، فسَاقَهَا بِأَسَانِيدِهِ، وَبَعْضُهَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَكُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى النَّهْي عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ إِلا فِي ثَلاثَةِ أيَّامٍ، مِمَّا يُؤَكِّدُ خَطَأَ حَدِيثِ التَّرْجَمَةِ بِالضَّبْطِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّهْي قَدْ صَحَّتْ أَحَادِيثٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِزَمَنٍ مُعِينٍ، ثُمَّ نُسِخَ، مِنْهَا:

حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعَاً:

«وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» .

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي «الإِرْوَاءِ» ، مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ برقم (1155) .

وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ، وهِيَ مُخَرَّجَةٌ هُنَاكَ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ (12 / 320 / 13235) ، لَكِنْ فِيهِ: يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

5548 - «أُولَئِكَ قَوْمُنَا. يَعْنِي: بَنِي الْعَنْبَرِ» .

مَوْضُوعٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيِّ فِي «الْمَعْجَمِ الْكَبِيْرِ» (8 / 157 / 7604) و «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ» (ص655) : حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ الأَزْرَقُ: ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أبِي أُمَامَةَ قَالَ:

 

(12/75)

 

 

كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ رُكْبَانَاً، فَمَرَرْنَا بِهَجْمَةٍ (1) ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟ ، فَقَالُوا: لَبَنِي الْعَنْبَرِ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:. . . . فَذَكَرَهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا مَوْضُوعٌ أَعَلَّهُ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ بِمَنْ لَيْسَ هُوَ آفَتَهُ، فَقَالَ (10 / 47) :

«رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ دَاوُدَ بْنِ الْمِقْدَامِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقٍ فِي الإِمَامِ: وُثِّقَ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ» .

كَذَا قَالَ! ، وَإِنَّمَا الآفَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى، وَهُوَ الْوَجِيهِِيُّ الْحِمْصِيُّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوَثِّقْهُ أحدٌ، بَلْ قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: «مُنْكَرُ الْحَدِيثِ» .

وَقَالَ ابن عدِيٍّ: «هُوَ مِمَّنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ مَتْنَاً وَإِسْنَادَاً» .

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: «كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ» .

5549 - «كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَمْرَضَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ» .

مَوْضُوعٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيِّ فِي «الْمَعْجَمِ الْكَبِيْرِ» (7603) بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.

قُلْتُ: وَقضدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِيهِ عُمَرُ بْنُ مُوسَى الْوَجِيهِِيُّ، وَأَنَّهُ «كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ» .

وَقَدْ تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَكْحُولٍ بِهِ.

__________

(1) كَذَا فِي «الْكَبِيْرِ» وَ «الْمَجْمَعِ» ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَوَقَعَ فِي «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ» : بِهِجْرَةٍ، وهو خَطَأٌ. وَالْهَجْمَةُ مِنَ الإِبِلِ: قَرِيبٌ مِنَ الْمِائَةِِ.

 

(12/76)

 

 

أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضَاً (7602) و «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ» أيْضََاً (ص655) مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عنْهُ.

قُلْتُ: وَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ وَاهِيَةٌ، لا تُغْنِي وَلا تُسْمِنُ مِنْ جُوعٍ، فَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ الْوَقَّاصِيُّ الْمَدَنِيُّ، وَهُوَ فِي الضَّعْفِ مِثْلُ الْوَجِيهِيِّ، فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ، بَلْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: «لا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، كَانَ يَكْذِبُ» .

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: «متروكُ الْحَدِيثِ، ذَاهٍبُ الْحَدِيثِ» .

وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: «كَانَ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ» .

وَبِهِ أَعَلَّهُ الْهَيْثَمِيُّ، فَقَالَ فِي «الْمَجْمَعِ» (2 / 318) : «رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ: عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ» .

وَفَاتَهُ أَنَّهُ مُتَابِعٌ لِلْوَجِيهِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ نَفْسَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ الرَّاوِي عَنْ الْوَقَّاصِيِّ: عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، وَهُوَ الْمَدَنِيُّ، لَمْ يُوَثِّقْهُ إِلاَّ ابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَافِظِ: مَقْبُولٌ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَدَنِيِّ الْمُؤَذِّنِ، فهَذَا فِِيهِ لِيْنٌ.

وَالْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي «تَخْرِيْجِ الْمُخْتَصَرِ» (ق76 / 1) مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْوَقَّاصِيِّ فقط، وقَالَ:

«وَهُوَ مَتْرُوكٌ» .

 

(12/77)

 

 

ذَكَرَهُ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ فِي مَوْتِ الْفَجْأَةِ، أَعَلَّهَا كُلَّهَا، غَيْرَ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، رَفَعَهُ مَرَّةً، وَمَرَّةً لَمْ يَرْفَعْهُ، بِلَفْظِ: «مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ» .

وَقَالَ: «أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرَهُ» .

قُلْتُ: وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي «الْمِشْكَاةِ» (1611) مُصَحَّحَاً، وَمِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ أَيْضَاً.

5550 - «رَحِمَ اللهُ إِخْوَانِي بِقَزْوِينَ» يَقُولُهَا ثَلاثَاً، ثُمَّ بَكَى، فَانْصَبَّتْ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِهِ، فَجَعَلَتْ تَقْطُرُ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، مَا قَزْوِينُ هَذِهِ؟ ، وَمَنْ إِخْوَانُكَ الَّذِينَ بِهَا؟ ، فَإِنَّكَ ذَكَرْتُهُمْ هَهُنَا حَتَّى بَكَيْتَ؟ ، قَالَ: «قَزْوِينُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا: (الدَّيْلَمُ) ، وَهِيَ الْيَوْمَ فِي يَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَيَفْتَحُهَا اللهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى أُمَّتِي، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، فَلْيَأْخُذْ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّبَاطِ بِقَزْوِينَ» (1) .

مَوْضُوعٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ» (ص 683) مِنْ طَرِيقِ

أَبِي نُعَيْمٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ مُقَاتِلِِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

__________

(1) خَرَّجَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ هَذَا الْحَدِيثَ فيمَا سَبَقَ مِنْ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ بِرَقَمِ (3247) ، وَفِي كُلِّ الْمَوْضِعَيْنِ زَوَائِدُ يَسِيرَةٌ عَلَى الآخَرِ. (النَّاشِرُ) .

 

(12/78)

 

 

بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ قَاعِدٌ مَعَنَا، إذْ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، كَأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ أَمْرَاً، فَقَالَ:. . . . . . . . فَذَكَرَهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي «ذَيْلِ الأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ»

(ص93. هِنْدَيَّةُ) مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ، وَقَالَ:

«مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ كَذَّابٌ. وَالرَّاوِي عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ الْخُرَاسَانِيُّ عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ أَيْضَاً. فَالَ الرَّافِعِيُّ:

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي حَاتِمٍ أنه أَوْرَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ زَافِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ يرفعه إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قال:

كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ. . . . . . .» .

قُلْتُ: فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ السُّيُوطِيُّ:

«هَذَا الإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَبَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَزَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لا يُتَابعُ عَلَى حَدِيثِهِ، عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لا يُتَابعُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثِيْرُ الْغَلَطِ، وَاسِعُ الوَهْمِ» .

قُلْتُ: بَقِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُطَّ عَلَى هِشَامٍ هَذَا، فَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي «الضُّعَفَاءِ» (3 / 90) ، وَتَبِعَهُ الذَّهَبِيُّ، فَقَالَ فِي «ضُعَفَائِهِ» (ص711 / 6754) :

قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثُرَتْ مُخَالَفَتُهُ للأثبات، فَبَطَلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ رَوَى لَهُ حَدِيثَيْنِ أَرَاهُمَا مَوْضُوعَيْنِ، أَحَدَهُمَا عَنْ ابْنِ أَبِي ذئبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

 

(12/79)

 

 

«الدَّجَاجُ غَنَمُ فُقَرَاءِ أُمَّتِي، وَالْجُمُعَةُ حَجُّهُمْ» .

قُلْتُ: لَكِنْ تَعْصِيبُ الْجِنَايَةِ فِي هذَا الْحَدِيثِ بِالرَّاوِي لَهُ عَنْ هِشَامٍ، وَهُوَ: عَبْدُ اللهِ (وَفِي الأَصْلِ: مُحَمَّدُ! ، وَهُوَ خَطَأٌ) ابْنُ يَزِيدَ بْنِ مَحْمَشٍ أَوْلَى، لأنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِِ.

فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي «الْمَوْضُوعَاتِ» (2 / 253) :

«هذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، وَيُلَقَّبُ مَحْمَشٌ» .

وَأَقَرَّهُ السُّيُوطِيُّ فِي «اللآلَي» (2 / 28) .

ثُمَّ إِِنَّ حَدِيثَ التَّرْجَمَةِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي «الذَّيْلِ» (ص92) مِنْ رِوَايَةِ الْحَافِظِ أبِي الْعَلاءِ الْعَطَّارِ بِسَنَدِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْغَازِيِّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَّا. . . . . . بسنده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعَاً.

وَقَالَ: «قَالَ فِي «الْمِيزَانِ» : دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْغَازِيِّ شَيْخٌ كَذَّابٌ، لَهُ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَّا» .

قُلْتُ: وَمِنْ تَسَاهُلِ السُّيُوطِيِّ وتناقضاته الْعَجِيبَةِ: أنَّهُ مَعَ حُكْمِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِالْوَضْعِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، فَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ معاً، وَرِوَايَةِ الْعَطَّارِِ هَذِهِ عَنْ عليٍّ فِي كِتَابِهِ «الْجَامِعِ الصَّغِيْرِ» الَّذِي ادَّعَى فِي مُقَدِّمَتِهِ: أَنَّهُ صَانَهُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ كَذَّابٌ أَوْ وَضَّاعٌ! . وَقَدْ كُنْتُ بَيَّنْتُ فِي مُقَدِّمَةِ ضَعِيفِ الْجَامِعِ وَزِيَادَته أنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ الْوَفَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ مَعَ الأَسَفِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ شَاهِدٌ جَدِيدٌ عَلَى ذَلِكَ. والله المستعان

 

(12/80)

 

 

5551 - (ليس صغير بصغير مع الإصرار، وليست كبيرة بكبيرة مع الاستغفار، طوبى لمن وجد في كتابه يوم القيامة استغفار كثيراً) (1) .

موضوع.

أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 683) من طريق بشر بن عبيد الراسبي: ثنا أبو عبد الرحمن العنبري عن مكحول عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الراسبي هذا؛ قال الذهبي:

" كذبه الأزدي. وقال ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة بيِّن الضعف جداً "

ثم ساق له ثلاثة أحاديث منكرة، وقال:

" وهذه أحاديث غير صحيحة، فالله المستعان ". ثم أتبعها بحديث رابع، وقال:

" وهذا موضوع ".

وبه أعله الحافظ السخاوي في " المقاصد "، فقال:

" وهو متروك ".

قلت: وشيخه أبو عبد الرحمن العنبري؛ لم أعرفه.

وللحديث بعض الشواهد دون جملة الاستغفار وقد تكلم عليها في " المقاصد " (ص 467 / 1308) ، فليراجعها من شاء.

__________

(1) صحح الشيخ - رحمه الله - الفقرة الأخيرة منه في " صحيح الجامع " برقم (3990) ، و " صحيح الترغيب والترهيب " برقم (1618 - ط: المعارف) .

أما الفقرة الأولى، وكذا الوسطى منه؛ فقد سبقتا برقم (4474، 4810) من هذا الكتاب. (الناشر)

 

(12/81)

 

 

5552 - (مسألة الغني شَين في وجهه، [ومسألة الغني نار،] إن أُعطي قليلاً فقليل، وإن أُعطي كَثِيرًا فَكَثِير) .

منكر بهذا التمام. أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 435 / 922 - كشف الأستار) ، وأبو الشيخ في " الأ قران " (2 / 1) ، والطبراني في " الكبيرة " (18 / 175 / 400) من طرق عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن عمران بن حصين مَرْفُوعًا. وقال البزّار - والزيادة له -:

" لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن عمران، وإسماعيل ليس بالقوي ".

قلت: وهو المكي أبو إسحاق؛ قال في " التقريب ":

" ضعيف الحديث ".

قلت: وقد خالفه جمع من الثقات؛ فرووه عن الحسن به؛ دون الزيادة وما بعدها، وزادوا: " يوم القيامة ".

أخرجه أحمد (4 / 426، 436) ، والطبراني في " الكبير " (18 / 164 / 362) وفي " الأوسط " (2 / 216 / 1 / 8342) .

وجود المنذري في " الترغيب " (2 / 3) إسناده!

وفيه نظر؛ لأن اَلْحَسَن - وهو البصري - مدلس وقد عنعنه في كل الطرق عنه. لكن هذا القدر من الحديث له شاهد صحيح من رواية ثوبان مَرْفُوعًا؛ كما بينته في " التعليق الرغيب ".

 

(12/82)

 

 

ثم وجدت لإسماعيل مُتَابِعًا، وهو أبو حمزة العطار قال: ثنا الحسن عن عمران بتمامه دون زيادة البزّار.

أخرجه الطّبراني (18 / 162 / 356) .

وأبو حمزة اسمه إسحاق بن الربيع البصري؛ ضعفه جمع، منهم عمرو بن علي قال:

" ضعيف الحديث ". وقال ابن عدي:

" ومع ضعفه يكتب حديثه ".

وهذان النصان من هذين الإمامين يدفعان قول الحافظ في " التقريب ": " تُكُلِّم فيه؛ للقدر ".

وبالجملة؛ فالحديث بتمامه لا يزال في مرتبة الضعف؛ لعدم الشاهد.

5553 - (توضأ صلى الله عليه وسلم، فمسح أسفل الخف وأعلاه) .

منكر بزيادة (الأسفل) . أخرجه أحمد (4 / 251) : ثنا الوليد بن مسلم: ثنا ثور عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة به.

وأخرجه أبو داود (165) : حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي، والترمذي (1 / 162 / 97 - شاكر) : حدثنا أبو الوليد الدمشقي - واسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار البسري؛ ثقة -، وابن ماجه (1 / 195) : حدثنا هشام بن عمار، وابن الجارود (رقم 84) ، والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 419) من طريق عبد الله بن يوسف، والدارقطني في " سننه " (1 / - 195 /

 

(12/83)

 

 

6 و 7) عن داود بن رشيد وعيسى بن أبي عمران، والبيهقي (1 / 290) عن الحكم بن موسى وداود بن رشيد وأحمد بن يحيى بن إسحاق الحلواني، والطبراني في " الكبير " (20 / 396 / 939) عن الهيثم بن خارجة وعبد الله بن يوسف، وكذا في " مسند الشاميين " (ص 83) ؛ كلهم قالوا: ثنا الوليد بن مسلم به.

إلا أنهم اختلفوا عليه في إسناده:

فمنهم من قال عنه: (عن) في جميع الرواة فيه، كعبد الله بن يوسف والحكم بن موسى والهيثم بن خارجة.

ومنهم من صرح بالتحديث عن بعضهم، ثم اختلفوا عليه فيه:

فأكثرهم قال: عنه: ثنا ثور. . . كما في رواية أحمد، وتابعه محمود بن خالد الدمشقي وأبو الوليد الدمشقي وهشام بن عمار - وهو دمشقي أَيْضًا - - وكذلك وقع في " مسند الثاميين " - عن ابن يوسف وابن خارجة.

وخالفهم جَمِيعًا داود بن رشيد، فقال: عنه عن ثور بن يزيد: ثنا رجاء بن حيوة. فذكر التحديث بين ثور ورجاء، وليس بين الوليد وثور.

لكنه في رواية الحلواني عنه قال: (عن رجاء) . فلم يذكر التحديث بين ثور ورجاء، فهو في فلك موافق لرواية أحمد والثقات الذين معه.

فتكون روايته هذه أرجح من الأولى التي فيها التحديث بين ثور ورجاء. فتكون شاذة لمخالفته فيها الثقات الذين تابعوه في روايته عن الوليد بن مسلم، وخالفوه في ذكره التحديث بين ثور ورجاء، ولم نجد له مُتَابِعًا؛ اللهم الا ما في " التلخيص " لابن حجر (1 / 159) ؛ قال:

 

(12/84)

 

 

" وذكر الدارقطني في " العلل " أن محمد بن عيسى بن سُمَيْع رواه عن ثور كذلك ".

قلت: لكن ابن سميع هذا لا يحتج به؛ كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه (4 / 1 / 38) ، وقال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق يخطئ ".

ولذلك، قال الدارقطني في " العلل " - كما في " نصب الراية " (1 / 181) وغيره -:

" هذا حديث لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد [قال: حدثتُ عن

رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم] مُرْسَلًا [ليس فيه المغيرة] ".

وما بين القوسين سقط من الأصل، استدركته من " سنن الدارقطني ". وهو تلقاه عمن قبله؛ كأحمد والبخاري؛ كما يأتي.

وقال الأثرم:

" سمعت أحمد بن حنبل يُضَعِّف هذا الحديث، ويذكر أنه ذكره لعبد الرحمن

ابن مهدي، فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال: حدثت عن رجاء. . . " فذكر مثل ما تقدم عن الدارقطني (1) .

وتتابع المحدثون الأئمة على إعلال هذا الحديث بعلة الانقطاع، فقال أبو داود عقب الحديث:

" بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء. وقال الترمذي:

__________

(1) ورواه ابن حزم في " المحلى " (2 / 114) بسنده عن أحمد.

 

(12/85)

 

 

" وهذا حديث معلول: لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل (يعني: الإمام البخاري) عن هذا الحديث؛

فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك. . . . " إلخ ما تقدم عن الدارقطني؛ إلا أنه

وقع في الترمذي خطأ نبه عليه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه على " الترمذي " (1 / 164) ؛ فراجعه إن شئت.

" وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 54 / 135) عقب الحديث عن أبيه:

" ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح ".

قلت: وفيه إشارة إلى أن في الحديث علة أخرى وهي في متنه؛ فإن المحفوظ عن المغيرة من طرق كثيرة جداً: أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. ليس فيها ذكر الأسفل. بل في بعضها: " على ظاهرهما ". وإسناده حسن صحيح كما كنت بينته في " صحيح أبي داود " (رقم 151، 152) ، ونقل الحافظ في " التلخيص " أن البخاري قال في " التاريخ الأوسط ":

" وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة ".

قلت: ويؤكد ذلك أن عبد الملك بن عمير قد رواه عن ورّاد كاتب المغيرة عن المغيرة؛ ولم يذكر أسفل الخف.

كذلك رواه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عنه؛ كما نبه عليه الدارقطني في " العلل "، وحكاه عنه الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف على الأطراف " (8 / 497 - 498) .

وإسماعيل هذا؛ وإن كان ضَعِيفًا؛ فقد تابعه الحكم بن هشام الثقفي: حدثني

 

(12/86)

 

 

عبد الملك بن عمير به.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (20 / 390 / 923) من طريقين عنه.

والحكم هذا؛ صدوق، فالإسناد جيد.

وعزاه أخونا السلفي لأحمد وأبي داود والترمذي! وهو تساهل منه، فإنما أخرجوه من الطريق السابقة عن الوليد بن مسلم. .!

هذا؛ وإن مما يزيد الأمر تَأْكِيدًا: أنه قد روى المسح على الخفين عن اَلْمُغِيرَة نحو ستين رَجُلًا؛ كما حكاه الحافظ في " الفتح " (1 / 307) عن البزّار، ورواه معه من الصحابة أكثر من الثمانين - ومنهم العشرة المبشرون بالجنة -، ولذلك؛ صرح جمع من الحفاظ بتواتره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ساق أحاديث كثيرين منهم: ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 175 - 184) ، ولحديث المغيرة عنده طرق، وكذلك عند النسائي في " الكبرى " (1 / 43، 44، 59، 60، 61، 62، 68، 71، 100 - 101) ، كما استوعب الكثير منها عنه: الطّبراني في " الكبير " (858، 864 - 882، 887 - 889، 944 - 946، 963، 971، 976، 985، 990، 992 - 997، 1000 - 1002، 1005 - 1007، 1018، 1028 - 1041، 1050، 1051، 1062 - 1064، 1078 - 1081، 1085) وفي " الأوسط " أَيْضًا (رقم 529، 1133، 1309، 1392، 2028، 2805، 3258، 3592، 3669، 3763، 5272، 5420، 5452، 5535، 9096، 9264 - بترقيمي) .

أقول: فعدم ورود زيادة المسح أسفل الخفين في هذه الروايات المتواترة عن الصحابة بصورة عامة، وعن المغيرة بصورة خاصة إلا في رواية الوليد هذه؛ فهو مما لا يدع أي شك في شذوذها حسب قواعد علم الحديث الشريف.

 

(12/87)

 

 

وهذا لو كان إسناد الوليد بها صَحِيحًا، فكيف وقد أعله اَلْأَئِمَّة - كما تقدم - بالإرسال والانقطاع!

أما الإرسال؛ فليس مُسَلَّمًا عندي؛ لمجيئه مَوْصُولًا من طريق عبد الملك بن عمير عن وراد؛ لكن ليس فيه الزيادة كما سبق بيانه.

وكنت أود أن أفسر قولهم بالإرسال هنا بالانقطاع الذي هو من معانيه عند المتقدمين من علمائنا.

وبه فسره الإمام البغوي في " شرح السنة " (1 / 463) ؛ فقد قال بعد أن ذكر الحديث معلقاً:

" والحديث مرسل؛ لأنه يرويه ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة. وثورلم يسمع هذا من رجاء ".

كنت أود أن أفسره بالانقطاع؛ لكن ظاهر كلامهم المتقدم صريح بأن الإرسال

فيه غير الانقطاع، فهما عندهم علتان.

وثمة علة ثالثة عند أبي حاتم، وهي في المتن كما سبق بيانه، وهي علة قادحة كما شرحنا. ومثلها: الانقطاع، والمقصود به ما بين ثور ورجاء؛ كما تقدم في رواية ابن المبارك.

وقد أجاب عن هذه العلة ابن التركماني في " الجوهر النقي "، وتبعه أبو الحسن السندي في " حاشية ابن ماجه "، ثم الشيخ أحمد شاكر في تعليقه - وقلده المعلق على " شرح السنة " للبغوي - فقالوا - واللفظ لأحمد شاكر -:

" إن الوليد بن مسلم كان ثقة حَافِظًا مُتْقِنًا، فإن خالفه ابن المبارك في هذه

 

(12/88)

 

 

الرواية؛ فإنما زاد أحدهما على الآخر، وزيادة الثقة مقبولة "!

قلت: لقد فات هؤلاء كلهم - وبخاصة أحمد شاكر منهم - أمران هامّان جداً

في هذا الحديث:

الأول: أن قاعدة (زيادة الثقة مقبولة) ليست على إطلاقها عند المحققين من المحدثين وغيرهم؛ بل الصواب الذي صرح به الحافظ ابن كثير وابن حجر وغيرهما: تقييدها بما إذا لم يخالف الثقة من هو أوثق منه أو أكثر عدداً. وإلا؛ كانت شاذة مردودة، وسواء كان ذلك في الإسناد أو المتن، ولذلك؛ اشترطوا في تعريف الحديث الصحيح:

" أن لا يشذ ".

وعلى ذلك جروا في كتب العلل والتخريجات وغيرها، كما يعلم ذلك من

درس ذلك دراسة واعية. ومن لم يتنبه لهذا القيد، أو لم يأخذ به؛ كان مُضْطَرِبًا

أشد الاضطراب في التصحيح والتضعيف، والأمثلة على ذلك كثيرة جِدًّا لا ضرورة للتوسع في ذكرها، وحسبك الآن - مَثَلاً - هذا الحديث؛ فقد أعله ابن حزم بمخالفة

الوليد بن مسلم لعبد الله بن المبارك، تَابِعًا في ذلك الإمام أحمد وغيره ممن سبق ذكرهم، فأصاب؛ لكنه لم يشعر أنه خالف قاعدته التي قررها في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام "، وهي الأخذ بزيادة الثقة مُطْلَقًا؛ فقال (2 / 90 - 96) :

" إذا روى العدل زيادة على ما روى غيره، فسواء انفرد بها، أو شاركه فيها غيره، مثله أو دونه أو فوقه؛ فالأخذ بتلك الزيادة فرض. . . "!

وفي هذا الحديث يقول في " المحلى ":

 

(12/89)

 

 

(أخطأ فيه الوليد بن مسلم في موضعين. . .) .

ثم ساق بإسناده إلى أحمد روايته عن عبد الله بن المبارك عن ثور قال: حدثت عن رجاء. . . إلخ، ليس كما تقدم، ليس له دليل على التخطئة سوى مخالفته لابن المبارك الذي هو أحفظ من الوليد، فأصاب تفريعا وأخطأ تفصيلاً، بخلاف أحمد شاكر، فإنه مع تأييده لابن حزم في قاعدته المذكورة في كتابه (الباعث الحثيث) (ص 68) خالف المحدثين جميعا، فقدم رواية الوليد على رواية ابن المبارك!

فأخطأ تأصيلاً وتفريعاً! !

والأمر الآخر: أن الرواة اختلفوا على الوليد بن مسلم في مكان تصريحه بالتحديث في إسناد هذا الحديث، فيمنهم من ذكره بينه وبين ثور بن يزيد، ومنهم من ذكره بين ثور ورجاء بن حيوة.

فهو إسناد مضطرب، والمضطرب من أقسام الحديث الضعيف، إلا إذا ترجحت رواية على أخرى، وكانت الرواية الراجحة سالمة من علة أخرى تستوجب ضَعفها.

وليس الأمر كذلك هنا، فقد بيّنا في مطلع هذا التخريج أن الرواية الراجحة إنما هي التي صرح فيها الوليد بالتحديث بينه وبين شيخه ثور بن يزيد، ولم يصرح بذلك بين ثور ورجاء، بل عنعنه، وأنت إذا تذكرت أن الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية، علمت أن الحديث يضعف بهذه العنعنه وحدها، فلا يكفي تصريحه بالتحديث بينه وبين شيخه، بل لا بد أن يصرح به بين شيخه وشيخ شيخه أيضا، ولهذا قال الحافظ في (تخريج المختصر) (ق 21 / 2) في حديث آخر:

(وإسناده على شرط الصحيح، فقد صرح الوليد بالتحديث له ولشيخه، فَأُمِنَ

 

(12/90)

 

 

التدليس والتسوية) .

فكيف إذا انضم إلى ذلك تصريح الإمام ابن المبارك بالانقطاع في هذا الموضع نفسه؟ !

(فائدة) : قال عبد الله بن أحمد في ((مسائله)) (ص 33 - طبع المكتب الإسلامي) :

((سمعت أبي سئل عن المسح كيف هو؟ قال:

خططاً بالأصبع؛ كذا سمعنا. وأشار بيده، وكان أبي لا يذهب إلى أن يمسح أسفل الخفين)) .

قلت: وهذا مما يؤكد ضعف الحديث عند أحمد كما لا يخفى.

5554 - (كانَ قَبْلَ أن يبْني المسْجِدَ يُصَلِّي إلي خَشَبَةٍ، فلما بنَى المسجد بُنِيَ له مِحْرابٌ، فتقدَّم إليه، فَحَنَّتِ الخشَبَةُ حَنينَ البعيرِ، فَوضَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَهُ عليها، فسَكَنتْ) .

منكر. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (6 / 155 / 5726) عن عبد المهيمن ابن عباس بن سهل بن سعد: حدثني أبي عن جدي قال:. . . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد واهٍ؛ عبد المهيمن؛ قال الذهبي في ((الميزان)) :

((قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ليس بقوي))

قلت: والسند إليه صحيح، فهو من منكراته؛ لأن قصة الخشبة وحنينها

 

(12/91)

 

 

صحيحة مشهورة من رواية جمع من الصحابة، إن لم تكن متواترة لكثرة طرقها وتعدد مخارجها، وفيها كلها أن ذلك كان حين اتُّخِذَ المنبر للنبي صلى الله عليه وسلم وانتقل في خطبته من الخشبة إليه، وليس فيها ذكر للمحراب مطلقاً! فهو من أوهام عبد المهيمن بن عباس، وكأنه كان يضرب في روايته لهذه القصة.

فقد أخرجها ابن سعد في ((الطبقات)) (1 / 251) ، والطبراني أيضاً (5727) من طريقين آخرين عن عبد المهيمن به مختصراً بذكر النبر؛ دون حنين الخشبة.

وكذلك رواه عبد الله بن عمر العمري عن العباس بن سهل به؛ أتم منه.

أخرجه أحمد (5 / 337) ، وعنه الطبراني (5732) .

وتابعهما سعد بن سعيد بن قيس عن عباس بن سهل به مطولاً، وفبه ذكر المنبر والحنين.

أخرجه ابن سعد والبيهقي في ((الدلائل)) (2 / 559) بإسناد جيد على شرط مسلم.

وتابعه على قصة المنبر: أبو حازم بن دينار عن سهل بن سعد به، وفيه صلاته صلى الله عليه وسلم على

المنبر، وفيه:

فلما فرغ؛ أقبل على الناس، فقال:

((أيها الناس! إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي)) .

أخرجه البخاري (917) ، ومسلم (2 / 74) ، وابن خزيمة في ((صحيحه)) (1521 و 1522) ، وابن سعد (1 / 252 - 253) ، وأحمد (5 / 339) ، والطبراني (5752، 5790، 5881، 5977، 5992) ، وأبو نعيم في

 

(12/92)

 

 

((الدلائل)) (ص 343) من طرق عن أبي حازم به.

وفي بعض طرقه عند الطبراني:

((فلما جلس عليه؛ حنت الخشبة التي كان يقوم عليها، فجاء فوضع يده عليها حتى سكنت))

وهي زيادة صحيحة ثابتة في رواية بعض الصحابة المشار إليهم آنفا، وهي عند أبي نعيم أيضا في ((دلائل النبوة)) (ص 343) مثل رواية الطبراني، والدارمي (1 / 19) مختصراً، ومعناها أشار إليه أحمد في روايته بلفظ:

((فقيل لسهل بن سعد: هل كان من شأن الجذع ما يقول الناس؟ قال: قد كان منه الذي كان)) .

وإسناده صحيح على شرط مسلم.

ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد أفاض في ((تخريج المختصر)) في تخريج حديث حنبن الخشبة والمنبر بأسانيده عن جمع من الصحابة (ق 52 / 1 - 57 / 2) ، ونقل عن البيهقي أنه قال:

((أمره ظاهر، نقله الخلف عن السلف، وإيراد الأحاديث فيه كالتكلف. يعني لشدة شهرته. وهو كما قال؛ فقد وقع لنا من حديث:

عبد الله بن عمر

وعبد الله بن عباس

وأنس بن مالك

 

(12/93)

 

 

وجابر بن عبد الله

وسهل بن سعد

وأبي بن كعب

وأبي سعيد

وعائشة

وأم سلمة)) .

ثم أفاض في تخريجها وذكر طرقها وألفاظها، وكلها ليس فيها ذكر المحراب، فثبتت نكارته، ولا يصح في المحراب وأنه كان في مسجده صلى الله عليه وسلم حديث، وللسيوطي في ذلك رسالة نافعة مطبوعة. فلتراجع.

5555 - (لولا أن بني إسرائيل قالوا: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ؛ ما أعطوا أبدا، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها؛ لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم) .

منكر. أخرجه ابن مردويه في ((تفسيره)) - كما في ((تفسير ابن كثير)) ، و ((تخريج المختصر)) لابن حجر (ق 172 / 1) - من طريق سرور بن المغيرة بن أخي منصور بن زادان عن عباد بن منصور عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا.

وأخرجه البزار في ((مسنده)) (ق 200 / 2 - كشف الأستار) ، وتمام في ((الفوائد)) (12 / 2) ومن طريقه ابن حجر وابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد

 

(12/94)

 

 

الحداد أحمد بن داود: ثنا سرور بن المغيرة به مختصرا. وقال البزار:

((لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد)) .

قلت: وهو ضعيف؛ فيه علل ثلاثة:

الأولى: عنعنة الحسن البصري.

الثانية: ضعيف عباد بن منصور وعنعنته أيضا؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :

((صدوق، رمى بالقدر، وكان يدلس، وتغير بآخره)) .

وبه أعله الحافظ في ((تخريج الكشاف)) ؛ لكنه أجمل القور فيه، فقال (4 / 8) :

((وفي سنده عباد بن منصور، وفيه ضعف))

الثالثة: سرور بن المغيرة؛ ليس بالمشهور؛ أورده ابن أبي حاتم في ((الجرح)) (2 / 1 / 325) برواية الحداد هذا عنه، وقال عن أبيه:

((شيخ)) ! ولم يزد، وقال الذهبي في ((الميزان)) :

((ذكره الأزدي وتكلم فيه)) .

وأما ابن حبان؛ فذكره في ((الثقات)) ! وهو عمدة الهيثيمي في توثيقه بقوله في ((المجمع)) (6 / 314) :

((رواه البزار، وفيه عباد بن منصور، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات)) !

على أن أبا سعيد الحداد هذا تركه أبو حاتم وغيره؛ فقال ابنه (1 / 1 / 50)

 

(12/95)

 

 

عنه وعن أبي زرعة:

((أدركناه، ولم نكتب عنه)) .

لكن وثقه ابن معين وابن سعد؛ كما في ((تاريخ بغداد)) (3 / 139) ، فالعلة ممن فوقه، لا سيما وقد توبع؛ كما يشعر بذلك قول ابن كثير بعد أن ذكره من طريقه:

((ورواه الحافظ ابن مردويه في ((تفسيره)) من وجه آخر عن سرور بن المغيرة. . . . . .)) إلخ. ثم قال عقبه مبينا ضعفه:

((وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة، كما تقدم مثله عن السدي))

ولذلك؛ فإنه قد أساء الشيخ الصابوني كل الإساءة حين أورد الحديث في ((مختصره)) (1 / 77) ! فأوهم القراء بذلك أنه صحيح كما نص عليه في المقدمة! على ما كنت شرحت ذلك في مقدمة المجلد الرابع من ((الصحيحة)) ، ثم زاد في الإيهام بحذفه تضعيف ابن كثير إياه، واقتصاره على تخريج الحديث فقط في حاشيته! فهذا أسلوب جديد منه في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العلماء! فليضم إلى ما كنت ذكرته

عنه هناك. والله المستعان.

ثم إن الحديث قد أخرجه ابن حجر بسند صحيح عن عبيدة بن عمر السلماني قال:

كان في بني اسرائيل رجل عقيم. . . القصة، وفيها الحديث بنحوه موقوفا عليه، فهو من الإسرائيليات، قال ابن حجر عقبها:

 

(12/96)

 

 

((ورواه عمرو بن الأزهر عن هشام بن حسان، فقال: عن محمد بن سرين عن عبيدة وأبي هريرة. ذكره الدارقطني في ((العلل)) ، قال: وهم عمرو في ذكر أبي هريرة.

قلت (هو ابن حجر) : وهو ضعيف جدا؛ لكن له طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعة متصلة مختصرة. . .)) .

قلت: ثم ساق حديث الترجمة.

وعمرو بن الأزهر هذا؛ له ترجمة سيئة جدا في ((الميزان)) و ((لسانه)) ، حتى قال الإمام أحمد:

((كان يضع الحديث)) . وقال يحيى:

((كان كذابا ضعيفا)) . وقال أبو سعيد الحداد المتقدم:

((كان يكذب مجاوبة. . . لا أكثر في المسلمين مثله)) .

5556 - (لدوا للموت، وابنوا للخراب) .

ضعيف. وهو قطعة من حديث أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (7 / 396 / 10731) من رواية موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي حكيم مولى الزبير رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:

((ما من صباح يصبح على العباد إلا وصارخ يصرخ: لدوا للموت، واجمعوا للفناء، وابنوا للخراب)) .

وضعفه الحافظ ابن حجر في ((تخريج المختصر)) بقوله (ق 202 / 1) :

 

(12/97)

 

 

((هذا حديث غريب، وموسى وشيخه ضعيفان، وأبو حكيم مجهول، وقد أخرج الترمذي من طريق موسى هذا بهذا الإسناد حديثا غير هذا واستغربه)) .

قلت: يشير إلى الحديث المتقدم (4496) بلفظ:

((ما من صباح يصبح العبد إلا ومناد ينادي: سبحان الملك القدوس)) .

وقد بينت هناك أن محمد بن ثابت هذا ليس هو البناني الضعيف، وإنما هو آخر مجهول تفرد بالرواية عن أبي حكيم وعنه موسى بن عبيدة، ولا هو أيضا محمد بن ثابت العبدي كما وقع في ترجمة أبي حكيم هذا من

((تهذيب التهذيب)) لابن حجر! وكأنه سبق قلم منه؛ فإنه ليس في ((تهذيب المزي)) : (العبدي) .

ومن الغريب أن يتتابع المخرجون لهذا الحديث على تقليد الحافظ بن حجر في تضعيفه في ((تخريج المختصر)) لمحمد بن ثابت هذا دون أن يتنبهوا أنه واهم في ذلك، وأنه المجهول الذي صرح به في ((التقريب)) ! كالحافظ السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (332 / 855) ، وعلى القاري في ((الموضوعات الكبرى)) (ص 277 - تحقيق الصباغ) ، والمناوي في ((فيض القدير)) ، والشيخ الحوت في ((أسنى المطالب))

(ص 168) ، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) وغيرهم! ! والله المستعان.

ومن المفارقات العجيبة التي وقفت عليها في هذا الحديث قول الزرقاني في ((مختصر المقاصد الحسنة)) (791 / 157) إنه حديث صحيح! وهذا مما لم يقله أحد قبله، وأظنه أُتي من ظاهر كلام السخاوي في حديث أبي هريرة الآتي كشاهد لهذا.

 

(12/98)

 

 

ويقابل هذا ما نقله الشيخ القاري - وقلده الشيخ القاوقجي في ((اللؤلؤ المرصوع)) (ص 62) - عن الإمام أحمد أنه قال في حديث الترجمة:

((وهو مما يدور في الأسواق! ولا أصل له)) !

وفي صحة هذا النقل عن الإمام أحمد نظر عندي، لسببين:

الأول: أنني لم أره في شيء من المصادر القديمة المعتمدة.

والآخر: أن المري عن الإمام أحمد أنه قال:

أربعة أحاديث تدور على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس لها أصل. . .

فذكرها، وليس منها حديث الترجمة. رواه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (2 / 236) بسند عنه.

ومع ذلك، فقد قال الحافظ العراقي في ((التقييد والإيضاح)) (223) - وأقره السيوطي في ((اللآلي)) - (2 / 140) :

((لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد، فإنه أخرج حديثاً منها في ((المسند)) . . .)) إلخ، فراجعه إن شئت، فإنه لم يتعرض لنقده من حيث إسناده. فلينظر.

هذا، وقد روي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ:

(إن ملكاً بباب من أبواب الجنة يقول: من يقرض اليوم، يجز غدا. . .)) .

الحديث

 

(12/99)

 

 

أخرجه أحمد (2 / 305 - 306) ، وابن حبان (815) ، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8 / 380 / 8935 - الحرمين) من طرق عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه به، دون حديث الترجمة. ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي في ((الكبرى)) ، والطبراني في ((الأوسط)) (2 / 269 / 2 / 9098) وقال:

((تفرد به حماد)) .

قلت: وهو ثقة إمام، ولذا، قال الحافظ في ((تخريج المختصر)) :

((حديث صحيح)) .

قلت: وهو في ((الصحيحة)) (920) من رواية ابن حبان.

وقبله من رواية الشيخين من طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه.

وله في ((الأوسط)) طريق أخرى عن أبي هريرة مختصراً، لكن فيه (2 / 164 / 1 7508) و (7 / 236 / 7374 - حرمين) داود بن الزبرقان، وهو متروك.

ثم قال الحافظ:

((وأخرجه البيهقي في ((الشعب)) [10730] من رواية مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به، وزاد:

((وإن ملكاً بباب آخر يقول: يا أيها الناس! هلموا إلى ربكم؛ فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وإن ملكاً بباب آخر ينادي: يا بني آدم! لدوا للموت، وابنوا للخراب)) .

 

(12/100)

 

 

قلت: سكت عنه الحافظ؛ لظهور علته؛ فإن مؤملاً هذا؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق سيئ الحفظ ". قلت: فمثله لا يحتج به عند التفرد، فكيف وقد خالف الثقات وزاد عليهم في حديثهم ما ليس فيه، فتكون زيادته منكرة.

والحديث؛ ذكره السخاوي من رواية البيهقي عن مؤمل بن إسماعيل به، وقال:

وهو عند أحمد والنسائي في " الكبرى " بدون الشاهد منه، وصححه ابن حبان ثم شيخنا ".

وعلى ضوء تخريجنا السابق يتبين أنه يعني الحديث بدون الشاهد؛ خلافاً لما فهمه الزرقاني في " مختصره " فصحح الشاهد كما سبق.

5557 - (إن الرجلَ ليكونُ مِنْ أَهْلِ الصلاة والزكَاةِ والحَجِّ والعُمْرَةِ والصيامِ والجهادِ - حتى ذَكَرَ سهام الخير -؛ وما يُجْزَى يومَ القيامةِ إلا بقدر عَقْلِهِ.)

باطل. أخرجه أبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر " (254 / 1 - 2) ، والعقيلي في " الضعفاء " (ص 416) ، وابن حبان أيضاً (3 / 40) ، وابن أبي الدنيا في " العقل وفضله " (ص 12) ، ومشرق بن عبد الله الفقيه في " حديثه " (ق 60 / 1) ، والخطيب في " التاريخ " (13 / 79) ، والواحدي في " تفسيره " (4 / 156) ، وابن عساكر في " تاريخه " (9 / 458 / 2) ، وابن الجوزي في

 

(12/101)

 

 

منهاج القاصدين " (1 / 21 / 2) وفي " الموضوعات " (1 / 172) من طريق الخطيب؛ كلهم عن منصور بن صقير الجزري: حدثتا موسى بن أعين عن عبيد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به. وقال العقيلي:

" منصور هذا في حديثه بعض الوهم، ولا يتابع عليه ".

وقال ابن حبان: " يروي عن موسى بن أعين وعبيد الله بن عَمر [و] المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ". وقال ابن الجوزي:

" هذا حديث ليس بصحيح، قال ابن حبان:. . . " إلى آخر كلامه.

ثم قال ابن حبان:

" وهذا خبر مقلوب تتبعته مرة؛ لأن أجد لهذا الحديث أصلا أرجع إليه، فلم أره؛ إلا من حديث إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر. وإسحاق بن أبي فروة ليس بشيء في الحديث، وعبيد الله بن عَمرو سمع من إسحاق بن أبي فروة، فكأن موسى بن أعين سمعه من عبيد الله بن عمرو في المذاكرة عن إسحاق بن أبي فروة فحكاه. فسمعه منصور عنه فَسقط عليه إسحاق بن أبي فروة، فصار: عبيد الله عن نافع! ".

قلت: قد وصله العقيلي من طريقين عن عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن نافع به، وقال:

" هذه الرواية بهذا الحديث أشبه، وابن أبي فروة أحمل ".

قلت: وهو متروك؛ كما قال أبو زرعة وغيره، فهو آفة الحديث، وقد أسقطه منصور بن صقير، فإن كان فعل

ذلك عمداً. لزم إلحاقه بالمدلسين تدليس التسوية،

 

(12/102)

 

 

ولم يورده أحد فيهم فيما علمت؛ حتى ولا الحافظ في " طبقات المدلسين "، ولعل ذلك لعدم ظهور تعمده لإسقاطه، والدته أعلم.

والحديث؛ قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 129 (:

" سمعت أبي سئل عن حديث رواه منصور. . . (فذكره وقال:) قال أبي:

سمعت ابن أبي الثلج (اسمه محمد بن عبد الله بن إسماعيل - من شيوخ البخاري -) يقول: ذكرت هذا الحديث ليحيى بن معين فقال: هذا حديث باطل؛ إنما رواه موسى بن أعين عن صاحبه عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرُفع إسحاق من الوسط فقيل: موسى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر. قال أبي: وكان موسى وعبيد الله ابن عمرو صاحبين يكتب بعضهما عن بعض، وهو حديث باطل في الأصل.

قيل لأبي: ما كان منصور هذا؟ قال: ليس بقوي، كان جندياً، وفي حديثه اضطراب ".

قال ابن أبي حاتم:

" حدثنا ابن أبي الثلج قال: كنا نذكر هذا الحديث ليحيى بن معين سنتين أو ثلاثاً فيقول: " هو باطل "، ولا يدفعه شيء، حتى قدم علينا زكريا بن عدي فحدثنا بهذا الحديث عن عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة، فأتيناه فأخبرناه، فقال: هذا بابن أبي فروة أشبه منه بعبيد الله بن عمرو ".

قلت: وزكريا بن عدي وهو أخو يوسف؛ ثقة جليل يحفظ، احتج به مسلم، وقد ساق الإسناد على وجهه، فساعد على الكشف عن علته التي لما وقف ابن معين عليها أكد قوله ببطلان الحديث، وتبعه على ذلك العقيلي وأبو حاتم وابن

 

(12/103)

 

 

حبان وغيرهم كما تقدم، ولعله أحد الطريقين المشار إليهما آنفاً عند العقيلي " وليس كتابه بين يدي - وهو من مخطوطات الظاهرية العامرة - لأتأكد من ذلك (*) ، ولكنه قد توبع أيضاً. فقال الخطيب عقب قول أبي حاتم المتقدم:

" قلت: وقد روى حديث موسى بن أعين: بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن عبد الله؛ كما ذكر يحيى بن معين؛ إلا أنه خالفه في المتن ".

ثم ساقه بإسناده عن موسى بن سليمان: حدثنا بقية: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة به، بلفظ:

" لا تعجبوا بإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله ".

لكن موسى بن سليمان هذا؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" صالح الحديث؛ إلا عن بقية ".

قلت: لأنه تلقن في حديث رواه ابن عدي في " مقدمة الكامل " (ص 63) عن شيخه محمد بن حاتم الهزهاز المنبجي، فقال الشيخ في موسى:

" لقنوه - أصحاب الحديث - فتلقن، ثم رجع عنه ".

لكني لم أجد لهذا الشيخ ترجمة، وقد ذكر الذهبي في " التذكرة " جماعة بهذا الاسم (محمد بن حاتم) ، ليس فيهم هذا. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) لا يشوش على كلام شيخنا الألباني - رحمه الله - هذا أنه ذكر " ضعفاء العقيلي " قبل ذلك - وبعد - ونقل عنه؛ لأنه - كما هو معلوم عن شيخنا - يخرج الحديث، ثم يتركُهُ، ويرجع إليه بعد ذلك مراتٍ ومراتٍ مُضيفأ وحاذفاَ، فلعلًه كتبَ هذا لاحقاً؛ خاصة أنه تُوفي قبل تهيئة الكتاب للطبع. . (الناشر) .

 

(12/104)

 

 

وقد توهم بقية على هذا اللفظ؛ فأخرجه ابن أبي الدنيا (ص 11) ، والعقيلي (ص 36، 416) ، وابن عدي (ق 15 / 1) ، والحكيم الترمذي في " الرياضة " (368) ، والقضائي في " مسند الشهاب " (ق 79 / 1 - 2) من طريق خالد بن حيان عن عبيد الله بن عمرو. وقال بعضهم في لفظه:

" لا يعجبنكم إسلام امرئ. . .! إلخ. وقال العقيلي: " منكر، لا يتابع عليه ابن أبي فروة ".

قلت: قد رواه ابن عدي (105 / 1) من طريق حبيب ين رزيق: ثنا ابن أبي ذئب ومالك بن أنس عن نافع به. وقال: " هذا باطل عن مالك وابن أبي ذئب؛ حبيب هذا يضع الحديث، وإنما يروي هذا عبيد الله بن عمرو الرقي عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع، وإسحاق متروك الحديث ".

ثم إن بقية بن الوليد قد اتهم بالتدليس في هذا الحديث تدليس التسوية؛ فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " أيضاً (2 / 154) / " سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي قال: حدثنا نافع عن ابن عمر [عن النبي صلى الله عليه وسلم قال] : " لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه ". قال أبي:

هذا الحديث له علة قل من يفهمه] : رواه عبيد الله بن عَمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكأن بقية كنى عبيد الله بن عمرو ونسبه إلى بني أسد؛

 

(12/105)

 

 

لكيلا يفطن له، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدى له، وكان بقية من أفعل الناس لهذا.

وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب: " حدثنا نافع "؛ فهو وهم، غير أن وجهه عندي أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث، ولم يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الله بن عمرو، فلم يتفقد لفظة بقية في قوله: " حدثنا نافع " أو: " عن نافع " ".

قلت: يتلخص من كلامه أمران:

1 - أن بقية كان يدلس الشيوخ والأسماء

2 - اتهامه بأنه كان يدلس تدليس التسوية، كالوليد بن مسلم.

أما الأول؛ فهو من المسالم به؛ فقد ذكر ذلك عنه كثير ممن ترجم له من الأئمة، القدامى منهم والمحدَثين؛ لكن في شيوخه، وليس في شيوخهم، منهم الحافظ يعقوب الفسوي؛ فقال في " المعرفة والتاريخ " (2 / 424) : "

وبقية يقارب إسماعيل والوليد في حديث الشاميين، وهو ثقة إذا حدث عن ثقة، فحديثه يقوم مقام الحجة، يذكر بحفظ، إلا أنه يشتهي المُلَح والطرائف من الحديث، ويروي عن شيوخ فيهم ضعف، وكان يشتهي الحديث، فيكني الضعيف المعروف بالاسم، ويسمي المعروف بالكنية باسمه. وسمعت إسحاق بن راهويه قال: قال ابن المبارك: أعياني بقية! كان يكني الأسامي، ويسمي الكنى، قال: حدثني أبو سعيد الوحاظي، فإذا هو عبد القدوس.

وقد قال أهل العلم: بقية إذا لم يُسَمِ الذي يروي عنه وكناه؛ فلا يسوى حديثه شيئا ".

 

(12/106)

 

 

ورواه عنه الخطيب في " تاريخ بغداد " (7 / 124) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 208 - 209، 212 - 213) ، وتجد عندهما روايات أخرى في ذلك عن ابن معين وغيره.

وأما الآخر - وهو اتهامه بأنه كان يدلس تدليس التسوية -؛ فما أعتقد أن ذلك صح عنه، وذلك لأمور:

أولاً: أن استدلال أبي حاتم برواية إسحاق بن راهويه عن بقية - إن كانت محفوظة - لا تنهض بذلك؛ لأن فيها تصريح أبي وهب - شيخ بقية - بالتحديث عن نافع، وكذلك صرح بقية بالتحديث عن أبي وهب، فهي رواية مسلسلة بالتحديث، فأين التدليس المدَّعى؟ ! والمدلس إذا أسقط من الإسناد راوياً - سواء كان شيخه أو شيخ شيخه -؛ رواه بصيغة توهم السماع؛ كأن يقيل: قال فلان، أو: عن فلان، ونحوه. فلو قال مكان ذلك: سمعت، أو: حدثني، أو نحو ذلك مما هو صريح في الاتصال؛ كان كذباً، وسقطت به عدالته (1) ، وبقية صدولَى اتفاقاً، وقد قال أبو زمعة: " ما لبقية عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق فلا يؤتى من الصدق، وإذا حدث عن الثقات فهو ثقة "؛ كما رواه عنه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 435) ، وتقدم نحوه عن يعقوب الفسوي.

ولذلك؛ اضطر أبو حاتم إلى توهيم الإمام إسحاق بن راهويه في الإسناد: حدثنا نافع) ؛ لتصوره الانقطاع بين أبي وهب ونافع؛ الناتج من إسقاط بقية لابن أبي فروة من بينهما! وإذا جاز مثل هذا التوهيم منه، أفلا يجوز لغيره أن يقول:

__________

(1) انظر " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " للعلائي (ص 113.)

 

(12/107)

 

 

لعل الإسقاط المذكور كان من أبي حاتم مجرد دعوى؛ فإن بقية قد ذكر ابن أبي فروة في إسناد الحديث كما تقدم في رواية موسى بن سليمان، على ما فيها من الكلام الذي سبق بيانه؟ ! وعلى افتراض سقوطه في رواية ابن راهويه عن بقية؛ فليس هناك دليل على أنه كان مقصوداً من بقية، فيمكن أن يكون وهما منه كما تقدم مثله في أول هذا التخريج من منصور بن صقير، وذلك لا يبرر اتهامه بتدليس التسوية كما لا يخفى على الناقد البصير بهذا الفن الشريف، بل ويمكن أن يكون الإسقاط المدعى من غير بقية؛ فقد أشار إلى ذلك الحافظ في " النكت على ابن الصلاح "، فقال (2 / 622) :

" تنبيه آخر: ذكر شيخنا ممن عرف بالتسوية جماعة، وفاته أن ابن حبان قال في ترجمة بقية: إن أصحابه كانوا يسوون حديثه ".

قلت: ذكر ذلك ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 200 - 201) بعد أن صرح بأن بقية كان مدلساً يسقط الضعفاء من شيوخه بينه وبين شيوخهم الثقات، فقال:

" فراْيته ثقةً مأموناً، ولكنه كان مدلساً؛ سمع من عبيد الله بن عمرو وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك؛ مثل المجامع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى المَيتمي (1) وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: قال عبيد الله بن عمر عن نافع، وقال مالك عن نافع، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وبقية عن

__________

(1) الأصل: (المثيمي) وهو خطأ! والتصحيح من " تاريخ ابن عساكر " وتهذيب المزي " وغيرهما، وهو نسبة إلى (ميتم) : قبيلة من حمير.

 

(12/108)

 

 

مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط.

وإنما امتحن بقية بتلاميذ له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فالتزق ذلك كله به ".

قلت: هذا كله كلام ابن حبان رحمه الله، وهو صريح في تبرئته من تدليس التسوية، وأن ذلك كان من بعض تلاميذه. ولعل هذا هو سبب إعراض كل من ترجم عن رميه بهذا النوع من التدليس، وبخاصة المتأخرين منهم الذين أحاطوا بكل ما قيل فيه من مدح وقدح من الأئمة المتقدمين، واقتصروا على وصفه بتدليس شيوخه فقط، فقال الذهبي في كتابه " الكاشف ":

" وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال النسائي: إذا قال: (ثنا) و: (نا) ؛ فهوثقة ".

وهذا الحافظ ابن حجر؛ لما أورده في " طبقات المدلسين "؛ لم يزد على قوله:

" وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين، وصفه الأئمة بذلك ".

أورده في " المرتبة الرابعة "، وهي التي يورد فيه:

" من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل؛ كبقية بن الوليد. كما قال في مقدمة الرسالة.

قلت: فلم يرمه لا هو ولا الذهبي بتدليس التسوية، وقوله فيما تقدم نقله عنه في " النكت ": " ذكر شيخنا " إنما يعني به الحافظ العراقي؛ فإنه لما ذكر في كتابه " التقييد والإيضاح (ص 78 - الحلبية) تدليس التسوية، ضرب على

 

(12/109)

 

 

ذلك مثالاً هذا الحديث نقلا عن (العلل) لابن أبي حاتم، وكان نقله عنه باختصار تبعه عليه السيوطي في (التدريب) (1 / 224 - 225) ، ذلك؛ أنهما لم ينقلا عنه قوله المتقدم: (وأما ما ثال إسحاق في روايته. . .) إلخ. وبناء على ذلك تصرفا فيما نقلاه عنه، فقالا: (عن نافع) بدل: (حدثنا نافع) ، وهو تصرف غير مرضي (1) ؛ لأنه خلاف ما وقع في رواية ابن راهوية عند أبي حاتم ولا يجوز تغييره إلا بالبيان كما فعل أبو حاتم في تمام كلامه، فاختصارهما إياه من الاختصار المخل كما هو ظاهر، ويكفي العاقل دليلا على ذلك أن هذا التحقيق الذي أجريناه على كلامه ما كان بإمكاننا ذلك لو لم نقف عليه في (العلل) واعتمدنا فقط على ما نقلاه عنه!

ولذلك؛ انطلى الأمر على بعض الطلاب في العصر الحاضر وأخذوا يعللون بعض أحاديث بقية التي صرح فيها بالتحديث عن شيخه بتدليس التسوية! كحديث:

((وكاء السَّه العينان، فَمَنْ نام؛ فَلْيَتَوَضَّأْ))

وهو مخرج في (صحيح أبي داود) (198) ، وأوردته في (صحيح الجامع) (4025) ، فلم يعجب بعضهم اغترارا بأن فيه تدليس التسوية!

ونحوه تعليق بعضهم على ترجمة بقية في (سير أعلام النبلاء) بقوله (8 / 458) :

(بل قد وصفوه بأخبث أنواع التدليس، وهو تدليس التسوية، وهو أن يحذف من سنده غير شيخه. . .) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وكذلك فعل العلائي في " جامع التحصيل " (118) ! ولعله سلفهما.

111

 

(12/110)

 

 

واستند في ذلك على (التدريب) ، وقد خفي عليه ما ذكرته من التحقيق. زد على ذلك أن من علماء التخريج لم يجرء على إعلال حديث بقية بتدليس التسوية فيما علمت، وإنما يعللونه بعنعنته عن شيخه، فإذا صرح بالتحديث عنه صححوه، فهو دليل عملي منهم على عدم الاعتداد بقول من اتهمه بتدليس التسوية، ولا نذهب بعيدا في ضرب الأمثلة.

فهذا هو الإمام مسلم قد ذكر في مقدمة (صحيحه) (ص 14، 20) بقية بالتدليس.

ثم روى في (النكاح) من (صحيحه) (4 / 152) بسنده عن بقية: حدثنا الزبيدي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا:

((من دُعي إلى عرس أو نحوه؛ فَلْيُجِبْ)) .

ولما أخرجه الذهبي في (السير) (8 / 467) من طريق أبي عوانة الحافظ بسنده عن جمع قالوا: حدثنا بقية: حدثنا الزبيدي به؛ قال المعلق المشار إليه آنفا:

(إسناده صحيح؛ فقد صرح بقية بالتحديث) ! !

وقد فاته إخراج مسلم إياه! كما غفل عن اتهامه بتدليس التسوية كما تقدم نقلع عنه؛ فإن شيخ بقية (الزبيدي) لم يصرح بالتحديث! !

(تنبيه) : قال المحقق ابن قيم الجوزية في (المنار) (ص 66 - 67) :

(أحاديث العقل كلها كذب. . .)

ثم ساق منها أحاديث، هذا أحدها. وذكر عن أبي الفتح الأزدي وأبي جعفر العقيلي وابن حبان: أنه لا يصح في العقل حديث.

 

(12/111)

 

 

قلت: ومن تتبع الأحاديث التي أوردها ابن أبي الدنيا في كتابه (العقل) ودرس أسانيدها؛ تبين له مصداق ما قاله هؤلاء الأئمة. فلا يهولنك تضليل الشيخ الكوثري في مقدمة الكتاب المذكور (ص4) :

(إن المعتزلة كما تغالوا في تحكيم العقل تغالى كثير من الرواة في رد كل ما ورد في فضل العقل؛ نكاية في هؤلاء، والحق بين طرفي الإفراط والتفريط) !

أقول: نعم؛ الحق بينهما، فما هو؟ ! وهلا بينت للقراء ولو حديثا واحدا من أحاديث العقل؛ ثابتا لا ينبغي رده، لا سيما وقد ادعى ناشر الرسالة في طرتها أنك صححتها، والواقع يشهد أنك لم تتكلم على حديث واحد منها مطلقا لا بتحسين ولا بتضعيف! ! وما أحسن ما قيل:

والدعاوي ما لم تقيموا عليها. . . بينات أبناؤها أدعياء

(تنبيه آخر) : تقدم في كلام ابن عدي على رواية حبيب بن رزيق أن عبيد الله بن عمرو - هو الروقي؛ لكن وقع عند ابن أبي الدنيا أنه العمري، وهو الذي ذكره الخطيب والمزي وغيرهما في شيوخ بقية، دون الأول. ووقع في (تاريخ ابن عساكر) : (عبيد الله بن عمر) مطلقا غير منسوب، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فكلاهما ثقة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

5558 - (إن لكل شيء آفة تُهْلِكُهُ، وإن آفة هذا الدين الأهواءُ) .

ضعيف. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في (الحجة في بيان المحجّة) (ق46 / 1) عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن كُرْز بن وبرة الحارثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

 

(12/112)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل أو معضل.

الوصافي؛ ضعيف؛ كما في (التقريب) .

وكرز؛ أورده البخاري في (التاريخ) برواية الواصافي عنه، وقال:

(مرسل) .

وهذا يفيد بظاهره أنه تابعي، وهذا ما يفيده صنيع ابن حبان؛ فإنه أورده في (ثقات التابعين) فقال:

(كرز وبرة العابد، كوفي، سمع أنس بن مالك، روى عنه عبيد الله بن الوليد الوصافي، سكن جرجان، وبها مات) .

وهذا ينافي ظاهر ما ذكره ابن أبي حاتم (3 / 2 / 170) : أنه روى عن نعيم ابن أبي هند، وقول أبي نعيم في (الحلية) (5 / 82) :

(أسند عن طاوس، وعطاء، والربيع بن خُثيم، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم) .

قلت: فهؤلاء كلهم من التابعين، فالظاهر أن كرزا من أتباعهم، وهذا ما صرح به الحافظ ابن حجر في القسم الرابع من حرف الكاف من (الإصابة) فقال:

(. . . العابد، من أتباع التابعيين، أرسل شيئا. . .)

خلافا لقول الذهبي في التجريد (وهو تابعي) .

 

(12/113)

 

 

وكأنه تبع في ذلك ابن حبان؛ فإنه أورده في وفيات سنة (أربعين ومئة) من كتابه العظيم (تاريخ الإسلام) (5 / 292) ، وقال:

(أحد الأولياء، روى عن أنس بن مالك، وطارق بن شهاب. . . . و. . . و. . .) .

ثم رأيت ابن حبان تناقض؛ فأورده في (مشاهير أتباع التابعين بخرسان) من كتابه (مشاهير علماء الأمصار) (ص199 / 1598) ، فقال:

(كزر بن وبرة الحارثي، من أهل الكوفة، سكن جرجان، من المتجردين للعبادة، والمتقشفين للزهادة) .

فلعله تبين له أن روايته عن أنس لا تصح. والله أعلم.

ثم إن الحديث من الأحاديث الكثيرة التي لم يوردها السيوطي لا في (الجامع الكبير) ولا في (الصغير) ولا في (ذيله) .

5559 - (إذا ظهرَ القولُ، وخُزِنَ العملُ، وائتَلَفَت الألسنةُ، وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم، وأعمى أبصارهم) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (6 / 323 / 6170) ، والخرائطي في (مساوئ الأخلاق) (ق27 / 2) ، وأبو نعيم في (الحلية) (3 / 109) ، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (4 / 228 / 1) من طرق عن محمد بن عبد الله بن عمار: ثنا عيسى بن يونس عن محمد بن عبد الله بن عُلاثة عن الحجاج بن فُرافِصَة عن أبي عمر عن سلمان رضي الله عنه مرفوعا.

قلت: وهو إسناد ضعيف، أعله الهيثمي بما ليس فيه؛ فقال (7 / 287) :

 

(12/114)

 

 

(رواه الطبراني في (الأوسط) و (الكبير) ، وفيه جماعة لم أعرفهم) !

قلت: بل كلهم معروفون مترجمون في (التهذيب) وغيره، وإنما خفي عليه أبو عمر وابن عمار:

فأما الأول؛ فجاء مسمى عند الخرائطي: (زاذان أبي عمر) ، وهو صدوق من رجال مسلم.

وأما الآخر؛ فلم يعرفه هو وغيره؛ لأنه وقع عند الطبراني منسوبا لجده: (محمد ابن عمار) ، وهو: (محمد بن عبد الله بن عمار) ؛ كما وقع عند أبي نعيم، وهو الموصلي، كما وقع عند الطبراني، وهو أبو جعفر الأزدي؛ ثقة حافظ من شيوخ النسائي، كما في (التقريب) .

إذا عرفت هذا؛ فإنما علة الحديث من الحجاج بن فُراصة أو الراوي عنه: ابن علاثة، فالأول قال الحافظ:

(صدوق عابد يهم) .

والآخر: قال فيه:

(صدوق يخطئ) .

والحديث؛ عزاه السيوطي في (الدر المنثور) (6 / 65 - 66) للحسن بن سفيان أيضا مرفوعا عن سلمان، ولأحمد في (الزهد) وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه موقوفا، وعزاه ابن كثير في (تفسيره) للطبراني؛ ساقه بإسناده إلى سلمان مرفوعا كما تقدم.

وأما مختصِره الصابوني؛ فعزاه فيه (3 / 335) للإمام أحمد، وهذا كذب

 

(12/115)

 

 

عليه؛ فإنه لم يروه في (مسنده) مطلقا، وهو المقصود عند العلماء عند إطلاق العزو إليه، وإنما رواه في (الزهد) موقوفا كما ذكر عن السيوطي، فليتأمل القارئ كم في هذا العزو الموجز من جهالات!

وأخطر من ذلك كله أنه أورد الحديث في (مختصره) ! وقد تعهد في مقدمته أن لا يورد إلا الصحيح، وهيهات أن يستطيع الوفاء به، وهو من أجهل الناس بهذا العلم الشريف كما كنت بينته في غير هذا المكان! والله المستعان.

وإنما يؤكد ما ذكرته في هذا الرجل ما يأتي بيانه في الحديث التالي:

5560 - (عليكم بـ (لا إله إلا الله) والاستغفار، فأكثروا منه؛ فإن إبليس قال: أهلكتُ الناس فأهلكوني بـ (لا إله إلا الله) والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، وهم يحسبون أنهم مهتدون) .

موضوع. أخرجه أبو يعلى في (مسنده) (1 / 43 - 44) : حدثنا محرز بن عون: نا عثمان بن مطر: نا عبد الغفور عن أبي نصير عن أبي رجاء عن أبي بكر مرفوعا.

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) (رقم 7 - بتحقيقي) ومن طريقه أبو القاسم الأصبهاني في (الحجة في بيان المحجة) (ق35 / 1) من طريق أخرى عن محرز بن عون به.

وهذا إسناد موضوع؛ آفته عبد الغفور هذا، وهو ابن عبد العزيز أبو الصباح الواسطي؛ كما في (الجرح والتعديل) (3 / 1 / 55) ، وروي عن ابن معين أنه قال:

 

(12/116)

 

 

(ليس حديثه بشيء) . وعن أبيه قال:

(ضعيف الحديث) . وقال ابن حبان في (الضعفاء) (2 / 148) :

(كان ممن يضع الحديث على الثقات) .

وعثمان بن مطر؛ قريب منه؛ قال ابن حبان (2 / 99) :

(كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات) .

وضعفه الجمهور، وقال ابن عدي:

(متروك الحديث) .

وبه وحده أعله الهيثمي، فقال (10 / 207) :

(رواه أبو يعلى، وفيه عثمان بن مطر، وهو ضعيف) !

وأما أبو نصير؛ فهكذا وقع في مصورتنا من (مسند أب يعلى) ، ووقع في (تفسير ابن كثير) (4 / 177) وقد عزاه إليه: (أبو بصيرة) ، ووقع في (السنة) لابن أبي عاصم: (أبو بصير) ، وفي (الحجة) : (أبو نصير) بالصاد المهملة بعد النون، ولعل هذا هو الصواب؛ فقد وجدت في (باب النون) من (المقتنى في الكنى) للذهبي:

(أبو نصير الواسطي، عن أبي رجاء، وعنه سويد بن عبد العزيز وغيره) .

ويؤيد ما ذكرته من الاحتمال أنه الراوي لهذا الحديث عن أبي نصير إنما هو عبد الغفور، واسطي كما تقدم، وأبو نصير رواه عن أي رجاء، واسمه عمران بن ملحان العطاردي.

 

(12/117)

 

 

لكن أبو نصير الواسطي لم أعرفه.

ثم تأكدت أنه ليس به، وأن كل ما تقدم ذكره من الكنى الأربعة أصابها تحريف النساخ، وأن الصواب فيها:

(أبو نُصَيرة الواسطي) .

فقد ترجمه الحافظ في كنى (التهذيب) وسماه مسلم بن عبيد تبعا للدولابي في (الكنى) (2 / 140) ، وذكر الحافظ في شيوخه أبا رجاء العطاردي، وفي الرواة عنه أبا الصباح الواسطي، وهو عبد الغفور الراوي لهذا الحديث عنه كما رأيت، فهو هذا يقينا. فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لتهتدي لولا أن هدانا الله.

ثم هو ثقة؛ كما قال الحافظ في (التقريب) تبعا للإمام أحمد وغيره.

وهذا يؤكد أن العلة من أبي الصباح كما تقدم.

(تنبيه) : هذا الحديث من جملة الأحاديث الكثيرة جدا، التي صححها الشيخ الصابوني ببالغ جهله في اختصاره لـ (تفسير ابن كثير) ، بل وأوهم القراء أن ابن كثير نفسه قد صححه، وزاد على ذلك أن عزاه لأبي يعلى في تعليقه عليه، وإنما أخذه من ابن كثير بعد حذف إسناده الدال على وضعه! والله المستعان.

وإنم مما يدلك على عجزه في تخريج الأحلديث وجهله بها وأنه لا يخرج في ذلك عن تخريج ابن كثير الذي ينسبه لنفسه: أنك تراه يبيِّض للأحاديث التي لم يخرجها ابن كثير ولم يعزها لأحد؛ كقول ابن كثير عقب حديث الترجمة:

(وفي الأثر المروي: قال اإبليس: وعزتك وجلالك! لا أزال أغويهم ما دامت

 

(12/118)

 

 

أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي! لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) .

قلت: فهذا الحديث أورده ابن كثير هكذا كما ترى دون عزو، بل ظاهر عبارته أنه من الإسرائييات؛ لأنه قال فيه: (وفي الأثر. . .) بعد أن قال في حديث الترجمة وما قبله:

(وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى. . .) .

فقلده الشبخ علي الصابوني على ذلك كله، ولم يبين لقرائه هل هو حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم موقوف، ولا ذكر من رواه، فضلا عن أن يميز صحته من ضعفه، بل قال: (وفي الأثر. . .) .

والحق أنه حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد وغيره من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين عنه يقوي أحدهما الآخر، ولذلك؛ أوردته في (صحيح الجامع) (1646) ، وخرّجته في (المشكاة) (2344) و (الصحيحة) (104) .

5561 - (إن جِئْتِ ولم تجديني؛ فأتي أبا بكر؛ فهو الخليفة بعدي) .

منكر. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في (الحجة) (ق145 / 1) عن الفضل بن جبير الوراق: حدثنا يحيى بن كثير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئا، فقال لها:

(تعودين) . فقالت: يا رسول الله! إن جئتُ ولم أجدكَ - كأنها تعرض

 

(12/119)

 

 

بالموت -؟ قال:. . . فذكره. وقال:

(واللفظة الأخيرة تفرد بها الفضل بن جبير من هذا الوجه) .

قلت: وهو غير معروف؛ أورده الذهبي في (الميزان) وقال:

(قال العقيلي: لا يتابع على حديثه) .

ثم ساق له من رواية سلم بن سلام عنه عن خلف عن علقمة بن مرثد عن أبيه عن عائشة مرفوعا؛ قال لرجل:

(انطلق؛ فقل لأبي بكر: أنتَ خليفتي، فَصَلِّ بالناس. . .) ، الحديث.

قلت: والحديث صحيح بدون ذكر: (فهو الخليفة بعدي) ؛ ورواه جبير بن مطعم قال:

أتت امرأةٌ النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيتَ إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول: الموت -؟ قال صلى الله عليه وسلم:

(إن لم تجديني؛ فأتي أبا بكر) .

أخرجه البخاري (3659، 7220، 7360) ، ومسلم (7 / 110) ، والترمذي (3677) - وصححه -، والطيالسي (944) ، وأحمد (4 / 82، 83) ، وابن سعد في (الطبقات) (3 / 178) .

وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث الصحيح على أن أبا بكر هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحافظ في (الفتح) (13 / 333) :

(وهذا صحيح؛ لكن بطريق الإشارة لا التصريح، فلا يعارض جَزْمَ عمرَ بأن

 

(12/120)

 

 

النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف (يعني كما في البخاري 7218) ؛ لأن مراده نفي النص على ذلك صريحاً والله أعلم ".

هذا؛ وقد روى الأصبهاني أحاديث أخرى فيها التصريح بخلافة أبي بكر، ولا يصح شيء من أسانيدها، ومتونها منكرة؛ بل باطلة؛ كما يدل على ذلك جزم عمر المذكور. والله ولي التوفيق.

5562 - (ما صَحِبَ المرسلين أجمعينَ، ولا صاحَبَ (يَس) - يعني: نَفْسَهُ - أفضلُ مِنْ أبي بكر الصديق) .

موضوع. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في " الحجة " (ص 146 / 1) من طريق أحمد بن الحسن المصري: نا ابن عائشة: نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته المصري هذا؛ قال ابن حبان (1 / 149 - 150) :

" من أهل الأُبُلَّة، كذاب دجال يضع الحديث على الثقات وضعا ". وقال الدارقطني:

" حدثونا عنه، وهو كذاب ".

ومَنْ فوقه مِنْ رجال مسلم.

والحديث؛ عزاه السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " للحاكم في " تاريخه " وكذا في " الجامع الكبير "، وما أظنه إلا بهذا الإسناد.

وقد كنت أوردته في " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (5085) مقتصراً

 

(12/121)

 

 

على تضعيفه؛ نظراً لنكارة متنه، والآن وقد تبين أن فيه هذا الكذاب، فَلْيُشَرْ هناك إلى وضعه.

5563 - (إذا جَمَعِ اللهُ الأولين والآخِرِينَ يومَ القيامَةِ في صعيد واحد؛ سَمعُوا صَوْت مناد يَهْتِفُ من نَحْوِ العرشِ: ألا لا يَعْرِفَنَّ أَحداً كتابَهُ قًبلَ أبي بكرٍ وعمرَ) .

ضعيف جداً. أخرجه الأصبهاني في " الحجة " (ق 149 / 2) من طريق الفضل بن جبير: نا داود بن الزبرقان عن مطر الوراق عن عطاء قال:

مر عمر رضي الله عنه برجل وهو يكلم امرأة، فعلاه بالدرة، فقال: يا أمير المؤمنين! إنها امرأتي. قال: ها؛ فاقتص. قال: قد غفرت لك يا أمير المؤمنين.

قال: ليس مغفرتها بيدك، ولكن إن شئت أن تعفوَ فاعف. قال: قد غفرت لك يا أمير المؤمنين.

قال: ثم مر من فوره إلى منزل عبد الرحمن وهو يقول: ويل أمك يا عمر! تضرب الناس ولا يضربونك، وتشتم الناس ولا يشتمونك، حتى دخل على عبد الرحمن، فقص عليه القصة، فقال: ليس بأس يا أمير المؤمنين، إنما أنت مؤدب، وإن شئت حدثتك بما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وله ثلاث علل:

الأولى: مطر الوراق، وهو ضعيف من قبل حفظه.

الثانية: داود بن الزبرقان؛ قال الحافظ:

 

(12/122)

 

 

" متروك، وكذبه الأزدي ". قلت: فهو الآفة.

والثالثة: الفضل بن جبير، وهو مجهول؛ كما سبق بيانه قبل حديث.

5564 - (إني لأرجو إنْ طالتْ بي حياة أن أُدْرِكَ عيسى ابن مريم عليه السلام، فإن عَجلَ بي موتٌ؟ فَمَنْ لَقِيَهُ منكم؟ فَلْيُقْرِئْهُ مني السلام) .

شاذ. أخرجه أحمد (2 / 298) : ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكن قد خولف في رفعه محمد بن جعفر - وهو: غندر -، فقال أحمد عقبه مباشرة و (ص 299) :

ثنا يزيد بن هارون: أنا شعبة به؛ إلا أنه لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل أوقفه على أبي هريرة.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولذا؛ قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 5، 205) :

" رواه أحمد بإسنادين: مرفوع وموقوف، ورجالهما رجال الصحيح ".

قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أشار إلى ترجيح وقفه بإيراده إياه بعد المرفوع، وهو الذي يترجح عندي. لأنه جاء موقوفا من طرق:

أولاً: قال كثير بن زيد: عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعاً:

 

(12/123)

 

 

يوشك المسيح عيسى ابن مريم أن ينزل حَكَمَاً قسطاً، وإماماً عدلاً، فَيَقْتُلَ الخنزيرَ، ويكسِرَ الصليبَ، وتكون الدعوة واحدة ". فأقرئوه - أو أقرئه - السلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدثه فَيُصَذقُنِي.

فلما حضرته الوفاة قال: أقرئوه مني السلام.) :

أخرجه أحمد (2 / 394) . قال الهيثمي (8 / 5) :

" وكثير بن زيد؛ وثقه أحمد وجماعة، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات ".

وقال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق يخطئ ". قلت: فمثله حسن الحديث في الشواهد كما هنا.

ثانياً قال عبد الوهاب: أخبرنا ابن عون قال: مررت على عامر في مجلس بني أعبد فقال: حدثني غير واحد من (الأصل: عن) هؤلاء: أن أبا هريرة قال:

" من لقي عيسى ابن مريم منكم؛ فَلْيُقْرِئْهُ مني السلام ".

أخرجه الداني في " الفتن " (ق 144 / 1) .

وهذا إسناد جيد إن كان من دون عبد الوهاب - وهو ابن عطاء الخفاف - ثقاتاً، فإنه قد أصاب بعض أسمائهم لطخ حالت بيننا وبين معرفتهم.

ثالثاً: قال علي بن معبد: حدثنا خالد بن حيان عن جعفر بن برهان عن يزيد ابن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت: فذكر حديث نزول عيسى عليه السلام نحو حديث كثير) قال أبو هريرة:

أفلا تروني شيخاً كبيراً قد كادت أن تلتقي ترقوتاي من الكبر، إني لأرجو أن

 

(12/124)

 

 

لا أموت حتى ألقاه، وأحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصدقني، فإن أنا مت [دون أن] ألقاه ولقيتموه بعدي؛ فاقرؤوا عليه مني السلام.

أخرجه الداني أيضاً وسنده حسن أيضاً في المتابعات والشواهد.

رابعاً: قال محمد بن إسحاق: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عطاء مولى أم صبية (الأصل: حبيبة) قال:

سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلت: فذكر حديث النزول بزيادة) :

" وليسلكن فجاً حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما (1) ، وليأتين قبري حتى يسلم علي، ولأردن عليه ". يقول أبو هريرة:

أي بني أخي! إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام.

أخرجه الحاكم (2 / 595) ، وقال:

" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وقلدهما جمع؛ كالكشميري في: " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " وأبو غدة المعلق عليه (ص 101 - 102) ، والغماري في كتابيه: " إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان " (ص 33) ، و:

__________

(1) الأصل: (أو بنيتهما) ، والتصويب من " صحيح مسلم " (4 / 60) ، وأحمد (2 / 240، 272، 513) والداني (44 1 / 1) ؛ فقد أخرجوا الزيادة من طريق أخرى عن أبي هريرة دون ما بعد التثنية، وفي رواية لأحمد (2 / 290) : " أو يجمعهما ". ومن المحتمل أن يكون الأصل صحيحاً ويكون معناه بمعنى رواية أحمد؛ أي: بنية الحج والعمرة. يعني: يقرنهما؛ كما قال الداني عقب الرواية ألأ ولى: " أو ليثنينهما ".

ومن العجيب أن هذه اللفظة (أو بنيتهما) خفي معناها أو صوابها على جمع ممن نقلوا الحديث من " المستدرك "؛ كالذهبي في " التلخيص "، والشيخ الكشميري في " التصريح " (ص 102) ، والغماري في " إقامة البرهان " (34) وغيره، وكالسيوطي في " الدر " (2 / 245) ؛ فإنهم جميعا حذفوها!

 

(12/125)

 

 

" عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام "؛ بل إن هذا الأخير أورده في كتابه الآخر الذي سماه بـ " الكنز الثمين " برقم (3245) الذي جرده من الأحاديث الضعيفة بزعمه! وكل ذلك إنما يقع من الجهل بهذا العلم الشريف أو إهمال التحقيق فيه! وإلا؛ فهل يخفى على المحقق الناظر في هذا السند أنه لا يصح، وذلك من ناحيتين:

الأولى: عنعنة ابن إسحاق؛ فإنه مدلس مشهور بذلك.

والأخرى: جهالة عطاء مولى أم صبية؛ فإن الذهبي نفسه قد أورده في " الميزان " وقال: " لا يعرف، تفرد عنه المقبري ". ونحوه قول الحافظ في " التقريب ":

" مقبول ". يعني: عند المتابعة؟ !

وقد وجدت له متابعا على بعضه - بسند لا بأس به - خرجته في " الصحيحة " (2733) ، ولم أذكره هنا؛ لأنه ليس فيه موضع الشاهد منه، وهو قول أبي هريرة:

إن رأيتموه؛ فقولوا: أبو هريرة يُقْرِئُك السلام.

وبالجملة؛ فهذه الطرق الأربعة عن أبي هريرة - وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف؛ فإن - مجموعها يعطي لما اتفقت عليه من متونها قوة وصحة لا ريب فيها، فهي صالحة لترجيح أن حديث الترجمة موقوف غير مرفوع، وقد خفي هذا التحقيق على الغماري، فاغتر في كتابيه المشار إليهما اَنفأ (ص 34، 93) بقول الهيثمي: " رجال إسناده رجال (الصحيح) !

 

(12/126)

 

 

فأورد الحديث في " كنزه (1179) ؛ مع أنه قد صرح في مقدمته (ص ن) أنه لا يكفي في صحة الحديث أو حسنه مجرد ثقة رجاله؛ بل لا بد أن يكون سالماً من النكارة والشذوذ والمخالفة كما هو مبين في علم الحديث! وهذا حق؛ لكنه لم يلتزمه في هذا الكتاب ولا في غيره إلا ما ندر، كما يتبين لكل ذي بصيرة من هذا الحديث وغيره مما تقدم وما قد يأتي.

وأما الشيخ الكشميري؛ فقد تنبه لشيء من ذلك؛ فقال (ص 180) - بعد أن ذكر الحديث من الطريقين موقوفاً ومرفوعاً -:

" ومن أمعن النظر في أحاديث الباب؛ علم أن الإيصاء بإبلاغ السلام وقراءته على عيسى ابن مريم عليه السلام صحيح مرفوعا وموقوفاً.

وأما الجملة من قوله: " إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى ابن مريم عليه السلام ". فالنظر في أحاديث الباب يحكم بأنها موقوفة لا مرفوعة ".

قلت: وفيما ادعاه من صحة الإيصاء مرفوعا نظر عندي؛ لأنه - أعني:

الإيصاء - لم يرد في شيء من الأحاديث التي ساقها في كتابه، وقد بلغ عددها خمسةً وسبعين حديثاً، وزاد عليها المعلق أبو غدة عشرة أخرى، فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وفيه ما سكت عنه ولم يبين حاله! أقول: في هذه الأحاديث كلها لم يرد الإيصاء إلا في حديثين اثنين (*) :

حديث الترجمة أحدهما، وقد عرفت أنه ضعيف؛ لشذوذه.

والآخر: الحديث (67) ، وهو عن أبي هريرة أيضاً في قَتْلِ عيسى الدجالَ

__________

(*) وهنالك حديث ثالث صحيح عند الشيخ - رحمه الله -، ذكره في " الصحيحة " (2308) . رأيناه في " قصة المسيح " (ص 142) . (الناشر) .

 

(12/127)

 

 

وكَسْرِهِ الصليبَ. . . وفيه:

" ألا من أدركه منكم؛ فليقرأ عليه السلام ".

قال: " أخرجه الطبراني؛ كما في " الدر المنثور "،:

فذكر المعلق عليه أن الهيثمي أورده في " المجمع " (8 / 255) من رواية الطبراني في " الأوسط " و " الصغير " وقال:

" وفي سنده محمد بن عقبة السدوسي؛ وثقه ابن حبان، وضعفه أبو حاتم ".

قال أبو غدة: " وقال شيخنا الغماري في " عقيدة أهل الإسلام (ص 93) : إسناده حسن "!

قلت: كذا قال الغماري في الكتاب المذكور، وما أحسن! وأما في كتابه الآخر " إقامة البرهان " (ص 34) ؛ فلم يحسنه، وإنما ساق إسناد الطبراني فيه، فأحسن، وإنما نقل إعلال الهيثمي إياه بالسدوسي، وهو وإن كان كافياً في تضعيف الحديث عند أهل المعرفة؛ لما هو معلوم من تساهل ابن حبان في التوثيق من جهة؛ ولأن أبا حاتم قال في السدوسي:

" تركت حديثه ".

فهو عنده شديد الضعف؛ فهذا الجرح مقدم على توثيق ابن حبان؛ لأنه جرح مفسر، ولو فرض أن ابن حبان غير متساهل في التوفيق من جهة أخرى.

أقول: فهذا يكفي في تضعيف الحديث ورد تحسينه لمن تجرد عن التقليد،

 

(12/128)

 

 

فكيف إذا عرف أن إعلال الهيثمي قاصر؛ لأن شيخ السدوسي في الإسناد - وهو محمد بن عثمان بن سيار القرشي - مجهول؛ كما قال الدارقطني، وقد كنت بينت هذا في " الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير " قبل نحو نصف قرن من الزمان، فأعلنت الحديث بهاتين العلتين: السدوسي والقرشي، والله تعالى ولي التوفيق، وهو الهادي.

5565 - (يَأْتي علَى الناسِ زمان يستخفي المؤمنُ فيهم، كما يستخفي المنافقُ فيكُمُ اليومَ) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 46) : حدثنا محمد بن الجزر بن عمرو الطبراني: أنا سعيد بن أبي زيدون القيصراني: ثنا محمد بن يوسف الفريابي: أنا ابن ثوبان عن ابن أبي أنيسة قال: سمعت أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول:. . . فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ سعيد بن أبي زيدون؛ لم أجد له ترجمة، وكذلك الراوي عنه.

والحديث؛ عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لابن السني وحده.

 

(12/129)

 

 

5566 - (لو استطعت؛ لأَخْفَيتُ عورتي من شِعَارِي) .

موضوع. أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 44) عن الوليد ابن الوليد: ثنا ابن ثوبان عن يحيى بن الحارث عن القاسم:

أن رجلاً قال لأبي هريرة: إن رجالاً يعرُّون نساءهم؛ يأمرونهن يمشين بين

 

(12/129)

 

 

أيديهم؟ ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الوليد هذا - وهو ابن موسى الدمشقي -؛ قال الحاكم:

" روى عن ابن ثوبان أحاديث موضوعة ".

قلت: وهذا منها.

5567 - (بئسَ العبدُ المحتَكِرُ، إنْ أَرْخَصَ اللهًُ الأسعارَ؛ حَزِنَ، وإنْ أغلاها الله فَرِحَ) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 95 / 176) : حدثنا أحمد بن النضر العسكري: ثنا سليمان بن سلمة الخبائري: ثنا بقية بن الوليد: ثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال:

سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار: ما هو؟ قال:

" إذا سمع بِرُخْصٍ؛ ساءه، وإذا سمع بغلاءٍ؛ فرح به. . . بئس العبد. . . ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ لأن الخبائري متروك.

وبه أعله الهيثمي؛ كما كنت نقلت عنه في " غاية المرام " رقم (326) ، وكنت ذكرت له متابعاً ضعيفاً، والآن وقفت له على متابع آخر، قرنه معه الطبراني في " مسند الشاميين " فقال (ص 76) : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي: ثنا عمرو بن عثمان. (ح) : وثنا أحمد بن النضر العسكري: ثنا سليمان بن سلمة الخبائري؛ قالا: ثنا

بقية بن الوليد: ثنا ثور بن يزيد به.

وهذه متابعة قوية؛ عمرو بن عثمان - وهو أبو حفص الحمصي -؛ صدوق.

 

(12/130)

 

 

لكن الراوي عنه إبراهيم بن محمد بن عرق؛ لم أعرفه.

5568 - (يَنْزِلُ عيسى ابنُ مريمَ على ثمانمئةِ رَجُلٍ، وأربعمئةِ امرأةٍ، خِيَار مَنْ على الأرضِ يَوْمئذٍ، وكَصُلَحَاءِ مَنْ مَضَى) .

موضوع. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 120 - 121) ، وعلقه عنه الديلمي في " مسند الفردوس " (ص 324 - مصورة الجامعة) من طريق محمد بن عمر: ثنا سعيد بن بانك، سمع المقبري يحدث عن أبي هريرة مرفوعاً به.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي -؛ كذاب.

وسعيد بن بانَك، بفتح النون، وهو جده، واسم أبيه مسلم، وهو ثقة.

والحديث؛ أورده الشيخ الكشميري في " التصريح " (254 / 69) معزواً للديلمي فقط نقلاً عن " كنز العمال "! ففاته العزو إلى من علقه عنه - وهو أبو نعيم - أولاً، والأهم منه: أنه سكت عليه ثانياً! وعذره أنه لم يقف على إسناده، ولعله لذلك أيضاً سكت عن أحاديث أخرى، نبه المعلق عليه: الشيخُ أبو غدة على وضع أربعة منها، أشار إليها في آخر الكتاب (ص 272) ، ويمكن الاستدراك عليه بغير حديث الترجمة لو تفرغنا له!

 

(12/131)

 

 

5569 - (إذا عَطسَ العَاطِسُ؛ فشَمِّتْهُ؛ مَنْ شمَّتَ عاطِساً؛ ذَهَبَ عنهُ ذاتُ الجَنْبِ) .

موضوع. أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 10 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق: معلل بن نفيل الحراني: ثنا محمد بن محصن عن إبراهيم

 

(12/131)

 

 

ابن أبي عبلة عن عن عبد الله بن الديلمي عن حذيفة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته ابن محصن هذا - وهو العكاشي -؛ كذاب وضاع.

ومعلل الحراني؛ أورده الحافظ ابن حجر في الرواة عن العكاشي في ترجمة هذا، ولم أجد من ترجمه، ولعله في " تاريخ دمشق " لابن عساكر.

5570 - (نِعْمَ السّواكُ الزيتونُ؛ مِنْ شَجَرةٍ مُباركةٍ، يُطيِّبُ الفم، ويُذْهِبُ الحَفَرَ، وهو سوَاكِي وسوَاكُ الأنبياء قبلي) .

موضوع. أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " بسنده المتقدم عن محمد بن محصن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته ابن محصن؛ كما عرفت من الحديث الذي قبله.

وأما الهيثمي؛ فأعله بالرواي عنه: معلل بن نفيل الحراني! فما أحسن؛ قال في " المجمع "

(2 / 100) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه معلل بن محمد، ولم أجد من ذكره ".

كذا وقع فيه: " ابن محمد "! وهو خطأ، ولعله مطبعي.

وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لـ " الأوسط " أيضاً، وسكت عنه أيضاً كما هو الغالب عليه!

 

(12/132)

 

 

5571 - (يدخلُ رَجُلٌ من هذه الأمةِ الجنةَ قبْلَ موته) (1) .

باطل منكر. أخرجه ابن حبان في " الثقات " (4 / 361) ، والطبراني في " مسند الشاميين " (1 / 55 / 54) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 374) من طرق عن زهير بن عباد الرواسي: ثنا رُديح بن عطية عن إبراهيم بن أبي عبلة عن شريك بن خُباشة النميري:

أنه ذهب يستسقي من (جب سليمان) الذي في بيت المقدس، فانقطع دلوه، فنزل الجب ليخرجه، فبينما هو يطلبه في نواحي الجب، إذ هو بشجرة، فتناول ورقة من الشجرة، فأخرجها معه، فإذا هي ليست من شجر الدنيا (!) فأتى بها عمر بن الخطاب، فقال: أشهد أن هذا لهو الحق، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . .

(فذكره) ، فجعل الورقة بين دفتي المصحف.

قلت: هذا متن باطل منكر، وإسناد ضعيف ينتهي إلى مجهول لا يعرف إلا بهذه الرواية، وهو شريك بن خُباشة هذا؛ فإنه لم يذكره أحد من المتقدمين؛ كالبخاري في " التاريخ الكبير "، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "؛ إلا ابن حبان؛ فقد ذكره في " ثقاته " على قاعدته في توثيق المجهولين. ولم يذكر هو فيه ما يدل على حاله سوى هذه الرواية. فالعجب من الذهبي كيف لم يذكره في " الميزان " مع روايته لهذا المتن الباطل بطلاناً جلياً! ومن الحافظ كيف لم يستدركه عليه في " اللسان "!

وأعجب من ذلك: أنه أورده في القسم الثالث من " الإصابة "، وهو الذي

__________

(1) خَرَّجَ الشيخُ - رحمه الله - هذا الحديثَ مرتين بزيادات في كل منهما على الآخر، وكتب فوق المتن الثاني:

" يُوحَّد مع التخريج القديم ". فَفَعَلْنَا. (الناشر) .

 

(12/133)

 

 

يذكر فيه المخضرمين من الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه، وسواء أسلموا في حياته أم لا؟ وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق أهل العلم بالحديث!

ثم لم يذكر ما يدل على عدالته وثقته! ولا بد من ذلك ما دام أنه ليس صحابياً؛ ولكنه عقب عليه بقوله:

" وأخرجه ابن الكلبي من وجه آخر عن امرأة شريك بن خباشة قالت:

خرجنا مع عمر أيام خرج إلى الشام. . . فذكر القصة مطولة، ولم يذكر المرفوع، وفيه أن عمر أرسل إلى كعب فقال: هل تجد في الكتاب أن رجلاً من هذه الأمة يدخل الجنة في الدنيا؟ قال: نعم؛ وإن كان في القوم نبأتك به. قال: فهو فيهم، فتأملهم. فقال: هو هذا. فجعل شعار بني نمير خضرة بهذه الورقة إلى اليوم ".

قلت: وسكت عنه أيضاً؛ ومن الظاهر أن ذلك لظهور ضعفه؛ فإن ابن الكلبي - واسمه هشام بن محمد بن السائب - معروف متهم بالوضع كأبيه، فهو أوهى من الذي قبله.

وامرأة شريك؛ لم أعرفها، ومع ذلك؛ فروايتها أشبه من حيث إنه ليس فيها الحديث المرفوع.

وقصة عمر مع كعب، وأنه من الكتب المتقدمة؛ أي: الإسرائيليات؛ أشبه؛ لكن ما فيها من أن كعباً عرف الرجل من الوصف المذكور في الكتاب؛ من أبطل الباطل؛ كما هو ظاهر.

ثم إن في الطريق الأولى زهيراً الرواسي، وقد اختلفوا فيه؛ قال الذهبي في " الميزان ":

 

(12/134)

 

 

" قال الدارقطني: مجهول. ووثقه آخرون ".

قلت: وضعفه ابن عبد البر؛ كما في " اللسان "، ولم يحك توثيقه إلا عن ابن حبان، وهذا نفسه أشار إلى أن فيه ضعفاً في حفظه، وذلك بقوله فيه:

" يخطئ ويخالف ".

فهو آفة الحديث أو شريك.

وأما حكمي على الحديث بالبطلان وتعجبي من سكوت الذهبي والعسقلاني عن الحديث وراويه؛ فذلك ظاهر من وجوه، أهمها: أن الجنة ليست في الأرض وتحت (جب سليمان) ! وإنما هي في السماء، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة.

والنصوص في ذلك كثيرة؛ كقوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى} ، وهي في السماء السابعة؛ كما جاء في حديث أنس في " صحيح البخاري " وغيره، وانظر " فتح الباري " (7 / 213) ؛ فإن آدم عليه السلام أهبط من الجنة التي وعد بها المتقون، على القول الصحيح، وفي الحديث الصحيح:

". . فإذا سألتُمُ اللهَ؛ فاسألوه الفردوسَ؛ فإنها أوسط الجنة - أو أعلى الجنة -، فوقه عرش الرحمن ".

رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة " (921 - 922) .

فكيف يصح أن تكون تلك الشجرة من الجنة وهي في الجب؟ !

وحديث الترجمة؛ عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لابن عساكر وحده!

 

(12/135)

 

 

5572 - (كانَ يُشِيرُ بإصْبَعِهِ إذا دَعَا، ولا يُحَرِّكُها) .

شاذ أو منكر (بنفي التحريك) . أخرجه أبو داود وغيره من طريق زياد بن سعد عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد حسن لو سلم من المخالفة في موضعين من سنده:

الأول: أن زياد بن سعد - وإن كان ثقة؛ فقد - خالفه أربعة من الثقات؛ كلهم رووه عن ابن عجلان به؛ دون قوله: " ولا يحركها ".

رواه مسلم وغيره، وقد خرجت رواياتهم في " ضعيف أبي داود " (175) .

والآخر: أن ابن عجلان قد خالفه في هذه الزيادة ثلاثة من الثقات، وهم:

عثمان بن حكيم، ومخرمة بن بكير، وعمرو بن دينار؛ فقالوا: عن عامر بن عبد الله

به؛ دون الزيادة.

وإن مما لاشك فيه: أن كل واحد من هؤلاء الثلاثة أوثقُ وأحفظُ عند العلماء من ابن عجلان، فتكون روايته المخالفة لأحدهم شاذة أو منكرة، فكيف إذا خالفهم جميعاً، فكيف إذا وافقهم في رواية الأربعة عنه، فقد سميناهم لك آنفاً؟ !

ولذلك؛ قال ابن القيم:

" في صحة هذه الزيادة نظر ".

ومما لاشك فيه أيضاً لدى أهل العلم بهذا الفن أن المخالفة والشذوذ يثبت بأقل مما بينا.

ومن الظاهر أن النووي لما صححه في " المجموع " (3 / 454) لم يتنبه لهذه المخالفة. وكذلك مَنْ قواه في التعليق على " شرح السنة " (3 / 178) !

 

(12/136)

 

 

وإن مما يؤكد ذلك؛ عدم ورود هذه الزيادة في شئ من أحاديث إشارته صلى الله عليه وسلم في التشهد، وهي كثيرة، وبعضها في " صحيح مسلم " كما يأتي، وانظر " مجمع الزوائد " (2 / 139 - 140) .

من ذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنه:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس] في التشهد [في الصلاة؛ وضع يده على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها.

رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (907) من رواية مالك عن

مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن عن ابن عمر.

وتابعه جماعة عن الحميدي في " مسنده " (287 / 648) عن ابن أبي مريم، وتابع هذا عند مسلم وغيره: عبيدُ الله بنُ عمر عن نافع عن ابن عمر، والسياق له، والزيادة التي بين المعكوفتين لابن أبي مريم.

وقد رواه عنه كثير بن زيد، فخالف في إسناده وزاد في متنه نفي التحريك.

أخرجه ابن حبان في " الثقات " في ترجمة ابن أبي مريم - من أتباع التابعين - من طريق

أبي عامر العقدي: ثنا كثير بن زيد عن مسلم بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر:

أنه كان يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على ركبته اليسرى، ويشير بإصبعه ولا يحركها، ويقول: إنها مذبة الشيطان، ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

 

(12/137)

 

 

قلت: وكثير بن زيد مختلف فيه، وبالكاد أن يبلغ حديثه مرتبة الحسن، وهذا عند

التفرد، وأما عند المخالفة؛ فلا يحتج به، ولذلك؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق سئ الحفظ ".

ويبدو لي أنه أصابه سوء حفظ في روايته لهذا الحديث سنداً ومتناً.

أ - أما السند؛ فإنه خالف مالكاً - وهو جبل في الحفظ - في شيخ ابن أبي مريم؛ فجعله نافعاً! وهو عند مالك: علي بن عبد الرحمن، ونافع؛ إنما هو شيخ عبيد الله بن عمر كما تقدم، فكأنه اختلط عليه أحد الشيخين بالآخر.

ب - وأما المتن؛ فزاد فيه: " ولا يحركها "، فهي زيادة منكرة؛ لتفرد كثير بن زيد

بها؛ خلافاً لرواية نافع وعلي بن عبد الرحمن عند مسلم وغيره كما سبق.

وإن مما يؤكد ذلك أن كثيراً لم يثبت عليها، فقد قال أبو أحمد الزبيري: ثنا كثير بن زيد عن نافع قال: كان ابن عمر. . . (فذكره) ، وأشار بإصبعه وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لهي أشد على الشيطان من الحديد. يعني السبابة ".

أخرجه أحمد (2 / 119) ، والبزار (1 / 272 / 563) ، وقال:

" تفرد به كثير بن زيد عن نافع، وليس عنه إلا هذا ".

وأبو أحمد الزبيري؛ ثقة ثبت، فيبدو أن كثيراً كان - لسوء حفظه - يذكر هذه الزيادة تارة، ولا يذكرها أخرى، وهو الصواب إن شاء الله تعالى؛ لما سبق، ولأنه صح التحريك من حديث وائل بن حجر بلفظ:

 

(12/138)

 

 

" فرأيته صلى الله عليه وسلم يحركها يدعو بها ".

وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (717) .

ثم رأيت في " مسند الروياني " (2 / 423 / 1439) رواية مناقضة لرواية ابن حبان

بلفظ:

" تحريك الإصبع في الصلاة مذعرة للشيطان ".

لكن راويه عن كثير (محمد بن عمر) ، وهو الواقدي متروك.

5573 - (انطَلِقْ إلى السُّوقِ واشْتَرِ له نَعْلاً، ولا تَكُنْ سَوْدَاءَ، واشْتَرِ له خَاتماً، ولْيَكُنْ فَصُّهُ عقيقاً؛ فإنهُ مَنْ تَخَتَّمَ بالعَقِيقِ لم يُقْضَ له إلا الذي هو أَسْعَدُ) .

موضوع. أخرجه ابن حبان في ترجمة نوفل الآتي في كتابه " الثقات " (أتباع التابعين)

من طريق محمد بن أيوب بن سويد: حدثني أبي: حدثني نوفل بن الفرات عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:

أتى بعض بني جعفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أرسل معي من يشتري لي نعلاً وخاتماً. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً، فقال:

. . . فذكره، وقال:

" البلية في هذا الخبر من محمد بن أيوب؛ لأن نوفلاً كان ثقة، وكان محمد بن أيوب يضع الحديث، وهذا الحديث موضوع ".

قلت: وذكر له في " الضعفاء " (2 / 299 - 300) أحاديث أخرى موضوعة.

 

(12/139)

 

 

وأقره الحافظ في " اللسان " على وضعها، كما أقره على وضع هذا أيضاً. وأورده

ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 58) ، وأعله بأبي محمد هذا أيضاً، فقال:

" فأما أبوه أيوب؛ فقال ابن المبارك: ارم به. وقال يحيى: ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بثقة ".

وأقره السيوطي في " اللآلي " (2 / 272) ؛ لكنه ذكر للشطر الأخير منه شاهداً عزاه للبخاري في " التاريخ ": حدثنا أبو عثمان سعيد بن مروان: حدثنا داود بن رشيد: حدثنا هشام بن ناصح عن سعيد بن عبد الرحمن عن فاطمة الكبرى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من تختم بالعقيق. . . " إلخ. وقال السيوطي:

" وهذا أصل] أصيل في الباب [، وهو أمثل ما ورد في الباب ".

وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 276) ، والزيادة استدركتها منه.

وفي ثبوت هذا الشاهد وجعله أصلاً أصيلاً نظر عندي؛ لأسباب:

أولاً: هشام هذا؛ لم أجد له ترجمة؛ إلا عند البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 196) برواية ابن رشيد هذا عنه عن سعيد بن عبد الرحمن عن فاطمة الصغرى. ولم يزد؛ فلم يذكر الحديث، ولا إسناده إلى داود.

فلعل ذلك في بعض النسخ من " التاريخ "، أو أنه عنى به " التاريخ الأوسط "، وهو غير مطبوع، وليس هو في " التاريخ الصغير " أيضاً؛ فإني قد راجعته في مظانه منه، فلم

أجده.

وعليه؛ فهشام المذكور مجهول أو شبه المجهول. والله تعالى أعلم.

 

(12/140)

 

 

ثانياً: شيخه سعيد بن عبد الرحمن؛ لم أعرف من هو.

ثالثاً: فاطمة الكبرى هي بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدري إذا كان سعيد قد سمع منها، هذا إذا كانت الكبرى كما في نقل السيوطي، وأما إذا كانت الصغرى كما في " تاريخ البخاري "؛ فيكون الإسناد مرسلاً؛ لأنها فاطمة بنت الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم، فهي تابعية، فيكون الحديث مرسلاً. فهو علة أخرى فيه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

هذا؛ وقد تقدمت أحاديث أخرى في فضل التختم بالعقيق، وكلها باطلة، كما سبق بيانه بالأرقام (226 - 230) .

5574 - (ما زالَ يَقْنُتُ في الفَجْرِ حتَى فَارَقَ الذئيا) .

منكر. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 110 / 4964) ، ومن طريقه أحمد (3 / 162) ، وكذا الدارقطني في " سننه " (2 / 39) عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال:. . . فذكره مرفوعاً.

وتابعه: أبو نعيم قال: ثنا أبو جعفر الرازي به.

أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 143) ، والدارقطني أيضاً، والحاكم في غير " المستدرك "، وعنه البيهقي في " سننه " (2 / 201) ، وكذا البغوي في " شرح السنة " (3 / 123) ، ولفظه: عن الربيع بن أنس قال:

كنت جالساً عند أنس بن مالك، فقيل له: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً؟

فقال:. . . فذكره.

وأخرجه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1 / 444 / 753) من طريق

 

(12/141)

 

 

عبد الرزاق المتقدمة، ومن طريق النعمان بن عبد السلام أن أبا جعفر أخبرهم به نحوه، وقال:

" حديث لا يصح، قال أحمد: أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث. وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير ".

قلت: وقال فيه الحافظ في " التقريب ": " صدوق سيئ الحفظ، خصوصاً عن مغيرة ".

وإن مما يدل على سوء حفظه: اضطرابه في روايته لهذا الحديث، فهو يذكر فيه صلاة الصبح تارة، كما تقدم، وتارة أخرى لا يذكرها؛ فقال خالد بن يزيد: حدثنا أبو جعفر الرازي. . . فذكره عن الربيع قال: سئل أنس عن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً، فقال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يقنت حتى مات.

أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 30) .

وخالد بن يزيد هذا؛ هو صاحب اللؤلؤ؛ كما في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 361) لابن أبي حاتم، قال:

" سئل عنه أبو زرعة؟ فقال: ليس به بأس ".

وتابعه؟ يحيى بن أبي بكير ثنا أبو جعفر. . . بلفظ:

" قنت [صلى الله عليه وسلم] حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات ".

أخرجه البزار (1 / 269)

 

(12/142)

 

 

ويحيى هذا؛ ثقة، من رجال الشيخين. وتارة أخرى يذكر الصبح؛ لكن لا يذكر الموت، ويزيد في الحق، ويخالف في شيخه، فيقول: عن عاصم عن أنس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع، يدعو على أحياء من أحياء العرب، وكان قنوته قبل ذلك وبعده قبل الركوع.

أخرجه عبد الرزاق أيضاً (3 / 9 0 1 / 4963) ، ومن طريقه الحازمي في " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار " (ص 71) .

وهو بهذا المعنى محفوظ عن عاصم؛ فقد أخرجه البخاري وغيره من طريق أخرى عن عاصم أتم منه.

رواه البخاري (1002) بلفظ:

" قنت بعد الركوع شهراً يدعو عليهم. . . ". ولم يذكر الصبح. وهو مخرج في " الإرواء " (2 / 162) .

لكن له طرق أخرى عن أنس، في بعضهما ذكر الصبح، فراجع المصدر المذكور إن شئت.

والطرق المشار إليها بلغت سبعة طرق عن أنس، ليس فيها ما في حديث أبي جعفر الرازي من الاستمرار على القنوت في الصبح حتى فارق الدنيا؛ بل في بعضها ما يخالفه كرواية أنس بن سيرين عن أنس بن مالك بلفظ:

 

(12/143)

 

 

" قنت شهراً بعد الركوع في صلاة الفجر يدعو على بني عصية ".

رواه مسلم وغيره. ونحوه من طريق عبد العزيز بن صهيب عنه عند البخاري.

فقد تبين أن أحداً من الرواة السبعة لم يذكر ما في حديث الترجمة، ولا يشك ذو بصيرة بهذا العلم أن النكارة تثبت بأقل مما ذكرنا، فلا يكاد عجبي ينتهي من تصحيح ابن جرير الطبري لهذا الحديث وهو من الأمثلة الكثيرة عندي على أنه من المتساهلين في التصحيح، وأما الحاكم ومن نحا نحوه فهو مشهور بذلك؛ فقد قال عقب الحديث كما في " البيهقي ":

" هذا حديث صحيح سنده، ثقة رواته "! كذا في نقله عنه، وأما البغوي فقال:

" قال الحاكم: وإسناد هذا الحديث حسن "!

وهذا - وإن كان خطأ أيضا؛ فهو - أقرب من الذي قبله. وأبعد عن الصواب من كل ما سبق قول النووي - عفا الله عنا وعنه - في " المجموع " (3 / 504) عقب الحديث:

" حديث صحيح، رواه جماعة من الحفاظ وصححوه، وممن نص على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي، والحاكم أبو عبد الله في مواضع من كتبه، والبيهقي، ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة: "!

قلت: وهذه مجازفة عجيبة من الإمام النووي ما أحببتها له رحمه الله فإن الطرق التي أشار إليها بعيدة عن الصحة بعدَ المشرقين، لا سيما وهي في الحقيقة - بعد طريق أبي جعفر الرازي - طريق واحد؛ لأنها كلها تدور على عمرو بن عبيد

 

(12/144)

 

 

عن الحسن عن أنس، كما سيأتي.

وهذا اصطلاح خاص للنووي رحمه الله في كثير من كتبه؛ أنه يقول هذا القول في الحديث الذي ليس له إلى صحابيه إلا طريق واحدة، لمجرد أن له طرقاً إلى أحد رواته كما كنت بينت ذلك في مقدمة تحقيقي لكتابه " رياض الصالحين (ص ـ ي ـ ل) مؤيداً ذلك بالنقل عن الحافظ ابن حجر العسقلاني، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق.

فهذه الطريق: أخرجها الطحاوي (1 / 143) عن عبد الوارث، والدارقطني عن عبد الرزاق وقريش بن أنس جميعاً عن عمرو بن عبيد، وفي رواية عن قريش: ثنا إسماعيل المكي وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس.

وهذه الرواية أخرجها البزار أيضاً في " مسنده " (1 / 269 - كشف الأستار) وقال:

" هكذا رواه إسماعيل وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس، ورواه محمد بن سيرين وأبو مجلز وقتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً. وهؤلاء أثبات، وإسماعيل لين، وعمرو يستغنى عن ذكره لسوء مذهبه ".

قلت: وإسماعيل؛ هو ابن مسلم المكي، وهو ضعيف الحديث، كما في " التقريب ".

وعمرو بن عبيد؛ هو المعتزلي المشهور، كان داعية إلى البدعة. قال الحافظ:

" اتهمه جماعة مع أنه كان عابداً ".

قلت: فيُتعجب منه كيف ذكر حديثه هذا شاهداً لحديث الترجمة في

 

(12/145)

 

 

" التلخيص الكبير " (1 / 245) ، وهو يعلم أن مثله لا يستشهد به لشدة ضعفه! وكأنه استدرك ذلك على نفسه بعد أن ذكر أن بعض الرواة غلط فقال: " عن عوف " بدل: " عن عمرو "؛ قال:

" فصار ظاهر الحديث الصحة، وليس كذلك، بل هو من رواية عمرو - وهو ابن عبيد - رأس القدرية، ولا يقوم بحديثه حجة "!

قلت: وكذلك يتعجب من الحافظ الهيثمي حيث قال في " مجمع الزوائد " (2 / 139) :

" رواه البحار، ورجاله موثقون "!

فإن أحداً من الأئمة لم يوثق إسماعيل المكي؛ بل تركه جمع، منهم الخطيب في " الكفاية " (372) ، ومثله - بل شر منه - عمرو بن عبيد؛ فقد كذبه بعضهم.

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى لم أر أحداً من المخرجين ذكرها، وإن كانت مما لا يفرح به ولا يتقوى بها.

أخرجها الإسماعيلي في " معجمه " من طريق وهيب بن محمد بن عباد ابن صهيب: أخبرنا حسين بن حكيم البصري: حدثنا السري بن عبد الرحمن عن أيوب عن الحسن عن محمد عن أنس به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ من دون أيوب لم أجد لهم ترجمة؛ سوى السري بن عبد الرحمن، فالظاهر أنه الذي في " تاريخ البخاري " (2 / 2 / 175) و " جرح ابن أبي حاتم " (2 / 1 / 282) :

 

(12/146)

 

 

كسري بن عبد الرحمن؛ حجازي، روى عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، روى عنه موسى بن يعقوب الزمعي ". ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وذكر ابن أبي حاتم (1 / 2 / 51) :

" الحسين بن حكيم البلخي، روى عن سفيان بن عيينه، روى عنه علي بن ميسرة الهمداني الرازي ".

قلت: فيحتمل أن يكون هو هذا الراوي عن السري، ويكون (البصري) محرفاً من (البلخي) ، أو العكس، أو هو بصري بلدي. والله أعلم.

هذا؛ ولقد أنصف البيهقي بعض الشيء حيث قال عقب رواية إسماعيل وعمرو بن عبيد (2 / 204 (:

" إلا أنا لا نحتج بإسماعيل المكي، ولا بعمرو بن عبيد ".

ولكنه أبعد النجعة حيث أتبعها بقوله:

" ولحديثهما هذا شواهد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن خلفائه رضي الله عنهم ".

ثم ساقها وادعى صحتها، وقد رد ذلك عليه ابن التركماني في " الجوهر النقي " وأطال البحث فيه، وعلى فرض الصحة فهي كلها شواهد قاصرة؛ لأن غاية ما فيها القنوت في الفجر وليس ذلك موضع بحث أو شك، وإنما هو قوله: " حتى فارق الدنيا كما تقدم، ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى هذا كله بقوله في " الدراية " (1 / 196) :

" وذكر له البيهقي شواهد فيها مقال ".

 

(12/147)

 

 

وإنما يصح أن يذكر له شاهدا من حيث المعنى، وليس المبنى: ما أخرجه الدارقطني (2 / 41 / 20) من طريق محمد بن مصبح بن هلقام البزاز: حدثنا أبي: ثنا قيس عن أبان بن تغلب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

" ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا ".

لكنه - كما ترى - لم يذكر الفجر، فهو شاهد قاصر أيضاً مع وهاء إسناده، كما أشار إلى ذلك الدارقطني عقبه بقوله:

" خالفه إبراهيم بن أبي حرة عن سعيد ".

ثم ساق إسناده إليه عن سعيد قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول:

" إن القنوت في صلاة الصبح بدعة ". لكن في الطريق إلى إبراهيم متروك كما قال البيهقي، وهو مخرج في " الإرواء " (436) . فالأولى معارضته بما صح من طرق عن سعيد بن جبير وغيره عن ابن عباس أنه:

كان لا يقنت في صلاة الصبح.

أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 309، 311) وعبد الرزاق (3 / 107) ، والطبري (2 / 37، 38، 39) ، والطحاوي (1 / 48 1) بأسانيد صحيحة عنه.

وكذلك صح عن سعيد بن جبير أنه: كان لا يقنت في صلاة الفجر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 310، 311) ، والطبري (2 / 40) من طرق

 

(12/148)

 

 

صحيحة أيضا عنه. وفي رواية للطبري عن أبي بشر قال: سألت سعيد بن جبير عن القنوت؟ فقال:

" بدعة ". وفي لفظ:

" لا أعلمه ".

قلت: فلو كان الشاهد المذكور ثابتاً عن سعيد بن جبير وابن عباس؛ لكانا كلاهما عمل به. فذلك دليل قاطع على بطلان الشاهد المذكور. وهذا لو كان إسناده قائماً، فكيف وهو واه بمرة؛ فإن محمد بن مصبح وأباه؛ قال الذهبي في " الميزان ":

" لا أعرفهما ".

وقيس بن الربيع فيه ضعف، وقد جاء عنه نقيض ما روى عنه هذان المجهولان؛ فقال الحافظ ابن حجر عقب قوله المتقدم في عمرو بن عبيد وطعنه في حديثه:

" ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان: قلنا لأنس:

إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر؟ فقال:

كذبوا؛ إنما قنت شهراً واحداً يدعو على حي من أحياء المشركين.

وقيس وإن كان ضعيفاً لكنه لم يتهم بكذب.

وروى ابن خزيمة في " صحيحه " من طريق سعيد عن قتادة عن أنس:

 

(12/149)

 

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت؛ إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم.

فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة.

قلت: ويعكر أيضاً على حديث الترجمة وما في معناه: ما أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (1 / 245 / 693) من طريق غالب من فرقد الطحان قال:

كنت عند أنس بن مالك شهرين، فلم يقنت في صلاة الغداة.

وغالب هذا؛ لم أجد من ترجمه، وكذا قال الهيثمي (2 / 147) في حديث آخر له عن أنس.

وأما قول المعلق على (نصب الراية) (2 / 132) :

(وقال النيموي: إسناده حسن) !

فهو تحسينٌ انتصاراً لمذهبه الحنفي؛ نكاية بمخالفيه الذين انتصروا لمذهبهم الشافعي بتصحيح حديث الترجمة، وهكذا يضيع الحق بسبب التعصب المذهبي؛ والله تعالى هو المحمود على أن عافانا منه، ورزقنا حب السنة ونصرتها، والتعصُّب لها وحدها، فلله الشكر على ما أعطى، وأسأله المزيد من فضله في الآخرة والأولى.

وجملة القول: أن حديث الترجمة منكر لا يصح؛ لأنه ليس له طريق تقوم به الحجة، بل بعضها أشد ضعفاً من بعض، ثم هو إلى ذلك مخالف لما رواه الثقات عن أنس:

(أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح شهراً) . كما تقدم. ولفظ ابن خزيمة:

لم يكن يقنت إلا إذا دعا لقوم أو على قوم) .

 

(12/150)

 

 

وله عنده في (صحيحه) (619) شاهد من حديث أبي هريرة، وإسناد كل منهما صحيح؛ كما قال الحافظ في (الدراية) (1 / 195) ، وسبقه إلى ذلك ابن عبد الهادي؛ فقال: في (التنقيح) : - كما في (نصب الراية) (2 / 133) -:

(وسند هذين الحديثين صحيح، وهما نص في أن القنوت مختص بالنازلة) :

وهو الذي نصره ابن القيم في (زاد المعاد) بأسلوب رائع وتحقيق متين. فليراجع من شاء المزيد من العلم، وهو الذي انتهى إليه الحافظ ابن حجر الشافعي - وهو من إنصافه وتنزيهه عن التقليد -؛ فقال في (الراية) :

(ويؤخذ من جميع الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً؛ فعند ابن حبان عن أبي هريرة. . .) . فذكر حديثه وحديث أنس المذكورين آنفاً.

(تنبيهات) :

أولاً: حديث أبي هريرة هذا عزاه لابن حبان الزيلعيُّ أيضاً (2 / 130) ، ولم يورده الهيثمي في (موارد الظمآن) فلا أدري السبب!

ثانياً حديث الترجمة عزاه الزيلعي وغيره للحاكم في (كتاب الأربعين) له؛ وعزاه الحافظ في (التلخيص) (ا / 244) إليه في (كتاب القنوت) له؛ وكرر ذلك في موضع آخر يأتي الإشارة إليه قريباً. فلعل الحاكم رواه في كلِّ من الكتابين المذكورين، ويكون ذلك هو سبب الاختلاف في النقل عنه مرتبةً، فالبيهقي نقل عنه التصحيح، والبغوي التحسين كما تقدم، فيكون التصحيح في أحد الكتابين المذكورين، والتحسين في الكتاب الآخر، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثالثاً: ثم قال الحافظ:

 

(12/151)

 

 

عزا هذا الحديثُ بعض الأئمة إلى مسلم؛ فوهم! وعزاه النووي إلى (المستدرك) للحاكم! وليس هو فيه، وإنما أورده وصححه في جزء مفرد في (القنوت) ، ونقل البيهقي تصحيحه عن الحاكم، فظن الشيخ أنه في (المستدرك) .

رابعاً: تقدم حديث عمرو بن عبيد وإسماعيل المكي من رواية جمع؛ منهم البزار، فلما خرجه الشيخ الأعظمي في تعليقه عليه (1 / 269) قال:

يعزه لأحمد؛ ولأن هذا لم يخرجه من هذا الوجه، وإنما رواه من طريق الرازي التي أخرجها البزار أيضاً، ولما علق عليه الأعظمي لم يعزه لأحمد، فهذا خطأ أيضاً، ظلمات بعضها فوق بعض، والظاهر أنه انقلب عليه تخريج الهيثمي للحديثين، فجعل ما لهذا لذاك وبالعكس!

خامساً: النيموي المتقدم ذكره، هو من كبار متعصبة الحنيفية في الهند، يدل على ذلك كتابه (آثار السنن) الذي رد عليه العلامة المحدث محمد بن عبد الرحمن المباركفوري مؤلف (تحفة الأحوذي) في كتابه (أبكار السنن) ، بيّن فيه جهل النيموي بهذا العلم الشريف، وتضعيفه للأحاديث الصحيحة، وتصحيحه للأحاديث الضعيفة؛ اتباعاً للهوى وتعصباً للمذهب. مثله الأعظمي المشار إليه آنفاً في بعض تآليفه.

5575 - (الحِجَامَةُ يومَ الثُّلاثاءِ لِسَبْعَ عَشرةَ من الشهرِ دواءٌ لداءِ السَّنَةِ) .

موضوع. أخرجه ابن سعد في (الطبقات (1 / 448) ، وابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار) (2 / 116 / 1318) ، والطبراني في (المعجم

 

(12/152)

 

 

الكبير) (2 - / 215 / 499) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) (9 / 340) من طريق ابن عدي وهذا في (الكامل) (144 / 2) ؛ كلهم عن سلام بن سلم عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار مرفوعاً. وقال ابن جرير (2 / 125) :

(سنده عندنا واهٍ، لا يثبت بمثله في الدين حجة، ولا نعلمه يصح) .

وأشار إلى أن علته سلام المدائني - وهو الطويل -، وبه أعله البيهقي فقال:

(هو متروك) .

وبه أعله ابن الجوزي أيضاً، وقد أورده من طريق ابن عدي أيضاً في (الموضوعات) (3 / 214) ؛ لكنه أعله أيضاً بزيد العمي فقال: قال ابن حبان:

(يروي أشياء موضوعة لا أصل لها، وحتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها) .

وأقره السيوطي في (الآلي) (2 / 412) ؛ لكنه تعقبه في حديث أنس الآتي بما لا ينهض؛ كما سأبينه إن شاء الله تعالى، وهو ما أخرجه ابن حبان في (الضعفاء) (1 / 309) من طريق محمد بن الفضل عن زيد العمي عن معاوية ابن قرة عن أنس مرفوعاً:

(من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة. . .) ؛ الحديث مثله.

أورده في ترجمة زيد العمي هذا، وأعله به وتبعه على ذلك ابن الجوزي، وقد رواه من طريقه؛ لكنه زاد على ابن حبان في الإعلال فقال:

(ومحمد بن الفضل؛ قال أحمد: ليس بشيء؛ حديثه حديث أهل الكذب. وقال يحيى: كان كذاباً) .

 

(12/153)

 

 

قلت: وهو محمد بن الفضل بن عطية المروزي، وقد قال فيه ابن حبان نفسه (2 / 278)

(كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار، كان أبو بكر بن أبي شيبة شديد الحمل عليه) .

قلت: وأنت إذا قابلت كلام ابن حبان هذا بكلامه المتقدم في زيد العمي تبين لك أنه أشد ضعفاً عنده من زيد العمي، فتعصيب الجناية في هذا الحديث به وإيراده في ترجمته أولى من إيراده في ترجمة العمي وتعصيب الجناية به، ولاسيما وقد قيل فيه:

(صالح) . ولذلك؛ اقتصر الحافظ ابن حجر على قوله فيه:

(ضعيف) . وأما ابن الفضل فقال فيه:

(كذبوه) .

قلت: فهو آفة هذا الحديث. وأما تعقيب السيوطي على ابن الجوزي بقوله في (اللآلي) :

(قلت: له متابع، أخرجه البيهقي في (سننه) بسنده عن هشيم عن زيد العمي به، قال: ورواه أبو جزي نصر بن طريف بإسنادين له عن أبي هريرة مرفوعاً) .

قلت: لقد أساء السيوطي - ولا أقول: أخطأ - بهذا التعقيب من ناحيتين:

الأولى: أن هشيماً مدلس معروف بذلك حتى عند السيوطي في (تدريب الراوي) (1 / 226) ، وذكره الحافظ العسقلاني في المرتبة الثالثة من مراتب

 

(12/154)

 

 

التدليس، وهي كما قال في المقدمة من (طبقات المدلسين) :

(مَنْ أكثر مِنَ التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع) .

وإذا الأمر كذلك؛ فلا يجوز للسيوطي أن يجعل هشيماً متابعاً لمحمد بن الفضل، إلا لو صرح بالتحديث؛ لأنه يوهم من لا علم عنده بهذه الصناعة أنها متابعة قوية؛ لأن هشيماً معروف الثقة عند عامة المشتغلين بها بخلاف تدليسه؛ فقلّ من يعرفه أو يتذكره، بل إنه من المحتمل احتمالاً قوياً أن يكون سمعه من محمد بن الفضل ثم دَلَّسَه.

والأخرى: وهي أسوأ من الأولى: أنه لم ينقل كلام البيهقي بتمامه؛ بل بتر منه ما يدل صراحة أن ما رواه أبو جزي لا يصلح الاستشهاد به لشدة ضعفه، فقال البيهقي:

(وهو متروك، لا ينبغي ذكره) .

هذا هو تمام كلام البيهقي الذي نقله السيوطي عنه مبتوراً. عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه.

ولأبي جزي ترجمة سيئة جداً في (الميزان) و (اللسان) ، مما جاء فيها:

(وقال النسائي وغيره: متروك. وقال يحيى: من المعروفين بوضع الحديث) .

ومن الغريب أن الشيخ ابن عراق في (تنزيه الشريعة) (2 / 360) أقر السيوطي على دعواه متابعة هشيم لمحمد بن الفضل! فيغلب على ظني الآن أنهما لم يتذكرا ما شرحته من تدليس هشيم، وعلى ذلك يحمل أيضاً ما كنت نقلته

 

(12/155)

 

 

تحت هذا الرقم (1410) أن الذهبي جوّد إسناده! فإنه ممن وصف هشيماً بالتدليس في (الكاشف) ، بالإضافة إلى أنه ضعف زيداً العمي كما نقلته عنه هناك.

نعم قد وجدت شاهداً لحديث الترجمة بلفظ حديث أنس المتقدم بزيادة:

(وتسع عشرة، وإحدى وعشرين. . .) ؛ دون قوله: (يوم الثلاثاء) .

أخرجه أبو داود وغيره بسند حسن، كما هو مبين في (الصحيحة) برقم (622) . فدل ذلك على بطلان ذكر: (الثلاثاء) فيه.

(تنبيه) : لقد نقل المناوي في كلامه ونقده لحديث الترجمة ما تقدم من تضعيف ابن جرير إياه، كما نقل مثله عن غيره، وعن ابن الجوزي أنه موضوع، ثم ذهل عن ذلك في كتابه الآخر (التيسير بشرح الجامع الصغير) فحسَّن إسناده! وهو وهم محض، فلا يغتر به.

5576 - (مَنْ وافقَ منكم يومَ الثلاثاءِ لسبع عشرةَ مضتْ مِنَ الشَهرِ؛ فلا يُجَاوِزْها حتى يَحْتَجِمَ، فاحتَجِمُوا فيه) .

موضوع. أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (! ! / 162 / 11366) ؛ وابن حبان في (الضعفاء) (3 / 58 / 59) ، ومن طريقه ابن الجوزي في (الموضوعات) (3 / 214) عن نافع ابن هرمز عن عطاء عن ابن عباس قال:

دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم يوم الثلاثاء، فقلت: هذا اليوم تحتجم؟ ! قال: (نعم، من وافق. . .) الحديث.

أورده ابن حبان في ترجمة نافع هذا، وقال:

 

(12/156)

 

 

(كان ممن يروي عن أنس ماليس من حديثه كأنه أنس آخر) . وقال ابن الجوزي:

(هذا حديث لا يصح، أبو هرمز؛ قال يحيى: ليس بشيء، كذاب. وقال النسائي: لس بثقة. وقال الدارقطني: متروك) .

وأقره السيوطي في (اللآلي) (2 / 412) .

(تنبيه) : جاء الحديث في (مجمع الزوائد) (5 / 93) بهذا السياق؛ إلا الجملة الأخيرة منه: (فلا يجاوزها. . .) ؛ فإنها فيه بلفظ:

(فهو دواء لداء السنة) . وبعده قوله:

(رواه الطبراني، وفيه زيد بن أبي الحواري العمي، وهو ضعيف، وقد ووثقه الدارقطني وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح) !

وهذا خلط عجيب متناً وتخريجاً! ولعله من الناسخ أو الطابع، وأرى أنه سقط منه شيء، ودخل عليه حديث في حديث، وإليك البيان:

أولاً: لقد علق الناشر على قوله: (فهو) ، فقال:

((فهو) غير موجود في الأصل) .

ومعنى ذلك أنه: لما كان الكلام الأخير غير متصل بما قبله؛ زاد الناشر هذه اللفظة (فهو) ؛ لربط الكلام بعضه ببعض، ففيه إشعار أن في الكلام سقطاً، فما هو؟

والجواب في الآتي:

 

(12/157)

 

 

ثانياً: قد جاءت هذه الجملة الأخيرة: (دواء لداء السنة) في حديث معقل ابن يسار الذي تقدم قبيل هذا، وجاء تخريجه أنه رواه الطبراني؛ كما رأيت بالأرقام، وعزاه إليه السيوطي في (الجامع الصغير) ، ولما كان (المجمع) ملتزماً إيراد أحاديث الطبراني الزائدة على الكتب الستة، فالمفروض أن يكون حديث معقل هذا فيه، والواقع ليس كذلك.

ثالثاً: لقد جاء فيه عقب حديث ابن عباس هذا أن فيه زيد بن أبي الحواري! وهذا خلاف الواقع كما رأيت في تخريجي إياه؛ وإنما هو في إسناد حديث معقل المشار إليه آنفاً.

ومن هذه الحقائق نستنتج ما يلي:

لقد سقط من مطبوعة (مجمع الزوائد) شيئان:

الأول: تمام حديث ابن عباس الذي هو قوله: (فلا يجاوزها. . .) إلخ، مع عزوه للطبراني وإعلاله بأبي هرمز.

والآخر: حديث معقل بن يسار بتمامه إلا الجملة الأخيرة منه الدالة عليه: (دواء لداء السنة) .

وعليه؛ فقوله عقبها:

(رواه الطبراني، وفيه زيد. . .) .

إنما هو تخريج حديث معقل، وليس لحديث ابن عباس، وأن تخريج هذا سقط من (المجمع) ، فوجب بيان ذلك والتنبيه عليه؛ حتى لا يشكل ذلك على أحد.

ومن العجيب أن لا ينبه على هذا صاحبنا الشيخ حمدي السلفي في تعلقيه

 

(12/158)

 

 

على حديث معقل المشار إليه في (المعجم الكبير) حين نقل عن الهيثمي في تخريجه وإعلاله بزيد؛ وهو نقله عن المطبوعة من (المجمع) مشيراً إلى الجزء والصفحة منه، وهو إنما وقع فيه عقب حديث ابن عباس كما بينه آنفاً! وتبعه على ذلك المعلق على تهذيب الآثار) !

5577 - (رأيتُهُ كَبَّر في أيامِ التشريقِ من صلاةِ الظهرِ يوم النحرِ حتى خرجِ مِنْ مِنَىً، يُكَبِّرُ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ) .

ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في (الأوسط) (ص / 158 / 7417) من طريق سليمان بن داود الشاذكوني: ثنا عبد الواحد بن عبد الله الأنصاري: نا شرقي بن القطامي عن عمرو بن قيس عن مُحل بن وادعة عن شريح بن أبرهة قال:. . . فذكره مرفوعاً، وقال:

(لا يروى عن شريح إلا بهذا الإسناد، تفرد به شرقي بن القطامي) .

قلت: وبه أعله الهيثمي، فقال (2 / 197) :

(رواه الطبراني في (الأوسط) ، وفيه شرقي بن قطامي؛ ضعفه زكريا الساجي، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وذكره ابن عدي في (الكامل)) .

كذا قال! ولا فائدة كبرى من قوله: (وذكره ابن عدي. . .) ؛ ما دام أنه لم يذكر قوله فيه، هو:

(ليس له من الحديث إلا نحو عشرة، وفي بعض ما رواه مناكير) .

وقد ضعفه غير الساجي أيضاً، وكذبه شعبة واليوسفي. ومن مناكيره:

 

(12/159)

 

 

(من استنجى من الريح؛ فليس منا) .

وهو مخرج في (الإرواء) (1 / 68 / 49) .

ثم إن في إسناد الحديث عللاً أخرى لم يتعرض الهيثمي ليانها:

أولاً: محل بن وداعة؛ لم أجده في شيء من كتب الرجال.

ثانياً: عبد الواحد بن عبد الله الأنصاري؛ حاله كالذي قبله.

ثالثاً: الشاذكوني؛ متروك؛ مع حفظه؛ بل كذبه ابن معين وصالح جزرة، وغايرهما.

لكنْ؛ لعل للحديث طريقاً أخرى إلى شرقي بن قطامي؛ فقد ذكره الحافظ في ترجمة شريح من رواية ابن قانع وأبي نعيم عنه، وقال:

(وإسناده ضعيف) .

5578 - (كان يُكبِّر في صلاةِ الفجرِ يومَ عرفةَ إلى صلاةِ العصْرِ من آخريِ أيامِ التشريقِ؛ حين يُسَلِّمُ من المكتوبات) .

موضوع. أخرجه الطبراني في جزء (فضل عشر ذي الحجة) (ق13 / 1) ، والدارقطني في (سننه) (2 / 49 / 27) ، والبيهقي (3 / 315) عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن علي بن الحسين (وقال البيهقي: عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط) عن جابر بن عبد الله قال:. . . فذكره. وقال البيهقي:

(عن عمرو بن شمر، وجابر الجعفي؛ لا يحتج بهما) .

قلت: عمرو؛ شَرٌّ منه؛ فقد كذبه بعضهم، وقال ابن حيان:

 

(12/160)

 

 

" رافضي، يشتم الصحابة، ويروي الموضوعات عن الثقات ". بل قال الحاكم:

" كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات

الفاحشة عن جابر غيره ".

وقد ساق له الذهبي في " الميزان " نماذج من أحاديثه التي أنكرت عليه، هذا

أحدها.

وفي رواية للدارقطني (29) من طريق نائل بن نجيح عن عمرو بن شمر عن

جابر عن أبي جعفر وعبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله بلفظ:

كان إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول: " على

مكانكم " ويقول:

" الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، فيكبر من

غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ".

وبالإضافة إلى سوء حال عمرو بن شمر، فقد اختلف عليه في إسناده على وجوه

تقدم الإشارة إلى بعضها، وهذا وجه آخر يرويه نائل بن نجيح، وهو ضعيف. وسائر

الوجوه قد ذكرها الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 224) ، وفيما ذكرنا كفاية.

5579 - (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَلَمْ تَضُرَّ

مَعَهُ خَطِيئَةٌ كَمَا لَوْ لَقِيَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ دَخَلَ النَّارَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ مَعَهُ حَسَنَةٌ) .

ضعيف.

أخرجه أحمد (2 / 170) : ثنا أبو أحمد وأبو نعيم قالا: ثنا

سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه - هذا في حديث أبي أحمد

الزبيري - قال:

 

(12/161)

 

 

نزل رجل على مسروق، فقال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:. . . فذكره. قال أبو نعيم في حديثه:

جاء رجل أو شيخ من أهل المدينة، فنزل على مسروق، فقال: سمعت

عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا؛ لَمْ تَضُرَّهُ مَعَهُ خَطِيئَةٌ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ

بِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَعَهُ حَسَنَةٌ ".

قال عبد الله (هو ابن الإمام أحمد) :

" والصواب ما قاله أبو نعيم ".

وأخرجه ابن جرير في " تهذيب الآثار " (2 / 165 / 1439) من طريقين

آخرين عن أبي أحمد - وهو الزبيري -، ثم من طريق معاوية بن هشام عن سفيان.

به، ولفظه:

" نزل شيخ على مسروق من أهل المدينة، فحدثه عن عبد الله بن عمرو. . . "

إلخ.

ولفظ أبي أحمد الزبيري قال:

" نزل عليه مسروق ضيفاً فقال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول:. . ".

قلت: وهو بهذا اللفظ مخالف للفظه عند أحمد، وللفظ أبي نعيم ومعاوية بن

هشام؛ فإن ألفاظهم متفقة على أن مسروقاً هو المُضِيفُ، والرجل هو الضيف؛

بخلاف هذا اللفظ. فيمكن أن يكون قد سقط من الناسخ أو الطابع لـ " التهذيب "

ذكر الرجل، فيكون الأصل " نزل [رجل] على مسروق ضيفاً ". وبذلك يتفق

 

(12/162)

 

 

هذا اللفظ مع الألفاظ الأخرى.

ثم إن ظاهر هذه الألفاظ أن القائل: " سمعت عبد الله بن عمرو "، والمحدث

عنه: إنما هو الرجل الذي لم يسلم، وليس مسروقاً كما جزم به الشيخ أحمد شاكر

رحمه الله في تعليقه على " المسند " (10 / 122 - 123) ، دون حجة ملزمة

مقنعة! بل هو خلاف الظاهر؛ لأن كلام محمد بن المنتشر إنما هو عن نزول

الرجل على مسروق، وقوله: " سمعت عبد الله بن عمرو "؛ فإعادة الضمير المستتر

لـ " فقال " إلى أقرب مذكور - الذي هو مسروق -؛ خلاف ما يقتضيه سياق الكلام

والأسلوب العربي الذي أفهمه. أقول هذا وأنا متذكر لأصلي الأعجمي! ولكن

{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} . على أنه قد سبقني إلى هذا الفهم وجرى

عليه الحافظ الهيثمي - وما يدريني لعله مستعرب مثلي -؛ فإنه ابتدأ الحديث في

" المجمع " (1 / 19) بقوله:

" وعن رجل قال: " سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص. . . ". فساق

الحديث، وقال:

" رواه أحمد والطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح؛ ما خلا

التابعي؛ فإنه لم يسمَّ، ورواه الطبراني فجعله من رواية مسروق عن عبد الله بن

عمرو ".

قلت: رواية الطبراني هذه لا أدري حال إسنادها؛ فإن الجزء الذي فيه مسند

ابن عمرو من " معجم الطبراني الكبير " لم يطبع بعد، ولا أستبعد أن تكون كرواية

أبي أحمد الزبيري عند ابن جرير؛ فإنها صريحة بما قال الهيثمي، ولكن قد علمت

ما فيها من الشذوذ والمخالفة للروايات الأخرى.

 

(12/163)

 

 

وإلى أن يتبين لنا حال رواية الطبراني هذه، نتوقف عن الحكم على هذا

الإسناد بصحة أو ضعف.

ثم وقفت - والحمد لله - على رواية الطبراني، ساقها السيوطي في " اللآلي "

(1 / 44) : قال الطبراني: حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثنا أبي:

وأنبأنا يحيى بن أليمان: حدثنا سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه

عن مسروق قال: سمعت عبد الله بن عمرو فذكره. . . مرفوعاً بلفظ:

" لا يضر مع الإسلام ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل ".

وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (/ 108) من طريق أخرى عن إسحاق

به. وقال:

" تفرد به يحيى بن عمان، وقال غير يحيى: نزل رجل على مسروق فقال:

سمعت عبد الله بن عمر [و] يقول. . . ".

قلت: يشير إلى رواية أبي نعيم ومن تابعه عند أحمد وغيره. وهو يريد بذلك

إعلال رواية يحيى المصرحة بسماع مسروق للحديث من جهة، وبإسقاطه ذكر

الرجل من جهة أخرى، وكذلك فعل الطبراني؛ فقال - كما في " اللآلي " -:

" هكذا رواه يحيى بن اليمان، وخالفه الناس؛ حدثنا علي بن عبد العزيز:

حدثنا أبو نعيم. . . ".

قلت: فساقه كما تقدم في رواية أحمد.

وفي إعلال الطبراني وصاحبه أبي نعيم الأصبهاني لرواية يحيى بن اليمان

بمخالفته لرواية أبي نعيم - واسمه الفضل بن دكين - دليل قاطع على أنهما يفهمان

 

(12/164)

 

 

[من] (*) رواية أبي نعيم أن القائل: سمعت عبد الله بن عمرو إنما هو الرجل الذي

أسقطه يحيى، فصار القائل في روايته مسروقاً، ولو كان الأمر كما فهم الشيخ

أحمد شاكر - أن القائل في رواية أبي نعيم هو نفسه -؛ لم يكن ثمة خلاف بين

روايته ورواية ابن اليمان كما هو ظاهر! فهو دليل صريح من هذين الإمامين إلى

خطأ الشيخ في فهمه المذكور.

هذا؛ وبالإضافة إلى مخالفة ابن اليمان لأبي نعيم ومَنْ تابعه، فهو ضعيف لا

يحتج به لسوء حفظه إذا تفرد، فكيف إذا خالف؟ !

ثم إن قول عبد الله بن أحمد في آخر الحديث:

" والصواب ما قاله أبو نعيم ".

فلم يظهر لي كبير خلاف بين روايته ورواية أبي أحمد الزبيري حتى يصار إلى

الترجيح، لا سيما بعد أن تبين أن مرجع روايتيهما إلى الرجل الذي لم يسم. والله

أعلم.

هذا؛ ولما أورد السيوطي الحديث في " الجامع الكبير " برواية أحمد والطبراني

قال:

" وصُحِّحَ ".

فأشار إلى تمريض تصحيحه، وهو الصواب. كما شرحناه لك شرحاً ربما لا تجده

في كتاب.

__________

(*) ما بين المعقوفتين ليست في أصل الشيخ - رحمه الله -. (الناشر) .

 

(12/165)

 

 

5580 - (الكلامُ في المسجِدِ لَغْوٌ؛ إلا قراءةَ القراَنِ؛ وذِكْرَ اللهِ عز وجل؛

أو مسألةَ خَيْرٍ) .

منكر.

أخرجه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (مجلد 2 /

628 / 1121) : أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد: أخبرنا علي بن محمد

ابن أحمد بن يزيد قال: ثنا أبي قال: أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن

سعيد بن المسبب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

قلت: وهذا حديث منكر، وإسناد مظلم؛ من دون سعيد بن أبي عروبة؛ لم

أعرفهم، ومحمد بن أحمد بن يزيد والد علي؛ يحتمل أن يكون هو الذي في

" الميزان ":

" محمد بن أحمد بن يزيد البلخي، عن عبد الأعلى النرسي. قال ابن

عدي: يسرق الحديث، كتبت عنه بدمشق، وكان يقول: إنه من سامرا، حدثنا

بأشياء منكرة، ولم يكن من أهل الحديث، فحدثنا عن عبد الأعلى: حدثنا حماد

ابن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعاً:

" ائتمن الله على وحيه جبرائيل ومحمداً ومعاوية " ".

قلت: والظاهر أنه من شيوخ الطبراني أيضاً؛ فقد ذكره الخطيب في " تاريخ

بغداد " (1 / 372) :

" محمد بن أحمد بن يزيد النرسي. حدث عن أبي عمرو الدوري المقري.

روى عنه أبو القاسم الطبراني ".

ثم ساق له حديثاً آخر، وهو في " صغير الطبراني " (ص 166) وفي " الروض

 

(12/166)

 

 

النضير " برقم (441) .

لكن يرد هنا إشكال، وهو أن الحافظ ذكر في " اللسان " في مكان آخر أنه

مات سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة. ومن المعلوم أن سعيد بن أبي عروبة مات

سنة خمس وخمسين ومئة، فبين وفاتيهما نحو قرن ونصف من الزمان، فالظاهر أنه

سقط راوٍ أو أكثر من بينهما. والله أعلم.

5581 - (لُعِنَتِ القدريةُ على لِسَانِ سبعينَ نبياً، آخرهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم) .

ضعيف.

أحَرجه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1 / 149) من طريق

الدارقطني، وهذا في كتابه " العلل " - كما في " الجامع الصغير " - بسنده عن

محمد بن عثمان قال: نا عبادة بن زياد قال: نا أبو صالح الحراني (الأصل: الحراز)

قال: نا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عليه السلام عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال:. . . فذكره،، قال ابن الجوزي:

" حديث لا يصح. فإن الحارث كذاب. قاله ابن المديني، وكذلك محمد بن

عثمان ".

ونقله عنه المناوي في " فيض القدير " وأقره. ولخص ذلك في والتيسير " فقال:

" في إسناده كذاب ".

وفي إطلاق ذلك نظر من ناحيتين:

الأولى: أن الحارث - وهو ابن عبد الله الأعور -، وإن كان قال فيه ابن المديني:

" كذاب ". وقال الشعبي:

 

(12/167)

 

 

" كان يكذب ".

فإن العلماء لم يحملوا ذلك على الكذب في رواية الحديث؛ فقال الذهبي في

" الميزان " بعد أن حكى أقوال الموثقين والجارحين:

" والجمهور على توهين أمره، مع روايتهم لحديثه في ألأبواب، فهذا الشعبي

يكذبه ثم يروي عنه، والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكايته، وأما في

الحديث النبوي فلا ". ولهذا قال الحافظ في " التقريب ":

" كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف ". وقال الذهبي

في " تاريخ الإسلام " (3 / 4) :

" كان فقيهاً فاضلاً من علماء الكوفة؛ ولكنه ليِّن الحديث ".

قلت: فهذا هو القول العدل فيه: إنه ضعيف، ليس بكذاب، ولا بثقة. وعلى

ذلك جرى الحفاظ الذين جاءوا من بعد الأئمة المتقدمين - فيما أعلم -؛ كالنووي

والزيلعي والعراقي وغيرهم ممن ذكرنا، فمحاولة بعض المعاصرين - كالمعلق على

" التقريب " - ترجيح توثيقه والاحتجاج بحديثه حتى إن أحد المغاربة الغماريين

- واغتر به بعض الطلبة - ألف في ذلك رسالة خاصة بحجة أن تضعيف من ضعفه

جرح غير مفسر؛ فهي محاولة مردودة؛ لأن اتفاق الحفاظ المشار إليهم بعد اختلاف

مَن تقدمهم حجة لا يجوز مخالفتها؛ ألا ترى إلى قول الحافظ ابن عدي فيه:

" عامة ما يرويه غير محفوظ ".

وهذا إنما قاله بعد أن سبر حديثه، وقابله بأحاديث الثقات، فهل يستطيع من

يرجح خلافه أن يقول مثلاً:

 

(12/168)

 

 

" عامة ما يقوله محفوظ "؟ !

فرحم الله امرأً عرف حدَّه، فوقف عنده.

والناحية الأخرى: قول ابن الجوزي:

" وكذلك محمد بن عثمان ".

ففيه نظر أيضاً؛ فإن محمداً هذا هو ابن عثمان بن أبي شيبة أبو جعفر، من

الحفاظ المعروفين؛ قال الخطيب:

" له تاريخ كبير، وله معرفة وفهم ".

وثقه جماعة؛ لكن كذبه عبد الله بن أحمد وغيره؛ مثل الحافظ (مطين) ؛

لكني رجحت في مقدمة كتابه " مسائل أبي جعفر شيوخه " أن هذا التكذيب

كان بباعث البلدية والمعاصرة، وإليه مال ابن عدي، وقال:

" لم أر له حديثاً منكراً ".

وبه ختم ابن حجر ترجمته في " لسانه " مشيراً إلى أنه اختياره. والله أعلم.

ثم إن في الحديث علتين أمرين:

الأولى: اختلاط أبي إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي - وعنعنته؛

فإنه كان مدلساً، ولذلك؛ قال أبو خيثمة:

" كان يحيى بن سعيد يحدث عن حديث الحارث ما قال فيه أبو إسحاق:

سمعت الحارث ". وقال شعبة:

" لم يسمع أبو إسحاق منه؛ إلا أربعة أحاديث ".

 

(12/169)

 

 

والأخرى: عبادة بن زياد - وهو ابن موسى الأسدي، ويقال فيه (عَبَّاد) -؛

قال فيه أبوداود: " صدوق ".

وقال موسى بن هارون: " تركت حديثه ".

وقال ابن عدي: " له أحاديث مناكير في الفضائل "

وللحديث شاهد يرويه محمد بن الفضل بن عطية عن كرز بن وبرة الحارثي

عن محمد بن كعب القرظي قال:

ذكرت القدرية عند عبد الله بن عمر، فقال:

" لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا منهم نبينا محمد صَلَى الله ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 149 / 2 / 7304) ، واللالكائي في

" شرح أصول السنة " (2 / 643 / 1159) ، وزاد الطبراني:

إذا كان يوم القيامة وجمع الله الناس في صعيد واحد؛ نادى منادٍ يُسمِعُ الأولين والآخرين: أين خصماء الله؟ فيقوم القدرية ". وقال:

لم يروه عن كرزبن وبرة إلا محمد بن الفضل بن عطية ".

قلت: وهو متروك؛ كما قال الهيثمي (7 / 206) وغيره.

وهذه الزيادة رواها بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري عن أبيه عن ابن عمر عن عمر مرفوعًا مختصرًا.

 

(12/170)

 

 

أخرجه ابن الجوزي في " العلل " (1 / 142 / 219) من طريق الدارقطني.

وأعله بالاضطراب وجهالة حبيب.

وقد روي الحديث عن معاذ بن جبل وأبي هريرة بإسنادين ضعيفين، وقد

خرجتهما وبينت ضعفهما في " ظلال الجنة " (1 / 142 - 143 / 325)

فليرجع إليه من شاء.

وأحسن ما روي في الباب: حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ:

" ستة لعنتهم، لعنهم الله، وكل نبي مجاب الدعوة:

الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله. . . " الحديث.

فقد صححه جمع؛ لكن أعله الترمذي بالإرسال، واستنكره الذهبي، وقد بينت ذلك مع تخريجه في " ظلال الجنة " رقم (44، 337)

وقد فات ابنَ الجوزي حديثُ عائشة هذا، فأورده في " العلل " (1 / 143)

من حديث علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وفي إسناده من يضع الحديث.

5582 - (إِذَا سَالَتْ عَلَيْهِ الْأَمْطَارُ، وَجَفَّفَتْهُ الرِّيَاحُ، فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيْهِ. يَعْنِيْ: الْحِيْطَأن تَكُوْنُ فِيْهَا الْعَذِرَةُ)

ضعيف. أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 65 / 1 / 1191)

حدثنا أحمد قال: ثنا عمروبن عثمان الكِلابي قال: ثنا موسى بن أعين عن

عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سئل ابن عمر عن الحيطان يكون فيها العذرة وأبوال الناس وروث الدواب؟ قال:. . . فذكره وقال في آخره:

 

(12/171)

 

 

" يذكر ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

وقال الطبراني:

" لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلا موسى، تفرد به عمرو "

قلت: وهو ليِّن، تركه النسائي كما في " الكاشف "،

قال الحافظ في " التقريب ":

" ضعيف، وكان قد عمي ".

وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 286) :

رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عمرو بن عثمان الكِلابي الرقي، ضعفه أبو حاتم والأزدي، ووثقه أبوحاتم بن حبان.

وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة. وبقية رجاله رجال (الصحيح) ؛ خلا شيخ الطبراني ".

قلت: كذا سكت عنه، وكأنه لم يعرفه، وهو أحمد بن عبد الرحمن بن عقال الحراني، ساق له الطبراني في " أوسطه " عشرات الأحاديث من رواية الكلابي هذا وغيره (1 / 57 / 2 - 65 / 1 / 1015 - 1191) ؛ هذا آخرها.

وأخرج أحدها في " معجمه الصغير " (ص: 5 - الهندية) و (رقم: 808 - الروض النضير) كناه فيه بـ " أبي الفوارس ". وقد أورده الذهبي في " الميزان " وفي " الضعفاء " وقال: " قال أبوعروبة: ليس بمؤتمن على دينه ".

5583 - (لَأَنْ أَحْرُسَ ثَلَاثَ لِيَالٍ مُرَابِطًا مِنْ وَرَاءِ بَيْضَةِ الْمُسْلِمِيْنَ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِيْ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ: الْمَدِيْنَةِ أُوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)

موضوع.

أخرجه الديلمي في آخر حرف (لا) من " مسند الفردوس " (ص: 216 - مصورتي) من طريق أبي الشيخ بسنده عن مهدي بن جعفر: حدثنا

 

(12/172)

 

 

محمد بن شعيب بن شابور: حدثنا سعيد بن خالد بن أبي طويل أنه سمع أنس بن مالك يقول:. . . . فذكره مرفوعًا.

قلت: وهذذا إسناد ضعيف جدًّا؛ بل موضوع؛ فإن ابن أبي طويل هذا اتهمه غير واحد من الأئمة؛ كما تقدم بيانه تحت حديثه هذا.

وقد رواه عنه بعضهم بلفظ آخر أغرق في النكارة من هذا (1234)

وأخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 317) بنحوه، وقال فيه:

" يروي عن أنس بن مالك ما لم يتابع عليه، لا يحل الاحتجاج به ". ولذا قال الحافظ: " منكر الحديث ".

ومهدي بن جعفر؛ صدوق له أوهام، وقد خالفه غيرواحد؛ فرواه عن ابن شابور به بسياق آخر، كما تقدمت الإشارة إليه آنفًا.

ثم أخرجه الديلمي من طريق ابن شاهين بسنده عن يحيى بن صالح: حدثنا جميع عن خالد عن أبي أمامة رفعه مثله.

قلت: وهذا كالذي قبله في الضعف، جميع هذا هو ابن ثوب السلمي؛ قال البخاري وغيره: " منكر الحديث "

وقال النسائي: متروك الحديث ".

والحديث ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية أبي الشيخ عن

 

(12/173)

 

 

أنس، وابن شاهين، والبيهقي في " الشعب " عن أبي أمامة.

5584 - (لَأَنْ أَلْعَقَ الْقَصْعَةَ أَحَبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا طَعَامًا)

منكر. أخرجه الديلمي في " مسنده " (ص: 217) من طريق الحسن بن سفيان: حدثنا نصر بن علي: حدثتني أم يونس بنت يقظان المجاشعية: حدثتني ريطة - وكان أبوها من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أبيها رفعه.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ مَنْ فَوْقَ نصر بن علي؛ لم أعرفهم، وقد ذكروا في المجهولات من النساء:

ريطة بنت حريث

أم يونس بنت شنداد

فراجع " الميزان " و " التقريب ".

والحديث عزاه السيوطي في " الكبير " للحسن بن سفيان.

 

(12/174)

 

 

5585 - (لَأَنْ أَمْرَضَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصِحَّ فَأُعْتِقَ مِائَةَ رَجُلٍ، ثُمَّ أُجَهِّزُهُمْ وَخُيُوْلَهُمْ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ عَزَّوَِجَلَّ)

منكر.

أخرجه الديلمي عقب الحديث السابق من طريق أبي الشيخ عن الحسن بن مدرك: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله القرشي: حدثنا عون بن حبان عن عاصم بن ضمرة عن علي رفعه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ القرشي هذا منكر الحديث؛ كما قال أبوحاتم وتبعه الحافظ.

 

(12/174)

 

 

وشيخه عون بن حبان؛ كأنه مجهول؛ لم يذكره البخاري وابن أبي حاتم، وأما ابن حبان فذكره في (ثقات أتباع التابعين) ، فقال:

" شيخ بصري، يروي عن إبراهيم النخعي وبكر بن عبد الله المزني. روى عنه أبو وهب عبد العزيز بن عبد الله القرشي، يُغْرِبُ "

وفي " اللسان ":

" وقال ابن عدي في ترجمة القرشي هذا: عون بن حبان؛ عزيز الحديث المسند جدًّا، ونسخته عشرون حديثا بأسانيد مختلفة، يرويها الحسن بن مدرك عن عبد العزيز القرشي عنه ".

والحديث عزاه السيوطي في " الكبير " للديلمي، وحقه أن يعزوه لأبي الشيخ؛ كما هو الملاحظ عليه في مثله مما سبق قريبًا.

5586 - (لَأَنْ تَدْعُوَ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ فَتُطْعِمَهُ وَتَسْقِيَهُ؛ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ مِنْ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَمًا)

منكر.

أخرجه الديلمي عقب الحديث السابق بسنده عن يزيد الرقاشي عن أنس رفعه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ يزيد الرقاشي؛ قال الذهبي في " الكاشف " والعسقلاني في " التقريب ": " ضعيف ".

 

(12/175)

 

 

5587 - (لَأَنْ يُّوَسِّعَ أَحَدُكُمْ لِأَخِيْهِ فِي الْمَجْلِسِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ) .

منكر.

أخرجه الديلمي (ص: 218) من طريق ابن شاهين عن محمد بن

 

(12/175)

 

 

القاسم مولى بني هاشم: حدثنا عباس بن مطرف عن رِشدين بن سعد عن جرير عن نافع عن ابن عمر رفعه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ رشدين هذا؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" ضعيف، ورجح أبو حاتم عليه ابنَ لهيعة. وقال ابن يونس: كان صالحًا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين؛ فخلط في الحديث ".

ومن دونه لم أعرفهما.

والحديث عزاه السيوطي لابن شاهين.

واعلم أنني بادرت بتخريج هذا الحديث والأربعة التي قبله من " مسند الفردوس " لأنه أوردها في فصل (لا) مما لا يخطر طلبه فيه عند الحاجة.

5588 - (مَنْ قَالَ: إِنِّيْ مُؤْمِنٌ؛ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَالِمٌ؛ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ؛ فَهُوَ فِي النَّارِ)

ضعيف.

أخرجه ابن جرير الطبري في " التهذيب " (2 / 195 / 1522) :

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن موسى بن زياد أبي الديلم عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فإنه مع إرسال الحسن إياه - وهو ابن أبي الحسن البصري، ومراسيله قالوا: كالريح! - فإن السند إليه ضعيف؛ موسى بن زياد أورده البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 284) ، وابن أبي حاتم (4 / 1 / 143) برواية مغيرة بن مقسم عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.

 

(12/176)

 

 

وأورده الدولابي في كتابه بهذه الكنية: (أبي الديلم) . فهو في عدادالمجهولين.

وابن حميد: هو محمد بن حميد الرازي؛ حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه.

وقد وجدت للشطر الأخير منه طريقًا أخرى:

أخرجها البغوي في " حديث علي بن الجعد " (13 / 142 / 2) من طريق أبي الأشهب عن الحسن به.

وأبو الأشهب - واسمه جعفربن حبان العطاردي البصري - ثقة من رجال الشيخين، فهو عن الحسن صحيح.

وقد وصله عنه بعض التلفاء، وهو ضرار بن عمرو عن الحسن عن أنس مرفوعًأ، وزاد في أوله فقال:

" من قال: إنه في النار؛ فهو في النار، ومن قال: إنه في الجنة؛ فهو في النار " أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق: 204 / 2) وقال:

" ضرار؛ منكر الحديث ".

وقال البخاري والدولابي:

" فيه نظر ".

وذكر له الذهبي هذا الحديث من مناكيره.

وروى الحديث بتمامه من طريق نصربن زكريا الخجندي: نا أحمد بن الحسن: نا عمروبن عاصم عن همام عن ليث عن نعيم بن أبي هند عن عمر بن

 

(12/177)

 

 

الخطاب مرفوعًا.

أخرجه أبوعلي النيسابوري في " جزء من فوائده " (2 / 2) بسنده عنه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علل:

الأولى: الانقطاع بين نعيم بن أبي هند وعمر بن الخطاب؛ فإن أكثر حديثه عن التابعين، ولم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة غير أبيه، مات سنة (110) .

الثانية: ليث - وهو ابن أبي سُلَيم -؛ ضعيف وكان اختلط.

الثالثة: عمرو - وهو ابن عاصم الكِلابي -؛ فيه ضعف من قِبَلِ حفظه، وقد خالفه في إسناده محمد بن كثير العبدي الثقة كما يأتي.

الرابعة: نصر بن زكريا الخجندي؛ الظاهر أنه الذي في " الميزان ":

" نصر بن ركريا البخاري، عن يحيى بن أكثم بخبر باطل هو آفته ".

ورواه ابن بطة في " الإبانة " (7 / 91 / 2) بإسناد صحيح عن قتادة: أن عمر بن الخطاب قال:. . . . فذكره موقوفًا عليه، قال:

فنازعه رجل فقال: إن تذهبوا بالسطان فإن لنا الجنة! قال: فقال عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

" من رعم أنه في الجنة فهو في النار ".

ورجاله كلهم معروفون من رجال " التهذيب " غير شيخ ابن بطة: أبي ذر أحمد بن محمد بن الباغندي، وهو ثقة، له ترجمة في " تاريخ بغداد " (5 / 86)

 

(12/178)

 

 

فالعلة الانقطاع بين قتادة وعمر.

وقد وجدت للجملة الثانية من حديث الترجمة طريقين آخرين:

الأول: رواه محمد بن كثير: نا همام عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر - لا أعلمه إلا - عن النبي صَلَى الله ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:. . . فذكره.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 129 / 1 / 6989) ، (7 / 433 / 6842 - ط) وقال:

" لا يروى عن رسول الله صَلَى الله ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن كثير ".

قلت: وهو العبدي البصري، ثقة من رجال الشيخين، وقد خالفه عمروبن عاصم الكلابي؛ فرواه عن ليث بإسناد آخر له عن عمر، كما تقدم.

وهذا أصح؛ لأن العبدي أوثق من الكلابي، ومداره على ليث، وقد عرفت ضعفه، وبه أعله الهيثمي (1 / 186) .

والآخر: يرويه موسى بن إبراهيم المروزي قال: نا موسى بن جعفر عن جعفربن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي مرفوعًا، وزاد:

" ومن قال: إني في النار؛ فهو في النار ".

وهذا إسناد مسلسل بأهل البيت رضي الله عنهم؛ لكن راويه المروزي هذا كذاب، كما تقدم مرارًا في عدة أحاديث، فانظر مثلًا الأرقام (109، 311، 774)

 

(12/179)

 

 

وتابعه كذاب مثله: داود بن سليمان الغازي عن علي بن موسى الرضا بإسناده عن آبائه، دون الزيادة.

أخرجه الرافعي في " تاريخ قزوين " (3 / 495) .

ورواه بعض الضعفاء مقطوعاً عن يحيى بن أبي كثير موقوفاً عليه، وزاد:

" ومن قال إني جاهل، فهو جاهل ".

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 34) من طريق عبد الله بن الحسين المصيصي: ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عنه.

قلت: وهذا مع وقفه فإن المصيصي هذا كان يسرق الأخبار كما قال ابن حبان، ثم إنه خالف من رواه عن محمد بن كثير بغير هذا الإسناد عن ابن عمر مرفوعاً ببعضه كما تقدم.

وجملة القول، بأن حديث الترجمة لا يزال على ضعفه، لأن كل هذه الطرق لا يوجد فيها ما يصلح الاعتضاد به، لا سيما وكثير منها منقطع وفي طبقة واحدة، والله أعلم.

إذا عرفت ما سبق، فمن الغريب جزم ابن الجوزي في كتابه " تلبيس إبليس " بنسبة الجملة الأولى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (181) :

" وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من قال: إني في الجنة، فهو في النار "!

ولقد كان الأولى به أن يورده في كتابه الآخر: " العلل المتناهية "، أو " الأحاديث الموضوعة "، ولكنه في الواقع يجمع في شخصيته العلمية بين النقيضين، شأنه في ذلك شأن ابن حبان، فكما أن هذا متساهل في التوثيق، فهو متشدد في التجريح،

 

(12/180)

 

 

فابن الجوزي بقدر ما يتشدد في الكتابين المذكورين فهو يتساهل في كتبه الأخرى فيروي فيها المنكرات والواهيات، بل والموضوعات، وقد صرح بنحو هذا الحافظ السخاوي، فقال في " فتح المغيث " (1 / 237 - 238) :

" ثم إن من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " كثيراً مما أورده في " الموضوعات "، كما أن في " الموضوعات " كثيراً من الأحاديث الواهية، بل قد أكثر في تصانيفه الوعظية وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه ".

قلت: وقد أخرجت بعض تلك الأحاديث التي تصلح مثالاً لما ذكره السخاوي رحمه الله فيما يأتي، فانظر الحديث الآتي برقم (6919) وما بعده. ولذلك، فقد أحسن أخونا أبو الحارث الحلبي صنعاً في حذفه الأحاديث الضعيفة من مختصره الذي سماه " المنتقى النفيس من تلبيس إبليس ".

5589 - (يا عليّ! إنك سَتَقْدمُ على الله أنت وشِيعَتُك راضينَ مرضِيِّينَ، ويَقْدمُ عليه عدوُّك غضاباً مقمحين)

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 233 / 2 / 4091) من طريق عبد الكريم أبي يعفور عن جابر عن أبي الطفيل عن عبد الله بن نجي:

أن علياً أتى البصرة بذهب أو فضة، فنكت وقال: ابيضّي واصفرّي، وغرِّي غيري. غري أهل الشام غداً لو ظهروا عليك. فشق قوله على الناس، فذكر ذلك له، فأذن في الناس، فدخلوا عليه، فقال إن خليلي صلى الله عليه وسلم قال:. . . . . فذكره.

وزاد:

 

(12/181)

 

 

" ثم جمع عليٌّ يده إلى عنقه يريهم كيف الإقماح ". وقال الطبراني:

" لم يروه عن أبي الطفيل إلا جابر، تفرد به عبد الكريم أبو يعفور ".

قلت: وهو عبد الكريم بن يعفور أبو يعفور الجعفي، كما في " تاريخ البخاري " برواية قتيبة بن سعيد عنه، وسكت عليه، وروى عنه أيضاً أبو موسى الأنصاري، كما في " جرح ابن أبي حاتم " (3 / 1 / 61 / 320) وقال:

" سألت أبي عنه؟ فقال: هو من عتق الشيعة. قلت ما حاله؟ قال: هو شيخ ليس بالمعروف "

وذكر أنه روى عن جابر بن زيد. كذا وقع فيه: (زيد) وأظنه خطأً مطبعياً، والصواب: (يزيد) ، فإنه جابر بن يزيد، وهو الجعفي. وفي " الميزان ":

" عبد الكريم الخزاز، عن جابر الجعفي، قال الأزدي: واهي الحديث جداً.

عبد الكريم، شيخ الوليد بن صالح، أراه (الخزاز) ، قال أبو حاتم: كان يكذب.

عبد الكريم بن يعفور الخزاز، هو المذكور، قال أبو حاتم: من عتق الشيعة ".

قلت: هذا هو الأول الراوي عن الجعفي يقيناً، لكن ليس عند ابن أبي حاتم (الخزاز) .

وأما عبد الكريم الذي قبله، فهو آخر، فرق بينه وبين ابنِ يعفور ابنُ أبي حاتم نفسُه، وقال عن أبيه: " كان يكذب "

 

(12/182)

 

 

وكلام الحافظ في " اللسان " مشوش لا يتحصل منه شئ واضح، ولعله من النساخ.

وجملة القول، أن ابن يعفور هذا مجهول الحال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وشيخه جابر، هو الجعفي، كما تقدم، قال الحافظ:

" ضعيف رافضي ". وقال الذهبي في " الكاشف ":

" من أكبر علماء الشيعة، وثقه شعبة، فشذ، وتركه الحفاظ ".

وبه أعله الهيثمي، فقال في " المجمع " (9 / 131) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف ".

وأقول: إن هذا الحديث - مع ضعف إسناده الشديد - لوائح الوضع الشيعي ظاهرة عليه، كبعض الأحاديث الأخرى الآتية، ولذلك يستغلها بعض متعصبة دعاتهم، الذين يتظاهرون بالتقارب والتعاطف مع أهل السنة، كالشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه " أصل الشيعة وأصولها "، فإنه زعم فيه (ص 109 - 111 / طبعة 1377) :

أن أول من وضع بذرة التشيع في الإسلام وتعاهدها حتى نمت وترعرعت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته، إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم! !

ثم استشهد على ذلك ببعض أحاديث نقلها عن السيوطي وغيره، موهماً القراء صحتها وثبوتها عنده، أعني: السيوطي، ومن عزا الحديث إليهم من أهل السنة، فقال:

 

(12/183)

 

 

" لا من طريق الشيعة والإمامية، بل من أحاديث علماء السنة وأعلامهم، ومن طرقهم الوثيقة التي لا يظن ذو مسكَةٍ فيها الكذب والوضع ".

ثم ساق بعضها معزوّة لابن عساكر وغيره، ممن نص السيوطي نفسه في مقدمة " الجامع الكبير " أن مجرد العزو إليهم يعني ضعف حديثهم فيستغني بالعزو إليها عن بيان ضعفه. فهل جهل الشيعي ذلك، وهو الموصوف في طرة كتابة بـ " سماحة الإمام الأكبر " أم تجاهله لغاية في نفسه؟ ! ثم لم يقنع بذلك حتى أوهم القراء أنها من الطرق الوثيقة! !

وهذا مما يؤكد - مع الأسف - أن الشيعة لا يزالون - كما وصف قدماؤهم - أكذب الطوائف في الحديث النبوي، وع فارق في الوسيلة، فأولئك بلصق الأسانيد وتركيبها على الأحاديث التي يضعونها انتصاراً لتشيعهم، وهؤلاء بالتقاط الأحاديث المنكرة والموضوعة من كتب أهل السنة وإيهام القراء منهم ومن غيرهم أنها ثابتة عند أهل السنة!

وهؤلاء الشيعة يعلمون يقيناً أنه ليس كل حديث رواه أهل السنة في أي كتاب من كتبهم هو صحيح عندهم، ولو كان له طرق أو أسانيد، ولذلك، ألفوا كتبهم المتنوعة لتمييز صحيحها من ضعيفها كما هو معلوم، وما هذه " السلسلة " التي بيدك إلا سيراً على نهجهم واقتفاءً لآثارهم في نصحهم للأمة. فكيف جاز لـ " سماحة الإمام الأكبر " أن يتجاهل هذا كله ويوهم الناس جميعاً خلاف الحقيقة! !

وهذا نقوله فيما عزاه لمؤلفٍ من أهل السنة يروى الأحاديث بطرقه وأسانيده عادة، كابن عدي وابن عساكر، فما يقول القراء الكرام في هذا الشيعي إذا علموا أنه عزا حديث الترجمة لابن الأثير في " النهاية " فقط، وهو لا يروي فيه

 

(12/184)

 

 

الأحاديث بالأسانيد، وإنما يعلقها فقط تعليقاً ليشرح منها لفظاً غريباً مثل (مقمحين) في هذا الحديث؟ ! فهو كما لو عزا الحديث لـ " القاموس " أو " لسان العرب " وغيرها من كتب اللغة! فهل يفعل ذلك عالم مخلص مهما كان مذهبه؟ ! فكيف وهو يوهم القراء أنه عند ابن الأثير بطريق من الطرق الوثيقة، وقد عرفت أنه عند الطبراني من طريق غير وثيقة، بل هي من رواية شيعي مجهول عن شيعي متروك متهم، فرجع الحديث إلى أنه من طريق الشيعة؟ ! ورواية أهل السنة إياه من الأدلة الكثيرة على تجردهم وإنصافهم، ولهذا كان علامة أهل السنة أنهم يروون ما لهم وما عليهم، ومن علامة غيرهم أنهم يروون ما لهم، ولا يروون ما عليهم!

قلت: والحديث الآتي من الأدلة الكثيرة على ذلك، وهو في الوقت نفسه من أحاديث الشيعي المتقدم ذكره، والتي زعم أنها من طرق أهل السنة الوثيقة التي لا يظن ذو مسكة فيها الكذب والوضع! فتأمله لتعلم هل هو صادق فيما قال فيه أم لا؟ !

وقد وقفت لحديث الترجمة على طريق أخرى، يوريه حرب بن الحسن الطحان: ثنا يحيى بن يعلى عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي:. . . . . . . . فذكره مختصراً بلفظ:

" أنت وشيعتك تردون عليَّ الحوض رواءً مرويين مبيضة وجوهكم، وإن عدوك يردون عليَّ ظماء مقبحين "

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 319 / 948) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، مسلسل بالضعفاء وبعضهم أشد ضعفاً من بعض، وأحدهم شيعي، كما يأتي بيانه تحت الحديث (5591) .

 

(12/185)

 

 

5590 - (يا عليّ! أنتَ وأصحَابُك في الجنة، أنت وشِيعَتُك في الجنة، إلا أنه ممَّنْ يزعمُ أنه يُحِبُكَ أقوام يُضْفَزُون الإسلام ثم يَلْفِظُونَهُ، يقرأون القرآنَ لا يجاوزُ تراقِيَهُمْ، لهم نَبَزٌ, يقال لهم: الرافضة، فإن أَدْرَكْتَهُم فجاهِدْهُمْ، فإنهم مشركون.

فقلتُ: يا رسولَ الله! ما العلامةُ فيهم؟ قال: لا يشهدونَ جُمُعَةً ولا جماعةً، ويَطْعَنونَ على السَّلَفِ الأول)

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 112 / 2 / 6749) ، والخطيب في " التاريخ " (12 / 358) من طريق الفضل بن غانم: حدثنا سوار بن مصعب عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة قالت:

كانت ليلتي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:. . . . فذكره، وقال الطبراني:

" لم يروه عن عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة إلا سوار بن مصعب "

قلت: وهو متهم، قال البخاري:

" منكر الحديث ". وقال النسائي وغيره:

" متروك ". وقال ابن حبان (1 / 356) :

" كان ممن يأتي بالمناكير عن المشتهير، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها ". بل قال الحاكم:

" روى عن الأعمش وابن خالد المناكير، وعن عطية الموضوعات "

 

(12/186)

 

 

قلت: وهذا من روايته عن عطية كما ترى، فهو من موضوعاته، على ضعف عطية.

والفضل بن غانم، قريب منه، قال الذهبي:

" قال يحيى: ليس بشئ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال الخطيب: ضعيف "

وبه أعله الهيثمي (10 / 22) ، والأولى إعلاله بشيخه، لأنه متهم كما تقدم، على أنه قد تابعه جميع بن عمير البصري، لكن خالفه في إسناده، فقال: حدثنا سوار عن محمد بن جحادة عن الشعبي عن علي مرفوعاً به. رواه عنه عصام بن الحكم العكبري.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 329) ، والخطيب في " التاريخ " (12 / 289) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 397) وقال:

" حديث لا يصح، وسوار ليس بثقة، قال ابن نمير: جميع من أكذب الناس. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث "

قلت: هذا خطأ فاحش! تبعه عليه السيوطي في " اللآلي " (1 / 379) ، وابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1 / 366) ، وصاحبي المعلِّق على " فضائل الصحابة ": وصي الله بن محمد عباس (2 / 655) وغيرهم، فإن الذي قال فيه ابن نمير وابن حبان ما ذكر، إنما هو جميع بن عمير التيمي الكوفي، وهو تابعي، روى عن ابن عمر وعائشة! وأما جميع الراوي لهذا الحديث، فهو متأخر عن هذا جداً، من طبقة شيوخ الأئمة الستة! ثم هو بصري والأول كوفي! ووقع في رواية أبي نعيم:

 

(12/187)

 

 

" جميع بن عبد الله "، فسمى أباه (عبد الله) فلعله خطأ من الناسخ أو الطابع.

ثم إن الحافظ قد أورده في " التهذيب " تمييزاً، برواية آخر عنه، وقال:

" قلت: له في " الموضوعات " لابن الجوزي حديث باطل في شيعة علي "

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأما في " التقريب "، فجزم بأنه ضعيف.

وهذا مما لا وجه له عندي، فإنه لم يرو تضعيفه عن أحد، وفي ظني أنه توهم أنه هو آفة هذا الحديث الباطل، كما يشعر به كلامه في " التهذيب "، وفاته أن الآفة من شيخه سوار بن مصعب، وهو متهم كما تقدم، فالصواب أن يقال فيه: " مجهول الحال ".

كما هي قاعدة أهل الحديث، وانظر الكلام الآتي على هانئ بن هانئ في الحديث (5594) .

ومثله العكبري الراوي عنه، ففي ترجمته أورد الخطيب حديثه هذا، وذكر أنه روى عنه ثلاثة، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وإن مما يؤكد أن آفة الحديث إنما هو سوار هذا، وأنه هو الذي اضطرب وتلون في روايته بأسانيد مختلفة: أن أبا بكر القطيعي أخرجه في زوائده في " فضائل الصحابة " بسند صحيح عنه، فقال (2 / 654 / 1115) :

حدثنا إبراهيم بن شريك قال: ثنا عقبة بن مكرم الضبي قال: ثنا يونس بن

 

(12/188)

 

 

بكير عن السوار بن مصعب عن أبي الجحاف. قال أبو مكرم عقبه - وكان من الشيعة -: عن محمد بن عمرو عن فاطمة الكبرى عن أم سلمة قالت:. . . . . . الحديث

قلت: وأبو جحاف اسمه داود بن أبي عوف سويد التميمي، وهو صدوق شيعي. فالآفة سوار كما تقدم، وقال السيوطي: " سوار متروك ".

(تنبيه) : هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه " أصل الشيعة "، زاعماً أنها عند أهل السنة من طرقهم الوثيقة التي لا يظن ذو مسكة فيها الكذب والوضع! كما تقدم نقله عنه والرد عليه في الحديث الذي قبله، فهذا مثال آخر على كذبه على أهل السنة، ولكن من يهن عليه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصعب عليه بعده شئ!

ثم إنه لم ينقل منه إلا طرفه الأول: " يا علي! أنت وأصحابك في الجنة "! فهو من الأدلة الكثيرة على ما ذكرته هناك: أن أهل الأهواء يروون ما لهم دون ما عليهم!

(فائدة) : قوله (يُضْفَزُون الإسلام) ، أي: يلقنونه ثم يتركونه ولا يقبلونه. كذا في " النهاية ". وكان الأصل " يصفون "، وفي " المجمع ": " يرفضون "! والتصحيح من " التاريخ " و " النهاية ".

ثم رأيت للحديث طريقاً أخرى، من رواية أبي جناب الكلبي عن أبي سليمان الهمداني أو النخعي عن عمه عن علي قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(12/189)

 

 

((يا علي! أنت وشيعتك في الجنة وإن قوما لهم نبز يقال لههم: الرافضة، إن أدركتهم؛ فاقتلهم فإنهم مشركون)) .

قال علي ينتحلون حُبَّنَا أهل البيت وليسو كذلك! وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر.

أخرجه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (3 / 192) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ آفته أبو جناب الكلبي أو مَنْ فوقه، واسمه يحيى بن أبي حية، وهو بكنيته أشهر؛ قال الحافظ في التقريب ((التقريب)) :

((ضعفوه؛ لكثرة تدليسه)) .

وشيخه أبو (وفي الأصل: ابن) سليمان الهمداني: أورده الذهبي في ((الميزان)) وقال:

((عن أبيه عن علي. لا يُدرى من هو؟ كأبيه. وأتى بخبر منكر)) .

قلت: كأنه يشير إلى هذا. والله اعلم.

5591 - (أَمَا تَرْضَى أَنْ تكون رابعَ أربعَة؟ أول من يدخلُ الجنةَ أنا، وأنت والحسنُ، والحسينُ، وأزواجنا عن أيمانِنَا وعن شَمَائِلِنَا، وذَرارِينا خَلْفَ أزواجِنَا، وشيعتنا من ورائنا) .

موضوع. أخرجه أبو بكر القطيعي في زوائد ((الفضائل)) (2 / 624 / 1068) : حدثنا محمد بن يونس قال: ثنا عبيد الله بن عائشة قال: أنا إسماعيل بن عمرو عن عمرو بن موسى عن زيد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده عن

 

(12/190)

 

 

علي بن أبي طالب قال:

شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي، فقال:. . . فذكره.

قلت وهذا موضوع؛ آفته عمرو بن موسى - وهو الوجيهي - وهو كما قال ابن عدي:

((ممن يضع الحديث متناً وإسناداً)) . وقال أبو حاتم:

((ذاهب الحديث، كان يضع الحديث)) .

وإسماعيل بن عمرو - وهو الأصبهاني -؛ ضعيف، وبه أعله السيوطي في ((الجامع الكبير)) . وعزاه لابن عساكر. وإعلاله بشيخه الوجيهي أولى كما لا يخفى، وما أظنه عند ابن عساكر إلا من طريقه.

وللحديث طريق آخر مضى برقم (4931) ، يرويه حرب بن الحسن الطحان: ثنا يحيى بن يعلى عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي:. . . فذكره مختصراً بلفظ:

((إن أول أربعة يدخلون الجنة. . .)) الحديث.

أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (1 / 319 / 950)

قلت:

وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالضعفاء:

الأول محمد بن عبيد الله؛ قال البخاري:

((منكر الحديث)) . وقال ابن أبي حاتم:

 

(12/191)

 

 

((ضعيف الحديث، منكر الحديث جداَ، ذاهب)) . وقال الدارقطني:

((متروك وله معضلات)) .

قلت: وهذا من معضلاته!

الثاني: يحيى بن يعلى - وهو الأسلمي القطواني -؛ متفق على تضعيفه، وهو

من شيعة الكوفة.

الثالث: حرب بن حسان الطحان؛ قال الأزدي:

((ليس حديثه بذلك)) .

وأما ابن حبان: فذكره في ((الثقات)) .

وأعله الهيثمي به وبالذي قبله؛ فقال في ((المجمع)) (9 / 131) :

((. . . . وكلاهما ضعيف)) .

قلت: وإعلاله بالأول أولى؛ لأنه أشدهم ضعفاً. فتنبه.

5592 - (والذي نَفْسِي بيده! لولا أن يقول فيك طوائفُ من أُمَّتي ما

قَالتِ النصارى في عيسى بن مريمَ؛ لقُلْتُ فيك اليوم مقالاً، لا تَمُرُّ بأحدٍ

من المسلمين إلا أَخَذَ الترابَ مِنْ أثرِ قَدَمَيْكَ، يَطْلُبُونَ به البَرَكَةَ) .

موضوع. أخرجه الطبراني (1 / 320 / 951) بإسناد الذي قبله.

وقد عرفت أنه مسلسل بالضعفاء؛ أحدهم منكر الحديث جداً عند أبي حاتم،

متهم عند البخاري، وآخر؛ وهو من شيعة الكوفة.

 

(12/192)

 

 

5593 - (عَلِيٌّ خَيْرُ البَرِيَّةِ) .

موضوع. أخرجه ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 140) ، وابن عدي (1 / 170) ،

ومن طريق ابن الجوزي في الموضوعات (1 / 348 - 349) ، وكذا ابن عساكر في ((التاريخ)) (12 / 313) من طريق أحمد بن سالم أبي سمرة:

حدثنا شريك عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

قلت: وهذا باطل ظاهر البطلان؛ آفته أحمد بن سالم هذا، وفي ترجمته أورده ابن عدي وقال:

((له مناكير)) . وقال ابن حبان:

((يروي عن الثقات الأوابد والطامات)) . وقال ابن الجوزي:

((لا يصح عن رسول الله صى الله عليه وسلم، وقال ابن حبان. . .)) .

قلت: وكأنه توبع، لكن من مثله، ولعله سرقه أحدهم عن الآخر، فقال

الذهبي عقبه:

((ويروى عن غير أحمد عن شريك، وهذا كذب، وإنما جاء عن الأعمش عن عطية العوفي عن جابر قال)) كنا نعد عليا من خيارنا)) . وهذا حقٌّ)) .

وأقره الحافظ في ((اللسان)) .

قلت: ورى ابن عساكر بإسناد مظلم عن أبي الزبير عن جابر نحوه، وفيه أن

قوله تعالى ((أولئك هم خير البرية)) نزل في علي رضي الله عنه، وقال:

((فكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا أقبل علي قالوا: قد جاءنا خير البرية)) .

 

(12/193)

 

 

وقد مضى برقم (4925) .

قلت: وهذا من الأحاديث التي سود بها السيوطي كتابه ((الدر المنثور)) (6 / 379) ساكتاً عنها، ليأتي من بعده من الفرق الضالة ليستغلوها، ويوهموا المسلمين صِحَّتها؛ ليضلوا عن سبيل الله، كما فعل الشيعي عبد الحسين في مراجعاته، وقد خرجت منها نحو مئة حديث ما بين ضعيف وموضوع فيما تقدم (4882 - 4975) ، منها حديث أبي الزبير هذا المشار إلى آنفاً.

وكذلك أورده الشيعي الآخر محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه ((أصل الشيعة)) (ص 110) نقلاً عن كتاب السيوطي ((الدر المنثور)) في أحاديث أخرى تقدم آنفاً بعضا زاعما أنها: ((من أحاديث علماء السنة وأعلامهم، ومن طرقهم الوثيقة التي لا يظن ذو مسكة فيها الكذب والوضع)) !

فاللهم لعنتك على الكذابين والوضاعين، مهما تعددت مذاهبهم، وتنوَّعت أساليبهم، وبخاصة منهم الرافضة! قال العلامة ابن قيم الجوزية في ((المنار)) :

((وأما ما وضعت الرافضة في فضائل علي؛ فأكثر من أن يعد)) ، قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب ((الإرشاد)) :

((وضعت الرافضة في فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت نحو ثلاث مئة ألف حديث)) .

ولا يستبعد هذا؛ فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك؛ لوجدت الأمر كما قال)) .

والله المستعان ولا حول لا قوة إلا بالله.

 

(12/194)

 

 

5594 - (ائْذَنُوا له، مرحباً بالطَّيب الْمُطَيَّبِ) .

ضعيف. أخرجه البخاري في ((التاريخ)) (4 / 2 / 229) ، والترمذي (3799) ، وابن ماجه (1 / 65) ، وابن جرير في ((تهذيب الآثار)) (مسند علي 155 / 14) ،

وأحمد (1 / 99، 125، 199) ، وأبو يعلى (1 / 117) ، وأبو نعيم في ((الحلية)) (1 / 140) ، والحاكم (3 / 388) ، والخطيب في ((التاريخ)) (1 / 151) من طرق عن سفيان عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي قال:

جاء عمار بن ياسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:. . . فذكره.

لكنه شك في رفعه في رواية ابن يمان عن سفيان؛ فقال)) : أراه عن علي)) .

لكن ابن يمان - واسمه يحيى - فيه ضعف، لا سيما وقد خالف الثقات عن سفيان؛ فلم يشكوا.

وقد تابعه شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت هانئ بن هانئ يقول:. . . فذكه؛ دون قوله ((ائذنوا له)) . ولم يذكر عليا.

أخرجه الطيالسي في ((مسنده)) (117) حدثنا شعبة به مرسلاً.

لكن رواه محمد بن جعفر: حدثنا شعبة به مسندا عن علي.

أخرجه أحمد (1 / 138) ، وابن جرير (156 / 16) .

وتابعه يحيى -وهو ابن سعيد - عن شعبة به.

 

(12/195)

 

 

أخرجه أحمد (1 / 123) .

وتابع سفيان وشعبة شريك -وهو القاضي -؛ فقال: عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي به.

أخرجه ابن جرير (156 / 17) .

وتابعهم الصُّبَيّ بن الأشعث عن أبي إسحاق به.

أخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (6 / 155) .

وتابعهم الأعمش؛ لكنه خالفهم في متنه فأوقفه على علي؛ فقال عن أبي إسحاق عن هانئ قال:

كنا عند علي، فدخل عليه عمار بن ياسر، فقال: مرحبا بالطيب المطيب،

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

إن عمارا ملئ إيماناً إلى مشاشه)) .

رواه ابن جير (157 / 158) ، وأبو يعلى (1 / 117) وغيرهما، وهو مخرج - كشاهد - في ((الصحيحة)) (2 / 466 - 467) من طريق عثام بن علي عن الأعمش.

وخالفه نوح بن دراج عن الأعمش به مرفوعاً؛ دون زيادة الإيمان.

أخرجه الخطيب (13 / 315) .

لكن نوح هذا؛ قال الحافظ:

 

(12/196)

 

 

((متروك وقد كذبه بن معين)) .

فلا قيمة لما تفرد به، فكيف مع المخالفة لعََثّام بن علي وهو ثقة من رجال البخاري؟ ! فروايته هي المحفوظة عن الأعمش، لكن اتفاق سفيان -وهو الثوري - وشعبة وشريك على رفع الحديث تجعل رواية الأعمش شاذة فتكون روايتهم عن أبي إسحاق هي المحفوظة. والله اعلم.

فإن: فإذا كانت رواية الجماعة هي الصواب فهل يثبت الحديث بذلك؟

فأقول: كلا، وغن كان قد صححه الترمذي والطبري والحاكم والذهبي وحسَّنه العسقلاني في ((الإصابة)) ، وكنت تبعته عليه في تعليقي على ((المشكاة)) ، والىن بدا لي أن ذلك لا يتماشى مع القواعد الحديثية التي تشرط في كل رجال الإسناد العدالة والضبط، وهذا ما لم أجده متوفراً في هانئ بن هانئ؛ فإنه مجهول عند المحدثين، ولم يوثقه إلا بعض المتساهلين، وهذا ترجمته في ((تهذيب التهذيب)) :

((روى عنه ابو إسحاق السبيعي وحده. قال النسائي ليس به بأس. وذكره ابن حبان في ((الثقات)) ، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة قال: وكان يتشيع. وقال ابن المديني: مجهول، وقال حرملة عن الشافعي: لا يعرف، وأهل العلم بالحديث لا يثبتون حديثه لجهالة حاله)) .

قلت: ومن الثابت في ((علم المصطلح)) أن الراوي إذا تفرد عنه واحد تكون جهالته جخالة عينية، فهو إذا مجهول العين؛ لتفرد أبي إسحاق عنه كما عرفت من ((تهذيب الحافظ)) ؛ ولذلك؛ فقوله في هانئ هذا في ((التقريب)) :

 

(12/197)

 

 

((مستور)) !

غير مقبول منه؛ لأن هذا إنما يقال في مجهول الحال؛ كما نص عليه في مقدمة ((التقريب)) ؛ فإنه قال في صدد بيان مراتب الرواة:

((االسابعة من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ:

(مستور) ، أو (مجهول الحال)) ) . ثم قال:

((التاسعة: من لم يروي عنه غير واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ (مجهول)) ) .

وقد يقول قائل: قوله في كل من المرتبتين: ((ولم يوثق)) ؛ يدل بمفهومه أنه لا يورد فيهما من كان موثقا.

فأقول: نعم ولكنه ذلك غير مضطرد عنده، فهناك من وثق، ومع ذلك أورده في إحديهما، فهذا مثلاً:

أحمد بن عبد الرحمن القرشي المخزومي؛ قال فيه ((مستور)) ، مع أنه روى عنه اثنان ابن ماجة والمحاملي، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) !

والحارث بن مخلد الرزقي الأنصاري؛ قال فيه:

((مجهول الحال)) ؛ تبعا لابن القطان مع أنه ذكر في ((التهذيب)) أن ابن حبان وثقه!

ومِمَّن قال فيه ((مجهول)) :

إبراهيم بن طريف الشامي. مع أنه أحمد بن صالح وابن شاهين وابن حبان! فهذا كحال هانئ بن هانئ.

 

(12/198)

 

 

إسحاق بن يزيد الهذلي المدني. وثقه ابن حبان أيضاً.

إسماعيل بن أبي بكر الرملي. وثقه ابن حبان أيضاً.

والأمثلة غيرها كثيرة يجدها من يتتبعها. وفيما ذكرنا كفاية.

وبالجملة؛ فهانئ هذا مجهول؛ كما قال ابن المديني، ولم نجد ما يصلح حجة لتوثيقه، وبالتالي لتحسين حديثه، بل وجدنا ابن سعد قد قال في ((الطبقات)) (6 / 223) بعد قوله المتقدم نقله عن ((التهذيب)) قال:

((وكان منكر الحديث)) .

وهذه فائدة هامة تلحق بكلام ابن سعد؛ فإنها سقطت من ((التهذيب)) . والله أعلم.

ثم إن مما يلفت النظر: أن الطبري مع تصريحه بصحة سند هذا الحديث عنده قد أعله بخمس علل لم يُجِبْْ عن شئ منها، أقواها قوله:

((والخامسة: أن هانئ بن هانئ مجهول، ولا تثبت الحجةفي الدين إلا بنقل العدول المعروفين بالعدالة))

فمع تسليمه بجهالة هانئ، فلا أدري كيف يلتقي ذلك مع تصحيحه لإسناده!

وقد أشار إلى هذا محققه الفاضل محمود محمد شاكر؛ فإنه قال بعد أن أشار إلى إعلال ابن جرير بما أشرنا إليه:

((ولكنه لم يأتي بحجة في تصحيح إسناده)) .

قلت: وذلك ما يكثر منه حتى ألقي في النفس أنه من المتساهلين. س

 

(12/199)

 

 

5595 - (ليسترجع أحدكم في كل شيء، حتى في شسع نعله [إذا انقطع] ، فإنه من المصائب) .

ضعيف جداً. أخرجه مسدد بن مسرهد في مسنده، كما في المطالب العالية (3 / 232 / 3352) ، ومن طريقه ابن السني في (عمل اليوم والليلة) (ص 115 / 346) ، وابن حبان في الضعفاء (3 / 122) ، والبزار في (مسنده) من طرق عن يحيي بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً.

والزيادة لابن حبان، أورده في ترجمة يحيي بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي المدني، وقال فيه:

(يروي عن أبيه ما لا أصل له - وأبوه ثقة -، فلما كثرت روايته عن أبيه ما ليس من حديثه، سقط عن حد الاحتجاج به، وكان سيء الصلاة، وكان ابن عيينة شديد الحمل عليه) .

ثم روي عن يحيي بن سعيد القطان أنه كان يحدث عنه ثم ترك الرواية عنه.

ثم ساق له أحاديث مما أنكر عليه، هذا أحدها، وكذلك صنع الذهبي، لكنه ذكره بلفظ:

(إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع، فإنها من المصائب) .

ولعله لفظ ابن عدي في (الكامل) ، فقد عزاه إليه السيوطي في (الجامع الكبير) ، وإلى أبي الشيخ في الثواب، والبيهقي في (شعب الإيمان) من هذا الوجه.

وقد أخرجه الديلمي في (مسند الفردوس) (1 / 1 / 161) من طريق أبي الشيخ.

 

(12/200)

 

 

ثم ذكر السيوطي أن هناداً رواه عن يحيي بن عبيد الله عن أبيه مرسلاً.

قلت: وهذه علة ثانية في الحديث، وهي الإرسال.

وفيه علة ثالثة: وهي جهالة عبيد الله والد يحيي، وإن وثقه ابن حبان كما تقدم في كلامه على يحيي، ولذلك أورده في التابعين من (ثقاته) ، ولكنه لم يتابع على توثيقه إياه، بل قال الشافعي:

(لا نعرفه) ، وقال ابن القطان الفاسي:

(مجهول الحال) .

أما قول الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 331) :

(رواه البزار، وفيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف) .

فأقول: هذا إعلال غير قادح، وذهول عن العلة الحقيقة القادحة، وهي انفراد يحيي بن عبيد الله به.

ومن طريقه أخرجه البزار، فقد وقفت على إسناده في (كشف الأستار) للهيثمي نفسه، أورده في (كتاب الأذكار) منه، فتبين أن الهيثمي قد أبعد النجعة في الإعلال المذكور.

ثم إن البزار قد أخرج للحديث شاهداً من طريق خارجة بن مصعب: ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وقال:

(لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحداً حدث به عن خالد إلا

 

(12/201)

 

 

خارجة، وليس هو بالحافظ) .

قلت: وبه أعله الهيثمي في (المجمع) ، فقال:

(وهو متروك) .

وكذا قال الحافظ في التقريب وزاد:

(وكان يدلس على الكذابين، ويقال ان ابن معين كذبه) .

والحديث أشار إلى تضعيفه ابن القيم الجوزية في (الوابل الصيب) (ص 170 - المنيرية) بقوله:

(ويذكر عن أبي هريرة. . .) الخ.

وكذلك قال قبله شيخه ابن تيمية في (الكلم الطيب) ، وهو الصواب خلافا لما كنت علقته عليه (ص 81 / 140) غير منتبه لشدة ضعفه أولاً، ولا لكون الشاهد الذي قويته وحسنته من أجله ليس فيه الاسترجاع الذي في هذا ثانياً.

ولذلك بادرت إلى بيان هذا نصحاً لنفسي وقرائي. والله تعالى أسأل أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، وهو الغفور الرحيم.

على أنني كنت خرجته في (تخريج المشكاة) (1760) من رواية أبي نعيم مضعفاً إياه كما هنا، ويظهر أنه لم يتيسر لي يومئذ الرجوع إلى التخريج المذكور، فوقع ما ذكرنا من الخطأ، والله المستعان.

والشاهد المشار إليه هو من حديث أنس، وقد مضى تخريجه والكشف عن علته برقم (1362) .

 

(12/202)

 

 

5596 - (ضع يديك على رأسك، فإن جبريل لما نزل بها إلي قال: ضع يديك على رأسك، فإنها شفاء من كل داء إلا السام، والسام: الموت. يعني: آية: (لو أنزلنا هذا القرآن. . .)) .

ضعيف. أخرجه أبو نعيم في (أخبار أصبهان) (1 / 154 / 412) قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن يوسف المقرئ: ثنا إدريس بن عبد الكريم الحداد قال: قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية: (لو أنزلنا هذا القرآن) قال: ضع يديك على رأسك، فإني قرأت على سليم فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يديك على رأسك، فإني قرأت على حمزة فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يديك على رأسك، فإني قرأت على الأعمش فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يديك على رأسك، فإني قرأت على يحيي بن وثاب فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يديك على رأسك، فإني قرأت على علقمة والأسود فلما بلغت هذه الآية قالا: ضع يديك على رأسك، فإنا قرأنا على عبد الله فلما بلغنا هذه الآية قال: ضعا أيديكما على روؤسكما، فإني قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغت هذه الآية قال لي:. . . فذكره.

قلت وهذا إسناد ضعيف أورده أبو نعيم في ترجمة أبي الطيب هذا، ولم يذكر فيه شيئاً سوى هذا الحديث، فالظاهر أنه غير معروف.

ومن فوقه ثقات من رجال (التهذيب) ، غير إدريس بن عبد الكريم الحداد، وهو ثقة، كما في (اللسان) .

وسليم هو ابن عيسى القارئ أورده ابن أبي حاتم برواية جمع من الثقات، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً.

وسائرهم من رجال مسلم، على ضعف في حمزة - وهو ابن حبيب الزيات

 

(12/203)

 

 

القارئ -، وقد قال الحافظ:

(صدوق زاهد، ربما وهم) .

وخلف، هو ابن هشام البزار المقرئ.

ثم رأيت الحديث في (تاريخ بغداد) (1 / 277) في ترجمة محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر أبو الطيب المقرئ، يعرف بـ (غلام ابن شنبوذ) ، خرج عن بغداد وتغرب، وحدث بجرجان وأصبهان عن إدريس بن عبد الكريم المقرئ وأبي الحسن بن شنبوذ. روى عنه أبو النصر بن محمد بن أبي بكر الإسماعيلي وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ الأصبهاني. أخيرنا أبو نعيم الحافظ قال: أنبأنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر المقرئ البغدادي - قدم علينا - قال: نبأنا إدريس بن عبد الكريم الحداد. . . الحديث، وقال عقبه:

(ذكر بعض أصحابنا عن أبي نعيم قال: سمعت من هذا الشيخ في سنة تسع وأربعين وثلاث مئة) .

قلت: فهذا اختلاف عجيب في اسم هذا الشيخ أبي الطيب، فتلميذه الراوي عنه مباشرة يورده في (الأحمدين) ، وتلميذ تلميذه الخطيب يورده في (المحمدين) ويقول في الترجمة وفي الرواية: إنه محمد بن أحمد. . . الخ! !

وأعجب من ذلك أن الخطيب أورده في مكان آخر من (التاريخ) فقال (1 / 271) :

(محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الفرج المقرئ، يعرف بـ (غلام الشنبوذي) .

 

(12/204)

 

 

روي عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن شنبوذ وغيره، كتب في القراءات، وتكلم الناس في رواياته. . .) .

لكن من الممكن الجمع بين هذه الترجمة والتي قبلها بأن يقال: لعل إبراهيم الجد هنا، ويوسف الجد هناك، إنما هذا أو ذاك الجد الأعلى.

ويبدو أن الذهبي يرى هذا، فقد أورده في (الميزان) - كما في هذه الترجمة -، ولخص فيها كلام الخطيب، ثم قال:

(وقال الخطيب في ترجمته: خرج عن بغداد) . فذكر خلاصة ما في الترجمة الأولى. ثم أعاده بعد ثلاث تراجم، فقال:

(محمد بن أحمد بن يوسف أبو الطيب البغدادي غلام ابن شنبوذ. زعم أنه قرأ على إدريس بن عبد الكريم، وروى عنه حديثاً باطلاً بإسناد ما فيهم متهم! فالآفة هو. روي عنه أبو نعيم) .

فتعقبه الحافظ في (اللسان) ، فقال:

(وقد كرره المؤلف سهواً، وهو محمد بن أحمد المقرئ المذكور قبل قليل، والحديث الذي أشار إليه، أورده الخطيب في ترجمته قال. . .) .

قلت: فساق الحديث كما تقدم نقلنا عنه.

ثم رأيت أبا نعيم قد أعاد ذكر شيخه أبا الطيب هذا في (المحمدين) ، فقال (2 / 288) :

(محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر البصري أبو الطيب المقرئ، نزيل بغداد، قدم علينا قبل الخمسين، وسماعي منه سنة تسع وأربعين وثلاث مئة) .

 

(12/205)

 

 

فغلب على الظن أن هذا هو الصواب في اسمه: (محمد بن أحمد) . وأن إيراد أبي نعيم إياه في (الأحمدين) وهم، لعل سببه أنه سقط من كتابه أو حفظه اسم (محمد) ، ولذلك، لم يترجموه في (الأحمدين) . والله أعلم.

وجملة القول، أن علة هذا الحديث إنما هو محمد بن أحمد هذا.

5597 - (تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، حتى إذا أردتن النوم، فلتؤب كل امرأة إلى بيتها) .

ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (7 / 36 / 12077) عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير قال: قال مجاهد:

استشهد رجال يوم أحد، فام نساؤهم، وكن متجاورات في دار، فجئن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلن: إنا نستوحش يا رسول الله! بالليل، فنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا تبددنا [إلى] بيوتنا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، ولكنه مرسل.

وابن جريج مدلس وقد عنعنه. لكنه صرح بالتحديث في رواية عبد المجيد عنه: أخبرني إسماعيل بن كثير عن مجاهد به.

كذا قال: (إسماعيل بن كثير) مكان (عبد الله بن كثير) ، وكلاهما ثقة، لكن عبد المجيد - وهو ابن عبد العزيز ابن أبي رواد - فيه ضعف، قال الحافظ:

(صدوق يخطئ، وكان مرجئا، أفرط ابن حبان فقال: متروك) .

أخرجه البيهقي (7 / 236) ، ومنه صححت بعض الأخطاء وقعت في رواية

 

(12/206)

 

 

(المصنف) .

(تنبيه) : لقد أعل ابن القيم في (زاد المعاد) (3 / 316) الحديث بالإرسال، لكنه مال إلى تقويته، فقال:

(وهذا وإن كان مرسلا، فالظاهر أن مجاهداً إما أن يكون سمعه من تابعي ثقة، أو من صحابي، والتابعون لم يكن الكذب معروفاً فيهم. . .) إلخ.

قلت: وهذا مردود باتفاق علماء الحديث في (المصطلح) : أن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف. وما ذاك إلا لاحتمال أن يكون بين التابعي الثقة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - تابعي واحد أو أكثر، واحتمال أن يكون الواسطة مجهولاً أو ضعيف الحفظ، وليس من الضروري ليكون حديث التابعي ضعيفاً أن يكون متهماً كما لا يخفى، ولذلك، فما استظهره غير ظاهر، بل هو من نمط تقويته لحديث الحسن البصري عن عمر مرفوعاً:

(لو لبث أهل النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه) .

وقد مضى الرد عليه تحت الحديث (607) في المجلد الثاني (صفحة 73) .

ثم إن في متن سبب الحديث نكارة عندي، وهو ما ذكرته النسوة من الوحشة، وبناء على ذلك جاء الإذن بخروجهن عند إحداهن، وقد صح في حديث فريعة المعروف في (السنن) أنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن الخروج، وقال لها:

(امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) .

وهو مخرج في الإرواء (2141) .

وفي رواية لعبد الرزاق (12076) ، والطبراني في الكبير (24 / 442 /

 

(12/207)

 

 

1081) : أنها ذكرت نفس الشكوى: الوحشة، وأشياء أخرى، ومع ذلك أمرها أن لا تخرج من بيتها.

(تنبيه هام) : كنت ذهبت في الإرواء إلى أن إسناد حديث فريعة ضعيف، ثم بدا لي أنه صحيح بعد أن اطلعت على كلام ابن القيم فيه، وتحقيق أنه صحيح، بما لم أره لغيره جزاه الله خيراً، وازددت قناعة حين علمت أنه صححه مع الترمذي ابن الجارود وابن حبان والحاكم والذهبي، ومن قبلهم محمد بن يحيي الذهلي الحافظ الثقة الجليل، وأقرهم الحافظ في (بلوغ المرام) ، والحافظ ابن كثير في (التفسير) ، واستعمله أكثر فقهاء الأمصار، كما قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) ، ومنهم بعض الصحابة كابن عمر، قال:

(لا تخرج المتوفى عنها في عدتها من بيت زوجها) .

أخرجه عبد الرزاق (7 / 31 / 12062) بإسناد (الصحيحين) . وقد صح غيره خلافه.

ولكن مما لا شك فيه أن الآثار إذا اختلفت عنهم، فالأولى بالترجيح ما كان موافقاً للحديث، ولا سيما إذا أنكر على المخالف في زمانهم.

فقد روي عبد الرزاق أيضاً (7 / 30 / 12055) ، والبيهقي (7 / 436) من طريقين صحيحين عن القاسم بن محمد:

أن عائشة رضي الله عنها كانت تخرج المرأة وهي في عدتهها من وفاة زوجها. قال: فأبى ذلك الناس، إلا خلافها، فلا نأخذ بقولها وندع قول الناس!

والقاسم بن محمد، هو ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أحد الفقهاء

 

(12/208)

 

 

بالمدينة، وعائشة خالته، ومع ذلك لم يأخذ بقولها، لمخالفتها لقول الناس، وإنما هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

5598 - (كان يقول في دبر الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، [وهو حي لا يموت، بيده الخير] ، وهو على كل شئ قدير، [ثلاث مرات] ) .

شاذ بالزيادتين، وصحيح جداً بدونهما. وإليك البيان:

لقد جاء الحديث في (الصحيحين) والسنن والمسانيد، من رواية وراد كاتب المغيرة، من طرق كثيرة جداً عنه عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً، ليس في أكثرها الزيادتان، وإنما شذ بعض الرواة بذكرهما في بعض الطرق، خلافاً لأكثر الثقات فيها، وهاك رواتها:

الأول: عبد الملك بن عمير بن رواد.

أخرجه البخاري (2 / 335 و 13 / 264 - فتح) ، ومسلم (2 / 96) ، وأبو عوانة (2 / 65) ، والدرامي (1 / 311) ، وابن خزيمة في (صحيحه) (1 / 365) ، والبيهقي (2 / 185) ، وأحمد (5 / 251) ، والحميدي (رقم 762) ، وعبد بن حميد (54 / 1) ، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) (رقم 112) ، والطبراني في (المعجم الكبير) (20 / 386، 387، 388، 389) ، والبغوي في (شرح السنة) (3 / 225) ، والطبراني في (الدعاء) (ق 77 / 2 - 80 / 1) ، وكذا النسائي (1 / 197) لكن وقع فيه (عبد الملك بن أعين) ! وهو خطأ، أخرجوه من طرق عنه، دون الزيادة.

 

(12/209)

 

 

الثاني: المسيب بن رافع عن وارد.

أخرجه البخاري (11 / 133) ، ومسلم (2 / 95) ، وأبو عوانة (2 / 265) ، وأبو داود (1504) و (رقم 1349 - صحيحه) ، والنسائي أيضاً وابن أبي شيبة في المصنف (10 / 231) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2 / 185) ، وأحمد (4 / 250) ، وعبد الحميد أيضاً في الكبير (20 / 386، 389، 392) وفي الدعاء (ق79 / 2 - 80 / 2) من طرق عنه.

الثالث: عامر الشعبي عنه

أخرجه البخاري (11 / 306) ، والنسائي أيضاً وابن خزيمة وأحمد (4 / 250، 254) ، والطبراني في الكبير (20 / 382، 383، 384) وفي المعجم الأوسط أيضاً (1 / 215 / 2 رقم 3863) والدعاء (ق77 / 1) من طرق عنه.

الرابع: عبدة بن أبي لبابة عنه.

أخرجه البخاري (11 / 512) ، ومسلم أيضاً وأبو عوانة والنسائي وابن خزيمة وعبد الرزاق في المصنف (2 / 244) ، وأحمد (4 / 345، 251، 255) ، والحميدي أيضاً وابن السني (112) ، والطبراني في الكبير (20 / 388، 391، 393) والدعاء (80 / 1 و81 / 1) من طرق عنه.

الخامس: أبو سعيد - وقد اختلف في اسمه.

أخرجه مسلم وأبو عوانة وأحمد (4 / 247) ، والطبراني (20 / 394 - 395) والدعاء (ق79 / 2) من طريق ابن عون عنه.

 

(12/210)

 

 

السادس والسابع والثامن والتاسع: سليم بن عبد الرحمن النخعي، ومكحول، وعبد ربه، ورجاء بن حيوة.

أخرجه عنهم الطبراني في الكبير (20 / 3939، 394، 395، 396) والدعاء (80 / 2 - 81 / 1) .

قلت: وكل هؤلاء الرواة التسعة لم ترج عنهم الزيادتان المذكورتان إلا في بعض الروايات عنهم؛ فالأولى جاءت عن المسيب بن رافع والأخرى عن الشعبي لكن الرواة عنهما لم يتفقوا عليهما؛ بل إن أكثرهم لم يذكرهما، فلا بد - إذن - من تحرير القول في ذلك إن شاء الله تعالى.

أما الزيادة الأولى فمدارها على منصور - وهو ابن المعتمر؛ تفرد بها عنه شيبان، وهو ابن عبد الرحمن النحوي - وهو ثقة من رجال الشيخين.

أخرجه الطبراني (20 / 392 / 962) .

وبقية رجاله ثقات حفاظ، وقال الحافظ في فتح الباري (2 / 332) : ورواته موثقون.

ولست أدري لم عدل عن قوله: ثقات إلى قوله (موثقون) ؟ ! إلا أن يكون أشار بذلك إلى مخالفة النحوي للثقات، ولاسيما وقد قال فيه الساجي: (صدوق، وعنده مناكير) .

فإن مثل هذا القول - وإن كان ظاهره مخالفاً لقول الجمهور الذين وثقوه فإنه - مما يستفاد منه في مثل ما نحن فيه من مخالفته للثقات الآخرين، وهم:

 

(12/211)

 

 

1 - جرير بن عبد الحميد.

عند البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي.

2 - شعبة بن الحجاج.

عند أحمد (4 / 250) ، والطبراني (20 / 386 / 906، 392 / 928) .

3 - زائدة بن قدامة.

عند عبد بن حميد.

4 - وجعفر بن الحارث النخعي.

عند الطبراني (392 / 927) .

كل هؤلاء الثقات - وفيهم شعبة؛ أمير المؤمنين في الحديث - رووه عن منصور دون الزيادة، فلا شك أن اجتماعهم على تركها دليل على شذوذها فما بالك إذا علمت أن الأعمش قد تابع منصوراً في روايته عن المسيب دونها؟ !

أخرجه مسلم وأبو عوانة وأبو داود والبيهقي وابن أبي شيبة والطبراني (20 / 389 / 920، 392 / 925) .

ثم هل بقي ريب في شذوذها إذا تذكرت أن سائر الرواة الثمانية الذي تابعوا المسيب في روايته عن وراد لم يذكروها! ! اللهم إلا ما في رواية ابن السني من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير وعبدة بن أبي لبابة: سمعاً ورّاداً به، فزاد: (بيده الخير) . ولكنها شاذة أيضاً؛ لوجوه:

 

(12/212)

 

 

الأول: أن ابن السني روى عن شيخه أبي خليفة: حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي: حدثنا سفيان بن عيينة به.

حدثنا أبو مسلم الكشي وأبو خليفة قالا: ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي به؛ دون الزيادة.

وهذا أصح؛ لأن الطبراني أحفظ من ابن السني؛ ولأنه قرن مع أبي خليفة الكشي، واثنان أحفظ من واحد.

الثاني: أن الرمادي - مع حفظه - له أوهام؛ كما في (التقريب) .

وقد خالف الحفاظ الأئمة: أحمد والحميدي؛ فقالا: ثنا سفيان به؛ دون الزيادة.

وكذلك أخرجه أبو عوانة والنسائي وغيرهما من طرق أخرى عن سفيان به.

الثالث: أنه خالف جميع روايات الثقات المتقدمة عن وراد.

فثبت مما تقدم أن الزيادة الأولى شاذة لا تثبت.

وأما الزيادة الأخرى: (ثلاث مرات) ؛ فقد تفرد بها هشيم بإسناد له غريب:

فقال أحمد (4 / 250) : ثنا هشيم: أنا غير واحد؛ منهم مغيرة عن الشعبي عن وراد به.

وهكذا أخرجه النسائي (1 / 197) من طريقين آخرين عنه به.

 

(12/213)

 

 

وابن خزيمة (1 / 365 / 742) عن روايتين عنه به؛ إلا أنه قال:

(منهم المغيرة ومجال ورجل ثالث) .

وهكذا رواه البخاري (11 / 306 / 6473) من طريق أخرى عن هشيم به؛ إلا أنه لم يسم مجالداً فقال:

(. . . وفلان. . .) ؛ لكن لم يذكر الزيادة؛ لكنها جاءت في نسخة الصّغاني كما في (الفتح ((11 / 307) ، وهي في المطبعة الإستنبولية (7 / 184) .

ورواه الطبراني في (الكبير) (20 / 383 / 897) و (الأوسط) (1 / 215 / 2 / 3863) من طريق الحسن بن علي بن راشد الواسطي: ثنا هشيم به؛ لكنه قال:

(عن مغيرة وزكريا واسماعيل ومجالد) : فذكر ولم يذكر الزيادة.

والحسن المذكور؛ ثقة؛ كما في (الفتح) .

قلت: ولهذه الزيادة عندي عدة علل:

الأولى: تفرد هشيم بها دون كل الطرق التي سبقت الإشارة إليها عن الشعبي وغيره عن وارد.

الثانية: اختلاف الرواة عليه في الزيادة؛ فمنهم من لم يذكرها كالحسن الواسطي.

وتابعه يحيى بن أبي بكير: عند الطبراني (20 / 383 / 898) ؛ على أنهما لم يذكرا أيضاً تصريحه بالتحديث!

 

(12/214)

 

 

الثالثة: اضطرابه هو أو الرواة عنه في ذكر عدد شيوخه.

الرابعة: عدم تصريحه بكون السياق لهم جميعاً أو لأحدهم وفيهم مجالد - وهو ابن سعيد - وليس بالقوي، ومن المحتمل أن تكون الزيادة منه، فتكون منكرة.

الخامسة: أنه كان مدلساً تدليساً غريبا؛ سماه الحافظ ابن حجر وغيره تدليس العطف، قال في (طبقات المدلسين) :

(ومن عجائبه في التدليس أن أصحابه قالوا له: نريد أن لا تدلس لنا شيئاً. فواعدهم، فلما أصبح أملى عليهم مجلساً، يقول في أول كل حديث منه: ثنا فلان وفلان عن فلان، فلما فرغ قال: هل دلست لكم اليوم شيئاً؟ قالوا: لا. قال: فإن كل شيء حدثتكم عن الأول سمعته، وكل شيء حدثتكم عن الثاني فلم أسمعه منه) .

وعلى هذا فنستطيع أن نقول: هذه شهادة منه: أن من عطفهم على المغيرة عند ابن خزيمة والطبراني لم يسمعه منهم. وهم عند البخاري غير مُسَمَّين، فتكون روايته عنهم معللة بـ (العنعنة) .

فإذا قالت: هذه علة غير قادحة ما دام أنه صرح بالسماع من المغيرة.

قلت: هو كذلك لولا العلة التالية، وهي:

السادسة: المغيرة، هو ابن مقسم الضبي؛ كما في (الفتح) ، وكان يدلس؛ كما في (التقريب) ، وقد عنعنه عن الشعبي، فالظاهر أنه لم يسمعه منه.

ويؤيد ذلك أنه رواه أبو عوانة الوضاح بن عبد الله: عند الطبراني (20 / 382 / 896) ، وعلي بن عاصم: عند أحمد (4 / 254) ؛ كلاهما عن مغيرة

 

(12/215)

 

 

عن شباك عن عامر به.

فأدخلا بني المغيرة وعامر الشعبي شباكاً - وهو الضبي الكوفي - وهو مدلس أيضاً! ويرويه عنه مدلس! !

السابعة: وإذا دار الحديث على المغيرة ورواه عنه هشيم بالزيادة؛ فقد خالفه أبو عوانة وابن عاصم؛ فلم يذكرا الزيادة، فدل ذلك أيضاً على شذوذها؛ ولكن لعل الوهم ليس منه؛ لأنه كان ثقة ثبتاً، وإنما من أحد شيوخه الذين عطفهم على المغيرة ودلس عنهم - كما تقدم - أو من شيخ المغيرة الذي دلسه أيضاً، وهذا بالإضافة إلى مخالفته للثقات من الرواة الذين رووه عن الشعبي بدونها كما ذكرنا في العلة الأولى.

وجملة القول؛ أن هذه الزيادة يكفي في إثبات شذوذها وعدم صحتها بعض هذه العلل، فكيف بها مجتمعة؟ والله أعلم.

ثم استدركت فقلت: يمكن أن يضم إلى ما سبق من العلل في رواية هشيم علة ثامنة، وهي:

أن أحد الرواة الذين بينه وبين الشعبي الذي جاءت بهذه الزيادة الشاذة فقد أسقط مكانها زيادة محفوظة رواها الوضاح وعلي بن عاصم المتقدم ذكرهما عن المغيرة بسنده عن الشعبي، وهي ثابتة عند من تابعه من الرواة عن الوارد، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:

(اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ) .

ومن عجيب المصادفات أنه أصاب هذا الشطر الثاني من روايات الثقات عن

 

(12/216)

 

 

الوارد ما أصاب الشطر الأول منها زيادة ونقصاً من بعضهم!

فقال عبد بن حميد في (المنتخب من المسند) (ق / 1) : أخبرنا عبد الرزاق: أنا معمر عن عبد الملك بن عمير: حدثني وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة: أن اكتب إلي بشيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكتب إليه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . (قلت: فذكر حديثين ثالثاً، وهو:) قال: وسمعته يقول:

(اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) .

قلت: فلم يذكر الشطر الأول من الحديث، وزاد قوله:

(ولا راد لما قضيت) وحذف قوله:

(ولا معطي لما منعت) ! وهي محفوظة في روايات الثقات في (الصحيحين) وغيرهما.

فالزيادة شاذة، وذكرها الحافظ في (الفتح 2 / 333) ؛ دون أن يشير إلى شذوذها! بل لعله أشار إلى تقويتها بقوله:

(ووقع عند الطبراني تاماً من وجه آخر؛ كما سنذكره في (كتاب القدر) إن شاء الله تعالى) . وقال هناك (11 / 513) :

(وقوله: (ولا معطي لما منعت) زاد فيه مسعر عن عبد الملك بن عمير عن وارد: (ولا راد لما قضيت) . أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه) .

قلت: كأن الحافظ - رحمه الله - نظر إلى ظاهر السند فصححه! وإلا؛ فكيف يكون صحيحاً وهو شاذ؟ ! والدليل عليه أن أحداً من أصحاب ابن عمير لم يذكر

 

(12/217)

 

 

هذه الزيادة، وقد أخرجه الطبراني في (كبيره) (909 - 920) من طريق معمر وشريك وزائدة وأبي عوانة وابن عيينة وزيد بن أبي أنيسة والحكم بن هشام وعمرو بن قيس والأعمش؛ كلهم عن ابن عمير؛ دون الزيادة، وبعض رواياتهم في الصحيحين كما تقدم.

ثم إن رواية مسعر التي عزاها للطبراني، لعلها في كتاب (الدعاء) له فإني لم أرها في (معاجيمه الثلاثة) بل هي في (كبيره) (رقم908) من رواية أبي نعيم عن مسعر دون الشطر الثاني كله.

ثم روى عقبها رواية عبد الزراق عن معمر التي تقدمت برواية عبد بن حميد؛ لكن ليس فيها: (ولا راد لما قضيت) . فذلك مما يؤكد شذوذها. والله أعلم.

وقد غفل عن هذا التحقيق الشيخ مصطفى العدوي في تخريجه على (مسند عبد الحميد) (1 / 355 / 391) فصححه، ثم عزاه للشيخين! !

هذا، وقد رويت بعض تلك الزيادات في أحاديث، فرأيت من تمام الفائدة أن أتكلم عليها.

الأول: عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى قال: (لا إله إلا الله. . .) إلخ، وفيه زيادة:

(يحيي ويميت) .

أخرجه البزار (4 / 21 - 22 - الكشف) من طريق ابن علاثة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر. وقال:

(لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد) .

 

(12/218)

 

 

قلت: وهو ضعيف من أجل ابن علاثة، واسمه محمد بن عبد الله بن علاثة، وهو ضعيف؛ تقدمت له بعض الأحاديث. وأما الهيثمي؛ فقال: (10 / 103) : (رواه البزار، وإسناده حسن) .

وأقول: أما بالزيادة هنا فلا، أعني: دبر كل صلاة. وإنما صحت في صلاة الصبح والمغرب؛ كما هو مخرج فيما سبق (2563) .

الثاني: عن ابن عباس قال:. . . فذكره بزيادة:

(بيده الخير) .

أخرجه البزار أيضاً (4 / 22 / 3099) ، والطبراني في (المعجم الكبير) (12 / 173 / 12796) من طريق يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عنه. ولم يذكر الطبراني الزيادة؛ ولكنه ذكر مكانها:

(يحيي ويميت) . وقال البزار:

(لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد) .

قلت: وهو ضعيف أيضاً؛ يحيى بن عمرو هذا ضعيف؛ كما قال الذهبي في (الكاشف) والحافظ في (التقريب) وزاد:

(ويقال: إن حماد بن زيد كذبه) .

وأما الهيثمي؛ فقال بعدما عزاه للبزار والطبراني:

(وإسنادهما حسن) !

 

(12/219)

 

 

وهذا من تساهله

ثم إن الزيادتين يقال فيهما ما قلته في الزيادة الأولى.

5599 - (ما يمنعُ أحدَكُم إذا عَرف الإجابةَ من نفسه، فَشُفي من مرضِهِ، أو قدم من سفرٍ؛ يقول: الحمد لله الذي بعزتهِ وجَلالِه تَتِمُّ الصالحات) .

ضعيف جداً.

أخرجه الحاكم في (المستدرك) (1 / 545) من طريق عيسى بن ميمون عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً. وقال:

(عيسى بن ميمون؛ غير متهم بالوضع) !

وكذا قال الذهبي!

أقول: إن سلم بذلك، فهل يبرر للحاكم أن يستدرك بحديث مثله على الشيخين؟ ! ولاسيما وقد ضعفه البخاري جداً؛ فقال في (التاريخ الكبير) (3 / 2 / 401) (والصغير) :

(منكر الحديث) . وقال الفلاس وأبو حاتم:

(متروك الحديث) . وقال ابن حبان (2 / 118) :

(يروي عن الثقات أشياء كأنها موضوعات) . ثم روى عن ابن مهدي قال:

(استعديت على عيسى بن ميمون، فقلت: هذه الأحاديث التي تحدث بها عن القاسم عن عائشة؟ ! فقال: لا أعود!) .

 

(12/220)

 

 

5600 - (كَانَ إِذَا هَاجَتْ رِيحٌ اسْتَقْبَلَها بِوَجْهِهِ، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ،

وَمَدَّ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ

بِهِ، اللَّهُمَّ! اجْعَلْهَا رَحْمَةً، وَلا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلا

تَجْعَلْهَا رِيحًا) (*) .

منكر بهذا التمام.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 213 / 11533) من طريقين عن أبي علي الرحبي - وهو الحسين بن قيس - عن عكرمة

عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته الحسين هذا - وهو الملقب ب (حنش) -؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" متروك ".

وبه أعله الهيثمي (10 / 135 - 136) .

ومن طريقه أخرجه مسدد وأبو يعلى في " مسنديهما " - كما في " المطالب

العالية " (3 / 238) والتعليق عليه -، والخطابي في " غريب الحديث " (1 / 679) ، وقال:

" قوله: " اجعلها رياحاً "؛ يريد: اجعلها لقاحاً للسحاب. " ولا تجعلها ريحاً "؛

يريد: لا تجعلها عذاباً. وتصديق هذا في كتاب الله عز وجل، وبيانه ما ذكر ابن

عباس. . . ".

ثم روى بإسناده الصحيح عن الشافعي: أخبرنا من لا أتهم: " العلاء بن

__________

(*) قُدِّر للشيخ - رحمه الله - تخريج هذا الحديث فيما سبق في هذه " السلسله برقم (4217) . (الناشر) .

 

(12/221)

 

 

راشد عن عكرمة عن ابن عباس قال:

" في كتاب الله - يعني: آية الرحمة -: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} . قال: {وَهُوَ

الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} . وقال - يعني: في آية العذاب -:

{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} . وقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا

صَرْصَرًا} ".

قلت: وهذا الأثر لا يصح؛ لا من حيث إسناده، ولا من حيث دلالته.

أما الأول: فلأن فيه شيخ الشافعي الذي لم يسمه؛ على الرغم من وصفه إياه

بأنه غير متهم عنده، ومن شيوخه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو

إسحاق المدني، وهو متروك متهم بالكذب، فلا يبعد أنه يعنيه بذاك الوصف.

وشيخه العلاء بن راشد؛ أورده البخاري في " التاريخ الكبير " وابن أبي حاتم،

ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأما عدم صحته من حيث الدلالة؛ فلأن هناك آية أخرى تدل على أنه لا

فرق بين (الرياح) و (الريح) . فكما أن (الرياح) تستعمل في الرحمة،

فكذلك (الريح) ، وجرى العمل بذلك في الأحاديث الصحيحة.

وكأن الخطابي تلقى التفريق بين اللفظين عن الإمام أبي عبيد القاسم بن

سلام؛ فقد حكاه أبو جعفر الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 398) عنه،

واستشهد على ذلك أبو عبيد بحديث الترجمة، فرد عليه الطحاوي بقوله:

" أما الحديث؛ فلا أصل له، وقد كان الأولى به - لجلالة قدره ولصدقه في

روايته غير هذا الحديث - أن لا يضيف إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا يعرفه أهل

 

(12/222)

 

 

الحديث عنها!

ثم اعتبرنا في كتاب الله تعالى ما يدل على أن المعنى واحد فيهما، فوجدنا الله

تعالى قد قال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ

وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ

مَكَانٍ} ؛ فكانت الريح الطيبة من الله تعالى رحمة، والريح العاصف منه عز وجل

عذاباً، ففي ذلك ما قد دل على انتفاء ما رواه أبو عبيد مما ذكره [من الحديث] .

ثم اعتبرنا ما يروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يدخل في هذا المعنى، فوجدنا. . . ".

قلت: ثم ذكر أحاديث في الدعاء إذا عصفت الريح:

" اللهما إني أساثك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من

شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ".

وقد خرجت بعضها في " الصحيحة " (2756) .

فإن مما يؤكد ضعف حديث الترجمة وأثر ابن عباس؛ بل بطلانهما: أنه صح

عنه خلافهما؟ فقال مجاهد:

هاجت ريح، فَسَبُّوها. فقال ابن عباس:

" لا تسبوها، فإنها تجيء بالرحمة وتجيء بالعذاب، ولكن قولوا: اللهم اجعلها

رحمة، ولا تجعلها عذاباً ".

أخرجه ابن أبي ثمينة في " المصنف " (10 / 217) ، والخرائطي في " مكارم

الأخلاق " (ص 83) بسند صحيح عنه.

 

(12/223)

 

 

5601 - (مَنْ سَاءَ خُلُقَهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالصِّبْيَانِ؛ فَاقْرَأُوا فِي

أُذُنِهِ: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ. . .} ) .

موضوع.

أخرجه الطبراني في ما المعجم الأوسط " (1 / 6 / 1 / 64) من

طريق الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي قال: يا محمد بن عبد الله بن عبيد بن

عمير عن أبي خلف عن أنس بن مالك مرفوعاً، وقال:

" لا يروى إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو موضوع؛ آفته أحد هؤلاء الثلاثة:

الأول: أبو خلف - وهو الأعمى - خادم أنس رضي الله عنه؛ قال الحافظ في

" التقريب ":

" متروك، ورماه ابن معين بالكذب ".

الثاني: محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير؛ قال البخاري في " التاريخ

الكبير " (1 / 1 / 142) و " الضعفاء الصغير " (ص 275) :

" ليس بذاك الثقة ". ونقل الذهبي عنه أنه قال:

" منكر الحديث ". وعن النسائي:

" متروك الحديث ".

الثالث: الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي؛ قال البخاري في " التاريخ الكبير "

(1 / 2 / 342) :

" قال لي سليمان بن عبد الرحمن: رأيته بدمشق، عنده عجائب، منكر

 

(12/224)

 

 

الحديث؛ ذاهب. تركت أنا حديثه ". وقال أبو حاتم:

" متروك الحديث ". وقال أبو زرعة:

" ضعيف الحديث، منكر الحديث ".

قلت: وسليمان بن عبد الرحمن هو الدمشقي، وهو راوي هذا الحديث عن

الحكم هذا.

وقد روي طرف من هذا الحديث من طريق المنهال بن عيسى: ثنا يونس بن عبيد قال:

ليس رجل يكون على دابة صعبة، فيقول في أُذُنِهَا: {أفغير دين الله يبغون

وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون} إلا وقفت بإذن

الله تعالى.

أخرجه ابن السني في " عمل اليوم " (رقم 504) .

قلت: وهذا مع كونه مقطوعاً موقوفاً على يونس بن عبيد - وهو تابعي ثقة -؛

فالسند إليه لا يصح؛ لأن المنهال بن عيسى مجهول؛ كما قال أبو حاتم فيما نقله

ابن علان في تخريج " الأذكار " (5 / 152) عن الحافظ ابن حجر، ثم ذكر عنه

أنه قال:

" وقد وجدته عن أعلى من يونس؛ أخرجه الثعلبي في " التفسير " بسنده من

طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموساً؛ فليقرأ في أذنها: {أفغير دين

الله يبغون. .} الآية. وذكره القرطبي عن ابن عباس في " التفسير " بغير سند ولا

 

(12/225)

 

 

عزو لمخرج، وهو مما يعاب به ".

قلت: الحكم هذا هو ابن عتيبة الثقة الثبت الفقيه، فهل السند إليه صحيح؟

وذلك ما لا أظنه. وإلا؛ فما الفرق بين ما عابه على القرطبي، وما فعله هو من

حذفه السند الذي دون الحكم؟ ! فلو أنه صرح بصحته لم يُعَبْ ذلك عليه، أمَا وهو

ما لم يفعله: فلا فرق حينئذ بين عدم ذكره بتمامه وبين عدم ذكر القرطبي إياه

مطلقاً! أقول هذا مع كون المفروض في حالة مثل هذا الحذف من السند أن يكون

صحيحاً، ولكننا نعلم بالتجربة أن ذلك ليس مضطرداً. والله أعلم.

ومن أحاديث المحاربيِّ المتقدمِ الحديثُ التالي:

5602 - (نَهى عَنْ إرضَاعِ الحَمْقَاءِ) .

ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 6 / 1 / 65) من

طريق سليمان بن عبد الرحمن: نا الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي قال: نا أبو

معمر عباد بن عبد الصمد التيمي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه

مرفوعاً، وقال:

" لم يروه عن سالم بن عبد الله إلا أبو معمر، ولا عن أبي معمر إلا الحكم بن

يعلى، تفرد به سليمان بن عبد الرحمن ".

قلت: هو ثقة من شيوخ البخاري؛ كما ذكرت في الحديث السابق.

وإنما الآفة من شيخه المحاربي؛ فإنه متروك؛ كما سبق آنفاً.

ومثله أو شر منه: شيخه عباد بن عبد الصمد؛ قال البخاري:

 

(12/226)

 

 

" منكر الحديث ". وقال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 82) :

" سألت أبي عنه؟ فقال: ضعيف الحديث جداً، منكر الحديث، لا أعرف له

حديثاً صحيحاً ". وقال ابن حبان (2 / 170 - 171) :

" منكر الحديث جداً، يروي عن أنس ما ليس من حديثه، وما أراه سمع منه،

له عنه نسخة أكثرها موضوعة ".

ومنه تعلم تساهل الهيثمي في قوله (4 / 262) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عباد بن عبد الصمد، وهو ضعيف "!

فلعله سقط من الناسخ أو الطابع قوله: " جداً "؛ فإنه هو اللائق بحاله المفهوم

من كلام الأئمة، كما سقط منه لفظ (ابن) المضاف إلى عمر حيث فيه:

" وعن عمر. . . "، فصار الحديث بسبب ذلك من مسند عمر وهو خطأ ظاهر.

وقد رواه بعض الضعفاء من حديث عائشة مرفوعاً بلفظ:

" لا تسترضعوا الورهاء "؛ أي: الحمقاء.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 27 - هندية) عن أبي أمية بن يعلى

الثقفي - بصري - عن هشام بن عروة عن أبيه عنها. وقال:

" لم يروه عن هشام إلا أبو أمية ".

قلت: كلا؛ فقد تابعه عكرمة بن إبراهيم عن هشام به، وزاد في متنه:

" فإن اللبن يورث ".

 

(12/227)

 

 

أخرجه البزار في " مسنده " (2 / 169 / 1446 - كشف الأستار) ، وقال:

" لا نعلمه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وعكرمة ليّن الحديث، وقد احتمل

حديثه ".

كذا قال! وهو معارض برواية الطبراني المتقدمة؛ لكن لعله يعني بهذه

الزيادة.

ثم إن عكرمة هذا؛ أجمع الأئمة النقاد على تضعيفه؛ بل قال ابن معين وأبو

داود:

" ليس بشيء ". وقال النسائي في رواية:

" ليس بثقة ". وقال ابن حبان (2 / 188) :

" كان ممن يقلب الأخبار، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به ".

وأما متابعه أبو أمية - واسمه إسماعيل -؛ فهو أسوأ حالاً منه؛ قال فيه ابن

معين والنسائي والدارقطني:

" متروك ". وقال البخاري في " التاريخ الكبير " و " الصغير ":

" سكتوا عنه ".

وأما قول الذهبي في دي الميزان ":

" وقد مشاه شعبة وقال: اكتبوا عنه فإنه شريف ".

فهو مما لا ينبغي الالتفات إليه؛ لأنه لم يثبت عن شعبة؛ فقد ذكر أبو عبيد

 

(12/228)

 

 

الآجري في " سؤالاته " أنه قال لأ بي داود (ص 367) :

" حكى رجل عن شيبان الأبلي أنه سمع شعبة يقول: اكتبوا عن أبي أمية

ابن يعلى؛ فإنه شريف لا يكذب، واكتبوا عن الحسن بن دينار؛ فإنه صدوق. قال

أبو عبيد: غلام خليل حكى هذا عن شيبان. قال أبو داود: كذب الذي حكى

هذا ".

قال عقبه الحافظ في " اللسان " متعقباً على الذهبي:

" قلت: وغلام خليل - كما تقدم - مجمع على تكذيبه، فكيف جزم المؤلف أن

شعبة قال: اكتبوا عنه ".

ثم إن الهيثمي ذكر حديث عائشة برواية البزار والطبراني، ثم قال:

" وإسنادهما ضعيف "!

5603 - ( {وله أَسْلَمَ مَنْ في السَّماوات والأرض طَوْعَاً وكَرْهاً} .

أما {مَنْ في السماوات} ؛ فالملائكة، وأما من في {الأرض} ؛ فَمَنْ

وُلِدَ على الإسلام، وأما {كرهاً} ؛ فَمَنْ أُتي به مِنْ سبايا الأمم في

السَّلاسِلِ والأغلالِ؛ يُقَادُونَ إلى الجنةِ وهم كارِهون) .

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 194 / 11473)

من طريق سعيد بن حرص النفيلي: ثنا محمد بن محصن العكاشي: ثنا

الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته العكاشي هذا؛ فإنه كذاب كما تقدم مراراً في

 

(12/229)

 

 

أحاديث له فانظر (408، 497، 662) ، وبه أعله الهيثمى فقال (6 / 326) :

" وهو متروك ".

والنفيلى، قال الحافظ: " صدوق تغير فى اخر عمره ".

لكن الآفه من شيخه كما سبق، ولعل السيوطى خفيت عليه، فقال فى " الدر

المنثور " (2 / 48) : " أخرجه الطبرانى بسند ضعيف ".

فان لم يكن كذلك، فهو تساهل كبير منه، وما هو عن عادته ببعيد!

وأورده الحافظ بن كثير فى تفسير الآيه المذكوره بإسناد الطبرانى وسكت عنه!

لكنه استغرب معناه، وقال:

" ولكن المعنى الأول للآيه أقوى ".

يعنى: أن المؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرهاً؛ فإنه

تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذى لا يخالف ولا يمانع.

5604 - (اذا أصابَ أحدَكُم همٌّ أو حزنٌ، فليقل سبعَ مراتٍ: اللهُ ربى لا أشرك به شيئاً) .

منكر بزيادة (السبع) .

أخرجه النسائى فى " عمل اليوم والليله " (رقم 650 - طبع المغرب) : أخبرنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم قال:

 

(12/230)

 

 

أخبرنا جرير عن مسعر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عمر بن عبد العزيز قال:

جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته فقال. . . فذكروه.

قلت: وهذا اسناد رجاله كلهم ثقات زكريا بن يحيى - وهو السجزى - ثقة حافظ.

واسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه الامام الحافظ (انظر " تهذيب المزى " 2 / 373) .

وجرير - وهو ابن عبد الحميد الضبى - من رجال الشيخين، لكن قال الحافظ:

" ثقه صحيح الكتاب، قيل: كان فى اخر عمره يهم من حفظه ".

قلت: وطول الذهبى ترجمته فى " الميزان "، وهى تدل على أن الرجل ثقه, وأن حفظه لا يخلو من شىء، وبيض له فى " الكاشف "!

ومسعر - وهو ابن كدام الهلالى - ثقة ثبت احتج به الشيخان.

وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، احتج به الشيخان أيضا، لكن قال الحافظ: " صدوق يخطىء ".

وأما أبوه عمر بن عبد العزيز، فهو الامام العادل والخليفة الراشد، التابعى الجليل، ثقة مأمون، احتج به الشيخان.

قلت: فالحديث مرسل.

 

(12/231)

 

 

لكن قد وصله جماعة من الثقات، منهم: أبونعيم - عند البخارى فى " التاريخ " والنسائى فى " اليوم والليله " والطبرانى وأبى نعيم فى " الحلية " - ووكيع - عند ابن ماجه وابن أبى شيبه - وغيرهم من الثقات، كلهم قالوا: عن عبد العزيز بن عمر عن هلال مولى عمر بن عبد العزيز عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر عن أمه أسماء بنت عميس مرفوعا مختصرا بلفظ:

" الله الله ربى، لا أشرك به شيئا ".

قلت: فدلت روايه هؤلاء الثقات على أن حديث الترجمه فيه ثلاث علل:

الأولى: الارسال، كما تقدم.

والثانيه: الانقطاع بين عمر بن عبد العزيز وابنه عبد العزيز.

والثالثه: زيادة " سبع مرات " فهى منكره.

ويؤكد ذلك: أن الحديث قد جاء من طريق أخرى عن أسماء، ومن حديث عائشه وغيرها دون الزيادة، وقد خرجت ذلك كله فى " سلسلة الاحاديث الصحيحة " برقم (2755) فأغنى ذلك عن الاعادة.

5605 - (كنت ءاماما، فلو سجدت، سجدت) .

ضعيف. اخرجه الامام الشافعى فى " مسنده " (1 / 102 - من ترتيبه) : أخبرنا ءابراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار:

أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وسلم السجدة، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ اخر عنده

 

(12/232)

 

 

السجدة، فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله! قرأ فلان عندك السجدة فسجدت، وقرأت عندك السجدة فلم تسجد، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

قلت: وهذا اسناد ضعيف، فانه مع ارساله فيه ءابراهيم بن محمد - وهو ابن أبى يحيى الأسلمى - وهو متروك.

لكن تابعه هشام بن سعيد وحفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم به.

أخرجه البيهقى (2 / 324) .

وخالفهم جمع فأعضلوه، فقال عبد الرزاق (3 / 346 / 5914) : عن معمر عن زيد بن أسلم قال: قرأ رجل000 الحديث، وقال: وقاله ابن جريج عن عطاء.

وقال ابن أبى شيبة فى " المصنف " (2 / 19) :

حدثنا أبوخالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم به.

وقد روى موصولا ولا يصح، فقال البيهقى:

" رواه اسحق بن عبد الله بن أبى فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة موصولا، واسحاق ضعيف. وروى عن الأوزاعى عن قرة عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وهو أيضا ضعيف، والمحفوظ من حديث عطاء بن يسار مرسل، وحديثه عن زيد بن ثابت موصول مختصر ".

قلت: يشير الى ما أخرجه البخارى فى " صحيحه " (1072، 1073) من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال:

 

(12/233)

 

 

" قرأت على النبى صلى الله عليه وسلم ((والنجم)) فلم يسجد فيها ".

قلت: فهذا شاهد قوى لما فى حديث الترجمة من عدم سجوده صلى الله عليه وسلم للسجدة، وأما سائره فلم أجد ما يقويه.

ولو صح عنه صلى الله عليه وسلم، فلا يدل على عدم شرعية السجود لها إذا لم يسجد القارىء.

وإنما على أن القارىء عليه أن يسجد، سواء كان يرى وجوبها أو سنيتها - كما هو الراجح - ليسجد معه الذين يستمعون له، وقد روى الطحاوى فى " شرح المعانى " (1 / 208) بسند جيد عن ابن أبى مليكة قال:

لقد قرأ ابن الزبير السجدة وأنا شاهد، فلم يسجد، فقام الحارث بن عبد الله فسجد، ثم قال: يا أمير المؤمنين ما منعك أن تسجد إذ قرأت السجدة؟ فقال: إذا كنت فى صلاة سجدت، وإذا لم أكن فى صلاة فإنى لا أسجد.

وأما ما علقه البخارى فى " صحيحه " (2 / 556) ووصله فى " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 153و2 / 124) من طريقين عن مغيرة عن إبراهيم قال: قرأ تميم ابن حذلم - وهو غلام - على عبد الله فقرأ السجدة، فقال ابن مسعود: اسجد، فأنت إمامنا فيها.

ووصله الحافظ من رواية سعيد ابن منصور فقط، وسكت عليه, وفيه عندى علتان:

الأولى: الإرسال، فإن إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعى - لم يدرك عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه.

والأخرى: أن المغيره - وهو بن مقسم الضبى - كان يدلس، ولاسيما عن

 

(12/234)

 

 

إبراهيم، كما قال الحافظ نفسه فى " التقريب "

نعم، رواه البخارى (2 / 2 / 124) ، وكذا ابن أ [ى شيبة فى " المصنف " (2 / 19) من طريق أبى إسحق عن سليم ابن حنظلة قال: قرأـ على عبد الله ابن مسعود (سورة بنى إسرائيل) ، فلما بلغت السجدة، قال عبد الله: اقرأها، فإنك إمامنا فيها.

ورواه عبد الرزاق فى " مصنفه " (3 / 344 / 5907) عن معمر، والبيهقى عن سفيان، كلاهما عن أبى اسحق عن سليمان بن حنظلة به.

كذا قالا: (سليمان) مكان (سليم) وفى (سليم) ترجمه البخارى - وفيها ساق له هذا الأثر - وابن أبى حاتم (2 / 1 / 212) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

وذكره ابن حبان فى " الثقات " (3 / 100) .

والجواب عن هذا الأثر كالجواب عن الحديث. والله أعلم.

5606 - (إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إنى أسألك خير هذا اليوم: فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، وأعوذ بك من شر ما قبله وشر ما بعده. ثم إذا أمسى، فليقل مثل ذلك) .

ضعيف. أخرجه أبوداود (5084) ، والطبرانى فى " الكبير " (3 / 296 /

 

(12/235)

 

 

3453) و " مسند الشاميين " (ص333) عن محمد ابن إسماعيل: حدثنى أبى - قال ابن عوف: ورأيته فى أصل إسماعيل - قال: حدثنى ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبى مالك مرفوها.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: ضعف محمد ابن إسماعيل.

والأخرى: الانقطاع بين شريح وأبى مالك.

أما الأولى: فقال المنذرى فى " مختصر السنن " (6 / 341) :

" فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه، وكلاهما فيه مقال "!

قلت: لايستويان فأبوه ثقة فى روايته عن الشاميين وهذه منها، فالعلة من ابنه، وقد ضعفه أبوداود نفسه فى رواية الآجرى عنه، قال:

" سئل أبوداود عنه؟ فقال: لم يكن بذاك، قد رأيته ودخلت حمص غير مرة وهو حى، وسألت عمرو بن عثمان عنه؟ فذمه ".

وذهل النووى عن هذا، فقال فى " الأذكار ": " لم يضعفه أبوداود "!

ورد الحافظ فى " نتائج الأفكار " بقوله " ق171 / 2) :

" هذا حديث غريب، ورواته موثقون، إلا محمد بن إسماعيل فضعفه أبوداود وقال أبو حاتم الرازى: " لم يسمع من أبيه شيئا " لكن أبوداود لما أخرجه استظهر بقول شيخه محمد بن عوف: قرأته فى كتاب إسماعيل بن عياش.

 

(12/236)

 

 

قلت ومع ضعف محمد فقد خالفه الحفاظ عن أبيه فى سنده ".

قلت ثم ساقه من طرق عن إسماعيل بن عياش: ثنا محمد بن زياد الألهانى عن أبى راشد الحبرانى قال: أتيت عبد الله بن عمرو000 فذكر الحديث بلفظ آخر يختلف عن هذا كل الإختلاف، ليس فيه مما فى هذا إلا أنه من أذكار الصباح والمساء، فلفظه:

" يا أبا بكر! قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شىء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسى، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسى سوءا، أو أجره إلى مسلم ".

وهومخرج مع غيره مما فى معناه فى " الصحيحه " (2763) وقد حسنه الحافظ، ثم قال:

" وعجبت من عدول الشيخ عن هذه الطريق القوية إلى تلك الطريق الضعيفة ".

وأما الإنقطاع فقد قال بن أبى حاتم فى " المراسيل " (ص60) عن أبيه:

" شريح بن عبيد لم يدرك أبا أمامة، ولا الحارث بن الحارث، ولا المقداد ".

قال: وسمعته يقول:

" شريح بن عبيد عن أبى مالك الأشعرى، مرسل ".

ونحوه ماذكره المزى فى " التهذيب ": أن محمد بن عوف سئل: هل سمع شريح من أبى الدرداء؟ فقال: لا. قيل له: فسمه من أحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما أظن ذلك، وذلك أنه لا يقول فى شىء من ذلك: سمعت. وهو ثقة ".

 

(12/237)

 

 

قلت: وقد أخرج الطبرانى (3 / 291 - 298) لشريح عن أبى مالك أربعة وعشرين حديثا عامتها بهذا الإسناد عنه، لم يقل أيضا فى شىء منها: سمعت أبا مالك!

ولذلك تعقب المزى الحافظ ابن حجر فى " تهذيبه " فقال عقب ما سبق عن أبى حاتم:

" وإذا لم يدرك أبا أمامة الذى تأخرت وفاته (يعنى: إلى سنة 86) فبالأولى أن لا يكون أدرك أبا الدرداء (مات فى حدود سنة 35) ، وإنى لكثير التعجب من المؤلف كيف جزم بأنه لم يدرك من سمى ههنا، ولم يذكر ذلك فى المقداد وقد توفى قبل سعد بن أبى وقاص (مات سنة 33) وكذا أبوالدرداء، وأبو مالك الأشعرى وغير واحد ممن أطلق روايته عنهم ".

قلت: وأنا بدورى أتعجب منه كيف نسى هذا الذى تعقبه على المزى، فلم يعل الحديث بهذه العلة الثانية، ألا وهى الإنقطاع، بينما تنبه له فى حديث آخر خرجته فيما سبق من هذه السلسله (1510) . فأعله فى " التلخيص الحبير " (3 / 141) بالإنقطاع، وصرح فى " تخريج أحاديث المختصر " (ق24 / 1) - تبعا للزركشى فى " المعتبر " (ص58) - بأن العلة القادحة هى قول أبى حاتم الرازى: لم يسمع شريح بن عبيد عن أبى مالك الأشعرى! !

ولكن لا عجب فهذه طبيعة الإنسان، ألا وهى النسيان، فقد وقعت أنا فى مثل ما وقع هو فيه من السهو، فقد أوردت حديثا فى " الصحيحة " برقم (1817) وصححته تبعا للحاكم الذهبى، وهو من هذا الوجه المنقطع! ومثله الحديث (225 - الصحيحة) بينما تنبهت لإنقطاعه فى حديث آخر ذكرته شاهدا تحت

 

(12/238)

 

 

الحديث (1502) : ولذلك قررت نقل الحديث (225) من " الصحيحه " إذا لم أجد له شاهدا معتبرا، وهو مما أستبعده، فإن الحافظ استغربه أيضا فى " نتائج الأفكار " (34 / 1) ، وأعله بضعف محمد ابن إسماعيل، ولم يتنبه أيضا لانقطاعه ولا لإستظهار أبى داود بقول شيخه ابن عوف: قرأته فى كتاب إسماعيل ابن عياش. فجل من لا يسهو ولاينسى، وغفر لى خطئى وعمدى، وكل ذلك عندى.

وروى أبوداود بهذا الإسناد حديثا آخر عن أبى مالك فى (أذكار الصباح والمساء) بلفظ:

" اللهم! فاطر السماوات. . . . . . ".

ثم رأيت الحافظ العراقى فى " تخريج الإحياء " (1 / 297 - طبع الحلبى) ذهل أيضا عن العلة، فقال: " إسناده جيد "!

5607 - (لاأخاف على أمتى إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم من المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب، يأخذه المؤمن يبتغى تأويله: ((وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب)) ، وأن يروا ذا علمهم فيضيعوه، ولا يبالون عليه) .

ضعيف. أخرجه الطبرانى فى " الكبير " (3 / 293 / 3442) و " مسندالشاميين " (ص331) و (2 / 443 / 1665) : حدثنا هاشم بن مرثد

 

(12/239)

 

 

الطبراني: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش: حدثني ضمضم بن زرعة عن

شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه ثلاثة علل:

الأولى: الانقطاع بين شريح وأبي مالك؛ كما تقدم بيانه في الحديث الذي

قبله.

الثانية: ضعف محمد بن إسماعيل. وتقدم أيضاً.

الثالثة: هاشم هذا؛ فإنه ضعيف أو أشد؛ قال ابن حبان:

((ليس بشيء))

ذكره عنه الذهبي. وانظر الحديث (1510) ؛ فإن هنالك حديثاً آخر لمحمد بن

إسماعيل.

ولحديث الترجمة شاهد من حديث عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير

عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به.

أخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (2 / 288) . وقال:

((صحيح)) ! وكذا في ((التلخيص)) للذهبي.

قلت: فالظاهر أنه سقط الحديث من المستدرك؛ لأن نصه فيه موافق لنص

((التلخيص)) تماماً: إسناداً ولفظاً وتصحيحاً! فيبدو لي - والله أعلم - أن الناسخ أو

الطابع نقل نص ((التلخيص)) إلى ((المستدرك)) فظهر التماثل على خلاف

الجادة، ليس فيه بإسناد الحاكم إلى (عمر بن راشد) لننظر فيه.

 

(12/240)

 

 

لكن تصحيح الذهبي هنا من أوهامه! فقد قال في ((المغني)) :

((عمر بن راشد اليمامي، عن ابن أبي كثير، ضعفوه، وهو عمر بن أبي

خثعم)) .

5608 - (قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ثلاثُ خلالٍ غيّبتُهنَّ عن عبادي، لو رآهنَّ رجلٌ ما

عمل سوءاً أبداً: لو كشفت غطاءي حتى يراني فيستسقنَ

ويعلمَ كيفَ أفعلُ لِخلقي إذا أمتُّهم؟ وقبضتُ السمواتِ والأرضينَ ثم

قلت: أنا الملكُ من ذا الذي لهُ الملكُ دوني؟ ! ثم أريهم الجنة وما أعددتُ

لهم فيها من كلِّ خيرٍٍ فيستيقِنُونَها، وأريهم النَّار وما أعددت لهم من كلِّ

شر فيستيقنونها.

ولكن عمداً غيَّبت ذلك عنهم؛ لأعلم كيف يعلمون، وقد بينتُه لهم) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (3 / 294 / 3447)

و ((مسند الشاميين)) (ص332) بإسناد الذي قبله.

 

(12/241)

 

 

5609 - (ما من رجلٍ يستيقظ من الليل فيوقظُ امرأَتَهُ فإنْ غَلَبَهَا

النَّوم نضحَ في وجهها من الماء، فيقومان في بيتِهما فيذكُركانَ الله عزَّ وجلَّ

ساعةً من الليل؛ إلا غفر لهما) .

ضعيف، أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (3 / 295 / 3448) وفي

((مسند الشاميين)) (ص234) بإسناد الذي قبله.

 

(12/241)

 

 

قلت: وفيه ثلاث علل كما تقدم، وأعله الهيثمي بواحدة منها، وهي ضعف

محمد بن إسماعيل بن عيَّاش! فانظر إن شئت ((مجمع الزوائد)) (2 / 263)

5610 - (إذا نامَ ابنُ آدم، قال الملكُ للشيطانِ: أعطني صحيفَتَكَ.

فيعطيه إياها، فما وجد في صحيقته من حسنةٍ، محا بها عشر سيئات

من صحيفة الشيطانِ، وكتبهنَّ حسناتٍ! فإذا أراد أحدُكم أن ينامَ،

فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرةً، ويَحْمَدْ أربعاً وثلاثين تحميدةً، ويسبح ثلاثاً

وثلاثين تسبيحة، فتلك مئة) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (3 / 396 / 3451) وفي ((مسند

الشاميين)) (ص332) بإسناد الحديث الذي قبله.

وفيه ثلاث عللٍ، أعله الهيثمي بواحدة منها كعادته، فقال في ((مجمعه))

(10 / 121) :

(وفيه محمد بن إسماعيل بن عيّاش، وهو ضعيف)) .

 

(12/242)

 

 

5611 - (ليقُلْ أحدُكم حينَ يرِيدُ أن ينامَ: أمنت بالله، وكفرتُ

بالطاغوت، وعد الله حقٌّ، وصدق المرسلون، اللهم! إني أعوذ بك من

طوارق هذا الليل، إلا طارقاً يطرق بخيرٍ) .

ضعيف أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (3 / 297 / 3454) وفي ((مسند

الشاميين)) (ص333) بإسناد الذي قبله.

وأعله الهيثمي بمثل ما أعله (10 / 124) ، وفيه علتان أخريان كما تقدم بيانه.

 

(12/242)

 

 

5612 - (والذي نفسُ محمَّدٍ بيدهِ! ليُبْعَثَنَّ منكم يوم القيامة إلى

الجنة مثل الليل الأسود زمرة جميعاً، يخبطون الأرض، تقولُ الملائكة:

لَمَا جاء مع محمَّد أكثرُ مما جاءَ مع الأنبياءِ!) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (3 / 297 / 3455) و ((مسند

الشاميين)) (ص333) بإسناد ما قبله.

وضعفه الهيثمي (10 / 404) بمثل ما ضعفه، وقد عرفت أن فيه علتين

أخريين لم يتنبه لهما.

 

(12/243)

 

 

5613 - (إنَّ الله عزَّ وجلّ لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى

أحسابكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، فمن كان له قلب

صالحٌ تحنن الله عليه، وإنما أنتم بنو آدم، وأحبُّكم إليَّ أتقاكم) .

ضعيف. أخرجه الكبراني في ((الكبير)) (3 / 297 / 3456) و ((مسند

الشاميين)) (ص333) بإسناد الذي قبله.

وقد عرفت علله الثلاثة! وقد أعله الهيثمي هذه المرة بما ليس فيه! فقال (10 / 231) :

(رواه الطبراني، وفيه عبد الحميد بن يحي الحماني، وهو ضعيف) !

والشطر الأول من الحديث قد جاء من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه.

رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في ((غاية المرام في تخريج الحلال والحرام)) (410)

 

(12/243)

 

 

5614 - (اللهمَّ! حبّب الموت إلى من يعلم أني رسولك) .

ضعيف. أخرجه الكبراني في ((الكبير)) (3 / 297 / 3457) و ((مسند

الشاميين)) (333) بإسناد الحديث الذي قبله.

قلتُ: وهو ضعيف؛ فيه العلل الثلاثة المتقدم بيانها، وأعله الهيثمي (10 / 309) بالواحدة منها؛ كما جرت عادته بهذا الإسناد خاصة. وقال المناوي في ((فيض القدير)) :

((رمز المصنف لضعفه، وهو كما قال؛ فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف)) !

 

(12/244)

 

 

5615 - (إنَّكم أمَّة مرحومة معافاة، فاستقيموا، وخذوا طاقة الأمر) .

موضوع. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (3 / 298 / 3461) و ((مسند الشاميين)) (333) : حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي: ثنا عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع، آفته ابن الضحّاك؛ قال أبو حاتم:

((كذاب))

وبه أعله الهيثمي (10 / 70) .

وابن عرق الحمصي، لم أجد له ترجمة، ولعله في ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر، فإنه على شرطه، فليراجع من تيسّر له ذلك.

 

(12/244)

 

 

5616 - (علَّمنا إذا دخل أحدُنا الخلاءَ أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى) .

منكر. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (7 / 160 / 6605) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (1 / 96) من طريق زَمَعَة بن صالح عن محمد

ابن عبد الرحمن؛ زعم أنَّ رجلاً حدثه من بني مدلج قال: سمعت أبي يقول:

جاء سراقة بن مالك بن جشعم من عند [النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: علمنا] رسول الله كذا وكذا. فقال رجل - كالمستهزئ -: أما علَّمكم كيف تخرون؟ ! قال: بلى؛ والذي بعثه بالحق! أمرنا أن نتوكأ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى.

والسياق للطبراني، واللفظ الذي أعلاه للبيهقي، وما بين المعكوفتين سقط من ((المعجم)) واستدركته من ((المجمع)) (1 / 206) وأعله بقوله:

((وفيه رجلٌ لم يسمَّ)) .

وتعقبه صاحبنا الشيخ حمدي السلفي بقوله:

((قلت: بل رجلان لم يسميا)) . يعني: شيخ محمد بن عبد الرحمن وأباه.

وأقول: فيه علتان أخريان:

إحداهما: زمعة بن صالح؛ قال الحافظ:

((ضعيف))

والأخرى: شيخه محمد بن عبد الرحمن، وهو المدلجي؛ ذكره الحافظ المزي في شيوخ زمعة، ولم أجد له ترجمة.

 

(12/245)

 

 

ولذلك؛ قال الحافظ في ((بلوغ المرام)) :

((إسناده ضعيف)) وقال في ((التلخيص الحبير)) (1 / 107) :

((قال الحازمي: لا نعلم في الباب غيره، وفي إسناده من لا يُعْرَف)) .

5617 - (ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمرُ الفاروقُ، عثمانُ ذو النورين، يُقتَلُ مظلوما) .

موضوع. أخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (10 / 264) من طريق إسحاق ابن إبراهيم الختلي، وهذا في ((الديباج)) كما في ((اللآلئ)) (1 / 320) حدثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي: حدثنا محمد بن مجيب الصائغ: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً.

أورده في ترجمة الصوفي هذا، ثم روى عن ابن معين أنه قال فيه:

((كذاب، يكذب، رأيت له حديثاً حدث به عن أبي إسحاق الفرازي كذباً)) .

فهو المتهم بهذا الحديث، وبذلك صرَّح الحافظ ابن حجر في ((اللسان)) .

لكن شيخه محمد بن مجيب الصائغ، ليس خيراً منه؛ فقد قال فيه ابن معين أيضاً:

((كان كذوباً عدواً لله تعالى)) . وقال أبو حاتم:

((ذاهب الحديث)) .

 

(12/246)

 

 

قلت: فعلى هذا لا ينبغي تعصيب التهمة بالصوفي وحده، وقد أشار إلى هذا ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1 / 337) :

((هذا حديث لا يصح، وأبو بكر الصوفي ومحمد بن مجيب كذابان، قاله يحيى بن معين)) .

ووافقه السيوطي في ((اللآلئ)) (1 / 320) ، وتعقبه ابن عراق في ((تنزيه الشريعة)) بقوله (1 / 351) :

((قلت: قال الحافظ ابن حجر: المتهم به عبد الرحمن. والله أعلم)) .

وفيه ما تقدم بيانه.

وللصوفي هذا حديث آخر في عثمان بلفظٍ آخر، وهو:

5618 - (لما عُرِج بي إلى السماء، دخلت جنَّة عدن، فوقعت في يدي تفاحة، فانفلقت عن حوراء مرضيَّة، كأنَّ أشفار عينيها مقاديمُ أجنحة النُّسور، فقلت: لمن أنت؟ فقال: أنا للخليفة من بعدك المقتول عثمان بن عفَّان) .

موضوع. أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (2 / 320) من طريق عبد الرحمن بن عفان قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر مرفوعاً.

أورده في ترجمة الدمشقي هذا؛ ول:

((مجهول، وحديثه موضوع لا أصل له)) .

 

(12/247)

 

 

وكذا قال الذهبي ثم العسقلاني، ثم السيوطي في اللآلئ (1 / 313) ، وتبعهم ابن عراق (1 / 374) ومن قبلهم ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1 / 331) ؛ كلهم أعلوه بابن الدمشقي هذا!

وإعلاله بالراوي عنه عبد الرحمن بن عفّان أولى؛ لأنه كذاب؛ كما تقدم

بيانه في الحديث الذي قبله، وإن كان قد جاء من غير طريقهما:

فرواه عبد الله بن سليمان البغدادي: حدثنا الليث بن سعد.

أخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (9 / 464) من طريقين عنه. ولم يذكر في ترجمته شيئاً سوى أنه ساق له هذا، وقال:

((حديث منكر)) . وقد قال فيه ابن عدي في ((الكامل)) (4 / 1545) :

((ليس بذاك المعروف)) .

وأما ابن حبان؛ فقد ذكره في ((الثقات)) ، وقال الذهبي في ((الميزان)) :

((فيه شيء له حديث منكر)) . ثم ساق له هذا، ثم قال:

((وقد رواه خيثمة في ((فضائل الصحابة)) عن خليل بن عبد القاهر عن يحيى بن مبارك عن الليث)) . قال الحافظ عقبه:

((فلم ينفرد به عبد الله بن سليمان؛ لكن يحيى بن مبارك أيضاً ضعّفه الدارقطني)) .

(تنبيه) : قد أعلّ ابن الجوزي رواية الخطيب هذا بأن فيها عبد الله بن أحمد بن ماهبزد؛ فقال (1 / 331) :

 

(12/248)

 

 

((لايوثق به)) .

قلت: وهذا مردود بأمرين:

الأول: أنه لم يتفرّد به، لأنه قد توبع، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

والآخر: أن الخطيب لما ترجمه في ((تاريخه)) قال (9 / 392) :

((وكان ثقة، سألت البرقاني عنه؟ فقال: كان يسمع معنا الحديث ببغداد، وهو شيخٌ صدوق؛ غير أنه لم يكن يعرف الحديث)) .

ولذلك؛ لم يورده الذهبي في ((الميزان)) ، ولا استدركه عليه الحافظ في ((اللسان)) ، فالعلة ممن فوقه كما عرفت، وإن مما يؤكد ذلك أن له طريقاً ثالثة عن ابن سليمان، فقال الطبراني في ((المعجم الكبير)) (17 / 285 / 785) و ((الأوسط)) (1 / 175 / 1 / 3241) : حدثنا بكر بن سهل: ثنا عبد الله بن سليمان بن يوسف العبدي به؛ دون قوله: ((المقتول عثمان. .)) ، وقال:

((لم يروه عن الليث إلا عبد الله)) .

كذا قال! ولعله يعني بغير الزيادة المذكورة، وإلا، فقد تابعه اثنان: عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ويحيى بن المبارك كما تقدم.

وتابعهم رابع، فقال الغَسوَلِّي في ((جزئه)) : حدثنا أسامة: حدثنا عبد الله بن أحمد: حدثنا زهير بن عباد: حدثنا محمد بن تمام عن الليث به.

ذكره السيوطي وسكت عنه.

ومن طريق زهير بن عباد أخرجه أبو العرب التميمي الإفريقي في كتاب

 

(12/249)

 

 

((المحن)) (ص44 - 45) ، وقال: ((محمد بن تمام الدمشقي)) ؛ لكن وقع في سنده بعض الأخطاء المطبعية، والظاهر أنه الذي في ((ميزان الذهبي)) و ((ضعفائه)) :

((محمد بن تمام البهرائي الحمصي. قال ابن منده: حدث عن محمد بن آدم المصيصي بمناكير)) .

وكذا في ((اللسان)) ؛ لكن وقع فيه ((النهرواني)) ! وأظنه خطأً مطبعياً.

وأما زهير بن عباد - وهو الرواسي -؛ فمختلف فيه؛ فقال الدارقطني:

((مجهول)) .

وضعفه ابن عبد البر. وقال ابن حبان في ((الثقات)) :

((يخطئ ويخالف)) .

وتابعهم خامس؛ وهو عبد العزيز بن محمد الدمشقي عن ليث به.

رواه ابن بطة؛ كما ذكر السيوطي، وسكت عنه.

قلت: وإسناده مظلم؛ فإن الدمشقي هذا لم أجد من ترجمة، وكذا بعض من دونه.

وبالجملة؛ فكل هذه المتابعات والطرق إلى الليث بن سعد ليس فيها ما يمكن الاعتماد عليه، لأن عامتها تدور على مجهولين، وغالبهم دمشقيون، فمن الممكن أن يكون بعضهم سرقه من الآخر. فلا غرابة في حكم ابن الجوزي ومن قبله ومن بعده على الحديث بالوضع أو النكارة كما رأيت، بل صرح ابن حبان وغيره ببطلانه وأنه لا أصل له.

 

(12/250)

 

 

فقد أورده ابن حبان في ترجمة العباس بن محمد العلوي من " الضعفاء " (2 /

191) بروايته عن عمار بن هارون المستملي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن

أنس مرفوعاً. وقال عقبه:

" لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من حديث أنس، ولا ثابت، ولا

حماد بن سلمة ".

وتبعه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 331) ، ثم الذهبي والعسقلاني

في كتابيهما.

ثم رواه ابن حبان (3 / 128 - 129) من طريق يحيى بن شبيب اليمامي

عن سفيان الثوري عن حميد الطويل عن أنس به. وقال في اليمامي هذا:

" يوى عن الثوري ما لم يحدث به قط، لا يجوز الاحتجاج به بحال ".

وقال الذهبي - وقد ساق له هذا الحديث -:

" وهذا كذب ". وقال الحافظ عقبه:

" وهذا ظاهر البطلان ".

قلت: فمحاولة السيوطي تقوية الحديث بمثل هذه الطرق الواهية محاولة

فاشلة، وإن تبعه على ذلك ابن عراق في " تنزيه الشريعة "!

وإن مما يدل البصير على ما ذكرته: استشهاده بالحديث الآتي بعده.

لكن بقي حديث آخر؛ يرويه محمد بن سليمان بن همام: حدثنا وكيع عن

ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً نحوه.

 

(12/251)

 

 

أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 297) ، ومن طريقه ابن الجوزي في

" الموضوعات " (1 / 329) ، وقال الخطيب:

" منكر بهذا الإسناد، وكل رجاله ثقات سوى ابن هشام، والحمل فيه عليه ".

وأقره ابن الجوزي، وأقر هذا الذهبي في " الميزان " في ترجمة ابن هشام هذا؛

بل صرح بوضعه كما يأتي في آخر الحديث (5620) .

وابن هشام هذا هو الوراق المعروف بابن بنت مطر، وقد اتهمه ابن عدي وابن

حبان بسرقة الحديث، فالظاهر أنه مما سرقه من بعض المتهمين به وركب عليه هذا

الإسناد. والله أعلم.

5619 - (بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَنِي، فَأَدْخَلَنِي

جَنَّةَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَبَيْنَما أَنَا جَالِسٌ إِذْ جُعِلَتْ فِي يَدِي تُفَّاحَةٌ،

فَانْفَلَقَتِ التُّفَّاحَةُ بنصْفَيْنِ، فَخَرَجَتْ مِنْهَا جَارِيَةٌ لَمْ أَرَ جَارِيَةً أَحْسَنَ مِنْهَا

حُسْنًا، وَلا أَجْمَلَ مِنْهَا جَمَالاً، تُسَبِّحُ تَسْبِيحًا لَمْ يَسْمَعِ الأَوَّلُونَ

وَالآخِرُونَ بِمِثْلِهِ. فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ قَالَتْ: أَنَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ،

خَلَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِلْخَلِيفَةِ

الْمَظْلُومِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) .

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 219 / 598) :

حدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا إسحاق بن وهب العلاف: ثنا الفضل

ابن سوار البصري: ثنا ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن مراد بن

عبد الله اليزني عن أوس بن أوس الثقفي مرفوعاً.

 

(12/252)

 

 

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ الفضل بن سوار؛ لم أجد له ترجمة.

وكذا التستري شيخ الطبراني، فأحدهما هو المتهم به.

ولا يعطيه قوة قول السيوطي في " اللآلي " (1 / 314) - وأن تابعه ابن عراق

(1 / 375) -:

" وليس في رجاله متهم - وإسحاق بن وهب العلاف؛ قال الذهبي: ثقة. وإنما

المتهم بالوضع إسحاق بن وهب الطُّهُرْمسي؛ وقد أخرجه أبو يعلى: حدثنا أبو

وائل خالد بن محمد البصري: حدثنا موسى بن إبراهيم: أنبأنا الليث بن سعد

عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن شداد بن أوس مرفوعا به ".

قلت: والجواب من وجوه:

أولاً لا يلزم من سلامة إسناده من متهم أن لا يكون المن موضوعاً؛ فكم من

أحاديث حكم عليها العلماء بالوضع وليس فيها متهم، ومن أقرب الأمثلة على

ذلك الحديث الذي قبله؛ فإن أكثر طرقه ليس فيها من اتهم، ولكنهم نظروا في

متنه وما فيه من النكارة، فحكموا عليه بالبطلان، وأن مما لا شك فيه أن يد الصنع

والوضع ظاهرة في هذا الحديث أكثر من السابق كما لا يخفى على أحد.

ثانياً إن كون إسحاق العلاف ثقة لا يجدي نفعاً ما لم يكن الراوي عنه ومن

دونه ثقة، وقد عرفت حال الفضل بن سوار الراوي عنه. وأنا أظن أنه من أولئك

المجهولين الذين افتعل بعضهم هذا الحديث ثم سرقه منه الآخرون، وافترق هذا

عنهم بأنه جعل الحديث من مسند أوس بن أوس، وأولئك جعلوه من مسند عقبة

ابن عامر! وحاشاهما منه، وزاد عليهم بأن زاد في من الحديث جملاً جديدة

وزخرفاً من القول!

 

(12/253)

 

 

ثالثاً: " يمكن إثبات أن إسحاق هذا هو العلاف الثقة وليس الطهرمسي، إلا

لو كان الراوي عنه ثقة أيضاً، وهيهات؛ فقد ذكرنا لك أنه غير معروف أيضاً، فمن

الممكن أن يكون وصفه إياه بـ (العلاف) وهماً منه إن لم يكن كذباً.

رابعاً: ويقال في إسناد أبي يعلى نحو ما سبق وأسوأ؛ فإن شيخه أبا واثل لم

أعرفه؛ لكن موسى بن إبراهيم - وهو المروزي - كذبه يحيى، وقال الدارقطني

وغيره: متروك؛ كما في " الميزان " و " اللسان ". فالعجب من الحافظ كيف سكت

عليه في " المطالب العالية " (4 / 55) وفيه هذا المتهم؟ ! وكذلك سكت عليه

البوصيري كما ذكر المعلق عليه! ! وقنع هو بذلك!

هذا؛ وقد أعجب هذا الحديث وما فيه من المنقبة لعثمان رضي الله عنه بعضَ

أهلِ الأهواء المغرضين، فسرقه وجعله لعلي رضي الله عنه، وركب عليه إسناداً

آخر، وهو الآتي بعده:

5620 - (لما أُسْرِيَ بي دخلت الجنةَ، فناوَلَنِي جبريلُ ئفاحَةً،

فانْفَلَقَتْ بنصفين، فخرجتْ منها حَوْرَاءُ، فقلتُ لها: لِمَنْ أنتِ؟ فقالتْ:

لعلي بنِ أبي طالبٍ) .

موضوع.

أخرجه الخطيب في " التاريخ " (4 / 278 - 279) ، ومن طريقه

ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 331 - 332) بإسناده عن أبي جعفر أحمد

ابن عيسى بن علي بن ماهان الرازي: حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو (زُنيج) :

حدثنا يحيى بن مغيرة: حدثنا جرير عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد

مرفوعاً. وقال ابن اللوزي:

" لا يصح، وأحسبه انقلب على بعضه الرواة، أو أدخله بعض المتعصبين على

 

(12/254)

 

 

سليمان (وهو الأعمش، وفي الأصل: سليم!) ، وعطية قد ضعفه شعبة وأحمد

ويحيى ".

وأقره السيوطي في " اللآلي " (1 / 315) ، وابن عراق فيه تنزيه الشريعة "

(1 / 374) وزاد عليه فقال:

" وجاء هذا من حديث علي أيضأ، وهو في تلك النسخة الموضوعة علي بن

موسى الرضى. والله أعلم ".

قلت: واَفة الإسناد الأول إما عطية؛ فإنه مع ضعفه كان شيعيأ مدلساً؛ كما

في " التقريب ".

وإما ابن ماهان الرازي؛ ففي ترجمته ساق الحديث، وقال:

" سمعت أبا نعيم الحافظ يقول:

ابن ماهان صاحب غرائب وحديث كثير ".

قلت: وهذا ذكره أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 111 - 112) ، وساق

له حديثين آخرين.

وأما الذهبي؛ فساق له هذا الحديث، وقال عقبه:

" هذا كذب، وقد روي مثله لعثمان بدل علي، بإسناد واهٍ يأتي في ترجمة

عبد الله بن سليمان ويعني: الحديث المتمَدم 5618) ، ويروى بإسنادين ساقطين

عن أنس، ووضع من طريق نافع عن ابن عمر ".

وأقره الحافظ في " اللسان ".

 

(12/255)

 

 

والإسنادان المشار إليهما عن أنس تقدم تخريجهما في آخر الكلام على

الحديث المشار إليه آنفاً، وكذلك حديث ابن عمر.

5621 - (لا يَجِدُ عَبْدٌ صَرِيحَ الإيمانِ حتى يُحِبً لله ويُبْغِضَ لله، فإذا

أحبَّ لله وأبغض لله فقدِ استحق الولايةَ مِنَ الله عز وجَل، وإنْ أَحِبَّائي

وأوليائي من عِبَادي وخَلْقِي الذين يُذْكَرونَ بذكرِي وأُذْكَر بذِكْرِهم) .

ضعيف.

رواه ابن قانع في " معجم الصحابة " (ترجمة عبد الله بن الجموح)

من طريق رشدين عن عبد الله بن الوليد التجيبي عن أبي منصور الأنصاري عن

عبد الله بن الجموح أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: فذكره.

ومن هذا الوجه: رواه أحمد وابنه (3 / 430) نحوه؛ لكنهما قالا: " عمرو

ابن الجموح "، وكذلك رواه الطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (1 / 89) .

وأنا أظن أن هذا هو الصواب؛ فإني لم أجد في كتب التراجم التي عندي

" عبد الله بن الجموح "؛ لا في " التاريخ الكبير " للبخاري، ولا في " الجرح

والتعديل " لابن أبي حاتم، ولا في " التجريد " للذهبي، حتى ولا في قسم من

أقسام " الإصابة " الأربعة! وكان من حقه أن يورده للتنبيه عليه؛ فإنه كثير النقل

عن " معجم ابن قاع " هذا، والخطأ فيه قديم من أحد رواته؛ فإنه أورده في ترجمة

عبد الله هذا. والله أعلم.

ثم إن إسناده مسلسل بالعلل:

الأولى: الانقطاع؛ قال في ترجمة أبي منصور من " التعجيل ":

" ذكر البخاري أنه كان قاضي إفريقية، وذكر أن حديثه مرسل. يعني: أنه لم

 

(12/256)

 

 

يَلْقَ عمرو بن الجموح ".

الثانية: جهالة أبي منصور هذا؛ فإني لم أر من وثقه، ولم يذكر له ابن أبي

حاتم (4 / 2 / 441) راوياً غير عبد الله بن الوليد هذا.

الثالثة: عبدَ الله هذا؛ قال الحافظ:

" لين الحديث ".

الرابعة: رشدين - وهو ابن سعد المصري -؛ قال الحافظ في " التقريب " أيضاً:

" ضعيف ".

وبه أعله الهيثمي.

5622 - (ما أخذتُ {ق والقرآنِ المجيدِ} إلا مِنْ وراءِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛

كان يُصَلِّي بها الصُبحَ) .

منكر بذكر (الصبح) .

أخرجه أحمد وابنه عبد الله في " المسند " (6 / 463) :

ثنا الحكم بن موسى قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال قال: ذكره

يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: فذكره.

وتابعه عمران بن يزيد قال: حدثنا ابن أبي الرجال به.

أخرجه النسائي (1 / 151) .

قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الرحمن هذا؛ فإن فيه كلاماً

يسيراً؛ أشار إلى ذلك احافظ ابن حجر بقوله في " التقريب ":

 

(12/257)

 

 

" صدوق ربما أخطأ ".

قلت: وهذا الحديث من أخطائه عندي؛ فقد خالفه سليمان بن بلال ويحيى

ابن أيوب - كلاهما - عن يحيى بن سعيد به نحوه؛ لم يذكرا صلاة الصبح، وإنما

قالا:

" يقرأ بها على المنبر في كل جمعة ".

أخرجه مسلم (3 / 13) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود ما (1010،

1011) . وفي حديثهما:

عن عمرة بتت عبد الرحمن عن أخت لعمرة قالت. . .

يعني: أم هشام بنت حارثة.

وهكذا رواه عنها آخران بإسنادين صحيحين عنهما: عند مسلم، أحدهما من

طريق محمد بن إسحاق وقال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو

ابن حزم الأنصاري عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زارة عنها

قالت:

لقد كان تَنورنا وتنور رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة، وما

أخذت {ق والقراَن المجيد} إلا عن لسان رسول اللَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يقرأها كل يوم جمعة

على المنبر إذا خطب الناس.

ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 115) ، وعنه

الطبراني في " الكبير " (26 / 142 / 344) ، وأحمد (6 / 435 - 436) ، وابن

راهويه في " مسنده " (4 / 250 / 1) ، وابن سعد في " الطبقات " (3 / 442) .

 

(12/258)

 

 

قلت: وإسناده جيد.

! إنما سقت الحديث هنا لبيان خطأ من رواه عن أم هشام بلفظ: " كان يصلي

بها الصبح "، والا؛ فالحديث ثابت عن غيرها من الصحابة، فانظر " صحيح مسلم "

(2 / 39 - 40) ، و " صفة الصلاة ".

(تنبيهان) :

الأول: لقد وقع حديث ابن أبي شيبة فيا كبير الطبرانيأ بنفس سنده

المتقدم؛ لكن بلفظ آخر عنها قالت:

حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم (ق) في صلاة الصبح.

ولا أصل له عند ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، ولا عند غيره فيما علمت، وإنما

هو من حديث ابن أبي الرجال المذكور أعلاه، اختلط على بعض النساخ في

" المعجم " بإسناد ابن أبي شيبة، والله أعلم.

الثاني: أنه وقع خطأ مطبعي في سنده المتقدم - أعني: ابن أبي شيبة - في

يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، فجعله: يحيى بن عبد الله

عن عبد الرحمن. . .! وإنما هو: ابن عبد الرحمن كما في " مسلم " و " المعجم "

وغيرهما.

ولم يتنبه لذلك صاحبنا حمدي السلفي " فعلق عليه بقوله في حاشية " المعجم ":

" وبين إسناد المصنف هنا وإسناد ابن أبي شيبة في " المصنف " اختلاف؛

فليراجع ".

وقد عرفت أنه لا اختلاف، وإنما هو الخطأ المطبعي. والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

(12/259)

 

 

5623 - (كانَ لا يزيدُ في الركعتينِ على التَّشَهُّدِ) (*) .

منكر. أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (3 / 1081) : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم: ثنا عبد السلام بن حرب عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة مرفوعا به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن فيه علل:

الأولى مخالفة أبي معمر لغيره من الثقات في متنه؛ فقال ابن أبي شيبة في «المصنف» (1 / 296) : حدثنا عبد السلام به، ولفظه:

كان يقول في الركعتين التحيات. لم يذكر «لا يزيد» .

الثانية: إن سلم من المخالفة الأولى؛ فالعلة من عبد السلام بن حرب؛ فإنه - وإن كان ثقة من رجال الشيخين؛ فقد - كانت له مناكير؛ كما في «التقريب» ، وقد خالفه جمع من الثقات في لفظه:

الأول حسين المعلم عن بديل بلفظ:

. . . كان يقول في كل ركعتين التحية.

أخرجه مسلم (2 / 54) ، وأبو عوانة (2 / 222) ، وابن خزيمة في «صحيحه» (1 / 346 / 699) وغيرهم. وهو مخرج في «الإرواء» (2 / 20 - 21 / 316) ، و «صحيح أبي داود» (752) . وهو رواية لأبي يعلى (3 / 1147) .

الثاني: عبد الرحمان بن بديل عن أبيه به.

__________

(*) قدر للشيخ - رحمه الله - تخريج هذا الحديث فيما يأتي برقم (5816) . (الناشر) .

 

(12/260)

 

 

أخرجه الطيالسي في «مسنده» (1547) قال: حدثنا عبد الرحمان بن بديل العقيلي - بصري ثقة صدوق - عن أبيه.

قلت: وهذا إسناد جيد؛ إن سلم من العلة الآتية.

الثالثة: الانقطاع بين أبي الجوزاء وعائشة؛ فإنه لم يسمع منها؛ كما قال ابن عبد البر وابن حجر وغيرهما، وتفصيل ذلك في المصدر السابق، وفي شرحي لـ «صفة الصلاة» .

وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله، وقد تصحفت هذه الكنية على الهيثمي، فقال في تخريج حديث الترجمة:

«رواه أبو يعلى من رواية أبي الحويرث عن عائشة، والظاهر أنه خالد بن الحويرث، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال (الصحيح) » .

قلت: والصواب أنه (أبو الجوزاء) ؛ كما وقع عند أبي يعلى في الموضعين، وعند غيره.

وقد تمسك بهذا الحديث وبحديث ابن مسعود الآتي بعده بعض الشيوخ في السعودية على أنه لا تشرع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول! كما كتب إلي بعضهم بتاريخ 25 / 3 / 1405 وطالبا الجواب، وهذا مما لا يتيسر لي مع الأسف؛ فالأسئلة التحريرية كثيرة، ولا سبيل عندي للإجابة عنها؛ لضيق الوقت، وثقل اليد. والله المستعان.

وإذا عرف ضعف الحديث والذي يليه؛ بقي ما كنا طبعناه في «صفة الصلاة» حول شرعية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في كل تشهد سالماً من أي اعتراض، والحمد لله

 

(12/261)

 

 

رب العالمين، ولم يكن ذلك إلا بعد الوقوف على هذا الحديث وكذا الذي يليه وعلى ما فيهما من ضعف وعلة، بينت ذلك في الأصل الذي يعتبر «صفة الصلاة»

كخلاصة له؛ فقلما يوجد فيه ما ليس في الأول، إلا ما استدركناه بعد وبالله التوفيق.

(تنبيه) : إشكل الانقطاع الذي سبق نقله عن ابن عبد البر وغيره على بعض الفضلاء، لأنه وجد في «حلية الأولياء» (3 / 81) تصريح أبي الجوزاء بالتحديث، فكان الجواب: أنه من رواية أبان بن أبي عياش قال: ثنا أبو الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها - حدثته -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . .

فقوله: «حدثته» زيادة من أبان بن أبي عياش؛ فإنه متروك اتفاقاً، مع أنه كان زاهدا، وكان شعبة بن الحجاج سيئ الرأي فيه جدا، وتنوعت عبارته فيه، فمنها قوله فيه - وقد طلب منه الكف عنه -:

«لا يحل الكف عنه؛ فإنه يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» . وقوله:

«لأن أزني أحب إلي من أن أروي عنه» . وغير ذلك.

وتساءل (1) عن صحة قول الحافظ ابن عبد البر بأن أبا الجوزاء لم يسمع من عائشة.

فأقول جزم بذلك في «التمهيد» (20 / 205 5. وحكاه عن العلماء في رسالته «الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف» ، فقال (ص 9) :

«يقولون: إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة، وحديثه عنها إرسال» .

__________

(1) أي بعض الفضلاء الذين أشار إليهم الشيخ - رحمه الله - بعد قوله: «تنبيه» . (الناشر) .

 

(12/262)

 

 

وأيد ذلك الحافظ في ترجمة أبي الجوزاء - واسمه أوس بن عبد الله - برواية القريابي عنه قال: أرسلت رسولاً إلى عائشة. . .

5624 - (كانَ يقول - إذا جَلَسَ في وَسطِ الصَّلاةِ وفي آخِرِهَا على وِرْكِهِ اليُسْرَى -: التحياتُ للهِ. . - إلى قوله -: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -. قال: ثم إنْ كان في وسطِ الصلاة؛ نَهَضَ حينَ يفرُغُ من تَشَهُّدِهِ، وإنْ كان في آخِرها دعا بعد تَشَهُّدِهِ بما شاء الله أَنْ يَدْعُوَ، ثم يُسَلِّم) .

منكر بهذا التمام. أخرجه أحمد (1 / 459) ، وابن خزيمة (1 / 350 / 708) عن ابن إسحاق قال: حدثني عن تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وسط الصلاة وفي آخرها عبد الرحمان بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها، فكنّا: نحفظ عن عبد الله حين أخبرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه إياه، قال: فكان يقول. . . إلخ.

قلت: وهذا إسناد حسن؛ للخلاف المعروف في أبي إسحاق؛ لكن قد ذكر في هذا المتن ما لم يرد ذكره في كل أحاديث التشهد الأخرى في «الصحيحين» وغيرهما، حتى ما كان منها عن ابن إسحاق نفسه، وعن ابن مسعود ذاته، وقد خرجت طائفة طيبة منها في الصل الذي أشرت إليه آنفاً في الحديث الذي قبله. فلنحصر الكلام على بعض طرق حديث ابن مسعود التي تدل على نكارة ذكر التورك في التشهد الأوسط، والنهوض حين يفرغ منه، ثم نتبع ذلك ببعض الأحاديث الأخرى التي تؤكد النكارة، فأقول - وبالله التوفيق -:

 

(12/263)

 

 

أولا: لقد روى عبد الأعلى هذا الحديث عن محمد بن إسحاق بإسناده المتقدم، لم يذكر فيه التورك في الأوسط والنهوض بعده.

أخرجه الطبراني في «الكبير» (9 / 64 / 9932) ، وابن خزيمة (1 / 348 / 702) وأشار إليه عقب حديث الترجمة بتعليقه عليه مشيراً إلى شذوذ ذكر التورك في وسط الصلاة منه، فقال:

«قوله: (وفي آخرها على وركه اليسرى) ؛ إنما كان يجلسها في آخر صلاته، لا في وسط صلاته؛ كما رواه عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق، وإبراهيم بن سعيد الجوهري عن يعقوب بن إبراهيم» .

ثانيا: رواه الجوهري - كما أشار ابن خزيمة فيما نقلته عنه آنفا - فقال: نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق بلفظ:

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس في آخر صلاته على وركه اليسرى.

أخرجه ابن خزيمة (1 / 347 / 701) .

ثالثا: قال أحمد (3 / 57) : ثنا يعقوب بن ابراهيم قال: ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني - عن افتراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذه اليسرى، ونصبه قدمه اليمنى، ووضعه يده اليمنى على فخذه اليمنى، ونصبه أصبعه السبابة يوحد بها ربه عز وجل - عمران بن أبي أنس: أخبرني عامر بن لؤي - وكان ثقة - عن أبي القاسم مقسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: حدثني رجل من أهل المدينة قال:

صليت في مسجد بني غفار، فلما جلست في صلاتي افترشت فخذي

 

(12/264)

 

 

اليسرى ونصبت السبابة. قال: فرآني خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري - وكانت له صحبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصنع ذلك. فلما انصرفت من صلاتي قال لي: أي بني! لم نصبت أصبعك هكذا؟ قال: وما تنكر؟ ! رأيت الناس يفعلون ذلك. قال: فإنك أصبت؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى يصنع ذلك، فكان المشركون يقولون: إنما يصنع هذا محمد بإصبعه يسحر بها! وكذبوا؛ إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك يوحِّد ربَّه عز وجل

رابعاً: قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن عمران بن أبي أنس عن مقسم عن خُفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري قال:

«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في آخر صلاته يشير بإصبعه السبابة ن وكان المشركون يقولون: يسحر بها! وكذبوا؛ ولكنه التوحيد» .

أخرجه الطبراني (4 / 257 / 4176) .

قلت: فهذا اختلاف شديد على ابن إسحاق إسناداً ومتناً.

1 - فتارة يجعله من مسند ابن مسعود، وتارة من مسند خُفاف بن إيماء.

2 - وتارة يذكر فيه التورك في التشهد الأوسط، وتارة لا يذكره.

3 - وتارة يذكر فيه النهوض فور فراغه من التشهد؛ خلاف رواياته الأخرى.

وإن مما لاشك فيه أن هذا الاضطراب إنما هو من ابن إسحاق نفسه، وليس من الرواة عنه؛ فإنهم ثقات جميعاً، وبخاصة - منهم - إبراهيم بن سعد الزهري - والد يعقوب -؛ فإنه ثقة حجة؛ كما في «التقريب» ، وقد رواه عنه مرة عن ابن مسعود، واخرى عن خُفاف، كما تقدم.

 

(12/265)

 

 

وهذا مما يؤيد ما ختم الذهبي ترجمته بقوله:

فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً، واحتج به أئمة» .

وقوله: «وما انفرد به. . .» إلخ؛ إنما يعني مخالفاً فيه غيره، ممن هو أوثق منه أو أكثر عدداً.

قلت: ولقد بلوت هذه المخالفة من ابن إسحاق في كثير من الأحاديث منذ القديم، وكلما مضى الزمن ازددت يقيناً بهذه الحقيقة التي لم ينتبه لها إلا القليل من المشتغلين بهذا العلم الشريف.

وإن مما يؤكد لك هذه الحقيقة في هذا الحديث: أن تشهد ابن مسعود الذي تلقاه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة - ومفه بين كفيه - صلى الله عليه وسلم - - قد جاء من طرق كثيرة عنه، ليس في شيء منها ذكر التورك في التشهد الأوسط، ولا النهوض حين يفرغ منه.

وقد ساق الكثير الطيب منها الطبراني في «معجمه الكبير» (10 / 48 - 68) ، وبعضها في «الصحيحين» وغيرهما، وهو مخرج في «إرواء الغليل» (2 / 26) ، و «صحيح أبي داود» (889 - 891) .

بل إن في بعضها ما ينافي النهوض المذكور، وهو قوله في رواية شقيق عن ابن مسعود في آخر التشهد مرفوعاً:

«ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به» .

متفق عليه، (صحيح أبي داود 889) .

 

(12/266)

 

 

وليس هذا خاصاً بالتشهد الأخير كما يضن البعض؛ بل هو بإطلاقه يشمل التشهد الأول أيضاً؛ بل إن هذا قد جاء صريحاً في رواية أبي إسحاق عن الأسود ابن يزيد - والد عبد الرحمان شيخ ابن إسحاق! - عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ:

«إذا جلستم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله. . .» إلخ «ثم يتخير. . .» إلخ.

أخرجه الطبراني (9888، 9914) من طريق الثوري ويوسف بن أبي إسحاق؛ كلاهما عن الأسود قرنا به أبا الأحوص. زاد يوسف: وعمرو بن ميمون وأصحاب عبد الله: أنهم سمعوه يقول:. . . فذكره.

وصرح يوسف بإخبار هؤلاء لأبي إسحاق - وهو السَّبيعي -، فانتفت شبهة تدليسه.

والثوري سمع من السبيعي قديماَ، فانتفت شبهة اختلاطه.

فصح الإسناد والحمد لله.

على أنه قد تابعه شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق: سمع أبا الأحوص قال: قال عبد الله:. . . فذكره.

أخرجه الطيالسي في «مسنده» (39 / 303) ، وكذا أحمد (1 / 437) وابن خزيمة في «صحيحه» (1 / 356 / 720) .

وإسنادهم صحيح على شرط مسلم.

ورواه الطبراني (9918) من طريق مرداذ بن جميل: حدثنا محمد بن مناذر: ثنا شعبة به؛ إلا أنه أدخل بين أبي الأحوص وابن مسعود أبا الكنود.

 

(12/267)

 

 

«لكن ابن مناذر هذا؛ قال الذهبي في الضعفاء عن ابن معين» :

«لا يروي عنه من فيه خير» .

وابن جميل؛ لم أجد له ترجمة، ولعله ممن أشار ابن معين إلى أنه لا خير فيهم؛ فمثل هذه الطريق مما لا وزن لها؛ ولا سيما مع مخالفتها رواية الطيالسي ومحمد بن جعفر عن شعبة.

وبالجملة؛ فهي نص في مشروعية الدعاء في كل تشهد؛ خلافاً لرواية ابن إسحاق الشاذة أو المنكرة.

وإن مما يؤكد خطأه في ذكر التورك في التشهد الأول - علاوة على ما سبق -: أنه هو نفسه - روى بسنده الصحيح عن رفاعة بن رافع في حديث المسيء صلاته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

«إذا أنت قُمْتَ في صلاتك فكبِّر 000 فإذا جلستَ في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد. . .» الحديث.

وهو مخرج في الإرواء (337) .

قلت: فالافتراش خلاف التورك، وقد اضطرب ابن إسحاق في أحاديثه فيها كما ترى.

والصواب الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة: أن الافتراش هو الأصل والسنة؛ على حديث ابن عمر المخرج في «الإرواء» (317) ، ونحوه حديث عائشة الذي قبله (316) ؛ فيفترش في كل جلسة وفي كل تشهد؛ إلا التشهد الأخير الذي يليه السلام؛ كما جاء مفصلاً في حديث أبي حميد الساعدي:

 

(12/268)

 

 

«. . . فإذا جلس في الركعتين؛ جلس على رِجْلِهِ اليسرى ونَصَبَ اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة؛ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليسرى ونَصَبَ الأخرى، وقعد على مقعدته» .

رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (722) .

وبالجملة فَذِكْرُ ابنِ إسحاق في حديث الترجمة التوركَ في وسط الصلاة من أخطائه وشواذه التي خالف فيها بعضَ أحاديثه الأخرى وأحاديث الثقات الكثيرة.

وانظر شواذه ومناكيره الحديث الآتي قريباً برقم (5629) .

5625 - (يا أُمَّ الفضل! إنَّكِ حاملٌ بغُلامٍ. قالت: يا رسولَ الله! وكيفَ وقد تَحالفَ الفريقانِ أنْ لا يأتوا النساءَ؟ قال:

هو ما أقولُ لك. فإذا وَضَعْتِيهِ؛ فَأْتِينِي به. قالتْ فلما وضعتُه؛ أتيتُ به رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَذَّنَ في أذنهِ اليُمنى، وأقامَ في أُذُنِهِ اليسرى، [وألبأَهُ مِنْ ريقهِ، وسَمَّاه عبدَ الله] ، وقال:

اذهبي بأبي الخلفَاءِ. قالتْ فأتيتُ العباسَ، فأَعْلَمْتُه، وكان رجلاً جميلاً لباساً، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام إليه فقَبَّلَ بين عَيْنَيْهِ، ثم أَقْعَدهُ عن يمينه، ثم قال:

هذا عمي، فمن شاء؛ فَلْيُبَاهِ بعَمِّه. قالتْ: يا رسولَ اللهِ! بعض هذا القول. فقال:

يا عباس! لم لا أقولُ هذا القولَ وأنتَ عَمِّي وصِنْو أبي، وخيرُ مَنْ

 

(12/269)

 

 

أَخْلُف بعدِي مِنْ أهلي. فقالَ: يا رسولَ الله! ما شيء أخبَرَتْنِي به أمُّ الفضل عن مولودنا هذا؟ قال:

نعم؛ يا عباس! [هو ما أخبَرَتْكَ؛ أبو الخلفاء] إذا كانتْ سنةُ خمسٍ وثلاثينَ ومئة؛ فهي لك ولِوَلَدِكَ، منهم السَّفَّاحُ، ومنهم المنصورُ، ومنهم المهدي) .

موضوع. أخرجه ابو نعيم في «الدلائل» (ص 482 - 483) - والزيادتان له -، والخطيب في «التاريخ» (1 / 63 - 64) - ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1 / 291) - من طرق عن أحمد بن راشد الهلالي قال: نبأنا سعيد ابن خُثَيم عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس قال حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت:

مررتُ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو في الحِجْرِ، فقال: 000 فذكره. وقال ابن الجوزي:

«لا يصح؛ حنظلة؛ قال يحيى بن سعيد: كان اختلط. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: منكر الحديث يُحَدِّث بأعاجيب» .

قلت: هو السدوسي أبو عبد الرحيم، وهو - على ضعفه - ما أظن أنه الجاني في هذا الحديث، وإنما الآفة ممن دونه، ألا وهو أحمد بن راشد الهلالي؛ ففي ترجمته أورده الذهبي في «الميزان» ، وقال:

«خبر باطل، وهو الذي اخْتَلَقَهُ بِجَهْلٍ»

وأقره الحافظ في «اللسان» ؛ لكنه قال:

«وذكره ابن حبان في «الثقات» فقال:

 

(12/270)

 

 

يروي عن عمه سعيد بن خثيم ووكيع، كان عُلَيْك الرازي كثير الرواية عنه "!

ولقد تساهل ابن الجوزي - خلافاً لعادته - بإيراده هذا الحديث في " الواهيات "

دون " الموضوعات "! وأحسن السيوطي باستدراكه عليه؛ فأورده في " ذيل

الموضوعات " (ص 77) ، ونقل كلام الذهبي وابن الجوزي المتقدمين، وتبعه ابن

عراق، فأورده في " تنزيه الشريعة - الفصل الثالث "، وقال عقب كلام الذهبي:

" قلت: وقال في " تلخيص الواهيات ": باطل بيقين، والآفة فيه من أحمد

ابن راشد؛ إذ رواته معروفون ثقات سواه. والله أعلم ".

وفي هذا الإطلاق للتوثيق نظر لا يخفى على القارئ.

5626 - (يا عليّ! إنَّ لكَ مِنْ عيسى مثلاً: أبغضته اليهودُ حتى

بَهَتُوا أُمَّه، وأَحَبَّتْهُ النصارى حتى أَنزلُوه بالمنْزِلِ الذي ليسَ به) .

ضعيف.

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 281 - 282) ،

والحاكم (3 / 123) من طريق الحكم بن عبد الملك عن الحارث بن حصيرة عن

أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي:

دعاني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:. . . فذكره. وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد " وردَّه الذهبي بقوله:

" قلت: الحكم؛ وهَّاه ابن معين ".

قلت: قال فيه: " ضعيف ليس بثقة، وليس بشيء ". وقال يعقوب:

" ضعيف الحديث جداً، له أحاديث مناكير ".

 

(12/271)

 

 

قلت: وشيخه - الحارث بن حصيرة -؛ لعله هو آفة الحديث؛ فقد كان من

المحترقين في التشيع على ضعفه؛ كما قال ابن عدي، وكان يؤمن برجعة علي؛

كما قال أبو أحمد الزبيري.

ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث والكشف عن علته: أن الشيخ

محمد أحمد كنعان - حفظه الله - أورده في كتابه " قرة العينين على تفسير

الجلالين " (ص 132) مغتراً بتصحيح الحاكم إياه! وكان عليه أن يراجع - على

الأقل - تعليق الذهبي عليه وهل هو موافق له أم مخالف، وإن كان في كثير مما

وافقه ما يُنْتَقَدُ؛ كما مر في هذه " السلسلة " نماذج كثيرة. والله المستعان.

5627 - (نَزَلَتْ سُورةُ الأنعامِ ومَعَهَا كَوْكَبٌ مِنَ الملائكةِ سَدَّ ما بينَ

الخافِقَيْنِ، لهم زَجَل بالتسبيح والتَّقْدِيسِ، والأرضُ [بهم] تَرْتَج،

ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: سُبحانَ اللهِ العظيمِ، سبحانَ اللهِ العظيم) .

منكر.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 100 / 1 / 6593) ،

والإسماعيلي في " المعجم " (ص 64 / 2) ، وابن مردويه - كما في " تفسير ابن

كثير " - من طريق أبي بكر أحمد بن محمد بن سالم: حدثنا ابن أبي فديك:

حدثنا عمر بن طلحة عن نافع أبي سهيل بن مالك عن أنس بن مالك مرفوعاً.

وقال الطبراني:

" تفرد به أحمد بن محمد السالمي ".

قلت: ولم أعرفه، وفي " مجمع الزوائد " (7 / 25) :

" رواه الطبراني عن شيخه محمد بن عبد الإله بن عرس عن أحمد بن محمد

 

(12/272)

 

 

ابن أبي بكر السالمي؛ ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات ".

قلت: وفي " أنساب السمعاني " و " لباب ابن الأثير ":

" أبو أحمد أحمد بن محمد بن سالم بن علي بن عبد الله بن سيار السالمي.

نيسابوري، سمع إسحاق بن راهويه وعمرو بن زرارة، روى عنه أبو حامد بن

الشرقي الحافظ وغيره ".

قلت: ومن الواضح أن هذا متأخر الطبقة عن أبي بكر السالمي مع اختلاف

كُنْيَتَيْهِمَا.

وأما شيخ الطبراني: ابن عرس؛ فقد تابعه إبراهيم بن درستويه: عند

الإسماعيلي وابن مردويه، وقد ترجمه الخطيب في " التاريخ " (6 / 71) برواية

جمع عنه غير الإسماعيلي.

وأما قول الهيثمي: " وبقية رجاله ثقات "؛ ففي هذا الإطلاق نظر؛ لأن عمر

ابن طلحة - وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي المدني - مختلف فيه؛ قال أبو زرعة:

" ليس بالقوي ". وقال أبو حاتم:

" محله الصدق ".

وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال ابن عدي:

" بعض حديثه مما لا يتابعه عليه أحد ".

ومع أنه روى عنه جمع - منهم علي بن المدينة، وعبد الله بن وهب، وعبد الله

ابن عبد الحكم -؛ قال الذهبي في " الميزان ":

 

(12/273)

 

 

" لا يكاد يعرف "!

وهذا قول غريب مخالف للقواعد، حتى كدت لغرابته أن أقول: لعله مقحم من

بعض النساخ! ولكن حال دون ذلك أنني رأيته أعاد نحوه في كتابه " الضعفاء "،

فقال:

" فيه جهالة. وقال أبو حاتم: محله الصدق "!

والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما ما رواه الحاكم (2 / 315) من طريق محمد بن عبد الوهاب العبدي:

أنبأ جعفر بن عون: أنبأ إسماعيل بن عبد الرحمن: ثنا محمد بن المنكدر عن

جابر رضي الله عنه قال:

لما نزلت سورة الأنعام؛ سَبَّحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:

" لقد شَيَّعَ هذه السورةَ من الملائكة ما سَدَّ الأُفق ". وقال:

" صحيح على شرط مسلم ".

قلت: وأقره ابن كثير " لكن رده الذهبي بقوله:

" قلت: لا والله! لم يدرك جعفرٌ السديَّ " وأظن هذا موضوعاً ".

قلت: والعبدي هذا - وإن كان ثقة؛ فهو - ليس من رجال مسلم. فعلة

الحديث الانقطاع؛ فإن السدي إسماعيل مات سنة (127) وجعفر بن عون يومئذٍ

صغير أو لم يولد بعد؛ فقد قيل: إنه ولد سنة (120) أو (130) .

 

(12/274)

 

 

5628 - (خيرُ ما أَعَدَّتِ المرأةُ: الطاعةُ للزَّوْجِ، والاعترافُ بحقّهِ) .

منكر.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 355 / 10702) ،

وابن عبد البر في " التمهيد " (3 / 328) من طريق هشام بن يوسف قال: حدثنا

القاسم بن فياض عن خلاد بن عبد الرحمن بن جعدة عن سعيد بن المسيب:

أنه سمع ابن عباس يقول:

إن امرأة قالت: يا رسول الله! ما خير ما أعدت المرأة؟ قال:

" الطاعة. . . ". إلخ؛ والسياق لابن عبد البر. ولفظ الطبراني:

" ما جزاء غزو المرأة؟ ". والباقي مثله.

وهكذا ذكره الهيثمي في " المجمع " (4 / 314 - 315) من رواية الطبراني

وقال:

" وفيه القاسم بن فياض، وهو ضعيف، وقد وثِّق، وفيه من لم أعرفه ".

قلت: كل رواته مترجمون في " التهذيب "؛ ما عدا شيخ الطبراني فيه: أبو

خليفة الفضل بن الحباب، وهو ثقة حافظ، مترجم في " التذكرة " وغيره، على أنه

متابَع عند ابن عبد البر، فليس فيه من لا يعرف!

نعم؛ يمكن أن يوصف بذلك ابن فياض هذا نفسه؛ فقد قال فيه ابن المديني:

" إسناده مجهول، ولم يرو عنه غير هشام ".

ولذلك؛ جزم الحافظ ابن حجر في " التقريب " بأنه مجهول. وذكر في

" التهذيب " أن ابن معين قال:

 

(12/275)

 

 

" ضعيف ". وعن أبي داود:

" هو ثقة ". وقال النسائي:

" ليس بالقوي ".

وذكره ابن حبان في " الثقات "! ثم ذكره في " الضعفاء " (2 / 313) ،

وقال:

" يروي عنه هشام بن يوسف قاضي صنعاء، كان ممن ينفرد بالمناكير عن

المشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بخبره ".

ولقد أساء محقق " التمهيد " محمد التائب السعيدي في تعليقه على هذا

الحديث؛ فإنه لم يذكر في ترجمة ابن فياض هذا سوى توثيق أبي داود إياه، وعزاه

لـ " تهذيب التهذيب " و " الخلاصة "!

5629 - (رأيتُهُ صلى الله عليه وسلم حين استَسْقَى لنا أطالَ الدُّعاءَ وأكْثَرَ المسألَةَ، ثم

تَحوَّلَ إلى القِبلةِ، وحَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَه ظَهْراً لِبَطْن، وتحؤل الناسُ معهُ،

[وبدأ بالصلاةِ قبلَ الخطبة] ) .

شاذ بهذا السياق.

يرويه ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر

عن عباد بن تميم الأنصاري ثم المازني عن عبد الله بن زيد بن عاصم - وكان أحد

رهطه، وكان عبد الله بن زيد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شهد معه أحداً -

قال: قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . الحديث دون الزيادة.

أخرجه الإمام أحمد (4 / 41) : ثنا يعقوب قال: ثنا أبي عن ابن إسحاق به.

 

(12/276)

 

 

ثم قال: قرأت على عبد الرحمن: مالك. (ح) وحدثنا إسحاق قال: حدثني

مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد

المازني يقول:

خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المصلى، واستسقى، وحول رداءه حين استقبل

القبلة. قال إسحاق في حديثه:

وبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم استقبل القبلة فدعا.

قلت: والإسناد الأول حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق،

وهو حسن الحديث إذا لم يخالف، كما تقدم بيانه قريباً تحت الحديث (5624) ،

وقد خولف في متن هذا الحديث أيضاً كما يأتي تحقيق ذلك بإذن الله تعالى.

والإسناد الثاني عن مالك صحيح على شرط الشيخين من طريق عبد الرحمن

- وهو ابن مهدي -، وكذلك هو من طريق إسحاق عنه، إن كان هو إسحاق بن

سليمان الرازي، وأما إن كان هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي؛ فهو على

شرط مسلم وحده، وما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني فيه التلخيص الحبير "

(2 / 100) عن ابن دقيق العيد أنه قال في " الإلمام ":

" إسناده على شرط الشيخين ".

يشعر أنه يرى أنه إسحاق الرازي، ولم أجد ما يرجحه؛ فإن الإمام أحمد قد

روى عنه كما روى عن البغدادي، وكلاهما روى عن مالك؛ كما أفاده الحافظ

المزي في تراجمهم من " تهذيب الكمال ". والله أعلم.

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فإني أرى - والعلم عند الله - أن تصريح إسحاق في

 

(12/277)

 

 

حديثه بأنه صلى الله عليه وسلم (بدأ بالصلاة قبل الخطبة) شاذ غير محفوظ، وحُجَّتي في ذلك

عدة أمور:

الأول: مخالفته لكل الحفاظ الذين رووا الحديث عن مالك؛ فإنهم جميعاً لم

يذكروا ذلك ألبتة.

منهم: عبد الرحمن بن مهدي: عند أحمد؛ كما تقدم، وكذلك رواه عنه

(ص 39) .

ويحيى بن يحيى الليثي؛ في " موطأ مالك " (1 / 197) ، و " صحيح

مسلم " (3 / 23) ، والبيهقي (3 / 350) .

وقتيبة - وهو ابن سعيد -: عند النسائي (1 / 224) (1) .

والشافعي: عند البيهقي في " سننه " (3 / 350) .

كلهم رووه عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر به؛ دون الزيادة.

فيبعد جداً أن يحفظ إسحاق ما لم يحفظه هؤلاء الحفاظ الثقات الأثبات. زد

على ذلك ما يأتي:

الثاني: أن مالكاً قد توهم عليه من جمع من الثقات؛ دون الزيادة:

منهم: سفيان بن عيينة: عند البخاري (1005، 1012 1026، 1027) ،

ومسلم أيضاً وكذا النسائي وابن ماجه (1 / 383) ، وابن الجارود في " المنتقى "

(رقم 254) ، والبيهقي (3 / 350) ، وأحمد (4 / 39) ، والحميدي (415) ،

__________

(1) ورواه البخاري (1026) ؛ لكنه قَلَبَه؛ فقال: " فصلى ركعتين، وقلب رداءه ".

 

(12/278)

 

 

والبغوي في " شرح السنة " (4 / 398) ، وكذا الدارقطني (2 / 66) .

ومنهم: يحيى بن سعيد: عند الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 191) ،

والدارقطني (2 / 67) ، وابن خزيمة (1406) .

ومنهم: شعبة: عند الطحاوي، وكذا البخاري (1011) ؛ لكن قال عنده:

" عن محمد بن أبي بكر " مكان: " عبد الله بن أبي بكر "، وهما أخوان كما ذكر

الحافظ في " الفتح " (2 / 498) ، ولم يشر إلى رواية الطحاوي هذه التي يبدو لي

أنها الأرجح؛ لأن جُلَّ روايات هذا الحديث تدور عليه، ثم على أبيه كما يأتي.

وأما رواية أخيه محمد هذا؛ فلم أرها في مكان آخر. والله أعلم.

قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات الثلاثة مع مالك في رواية الجماعة عنه المحفوظة مما

يؤكد شذوذ رواية إسحاق عنه؛ كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف

وعرف علله؛ بل هي مخالفة لظاهر رواية سفيان منهم، فإنها بلفظ:

" خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فاستسقى واستقبل القبلة، وقلب رداءه

وصلى ركعتين ".

هذا لفظ مسلم والآخرين. ولفظ البخاري:

" فصلى ركعتين ". وفي آخر له:

" خرج إلى المصلى يستسقي، واستقبل القبلة. فصلى ركعتين وقلب رداءه ".

قال سفيان: فأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال: جعل اليمين على الشمال.

قلت: فهذا اللفظ بظاهره يخالف سياق الجماعة المتقدم عن سفيانِ، فإن لم

يُؤَوَّلْ بحيث يتفق مع لفظهم؛ فهو شاذ، ولعله من الممكن أن يقال: إنما أخَّر ذكر

 

(12/279)

 

 

القلب فيه ليتصل تفسير أبي بكر إياه به، وذلك تصرف من شيخ البخاري فيه

عن سفيان. وإن مما يؤكد ذلك أمران:

أحدهما: أن الدارقطني زاد عقب رواية الجماعة المتقدمة:

((قال سفيان: جعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين)) .

والآخر: أنه جاء كذلك مفسراًًً ًمفصلا ًعقب الحديث في رواية لابن خزيمة

(1414) عن سفيان قال: ثنا المسعودي ويحيى - هو الأنصاري - عن أبي بكر،

فقلت لعبد الله بن أبي بكر: حديث حدثنا يحيى والمسعودي عن أبيك عن عباد

ابن تميم؟ قال: أنا سمعته من عباد بن تميم يحدث أبي عن عبد الله بن زيد:

أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، فقلب

رداءه وصلى ركعتين.

قال المسعودي: عن أبي بكر عن عباد بن تميم. قلت له: أخبرنا: أَََجَعَلَ أعلاه

أَََسْفَلََهُ أو أسَفَلََه أعلاه، أم كيف جَعَله؟ قال:

لا؛ بل جعل اليمين الشمال، والشمال اليمين.

قلت: فهذا كله يؤكد أن لفظ البخاري وقع فيه تقديم وتأخير، وأن المعتمد لفظ

الجماعة.

ومن الغريب - حقا ً - أن لا يعترض الحافظ ابن حجر لبيان ذلك؛ بل هو على

العكس أشار من طرف خفي إلى أنه لا شيء فيه حين قال تحته (2 / 515) :

((قال ابن بطال: حديث أبي بكر يدل على أن الصلاة قبل الخطبة؛ لأنه ذكر

أنه صلى قبل قلب ردائه، قال: وهو أضبط للقصة من ولده عبد الله بن أبي بكر؛

حيث ذكر الخطبة قبل الصلاة)) .

 

(12/280)

 

 

وأغرب من ذلك أنه أقر ابن بطال على هذا الكلام ولم يعلق عليه بشيء، مع

كونه كلام بطال؛ لأن حديث أبي بكر مثل حديث انه في أن كلا ً منهما ذكر

الخطبة قبل الصلاة، أما حديث الابن فهو الذي كنا في صدده، وأما حديث الأب

فهو التالي!

وبالجملة؛ فالطرق المتقدمة عن عبد الله بن أبي بكر كلها متفقة مع رواية مالك

المحفوظة أنه ليس فيها أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالصلاة قبل الخطبة؛ فتأكد شذوذها.

ويزيد ذلك تأكيداًَ الأمر التالي، وهو:

الثالث: أن عبد الله بن أبي بكر قد توبع على الرواية المحفوظة من جمع.

أولهم: أبوه أبو بكر بن محمد أن عباد بن تميم أخبره به.

أخرجه البخاري (1028) ، ومسلم والدارمي (1 / 360) ، وابن ماجه وابن

خزيمة (1407) ، والدارقطني (2 / 67 / 9) ، وعبد الرزاق (3 / 83 / 4890) ،

والحميدي (416) - وعنه البيهقي (3 / 350) -، وأحمد (4 / 38 - 39) من

طرق عنه. بعضهم لم يسق لفظه، وإنما أحال به على حديث سفيان المتقدم عن

عبد الله بن أبي بكر بقوله: ((بمثله)) ؛ كابن ماجه، أو قولِِهِ: ((نحوه)) ؛

كالدارقطني والحميدي، وساق له البيهقي مثلما تقدم، قال:

((يستسقي، فحول رداءه، واستقبل القبلة، وصلى ركعتين)) .

وهكذا ساقه ابن خزيمة، ولفظه أتم:

((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فخطب، واستقبل

القبلة، ودعا واستسقى، وحول رداءه، وصلى بهم)) .

 

(12/281)

 

 

ولفظ الشيخين - والسياق لمسلم -:

((خرج صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي، وإنه لما أراد أن يدعو؛ استقبل القبلة،

وحوّّل رداءه)) .

قلت: ومن هذا التخريج تبين خطأ ابن بطال الذي زعم أن حديث أبي بكر فيه الصلاة قبل الخطبة؛ فإنك ترى بعض الروايات عنه مصرحة بخلاف ما زعم، والأخرى لم تتعرض لذلك بذكر؛ لا سلباً ولا إيجاباً.

وعلى كل حال؛ فهو من الشواهد الكثيرة على خطأ رواية إسحاق المتقدمة عن مالك فتذكر، أما على الروايات المصرحة فواضح، وأما على الروايات الأخرى فالشذوذ بالزيادة على الثقات.

ثانيهم: عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم به نحو رواية الشيخين المذكورة آنفاً.

أخرجه البخاري (6343) .

ثالثهم: الزهري قال: أخبرني عباد بن تميم المازني: أنه سمع عمه - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول:

((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره، يدعو الله، واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين [جهر فيهما بالقراءة] )) .

أخرجه البخاري (1023، 1024، 1025) ، ومسلم وأبو داود (1161) ، والترمذي (556) ، والنسائي (1 / 224 / 226) ، والدارمي (1 / 361) ، وابن خزيمة (1410، 1420) ، وابن الجارود (255) ، وّ الطحاوي (1 / 192) ، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2 / 473) ، وعبد الرزاق (4889) ، والدارقطني (2 /

 

(12/282)

 

 

67) ، والبهيقي (3 / 348 - 349) ، والطيالسي (1100) ، وأحمد (4 / 39 - 41) ، من طرق عن الزهري به.

والسياق لمسلم وغيره، والزيادة للبخاري وغيره، وبعضهم اختصره.

ومعمر - من بينهم جميعاً - قَلََبَهُ فوصف الصلاة أولا ً، ثم وصف تحويل الرداء

والدعاء، خلاف رواية الجماعة؛ فإنهم أخروا الصلاة على نحو السياق المذكور

أعلاه، وهو نص قاطع في تقديم الخطبة على الصلاة، فإذا انضم هذا إلى ما تقدم

من الطرق من رواية الثقات الآخرين حصل اليقين بأن رواية إسحاق المتقدمة عن مالك شاذة؛ بل باطلة.

ثم إن الباحث ليزداد يقينا ًبما ذكرنا حين يعلم أن للنص المذكور شواهد معتبرة

صريحة في ((السنن)) وغيرها من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما؛

بأسانيد صححها جمع، وهما مخرجان في ((الإرواء)) (665، 668) و ((صحيح أبي داود)) (1058، 1064) ، فلا نطيل الكلام بتخريجهما.

ومن العجيب أن الحافظ في شرحه لحديث الزهري هذا وتعليقه على قوله فيه:

((ثم صلى ركعتين)) قال (2 / 499 - 500) :

((واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وهو مقتضى حديث

عائشة وابن عباس المذكورين؛ لكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله ابن زيد

التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه)) .

قلت: حديث عبد الله بن زيد قد علمت أنه شاذ مخالف لروايات الثقات،

ومثله بل أسوأ منه: حديث أبي هريرة؛ فقد شذ رواية النعمان بن راشد عن

 

(12/283)

 

 

جميع أصحاب الزهري الذين رووه عنه عن عباد عن عبد الله بن زيد كما تقدم؛

فشذ هو عنهم جميعا ً سندا ً ومتنا ً، وهذا ما سأقوم بتحقيقه في الحديث الآتي بعدً

هذا إن شاء الله تعالى.

بقي علينا بيان شذوذ سياق ابن إسحاق للحديث، وفي ظني أن القارئ المتتبع للبحث السابق قد لمح ذلك من ثنايا الروايات الصحيحة وغيرها؛ فإنه ليس فيها كلها ما ذكره ابن إسحاق من الإطالة والإكثار وتحول الناس معه، ولا جاء ذلك في شيء من أحاديث صلاة الاستسقاء التي وقفت عليها، والشذوذ - بل النكارة - تثبت بأقل من ذلك بكثير. والله تعالى ولي التوفيق.

وقد كنت حسنت هذا الحديث في ((الإرواء)) (676) جرياً على ظاهر الإسناد، وكنت غافلا ً عما فيه من النكارة، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا

لنهتدي لولا أن هدانا الله، كما أن النووي سكت عنه في ((المجموع)) (5 / 80) ،

وأوهم الزيلعي في ((نصب الراية)) (2 / 242) أن الحاكم رواه بزيادة:

((وتحول الناس)) . وقال:

((قال الحاكم: على شرط مسلم)) .

فأقول: إنما روى الحاكم حديث تحويل الخميصة الذي ذكره الزيلعي قبله من

رواية أبي داود، وليس فيه الزيادة، وهو في ((صحيح أبي داود)) (1055) .

وأما قول الزيلعي ـ وتبعه ابن حجر في ((الدراية)) (1 / 227) ـ:

((وقول المصنف رحمه الله تعالى (يعني صاحب الهداية) ، ((لا يقلب القوم

أرديتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أمرهم بذلك)) . قلت: لم يأمرهم؛

 

(12/284)

 

 

لكنهم فعلوه بحضرته فلم ينكره. أخرجه أحمد كما ترى)) .

فأقول: هذا رد واه ٍ؛ لأن مجرد رواية أحمد له لا يستلزم صحته، فكيف وقد

بينا أنه شاذ لا يصح. فتنبه.

ومن العجيب أن ابن حزم ذكر قلب الناس لأرديتهم في صلاة الاستسقاء من

((المحلى)) (5 / 93) دون أن يذكر الحجة في ذلك، وهو مذهب مالك، وكذا

الشافعي في ((الأم)) (1 / 287) ، وزاد عليهم فقال (1 / 123) :

((ولا يحول رداءه إذا انصرف من مكانه الذي يخطب فيه، وإذا حولوا أرديتهم

أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها)) !

5630 - (خرج َ بني الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فصلى بنا ركعتين

بغير أذان ٍ ولا إقامة ٍ، ثم خَطَبَنَا، ودعا الله، وحوّل وجهَه نحو القبلةِ

رافعا ً يَدَهُ، ثم قَلَبَ رداءَهُ، فجعلَ الأيمنَ على الأيسرِ، والأيسرَ على الأيمنِ ِ) .

منكر بذلك الخطبة بعد الصلاة. أخرجه أحمد (2 / 326) ، وابن ماجه

(1 / 384) ، وابن خزيمة (1409 / 1422) ، والطحاوي (1 / 192) ، والبيهقي

(3 / 347) من طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد

الرحمن عن أبي هريرة قال:. . . . . . . فذكره. وقال ابن خزيمة عقبه:

((في القلب من النعمان بن راشد؛ فإن في حديثه عن الزهري تخليطا ً كثيرا ً)) .

وقال البيهقي:

((تفرد به النعمان)) .

 

(12/285)

 

 

قلت: قال البخاري في ((التاريخ)) (4 / 2 / 80) :

((في حديثه وهم كثير، وصدوق في الأصل)) . وقال أحمد:

((مضطرب الحديث، روى مناكير)) .

وضعفه آخرون. ولذلك؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :

((صدوق سيئ الحفظ)) .

قلت: فمن كان هذا حاله فأحسن أحواله أن يستشهد بحديثه ويتقوى بغيره،

وأما أن يحتج به فلا، ولذلك، قال ابن خزيمة بعد تضعيفه إياه فيما نقله عنه

آنفا ً:

((فإن ثبت هذا الخبر؛ ففيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ودعا وقلب رداءه مرتين: مرة قبل الصلاة ومرة بعدها)) .

وإنما قال هذا على فرض ثبوته؛ توفيقا ًبينه وبين حديث عبد الله بن زيد الذي

ذكرته قبل هذا بألفاظ، منها لفظ ابن خزيمة:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فخطب، واستقبل القبلة، ودعا

واستسقى، وحول رداءه، وصلى بهم.

والأََوْلََى أن يقال ـ إن ثبت ـ: إنه تجوز الصلاة قبل الخطبة والدعاء والتحول

والتحويل، كما يجوز العكس؛ لثبوت هذا في ثلاثة أحاديث صحيحة كما تقدم

بيانه في الحديث السابق. ومادام أنه لم يثبت هذا الحديث المخالف لها؛ فلا يؤخذ

به. هذا هو الذي يقتضيه قاعدة الجمع بين الأحاديث المقبولة التي ذكرها الحافظ

في ((شرح النخبة)) ؛ فتنبه.

 

(12/286)

 

 

ولذلك؛ فإني أقول:

لقد تبين لي وأنا أعد لهذا البحث والتحقيق: أن بعض العلماء لم يكن

موقفهم تجاه هذا الحديث ونحوه الموقف الذي يوجبه التحقيق والتجرد والإنصاف،

لا من الناحية الحديثية ولا من الناحية الفقهية، وإليك بعض الأمثلة بالقدر الذي

تحصل به العبرة.

أما الناحية الحديثية؛ فقد مر بك قول البيهقي في هذا الحديث أنه تفرد به

النعمان بن راشد، وما قاله أحمد والبخاري وغيرهما فيه من الضعف، ومع ذلك

فقد وجدت ما يأتي:

أولا ً: نقل الحافظ في ((التلخيص الحبير)) (2 / 98) عن البيهقي أنه قال

في كتابه ((الخلافيات)) :

((رواته ثقات)) .

كذا قال! وما أظن أنه خفي عليه الضعف المشار إليه آنفا ً، ومع ذلك أقره عليه

الحافظ! وهو القائل في رواية (النعمان) :

((صدوق سيئ الحفظ)) كما تقدم.

ثم نقله عنه الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4 / 4) ، والشيخ البنا الساعاتي

في ((الفتح الرباني)) (6 / 233) ؛ دون أي تعقيب أو تعليق! وكذلك فعل الشيخ

أحمد الغماري في ((مسالك الدلالة على مسائل متن الرسالة)) (ص 89) وزاد

عليهم أنه لم يعزه للحافظ، فأوهم أنه نقله من ((الخلافيات)) مباشرة! وكذلك

فعل في تخريج سائر الأحاديث، نقلها عن ((تلخيص الحافظ)) دون أي عزو إليه أو

 

(12/287)

 

 

ذكر له! !

ثانيا ً: لم يقف الأمر بالحافظ عند ما ذكرنا؛ بل إنه زاد في الطين بِِلة؛ فقال في

كتابه ((الدراية)) (1 / 226) :

((وإسناده حسن)) !

قال هذا، وهو يرى أصله الذي بين يديه (أعني: ((نصب الراية)) للزيلعي)

يتعقب قول البيهقي: ((تفرد به النعمان. . . . . .)) بقوله:

((قال البخاري: هو صدوق؛ لكن في حديثه وهم كبير)) .

وهذا الحديث مما يؤكد هذا القول؛ فإن النعمان قد رواه عن الزهري بسنده عن

أبي هريرة.

وقد رواه الثقات من أصحاب الزهري عنه بسندٍ آخر له عن عبد الله بن يزيد

الأنصاري نحوه، وفيه تقديم الخطبة على الصلاة؛ كما تقدم بيانه وتحقيقه في

الحديث الذي قبله.

فتفرد النعمان بهذا الإسناد والمتن عن الزهري دون أصحابه الثقات مما يجعل

حديثه شاذا ً لو كان ثقة، فكيف وهو سيء الحفظ بشهادة الحافظ نفسه! فكيف

يقول: ((إسناده حسن)) ؟ ! ليغتر به المعلق الفاضل على كتابه ((فتح الباري)) (2 /

500 - المطبعة السلفية) ، فيجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة المعارضة له بجواز

الأمرين!

ثالثا ً: وأنكر من ذلك كله: قول البوصيري في ((الزوائد)) (ق 79 / 2) و (1 /

150 - طبعة دار العربية) :

 

(12/288)

 

 

((هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات. . . . ورواه الحاكم. . . . .)) .

ولم أره في ((مستدرك الحاكم)) ولا رأيت غيره عزاه إليه! وكأنه لما رأى شيخَه

الحافظ َ سكت عن قول البيهقي: ((رواته ثقات)) ؛ استلزم منه صحة إسناده!

وليس بلازم كما لا يخفى على أهل العلم.

وقد اغتر به أبو الحسن السندي في ((حاشية ابن ماجه)) (1 / 384) ، فنقل

تصحيحه هذا ساكتا ً عليه أيضا ً!

وأما الناحية الفقهية؛ فأغرب، من حيث الابتعاد عن المنهج العلمي، وهاك

بعض الأمثلة:

الأول: عمل بهذا الحديث المنكر المالكية والشافعية، فذهبوا إلى تأخير الخطبة

عن الصلاة، ونص على ذلك مالك في ((الموطأ)) ، والشافعي في ((الأم)) ، وتبعهم

الإمام أبو يوسف كما نقله عنه أبو جعفر الطحاوي، واحتج له بقياس صلاة

الاستسقاء على صلاة العيدين (1) ! مع كونه يعلم أنه خلاف الأحاديث الصحيحة

المتقدمة، وقد خرجها كلها، ومن بَدَهِيات الفقه: أنه لا اجتهاد ولا قياس في

مخالفة النص.

ولقد كان أسعد الناس في هذه المسألة الإمام محمد بن الحسن؛ فإنه وفق

للسنة فيها؛ فقد ذكر في كتابه ((الحجة على أهل المدينة)) مذهبهم فيها مثلما

ذكرته عن مالك، ثم قال (1 / 333) :

((وقد كان أهل المدينة يقولون قبل هذا: يبدأ الإمام في الاستسقاء بالخطبة

قبل الصلاة بمثل فعله في الجمعة)) . قال: ((وقول أهل المدينة الآخر أحب إلينا من

__________

(1) وذكر الباجي في ((المنتقى)) (1 / 332) نحوه موجهاً لقول مالك وفق قول أبي يوسف.

 

(12/289)

 

 

قولهم الأول)) .

ثم ساق حديث ابن عباس، وحديث عبد الله بن زيد المازني المتقدمين، مع

شاهد لهما من فعل الصحابة يحسن أن أسوقه هنا إتماما للفائدة، فقال:

أخبرنا سفيان الثوري قال: حدثنا أبو إسحاق (السبيعي) عن عبد الله بن

يزيد الأنصاري (وهو الخَطمي) قال:

خرج يستسقي بالكوفة ـ وقد كان رأى النبي صلى الله عليه وسلم ـ، فقام قائما ً على رجليه

على غير منبر، فاستسقى واستغفر، فصلى ركعتين. قال: ووافقنا زيد بن أرقم في

الاستسقاء.

وتابعه: عبد الرزاق في ((المصنف)) (3 / 86) عن الثوري به؛ لكن وقع في

متنه خطأ بينه الحافظ في ((الفتح)) (2 / 513) ، فراجعه إن شئت.

وتابعه: زهير ـ وهو ابن معاوية الجعفي ـ قال: ثنا أبو إسحاق به. وزاد في

أوله:

وخرج فيمن كان معه: البراء بن عازب، وزيد بن أرقم. قال أبو إسحاق: وأنا

معه يومئذ ٍ. وفي آخره:

((ونحن خلفه، فجهر فيهما بالقراءة، ولم يؤذ?ن يومئذ ٍ ولم يُقِمْ)) .

أخرجه البخاري (2 / 513 / 1022) ، والطحاوي (1 / 193) ، والبيهقي

(3 / 349) وقال:

((رواه الثوري عن أبي إسحاق قال: فخطب ثم صلى، ورواه شعبة عن أبي

إسحاق قال: فصلى ركعتين، ثم استسقى، ورواية الثوري وزهير أشبه)) .

 

(12/290)

 

 

يعني أن شعبة انقلب عليه هذا الأثر، فذكر الصلاة قبل الخطبة، وهو خطأ منه

على السبيعي؛ كما أخطأ معمر على الزهري في قلبه لحديثه عن عباد عن عبد الله

ابن زيد؛ كما تقدم تحقيق ذلك في الحديث الذي قبله.

ويشير برواية الثوري إلى رواية عبد الرزاق المتقدمة عنه، ولفظه:

فخطب، ثم صلى بغير أذان ولا إقامة. قال: وفي الناس يومئذٍ البراء بن عازب

وزيد بن أرقم.

ورواها ابن أبي شيبة في " المصنف " مختصراً فقال (2 / 473) : حدثنا

وكيع قال: ثنا سفيان عن أبي إسحاق قال:

خرجنا مع عبد الله بن يزيد الأنصاري نستسقي، فصلى ركعتين، وخلفه زيد

ابن أرقم.

ورواه الفسوي في " تاريخه " (2 / 630) : حدثنا قبيصة قال: ثنا سفيان به

قال:

بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن يزيد الخطمي: أن استسق بالناس،

فخرج وخرج الناس معه، وفيهم زيد بن أرقم والبراء بن عازب.

ورواية شعبة التي أشار إليها البيهقي؛ وصلها مسلم (5 / 199) من طريق

محمد بن جعفرعنه.

وقد خالفه سليمان بن حرب وأبو الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير عن شعبة

بلفظ:

وصلى بالناس ركعتين.

 

(12/291)

 

 

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 211 - 212) ؛ لكن سقط منه

ذكر عبد الله بن يزيد، ولعله من الناسخ أو الطابع.

قلت: فهذا اللفظ ليس صريحاً في مخالفة لفظ الثوري وزهير، فليحمل عليه،

بخلاف لفظ محمد بن جعفر؛ فإنه صريح في ذلك؛ فلا بد من الترجيح، ولا

شك أن رواية الجماعة أرجح من رواية الفرد، وبخاصة إذا كان فيه نوع كلام؛ فقد

قال الحافظ في ترجمته - أعني: ابن جعفر، وهو المعروف بـ (غُنْدَر) -:

" ثقة صحيح الكتاب؛ إلا أن فيه غفلة ".

وبالجملة؛ فالصحيح المحفوظ في هذا الأثر تقديم الخطبة على الصلاة وفق

الرواية المحفوظة في حديث عبد الله بن زيد المازني وحديث عائشة وابن عباس. فلا

جرم أن يكون الإمام محمد أسعد الناس بالسنة؛ لإيثاره إياها على ما خالفها.

الثاني: استمرار الشافعية والحنفية - خلافاً للإمام محمد - على ترجيح

وتفضيل تقديم الصلاة على الخطبة، وهم يعلمون أن ما في " الصحيحين " وغيرهما

عن عبد الله بن زيد وعائشة وابن عباس أصح وأكثر؛ كما تقدم بيانه، ولو أنهم

عكسوا لأصابوا؛ لأنه ليس لهم حجة إلا ذاك الحديث الشاذ وهذا الحديث المنكر،

حتى إن الامام الشيرازي لم. يحتج في " المهذب " إلا به، ومع أنه ذكره في موضع

آخر منه؛ فقد مر عليه النووي في شرحه عليه: " المجموع " (5 / 66، 77) فلم

يخرجه مطلقاً، ولا استدل بغيره على مذهبه؛ بل إنه صرح (5 / 93) بأنه

الأفضل؛ قال:

" فلو خطب قبل الصلاة؛ صحت الخطبة، وكان تاركاً للأكمل "! وتبعه

العيني في " عمدة القاري " (4 / 34) .

 

(12/292)

 

 

فلا أدري - والله! - كيف يتجرأون على مثل هذا القول المخالف للأحاديث

الصحيحة وفعل الصحابة كما تقدم في أثر عبد الله بن يزيد الأنصاري، وليس

بأيديهم ما يساويها ثبوتاً، فضلاً عن أن تكون أقوى منها دلالة؟ ! فلو أنها كانت

ثابتة لما دلت على أكثر من الجواز، فالأفضلية من أين؟ !

ومن ذاك القبيل؛ قول محدِّثهم الأكبر - بحق - في " فتح الباري " (2 / 500) :

" ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدأ بالدعاء، ثم

صلى ركعتين ثم خطب، فاقتصر بعض الرواة على شيء، وبعضهم على شيء،

وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة، فلذلك وقع الاختلاف "! ونقله عنه الشوكاني

(4 / 5) !

فأقول:

أولاً: الجمع فرع التصحيح، فما دام أنه لم تثبت خطبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الصلاة؛

فلا جمع؛ لأنه يشترط فيه أن تكون الروايتان المختلفتان من قسم (المقبول) ؛ كما

ذكر ذلك الحافظ نفسه في " شرح النخبة ".

وثانياً: يدفع الجمع المذكور برواية ابن خزيمة المتقدمة في أول هذا التخريج؛

فإنها صرحت بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما استسقى خطب ودعا. فسقط الجمع المذكور،

فوجب الاعتماد على الأحاديث الصحيحة فقط والأثر الموافق لها. ولعل هذا

مذهبُ الحافظ ابن المنذر؛ فقد قال النووي عقب ما سبق نقله عنه:

" وأشار ابن المنذر إلى استحباب تقديم الخطبة، وحكاه عن عمر بن الخطاب

وغيره، وحكاه العبدري عن عبد الله بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، والليث بن

سعد ".

 

(12/293)

 

 

الثالث - وهو أغرب وأعجب -: استمرار الحنفية في متونهم على إنكار شرعية

الجماعة في صلاة الاستسقاء، كما في " شرح الكنز " للعيني (1 / 63) ، و " البحر

الرائق " لابن نجيم المصري (2 / 281) ، و " الدر المختار " (1 / 790) بشرحه " رد

المحتار " وغيرها! وقال ابن عابدين في " شرحه " (1 / 791) :

" وكلام المصنف لـ " الكنز " يفيد عدم المشروعية؛ كما في " البحر "، وتمامه في

" النهر "، وظاهر كلام " الفتح " ترجيحه "! يعني: " فتح القدير " لابن الهمام.

كل ذلك منهم خلاف للأحاديث والآثار؛ بل وخلاف قول الإمامين أبي

يوسف ومحمد، وتعصباً منهم للإمام أبي حنيفة؛ فإنه تفرد بذلك من بين الأئمة؛

بل إن ظاهر كلامه أنه ينكر شرعية الصلاة للاستسقاء مطلقاً، وسلفه في ذلك

إبراهيم النخعي؛ فإنه كان لا يصليها. فقد روى ابن أبي شيبة فيه المصنف " (2 /

474) بسنده الصحيح عن أسلم العجلي - وهو ثقة - قال:

خرج الناس مرة يستسقون، فخرج معهم إبراهيم، فلما فرغوا؛ قاموا يصلون،

فرجع إبراهيم ولم يُصَلِّ معهم.

وفي رواية له: أن الإمام كان المغيرة بن عبد الله الثقفي.

وكذا رواه الإمام محمد في " الحجة على أهل المدينة " (1 / 333 - 334) ؛

ولكنه قال: " المغيرة الثقفي ".

وإسنادهما منقطع. وقال محمد (1 / 332) :

" قال أبو حنيفة: لا نرى في الاستسقاء صلاة. وكان يرى أن يخرج الإمام

فيدعو ".

ثم ذكر مذهب أهل المدينة في صلاة الاستسقاء - وقد سبق نقله عنه -، ثم قال:

 

(12/294)

 

 

" وكان إبراهيم النخعي يقول بقول أبي حنيفة: " يرى في ذلك صلاة ".

قلت: ورأيهما هذا لا يمكن توجيهه إلا على أنه لم تبلغهم تلك الأحاديث

الصحيحة والآثار عن السلف، وإلا؛ لقالوا بها، وكانوا مع الجماعة؛ إذ من المقطوع

به أنه لا عداء بين أحد وبين السنة، وبخاصة من كان منهم من الأئمة، كيف

وهم القائلون:

" إذا صح الحديث فهو مذهبي "؟ !

وإن في موقفهما هذا من هذه الصلاة المسنونة تنبيهاً على أمرين هامين:

الأول: أن الأصل في العبادات المنع إلا لنص، فلما لم يبلغهما؛ وقفا مع

الأصل، ولولا ذلك لقالا فيها كما يقول كثير من الناس اليوم لأهل السنة حين

ينكرون عليهم البدعة في العبادة: (يا أخي! شو فيها، كفاكم تشدداً؟ !) .

والآخر: قول الإمام الشافعي:

" ما من أحد إلا وتذهب عليه سُنَّةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزبُ عنه، فمهما قلتُ

من قول، أو أصَّلتُ من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت؛ فالقول ما

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قولي ". ونحوه قول الأئمة المتقدم:

" إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي ". وقول أبي حنيفة:

" إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاتركوا قولي ".

انظر تخريج هذه الأقوال في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "، المقدمة.

ولكن؛ هل ائتمر أصحاب أبي حنيفة بأمره هذا لهم فتركوا قوله بعدم شرعية

صلاة الاستسقاء؟

 

(12/295)

 

 

لقد انقسموا فريقين:

أما المتقدمون منهم؛ فقد تركوه وقالوا بها؛ كالإمام محمد وأبي يوسف

والطحاوي كما تقدم، وكالحافظ الزيلعي من المتأخرين كما يأتي.

وأما المتأخرون منهم؛ فكانوا متعصبين للإمام على اختلاف بينهم:

أ - فمنهم من انتصر للإمام وقده فيما ذهب إليه من نفي الشرعية، وتجاهل

تلك الأحاديث والآثار الصحيحة؛ بل ونفى ما لم ينفه الإمام؛ كالمرغيناني في

" الهداية "؛ فقال (2 / 58 - بشرح فتح القدير) :

" ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى، ولم ترو عنه الصلاة "!

فردَّ عليه الحافظ الزيلعي بقوله في " نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية "

(2 / 238) فقال:

" أما استسقاؤه عليه السلام؛ فصحيح ثابت، وأما أنه لم يرو عنه الصلاة؛

فهذا غيرصحيح؛ بل صح أنه صلى فيه؛ كما سيأتي ".

ثم ساق الأحاديث المتقدمة.

ب - ومنهم من لم يستطع أن ينكر روايتها؛ لشهرتها في " الصحيحين "

و" السنن " و " المسانيد " وغيرها؛ ولكنه كابر فقال بشذوذها؛ كابن الهمام في

" الفتح " (2 / 59) ، والخوايزمي على " الهداية " (2 / 58) ! بل إن ابن الهمام

نقل عن الإمام محمد أنه قال في " الكافي " - جمعه بعضهم من كلام محمد -:

" لا صلاة في الاستسقاء، إنما فيه الدعاء؛ بلغنا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خرج

ودعا، وبلغنا عن عمر أنه صعد المنبر فدعا واستسقى. ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم

 

(12/296)

 

 

في ذلك صلاة إلا حديث واحد شاذ لا يؤخذ به ".

قلت: وهذا مما لا أظنه ثابتاً عن الامام محمد، كيف وهو قد روى في " الحجة "

حديثين اثنين بإسنادين ثابتين كما تقدم؟ ! ومثل هذا النقل عن الإمام محمد مما

يجعلنا نشك في كثير مما يذكره الحنفية في كتبهم معزواً لأئمتهم.

ثم ما هو هذا الحديث الواحد؟ وما هو وجه شذوذه؟ !

ولئن سلم بالشذوذ فيه؛ فكيف يمكن أن يقال به في أحاديث ثلاثة صحيحة

الأسانيد كلها تلتقي في قضية واحدة، وهي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة الاستسقاء،

وفي أكثر من حادثة واحدة؟ ! تالله! لئن كان يصح في العلم أن يقال في مثله:

" شاذ "؛ فليس في الدنيا حديث صحيح غير شاذ!

ج - وبعضهم - لشدة تعصبه لإمامه ورفعه فوق مستوى الأئمة - صعب عليه

أن يعتقد أن إمامه ينفي شرعية الصلاة! لأن لازم ذلك الاعتراف بأنه لم يطلع على

أحاديثها، ثقل عليهم هذا؛ فتأولوا كلامه بتأويلين ينبو كلامه عنهما:

الأوَّل: أنه يعني نفي سنية الصلاة، لا عدم جوازها!

والآخر: أنه لا يعني نفي شرعية الصلاة مطلقاً، وإنما يعني صلاتها بجماعة!

(انظر " شرح الكنز " و " الهداية " وشروحها) (1) .

ولذلك؛ نقموا على الحافظ الزيلعي إنكاره ما نسبوه إلى الإمام من إنكاره

لإنكاره الذي ذكره في " الهداية "! وليس يخفى على أحد أن ذلك كله تكلف

بارد، وأن عبارة الإمام صريحة في إنكار شرعية صلاة الاستسقاء، فتأويل ذلك بما

تقدم باطل ظاهر البطلان؛ لمخالفته لعموم قوله: " لا نرى في الاستسقاء صلاة ".

__________

(1) و " فيض الباري " للشيخ أنور الكشميري (2 / 377) .

 

(12/297)

 

 

كما قال محمد عنه، ويزيده بياناً قوله عنه: " وكان يرى أن يخرج الإمام فيدعو ".

فهذا فقط الذي يراه الإمام رحمه الله، فكيف يصح أن ينسب إليه أنه يرى شرعية

صلاة الاستسقاء لا سنيتها، أو صلاتها انفراداً لا جماعة!

ثم ليت شعري كيف يجوز أن ينسب إليه شرعية صلاتها منفرداً وليس في

ذلك خبر ولا أثر؟ !

وختاماً أقول:

كفاكم أيها القوم لفاً ودوراناً دفاعاً عن إمامكم مع أنه ليس بمُليم؛ لأنه وقف

عند ما علم، فعليكم باتباع ما ثبت في السنة؛ فإنها هي الأصل، فإذا فاتت

الإمام؛ فلم تفتكم، وقامت بها الحجة عليكم، فقولوا للناس:

صلاة الاستسقاء سنة؛ فعلها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإِ غير مرة، وبين يديها خطبة، ودعاء

وتضرع، فإن اقتصر على الدعاء جاز؛ لكن ما ذكر من الخطبة والصلاة منه أفضل.

هذا هو الذي يتحصل من الأحاديث الواردة في هذا الباب. واللله تبارك وتعالى

هو الهادي إلى الصواب.

5631 - (سُنَّةُ الاستسقاء سُنَّةُ الصَّلاةِ في العيدَين؛ إلا أَنّ رسولَ الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلبَ رداءَه، فجَعَلَ يمينهُ على يسَارِه، ويسارَهُ على يمينِه، وصلى

ركعتينِ، وكبّرّ في الأولى سبْعَ تكبيراتٍ، وقرَأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الَأَعْلَى} ،

وقرأَ في الثانية {هَلْ أتاكَ حديثُ الغاشية} ، وكبّر فيها خَمْسَ تكبيرات) .

ضعيف جداً.

أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 316 - كشف الأستار) ،

والدارقطني في " السنن " (2 / 66) ، والحاكم (1 / 326) ، والبيهقي (3 /

 

(12/298)

 

 

348) من طريق محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة بن يحيى قال:

أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء، فقال:. . . فذكره.

وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:

" قلت: ضُعِّف عبد العزيز ".

وأقول: عبد العزيز هذا - وهو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف -؛ ما علمت

أحداً ضعفه، ولا أورده الذهبي في " الضعفاء " ولا في " الميزان "، ولذا؛ استدركه

عليه الحافظ في " اللسان "، ولم يذكر في ترجمته سوى قول ابن القطان:

" مجهول الحال ".

فأنا أظن أنه سقط من قلم الذهبي أو الناسخ اسم ابن عبد العزيز: محمد؛

فإنه هو المعروف بالضعف، والمترجم في " الميزان " و " اللسان "، وقال فيه الذهبي

في " الضعفاء ":

" ضعفوه ". وهو بمعنى قوله في " التلخيص ":

" ضُعِّف ".

فهو هو. والله أعلم.

 

(12/299)

 

 

((قال [ابن] أبي حاتم في كتابه - يعني: ((الجرح والتعديل)) (4 / 1 / 7) - سألت أبي عنه؟ فقال: هم ثلاثة إخوة: محمد, وعبد الله, وعمران؛ بنو عبد العزيز, والثلاثة ضعفاء ليس لهم حديث مستقيم)) .

وبهذا أعله الزيلعي في ((نصب الراية)) (2 / 240) , وزاد فقال: ((قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث)) .

وبقول النسائي هذا أعله الهيثمي, فقال في ((المجمع)) (2 / 212) .

((رواه البزار, وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري, وهو متروك)) .

قلت: فالسند ضعيفٌ جدًا, ومتنه منكر كما يأتي بيانه.

ولقد ألان القول فيه بعض الشافعية! ولعل المذهبية لا دخل لها في ذلك, خلافًا لما تجلى من موقف الحنفية من أحاديث صلاة الاستسقاء, كما شرحته في الحديث السابق, وكما يأتي من بعضهم في الحديث التالي! فقال النووي في المكان المشار إليه آنفًا من

((المجموع)) :

((حديث ضعيف)) . وقال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (2 / 500) :

((فيه مقال)) ! وسكت عنه في ((الدراية)) (1 / 226) ؛ مع أن أصله - ((نصب الراية)) - أعله بالعلتين السابقتين!

وحاول البهيقي تقويته بقوله عقب ما نقلته عنه آنفًا:

((وهو بما قبله من الشواهد يقوى)) !

 

(12/300)

 

 

وفيه نظر من وجوه:

الأول: أن الذي يقوى إنما هو الضعيف بسبب سوء حفظ الراوي, وليس كذلك هنا؛ فإن محمد بن عبد العزيز ضعيف جدًا؛ كما يشعر بذلك قول البخاري والنسائي المتقدم فيه, ويؤكده قول ابن حبان فيه (2 / 246) : ((كان ممن يروي عن الثقات المعضلات, وإذا انفرد أتى بالطامات عن أقوام أثبات حتى سقط الاحتجاج به, وهو الذي جُلِد مالك بمشورته)) .

قلت: فمثله لا يتقوى حديثه بغيره ولا كرامة!

الثاني: أن البهيقي لم يذكر قبله ما يصح أن يقال فيه: ((من الشواهد)) ! اللهم إلا طريقًا أخرى عن ابن عباس بلفظ: ((خرج متبذلاً متواضعًا متضرعًا حتى جلس على المنبر, فلم يخطب كخطبتكم هذه؛ ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير, وصلى ركعتين كما كان يصلي العيد)) .

وإسناده حسن؛ كما بينته في ((صحيح أبي داود)) (1058) , و ((الإرواء))

(665) .

الثالث: أن جملة: ((كما كان يصلي في العيد)) ؛ لا تصلح شاهدًا لحديث الترجمة؛ لأنها مجملة, وتفصيلها في حديث الترجمة, فلو أنه ثبت لكان مفسرًا لها, ومعناها: في العدد والجهر بالقراءة؛ لأن هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة, والتشبيه لا يستلزم المماثلة من كل جانب, ولذلك؛ فقول العيني في ((عمدة القاري)) (7 / 34) عطفًا على ما ذكرته من المعنى:

 

(12/301)

 

 

((وفي كون الركعتين قبل الخطبة)) ؛ غير مسلم؛ لأمرين:

الأول: أنه خلاف المحفوظ في حديث عبد الله بن زيد المازني وغيره من الأحاديث الثابتة؛ كما تقدم بيانه قبل حديث.

والآخر: قوله في حديث ابن عباس من الطريق الحسن:

((جلس على المنبر, فلم يخطب كخطبتكم. . .)) ؛ فهو بمفهومه يشعر بأنه خطب على المنبر؛ ولكن ليس كالخطب المعتادة, ولذلك؛ قال أبو الحسن السندي في ((حاشية ابن ماجه)) : ((أي: بل كان جل خطبته الدعاء والاستغفار والتضرع)) .

قلت: فإذا كان في حديث ابن عباس الحسن خطبة؛ فقد كانت قبل الصلاة وفق الأحاديث الأخرى, فسقط قول العيني المذكور. والله اعلم.

وبالجملة؛ فإسناد الحديث ضعيف جدًا, ومتنه منكر, لخلوه من شاهد معتبر.

والله ولي التوفيق.

وقد عارضه الحديث الآتي بعده.

وله شاهد من حديث أنس بنحوه أطول منه؛ إلا أنه لم يذكر التكبيرات, وقدم الصلاة, وأخر قلب الرداء, مع زيادات كثيرة؛ فقال: ((وقلب رداءه - قال: لكي ينقلب القحط إلى الخصب - , ثم جثا على ركبتيه, ورفع يديه, وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي, ثم قال: ((اللهم! اسقنا. . .)) . فذكر دعاءً طويلاً, ثم قال:

 

(12/302)

 

 

((فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب, ثم مطرت عليهم سبعة أيام لا تقلع عن المدينة. . .)) . الحديث بطوله, وآخره في ((الصحيحين)) بنحوه ويأتي الإشارة إليه في تحت الحديث الآتي, وفيه: ((اللهم! حوالينا ولا علينا. . .)) . الحديث.

أخرجه الطبراني في ((الأحاديث الطوال)) المطبوع في آخر (المجلد الخامس والعشرين) من ((المعجم الكبير)) (ص 242 - 243 رقم 27) وفي (الأوسط)

(2 / 181 / 7769) قال: حدثنا أبو يعلى محمد بن إسحاق بن إبراهيم شاذان: حدثني أبي: ثنا مجاشع بن عمرو: ثنا ابن لهيعة: ثنا عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أنس به. وقال: ((لم يروه عن الزهري إلا عقيل, ولا عن عقيل إلا ابن لهيعة, ولا عنه إلا مجاشع بن عمرو, تفرد به شاذان)) .

قلت: هذا لقب إسحاق بن إبراهيم, قال ابن ابي حاتم (1 / 1 / 211) :

((كتب إلي وإلى أبي, وهو صدوق)) . وذكره ابن حبان في ((الثقات)) .

لكن قال الحافظ في ((اللسان)) : ((له غرائب ومناكير)) .

قلت: ولعلها ممن فوقه, كما هو الحال في هذا الحديث؛ فإن مجاشع بن عمرو هو آفة الحديث؛ قال ابن معين: ((قد رأيته, أحد الكذابين)) .

 

(12/303)

 

 

وبه أعله الهيثمي (2 / 213) .

وابن لهيعة؛ ضعيف.

ومن الغرابة بمكان: أن الحافظ أورد منه جملة: ((لكي ينقلب الجدب إلى الخصب)) معزوًا للطبراني في ((الطوالات)) , وسكت عليه في ((التلخيص)) (2 / 101) مع علمه بضعفه الشديد!

5632 - (استسقى, فخطب قبل الصلاة, واستقبل القبلة, وحول رداءه, ثم نزل, فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرةً تكبيرةً)

منكر بذكر (التكبيرة) . أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (2 / 281 / 1 / 9262) : حدثنا مسعدة بن سعد العطار: ثنا إبراهيم بن المنذر: ثنا محمد بن فليح: حدثني عبد الله بن حسين بن عطاء عن داود بن بكر بن أبي الفرات عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك مرفوعًا. وقال: ((لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن حسين إلا محمد, تفرد به إبراهيم)) .

قلت: وعلته عبد الله هذا؛ فإنه متفق على تضعيفه؛ بل قال البخاري في ((التاريخ))

(3 / 1 / 72) : ((فيه نظر)) . ولذلك جزم الحافظ بضعفه في ((التقريب)) .

ومسعدة - شيخ الطبراني -؛ لم أجد له ترجمة.

ثم إن الحديث في ((الصحيحين)) وغيرهما من طرق أخرى غير شريك بن عبد الله بن أبي نمر به بلفظ آخر مطول, في استسقائه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يوم

 

(12/304)

 

 

الجمعة بطلب رجل وقوله:

يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل. . . الحديث بطوله.

وكذلك أخرجاه من طرق أخرى عن أنس به. وليس فيه قوله: ((واستقبل القبلة وحول رداءه. . .)) إلخ.

فهو منكر من حديث أنس؛ لكنه ثابت من حديث عبد الله بن زيد المازني في

((الصحيحين)) وغيرهما - كما تقدم تحقيقه تحت الحديث (5629) - دون قوله: ((لم يكبر إلا تكبيرة تكبيرة)) . ولم أجد شاهدًا, فهو منكر.

ومن الغريب: أن جماعة من الحنفية ذكروا هذا الحديث من رواية ((الأوسط)) ساكتين عنه؛ كالزيلعي في ((نصب الراية)) (2 / 240 - 241) , وابن الهمام في ((الفتح)) (2 / 59) , والعيني في ((عمدة القاري)) (7 / 35) وعلي القاري في

((مرقاة المفاتيح)) (2 / 283) وهم نخبة محدثي الحنفية, وكأن ذلك لموافقته لمذهبهم! ولذلك عارضوا به حديث الشافعية الذي قبله! ومع أن الحافظ ابن حجر لما ذكره في ((الدراية)) (1 / 226) لم يضعفه, ولا بين علته؛ إلا أنه أشار إلى الرد عليهم بقوله: ((قلت: ولا حجة فيه؛ فإنها كانت حينئذ صلاة الجمعة)) .

وليس هذا بظاهر من الحديث! بل هو حجة لهم لو صح؛ ولكنه منكر كما ذكرنا.

والله أعلم.

(تنبيه) : هذا الحديث من شرط الهيثمي في ((المجمع)) ؛ ولكنه لم يورده! وكأنه ظن أنه مختصر من حديث شريك المشار إليه ((الصحيحين)) , وهذا

 

(12/305)

 

 

مخرج في ((الإرواء)) (2 / 144 - 145 / 416) , وهو في كتابي

((مختصر البخاري)) برقم (497 ج 1 طبع المكتب الإسلامي) سقته فيه سياقًا مطولاً, جمعت إليه كل الزيادات والفوائد من كل الطرق والروايات المبعثرة في ((البخاري)) ,

وذلك من توفيق الله وفضله.

5633 - (كان إذا استسقى قال: اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريًا, توسع به لعبادك, تغزر به الضرع, وتحيي به الزرع) .

ضعيف جدًا. أخرجه البهيقي (3 / 356) من طريق أبي الشيخ الأصبهاني وغيره عن يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد رفعه.

وهذا إسناد ضعيف جدًا؛ كما الحافظ, وآفته يعلى هذا؛ قال الذهبي في ((الضعفاء)) : ((قال البخاري: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال ابن حبان: وضعوا له أحاديث يحدث بها ولم يدرِ)) .

 

(12/306)

 

 

5634 - (كان إذا استسقى قال: اللهم أنزل في أرضنا زينتها وسكنها, [وارزقنا وأنت خير الرازقين] ) (*) .

ضعيف. أخرجه البزار (661) , والطبراني في ((الكبير)) (7 / 263, 270, 276) - والزيادة له في رواية - من طرق عن الحسن عن سمرة مرفوعًا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف, وكذا قال الحافظ في ((التلخيص)) (2 / 100) ,

__________

(*) خرّج الشيخ - رحمه الله - هذا الحديث قبل ذلك برقم (4168) . فليتنبه. (الناشر) .

 

(12/306)

 

 

وذلك لأن الحسن البصري مختلف في سماعه من سمرة, ثم هو إلى ذلك مدلس وقد عنعنه.

ولا يقويه أن البزار رواه من طريق أخرى, فقال (662) : حدثنا خالد بن يوسف: حدثني أبي يوسف بن خالد: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة: ثنا خبيب ابن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة به.

وذلك أنه مسلسل بالضعفاء والمجهولين:

أولاً: سليمان بن سمرة؛ مجهول الحال؛ كما قال ابن قطان.

ثانيًا: ابنه خبيب؛ مجهول؛ كما قال ابن حجر.

ثالثًا: جعفر بن سعد بن سمرة؛ ليس بالقوي؛ كما قال في ((التقريب)) .

رابعًا: يوسف بن خالد - وهو السمتي -؛ قال الحافظ:

((تركوه, وكذبه ابن معين, وكان من فقهاء الحنفية)) .

خامسًا: ابنه خالد بن يوسف؛ قال الذهبي:

((أما أبوه؛ فهالك, وأما هو؛ فضعيف)) .

من أجل ذلك لم يحسن الهيثمي حين قال في ((المجمع)) (2 / 215) - بعد أن عزاه للطبراني والبزار -: ((وإسناده حسن أو صحيح)) !

ونقله عنه الشيخ الأعظمي في تعليقه على ((كشف الأستار)) وسكت عنه!

 

(12/307)

 

 

وذلك مما يد القارئ على مبلغ معرفته بهذا العلم الشريف وتحقيقه فيه!

5635 - (اعتمر صلى الله عليه وسلم من الجعرانة, وقال: اعتمر منها سبعون نبيًا) .

منكر بزيادة: (وقال. . .) إلخ. أخرجه ابن سعد في ((الطبقات)) (2 / 172) من طريق ابن لهيعة عن عياض بن عبد الرحمن عن محمد بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر. . .

قلت وهذا إسناده واهٍ بمرة؛ مسلسل بالعلل:

الأولى والثانية: محمد بن جعفر هذا؛ لم أعرفه, وهو تابعي فيما يبدو لي.

الثالثة: ضعف الراوي عنه, وهو عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن الفهري المدني نزيل مصر, وهو مع كونه من رجال مسلم؛ ففيه كلام, حتى قال فيه البخاري:

((منكر الحديث)) . ولذا؛ قال الحافظ: ((فيه لين)) .

الرابعة: ابن لهيعة؛ وهو مشهور بالضعف.

وأما اعتماره صلى الله عليه وسلم من (الجعرانة) ؛ فثابت في ((الصحيحين)) وغيرهما من حديث ابن عمر وأنس وابن عباس, وهي مخرجة في ((صحيح أبي داود))

(1739 - 1740) . ولابن عباس حديث آخر في اعتماره صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه من الجعرانة, وهو مخرج في ((إرواء الغليل)) (4 / 292 / 1094) .

(فائدة) : (الجعرانة) بكسر أوله, وأصحاب الحديث يكسرون عينه

 

(12/308)

 

 

ويشددون راءه, وهما روايتان. وهي ماء بين الطائف ومكة, وهي إلى مكة أقرب.

نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين وأحرم منها. وهي من مكة على بريد من طريق العراق.

وفي حاشية ((أخبار مكة)) للأزرقي بقلم رشدي الصالح ملحس (1 / 185) :

((وهي في طريق الحج العراقي, تيعد عن مكة خمسة عشر كيلو مترًا, فيها مسجد, وبئر قديم ماؤه عذب, وهو أحد متنزهات المكيين)) .

وفي ((النهاية)) لابن الأثير: ((هو موضع قريب من مكة, وهي في الحل,

وميقات للإحرام)) .

قلت: وكأنه يعني أنه ميقات لمن أراد العمرة من أهل مكة. فيخرج إليها ليحرم بها منها. وهو ما صرح به في ((المهذب)) (7 / 204 - بشرح النووي) !

وفي ذلك نظر عندي من وجهين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من مكة إلى (الجعرانة) ليعود إليها فيحرم منها! بل إنه قدم إليها من الطائف (وبينها وبين مكة نحو (130)

كيلو مترًا) , فإنه صلى الله عليه وسلم لما لقي (هوازن) بوادي (حُنين) وهزمهم؛ ذهب إلى الطائف فحاصرهم, ثم رجع إلى (الجعرانة) , فقسم فيها غنائم (حنين) , ثم اعتمر من (الجعرانة) داخلاً مكة. وكأنه صلى الله عليه وسلم بدا له وهو فيها أن يعتمر, وإلا فميقات القادم من الطائف إنما هو (قرن المنازل) ؛ كما هو معروف من حديث المواقيت (انظر ((الإرواء)) 4 / 178) , وقرن المنازل بينها وبين مكة أحد وخمسون ميلاً؛ كما في ((المعجم)) (4 / 332) , ولذلك؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى)) (26 / 45) :

 

(12/309)

 

 

((ومن الفقهاء من استحب لمن اعتمر من مكة أن يحرم من (الحديبية) أو

(الجعرانة) , محتجًا بعمرة النبي صلى الله عليه وسلم! وهو غلط؛ فإن الحديبية كانت موضع حله لما أحصر, ولم تكن موضع إحرامه. وأما (الجعرانة) ؛ فإنه أحرم منها داخلاً إلى مكة؛ لأنه أنشأ العمرة من هناك. . .))

والآخر: أنه لما ذكر المواقيت قال: ((هن لهن, ولمن أتى عليهن من غير أهلهن؛ ممن يريد الحج والعمرة, ومن كان دون ذلك؛ فمهله من أهله, حتى أهل مكة من مكة)) .

أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس, وهو مخرج في ((الإرواء)) (4 / 174 / 996)

قلت: فهذا نص في أن أهل مكة لا حاجة بهم إلى خروج إلى (الجعرانة) أو غيرها للإحرام منها.

وأما أمره صلى الله عليه وسلم لعائشة بأن تعتمر من التنعيم؛ فهي قضية خاصة بها وبأمثالها من الحيض إذا أصابها؛ ما أصابها كما حققه ابن القيم في ((زاد المعاد)) .

5636 - (الدنيا دول, فما كان منها لك؛ أتاك على ضعفك, وما كان منها عليك؛ لم تدفعه بقوتك، ومن انقطع رجاؤه فمات؛ استراح بدنه, ومن رضي بما رزقه الله؛

قرت عيناه)) .

موضوع. أخرجه الدينوري في ((المنتقى من المجالسة)) (24 / 2 - مخطوطة حلب -)

من طريقين عن الحسين بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعًا.

 

(12/310)

 

 

قلت: وهذا موضوع، ولعل المتهم به هو الدينوري نفسه، واسمه أحمد بن

مروان؛ فقد قال الدارقطني فيه بعد أن اتهمه بحديث آخر:

" وهو عندي ممن كان يضع الحديث ". قال الذهبي:

" ومشاه غيره ".

قلت: والحسين بن موسى؛ لم أعرفه، ولا أورده الشيعة في كتبهم؛ كالنجاشي

في " رجاله "، والحُلِّي أيضاً في " رجاله "؛ لا في القسم الأول الخاص فيمن اعتمد

على روايته، ولا في القسم الثاني الخاص فيمن تركت روايته، فيمكن أن

يكون هو الآفة! والله أعلم.

والحديث؛ أورده الماوردي في " الأمثال والحكم " (ص 69) من طريق علي

ابن الحسين عن أبيه عن جده به. ولم يعزه لأحد! وهو مما فات المعلق عليه الدكتور

فؤاد عبد المنعم أحمد مخرجه، فقال:

" لم أقف عليه "!

5637 - (الناسُ كشَجَرَةٍ ذاتِ جَنْي، ويوشك أن يَعُودوا كشجرةٍ

ذاتِ شَوْك؛ إن ناقدتَهُم ناقَدُوك، وإن تركتَهم لم يترُكُوك، وإنْ هربت

منهم طلَبُوكً. قالوا: وكيف المخرجُ مِنْ ذلك؟ قال: تُقْرِضهم عرْضَك ليومِ

فَقْرِك) .

ضعيف.

أخرجه الخلعي في " الفوائد " (2 / 60 / 1) ، وابن عساكر في

" تاريخ دمشق " (5 / 314 / 1) عن بقية بن الوليد عن صدقة بن عبد الله عن

أبي وهب عن مكحول عن أبي أسامة الباهلي مرفوعاً.

 

(12/311)

 

 

قلت: وهذا إسناد واهٍ؛ بقية؛ مدلس، وقد عنعنه.

وصدقة بن عبد الله؛ ضعيف.

ومكحول؛ مدلس أيضاً؛ بل قال أبو حاتم:

" لم ير أبا أمامة ".

وقيل: إنه رآه.

والحديث؛ عزاه الحافظ في " المطالب الجالية " (3 / 152) لأبي يعلى،

وسكت عنه هو والمعلق عليه الأعظمي! وعزاه العجلوني في " كشف الخفاء " (2 /

327) للديلمي، ولم أره في النسخة المصورة التي عندي، ثم إن العجلوني سكت

عنه أيضاً، فلا أدري من أين أخذ الدكتور فؤاد عبد المنعم تصديره إياه بقوله في

تعليقه على " الحكم والأمثال " للماوردي (69) :

" ضعيف ".

ولم ينقله عن أحد، ولا هو بيّن سبب الضعف!

ونحو الفقرة الأولى من الحديث: ما رواه ابن حبان في " روضة العقلاء "

(ص 88) عن مالك بن أنس أنه بلغه عن أبي ذر قال:

" كان الناس ورقاً لا شوك فيه، فهم اليوم شوك لا ورق فيه ".

5638 - (لِيرُدَّك - يا أبا ذر - عن الناسِ والقَوْل فيهم ما تعرفُ مِنْ

نَفْسِك، لاتَجِدْ عليهم فيما تأتي به، فكفى بالمرءِ عيباً أن يكونَ فيه

ثلاثُ خِصَال:

 

(12/312)

 

 

1 - أن يعرفَ مِنَ الناسِ ما يجْهَلُهُ عن نفْسِهِ.

2 - ويَجِدَ عليهم فيما يأتي.

3 - ويؤذيَ جليسَهُ فيما لا يَعْنِيهِ) .

ضعيف جداً.

أورده هكذا الماوردي في " الأمثال والحكم " (ص 70) ، قال:

روى أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

كذا ذكره بصيغة الجزم عن الخولاني، وبالتالي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهو

تساهل منه مخالف لما تقرر في علم المصطلح، أو وهم! اغتر به المعلق عليه الدكتور

فؤاد عبد المنعم أحمد؛ فقال:

" حسن (!) أخرجه عبد (وفي الأصل: عبيد!) ابن حميد في " تفسيره "،

والطبراني في " الكبير " عن أبي ذر، وهو جزء من حديث بلفظ: ". . . ليحجزك

عن الناس ما تعرفه من نفسك. . . ". " الجامع الصغير " (99) . وضعيف جداً

في نظر الألباني " ضعيف الجامع " (233) الحديث (2121) ، ويبدأ بلفظ:

أوصيك بتقوى الله تعالى. . . "!

فأقول - والله المستعان -:

في هذا التخريج على إيجازه مؤاخذات:

الأولى: قوله: " وهو جزء مثل حديث بلفظ "؛ لغو لا قيمة له تذكر مع قوله

بعد: " ويبدأ بلفظ. . . "؛ فلو قال: " وهو جزء من حديث يبدأ بلفظ. . . "؛

 

(12/313)

 

 

لكان أوجز وأفيد، ولا سيما في مجال التعليق والاختصار؛ إلا إن كان يعني بيان

الفرق بين لفظ الحديث في " الأمثال ": " ليردك ". ولفظه في " الجامع الصغير ":

" ليحجزك "، وحينئذٍ نقول: إنّه فرق لفظي لا قيمة له من حيث المعنى،

ولا سيما وقد اقترن بإهمإل ما ينبغي بيانه من الفروق كما يأتي في المؤاخذة

الرابعة!

الثانية: أن عزوه الحديث للطبراني خطأ، نتج من اعتماده في التخريج على

" الجامع الصغير " كما رأيت، وقد عزاه لـ " تفسير ابن حميد "، و " معجم

الطبراني الكبير "، وهو حديث طويل فيه عديد من الوصايا الجميلة بعضها ثابت

في غيره، فانظر - مثلاً - الحديث (555) في " الصحيحة "، وعند الرجوع إلى

" المعجم " تبين أنه ليس فيه هذا القدر الذي ذكره الماوردي! وهذا من شؤم التقميش

والتحويش والاعتماد على المختصرات من كتب التخريح دون الرجوع إلى الأصول

للتثبت من اتفاق الروايات أو اختلافها؛ لكيلا يقع في مثل هذا العزو الخاطئ!

الثالثه: وهي فرع عن اعتماده السابق؛ فإن الظاهر من بياننا الآنف الذكر: أن

الحديث أو القدر المشار إليه ليس عند الطبراني وعند ابن حميد يقيناً. وليس ذلك

بلازم؛ فقد عزاه في " الجامع الكبير " لمصدرين آخرين أيضاً، وهما (هب، ابن

عساكر) ، فيحتمل أن يكون القدر المشار إليه عند أحدهما، وليس لابن حميد،

واحتمال كونه عند " شعب البيهقي " غير وارد؛ لأنني رجعت اليه فوجدته لم

يذكر منه إلا قوله: " ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك ". كما يأتي الإشارة

إلى ذلك قريباً بإذن الله تعالى، فدار الاحتمال المذكور بين ابن حميد وابن عساكر،

فهل هو لهما كليهما معاً أم لأحدهما؟ وإذا كان الثاني منهما فمن هو؟ هذا ما لا

يمكننا الإجابة عليه؛ لعدم تيسر الوصول إلى كتابيهما لا مخطوطاً ولا مطبوعاً، ولا

 

(12/314)

 

 

رأيت أحداً من الحفاظ نص عليه نصاً يمكن الاعتماد عليه في الإجابة.

وإنما قلت: إن ذلك ليس بلازم؛ لأنني حين ألفت كتابيَّ: " صحيح الجامع "

و" ضعيف الجامع "؛ لاحظت كثيراً أنه يعزو الحديث لمؤلفَيْن فأكثر، ويكون

السياق أو اللفظ لبعضهم؛ بل رأيته أحياناً يعزوه لبعضهم والسياق لغيره ممن ذكرهم

في " الجامع الكبير "، فبدا لي أن السبب أنه نقل أحاديث من " الكبير " إلى

" الصغير "، ولم ينقل معها كل مخرجيها، وإنما بعضهم، فيتفق أن المخرجين

المذكورين في " الصغير " لا يكون عندهم - أو على الأقل عند بعضهم - السياق

المنقول إليه؛ كما هو الواقع في هذا الحديث. فثبت خطأ الدكتور فؤاد في عزوه

للطبراني يقيناً، ولابن حميد احتمالاً. والله أعلم.

الرابعة: وعلى التسليم بأن الحديث هو في رواية ابن حميد؛ فهو يختلف عن

لفظه في " الأمثال " في موضعين منه:

الأول: قوله في الخصلة الثانية: " ويجد عليهم فيما يأتي "، وفي " ابن

حميد ":، ويستحي لهم مما هو فيه ".

والآخر: ليس عنده في الخصلة الثالثة: " فيما لا يعنيه ".

فكان ينبغي على الدكتور أن يبين هذه الفوارق، ولا يشغل نفسه والقراء ببيان

ما لا طائل تحته منها؛ كما تقدم توضيحه في المؤاخذة الأولى.

الخامسة: أن الحديث في " صحيح ابن حبان " (94 - موارد) و " حلية أبي

نعيم " (1 / 167 - 168) - بطوله - دون الخصلة الثالثة.

السادسة: - وهي أهمها - تحسينه للحديث! فإنه مما لا وجه له ألبتة من حيث

 

(12/315)

 

 

الصناعة الحديثية؛ لأنه عند المذكورين اَنفأ والطبراني أيضاً في " المعجم الكبير "

(2 / 157 / 1651) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: حدثني

أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني به.

قلت: فهذا إسناد ضعيف جداً؛ اَفته إبراهيم هذا؛ فقد قال فيه أبو حاتم وأبو

زرعة:

" كذاب ".

ولم يوثقه غير ابن حبان والطبراني كما يأتي، وهما من المتساهلين. ولذلك؛

قال فيه الذهبي - في ترجمة يحيى بن سعيد الآتي من " الميزان " -:

" أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان؛ فلم يصب ". وقال في " الضعفاء

والمتروكين ":

قال أبو حاتم وغيره: " ليس بثقة "، وثقه الطبراني، وحكى أبو حاتم ما يدل

على أنه لا يعي الحديث ".

وأبوه هشام بن يحيى؛ لم أجد له ترجمة (*) ؛ إلا قول الطبراني عقب حديث

آخر رواه من طريق آخر عن ابنه إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني

بإسناده عن عائشة، في " المعجم الصغير " (ص 89 - هندية) ، فقال عقبه:

" لم يروه عن يحيى بن يحيى - وكان من الثقات - إلا ولده، وهم ثقات ".

وانظر " الروض النضير " (783) .

__________

(*) هو في " الجرح والتعديل " (9 / 70 / 270) ، وقال أبو حاتم: " صالح الحديث ". (الناشر) .

 

(12/316)

 

 

وللحديث طريق أخرى واهية جداً كالتي قبلها: أخرجها ابن حبان في " الضعفاء "

(3 / 129) ، وابن عدي في " الكامل " (7 / 2699) ، وأبو نعيم أيضاً (1 /

198 - 199) ، والحاكم (2 / 597) ، ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (2 /

65 / 1) من طريق يحيى بن سعيد الكوفي السعدي: ثنا ابن جريج عن عطاء

عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال:

دخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال لي:

" يا أبا ذر! إن للمسجد تحية؛ فقم فاركعها ". ثم ذكر الحديث الطويل في

وصية أبي ذر.

قلت: هذا لفظ ابن حبان، وابن عدي بنحوه، لم يسق أحد منهم لفظه؛ غير

أن أبا نعيم قال: " مثله "؛ أي: مثل حديث إبراهيم المتقدم.

وذكر الحاكم - بعد التحية -: الصلاةَ وأنها خير موضوع، والإيمان، وعدد

الأنبياء والرسل. وقال عقبه:

" وذكر باقي الحديث ". وذكر البيهقي منه قوله:

" أوصيك بتقوى الله. . . " إلى قوله:

" ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك ". وقال ابن عدي:

" وهذا حديث منكر ". وقال ابن حبان:

" ليس من حديث ابن جريج ولا عطاء ولا عبيد بن عمير، وأشبه ما فيه رواية

أبي إدريس الخولاني ".

 

(12/317)

 

 

أورده في ترجمة يحيى بن سعيد هذا، وقال:

" يروي عن ابن جريج المقلوبات، وعن غيره من الثقات الملزقات ". وقال

العقيلي في " الضعفاء " (4 / 404) :

" لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل ". وذكر الحافظ في " اللسان "

أن ابن عدي قال فيه:

" ليس بالمعروف ".

وليس هذا في المطبوعة منه، والذي فيها بعد حديث ابن جريج هذا:

" يعرف بهذا الحديث ".

ولعل الأصل: " لا يعرف إلا بهذا الحديث ".

وحينئذ يكون الحافظ ذكره بالمعنى. والله أعلم.

(تنبيه) : حديث أبي ذر من رواية إبراهيم بن هشام الغساني حديث طويل،

على ضعفه الشديد فيه مواعظ وفوائد كثيرة، كثير منها قد صحت في أحاديث

متفرقة، وقد أشرت إليها في كتابي الجديد " صحيح موارد الظمآن "، وهو تحت

الطبع، يسر الله نشره (*) .

5639 - (لا تكونُ لأَحَدٍ بعدَكم. يعني: مُتْعَةَ الحج) .

منكر.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 231 / 8573) من طريق

صهيب بن محمد بن عباد بن صهيب: نا عباد بن صهيب: نا سعيد بن المرزبان

__________

(*) وقد صدر الكتاب بعد وفاة الشيخ - رحمه الله -. والحمد لله.

 

(12/318)

 

 

أبو سعد البقال عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال:

مررنا على أبي ذر بـ (الربذة) ، فسألناه عن المتعة في الحج؛ فقال:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مهلُّون بالحج، فلما قدمنا مكة؛ أمرنا،

فأحللنا، ووطئنا النساء، فلم يحل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل أنه ساق الهدي، ثم

قال:. . . فذ كره. وقال:

" لم يروه بهذا التمام عن أبي سعد إلا عباد بن صهيب، تفرد به صهيب ".

قلت: لم أجد له ترجمة؛ لكن قال عبدان في ترجمة جده عباد بن صهيب:

" لم يكذبه الناس، وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر

الأمر ". كما في " اللسان ".

لكن لينظر: هل صهيب هذا الذي اتهمه عبدان بالتلقين هو صهيب بن محمد

ابن عباد بن صهيب المذكور في سند هذا الحديث، الذي يكون صهيب حفيد عباد

ابن صهيب، وهذا جده - وهذا ما جاء مصرحاً به في حديث آخر لصهيب هذا

قال: ثني جدي عباد بن صهيب. . . في " المعجم الصغير " للطبراني (رقم 523 -

الروض النضير) -، وعليه: يكون عبدان قد أسقط جده المباشر ونسبه إلى جده

الأعلى، أم هو غيره كما يشعر بذلك قول الحافظ في آخر حرف الصاد من " اللسان ":

" صهيب بن محمد بن صهيب ابن أخي عباد بن صهيب. له ذكر في ترجمة

عمه عباد بن صهيب ".

والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما عباد بن صهيب؛ فقال الذهبي في " الضعفاء ":

 

(12/319)

 

 

(تركه غير واحد، وبعضهم رماه بالكذب، وأما أبو داود فقال: صدوقٌ قَدَرِيّ) .

قلت: ونحوه ما رواه الطبراني في الصغير، عقب الحديث المشار إليه آنفًا: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سألت أبي عن عباد بن صهيب فقال:

(إنما أنكروا عليه مجالسته لأهل القدر، فأما الحديث فلا بأس فيه) .

وهذه الرواية عن أحمد قد خلت منها كتب التراجم، فلتستفد من الحافظ الطبراني الذي ليس بينه وبين الإمام أحمد سوى عبد الله بن أحمد.

وأبو سعد البقال، قال الذهبي في الضعفاء:

(ليس بالحجة، قال ابن معين: لا يُكتب حديثه، وقال أبو زرعة: صدوق مدلس، وقال الفلاس: متروك) .

قلت: وأنا أرى أنه علة هذا الحديث، فإنه - مع ضعفه الشديد - فقد خالفه جمعٌ من الثقات، رووه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر موقوفًا عليه، قال:

(كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة) .

أخرجه مسلم (4 / 46) وغيره، ومنهم الطبراني في المعجم الصغير، وقد خرّجته في الروض النضير (رقم 949، 450) .

فهذا هو المحفوظ عن أبي ذر، موقوف، ثم هو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، وسأله سراقة بن مالك بن جعشم فقال: عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد الأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى، وقال:

(دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا، بل لأبد أبد [ثلاث مرات] ) .

 

(12/320)

 

 

ظر كتابي حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه (ص 60 - 62) والتعليق عليه.

بل الحديث مخالفٌ لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} ، ولذلك قال الإمام أحمد: رحم الله أبا ذر! هي في كتاب الرحمن: {فمن تمتع. . .} الآية، ذكره ابن القيم في زاد المعاد (1 / 290) .

5640 - (كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمع أهلها تأذين بلال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلّون في مساجدهم، أقربها مسجد بني عمرو بن مبذول من بني النجار، ومسجد بني ساعدة، ومسجد بني عبيد، ومسجد بني سلمة، ومسجد بني راتج من بني عبد الأشهل، ومسجد بني زُريق، ومسجد بني غِفار، ومسجد أسلم، ومسجد جُهَيْنة، ويشكّ في التاسع) .

ضعيف. أخرجه الدارقطني في سننه (2 / 85) من طريق أبي داود السجستاني، وهذا في المراسيل (ص 6 - مختصره) بسند صحيح عن ابن لهيعة: أبن بكير بن الأشجّ حدّثه: أنه كان في المدينة. . . إلخ.

قال في التعليق المغني لأبي الطيب العظيم أبادي:

(هذا حديث مرسل، ورواته كلهم ثقات، غير ابن لهيعة) !

قلت: هذا الاستثناء لا وجه له عندي، لأنه من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة، وهو صحيح الحديث، فهو ثقة أيضًا، وإنما علة الحديث الإرسال فقط.

هذا، ولعل هذا الحديث هو حجة من ابتدع الأذان الموحد في عمان - الأردن،

 

(12/321)

 

 

ون غيرها من البلاد الإسلامية، فإنهم يذيعون الأذان في مسجد أبي درويش في الأشرفية، فيعطلون الأذان في سائر المساجد! ومع أن الحديث ضعيف كما بينّا فإنه ليس صريحًا في ذلك.

ولست أدري - والله! - كيف تجرّأ على إحداث هذه البدعة من أحدثها بعد هذه القرون الطويلة، ومع استمرار سائر عواصم البلاد الإسلامية على المحافظة على الأذان في كل مسجد وإعلانه بواسطة مكبر الصوت!

5641 - (خير العمل ما نفع، وخير الهدي ما اتبع، وخير ما ألقي في القلب اليقين) .

ضعيف. أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (ق 100 / 2) عن عبد الله بن نافع قال: نا عبد الله بن مصعب بن خالد بن زيد بن خالد الجهني عن أبيه عن جده زيد بن خالد مرفوعًا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، لجهالة عبد الله بن مصعب، كما تقدّم بيانه تحت الحديث المتقدم برقم (2464) .

وأزيد هنا فأقول: وأبو مصعب بن خالد، ينبغي أن يكون مثله في الجهالة، فإني لم أجد له ذكرًا في شيء من كتب التراجم التي عندي، حتى ولا في ثقات ابن حبان ولا في الضعفاء له! ولا ذكره المزي في الرواة عن أبيه خالد ابن زيد بن خالد، الأمر الذي يدل على أنه غير معروف لديهم، والله أعلم.

تنبيه: أورد الماوردي هذا الحديث في الأمثال (ص: 83) بلفظ:

(خير العلم. . .) دون جملة: القلب.

 

(12/322)

 

 

من طريق مصعب بن منظور عن عقبة بن عامر مرفوعًا، فقال المعلق عليه الدكتور فؤاد:

(حسن، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عقبة بن عامر، إسعاف الطلاب، كما أخرجه القضاعي في مسند الشهاب عن زيد بن خالد الجهني، اللباب 189 و275، وفيه [العمل] موضع [العلم] ، كما أخرجه الطبراني عن زيد بن خالد مرفوعًا، كشف الخفاء 1 / 457) !

قلت: فيه ملاحظات:

الأولى: تحسينه إياه مجرد دعوى - وممن لا ممارسة له في هذا العلم! - ولا سيما وقد عرفت ضعف إسناد القضاعي.

الثانية: عزوه لشعب الإيمان، نقله عن إسعاف الطلاب (ص 275) ، والذي فيه (هق) أي: البيهقي في السنن، وأما شعب الإيمان فالرمز له (هب) ! على أني بحثت عنه في مظانه من السنن فلم أره! وكذلك فتّشت عنه في الجزء الأول المطبوع من الشعب وفي المجلد الثاني المصور منه: فلم أعثر عليه لننظر في إسناده.

الثالثة: إن كان إسناده إلى عقبة من الطريق التي ساقها الماوردي - وهو الغالب على الظن - ففيها جهالة أيضًا، لأن مصعب بن منظور لم أجد له ترجمة أيضًا في شيء من كتب الرجال، ومنها ثقات ابن حبان والضعفاء له.

وأما عزوه في الكشف للطبراني، فهو تابع في ذلك للسخاوي في المقاصد الحسنة (ص 201) ، دون جملة: القلب، وزاد:

 

(12/323)

 

 

(. . . وخير الناس أنفعهم للناس) .

وأشار لضعفه! وهذه الزيادة لها شواهد خرّجتها في الصحيح (427) ، ولم يورده الهيثمي في مجمع الزوائد، ولا رأيته في شيء من معاجم الطبراني الثلاثة، فلعله في بعض كتبه الأخرى، مثل مكارم الأخلاق ومسند الشاميين، والله أعلم.

5642 - (أيّما عبد جاءته موعظة من الله في دينه، فإنما هي نعمة من الله سيقت إليه، فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله [عليه] ، ليزداد بها إثمًا، ويزداد الله عليه بها سخطًا) .

ضعيف. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2 / 407 / 1) من طريق أبي جعفر أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي: ثنا محمد بن مصعب القرقساني: حدثني الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال:

بعث إليّ أمير المؤمنين وأنا بالساحل، فلما وصلت إليه سلمت عليه بالخلافة، فرد عليّ وأجلسني، ثم قال: ما الذي بطأ بك عنا يا أوزاعي؟ قلت: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الأخذ عنكم، والاقتباس من علمكم، قلت: فانظر يا أمير المؤمنين لا تجهل شيئًا مما أقول لك، قال: وكيف أجهل وأنا أسألك عنه، وفيه وجّهت إليك، وأقدمتك له؟ قلت: أن تسمعه ولا تعمل به يا أمير المؤمنين! من كره الحق: فقد كره الله، إن الله هو الحق المبين، قال: فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة، فطابت نفسي وانبسطت في الكلام، وقلت: يا أمير المؤمنين! حدثني مكحول عن عطية بن بُسْر قال:. . . فذكره مرفوعًا.

 

(12/324)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن مصعب القرقساني: صدوقٌ كثير الغلط.

وأحمد بن عبيد: ليّن الحديث، كما في التقريب.

وعطية بن بسر: كذا الأصل، لكن السين فيه بالمعجمة! وهو خطأ من الناسخ، ويؤيده: أن الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية (6 / 136) من طريق أحمد بن عبيد به.

وكذلك رواه ابن شاهين من طريق محمد بن مصعب به، ذكره الحافظ في ترجمة عطية بن بسر من الإصابة.

لكن أورده السيوطي في الجامع الصغير من رواية ابن عساكر، وفي الجامع الكبير من روايته ورواية ابن النجار عن عطية بن قيس!

وقد رأيته في تاريخ دمشق لابن عساكر (5 / 152 / 1) بهذا الإسناد عن عطية بن قيس، وقال المناوي في فيض القدير:

( [عن عطية بن قيس] أخي عبد الله المازني، شامي، وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مُخرّجًا لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر، ولا لأحدٍ ممن وضع لهم الرموز، وهو عجب! فقد خرّجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن عطية المذكور) .

قلت: وفاته أمور:

الأول: عزوه لأبي نعيم، وهو أقدم ممن ذكرهم.

الثاني: أنه ليس عند البيهقي عن عطية بن قيس، وإنما عن عطية بن بسر كما تقدم.

 

(12/325)

 

 

الثالث: أن عطية بن قيس ليس أخا عبد الله المازني، وإنما هو عطية بن بسر! ويؤكد وهمه هذا: قوله في التيسير:

(عن عطية بن قيس المازني) .

وليس في الصحابة من اسمه عطية بن قيس المازني، وإنما عطية بن بسر المازني.

وثمة خطأ آخر وقع له في التيسير، وهو قوله عقب ما تقدم:

(ورواه عنه أيضًا البيهقي وغيره، وإسناده حسن) !

وكأنه خفي عليه أن فيه القرقساني الكثير الخطأ، لأنه في الفيض أعله بالراوي عنه أحمد بن عبيد! ومع أن هذا ليّن الحديث ولا يستحق حديثه التحسين: فقد تابعه أحمد بن يزيد الحوطي: عند أبي نعيم، لكنه شكّ فيه فقال:

حدثنا سليمان بن أحمد: ثنا أحمد بن يزيد الحوطي - فيما أرى - ثنا محمد بن مصعب القرقساني. . .

والحوطي هذا لم أعرفه، وليس هو في شيوخ الطبراني في معجمه الصغير يقينًا، ولا في المعجم الأوسط غالبًا، والله أعلم.

وقد ذكر البيهقي عن الحاكم أن هذا الحديث تفرّد به أحمد بن عبيد، فالله أعلم.

ثم روى أبو نعيم والبيهقي من طريق القرقساني بسنده المتقدم عن عطية بن بسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(12/326)

 

 

(أيما والٍ بات غاشًا لرعيته: حرّم الله عليه الجنة) .

لكن هذا له شواهد يقوى بها، عن معقل بن يسار وعبد الله بن معقل، فانظر الصحيحة (2631) ، والحديث المتقدم (5236) .

5643 - (من لم يعرف [فضل] نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه: فقد قصر علمه، ودنا عذابه) .

ضعيف جدًا. أخرجه ابن عدي في الكامل (5 / 1922) ، والخطيب في التاريخ (6 / 52) من طريق عبد الرحيم بن هارون الغساني، أخبرنا هشام بن حسان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا.

قلت: وهذا إسنادٌ ضعيف جدًا، رجاله كلهم رجال الشيخين، غير الغساني هذا، قال ابن عدي:

(روى أحاديث مناكير عن قوم ثقات) .

وقال الدارقطني:

(متروك الحديث، يكذب) .

قلت: ولقد أساء الماوردي في أمثاله (ص 85) بإيراده الحديث بصيغة الجزم، فقال: (روى هشام بن عروة. . .) إلخ! وحقه أن يقول: (روى عبد الرحيم ابن هارون. . .) إلخ.

ولم يخرجه المعلق عليه - الدكتور فؤاد - بشيء إلا بقوله:

(أورده ابن حنبل في الزهد 134 ونسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه) !!

وهذا خطأ من وجوه:

 

(12/327)

 

 

أولاً: أنه ليس عن علي، بل عن أبي الدرداء!

ثانيًا: أنه موقوف عليه في موعظة له، وليس مرفوعًا.

ثالثًا: إسناده منقطع بين الحسن وأبي الدرداء.

وهذا الحديث من الأدلة الكثيرة على أن الدكتور قصير الباع في تخريج الأحاديث ومعرفة مصادرها، وكل - أو على الأقل: جل - اعتماده في ذلك على غيره من المخرجين والمحققين!

5644 - (لا إيمان لمن لا حياء له) .

باطل منكر. أورده الماوردي في الأمثال (ص 87) : روى أبو مالك الأسدي عن الزهري عن مجمع بن حارثة (!) عن عمه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(الحياء شعبة من الإيمان، ولا لإيمان. . .) .

عزا الدكتور فؤاد الشطر الأول منه لصحيح الجامع (3 / 102) وغيره، وأما الشطر الثاني: فلم يتعرّض له بذكر، كما هي عادته في الأحاديث العزيزة الغريبة!

وهو إسناد مظلم، لم أعرف منه غير الزهري الإمام، واسمه محمد بن مسلم ابن شهاب، ولم يذكر الحافظ المزي - في ترجمته - من شيوخه مجمع بن حارثة، ولا في الرواة عنه أبا مالك الأسدي.

ثم ذكر بالسند نفسه - إلا أنه قال: مجمع بن جارية عن عمه رفعه -:

(إنما يُدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له) .

 

(12/328)

 

 

ثم رجعت إلى معجم الحديث الذي كنت جمعته من مخطوطات المكتبة الظاهرية وغيرها، فوجدت هذا الحديث فيه من رواية أبي محمد الجوهري في حديث ابن المظفر الحافظ (1 / 2 / 1 - 2) عن حسين بن بسطام قال: ثنا بشر بن غالب أبو مالك عن الزهري عن مجمع بن جارية عن عمه به.

فانكشف لي - والحمد لله - أن قوله في الحديث الأول (حارثة) خطأ من الطابع أو الناسخ، وأن أبا مالك اسمه بشر بن غالب، وهو مجهول، كما كنت ذكرت تحت الحديث الأول من هذه السلسلة، وقد روى النسائي - وعنه الدولابي - الشطر الثاني منه، وقال:

(حديث باطل منكر) ، فراجعه.

وأزيد هنا فأقول:

إن حسين بن بسطام غير معروف عندنا، وقد أورده ابن حجر في اللسان، ولم يزد على قوله فيه:

(ذكره ابن النجاشي في رجال الإمامية، وذكر أن له تصانيف في الطب) .

إذا عرفت هذا: فقد تبيّن حال الحديث الأول، وأنه باطل منكر كالحديث الآخر، لأنهما بإسناد واحد.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

5645 - (قال لقمان لابنه: إن العاقل يُبصر ما لا يرى بعينه بقلبه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب) .

منكر. ذكره الماوردي في الأمثال (ص 87) : روى أبو بلال العجلي

 

(12/329)

 

 

عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.

قلت: قال الذهبي في الميزان - وتبعه الحافظ في اللسان -:

(أبو بلال العجلي عن حذيفة: مجهول، وأتى بخبرٍ منكر) .

وأنا أظن أنه يعني هذا، فإن الجملة الأخيرة منه: (الشاهد يرى ما لا يرى الغائب) هي من حِكِم نبينا صلى الله عليه وسلم، كما رواه البخاري في التاريخ، والضياء في المختارة، وغيرهما، من حديث عليّ وغيره، وهو مخرّج في الصحيحة (1904) .

5646 - (لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة) .

ضعيف. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (565 / 2) ، والترمذي (2034) ، وابن حبان في صحيحه (2078 - موارد الظمآن) ، وفي روضة العقلاء (ص 218 - السنة المحمدية) ، وفي الضعفاء (1 / 164) ، والحاكم في المستدرك (4 / 293) ، وأحمد (3 / 8، 69) ، وأبو نعيم في الحلية (8 / 324) ، والخطيب في تاريخ بغداد (5 / 301) ، كلهم من طرق عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعًا.

وقال الترمذي:

(حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه) !

وقال الحاكم:

(صحيح الإسناد) ! ووافقه الذهبي!

وقال أبو نعيم:

(غريب من حديث عمرو بن الحارث، لم يروه عنه إلا عبد الله) .

قلت: هو ثقة معروف، وكذلك مَنْ فوقه، غير درّاج، وكنيته أبو السمح، قال

 

(12/330)

 

 

الحافظ في " التقريب " ملخصا أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه - كعادته -:

" صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف ".

ولذلك: استنكرله ابن عدي في " الكامل " أحاديث، هذا أحدها، وقال المناوي في " الفيض " عقب تصحيح الحاكم والذهبي المتقدم:

" وليس كما قال! ففي " المنار " ما حاصله: أنه ضعيف. وذلك لأنه لما نقل عن الترمذي أنه: حسن غريب، قال: ولم يبين المانع من صحته! وذلك، لأن فيه دراجا، وهو ضعيف. وقال ابن الجوزي: تفرد به دراج. وقد قال أحمد: أحاديثه مناكير. وحكم القزويني بوضعه، لكن تعقبه العلائي بما حاصله أنه ضعيف لا موضوع ".

قلت: ومع ضعف دراج، فقد خالفه ابن زحر - وهو ضعيف أيضا -، فرواه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال:. . . فذكره موقوفا عليه. ولعله الصواب.

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " 565 / 1)

وأخرج البخاري أيضا (564) - والسياق له -، وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 597) مختصرا، وكذا ابن حبان في " الروضة " (ص. 220) عن هشام بن عروة عن أبيه قال:

كنت جالسا عند معاوية، فحدث نفسه، ثم انتبه فقال:

" لا حكيم إلا ذو تجربة ".

وإسناده صحيح. وعلقه البخاري في " صحيحه " (10 / 529 - فتح) بصيغة الجزم مختصرا أيضا، وهو مما يؤكد أن الحديث أصله موقوف، ولعله كان

 

(12/331)

 

 

عندهم من الحكم المتداولة بينهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.

هذا، ومع وضوح علة هذا الحديث وضعفه، فقد اختلفت أقوال العلماء حوله، ما بين مصحح ومحسن ومضعف كما رأيت، ومن ذلك: أن الحافظ سكت عن التصحيح والتحسين المشار إليهما في " رده على القزويني " المطبوع في آخر " المشكاة " (3 / 312) بتحقيقي) . ولعل ذلك لأن همه كان متوجها لرد حكم القزويني عليه بالوضع، وليس التحقيق في مرتبته، وإلا، فقوله المتقدم في راويه (دراج) يستلزم أن يكون الحديث ضعيفا.

وهو الصواب الذي تقتضيه قاعدة: " الجرح المفسر مقدم على التعديل " التي يتفرع عنها: أن التضعيف مقدم على التصحيح إذا تبينت العلة، كما هنا.

ولذلك، فقد أخطأ من قلد الترمذي في تحسينه - ولا سيما وهو من المتساهلين كابن حبان والحاكم - كالمعلق على " جامع الأصول " (11 / 699) ، والمعلق على " الأمثال الحكم " للماوردي (ص99) قال:

" ويرى الألباني أن الحديث ضعيف، ضعيف الجامع 6 / 79 "! !

ولم يقدم أي دليل في مخالفته لهذا التضعيف الذي يقتضيه قواعد هذا العلم الشريف كما ألمحت إليه آنفا!

وأسوأ من ذلك كله: قول المناوي في " التيسير ":

" وإسناده صحيح "! وقلده الزرقاني في " مختصر المقاصد "!

فكأنه نسي - أو لم يستحضر - رده على الحاكم والذهبي تصحيحهما إياه في " الفيض " كما نقلته عنه آنفا!

 

(12/332)

 

 

ومن هذا القبيل: قول الشيخ فضل الله الجيلاني في تعليقه على " الأدب المفرد " (2 / 27) :

" أخرجه المصنف في أدب " الصحيح "، والترمذي وأحمد وصححه ابن حبان "!

فأوهم أن الحديث صحيح أخرجه البخاري في " الصحيح "، وإنما أخرج فيه أثر معاوية معلقا كما تقدم!

وهناك وهم آخر وقع للشيخ إسماعيل العجلوني، فإنه عزا الحديث في " كشف الخفاء " (2 / 354) لابن ماجة! ولم يروه من الستة إلا الترمذي، كما أفاده الحافظ المزي في " تحفة الأشراف "!

5647 - (أربع لا وعد فيهن: ننظر، وعسى، ويقضي الله، وما شاء الله) .

موضوع. ذكره الماوردي في " الأمثال " (ص 101) قال: روى أبان بن يونس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . . فذكره.

بيض له الدكتور فؤاد! وذلك، لأنه غير معروف في شيء من كتب السنة التي وقفت عليها من مطبوع أو مخطوط، لكن سكوته عليه غير حسن، فإنه ظاهر الوضع ركيك اللفظ، وقد قال ابن الجوزي - كما في " تدريب الراوي " (1 / 277) -:

" ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع. قال: ومعنى مناقضته للأصول: أن يكون خارجا عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة ".

 

(12/333)

 

 

ثم إنني أرى أن قوله: " أبان بن يونس " خطأ من الناسخ أو الطابع، لأنه لا يوجد في الرواة من هو بهذا الاسم! فأظن أن الصواب: " أبان عن أنس ". وهو أبان بن أبي عياش، وهو معروف بالإكثارمن الرواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه، حتى قال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 96) :

" لعله روى عن أنس أكثر من ألف وخمس مئة حديث، ما لكبير شيء منها أصل يرجع إليه ".

ولذلك، اتهمه بعض الأئمة بالكذب، وصرح جمع منهم بأنه متروك الحديث.

5648 - (الحلم والتؤدة من النبوة، ومن عجل، فقد أخطأ) .

ضعيف. ذكره الماوردي في " الأمثال " (ص101) معلقا على سعيد بن بشير عن قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، فإن قتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو تابعي ثقة، وليس صحابيا كما يشعر الترضي المقرون باسمه! وهو من جهل الناسخ.

وسعيد بن بشير، ضعيف، كما في " لتقريب ".

والحديث، لم يتكلم عليه الدكتور فؤاد بشيء! إلا أنه ذكر حديثين آخرين:

أحدهما: " القصد، والتؤدة، وحسن السمت، جزء من خمس وعشرين جزءا من النبوة ".

 

(12/334)

 

 

رواه مالك بلاغا. ومع ذلك حسنه الدكتور! مع مخالفته في عدد الأجزاء لحديث:

" السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد، جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة ".

أخرجه الترمذي - وحسنه -، والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (10 / 7 / 1) بإسناد حسن. وانظر " صحيح الجامع " (3007، 3586) .

والآخر: " كاد الحليم أن يكون نبيا ".

وعزاه ل " ضعيف الجامع " (4151) . وهو مخرج في " الضعيفة " برقم (4080) ، ثم لم يذكر أي شاهد للجملة الأخيرة منه، وأقرب شيء إليها قوله صلى الله عليه وسلم:

" التأني من الله، والعجلة من الشيطان ".

وإسناده حسن، كما بينته في " الصحيحة " (1795) .

5649 - (ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادى فيه: يابن آدم! أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك غدا شهيد، فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا، فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا. قال: ويقول الليل مثل ذلك) .

موضوع. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 303) ، وابن سمعون في " الأمالي " (2 / 190 / 1) عن سلام بن سليم عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار مرفوعا. وقال أبو نعيم:

 

(12/335)

 

 

" غريب من حديث معاوية، تفرد به عنه زيد، ولا أعلمه روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف جدا، بل موضوع، آفته سلام بن سليم - وهو الطويل المدائني -، قال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 339) :

يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها ". وقال الحاكم:

" روى أحاديث موضوعة ".

وكذبه ابن خراش، وضعفه جدا البخاري وغيره. وقال الحافظ في " التقريب ":

" متروك ".

وأما شيخه زيد - وهو ابن الحواري - فقريب منه، وقال الحافظ ابن حجر:

" ضعيف ".

وقد ساق له ابن عدي عدة أحاديث منكرة في كتابه " الكامل " (3 / 1056) ، وقال في بعضها:

" ولعل البلاء فيها من سلام الطويل، أو منهما جميعا، فإنهما ضعيفان. "

قلت: والحديث مما أورده الماوردي في " الأمثال " (ص104) من طريق معاوية بن قرة به! وهذا مما يدل على أن الماوردي - مع فضله - لم يكن عنده دراية أو اهتمام بهذا العلم، وإلا، فما فائدة البدء بمعاوية بن قرة من إسناده - وهو ثقة - دون من تحته وهما ضعيفان؟ وقد مضى له نماذج أخرى من هذا النوع.

وأما المعلق عليه الدكتور فؤاد، فلم يعلق عليه بشيء، لأنه لم يره في شيء من

 

(12/336)

 

 

الكتب الجامعة، ك " الجامع الصغير " مثلا، وقد أورده السيوطي في كتابه الآخر: " الجامع الكبير " من رواية أبي نعيم وحده.

5650 - (من أحب دنياه، أضر بآخرته، ومن أحب آخرته، أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى) (*) .

ضعيف. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2473) ، وابن أبي عاصم في " الزهد " (رقم 162) ، والحاكم (4 / 308، 319) ، والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق51 / 1 - 2) ، وأحمد (4 / 412) ، وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 82 / 1) عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين "! ورده الذهبي في " تلخيصه " فقال:

" قلت: فيه انقطاع ". وتبعه المناوي في " التيسير ".

وبينه المنذري في " الترغيب " فقال (4 / 103) :

" المطلب بن عبد الله بن حنطب، لم يسمع من أبي موسى ". وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 249) :

" رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجاله ثقات ".

قلت: وهو كما قال. وسبقه إلى ذلك المنذري، قبيل إعلاله السابق بالانقطاع، ومنه تعلم خطأ الدكتور فؤاد في تعليقه على " أمثال الماوردي " (ص116) :

__________

(*) في أصل الشيخ -رحمه الله - فوق هذا المتن: " نقل إلى الصحيحة " (3287) . وانظر آخر التخريج هنا. (الناشر)

 

(12/337)

 

 

" حسن، أخرجه الحاكم وأحمد والقضاعي عن أبي موسى الأشعري وقال المنذري في " الترغيب ": رواة أحمد ثقات. كشف الخفاء2: 207و " ضعيف الجامع " 5: 149 يرى الألباني أنه ضعيف ".

ووجه الخطأ من جهتين:

الأولى: أنه نقل عن المنذري توثيقه لرواة أحمد دون جزمه بالانقطاع الذي يستلزم ضعف إسناده كما لا يخفى على العارفين بهذا العلم الشربف.

الثانية: إقدامه على تحسينه دون حجة علمية، مع علمه بتضعيف من قضى نصف قرن من الزمان في هذا الفن، مع من سبقه إلى التضعيف من المتقدمين!

الأمر الذي يحمل العالم المنصف على التأني في إصدار حكم على خلافهم، فإن كان ولا بد من المخالفة إعمالا لقاعدة: (ما من أحد إلا رد ورد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم) ، فلا مناص حينئذ من الإجابة عن علة الانقطاع، وإلا، صار العلم هوى! والعياذ بالله تعالى.

ثم وجدت له شاهدا قويا من حديث أبي هريرة نحوه، فبادرت إلى إخراجه في " الصحيحة " (3287) والحمد لله على توفيقه.

5651 - (لو أن عبدا جاء يوم القيامة قد أدى إلى الله عز وجل جميع ما افترض عليه، إلا أنه محب للدنيا، إلا أمر الله له مناديا ينادي به على رؤوس أهل الجمع: ألا إن فلان بن فلان قد أحب ما أبغض الله) .

باطل. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 380) عن بشر بن السري

 

(12/338)

 

 

(الأصل: بشير بن أبي السري! وهو خطأ) قال:

اجتمعت أنا وسفيان ويحيى بن سليم في الحجر - أو قال: في الحطيم -، فحدث يحيى سفيان عن ابن المنكدر يرويه:. . . فذكره.

قلت: وهذا مرسل، لأن ابن المنكدر - واسمه محمد - تابعي، وقوله: " يرويه " محمول على الرفع عند المحدثين، ورجاله ثقات غير شيخ أبي نعيم: إسحاق بن إبراهيم بن يوسف، فلم أعرفه، فلعله آفة هذا الحديث، فإنه منكر جدا مع إرساله، بل موضوع، فإن حب الدنيا ليس مذموما لذاته، وإنما لما يتريب عليه - عادة - من الانصراف عن الطاعات، والانغماس في الشهوات. فإذا خلا حبها من هذه المحذورات، بل اقترن مع القيام بجميع الفرائض المستلزم الابتعاد عن جميع المعاصي، فما وجه التشهير بمثل هذا المحب - إن وجد - حينئذ؟ ولعل أصل هذا الحديث من الإسرائيليات، فإنها - على الغالب - لا تخلو من مثل هذه المبالغات، التي لا يجوز نسبتها إلى النبي

صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.

ثم يشاء الله تبارك وتعالى أن أكتشف أنه وقع خطا مطبعي في اول إسناد الحديث، فإنه هكذا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يوسف: ثنا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت بشير بن أبي السري به!

والصواب: حدثنا إسحاق عن إبراهيم بن يوسف. . . دل عليه أثران آخران قبله، قال:

حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي: ثنا إبراهيم بن يوسف: ثنا أحمد بن أبي الحواري. . .

حدثنا إسحاق بن أحمد: ثنا إبراهيم بن يوسف: ثنا أحمد بن أبي الحواري. . .

 

(12/339)

 

 

فقد نسبه في الأثر الأول إلى جده، وفي الثاني اقتصر على نسبته لأبيه، وفي

حديث الباب لم ينسبه مطلقاً؛ لدلالة ما قبله عليه؛ كما عادة المحدثين.

وإسحاق هذا؛ ترجمه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 221) ، وقال:

" سمع من الرازيين، توفي لخمس خَلَوْنَ من ربيع الأول سنة ثمان وستين ".

يعني: وثلاث مئة. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ثم ذكر له ثلاثة أحاديث أخرى؛ الأولان منها من روايته عن إبراهيم هذا،

ونسبه في الأول منهما فقال: " إبراهيم بن يوسف بن خالد ". ولم أجد له

ترجمة، فلعله علة الحديث.

ثم رأيت الحديث أخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 132) من

طريق أبي عمرو سعيد بن محمد الأشج: حدثنا جعفر بن عاصم الدمشقي:

حدثنا أحمد بن أبي الحواري به؛ إلا أنه قال:

" عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً، فأسنده، وقال ابن الجوزي

عقبه:

" قال النقاش: هذا حديث كذب موضوع، ولعل سعيداً وضعه ".

وأقره السيوطي في " اللآلي " (2 / 317) ، ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة "

(2 / 286) وزاد:

" قلت: لم أجد لسعيد هذا ذكراً في " الميزان " ولا في " اللسان "، ولا في

" المغني " و " ذيله ". والله تعالى أعلم ".

 

(12/340)

 

 

5652 - (كُلَّمَا طَالَ عُمُرُ المسلمِ؛ كانَ خَيْراً لَه) .

ضعيف.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 244) ، ومن طريقه

الطبراني في " الكبير " (18 / 57 / 104) عن النهاس بن قهم عن شداد أبي

عمار قال: قال عوف بن مالك:

يا طاعون خذني إليك. فقالوا: أماسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:. . .؟ !

فذكره. قال:

بلى؛ ولكني أخاف ستاً: إمارة السفهاء، وبيع الحكم، وسفك الدم، وقطيعة

الرحم، وكثرة الشرط، ونشوءاً ينشأون يتخذون القراَن مزامير.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل النهاس هذا؛ فإنه لينه أبو أحمد

الحاكم، وتركه القطان؛ كما في " الضعفاء " للذهبي. وقال الحافظ:

" ضعيف ".

ومن طريقه: رواه أحمد (6 / 22، 23) بنحوه. ولم يعزه في " الجامع الكبير "

وكذا " الصغير " إلا للطبراني، فقال شارحه المناوي في " فيض القدير ":

" رمز المصنف لحسنه! قال الهيثمي: فيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف. فرمْزُ

المصنف لحسنه فيه ما فيه ".

قلت: وعليه كنت اعتمدت في إيراد الحديث في " ضعيف الجامع " (4 /

156 / 4267) ؛ لأن " معجم الطبراني " لم يكن قد طبع يومئذٍ، والآن تأكدت

من اعتراضه على تحسين السيوطي له، فالعجب منه - أعني: المناوي - كيف وقع

في نفس الخطأ الذي أخذه على السيوطي، فقال في شرحه الآخر المختصر من

 

(12/341)

 

 

" الفيض " والمسمى بـ " التيسير ":

" إسناده حسن "!

(تنبيه) : قُدِّرَ لي أن أُعيدَ تخريج هذا الحديث مرة أخرى برقم (5915)

بزيادة في التخريج وبعض الفواثد، فتركت الأمر كما قُدِّرَ.

5653 - (وُقِّتَ للنُفَسَاءِ أربعونَ يوماً؛ إلا أَنْ ترى الطُّهْرَ قبلَ ذلك) .

ضعيف جداً.

أخرجه ابن ماجه (649) ، والدارقطني في " سننه " (1 /

220 / 66) ، وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 952) ، وابن عدي في " الكامل "

(3 / 301) ؛ كلهم من طريق أبي سعيد الأشج عبد الله بن سعيد: ثنا عبد الرحمن

ابن محمد المحاربي عن سلام بن سلم (وفي ابن ماجه: سلام بن سليم أو سلم.

شك أبو الحسن) - وأظنه هو أبو الأحوص - عن حميد عن أنس قال: قال رسول

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:. . . فذكره. وقال الدارقطني:

" لم يروه عن حميد غير سلام هذا، وهو سلام الطويل، وهو ضعيف الحديث ".

قلت: بل هو متروك متهم؛ لكنه قد توبع؛ فرواه البيهقي (1 / 343) من

طريق زيد العمي عن أبي إياس عن أنس بن مالك به. وقال عقبه:

" وكذلك رواه سلام الطويل عن حميد عن أنس، ورواه العلاء بن كثير عن مكحول عن

أبي هريرة وأبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وزيد العمي وسلام بن سليم

المدائني والعلاء بن كثير الدمشقي؛ كلهم ضعفاء ".

إذا عرفت هذا؛ فقد أخطأ البوصيري خطأ فاحشاً حين قال فيه زوائد ابن

ماجه (1 / 83 - بيروت) :

 

(12/342)

 

 

" هذا إسناد صحيح، [رجاله] ثقات "!

وظني أنه اغتر بقول أبي الحسن في إسناد ابن ماجه:

" وأظنه هو أبو الأحوص "!

ْفإن أبا الأحوص هذا اسمه سلام بن سليم الحنفي " وهو ثقة من رجال

الشيخين، ومن طبقة سلام الطويل، فتوهم أنه أبو الأحوص بناء على ظن أبي

الحسن هذا، وهو علي بن إبراهيم بن سلمة القطان الحافظ الراوي عن ابن ماجه

" السنن "، وقد عرفت أنه مخالف لتصريح الإمام الدارقطني والبيهقي أنه سلام

الطويل. وسبقهما إلى ذلك ابن عدي؛ فإنه ساق الحديث في " الكامل " بسنده

إلى سلام الطويل في ترجمته، ذكره في جملة أحاديث أخرى له، وقال في

آخرها:

" وعامة ما يرويه عن الضعفاء والثقات لا يتابعه أحد عليه ".

والشطر الأول من الحديث: رواه الإمام أحمد في " مسائل ابنه عبد الله "

(ص 50 - المكتب الإسلامي) عن حبان بن علي عن شيخ قد سماه عن ابن

أبي مليكة عن عائشة:

أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقّت للنفساء أربعين يوماً.

وحبان بن علي - وهو العنزي - ضعيف.

لكن شيخه الذي لم يُسَمَّ؛ الظاهر أنه عطاء بن عجلان العطار البصري.

فقد أخرجه ابن عدي في ترجمته (5 / 366) من طريق إسماعيل بن عياش

عنه عن ابن أبي مليكة به. وقال فيه:

 

(12/343)

 

 

" عامة رواياته غير محفوظة ". وروى عن يحيى أنه قال فيه:

" ليس بشيء، كذاب ".

لكن هذا القدر من الحديث يشهد له حديث أم سلمة:

كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يوماً.

وإسناده حسن؛ كما هو مبين في " صحيح أبي داود " (329) .

5654 - (نهى أَنْ يُلْبَسَ السِّلاحُ في بلادِ الإسلامِ في العيدينِ؛ إلا

أَنْ يكونوا (1) بِحَضْرَةِ العَدُو) .

ضعيف جداً.

أخرجه ابن ماجه (1314) عن ناثل بن نجيح: ثنا

إسماعيل بن زياد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ بل موضوع؛ آفته إسماعيل هذا - وهو قاضي

الموصل -؛ قال في " التقريب ":

" متروك، كذبوه ".

قلت: وذكر له الذهبي في " الميزان " بعض أكاذيبه.

ونائل بن نجيح؛ ضعيف؛ كما قال الحافظ.

قلت: ومنه تعلم الفرق بين التلميذ وشيخه في الضعف، فتسوية البوصيري

بينهما بقوله فيهما:

__________

(1) في " تحفة الأشراف " (5 / 92 / 5933) و " مصباح الزجاجة ": " يكون ".

 

(12/344)

 

 

" وهما ضعيفان "!

مِمَّا لا يخفى ما فيه من التساهل وسوء التعبير المؤدي لغيره أو لمن وقف على

كلامه أن يقتصر على تضعيف الحديث، وهو أسوأ من ذلك كما بينا، وهذا ما وقع

لأبي الحسن السندي؛ فقال في حاشيته على ابن ماجه عقب قول البوصيري

المذكور:

" قلت: وذكر البخاري في " صحيحه ": قال الحسن البصري: نُهُوا أن يحملوا

السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدواً، وذكر حديث ابن عمر أنه قال للحَجَّاج:

حملتَ السلاحَ في يوم لم يكن يُحْمَل فيه.

وقال العيني فيا شرح البخاري ": " وروى عبد الرزاق بإسناد مرسل قال:

نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخرجوا بالسلاح يوم العيد " (1) .

وهذا يدل على أن للحديث أصلاً، وإن كان هذا الإسناد ضعيفاً "!

فأقول: فتأمل كيف اقتصر السندي على تضعيف الإسناد وهو شديد الضعف

كما عرفت، ومثله لا يتقوى بمرسل الحسن الذي علقه البخاري لو صح إسناده،

فكيف وهو غير معروف كما يشعر بذلك كلام الحافظ في " الفتح " - وقد كنت

نقلته في تعليقي على " مختصر البخاري " (1 / 236 - طبع المكتب الإسلامي) -؟ !

وكذلك لا يتقوى بمرسل عبد الرزاق؛ لأن في إسناده (3 / 289) جويبراً -

وهو ابن سعيد الأسدي -، وهو ضعيف جداً؛ كما قال الحافظ أيضاً.

__________

(1) انظر " عمدة القاري " (6 / 286) .

 

(12/345)

 

 

وحديث ابن عمر فيه أنه: ليس من السنة حمل السلاح يوم العيد. فهذا

شيء، والنهي عنه شيء آخر. فتأمل.

5655 - (أولئكَ رِجَالٌ اَمنوا بالغَيْبِ. يعني: الذينَ تحوَّلوا في

الصَّلاةِ لما جاءَهًمْ خَبَرُ تحولِ القِبْلَةِ إلى المسجدِ الحرام) .

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (25 / 43 / 82) ، ومن

طريقه ابن مردويه - كما في " تفسير ابن كثير " (1 / 193) - عن إسحاق بن

إدريس: ثنا إبراهيم بن جعفر: حدثني أبي عن جدته أم [أبيه] نُويلة بنت مسلم

قالت:

صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلينا

ركعتين، ثم جاءنا مَنْ يحدِّثنا: أن رسول الله قد استقبل البيت الحرام. فتحول

الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن

مستقبلون البيت الحرام، فحدثني رجل من بني حارثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد واهٍ جداً؛ بل موضوع؛ آفته إسحاق بن إدريس هذا؛ قال

البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 382) :

" تركه الناس، وهو الأسواري أبو يعقوب ". وقال بحيى بن معين:

" كذاب يضع الحديث ".

وبه أعله الهيثمي في " المجمع "؛ وقال (2 / 14) :

 

(12/346)

 

 

" وهو ضعيف متروك ".

وقد خالفه إبراهيم الزبيري فقال: ثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود بن مسلمة

الحارثي عن أبيه عن جدته أم أبيه تويلة بنت أسلم (كذا) - وهي من المبايعات -

قالت:. . . فذكره مختصراً دون حديث الترجمة.

أخرجه الطبراني أيضأ (24 / 207 / 530) : حدثنا مصعب بن إبراهيم

الزبيري: حدثني أبي. . . إلخ.

وإبراهيم هذا صدوق؛ من شيوخ البخاري، ولذلك؛ قال الهيثمي:

" ورجاله موثقون ".

لكنْ مصعب هذا لم أعرفه؛ لكن يظهر أنه من شيوخ الطبراني المشهورين؛ فقد

روى له في " المعجم الأوسط " خمسة وعشرين حديثاً (9306 - 9330) . والله

أعلم.

وإن مما يؤكد وهاء إسحاق بن إدريس: مخالفته لإبراهيم الزبيري في الإسناد

والمتن.

أما الإسناد؛ فقد سمى صحابية الحديث: (نُويلة بنت مسلم) . وسماها

الزبيري: (تُويلة بنت أسلم) . والأولى بالنون، والأخرى بالتاء المثناة من فوق.

وقد رجح هذه الحافظ في " الإصابة "؛ لأنها من رواية إبراهيم بن حمزة، قال:

" وهو أوثق ". يعني: من إسحاق بن إدريس! وفي العبارة تساهل لا يخفى

على اللبيب.

وأما الحق؛ فقد زاد إسحاق فيه:

 

(12/347)

 

 

" فحدثني رجل من بني حارثة. . . . " إلخ.

فهي زيادة منكرة؛ بل باطلة. والله أعلم.

والحديث؛ أورده الحافظ في " الفتح " (1 / 503، 506 - 507) نقلاً عن

" تفسير ابن أبي حاتم " عن ثويلة بنت أسلم. . . فذكر الحديث مقطعاً في

الموضعين دون حديث الترجمة. وقد وقع فيهما: (ثويلة) ! بالثاء المثلثة، وأظنه

تصحيفاً. والله سبحانه وتعالى أعلم.

واعلم أن هذا الحديث من جملة الأحاديث الكثيرة الواهية التي سوَّد بها

مختَصِرَا " تفسير ابن كثير " كتابيهما، ألا وهما: الشيخ محمد نسيب الرفاعي،

والشيخ الصابوني؛ فقد أوهما القراء في " المقدمة " أنهما حذفا من كتابيهما

الأحاديث الضعيفة التي وردت في كتاب ابن كثير، وأنهما اقتصرا على الأحاديث

الصحيحة فقط! والواقع يشهد بخلاف قولهما؛ إذ هما جاهلان بهذا العلم، والأول

منهما أنا من أعرف الناس به؛ فقد عاش في الدعية السلفية عشرات السنين،

وكان يحضر دروسي في حلب وغيرها، واستفاد منها ما شاء الله تعالى إلا هذا

العلم! وكتابه هذا المختصر أكبر دليل على ذلك.

وأما الآخر: الصابوني؛ فأمره أوضح؛ فإنه أشعري خَلَفِيّ مُر! وقد تقدمت

بعض النماذج الأخرى التي، تدل على ما ذكرنا من جهلهما وافتئاتهما على هذا

العلم. .

وقد زاد الرفاعي على زميله الصابوني سيئة أخرى، وذلك أنه صرح بصحة

الحديث في " فهرس الأحاديث " الذي وضعه في آخر المجلد، وبناء عليه قال معلقاً

على الحديث (1 / 120) :

 

(12/348)

 

 

فما قول من يقول: إن من يعتقد عقيدة بحديث آحاد فهو آثم؟ ! مع أن

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد للذين صدقوا خبر الواحد بأنهم رجال يؤمنون بالغيب ".

وأقول: العقيدةْ التي أشار إليها صحيحة، ولنا في تأييدها رسالتان مطبوعتان،

وبهما عرف هو وغيره صحتها، والحمد لله؛ لكن لا يجوز أن يستدل عليها بما لم

يصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إلا على مذهب بعض الفرق الضالة: (نحن لا نكذب على

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإنما نكذب له) ! ومع الأسف؛ فلهؤلاء أذناب في العصر الحاضر

{ولتَعْرِفَنهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ} .

5656 - (إذا اسْتَجْمَرَ أحدُ كُم؛ فلْيُوتِرْ، وإن الله وِتْرٌ يُدث الوِتْرَ، أَمَا

ترى السماواتِ سَبْعأ، والأرضَ سَبْعاً، والطوافَ سَبعاً. وذكر أَشياء) .

منكر بهذ االتمام.

رواه البحار في " مستده " (1 / 127 / 239 - زوائده) :

حدثنا محمد بن معمر: ثنا روح بن عبادة. تا أبو عامر الخزاز - واسمه صالح بن

رستم - عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً.

وأخرجه ابن حبان (131 - زوائده) من طريق ابن معمر به. وعند أبي يعلى

أيضاً (9 / 5270) .

وتابعه الحارث بن أبي أسامة: ثنا روح بن عبادة به.

أخرجه الحاكم (1 / 158) ، ومن طريقه البيهقي (1 / 104) ، وقال

الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين "! وتعقبه الذهبي بقوله:

" منكر، والحارث ليس بعمدة "!

 

(12/349)

 

 

قلت: إعلاله بالحارث لا وجه له؛ لأمرين:

الأول: أن الحارث وثَّقه جمع، والذهبي نفسه لما أورده في " الميزان " أثنى

عليه خيراً ووثقه؛ فقال:

" كان حافظاً عارفاً بالحديث، عالي الإسناد بالمرة، تُكُلِّمَ فيه بلا حجة ".

وذكر نحوه في " تذكرة الحفاظ "، و " المغني " وزاد فيه:

" وقد أمر الدارقطني أبا بكر البرقاني بأن يخرج له في (صحيحه) ".

ولذلك؛ كتب في " الميزان " مقابل اسمه (صح) . وهذا في اصطلاحه: أن

العمل على توثيقه؛ كما قال الحافظ في آخر ترجمته من " اللسان ".

والآخر: أنه قد تابعه محمد بن معمر كما رأيت - وهو القيسي البحراني -،

وهو ثقة من رجال الشيخين. ولذلك؛ قال البحار عقب حديثه:

" لا نعلم رواه عن أبي عامر إلا روح ".

قلت: وهو ثقة أيضاً من رجال الشيخين، وإنما علة الحديث أبو عامر الخزاز؛

فإنه مختلف فيه، ويتلخص مما جاء في ترجمته من " التهذيب " أنه ضعيف؛

لسوء حفظه، وهو ما انتهى إليه الحافظ في " التقريب "، فقال:

" صدوق كثير الخطأ ".

على أنه من رجال مسلم، وإلى ذلك أشار الهيثمي بقوله في " المجمع " (1 /

211) :

" رواه البزار والطبراني في " الأوسط " وزاد: " والجمار "، ورجاله رجال

 

(12/350)

 

 

(الصحيح) "!

ولم يتيسر لي الوقوف على إسناد " الأوسط "، وغالب الظن أنه من طريق

الخزاز هذا، وقد تفرد به كما تقدم في كلام البزار، ولذلك؛ فإني في شك كبير من

ثبوت قوله في آخر الحديث:

" أما ترى أن السماوات. . . " إلخ.

وذلك لأسباب:

الأول: أنني لا أجد فيه حلاوة كلام النبوة، فإن صح الحديث؛ فهو مدرج

فيه.

الثاني: أن الشطر الأول منه قد جاء من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً به

دون ما بعده.

أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الصحيحة " (1295) ، و " صحيح

أبي داود " (128) .

الثالث: أن الشطر الثاني جاء من طرق أخرى عن أبي هريرة أيضاً دون ما

بعده.

رواه الشيخان أيضاً وغيرهما، وهو مخرج في " التعليق الرغيب على الترغيب

والترهيب " (1 / 206) .

قلت: فاتفاق هذه الطرق على رواية الحديث عن أبي هريرة بدون زيادة: " أما

ترى. . . " إلخ؛ لدليل قاطع على نكارتها أو إدراجها.

 

(12/351)

 

 

وإن مما يزيد الأمر تأكيداً: أن هذا الشطر الثاني قد جاء من حديث علي وابن

مسعود أيضاً دون الزيادة.

وهما مخرجان في التعليق المذكور، وفي " صحيح أبي داود " (1274،

1275) .

ثم وقفت على إسناد " الأوسط "، فقال (2 / 166 / 2 / 7546) : حدثنا

محمد بن أبان: ثنا إبراهيم بن بسطام الزعفراني: ثنا روح بن عبادة به. وقال:

" لم يروه عن أبي عامر إلا روح، تفرد به إبراهيم ".

قلت: وثقه ابن حبان (8 / 85) ، وروى له في " الصحيح " حديثاً واحداً

برقم (169 - الإحسان) . والشاهد منه أنه تحقق ظني أنه عند الطبراني من طريق

روح أيضاً.

5657 - (كان يُجْنِبُ، فيغتَسِلُ، ثم يَسْتَدْفِئ بي قبلىَ أَنْ أغتَسِلَ) .

ضعيف.

وهو من حديث عائشة رضي الله عنها:

أخرجه علي بن الجعد في " مسنده " (2 / 855 / 2336) - وهو " حديث

علي بن الجعد " - قال: أنا شريك عن حريث عن عامر عن مسروق عنها.

ومن طريق ابن الجعد أخرجه البغوي في " شرح السنة " (2 / 30) ؛ لكن

وقع فيه: (حصين) مكان: (حريث) !

وهو تحريف لم يتنبه له الشيخ شعيب الأرناؤوط؛ فإنه بعد أن خرجه من رواية

الترمذي وابن ماجه من حديث وكيع (!) عن حريث قال:

 

(12/352)

 

 

" وحريث وهو ابن أبي مطر الحناط الفزاري، ضعفه غير واحد، لكن تابعه

حصين بن عبد الرحمن في رواية المصنف وهو ثقة، فيتقوى به "!

كذا قال! وقد عرفت أن (حصين) تحريف (حريث) ، وعليه؛ فقد بقي

الحديث على ضعفه من أجل حريث هذا، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه؛ بل تركه

النسائي وابن الجنيد وغيرهما.

ثم إن الحديث عزاه لابن ماجه من حديث وكيع. وهو وهم آخر منه؛ فإنما هو

عنده (580) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا شريك. . . وكذا هو في

" مصنف ابن أبي شيبة " (1 / 76 - 77) ، وكذلك أخرجه الحاكم (1 / 154)

من طريق أخرى عن شريك وغيره به، وقال:

" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! !

وهذا عجب منهما - وبخاصة الذهبي -؛ فإن حريثاً هذا مع كونه ليس من

رجال مسلم فقد عرفت ضعفه، والذهبي نفسه قال فيه في " الكاشف ":

" ضعفوه ". وقال في " الضعفاء ":

" متروك ".

ومما سبق تعلم تساهل الترمذي أيضاً في قوله عقب الحديث:

" ليس بإسناده بأس ".

ولذلك؛ فقد أحسن صنعاً أبو بكر بن العربي بقوله في " شرحه " (1 / 191) :

" حديث لم يصح ولم يستقم، فلا يثبت به شيء ".

 

(12/353)

 

 

ونقله أحمد شاكر في " شرحه على الترمذي " (1 / 211) وأقره.

5658 - (كانَ إذا خرجَ مِنَ الخَلاءِ قال: الحمدُ لله الذي أَذْهَبَ عنَّا

الحزنَ والأذى وعافاني) .

ضعيف.

أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (8 / 21) : أخبرنا

أبو عبد الرحمن: حدثنا الحسين بن منصور: حدثنا يحيى بن أبي بكير عن شعبة

عن منصور عن [أبي] الفيض أبي ذر قال:. . . فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: الجهالة؛ فإن أبا الفيض هذا لا يعرف إلا بهذه الرواية عنه، وقد قيل

فيه: " أبو علي الأزدي "، ولم يوثقه أحد قط إلا ابن حبان (5 / 136) .

والأخرى: الاضطراب في إسناده ومتنه؛ قال الحافظ المزي في " التحفة " (9 /

195) - وفي " التهذيب " أيضاً نحوه -:

" رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن حسين بن منصور عن يحيى بن أبي

بكير. . . عن أبي الفيض به. وعن بندار عن غندر عن شعبة عن منصور قال:

سمعت رجلاً يرفع الحديث إلى أبي ذر قوله: وعن بندار عن ابن مهدي، وعن

أحمد بن سليمان عن محمد بن بشر؛ كلاهما عن سفيان عن منصور عن أبي

علي الأزدي عن أبي ذر قوله ".

وهذا يبين أن شعبة قد اضطرب في إسناده ومتنه.

أما الإسناد؛ ففي رواية ابن أبي بكير عنه سمى التابعي: أبا الفيضي. وفي

رواية غندر عنه قال: سمعت رجلاً. ولم يسمه.

 

(12/354)

 

 

وأما المتن؛ ففي الرواية الأولى رفعه، وفي الأخرى أوقفه.

ووافقه سفيان - وهو الثوري - على وقفه، وخالفه في اسم التابعي فسماه (أبو

علي الأزدي) ، وكذا رواه ابن أبي شيبة (1 / 2) .

وإن مما لا شك فيه أن الموقوف أصح؛ لموافقه شعبة في الرواية الأخرى للثوري،

وكذلك قوله - أعني: الثوري -: (أبو علي الأزدي) أصح من قول شعبة الذي

اضطرب فيه.

ثم وقفت على الحديث في " العلل " لابن أبي حاتم؛ ذكره (1 / 27) من

طريق شعبة بإسناده المتقدم موقوفاً، فقال:

" سألت أبي وأبا زرعة عنه؟ فقال أبو زرعة: وهم شعبة في هذا الحديث،

ورواه الثوري فقال: عن منصور عن أبي علي عبيد بن علي عن أبي ذر. وهذا

الصحيح، وكان أكثر وهم شعبة في أسماء الرجال.

وقال أبي: كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما الصحيح!

والثوري أحفظ، وشعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال، ولا يدري هذا منه أم لا ".

قلت: الأرجح ما جزم به أبو زرعة؛ لاتفاق أبي حاتم معه على أن الثوري

أحفظ من شعبة؛ ولأن هذا قد اضطرب في اسمه كما تقدم. ولذلك؛ أقر الحافظ

ابن حجر أبا زرعة في " نكته على الأطراف " (9 / 194 - 195) .

ومعنى ذلك أن الصحيح في الحديث الوقف، وأن راويه عن أبي ذر أبو علي

الأزدي، وهو مجهول، فالعجب من الحافظ كيف حسن الحديث فقال في " نتائج

الأفكار (ق 46 / 1) ما ملخصه:

 

(12/355)

 

 

" وأما حديث أبي ذر؛ فهو حسن: أخرجه النسائي في " اليوم والليلة "

موقوفاً، ثم رواه مرفوعاً وموقوفاً، ورجَّح أبو حاتم الموقوف ".

قلت: الذي رجح الموقوف إنما هو أبو زرعة، وأما أبو حاتم؛ فقد توقف كما تقدم

بيانه.

وعلى كل حال؛ فالحديث ضعيف مرفوعاً وموقوفاً؛ لأن مداره على أبي علي

الأزدي على الراجح، أو أبي الفيض على قول شعبة المرجوة. وقد قال الحافظ فيما

نقله عنه ابن علان في " شرح الأذكار " (2 / 404) بعد أن ذكر رواية شعبة:

" وأبو الفيض لا يعرف اسمه، ولا حاله، ورجح أبو حاتم رواية سفيان على

رواية شعبة، وهذا منفي عنه الاضطراب ".

قلت: نعم رواية سفيان لا اضطراب فيها؛ لكن فيها العلتان: الوقف،

والجهالة؛ فإن أبا علي هذا لم يوثقه غير ابن حبان كما تقدم، ومعروف تساهله في

التوثيق، ولذلك؛ لم يوثقه الحافظ في " التقريب "؛ بل قال فيه:

" مقبول ". يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فليِّن الحديث؛ كما نص عليه في

المقدمة. وقال النووي في " المجموع شرح المهذب " (2 / 75) :

" حديث ضعيف. رواه النسائي في كتابه " عمل اليوم والليلة " من طرق (!)

بعضها مرفوع، وبعضها موقوف على أبي ذر، وإسناده مضطرب غير قوي ".

وتعقبه الحافظ بما تقدم عنه من نفي الاضطراب، وقد ظهر لك أن ذلك

لا يجدي؛ لبقاء العلتين المذكورتين.

وأما قول الحافظ بعدما تقدم نقله عنه:

 

(12/356)

 

 

" ويزداد قوة بشاهده من حديث حذيفة وأبي الدرداء. أخرجه ابن أبي شيبة

عنهما موقوفاً بلفظ حديث أبي ذر ".

قلت: وهذا مما لا يجدي أيضاً. لشدة ضعف إسناده. أم " حديث حذيفة؛ فإنه

من طريق جويبر عن الضحاك قال: كان حذيفة يقول:. . . فذكره دون قوله:

" الحزن ".

وهذا مع انقطاعه بين الضحاك - وهو ابن مزاحم الهلالي - وحذيفة؛ فإن

جويبراً - وهو ابن سعيد الأسدي - ضعيف جداً؛ كما قال الحافظ نفسه في

" التقريب "، فلا يَصْلُحُ للاستشهاد به.

وأما حديث أبي الدرداء؛ فهو من طريق هريم عن ليث عن المنهال بن عمرو

قال: كان أبو الدرداء إذا خرج. . . الحديث؛ وليس فيه أيضاً: " الحزن ".

وهذا كالذي قبله منقطع؛ فإن المنهال بن عمرو لم يدرك أبا الدرداء، وليث: هو

ابن أبي سليم؛ ضعيف لاختلاطه.

واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث أمران اثنان:

الأول: أنني رأيت الشوكاني رحمه الله قد خبط خبط عشواء في هذا

الحديث، وحديث أنس نحوه عند ابن ماجه؛ فقال في " السيل الجرار " (1 / 71) :

" إسناده صالح، وأخرج نحوه النسائي وابن السني من حديث أبي ذر،

وإسناده صحيح "!

وكأنه اغتر بما وقع في بعض نسخ " الجامع الصغير " من الرمز له بالصحة،

فقال في " نيل الأوطار " (1 / 64) بعد أن عزاه للنسائي وابن السني:

 

(12/357)

 

 

" ورمز السيوطي بصحته "!

وكأنه لا يعلم أن رموز " الجامع " لا قيمة علمية لها؛ كما تراه محققاً في

مقدمة " صحيح الجامع الصغير " و " ضعيف الجامع ".

وأما حديث أنس؛ ففيه إسماعيل بن مسلم، فتردد الشوكاني بين أن يكون

العبدي الثقة، وبين أن يكون البصري الضعيف. ولو سلم بهذا التردد؛ فذلك مما

يمنع القول بأن إسناده صالح. فكيف وهو غير مسلَّم! وشبهته في ذلك: أن الحديث

من رواية إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري. وكل من الإسماعيلين روى عن

الحسن. ورُدَّ هنا بأنه من رواية عبد الرحمن المحاربي عن إسماعيل، وهو إنما يروي

عن الضعيف فقط، ولذلك؛ قال النووي في " المجموع ":

" إسناده ضعيف ".

وتبعه على ذلك البوصيري في " الزوائد "، ونقلت كلامه في ذلك على

" المشكاة " (374) ، و " إرواء الغليل " (53) .

والأمر الآخر: أنني لما خرجت حديث أبي ذر من رواية ابن السني في

" الإرواء " ما عرفت يومئذٍ أنه سقط من نسخة " ابن السني " أداة الكنية، فوقع

فيه: " عن الفيض "؛ فلمَ أعرفه. فتبين الآن أنه أبو الفيض، وأنه أخطأ فيه

شعبة، وأن الصواب: أبو علي الأزدي، وأنه في حكم المجهول. والله سبحانه

وتعالى أعلم.

(تنبيه) : لم يقع حديث أبي ذر هذا في كتاب " عمل اليوم والليلة " للنسائي

الذي طبع في المغرب بتحقيق الدكتور فاروق حمادة!

 

(12/358)

 

 

5659 - (إذا خَرَجَ أحدُكُم مِنَ الخَلاءِ؛ فَلْيَقُلْ: الحمدُ أته الذي

أَذْهَبَ عني ما يُؤذيني، وأَمْسَكَ عليَّ ما ينفعُني) .

منكر.

أخرجه ابن أبي شيبة (1 / 2) من طريق زمعة عن سلمة بن وهرام

عن طاوس قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:. . . فذكره.

قلت: وهذا مع إرساله ضعيف؛ لأن زمعة - وهو ابن صالح الجَنَدي - ضعيف؛

كما في " التقريب ".

وقريب منه سلمة بن وهرام.

 

(12/359)

 

 

5660 - (لا يقطعُ الصلاةَ كلبٌ، ولا حِمَارٌ، ولا امرَأَةٌ، وادرأْ ما مرَّ

أمامَكَ ما استطعتَ) .

ضعيف جداً.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (1 / 328) ، والدارقطني

(1 / 368 - 369) من طريق إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن

زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا حديث باطل، وإسناد ضعيف جداً، وذلك؛ لأمور:

أولاً: إسحاق هذا - وهو ابن عبد الله بن أبي فروة -؛ متروك متفق على

تضعيفه، وقد قال ابن عدي في آخر ترجمته - وقد ساق له أحاديث منكرة -:

" لا يتابعه أحد على أسانيدها ولا على متونها، وسائر أخباره مما لم أذكره

تشبه هذه الأخبار التي ذكرتها، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء ".

وهذا الحديث من تلك الأحاديث التي استنكرها ابن عدي، وتابعه على ذلك

 

(12/359)

 

 

الذهبي في " الميزان ".

ثانيا: أن الحديث مقلوب؛ قال ابن حبان في ترجمة ابن أبي فروة من " الضعفاء " (1 / 132) :

" قَلْبُ إسنادِ هذا الخبر ومتنه جميعاً، إنما هو عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:

" إذا كان أحدُكم يصلي؛ فلا يَدَعنَّ أحداً يمرُّ بين يديه؛ فإن أبى؛ فلْيُقَاتِلْه؛ فإنما هو شيطان ".

فجعل مكان أبي سعيد أبا هريرة؛ وقلب متنه، وجاء بشيء ليس فيه، اختراعا من عنده، فضمه إلى كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قوله:

" لا يقطع الصلاة امرأة ولا كلب ولا حمار "

والأخبار الصحيحة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإعادة الصلاة إذا مر بين يديه الحمار والكلب والمرأة ".

ونقله ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1 / 449) عن ابن حبان وأقره، وذكر معه حديثين آخرين بمعناه، وقال:

" ليس في هذه الأحاديث شيء صحيح ".

قلت: وحديث أبي سعيد من رواية عطاء عنه أخرجه أبو داود وغيره، وله متابعون في " الصحيحين " وغيرهما، وأحاديثهما مخرجة في " صحيح أبي داود " (694 - 697) ، وأخرج بعضها ابن خزيمة في " صحيحه " (816 - 819) .

 

(12/360)

 

 

ثم استدركت فقلت: عطاء عند أبي داود: هو ابن يزيد الليثي، وليس ابن يسار وقد رواه الطحاوي (1 / 267) .

ومما يؤكد ما ذكره من قلب ابن أبي فروة لمتنه: أن حديث أبي هريرة قد جاء عنه من طرق صحيحة مرفوعا بلفظ:

" يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ". أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " (4 / 39 / 1) ، ومن طريقه مسلم (2 / 59) ، وكذا البيهقي (2 / 274) ، وأبو عوانة (2 / 52) ، وابن ماجه (رقم 950) ، وأحمد (2 / 299، 425) من طريقين عنه.

فهذا هو المحفوظ عن أبي هريرة، فهو يبطل حديث ابن أبي فروة.

ولحديث أبي هريرة شواهد من حديث أبي ذر: عند مسلم وغيره.

وابن عباس: عند أبي داود وغيره.

وهما مخرجان في " صحيح أبي داود " (699، 700) ، وصححهما ابن خزيمة.

وعبد الله بن مغفل: عند ابن ماجه وأحمد (4 / 86 و 5 / 57) .

وقد ساق ابن القيم هذه الأحاديث الأربعة، وقال عقبها:

" ومعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيح غير صريح، وصريح غير صحيح، فلا يترك العمل بها لمعارض هذا شأنه ".

يعني بالصحيح كحديث عائشة في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الليل وهي معترضة بينه وبين القبلة راقدة على الفراش. متفق عليه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود "

 

(12/361)

 

 

(705) . قال الحافظ في " الفتح " (1 / 590) :

" والفرق بين المار وبين النائم في القبلة: أن المرور حرام؛ بخلاف الاستقرار نائما كان أو غيره، فهكذا المرأة يقطع مرروها دون لبثها ".

ومثله: حديث ابن عباس في مروره بين يدي الصف ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في عرفة، وإرساله الأتان ترتع. متفق عليه أيضاً، وهو مخرج أيضاً في المصدر السابق (709) ، قال ابن خزيمة في " صحيحه " (2 / 23 - 25) :

" ليس فيه أن الحمار مر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما مر بين يدي أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وسترة الإمام سترة لمن خلفه ".

وإن من شؤم التقليد والجمود على المذهب: أن المعلق على " زاد المعاد " لم يُقْنِعْهُ بصحة كلام ابن القيم عقب الأحاديث الصحيحة الأربعة المتقدمة ما أشار إليه من ضعف الأحاديث الصريحة المعارضة لها؛ بل إنه عكس ذلك؛ فعارض الصحيحة وأعرض عنها بالأحاديث الضعيفة! وهي أربعة:

الأوّل: حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا:

" لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم؛ فإنما هو شيطان ".

رواه أبو داود وغيره. قال المومى إليه عقبه:

" وفي سنده مجالد بن سعيد. وهو سيئ الحفظ، لكن يتقوى بما أخرجه الدارقطني. . . . ".

قلت: مجالد مع سوء حفظه كان قد تغيّر في آخر عمره؛ كما قال النووي في " المجموع " (3 / 246) ، وقال:

 

(12/362)

 

 

" وقد روى عنه أبو أسامة هذا - واسمه حماد بن أسامة - بعد أن تغير؛ كما ذكر ابن مهدي ".

قلت: فمثله ينبغي التوقف عن الاستشهاد بحديثه خشية أن يكون أخطأ فيه وخالف الثقات. وهذا هو الذي وقع له في هذا الحديث، فرواه جمع من الثقات عن أبي سعيد بلفظ آخر، وليس فيه هذه الزيادة: " لا يقطع الصلاة شيء "؛ كما تقدم في أول هذا التخريج، فهي منكرة إذا، لا يستشهد بها.

والثاني: حديث الترجمة هذا، وقد عرفت أنه ضعيف جداً، فلا يستشهد به أيضاً.

والثالث: مثله - كما سيأتي بيانه - هو والحديث الرابع بعد هذا إن شاء الله تعالى.

فقول المعلق عقبها:

" وهذه شواهد يشد بعضها بعضاً فيتقوى بها الحديث "!

فأقول: كلا! فإن شرط التقوّي أن لا يشتد ضعف مفرداتها؛ كما هو معلوم في " المصطلح " وليس الأمر كذلك هنا كما بينا، ولذلك؛ لم يتجرأ على التصريح بعللها خلافا لما صنع في حديث الخدري! فلو فعل؛ لتبين للقارئ شدة الضعف والنكارة. ولهذا؛ لم يُقَوِّ الحافظُ الحديثَ بطرقه المذكورة وغيرها، وإنما اكتفى بتضعيفها في " الفتح " بقوله (1 / 588) - بعد أن أشار إليها، ومنها حديث أنس المذكور تحت الحديث التالي -:

" وفي إسناد كل منهما ضعف "

 

(12/363)

 

 

على أنه لو سلمنا جدلاً ارتقاء الحديث إلى الصحة بلفظ: " لا يقطع الصلاة شيء "؛ فلا يكون صريحا في معارضة أحاديث القطع؛ لأنه عام وتلك خاصة، فيبنى العام على الخاص، ويكون الناتج من ذلك (لا يقطع الصلاة شيء إذا كان بين يديه سترة) ، وهذا جاء مصرحاً به في بعضها؛ كحديث أبي هريرة:

" يقطع الصلاة المرأةُ والكلبُ والحمارُ، ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ".

رواه مسلم كما تقدم، ونحوه حديث أبي ذر.

وقد بحث الشوكاني في " النيل " هذا الموضوع بتفصيل، وناقش أدلة المختلفين في هذه المسألة، وبيَّن صحيحها من سقيمها، وانتهى كلامه إلى هذا الجمع، فليراجعه من أراد التفصيل؛ إلا أن موقفه من حديث الترجمة كان ضعيفا؛ لأنه بعدما ساقه من رواية الدراقطني لم يزد على قوله عقبه (3 / 12) :

" فإن صح كان صالحاً للاستدلال به على النسخ (يعني: لحديث القطع) إن صح تأخُّر تأريخه ".

فهذا وما تقدم نقله عن المعلق على " الزاد " كان من دواعي كتابة هذا التخريج والتحقيق. والله تعالى ولي التوفيق.

وإليك الآن تحقيق الكلام على الحديث الثالث من الأحاديث المشار إليها آنفاً:

5661 - (لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ شيءٌ) .

منكر.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير (8 / 193 / 7688) ، والدارقطني في " السنن " (1 / 368) من طريق عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعا.

 

(12/364)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عفير هذا؛ فقد اتفقوا على تضعيفه، وقد بسط الحافظ ابن المزي أقوال جارحيه في " تهذيب الكمال "، وهو ممن سقطت ترجمته من " تهذيب التهذيب " للعسقلاني، وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:

" ضعفوه. وقال أبو حاتم: لا يشتغل بحديثه ".

قلت: ونص قول أبي حاتم في رواية ابنه عنه في " الجرح " (3 / 2 / 36) :

" ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة بالمناكير مما لا أصل له، لا يشتغل بروايته ".

قلت: فمثله لا يصلح للاستشهاد به؛ خلافا لما فعله المعلق على " زاد المعاد " كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الحديث الذي قبله، وكذلك فعل في تعليقه على " شرح السنة " (2 / 461 - 462) ! ولم يكتف بذلك؛ بل إنه نقل عن الهيثمي في " المجمع " (2 / 62) أنه حسّن إسناده وأقره! وأغلب الظن أنه لا يخفى عليه أن ذلك من أوهام الهيثمي أو تساهله. فلم أقره؟ ! الجواب في قلب كل قارئ لبيب.

وهذا هو الحديث الثالث مما كان المعلق المشار إليه ذكره كشاهد لحديث الترجمة من رواية أبي سعيد الخدري الذي سبق بيان إسناده ونكارة متنه أيضاً في الذي قبله.

وأما الحديث الرابع الذي استشهد به؛ فهو حديث الدارقطني عن أنس مرفوعاً مثل حديث الترجمة:

 

(12/365)

 

 

وسكت المومى إليه أيضاً، فلم يتكلم عليه بشيء أيضاً؛ مكتفيا بادِّعاء كونه شاهداَ. ولا يصلح لذلك؛ لضعف في إسناده ونكارة في متنه، وإليك البيان:

أخرجه الدارقطني (1 / 367) ، والبيهقي (2 / 177 - 178) والحافظ ابن المظفر في " زياداته على مسند عمر بن عبد العزيز " لابن الباغندي (ص 17) من طريق إبراهيم بن منقذ الخولاني: نا إدريس بن يحي أبي عمرو المعروف بـ (الخولاني) عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن حرملة: أنه سمع عمر ابن عبد العزيز يقول: عن أنس:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس، فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله (ثلاثاً) ، فلما سلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

" من المسبّح آنفاً: سبحان الله؟ " قال أنا يا رسول الله! إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة. قال:

" لا يقطع الصلاة شيء ".

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال " التهذيب "؛ غير إدريس بن يحي هذا؛ قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 265) :

" صدوق، سئل عنه أبو زرعة؛ فقال: رجل صالح من أفاضل المسلمين ". قال يونس بن عبد الأعلى:

" ما رأيت في الصوفية عاقلا سواه ".

وصحح له الحاكم.

توفي سنة (211) ؛ كما قال الذهبي في " الأعلام " (10 / 166) . وذكر

 

(12/366)

 

 

أنه كان أحد الأبدال، كان يشبه ببشر الحافي في فضله وتَأَلُّهِهِ.

وغفل عن هذا الشيخ أحمد شاكر، فقال في تعليقه على الترمذي (2 / 165) :

" ولم أجد ترجمة لإدريس هذا "!

ولعله أراد الراوي عنه: إبراهيم بن منقذ، فسبقه القلم؛ فإن إبراهيم هذا عزيز الترجمة؛ فقد ذكره الذهبي في " العبر "، وتبعه ابن العماد في " الشذرات " في وفيات سنة (269) ؛ قالا:

" وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري صاحب ابن وهب، وكان ثقة ".

وهذا خلاصة ترجمته في " سير أعلام النبلاء " (12 / 503) ، ووصفه فيه بـ " الإمام الحجة الخولاني أبو إسحاق، مولاهم المصري العصفري ".

وذكر أنه روى عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم، قال أبو سعيد بن يونس:

" هو ثقة رضي ".

فالظاهر أنه في كتابه " تاريخ مصر "، ولم يطبع فيما علمت؛ فهو - والله أعلم - عمدة الذهبي في توثيقه، وذكر السمعاني في " الأنساب "، مادة (العصفري) :

" كانت كتبه احترقت قديما، وبقيت له منها بقية، وكان يحدث بما بقي له من كتبه ".

قلت: وبالجملة؛ فرجال هذا الإسناد ثقات كما تقدم؛ ولكن متن الحديث منكر؛ لما سبق بيانه، وفي هذه الحالة لا بد للباحث أن يربط علته بأحد رجاله، فأرى - والله أعلم - أن أولاهم بها إنما هو صخر بن عبد الله بن حرملة؛ فإنه وإن وثقه

 

(12/367)

 

 

ابن حبان (6 / 473) ، والعجلي (227 / 294) ، وقال النسائي:

" صالح " كما في " تهذيب التهذيب " لابن حجر، وكأنه وقف عند هذا التوثيق حين قال في كتابه " الدراية " (1 / 178) :

" وإسناده حسن "!

وتبعه في ذلك الشيخ الفاضل بديع الدين الراشدي في تعليقه على " مسند عمر بن عبد العزيز " (ص 16) ، وقلده المعلق الحلبي على المسند (ص 55) ، ولم ينتبهوا جميعا إلى أن التوثيق المذكور مما لا يقبل، وبخاصة عند تعارض الأحاديث؛ فإنه صادر ممن عرف بتساهله في التوثيق في راوٍ ليس مشهورا بالرواية، ولذلك؛ سكت عنه البخاري في " التاريخ الكبير "، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، وقال الذهبي في " الميزان ":

" قليل الحديث، لا يكاد يعرف، قال ابن القطان: مجهول الحال لا يعرف، ما روى عنه غير بكر بن مضر ". ولهذا؛ قال في " الكاشف ":

" وثق "!

وهذا التعبير منه يعني أن توثيق من ذكرنا غير موثوق به؛ كما يعرف ذلك من له ممارسة بتعابير الذهبي ودقته فيها. وكذلك قول الحافظ ابن حجر فيه في " التقريب ":

" مقبول ". يعني: أن التوثيق المشار إليه غير مقبول عنده، وإلا؛ لقال فيه هو والذهبي: " ثقة ". أو نحو ذلك من العبارات التي تؤدي معناه، ويؤكد ذلك بالنسبة للحافظ أنه صرح في مقدمته بمقصوده بقوله: " مقبول "؛ فقال: " حيث

 

(12/368)

 

 

يتابع، وإلا فليِّن الحديث ".

وفي نقل تلميذه الحافظ الناجي عنه: " إن لم يتابع؛ فليِّن الحديث ".

فلما لم يكن لصخر هذا متابع، فحديثه - والحالة هذه - لين عند الحافظ، وهو الذي يتفق مع تضعيفه إياه في " الفتح " كما تقدم، وعبارته صريحة في ذلك.

وأما قول ذاك الحلبي: إنها توهم تضعيفه له؛ فمن تحريف كلام العلماء؛ إتباعاً لهواه؛ فإن عبارته بعد أن ذكر أن حديث الترجمة ورد عن جمع من الصحابة سماهم - منهم أنس - قال:

" وفي إسناد كل منها ضعف ".

فأين التوهيم المزعوم؟ !

ومن تهوُّر هذا الزاعم وجرأته على العلماء قوله (ص 55) - بعد أن نقل ما سبق من التوثيق عن ابن حبان وغيره -:

" ولم ينقل فيه غير ذلك، فهو ثقة، وليس كما قال في " التقريب ": مقبول "!

كأن الحافظ لا علم عنده بالتوثيق المذكور، وهو إنما نقله عنه! ولكن من جهل هذا الزاعم وتهوره أنه لم يفكر على الأقل لماذا لم يأخذ بالتوثيق المذكور وهو العليم به؛ ولو فكر لتبين له السبب، وهو جهالة الموثِّق هذا، وتساهل الموثِّقين له، وقد سبقه إلى ذلك ابن القطان والذهبي كما سبق؛ فإن من المعروف في " المصطلح ": أن الراوي إذا روى عنه واحد؛ فهو مجهول جهالة عينية، ومن روى عنه اثنان فأكثر فهو مجهول الحال.

فلما لم يرو عن صخر غير بكر، ولم يوثق بتوثيق معتبر؛ لزم الحفاظ المتأخرون - ابن القطان والذهبي والعسقلاني - المعروفَ في المصطلح، ولما

 

(12/369)

 

 

جهل ذلك المغرور المشار إليه؛ خطَّأهم جميعًا في شخص الحافظ العسقلاني! !

ولقد جهل أمرين آخرين:

الأول: مخالفة هذا الحديث للأحاديث الصحيحة عن أبي ذر وغيره؛ كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله؛ ففيها إثبات القطع.

والآخر: أنه صح عن أنس نفسه ما يوافق تلك الأحاديث الصحيحة، ويخالف ما نسبه صخر إليه، وهو ما روى شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس أن النبي ? قال:

((يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة)) .

أخرجه البزار في ((مسنده)) (1 / 281 / 582 - كشف الأستار) : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن: ثنا يحيى بن كثير: ثنا شعبة به.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن السكن، وهو من شيوخ البخاري في ((صحيحه)) . ولهذا قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2 / 60) :

((رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح)) .

وأقره الحافظ في ((زوائده)) (ص 54 - مصورة الهند) .

ولعله مما يزيد القارئ بصيرة بضعف هذه القصة التي تفرد بها صخر: معرفة أنه اضطرب في إسناده.

فمرة قال: إنه سمع عمر بن عبد العزيز عن أنس، كما تقدم.

 

(12/370)

 

 

ومرة قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال:. . . فذكره.

أخرجه ابن الباغندي في ((مسند عمر بن عبد العزيز)) (17 / 9) : حدثنا هشام بن خالد: نا الوليد بن مسلم عن بكر بن مضر المصري عن صخر بن عبد الله المدلجي قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا منقطع أو مرسل؛ لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عياش بن أبي ربيعة؛ فإنه قديم الوفاة مات سنة (15) .

وهذا يقال إن سلم من عنعنة الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية.

إذا عرفت هذا؛ فقد أخطأ في هذا الحديث عالمان فاضلان لهما وزنهما عندي، وهما: الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، والشيخ بديع الدين الراشدي.

أما الأول؛ فمن ناحيتين:

الأولى: من حيث إسناده، فإنه قال عقب كل رواية الوليد بن مسلم:

((وهذا إسناد صحيح، إلا أن عمر بن عبد العزيز لم يسمع من عياش، فقد مات سنة 15، ولكنه محمول على الرواية الأخرى عن أنس، وكأن عمر لما سمعه من أنس صار يرويه مرة عنه، ومرة يرسله عن عياش، يريد بذلك رواية القصة، لا ذكر الإسناد)) .

قلت: هذا الحمل مسلَّم لو صح الإسناد عن عمر بهذا وهذا، وهيهات! فإن مدارهما على صخر، وقد عرفت حاله.

 

(12/371)

 

 

والعجب من الشيخ كيف يصحح هذه الرواية، وهو يعلم أن الوليد بن مسلم مدلس، ويقول في أحد رواة الرواية الأولى عن أنس: ((لم أجد له ترجمة)) ! كما سبق نقله عنه مع الاستدراك عليه فيه، فتذكر هذا، وأن العلة الحقيقة هي من صخر!

ثم إذا كان الشيخ يحمل هذه الرواية على الرواية الأولى - وهي عن أنس -؛ فكيف يجوز نسبة ذلك إليه بمثل هذا السند المعلل بصخر، وقد صح عنه خلافه بسند قوي كالجبل؛ كما سبق.

والناحية الأخرى: أنه جزم بنسخ أحاديث قطع الصلاة التي تقدم بعضها ببيان ذكره متبجحًا به! وحق له ذلك لو صح؛ ولكننا نقول: أثبت العرش ثم انقش! ! أو: وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟ ! فإن ذلك البيان بناه على صحة الحديث، وهيهات هيهات! فقد تبين أنه ضعيف الإسناد منكر المتن؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة في القطع بصورة عامة، ولحديث أنس الصحيح فيه بصورة خاصة.

وأما الشيخ الراشدي حفظه الله؛ فقد وافقه على الناحية الأولى؛ إلا أنه اقتصر على تحسين إسناد الحديث إلى أنس، وعلى الناحية الأخرى أيضًا تلميحًا لا تصريحًا؛ لكنه جاء بعجيبة؛ فإنه بعد أن صرح بضعف حديث الوليد - لتدليسه - قال في آخر تعليقه عليه:

((فهذا الحديث من جملة الشواهد في الباب)) !

يقول هذا وهو يرى أن مداره على راو واحد، هو صخر بن عبد الله في هذا الحديث وفي الذي قبله، فقد جعل المشهود له شاهدًا، وبالعكس! إلا أن يريد

 

(12/372)

 

 

بقوله ((حديث)) حديث عياش بغض النظر عن روايتيه والجملة الأخيرة منه وهي: ((لا يقطع الصلاة شيء)) ! فلا يصح الاستشهاد به؛ لأنه منكر؛ كما تقدم تحقيق ذلك في هذا التخريج. والله ولي التوفيق.

5662 - (صَلَّى قَبْلَ المغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ) .

شاذ. أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) (رقم 617 - موارد) : أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثني أبي: حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة: أن عبد الله المزني حدثه: أن رسول الله ? صلى قبل المغرب ركعتين.

كذا أورده الهيثمي في ((الموارد)) وقال: عقبه:

((قلت: فذكر الحديث)) .

قلت: يعني قوله ?:

((صلوا قبل صلاة المغرب [ركعتين] )) . قال في الثالثة:

((لِمَنْ شاءَ)) ؛ كراهية أن يَتَّخِذَهَا الناسُ سُنَّةٌ.

أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج في ((صحيح أبي داود)) (1161) ؛ أخرجوه دون حديث الترجمة، وهي زيادة تفرَّد بها أحد رواة هذا الإسناد عند ابن حبان وكذا ابن نصر في ((القيام)) ، وقد كنت أشرت إلى شذوذها في ((الصحيحة)) رقم الحديث (233) ؛ لمخالفة المشار إليه، والآن اقتضى الأمر توضيح ذلك فأقول:

أولاً: لا أجد في هذا الإسناد من هو أولى بتعصيب الخطأ في هذه الزيادة؛

 

(12/373)

 

 

لأنهم جميعًا ثقات لم يتكلم فيهم أحد بجرح؛ سوى عبد الصمد بن عبد الوارث؛ فإنه مع كونه من رجال الشيخين؛ فقد قال فيه ابن قانع:

((ثقة يخطئ)) . فإن لم يكن هو؛ فابنه عبد الوارث؛ لأنه قد خولف وأبوه توبع؛ كما يأتي.

على أنه قد بدا لي أن في هذا الإسناد انقطاعًا أو سقطًا قديمًا؛ فإن ظاهر قوله: ((ثني أبي)) أنه يعني عبد الصمد بن عبد الوارث، وأن هذا هو القائل: ثنا المعلم. ولم يذكروا أن له رواية عنه، ولا تاريخ وفاتهما يساعد على ذلك؛ فإن وفاة عبد الصمد سنة (207) ، ووفاة حسين سنة (145) ، فبين وفاتيهما (62) سنة. وإنما ذكروا لأبيه عبد الوارث السماع منه، وهو المحفوظ في هذا الإسناد من رواية جمع من الثقات عن عبد الوارث بن سعيد، منهم ابنه عبد الصمد دون الزيادة، وهاك البيان:

1 و 2 - قال أحمد (5 / 55) : ثنا عبد الصمد: حدثني أبي: ثنا حسين، وعفان: ثنا عبد الوارث: ثنا حسين به؛ دون الزيادة.

ومن طريق عفان وحده أخرجه البغوي في ((شرح السنة)) (3 / 471 / 894) .

3 - قال البخاري في ((صحيحه)) (1183) : حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث به.

وأبو معمر هذا اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المِنْقَري.

ومن طريقه أخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (2 / 267 / 1289) .

4 - قال أبو داود في ((سننه)) (1218) : حدثنا عبيد الله بن عمر: حدثنا

 

(12/374)

 

 

عبد الوارث بن سعيد به.

وعبيد الله هذا هو القواريري.

ومن طريقه أخرجه الدارقطني (1 / 265 / 3) .

ومن طريق أبي داود: البيهقي (2 / 474) .

5 - قال محمد بن نصر (ص 26) : حدثنا محمد بن عبيد: ثنا عبد الوارث ابن سعيد به. ومحمد بن عبيد هو ابن حساب؛ ثقة من شيوخ مسلم.

ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي في (مستخرجه) ؛ كما في (فتح الباري) (13 / 339) ؛ لكن وقع فيه (حسان) بالنون بدل الباء؛ وهو خطأ مطبعي.

قلت: فهؤلاء خمسة ثقات اتفقوا على رواية الحديث عن عبد الوارث بن سعيد دون الزيادة، وهذا مما يلقي اليقين في القلب على شذوذها وخطأ من زادها في إسناد ابن حبان عن ابن خزيمة، ولعل مما يؤكد ما ذكرت: أن ابن خزيمة أعرض عن إيرادها في ((صحيحه)) إلى رواية أبي معمر الخالية منها كما تقدم.

من أجل ذلك؛ جزم ابن القيم رحمه الله بنقي ما تضمنته هذه الزيادة؛ فقال في ((زاد المعاد)) :

((وأما الركعتان قبل المغرب؛ فإنه لم ينقل عنه ? أنه كان يصليهما، وصح عنه أنه أقَرَّ أصحابه عليهما. . .)) .

وذكر نحوه الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (2 / 108) .

وقد غفل عن هذا كله المعلق على ((الزاد)) ؛ فإنه قال في حديث ابن حبان:

 

(12/375)

 

 

((وإسناده صحيح)) ! وما أُتي إلا من التقليد، وعدم التحقيق!

ومثل هذا الحديث في الشذوذ - بل النكارة - ما تقدم (2139) بلفظ:

((بين كل أذانين صلاة إلا المغرب)) !

ثم تأكدت من السقط المشار إليه، فراجع ((الصحيحة)) بالرقم المشار إليه الطبعة الجديدة سنة (1415) .

وقد تبين لي أن في إسناد ((الموارد)) سقطًا أيضًا، وهو قول عبد الصمد أيضًا حدثني أبي. . . أي: أن صواب الإسناد هكذا:

((. . حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبي: حدثني أبي: حدثنا حسين المعلم. . .)) إلخ.

هكذا هو في ((الإحسان)) في كل من الطبعتين: طبعة بيروت وطبعة عمان. فاتصل الإسناد وزالت علة الانقطاع، ومن الغريب أن هذا الانقطاع في ((قيام الليل)) أيضًا!

وبالجملة، فإذا صح هذا الاتصال، فتكون العلة القادحة هي الشذوذ ومخالفة الثقات، وخفي ذلك على مُخَرِّج طبعة عمان من ((الإحسان)) ؛ فصح إسناده، بل وعزاه للبخاري وغيره! وهو عنده من قوله ? بلفظ الأمر المتقدم، وبلفظ:

((بين كل أذانين صلاة)) .

وهما مخرجان في ((صحيح أبي داود)) (1161، 1163) .

وباللفظ الثاني أخرجه ابن خزيمة أيضًا (1287) ، وابن حبان أيضًا (3 /

 

(12/376)

 

 

48 / 1557 - 1560) ، وزادا في رواية عقبه:

((وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين)) .

قلت: وإسناده صحيح. فهذا هو الصواب في هذه الزيادة: أنها من فعل ابن بريدة، أدرجها الراوي في الحديث ورفعه!

5663 - (إن السُّوْرَ الذي ذَكَرَهُ الله في القرآنِ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} ؛ هو السور الشرقي: (يعني: مسجدَ بيتِ المقدس) ؛ باطنُه المسجد، وظاهره وادي جهنم) .

موقوف باطل. أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) (27 / 130) ، والحاكم (4 / 601) من طريق سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يقول:. . . فذكره موقوفًا عليه. وقال الحاكم:

((صحيح الإسناد)) ! ووافقه الذهبي!

وأقول: سعيد بن عبد العزيز هو التنوخي؛ مع ثقته وإمامته كان قد اختلط في آخر عمره؛ كما في ((التقريب)) ، فإن سلم من اختلاطه؛ ففوقه أبو العوام؛ ولم أعرفه، وقد ذكر الذهبي في ((المقتنى في الكنى)) :

((أبو العوام. عن معاذ بن جبل، وعنه روح بن عائذ.

أبو العوام. عن عبادة بن الصامت. كأنه الذي قبله، روى عنه زياد بن أبي سودة)) .

 

(12/377)

 

 

قلت: ويلقى في النفس أن اسمه بلال إن كان حفظه الراوي عنه، وهو محمد ابن ميمون قال: عن بلال بن عبد الله مؤذن بيت المقدس قال:

رأيت عبادة بن الصامت رضي الله عنه في مسجد بيت المقدس مستقبل الشرق أو السور - أنا أشك - وهو يبكي، وهو يتلو هذه الآية {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} ، ثم قال:

((ها هنا أرانا رسول الله ? جهنم)) .

أخرجه الحاكم (2 / 478) وقال:

((صحيح الإسناد)) ! ورده الذهبي بقوله:

((قلت: بل منكر، وآخره باطل؛ لأنه ما اجتمع عبادة برسول الله ? هناك. ثم من هو ابن ميمون وشيخه؟ ! وفي ((نسخة أبي مسهر)) : عن سعيد عن زياد بن أبي سودة قال:

رؤي عبادة على سور بيت المقدس يبكي، وقال:

من ها هنا أخبرنا رسول الله ? [أنه] رأى جهنم.

فهذا المرسل أجود)) .

قلت: زياد بن أبي سودة تابعي ثقة؛ لكن الراوي عنه سعيد هو ابن عبد العزيز نفسه، فالله أعلم هل هذا من سماعه قبل الاختلاط أم بعده.

ومحمد بن ميمون؛ هذا قال فيه ابن أبي حاتم عن أبيه:

((مجهول)) .

 

(12/378)

 

 

وأخرج ابن جرير أيضًا وعبد بن حميد؛ كما في ((الدر المنثور)) (5 / 174) من طريق أبي سنان قال:

كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم، فحدث عن أبيه أنه قال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} ، فقال:

((هذا موضع السور عند وادي جهنم)) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته أبو سنان - واسمه عيسى بن سنان القَسْمَلِي -؛ ليِّن الحديث؛ كما في ((التقريب)) .

وبالجملة؛ فهذه الأحاديث - مع ضعف أسانيدها - منكرة من حيث متونها؛ لمخالفتها لما قبل الآية المذكورة وما بعدها؛ قال تعالى في أول سورة الحديد: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} .

فهذا السياق صريح بأن ضرب السور إنما هو يوم القيامة. وأن (السور) حائط بين الجنة والنار؛ كما رواه ابن جرير عن قتادة وغيره.

وهو الصحيح؛ كما قال ابن كثير.

وما أحسن ما قاله الشوكاني في هذه الآثار:

((ولا يخفاك أن تفسير السُّوْر المكور في القرآن في هذه الآية بهذا السور

 

(12/379)

 

 

الكائن ببيت المقدس فيهمن الإشكال ما لا يدفعه مقال، ولا سيما بعد زيادة قوله: " باطنه فيه الرحمة ": المسجد؛ فإن هذا غير ما سيقت له الآية، وغير ما دلت عليه، وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين، وأي معنى لذكر مسجد بيت المقدس ههنا، فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس ويجعله في الدار الآخرة سوراً مضروباً بين المؤمنين والمنافقين؛ فما معنى تفسير باطن السور وما فيه من الرحمة بالمسجد؟!

وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس، فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد، ويجعل المنافقين خارجه؛ فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة وليسوا ببيت المقدس. فإن كان مثل هذا التفسير ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلنا وآمنا به، وإلا فلا كرامة ولا قبول ".

5664 - (إِن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله, فلا تصوموا فيهن إلا صوما في هدي) .

منكر بذكر الإستثناء. أخرجه الدارقطني في ((سننه)) (2 / 187 / 35) من طريق سليمان أبي معاذ عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن حذافة السهمي:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع يوم النحر فينادوا:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا, آفته سليمان هذا _ وهو ابن أرقم _, قال الذهبي في ((الكاشف)) :

((متروك)) .

 

(12/380)

 

 

وقد تابعه من هو مثله أو قريب منه. وهو مخرج في ((الإرواء)) (4 / 133) .

وقد خالفهما معمر إسنادا ومتنا:

فرواه عن الزهري بسنده الصحيح عن رجل من أصحاب النبي لى الله عليه وسلم قال:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة أن يركب راحلته أيام منى. . . الحديث نحوه, دون الإستثناء. وهو الصحيح.

رواه الطحاوي وأحمد.

ورواه الحاكم (3 / 631) من طريق آخر عن الزهري.

ثم أخرجاه وكذا ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4 / 21) من طريق أخرى من حديث عبد الله بن حذافة نفسه.

وإسناده صحيح أيضا.

وكذلك رواه جمع من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم, دون الإستثناء.

الأمر الذي يؤكد نكارة هذه الزيادة في هذا الحديث.

وقد خرجت بعض طرقه عن أولئك الصحابة في المصدر المشار إليه آنفا برقم (963) , وأحدها في (صحيح مسلم) عن كعب بن مالك رضي الله عنه.

لكن معنى الحديث صحيح عندي, لحديث البخاري وغيره عن عائشة وابن عمر قالا:

((لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن, إلا لمن لم يجد الهدي)) .

 

(12/381)

 

 

وهو _ وإن لم يكن صريحا في الرفع , فهو _ في حكم المرفوع عند الجمهور, كما ذكرت في ((الإرواء)) (4 / 132 - 133) , وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري, بل إنه استصوب أنه لا يجوز أن يصوم غيرها, لأنه قبل إحرامه بالحج إنما يكون معتمرا وليس متمتعا بالعمرة إلى الحج, والله عز وجل يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) , وإذا صامها بعد فراغه من مناسكه, فلم يصمها في الحج, وذلك خلاف قوله تعالى في تمام الآية: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج. .) . فرجع كلامه, فإنه قوي رصين.

ويؤيده _ في رأيي _ أنها لا تنطبق إلا على من لم يجد الهدي يوم وجوبه, وهو يوم النحر, وأما قبل ذلك بأيام كثيرة أو قليلة, فلا عبرة بذلك, لأنه إن صام فيها, فمن الممكن أن يجده من بعد, فيجب عليه الهدي, ويذهب ما قدمه من الصيام, وما مثل هذا إلا مثل رجل معسر صام ثلاثة أيام ينوي بصومهن كفارة يمين, ليمين يريد أن يحلف بها ويخنث فيها, وذلك ما لا خلاف فيه أنه غير مجزئ من كفارة إن حلف بها بعد الصوم فحنث. إلى غير ذلك من الأمثلة التي ساقها ابن جرير في تأييده لما استصوبه من الحكم, فراجعه, فإنه قيم نفيس.

ومنه تعلم أنه لا وجه لوقف الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1 / 221 - 222) عن الأخذ بجواز صيام الأيام الثلاثة للمتمتع لتردده بين أن تكون الآية المتقدمة عامة خصصت بأحاديث النهي عن صيام أيام التشريق نهيا عاما في الأحاديث المشار إليها آنفا, أو أن تكون هذه الأحاديث مخصصة بالآية! قال:

((ولا ينتهض لنسخ النهي عن صيامها: ما ورد عن بعض الصحابة)) .

يشير إلى أثر عائشة وابن عمر المتقدمين, وقد عرفت أنهما في حكم المرفوع.

 

(12/382)

 

 

وأنهما في معنى الآية, فهي المخصصة لأحاديث النهي عن صيامها. ثم قال:

((نعم, إن صح ما رواه الطحاوي والدارقطني والحاكم عن عبد الله بن حذافة مرفوعا: ((إن هذه أيام أكل. . .)) (الحديث) , كان هو المخصص لما ورد من النهي عن صومها)) .

فأقول: قد عرفت أن الحديث لا يصح, وأننا في غنية عنه بالأثر المشار إليه والآية.

وإن مما يجب التنبيه عليه: أن عزوه حديث الترجمة للطحاوي والحاكم خطأ فاحش, لأنه عندهما دون الزيادة المنكرة, كما تقدم بيانه في أثناء التخريج, وكأنه اعتمد فيه على السيوطي, فإنه كذلك عزاه في ((الجامع الكبير)) ! وهو من أوهامه رحمه الله. وزاد المعلق على ((السيل)) وهما آخر أفحش من الأول, فإنه علق على الحديث بقوله:

((يراجع مستدرك الحاكم في معنى الحديث 434 / 1)) .

ولدى الرجوع إلى الفحة التي أشار إليها لم نجد فيها ما ذكر, بل فيها حديثان من الأحاديث الصحيحة التي سبقت الإشارة إليها وذكرنا بعضها وليس فيها كلها الإستثناء المذكور في هذا الحديث المنكر, فهي مبطلة للمعنى الذي ادعاه لو تنبه!

5665 - (إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة, فيشمته) .

ضعيف جدا. أخرجه الشافعي في ((الأم)) (1 / 180) , ومن طريقه البيهقي (3 / 223) : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وقال البيهقي:

 

(12/383)

 

 

((هذا مرسل)) .

قلت: هذا إعلال قاصرجدا, فإنما يكفي مثله في إسناد رجاله ثقات, وليس الأمر كذلك هنا, فإن إبراهيم بن محمد هذا _ وهو ابن يحيى الأسلمي المدني _ ضعيف جدا, وقد قال الحافظ فيه:

((متروك)) .

ومن الغريب: أن الإمام الشافعي رحمه الله بنى على هذا الحديث حكما, فقال قبله:

((ولو عطس رجل يوم الجمعة, فشمته رجل, رجوت أن يسعه, لأن التشميت سنة)) ! ثم ساق الحديث!

وأغرب من ذلك أنه قال قبل ما سبق:

((ولو سلم رجل على رجل يوم الجمعة, كرهت ذلك له, ورأيت أن يرد عليه بعضهم, لأن رد السلام فرض)) !

ففرق الإمام هنا بين إلقاء السلام وتشميت العاطس, فكره الأول دون الآخر, مع أنهما كليهما سنة إن لم نقل واجب, للأحاديث المعروفة, ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:

((حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه. . . وإذا عطس فحمد الله فشمته. . .)) . الحديث, رواه مسلم في ((صحيحه)) (7 / 3) وفي رواية:

((خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام وتشميت العاطس. . .)) .

فالتفريق المذكور غير ظاهر عندي, فإما أن يقال بكراهة كل منهما أو بالجواز,

 

(12/384)

 

 

وبكل منهما قال بعض السلف, وقد ساق عنهم ابن أبي شيبة (2 / 120 - 121) , وعبد الرزاق (3 / 226 - 228) .

والذي يترجح عندي _ والله أعلم _ الأول, لأنه إذا كان قول القائل (أنصت) لغوا _ كما في الحديث الصحيح, مع أنه داخل في الأدلة العامة في الأمر بالمعروف _, فبالأولى أن لا يشمت العاطس ولا يرد السلام, لما يترتب من التشويش على الحاضرين بسبب الرد والتشميت. وهذا ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.

بل أرى عدم إلقاء السلام على المستمعين سدا للذريعة, لأن أكثرهم لا يعلم أنه يجوز الرد إشارة باليد أو الرأس _ كما يفعل المصلي _ فيرد باللفظ, لأنه لا يجد في نفسه ما يمنعه من ذلك, بخلاف ما لو كان في الصلاة, فإنه لا يرد, لحرمة الصلاة, بل إن أكثرهم لا يرد فيها ولو بالإشارة مع ورود ذلك في السنة! فتأمل.

وهنا سؤال يطرح نفسه _كما يقولون اليوم_: فإن سلم الداخل والخطيب يخطب يوم الجمعة, فهل يرد إشارة؟ فأقول أيضا: لا. وذلك لأن الرد هذا يفتح باب إلقاء السلام من الداخل, وهذا مرجوح كما بينا.

ثم رأيت في ((المجموع)) للنووي (4 / 523 - 524) عن الشافعية ما يوافق الذي رجحته, فليراجعه من شاء, وانظر من أجل العطاس كلام ابن دقيق في ((الفتح)) (10 / 606) , فإنه يوافق ما ذكرنا. والله أعلم.

5666 - (تقبل الله منا ومنك. في العيد) .

ضعيف جدا. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (6 / 2247) , ومن طريقه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3 / 319) , وأبو بكر الأزدي الموصلي في

 

(12/385)

 

 

((حديثه)) (ق3 / 2) عن محمد بن إبراهيم الشامي: ثنا بقية عن ثور عن خالد بن معدان عن واثلة بن الأسقع قال:

لقيت النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد, فقلت: يا رسول الله! تقبل الله منا ومنك.

قال:

((نعم تقبل الله. . .)) وقال ابن عدي:

((هذا منكر, لا أعلم يرويه عن بقية غير محمد بن إبراهيم هذا, وهو منكر الحديث, وعامة أحاديثه غير محفوطة)) .

قلت: وقد خالفه سندا ومتنا: نعيم بن حماد وحيوة بن شريح, فقالا:

ثنا بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري عن أبيه قال:

لقيت واثلة بن الأسقع في يوم عيد. . . الحديث بتمامه إلا أنهما أوقفاه.

أخرجه المحاملي في ((كتاب صلاة العيدين)) (2 / 139 / 2) , وزاهر بن طاهر الشحامي في ((تحفة العيد)) (197 / 1) .

وهذا مع وقفه لا يصح, حبيب هذا, قال الدارقطني:

((مجهول)) . وكذا قال أبو حاتم, وزاد:

((ضعيف الحديث, ولم يرو عنه غير بقية)) .

ومع تفرد بقية عنه, أورده ابن حبان في ((الثقات)) (6 / 183) !

ولذلك, قال البيهقي بعد أن اشار إلى هذا الموقوف:

 

(12/386)

 

 

((ولا أراه محفوظا)) .

لكن قد ثبت ذلك من طريق أخرى قوية: أن الصحابة كانوا إذا التقوا يو العيد يقول بعضهم لبعض:

((تقبل الله منا ومنك)) .

أخرجه المحاملى وغيره, وقد سقت إسناده وبينت صلاحه في آخر الجزء الثاني من ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)) التحقيق الثاني.

5667 - (من لقي أخاه عند الإنصراف من الجمعة, فليقل: يقبل الله منا ومنك, فإنها فريضة أديتموها إلى ربكم عز وجل) .

موضوع. أخرجه أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (2 / 39) من طريق نهشل ابن سعيد الورداني (الأصل: الدارمي) عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع, آفته نهشل هذا, قال أبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه:

((كذاب)) . وقال الحاكم:

((روى عن الضحاك المعضلات)) . وقال أبو سعيد النقاش:

((روى عن الضحاك الموضوعات)) .

قلت: وهذا منها كما ترى. وقال ابن حبان (3 / 52) :

((كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم, لا يحل كتابة حديثه إلا

 

(12/387)

 

 

على جهة التعجب, كان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يرميه بالكذب)) .

والضحاك, لم يسمع من ابن عباس.

والحديث, مما فات السيوطي في ((الجامع الكبير)) , ثم المناوي في ((الجامع الأزهر)) , فلم يورداه! مصداقا للمثل السائر: (كم ترك الأول للآخر) . وعزاه السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (ص167) للديلمي عن ابن عباس, وسكت عليه فأساء! وأما ابن الدبيع, فقد أحسن بحذفه وعدم ذكره إياه مطلقا في ((تمييز الطيب من الحبيث)) .

5668 - (علموا نساءكم سورة (الواقعة) , فإنها سورة الغنى) .

ضعيف. أخرجه الديلمي في ((مسند الفردوس)) (ص268 - مصورة الجامعة الإسلامية) عن علي بن الحسين بن حبيب: حدثنا موسى بن فرقد البصري عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم, فيه جماعة لم أجد لهم ترجمة, منهم موسى هذا, والراوي عنه.

 

(12/388)

 

 

5669 - (فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن) .

ضعيف جدا. أخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب من المسند)) (ق94 / 1) من طريق زائدة عن أبان عن شهر عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا, آفته أبان هذا _ وهو ابن أبي عياش البصري _ وهو متروك متهم.

 

(12/388)

 

 

وشهر: هو ابن حوشب, وهو ضعيف.

والحديث, رمز لضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) , وقد ذكرنا مرارا أن رموزه لا يوثق بها, لأسباب ذكرتها في مقدمة ((ضعيف الجامع)) (وصحيح الجامع)) . وبيض له المناوي في شرحيه: ((الفيض)) و ((التيسير)) , وكأنه لم يقف على إسناده, وكذلك كنت فلعت لما قسمت ((الجامع)) إلى القسمين المذكورين, ولكنني كنت قد ضعفته, ناظرا إلى نكارة معناه, والآن وقد وقفت على إسناده وتبين أنه ضعيف جدا, فيضاف هذا المصدر إلى هناك مع لفظة (جدا) .

واعلم أن هذا الحجيث مما تفرد به ((الجامع الصغير)) دون ((الجامع الكبير)) ! ومما لم يستدركه المناوي في ((الجامع الأزهر)) .

5670 - (شد حقوك ولو بعقال. وفي رواية: بصرار) .

ضعيف. أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (3 / 314) , والديلمي في ((مسند الفردوس)) (226) _ والرواية الأخرى له_ من طريق يحيى بن راشد قال:

حدثنا محمد بن حمران قال: حدثنا عمارة بن أبي المطراف عن يزيد بن أبي مريم السلولي عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف, أورده العقيلي في ترجمة عمارة هذا, وقال:

((لا يتابع على حديثه, ولا يعرف إلا به)) .

ومنه قال الذهبي في ((الميزان)) _ وتبعه الحافظ في ((اللسان)) _:

((لا يعرف)) .

ثم ساقه العقيلي بإسناده عن قتادة قال: قال عمر بن الخطاب:

 

(12/389)

 

 

((ليشد أحدكم حقوه ولو بعقال)) . وقال العقيلي:

((هذا أولى)) . وأقره الحافظ.

قلت: وهو منقطع بين قتادة وعمر, فهو غير صحيح لا مرفوعا ولا موقوفا, ومع ذلك, أورده الدكتور القلعجي في فهرس الأحاديث الصحيحة الذي وضعه في آخر كتاب ((ضعفاء العقيلي)) (ص 519) , وأورجه فيه باللفظ الموقوف, وكأنه توهم صحته من قول العقيلي فيه: (هذا أولى) ! ! له من مثله نماذج أخرى, وذكرت أحدها في مكان آخر متقدم.

والحديث, أورده السيوطي في ((الجامع الكبير)) من رواية الديلمي فقط.

5671 - (يا أنس! لباس الملائكة إلى أنصاف سوقها) .

موضوع. أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (3 / 453 - بيروت) من طريق الفضل بن حرب البجلي: حدثنا عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس بن مالك مرفوعا. ذكره في ترجمة الفضل هذا, وقال فيه:

((مجهول بالنقل, حديثه غير محفوظ, لا يعرف إلا به)) .

والحديث أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (3 / 50) من طريق العقيلي, وقال:

((هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال يحيى: عبد الرحمن بن بديل ضعيف. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس يشبه حديث الأثبات. قال العقيلي: وحديث الفضل بن حرب غير محفوظ)) .

وتعقبه السيوطي في ((اللآلي)) (2 / 265) وابن عراق في ((تنزيه الشريعة))

 

(12/390)

 

 

(2 / 274) بأن عبد الرحمن هذا أوثق، وبأن له شاهدا من حديث عبد الله بن عمرو. ولم يتعرضا بجواب عن العلة الأخرى وهى جهالة الفضل! وقد قال فيه الذهبي:

(لا يعرف) وأقره الحافظ.

فهو علة الحديث، وهذا وحده وإن كان لا يكفي للحكم على الحديث بالوضع من حيث إسناده، فإن ابن الجوزى وغيره من النقاد ينظرون إلى المتن وما فيه من نكارة، فبإجتماع الأمرين ـ ضعف الإسناد ونكارة المتن ـ يحكمون على الحديث بالوضع أو البطلان، وهذا مما يلاحظه الباحث كثيرا فى كلامهم على الأحاديث.

وأما الشاهد الذى أشار إليه السيوطي، فالقول فيه كالقول فى هذا، من حيث إنه ضعيف السند منكر المتن، وقد تقدم تخريجه والكلام عليه برقم (1635) .

وفى الحديث علة أخرى، وهى أنه قد جاء بإسناد أخر صحيح عن أنس مرفوعا بلفظ:

((الإزار إلى نصف الساق. . . . .)) الحديث، وليس فيه ذكر الملائكة.

وهو مخرج فى " الصحيحة " (1765)

فثبت بطلان حديث الترجمة، وقد جزم الشوكاني فى " " الفوائد " " (192)

بوضعه.

وإن من طامات الدكتور القلعجى وجهالاته: أنه ذكره فى جملة الأحاديث الصحيحة التى فهرسها فى أخر ((ضعفاء العقيلي)) (525) ! والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

(12/391)

 

 

5672 - (غط رأسك من الناس، وإن لم تجد إلا خيطا)

موضوع. أخرجه العقيلي فى " الضعفاء " (ص249 - الظاهرية) ومن طريقه ابن الجوزي فى " الأحاديث الواهية " (2 / 191- 192) من طريق عبد الصمد بن سليمان عن عبد الحميد بن يحي، وقال فيه:

" " مجهول لا يتابع على حديث هذا، ولا يعرف بغير هذا الإسناد من وجه يثبت " ". وقال ابن الجوزي:

" هذا حديث لا أصل له، قال العقيلي. . . . " فذكره.

قلت: عليه ملاحظتان:

الأولى أن كان الأولى أن يورد الحديث فى كتابه الأخر " الموضوعات "، لأنه الأليق بما لا أصل له كما هو ظاهر، وله من مثل هذا النوع كثير!

والأخرى: أن إعلاله بالراوى عن عبد الحميد أولى، وما روى عنه غيره كما قال الذهبى، وهو عبد الصمد بن سليمان الأرزرق فإنه واه جدا، قال البخاري فى " التاريخ الكبير " و " الصغير ":

(منكر الحديث)

وكذا قال أبو حاتم. والدارقطنى:

" متروك "

 

(12/392)

 

 

والحديث مع كونه فى " ضعفاء العقيلي " الذى نشره القلعجي، فقد نجا من جوره الذى تجلى فى فهرسيه اللذين وضعهما فى أخره، فإنه لم يورده فى " الصحيحة " ولا فى " الضعيفة " وفى كل منهما ما هو من حق الأخر عند أهل العلم، والحديثان المتقدمان أقرب مثال مما أورده فى " الصحيحة "، وكان الأولى به أن يوردهما فى " الضعيفة " لو كان أهلا للتعليق والتحقيق! ! وأما من أورده من الأحاديث الصحيحة فى " الضعيفة " ففيهما مما هو متفق على صحته الشىء الكثير، وقد كنت ذكرت مثالين منها فيما تقدم، وأذكر الأن مثالين أخرين:

الأول: (أختصمت الجنة والنار. . .) الحديث.

رواه البخارى وغيره، كما فى " الجامع الكبير " (787) وغيره.

والأخر: (إذا اشتد الحر، فأبردوا بالظهر. . . .) الحديث.

متفق عليه من حديث أبى هريرة وأبى ذر وابن عمر، كما فى " صحيح الجامع " (336ـ337) وغيره.

5673 - (يا عائشة! اهجري المعاصي، فإنها أفضل من الهجرة، وحافظي على الصلاة، فإنها أفضل من الجهاد) .

منكر. أخرجه العقيلي فى " الضعفاء " (4 / 149) من طريق محمد بن يحيى بن يسار المدينى ـ مولى عبد الله بن مسعود ـ قال: حدثنى حسين بن صدقة بن يسار الأنصاري قال: حدثني المقبري عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا.

ذكره فى ترجمة المديني هذا، وقال فيه:

(مجهول بالنقل. وحسين بن صدقة نحوه. وحديثه غير محفوظ)

 

(12/393)

 

 

وذكر معنى هذا الذهبي فى " الميزان " وأشار إلى حديثه هذا، وقال: (منكر)

ووافقه ابن حجر فى " اللسان "

وأما الدكتور القلعجي، فخالفهما كعادته، لجهله المطبق بهذا العلم، فذكره فى الأحاديث الصحيحة التى فهرسها فى أخر " الضعفاء " (525) ! !

5674 - (من دعي إلى سلطان، فلم يجب، فهو ظالم، لا حق له) .

ضعيف. أخرجه الطبراني فى " المعجم الكبير " (7 / 272 / 6939) من طريق شاهين أبى حازم: ثنا روح بن عطاء بن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:

الأولى: الإنقطاع، فإن الحسن ـ وهو البصري ـ وإن كان قد سمع فى الجملة من سمرة ـ وهو بن جندب ـ، فقد كان مدلسا وقد عنعنه.

الثانية: روح بن عطاء، ضعفه ابن معين وغيره. وقال أحمد:

<<منكر الحديث >> وذكره ابن حبان فى " الثقات "، وقال: (كان يخطىء) وقال ابن عدي فى " الكامل " (3 / 1001ـ 1002) - وقد طول ترجمته -: " وما أرى برواياته بأسا "

 

(12/394)

 

 

الثالثة: شاهين ـ وهو ابن حيان أخو فهد ـ، قال ابن أبى حاتم عن أبيه: " ضعيف الحديث ". وقال الازدي: " منكر الحديث "

وأما ابن حبان فذكره فى " الثقات " (8 / 314)

ثم وجدت له علة أخرى، وهى الإرسال، فقد رواه ابن أبى حاتم بسنده عن مبارك: حدثنا الحسن قال:

كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى النبى صلى الله عليه وسلم، أعرض، وقال ((انطلق إلى فلان)) فأنزل الله هذه الأية فقال صلى الله عليه وسلم:. . . . فذكره نحوه

وكذا رواه عبد بن حميد وابن المنذر، كما فى " الدر " (5 / 54) ، وقال ابن كثير عقب رواية أبى حاتم - وقد اختصرت منها -:

" وهذا حديث غريب، وهو مرسل "

قلت: وهذا أصح

والحديث، مما صححه الرفاعي فى " مختصره " (3 / 165) ! واتبعه الصابوني (2 / 613) ! كفى الله شرهم وجهلهم من ابتلي بقراءة (مختصريهما)

ثم رأيت الحديث فى " كشف الأستار " (2 / 128ـ129) : حدثنا رجاء ابن محمد السقطي: ثنا رجل ـ قد سماه، ذهب عني أسمه: ثنا روح بن عطاء ابن أبى ميمونة به، إلا أنه قال: (عمران بن حصين) مكان: (سمرة) ! وقال البزار:

 

(12/395)

 

 

" لا نعلم أحد يرويه عن البنى صلى الله عليه وسلم متصل الإسناد إلا من هذا الوجه عن عمران، وقد رواه غيرواحد عن الحسن، وأسنده روح، وهو لين الحديث "

قلت: والراوى عنه ضعيف أيضا، وهو شاهين أبو حازم، وقد نسي البزار أسمه.

وبالجملة، فالحديث ضعيف مسندا ومرسلا.

5675 - (كنا زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقليل ما نجد الطعام، فإذا نحن وجدناه، لم يكن لنا مناديل، إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ)

ضعيف. أخرجه ابن ماجه (3282) من طريق عبد الله بن وهب عن محمد بن أبي يحيىعن أبيه عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله قال:. . . . . فذكره. وقال:

" غريب "

وأخرجه البخاري (5457) من طريق إبراهيم بن المنذر قال: حدثني محمد ابن فليح قال: حدثني أبى:. . . . فذكره.

قلت: ومحمد بن أبى يحيى هو ابن فليح، لأن فليحا يكنى أبا يحيى، وهو معروف بالرواية عن سعيد بن الحارث، وبهذا جزم أبو نعيم فى " المستخرج "، كما فى " الفتح " (9 / 579) ، وقال:

(وقال غيره: هو محمد بن أبي يحيى الأسلمي والد إبراهيم شيخ الشافعي، واسم أبى يحيى سمعان، وكأن الحامل على ذلك كون ابن وهب يروى عن فليح

 

(12/396)

 

 

نفسه، فاستبعد قائل ذلك أن يروي عن ابنه محمد بن فليح عنه، ولا عجب فى ذلك. والذى ترجح عندي الأول، فإن لفظهما واحد) .

قلت: ولعل الحافظ يشير بقوله " غيره " إلى الحافظ المزي، فإنه ساق الحديث فى ترجمة (سمعان أبى يحيى الأسلمي) من " التهذيب " (12 / 137 - 139) فإذا ثبت أنه الأول، فينبغي أن نعرف حالهما، وما قاله العلماء النقاد فيهما، وبخاصة والد محمد، فإن فيهما كلاما كثيرا مع كونهما من رجال الشيخين:

أما فليح ـ وابن سليمان المدني الأسلمي ـ، فقال ابن معين:

" ضعيف "، وفى رواية:

" ليس بالقوي ". وكذا قال النسائي، وقال مرة:

" ضعيف "

وكذا قال ابن المديني. وقال أبو داود:

" ليس بشىء ". وقال الحاكم أبو أحمد:

" ليس بالمتين عندهم ".

ومشاه غيرهم، كالعقيلي وابن عدي، ولم يأت الحافظ ابن حجر فى " مقدمة الفتح " فى الدفاع عنه بشىء ينفع فى تقوية أمره، بل ظاهر كلامه يميل إلى تضعيفه، فقد قال (ص435) :

 

(12/397)

 

 

(احتج به البخاري، وروى له مسلم حديثا واحدا، وهو حديث الإفك، وضعفه يحيى بن معين والنسائي وأبو داود. وقال الساجي: هو من أهل الصدق، وكان يهم. وقال الدارقطني: مختلف فيه، ولا بأس به. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب، وهو عندي لا بأس به. (قال الحافظ) :

قلت: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرها فى المناقب، وبعضها فى الرقاق)

ويؤيد ما ذكرته: أنه قال فيه فى " التقريب "

" صدوق كثير الخطأ "

وأصرح منه قوله فى " الفوائد " (118) ـ وقد ساق له حديثا أخر ـ:

(قلت: فليح، لا يحتج بما تفرد به) .

وكذلك ضعفه من قبله الحافظ الذهبي، لإاورده فى كتابه " الضعفاء "، وقال:

" قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي ".

وكذا قال فى " الكاشف "

ومثله أو قريب منه: ابنه محمد، قال ابن معين:

" فليح، ليس بثقة، ولا ابنه ". وقال ابن أي حاتم:

" قال أبي: كان ابن معين يحمل على محمد. قلت: فما قولك فيه؟ قال: ما به بأس، ليس بذاك القوي "

ووثقه ابن حبان والدارقطني.

 

(12/398)

 

 

ولم يزد الحافظ فى " المقدمة " على هذا شيئأ. وقال الحافظ فى " التقريب ": " صدوق يهم ". وقال الذهبي فى " الكاشف ":

" لينه ابن معين ". ولم يزد. وقال فى ط الضعفاء ":

" ثقة. قال أبو حاتم: ليس بذاك القوي. وقال ابن معين: ليس بثقة ولا أبو هـ ".

قلت: ومن المحتمل أن يكون ضعفه بسبب أبيه، فإن المضعفين له أكثر بكثير من الموثقين، ولعله لذلك استغرب ابن ماجة هذا الحديث، فلا تطمئن النفس بعد ذلك لحديثه إلا إذا توبع، وهيهات!

بل قد جاء الحديث من طرق أخرى عن جابر فى ترك الوضوء من ما مسته النار، وليس فيها هذا الذي فى حديث فليح من المناديل!

5676 - (" السَّجل ": كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم) .

منكر. روي من حديث ابن عباس وابن عمر.

1 - أما حديث ابن عباس، فيرويه عمرو بن مالك النكري عن أبى الجوزاء عنه.

وله عن النكري طريقان:

الأولى: يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه به.

أخرجه العقيلي فى " الضعفاء " (4 / 420) ، وابن عدي فى " الكامل " (7 / 2662) ، والطبراني فى " المعجم الكبير " (12790) ، والبيهقي فى " السنن

 

(12/399)

 

 

الكبرى " (10 / 126) . وضعفه العقيلي بقوله فى يحيى: " لا يتابع على حديثه ". وروي عن يحيى بن معين أنه قال فيه: " ضعيف "

وكذلك رواه ابن عدي عنه وعن النسائي. وضعف الحديث أيضا بقوله:

" ليس بمحفوظ ". وقال الذهبي:

" ضعفه أبو داود وغيره، ورماه حماد بن زيد بالكذب ".

ثم ساق له مناكير، هذا أحدها.

والأخرى: يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك به.

أخرجه أبو داود (2935) ، ومن طريقه البيهقي، والنسائي فى " التفسير " من الكبرى - كما فى " تحفة المزي " (4 / 366) -، كلاهما عن شيخهما قتيبة ابن سعيد: ثنا نوح بن قيس عنه.

وتابعه: نصر بن علي قال: ثنا نوح بن قيس به.

أخرجه ابن جرير الطبري فى " تفسيره " (17 / 78)

وفي رواية له: حدثنا نصر بن علي قال: ثنا نوح بن قيس قال: ثنا عمرو بن مالك به نحوه، لم يذكر بينهما يزيد بن كعب. ولفظه:

(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) ، قال: كان ابن عباس يقول: " هو الرجل ".

 

(12/400)

 

 

وهو رواية للنسائي عن قتيبة بن سعيد به؛ لم يذكر يزيد بن كعب أيضا كما

في " التحفة "؛ لكنه لم يقل نوح بن قيس عنده: (ثنا) ؛ وإنما عنعنه , فإن كان

التحديث محفوظا عند ابن جرير؛ فهو مختصر جدا ليس فيه ما في حديث

الترجمة: أن (السجل) كاتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فعلته بهذا اللفظ يزيد بن كعب؛ فإنه

مجهول؛ كما قال الحافظ في " التقريب " , وقد أورده البخاري وابن أبي حاتم في

" كتابيهما " برواية نوح هذا فقط , ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. ولذلك؛ قال

الذهبي في " الميزان ":

" لا يدري من ذا أصلا , انفرد عنه نوح بن قيس الحداني ".

2 - وأما حديث ابن عمر؛ فرواه الخطيب في " التاريخ " (8 / 175) في

ترجمة حمدان بن سعيد البغدادي حدثهم عن أبن نمير عن عبيد الله عن نافع

عن ابن عمر قال:

كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كاتب يقال له: (سجل) ؛ فأنزل الله تعالى: {يوم نطوي

السماء كطي السجل للكتب} . وقال الخطيب:

" قال أبو الفتح الأزدي: تفرد به ابن نمير , إن صح ".

وأقول: أنّى له الصحة وحمدان هذا لايعرف إلا بهذه الرواية! ولذلك؛ قال

الذهبي في ترجمته من " الميزان ".

" أتى بخبر كذب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. . . . . "

قلت: فذكره.

وتعقبه الحافظ في " اللسان " بقوله:

 

(12/401)

 

 

" وهذا المتن لا يجوز أن يطلق عليه الكذب؛ فقد رواه النسائي في " التفسير "

وأبو داود في " السنن " من طريق أخرى عن ابن عباس. وأما هذه الطريق؛ فتفرد

بها حمدان؛ لكن لم أر من ضعفه قبل المؤلف "!

وأقول فهل رأيت من وثقه؟ ! ألا يكفي أنه مجهول؛ لم تعرفه - وأنت الحافظ -

إلا في هذه الرواية المنكرة؟ !

أما حديث ابن عباس؛ فقد سبق أن في الطريق الأولى من اتهم , وفي الطريق

الأخرى مجهول أيضا.

ولذلك؛ قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " عقب حديث ابن عمر:

" وهذا منكر جدا من حديث نافع عن ابن عمر؛ لا يصح أصلا , وكذلك ما

تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لايصح أيضا. وقد صرح جماعة من

الحفاظ بوضعه , وإن كان في " سنن أبي داود " , منهم شيخنا الحافظ الكبير أبوالحجاج

المزي , وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدته ولله الحمد.

وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد ,

وقال: " لا يعرف في الصحابة أحد اسمه (السجل) , وكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

معروفون , وليس فيهم أحد اسمه (السجل) ". وصدق رحمه الله في ذلك , وهو

من أقوى الأدلة على نكارة هذ االحديث , وأما من ذكره في أسماء الصحابة؛ فإنما

اعتمد على هذا الحديث لا على غيره , والله أعلم.

وقال ابن القيم في " تهذيب السنن " (4 / 196 - 197) :

" سمعت شيخنا أبا العباس ابن تيمية يقول:

 

(12/402)

 

 

هذا الحديث موضوع , ولا يعرف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتب اسمه (السجل)

قط , وليس في الصحابة من اسمه (السجل) , وكتاب النبي معروفون , لم يكن

فيهم من يقال له: (السجل) . قال: والآية مكية , ولم يكن لرسول الله كاتب

بمكة , و (السجل) : هو الكتاب المكتوب. واللام في قوله: {للكتب} ؛ بمعنى

على. والمعنى: نطوي السماء كطي السجل على مافيه من الكتاب. كقوله

تعالى: {وتله للجبين} (37: 103) . وقول الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . فخر صريعا لليدين والفم

أي: على اليدين وعلى الفم. والله أعلم ".

قلت: وتابع هؤلاء الحفاظ النقاد الإمام الشوكاني في تفسيره " فتح القدير "

(3 / 418) ؛ فإنه نقل كلام ابن كثير المتقدم , وسلم به وارتضاه , وهو حري

بذلك لما فيه من العلم والتحقيق.

وكأنه لذلك لم يورد سجلا هذا ابن عبد البر في كتابه " الاستيعاب في معرفة

الأصحاب ". وخالف الحافظ ابن حجر كما تقدم النقل عنه من " اللسان " في

تعقبه للذهبي في " ميزانه " في حكمه على الحديث بأنه كذب؛ فإنه وإن كان

ليس صريحا في كونه يرى صحته؛ فقد صرح بها في كتابه " الإصابة "؛ فإنهم قال

بعد ذكر حديث ابن عباس وابن عمر:

" فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق , وغفل من زعم أنه موضوع. نعم؛ ورد ما

يخالفه. . . . ".

ثم ذكر بعض الآثار في أن (السجل) ملك , وعن ابن عباس ومجاهد:

 

(12/403)

 

 

السجل: الصحيفة.

قلت: لو صح شئ منها - وبخاصة أثر ابن عباس -؛ لكان دليلا آخر على

بطلان الحديث! ولكنه لم يصح.

وأما تصحيح الحافظ إياه؛ فهو غفلة منه عما تقدم نقله عن الحفاظ الذين

أبطلوه بالنظر إلى متنه , وبخاصة قول شيخ الإسلام ابن تيمية:

" والآية مكية , ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتب بمكة ".

فوجود مثل هذه النكارة في الحديث مما يجعل النفس لا تطمئن لتصحيحه من

حيث إسناده , ولا سيما ومداره على مجهولين , ومتهم بالكذب , والطريق السالمة

من ذلك ليس فيها حديث الترجمة الذي فيه النكارة. والله أعلم.

(تنبيه) : ذكر السيوطي في " الدر المنثور " (4 / 340) في جملة من روى

الحديث: البيهقي في " سننه " وصححه. ولم أر تصحيحه في المكان الذي

سبقت الإشارة إليه , وأستبعد جدا صدوره منه. فالله أعلم.

5677 - (مَنْ حَجَّ عَنْ والدَيْهِ بَعْدَ وفاتِهِمَا؛ كتبَ اللهُ له عِتْقاً مِنَ

النّار , وكان للمَحْجُوجِ عنهم أَجْرُ حَجَّةٍ تامَّةٍ؛ من غير أنْ ينتقصَ من

أجورِِِهِمَا شيئ. وما وَصَلَ ذو رَحِمٍ رَِحِمَهُ بأفضلَ مِنْ حجَّةٍ يُدْخِلُها عليهِ

بَعْدَ مَوْتِهِ في قبْرِهِ) .

منكر. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب " (ق 48 / 1) من

طريق أحمد بن يزيد بن دينار أبو العوام: ثنا محمد بن إبراهيم عن حنظلة بن

أبي سفيان السدوسي عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده مرفوعا.

 

(12/404)

 

 

وذكر السيوطي في " الجامع الكبير " بزيادة في آخره:

" ومن مشى على راحلته عقبه؛ فكأنما أعتق رقبة ". وقال:

" رواه (هب) وضعفه , و (ابن عساكر) عن عبد العزيز. . . . . ".

كذا قال! وعبد العزيز هذا ثقة؛ كما في " التقريب " وغيره , فكان الأولى به

أن يذكر من إسناده ما يتبين منه موضع علته! كما فعلنا نحن , وإلا؛ اقتصر على

ذكر اسم صحابيِّه كما هو غالب صنيعه! والعلة ممن دون حنظلة (ووقع في

الأصل: أبي حنظلة! وهو خطأ من الناسخ) ؛ قال الحافظ في " لسان الميزان ":

" أحمد بن يزيد بن دينار أبو العوام المدني. روى عن محمد بن إبراهيم

الحارثي. . . . قال البيهقي:

أحمد وشيخه؛ مجهولان ".

5678 - (أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ , وَعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ) .

موضوع. روى من حديث عائشة , وجابر , والحسن والحسين ابني علي ,

وابن عباس , وأنس , وسلمة بن كهيل مرسلاً.

1 - أما حديث عائشة؛ فله عنها طريقان:

الأولى: قال الحاكم في " المستدرك " (3 / 124) : حدثنا أبو العباس محمد

ابن أحمد المحبوبي: ثنا محمد بن معاذ: ثنا أبو حفص عمر بن الحسن الراسبي:

ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . .

فذكره. وقال:

 

(12/405)

 

 

" هذا حديث صحيح الإسناد , ولم يخرجاه. وفي إسناده عمر بن الحسن ,

وأرجو أنه صدوق , ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين "!

وتعقبه الذهبي في " تلخيصه "؛ فقال رداً لقوله: " صدوق ":

" قلت: أظن أنه هو الذي وضع هذا ".

وأقره الحافظ ابن حجر في " اللسان ".

وتعقبهما الشيخ عبد الله الغماري المغربي في كتيبه " الرد المقنع " , فقال

(ص 6) :

" وهو تعنت شديد , وقول بالظن , والظن أكذب الحديث , والعجب من

الحافظ كيف وافق الذهبي على هذا الحكم المتعنت , وغفل عما تقتضيه القاعدة

في هذا المقام ".

وأقول: العجب منك! والغافل إنما هو أنت إن لم تكن متغافلاً أو متجاهلاً!

وإلا؛ فما هي القاعدة التي تضلل القراء بالإشارة إليها , وتتهم الحافظ بالغفلة

عنها , وأنت تعلم تساهل الحاكم في تصحيح الأحاديث وتوثيق بعض الرواة؟ ! ! وما

نقلته عن ابن أبي حاتم لا يفيدك شيئاً. وقولك عقبه: " ولم يجرحه بشيئ " - وهو

بمثابة ما لو قال: " مجهول " أو: " لا أعرفه " - فهذا ليس جرحاً؛ نعم ولا تعديلاً

أيضاً؛ كما يفيده كلامه المذكور في " باب بيان درجات رواة الآثار " (1 / 38) ,

على أن الراوي عنه محمد بن موسى الجرشي مجروح عنده؛ كما يفيده قوله في

ترجمته (4 / 1 / 84) :

" شيخ ". فما قيمة مثل هذا الراوي الذي لم يعرفه ابن أبي حاتم إلا من طريق

هذا المجروح؟ !

 

(12/406)

 

 

ولذلك؛ قال الحافظ الذهبي - وتبعه الحافظ ابن حجر العسقلاني -:

" لا يعرف. وأتى بخبر باطل متنه: على سيد العرب ".

فهو - إذن - مجهول عندهما تبعاً لابن أبي حاتم , فتعلق الغماري بقول الحاكم

" أرجو أنه صدوق "؛ كالذي يحاول التمسك بخيوط القمر! على أن الحاكم لم

يجزم بصدقه؛ كما يدل قوله: " أرجو. . . . ".

ثم إن في الإسناد علة أخرى , لعل الغماري لم يتنبه لها , وهي أن الراوي عن

الراسبي محمد بن معاذ ليس هو العنبري الثقة من شيوخ مسلم , كما يقتضيه قول

الغماري عقب تصحيح الحاكم المتقدم:

" قلت: إسناد الحديث نظيف , ليس فيه كذاب ولا متهم , وعمر بن الحسن

هو الراسبي. . . . " إلخ كلامه السابق.

قلت: العنبري هذا توفي سنة (223) , والمحبوبي - شيخ الحاكم الذي قال:

ثنا محمد بن معاذ - مات سنة (346) , فبينهما (123) سنة , فلم يدركه! وفي

الرواة بهذا الاسم والنسبة جماعة , وليس فيهم في هذه الطبقة التي يتمكن

المحبوبي من السماع منهم؛ سوى محمد بن معاذ بن فهد الشعراني أبو بكر

النهاوندي؛ قال الذهبي - وتبعه العسقلاني -:

" واهٍ , روى عن إبراهيم بن ديزيل , بقي إلى سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة ".

قلت: فهو - إذن - آفة هذا الحديث إن سلم من شيخه الراسبي المجهول.

فأين النظافة التي ادعاها الغماري لهذا الإسناد , وفيه هذا الواهي عند

الحافظين , وقد ساق له الحافظ حديث آخر قال فيه الحافظ ابن عساكر:

 

(12/407)

 

 

" حديث منكر جدا ".

وسيأتي له حديث آخر مثله في النكارة برقم (5706) ؟ ! !

هذه هي حال الطريق الأولى , فلننظر إلى الطريق:

الأخرى: يرويها أحمد بن عبيد بن ناصح: ثنا الحسين بن علوان عن هشام

ابن عروة عن أبيه عن عائشة به.

رواه الحاكم شاهدا للطريق الأولى , فتعقبه الذهبي بقوله:

" قلت: وضعه ابن علوان ".

قلت: وقال الحافظ في " اللسان ":

" وابن علوان تقدم أنه كذاب ".

قلت: والراوي عنه أحمد بن عبيد ناصح؛ ليِّن الحديث؛ كما في " التقريب ".

2 - وأما حديث جابر؛ فذكره الحاكم أيضا شاهدا لحديث عائشة الذي قبلهم

من رواية عمر بن موسى الوجيهي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.

فتعقبه الذهبي بقوله:

" قلت: عمر وضاع ". وقال الحافظ:

" كذبوه ".

قلت: واستشهاد الحاكم بحديث عمر هذا وحديث ابن علوان من أكبر الأدلة

على تساهله في التصحيح , هذا التساهل الذي استغله الغماري فطعن بسببه على

الذهبي ونسبه إلى التعنت الشديد لحكمه على الحديث بالوضع , ثم ألحق به

 

(12/408)

 

 

الحافظ العسقلاني لموافقته الذهبي على الوضع كما تقدم! !

3 - وأما حديث الحسن بن علي؛ فيرويه محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا

إبراهيم بن إسحاق الصيني: ثنا قيس بن الربيع عن ليث بن أبي سليم عن أبي

ليلى عنه به نحوه. وزاد:

فلما جاء علي رضي الله عنه؛ أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأنصار , فأتوه , فقال

لهم:

" يا معشر الأنصار! ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده؟ " قالوا:

بلى يا رسول الله. قال:

" هذا علي؛ فأحبوه بحبي , وكرِّموه لكرامتي؛ فإن جبريل أمرني بالذي قلت

لكم عن الله عز وجل ".

رواه الطبراني (2749) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالضعفاء:

1 - ليث؛ ضعيف؛ كان اختلط.

2 - قيس بن الربيع؛ ضعيف.

3 - إبراهيم بن إسحاق الصيني؛ قال الذهبي:

" قال الدارقطني: متروك ".

وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (9 / 132) ؛ لكن تحرّف اسمه عليه أو على

الناسخ أو الطابع؛ فقال:

 

(12/409)

 

 

" رواه الطبراني , وفيه إسحاق بن إبراهيم الضبي (كذا) , وهو متروك "

4 - محمد بن عثمان بن أبي شيبة - وهو شيخ الطبراني فيه -؛ تكلم بعضهم

فيه كما بينته في مقدمة كتابه " سؤالات ابن أبي شيبة شيوخه " , والحمل فيه

على شيخه هو المتوجه.

4 - وأما حديث الحسين بن علي؛ فيرويه حسيه الأشقر: ثنا قيس بن الربيع عن

زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" يا أنس! إن علياً سيد العرب ". فقالت عائشة رضي الله عنها: ألست سيد

العرب؟ قال:. . . . فذكره.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 38) : حدثنا عبد الوهاب بن العباس

الهاشمي: ثنا أحمد بن الحسين الصوفي: ثنا محمد بن خلف بن عبد العزيز

المقرئ: ثنا حسين الأشقر به. وقال:

" غريب من حديث زبيد , تفرد به قيس ".

قلت: شيعي ضعيف , وقال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق تغير لما كبر , أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به ".

قلت: والسند إليه غير صحيح؛ فيه من تكلم فيه:

الأول: حسين الأشقر - وهو ابن الحسن -؛ قال الحافظ:

" صدوق يهم , ويغلو في التشيع ".

 

(12/410)

 

 

له ترجمة في " تاريخ بغداد " (4 / 98 - 99) ، و " الميزان "، و " اللسان "، قال ابن المنادي:

" كتبت عنه على معرفة بلينه، والذين تركوه أحمد وأكثر ".

الثالث: عبد الوهاب بن العباس الهاشمي؛ ترجمه الخطيب (11 / 29) برواية اثنين آخرين، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال.

5 - وأما حديث ابن عباس؛ فعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " للدارقطني

في " الأفراد "، وقد رواه من طريقه ابن الجوزي في " العلل " بسنده عن خارجة ابن مصعب عن ابن جريج عن عطاء عنه مرفوعاً به. وأعله ابن الجوزي بقوله:

" قال يحيى: خارجة ليس بثقة. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ".

قلت: هو أسوأ حالاً مما يفيده هذا النقل عن ابن حبان؛ فقد قال في " المجروحين " (1 / 288) :

" كان يدلس عن غياث بن إبراهيم وغيره، ويروي ما سمع منهم مما وضعوه على الثقات عن الثقات الذين رآهم، فمن هنا وقع في حديثه الموضوعات عن الأثبات، لا يحل (1) الاحتجاج بخبره ". ولهذا؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" متروك، وكان يدلس عن الكذابين. ويقال: إن ابن معين كذبه ".

6 - وأما حديث أنس، فيرويه عبيد الله بن يوسف الجبيري قال: حدثنا عمر ابن عبد العزيز الذارع قال: ثنا خاقان بن عبد الله بن الأهتم (2) قال: نا حميد

__________

(1) كذا الأصل، وفي " التهذيب ": " لا يجوز ". وكذا في " العلل " كما تقدم.

(2) الأصل: (ابن إبراهيم) ! والتصويب من " الجرح " و " المجمع ".

 

(12/411)

 

 

الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" من سيد العرب؟ " قالوا: أنت يا رسول الله! قال:. . . فذكره. وقال

الطبراني:

" لم يروه عن حميد إلا خاقان، ولا عن خاقان إلا عمر بن عبد العزيز، تفرد

به عبيد الله الجُبيري ".

قلت: هو صدوق؛ كما في " التقريب "، والعلة ممن فوقه، وأعله الهيثمي (9 /

116) بخاقان، فقال:

" ضعفه أبو داود ".

قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 405) برواية جمع عنه غير عمر الذارع هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووقع في " الميزان " مَنْسُوبًا لجده: (الأهتم) ، وقال:

" خاقان بن الأهتم؛ ضعفه أبو داود. ولا أعرفه ".

وكذا في " اللسان "؛ لكن وقع فيه (خازم بن الأهتم) .

هكذا (خازم) وبعد (ابن) بياض، وزاد على الذهبي فقال:

" قال الدارقطني في " العلل ": ليس بالقوي. قلت: روى عن علي بن زيد، وعنه مسدد ".

وبالجملة؛ فأمر هذا الرجل دائر بين الضعف وجهالة الحال.

لكن الراوي عنه عمر بن عبد العزيز الذارع لم أجد له ترجمة فيما عندي من

 

(12/412)

 

 

المصادر، فالظاهر أنه مجهول، فهو آفة هذه الطريق. والله أعلم.

ثم إن الحديث قد روي مرسلاً أيضاً بلفظ آخر، هو أقرب من لفظه؛ ولكنه لا يصح أيضاً من قبل إسناده، وهو التالي:

7 - وأما حديث سلمة بن كهيل؛ فيرويه أحمد بن خالد الحروري: حدثنا محمد بن حميد: حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري عن جعفر عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن أبي طالب على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فقال لها: " إذا سرّكِ أن تنظري إلى سيد العرب؛ فانظري إلى علي بن أبي طالب ". فقالت: يا نبي الله! ألست سيد العرب؟ فقال:

" أنا إمام المسلمين، وسيد المتقين. إذا سرك. . . " إلخ.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 89 - 90) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1 / 211 - 212) وقال:

" لا أصل له، وإسناده منقطع، ومحمد بن حميد؛ قد كذبه أبو زرعة وابن وارة. وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات ".

قلت: وجعفر: هو ابن أبي المغيرة القُمي، قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق يهم ".

وكذا قال في يعقوب بن عبد الله الأشعري.

وأحمد بن خالد الحروري؛ أورده الأمير ابن ماكولا في هذه النسبة من " الإكمال " (3 / 31 - 32) وقال:

 

(12/413)

 

 

" لست أدري إلى أي شيء نسب ".

ونقله عنه السمعاني، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. والله أعلم.

وقول ابن الجوزي: " منقطع "؛ يعني: أنه مرسل؛ لأن سلمة بن كهيل تابعي

لم يدرك القصة.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف من جميع طرقه، لا يصلح شيء منها لتقويته، فقول الغماري (ص 6) :

" فالحديث بطريق أنس وطريق عائشة لا يبعد أن يكون من قبيل الحسن

لغيره "!

محاولة فاشلة؛ لأن مدار الطريقين المشار إليهما على مجهولين لا يعرف حالهما، ومن المحتمل كونهما من الشيعة؛ فإن الحديث لو صح كان دليلاً على تفضيل علي رضي الله عنه على الخلفاء الثلاثة! وهذا باطل؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة، وقد كنت أشرت إلى بعضها في مقدمة تعليقي على رسالة " بداية السول " (ص 28) ، وهو وَجْهُ حُكْم الذهبي والعسقلاني بالبطلان على الحديث، وقد أشار إلى ذلك الشيخ الغماري ولم يستطع الجواب عنه مطلقاً إلا مراوغة، فإنه قال:

". . . فمعنى قوله: " علي سيد العرب " أنه ذو الشرف والمجد فيهم "!

فتجاهل الشطر الأول من الحديث: " أنا سيد ولد آدم. . . "! فإنه صريح في تفضيله صلى الله عليه وسلم على ولد آدم جميعهم، وهو الوجه الأول الذي استدل به العز بن عبد السلام رحمه الله على تفضيله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء في رسالته المذكورة آنفاً؛ فقال عقب الحديث:

 

(12/414)

 

 

" والسيد: من اتصف بالصفات العلية، والأخلاق السّنية. وهذا مشعر بأنه أفضل منهم في الدارين. . . " إلخ.

فلو صح الشطر الثاني من الحديث؛ كان دليلاً واضحاً على تفضيل علي على العرب جميعهم، ومنهم أبو بكر وعمر! وذلك باطل بداهة، لا يخفى على الغماري لولا غلبة الهوى، والتعصب للشيعة! وهذا جلي جداً في رسائله وتعليقاته، ومنها رده هذا؛ فإنه زعم فيه أنه لا يجوز الصلاة على الصحابة تَبَعًا للنبي صلى الله عليه وسلم وآله، وادعى أنها بدعة! فقال ما نصه بالحرف الواحد (ص 9 - 10) : " وننبه هنا على خطأ وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بَعْضًا، ولم يتفطن له إلا الشيعة، ذلك أن الناس حين يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم يذكرون معه أصحابه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الصحابة فقالوا: كيف نصلي عليك؟ أجابهم بقوله: " قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد " وفي رواية: " اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته " ولم يأت في شيء من طرق الحديث ذكر أصحابه، فذكر الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم زيادة على ما علمه الشارع واستدراك عليه، وهو لا يجوز ".

فأقول: أولاً: الصلاة المذكورة هي من الصيغ التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن

يقولوها بعد التشهد، ولا أعلم أَحَدًا من المسلمين يذكرون فيها أصحابه صلى الله عليه وسلم، فهي فرية منه عليهم تضاف إلى فرياته الأخرى، وما أكثرها! ثَانِيًا: إن فرض أن أَحَدًا فعل ذلك؛ فنحن معه في اَلْإِنْكَار عليه؛ لأنه بدعة، واستدراك على الشارع الحكيم كما قال هو، ولذلك؛ فنحن ننكر زيادة السيادة في

 

(12/415)

 

 

الصلوات الإبراهيمية، فما بال هذا الشيخ ينكر علينا إنكارنا هذا (ص 20) ويبالغ في ذلك وينسبنا إلى الجهل بقواعد علم الأصول، فيقول:

" فنحن حين نذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم نزدها من قبل أنفسنا، ولكن من قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم ". فضممنا هذا الحديث إلى حديث الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وعملنا بالدليلين "! ثم قال:

" والمبتدع الألباني، وقع في البدعة التي ينعاها علينا، وهو لا يشعر لضعف فهمه، وقلة إدراكه، فهو حِين يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة كتبه يصلي على أصحابه معه، وزيادة الصحابة بدعة لما تقدم بيانه "! !

هذا كلامه عامله الله بما يستحق! وأقل ما يقال فيه: (رمتني بدائها وانسلت) ؛ فإنه ينسبني إلى البدعة ويسميني مُبْتَدِعًا - وأنا بفضل الله تعالى من أشد الناس تَمَسُّكًا بالسنة ومحاربة للبدعة، يعلم ذلك القاصي والداني -؛ لأني أصلي على أصحابه صلى الله عليه وسلم معه، وهو مذهب جماعة من العلماء، ومنهم الإمام البخاري، وفي ذلك أحاديث معروفة، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

" اللهم! صل على آل أبي أوفى ".

كما بينه الحافظ العسقلاني في " فتح الباري " (11 / 169 - 170) ، والحافظ السخاوي في " القول البديع " وغيرهما، وعليه جرى كثير من أهل العلم في كتبهم؛ كالإمام الشافعي في كتابه العظيم " الرسالة " (1) ، والشاطبي - القائل بعموم: " كل بدعة ضلالة " في كتابيه: " الاعتصام " و " الموافقات " -، وابن تيمية في كثير من رسائله وفتاويه، وابن حجر في " الفتح "، والسخاوي في

__________

(1) على ما نقله السخاوي في كتابه المذكور.

 

(12/416)

 

 

" القول البديع " وغيرهم كثير وكثير جداً، أفمبتدعة هؤلاء - ويحك! - أم هو التعصب والتشيع؟ ! وإن مما يدل القارئ على أنه هو المتصف بما رماني به من البدعة وضعف الفهم والإدراك: أنه احتج على زعمه بدعية ذكر الصحابة. في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " إنها زيادة على تعليمه صلى الله عليه وسلم واستدراك عليه "!

فهذه الحجة في غير محلها؛ لأن ذكر الصحابة ليس في الصلاة الإبراهيمية التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولا أحد يزيدها فيها، وموضع إنكاره إنما هو خطبة الكتاب كما سبق، وهي ليست من تعليمه صلى الله عليه وسلم، ولذلك؛ تتنوع الخطب من العلماء؛ لأنه لا توقيف فيها، وما ذكرهم فيها معه صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه إلا كالترضي عنهم.

وقوله المذكور؛ هو صحيح في نفسه؛ بل هي قاعدة هامة عند أهل السنة؛ ولكن يظهرأنه نقله عن غيره؛ دون أن يؤمن به إلا لإقامة الحجة على خصمه بزعمه! وإلا؛ لما أجاز لنفسه أن يزيد في الصلوات الإبراهيمية لفظ: " سيدنا "! ولم تصح فيها، ويسوغ ذلك بقوله (ص 20) :

". . لم نزدها من قبل أنفسنا، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم "!

فنسي أو تناسى أنها: (زيادة على ما علمه الشارع، واستدراك عليه، وهو لا يجوز "!

وما مثله إلا مثل من يزيد في التشهد أَلْفَاظًا هي في نفسها حق؛ ولكن الشارع الحكيم لم يشرعها؛ كما لو قال: " التحيات لله [الخالق البارئ المصور] والصلوات. . . "! فهل يفعل هذا إلا مبتدع أنوك! والله المستعان، ولا حول ولا قوة

 

(12/417)

 

 

إلا بالله.

ثم بدا لي وجه آخر يتأكد به بطلان قوله: " وعلي سيد العرب " رواية، وذلك: أن الشطر الأول من حديث الترجمة: " أنا سيد ولد آدم " قد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من رواية جمع من الصحابة بأسانيد صحيحة عنهم، وهم:

أولاً: أبو هريرة: رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة " (792) .

ثانياً: جابر بن عبد الله. من طريق أخرى غير طريق الراسبي: عند الحاكم أَيْضًا، ووهاه الذهبي.

ثالثاً: أنس بن مالك: رواه أحمد والدارمي والبخاري في " التاريخ "؛ وأحد

إسناديه جيد.

رَابِعًا: عبد الله بن سلام: عند ابن حبان، وهو مخرج في " الظلال " (793) .

خَامِسًا: أبو سعيد الخدري: رواه الترمذي وحسنه. وهو مخرج مع ما قبله في

" الصحيحة " (1571) .

سَادِسًا: حذيفة بن اليمان: رواه أحمد (5 / 388) ، والطبراني في " الأوسط "،

والحاكم (4 / 573) .

سَابِعًا: عبادة بن الصامت: رواه الحاكم أَيْضًا (1 / 30) .

قلت: فمجيء الحديث بهذه الطرق دون زيادة " وعلي سيد العرب "؛ يؤيد أنها زيادة منكرة باطلة، دسها فيه من لا خلاق له من الشيعة اَلرَّافِضَة.

 

(12/418)

 

 

5679 - (أنا سيّد ولد! آدم ولا فخز، وأبوك - يعني: أبا بكر - سيّد

كهول العرب، وعلي سيد شباب العرب) .

ضعيف جداً. أخرجه القطيعي في " زوائده على فضائل الصحابة لأحمد " (1 / 394 / 599) قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: ثنا عبد الملك بن عبد ربه أبو إسحاق الطائي قال: خلف بن خليفة قال: سمعت ابن أبي خالد يقول: نظرت عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا سيد العرب! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ مسلسل بالعلل من أوله إلى آخره:

الأولى: الإرسال؛ لأن ابن أبي خالد - واسمه إسماعيل - تابعي لم يدرك

القصة.

الثانية: خلف بن خليفة؛ وإن كان من رجال مسلم؛ فإنما أخرج له في الشواهد، ثم إنه كان اختلط.

الثالثة: عبد الملك هذا؛ قال الذهبي في " المغني ": " منكر الحديث، له خبر واه في " خصائص النسائي "، وآخر عن الوليد بن مسلم موضوع ".

وأقره الحافظ في " اللسان ".

الرابعة: محمد بن سليمان - وهو ابن بالويه أبو بكر العلاف -؛ له ترجمة في

" تاريخ بغداد " (5 / 300) ، مات سنة (307) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

 

(12/419)

 

 

والحديث؛ أورده السيوطي في " الجامع الكبير " بزيادة:

" والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى "

وقال:

" رواه ابن عساكر عن عائشة ".

5680 - (إن يمين ملائكة السماء: والذي زيَّن الرجال باللحى، والنساء بالذوائب!) .

منكر جداً. رواه ابن عساكر في ترجمة الحافظ عبد العزيز بن محمد النخشبي: قال الخليل بن أحمد البستي: ثنا أبو عبد الله محمد بن معاذ بن فهد النهاوندي - وسمعته يقول: لي مئة وعشرون سنة، وقد كتبت الحديث، ولقيت أبا الوليد الطيالسي والقعنبي وجماعة من هذه الطبقة. ثم ذكر أنه تصوف ودفن الحديث الذي كتبه أول مرة، ثم كتب الحديث بعد ذلك وأنه حفظ من الحديث العتيق حَدِيثًا وَاحِدًا، وهو ما حدثنا به - عن محمد بن المنهال الضرير: ثنا يزيد بن زريع: ثنا روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال:. . . فذكره. قال ابن عساكر:

، هذا حديث منكر جداً، وليت النهاوندي نسيه فيما نسي؛ فإنه لا أصل له.

وَاَللَّه أعلم ".

كذا في ترجمة محمد بن معاذ هذا من " اللسان " زيادة على ما في " الميزان "، ووافقه على قوله فيه:

" واه، روى عن إبراهيم بن ديزيل، بقي إلى سنة 334 ".

 

(12/420)

 

 

قلت: كذا وقع في " اللسان " موقوفاً، فلينظر هل هو كذلك في " تاريخ دمشق "

لابن عساكر، فإن المجلد الذي فيه ترجمة " عبد العزيز " لم يطبع بعد (1) ، والمخطوطة

لا سبيل إليها وأنا في عمان.

5681 - (دعا نبيٌّ مرةً على قَوْمهِ، فقيل له: يُسلِّط عليهم عدواً من

غيرهم؟ فقال: لا. فقيل: الجوع؟ فقال: ". فقيل: فما تريد؟ قال:

موتاً ذفيفاً؛ يَحْرِقُ القَلْبَ وبقلُّ العدَدَ. فأرسلَ عليهم الطوفان) .

ضعيف جداً.

أخرجه ابن جميع الصيداوي في " معجم الشيوخ " (ص

84 - 85) من طريق مقدام بن داود: حدثنا أسد بن موسى: حدثنا روح بن

مسافر: حدثنا أبو إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه ثلاث علل:

الأولى: عُمارة بن عبد؛ مجهول؛ لم يرو عنه غير أبي إسحاق، وهو السبيعي.

الثانية: روح بن مسافر؛ قال الذهبي في " المغني ":

" قال أبو داود وغيره: متروك ".

الثالثة: مقدام بن داود؛ قال ابن أبي حاتم، وابن يونس:

" تكلموا فيه ". بل قال النسائي:

" ليس بثقة ".

__________

(1) ثم طُبع، والحديث فيه (36 / 346) - موقوفاً - (الناشر) .

 

(12/421)

 

 

5682 - (إنَّهمْ كَانوا لأصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، فإني أحبُّ أنْ أكافِئَهُمْ) .

ضعيف جداً.

أخرجه ابن جميع في " معجم الشيوخ " (ص 97) من

طريق طلحة بن زيد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي

قتاده قال:

قدم وفد النجاشي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان يخدمهم، فقال له أصحابه: نحن

نكفيك يارسول الله! قال:. . . فذكره.

قلت: هذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته طلحة بن زيد - وهو الرقي -؛ قال الحافظ

في " التقريب ":

" متروك. قال أحمد، وعلي، وأبو داود: كان يضع الحديث ".

 

(12/422)

 

 

5683 - (أتاني جِبريلُ، فَحَمَلَنِي على جَنَاحِهِ الأيمنِ، فكنتُ مِنْ

ربي عز وجل كقاب قوسينِ أو أدنى. . . وذكر الحديث) .

باطل.

أخرجه ابن جميع في " معجم الشيوخ " (ص 136 - 137) قال:

حدثنا محمد بن العباس: حدثنا محمد بن أبي الثلج: حدثنا يوسف بن موسى

القطان: حدثنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس عن

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:. . . فذكره هكذا، لم يذكر تمامه.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير محمد بن العباس،

وهو أبو علي البغدادي، وفي ترجمته ساق ابن جميع هذا الحديث، وهو على شرط

الخطيب؛ ولكنه لم يورده، ولذلك؛ قال الدكتور المعلق عليه:

" لم أجد له ترجمة ".

 

(12/422)

 

 

وفاته أنه أورده الذهبي في " الميزان " لهذه الرواية، فقال:

". . . عن محمد بن أبي الثلج، بغدادي. عن يوسف بن موسى القطان بخبر

باطل. وعنه ابن جميع ".

قلت: يشير إلى هذا الحديث، ووافقه الحافظ في " اللسان "، ووقع فيه (محمد

ابن أبي المليح) ! وهو تحريف مطبعي.

ووجه حكمهما على الحديث بالبطلان بعد جهالة راويه محمد بن العباس أنه

مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على أن الذي دنا وصار بينه وبين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قدر قوسين إنما هو جبريل عليه السلام. انظر تفسير ابن كثير لهذه الآية.

5684 - (رأيتُ على بَابِ الجنةِ مكتوباً: " لا إلا اللهُ محمدٌ رسولُ

الله، عليٌّ أخو رسولِ الله) .

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (6 / 2103) ، وابن حبان في

" الضعفاء والمجروحين " (2 / 229 - 230) ، والقطيعي في " زوائده على فضائل

الصحابة لأحمد " (2 / 665) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (416 / 18 /

2) عن أبي يعلى حمزة بن داود الأبلي قال: ثنا سليمان بن الربيع النهدي

الكوفي قال؛ ثنا كادح بن رحمة قال: حدثنا مسعر عن عطية عن جابر مرفوعاً

به. وقال ابن عدي:

" كادح؛ عامة ما يرويه غير محفوظ، ولا يتابع عليه في أسانيده ولا في

متونه ". وقال الحاكم وأبو نعيم:

" روى عن مسعر والثوري أحاديث موضوعة ".

 

(12/423)

 

 

قلت: وهذا منها؛ كما جزم الذهبي وتبعه العسقلاني.

وسليمان بن الربيع النادي؛ تركه الدارقطني.

وحمزة بن داود؛ قال الدارقطني:

" ليس بشيء ".

لكنه لم يتفرد به؛ فقد قال ابن جميع في " معجم الشيوخ " (ص 143) :

حدثنا محمد بن موسى أبو بكر - أمير ساحل الشام وصيدا -: حدثنا أبو نصر

فتح بن أبلج: حدثنا داود بن سليمان: حدثني سليمان بن الربيع به.

لكن من دون ابن الربيع لم أعرفهم؛ غير أبي بكر الأمير؛ فله ترجمة مختصرة

جداً في " الأنساب " (519 / 1) ، وفي " تاريخ دمشق " أوسع منه، ولم يذكر

فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ثم إن الحديث؛ رواه القطيعي (1135) بإسناده السابق الواهي عن كادح

قال: " الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً به. وقال في آخره:

" علي أخي، وصاحب لوائي ".

فذكر الحسن بن أبي جعفر - وهو ضعيف - مكان مسعر. وأبا الزبير - وهو

مجلس - مكان عطية - وهو ضعيف -.

وبالجملة؛ فآفة هذا الحديث كادح هذا، وقد عرفت أنه يروي الأحاديث

الموضوعة عن الثقات، وقد قال ابن حبان في كتابه " المجروحين " (2 / 229) :

" كان ممن يروي عن الثقات الأشياء المقلوبات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان

 

(12/424)

 

 

المتعمد لها، أو غفل عن الإتقان حتى غلب عليه الأوهام الكثيرة، فكثر المناكير في

روايته، فاستحق بها الترك ".

ثم ساق له أحاديث - هذا منها - من الطريق الأولى، وقال:

" له نسخة كتبناها عنه، أكثرها موضوعة ومقلوبة ".

(تنبيه) : نقل الدكتور تدمري في تعليقه على " معجم الشيوخ " عن الشيخ

محمد الباقر المحمودي - والظاهر أنه شييعي - أنه خرج الحديث بروايتين ساقهما،

ولفظهما واحد! عزا الأولى لابن عدي في " الكامل "، والأخرى للإمام أحمد في

(باب فضائل علي رضي الله عنه) ! فأقول - والله المستعان -:

في هذا التخريج ثلاثة أوهام فاحشة:

الأولى: سكوتهما عن الحديث! وهو موضوع بشهادة الحفاظ المتقدمين: ابن

حبان، وألذ هبي، والعسقلاني.

الثانية: إيهامهما القراء أن للحديث روايتين! والحقيقة أنها رواية واحدة مدارها

على كادح؛ كما سبق.

الثالثة: عزوهما الحديث للإمام أحمد في الباب المذكور! وهذا خطأ؛ لأن

أحمد لا دخل له في الحديث، ولا رواه، وإنما هو من زوائد القطيعي عليه؛ كما

سبق ذكره في تخريجي إياه.

ومثل هذا الوهم يقع فيه كثير من المتعلِّقين بهذا العلم، وبخاصة الشيعة

منهم، وبعضهم قد يفعلون ذلك عمداً تدلسياً وتضليلاً!

وبهذه المناسبة أقول:

 

(12/425)

 

 

إن الأحاديث المروية في كتاب " فضائل الصحابة " للإمام أحمد ثلاثة أنواع:

الأول: من رواية أبي بكر القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه.

الثاني: من رواية القطيعي عن عبد الله بن أحمد عن شيوخه غير أبيه.

الثالث: من رواية القطيعي عن شيوخه غير عبد الله بن أحمد.

ومن لا علم عنده بالأسانيد وطبقات الرواة يتوهم من مجرد رؤيته الحديث في

كتاب " الفضائل " أنه من رواية أحمد! وليس كذلك. فينبغي التنبه لهذا حتى

لا ينسب للإمام أحمد من الحديث ما لم يروه فيساء إليه، كما هو الشأن في هذا

الحديث الموضوع. والله ولي التوفيق.

5685 - (يا مُعَاذُ! إنَّ المؤمنَ لدى الحقِّ أسِيرٌ، إن المؤمنَ قيَّده القراَنُ

عن كثيرٍ من شَهَوَاتِهِ، وأن يهلَكَ فيما يهوى.

يا معاذ! المؤمنَ لا تَسْكُنُ روعَتُهُ ولا اضطرابُهُ حتى يخلفَ الجِسْرَ

وراءَ ظَهْرِهِ، فالقراَنُ دَلِيلُهُ، والخوفُ مَحَجَّتُهُ، والشنوْقُ مطيَّتُهُ، والصلاةُ

كهفُهُ، والصومُ جنتُه، والصدقةُ فكاكُه، والصِّدْقُ أميرُه، والحياءُ وزيره،

ورَبُّهُ وراءَ ذلك بالمرصاد.

يا معاذ! إنَّ المؤمنَ يُسْألُ يومَ القيامةِ عن جَميع سَعْيِهِ؛ حتى كُحْلِ

عينيهِ.

يا معاذُ! إنِّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنَفْسِي، وأنهيتُ إليكَ ما أنهى إليَّ

جبريلُ، فلا أَلفَيَنَّكَ تأتي يومَ القيامةِ وأَحَدٌ أسعدُ بما آتاه اللهُ منكَ) .

ضعيف.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 31) من طريق إسحاق بن

 

(12/426)

 

 

أبي حسان: ثنا أحمد بن أبي الحواري: ثنا يونس الحذاء عن أبي حمزة عن معاذ

ابن جبل مرفوعاً.

وتابعه على الفقرتين الأخيرتين: أبو حاتم الرازي برواية ابنه عنه - كما في

" تفسير ابن كثير " (2 / 559) -: حدثنا أحمد بن أبي الحواري به نحوه. وقال:

(أبي حمزة الشيباني) .

قلت: ولم أعرفه، ولم يذكره الدولابي في ما الكنى " ولا الذهبي في " المقتنى ".

وكذلك لم أعرف الراوي عنه: يونس الحذاء.

وابن أبي الحواري؛ ثقة من رجال " التهذيب ".

وكذا إسحاق بن أبي حسان؛ وثَّقه الدارقطني، وأبو حسان جده، واسم أبيه

إبراهيم، وكنية إسحاق أبو يعقوب الأنماطي، مات سنة (302) كما في " تاريخ

بغداد " (6 / 384 - 385) .

ومع جهالة تابعي الحديث والراوي عنه تجرأ الشيخ نسيب الرفاعي في " مختصر

ابن كثير " فصحَّحه ليس بإيراده فيه فقط؛ بل وبتصريحه بذلك في فهرسه (2 /

462) ! وتبعه على ذلك بلديه الصابوني؛ فأورده في " مختصره " أيضاً (2 /

319 - 320) ! وإن مما لا شك فيه أن تصحيحهما إياه لم يقم على بحث منهما في

تراجم رجاله؛ فإنهما من أبعد الناس عن هذا العلم، وإنما كان ذلك منهما اعتباطاً،

أو استحساناً عقلياً، أو اغتراراً بسكوت ابن كثير عليه! جاهلين أنه قد ساقه

بإسناده فبرئت ذمته منه. والله تعالى هو الهادي.

ثم رواه أبو نعيم (1 / 27) من طريق أبي عبد الله القشيري عن أبي

 

(12/427)

 

 

حاجب عن عبد الرحمن عن معاذ، وعن غالب بن شهر عن معاذ، وعن مكحول

عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ به نحوه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم كالذي قبله.

أبو عبد الله القشيري، وأبو حاجب، وغالب بن شهر؛ لم أعرفهم. والله

سبحانه وتعالى أعلم.

5686 - (إن اللهَ يُصلِّي على مَيَامِنِ الصُّفُوفِ) .

لا أصل له بهذا اللفظ.

وإنما هو من التحريفات الكثيرة للأحاديث النبوية

التي وقعت في كتاب " مختصر تفسير ابن كثير " للشيخ نسيب الرفاعي (3 /

386) بسبب العجلة في الاختصار والنقل أولاً، وجهله بالأحاديث ثانياً! وأصل

هذا الحديث في أصله " تفسير ابن كثير " إنما هو بلفظ:

" إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ".

وهو حديث معروف، وإن كان ابن كثير لم يخرجه، فقد رواه أبو داود وغيره

عن عائشة رضي الله عنها؛ ولكنه بهذا اللفظ خطأ أيضاً والصواب فيه:

". . . على الذين يَصِلون الصفوف ".

وقد كنت بينت ذلك في " المشكاة " برقم (1096) .

 

(12/428)

 

 

5687 - (ما بَغَتِ امْرَأَةُ نبيل قط) .

موقوف.

أخرجه الطبري في " التفسير " (12 / 31) من طريق أبي عامر الهمداني عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال:. . . فذكره موقوفاً عليه.

 

(12/428)

 

 

وكذا أورده السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 335) من رواية عبد الرزاق والفريابي

وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن عساكر. وزادوا:

وقوله: {إنه ليس من أهلك} يقول: إنه ليس من أهلك الذين وعدتُك أن

أنجيهم معك.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه بين الضحاك وابن عباس؛ فإنه لم يلقه؛

كما أفاده غير واحد.

وأبو عامر الهمداني؛ لم أعرفه، ولم يورده الدولابي في " الكنى "، ولا

الذهبي في " المقتنى "، وفي الرواة عن الضحاك بن مزاحم عطية بن الحارث أبو

رزق الهمداني، فمن المحتمل أن يكون هو هذا، ويكون له كنيتان. والله أعلم.

ثم رواه الطبري من طريق ابن يمان عن سعيد عن موسى بن أبي عائشة عن

عبد الله بن شداد عن ابن عباس به؛ دون الزيادة.

وهذا ضعيف أيضاً؛ ابن يمان اسمه يحيى، وشيخه سعيد اثنان ذكرهما المزي

في شيوخه: أحدهما أبو سنان سعيد بن سنان الشيباني، والآخر سعيد بن الوليد

الضبعي، وهذا لم أجد له ترجمة، والأول من رجال مسلم، ولم يتبين لي أيهما

المراد هنا.

وأما يحيى بن يمان؛ فهو من رجال مسلم أيضاً؛ لكن قال الحافظ:

" صدوق عابد يخطئ كثيراً، وقد تغير ".

قلت: وقد خولف في إسناده ومتنه؛ فأخرجه الطبري والحاكم (2 / 496)

من طريق الثوري وابن عيينه عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قَتَّة

 

(12/429)

 

 

قال: سمعت ابن عباس يسأل - وهو إلى جنب الكعبة - عن قول الله تعالى: ?فَخَانَتَاهُمَا ? قال:.

«أما إنه لم يكن بالزنا؛ ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف» .

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير سليمان بن قتة، وثقه ابن معين وغيره، وذكره ابن حبان في «الثقات» (4 / 311) ، وله ترجمة في «التعجيل» .

وبالجملة فالحديث باللفظ الأول ضعيف السند مع وقفه، وأما قول نسيب الرفاعي في فهرس «مختصره» (2 / 340) :

«وروي مرفوعاً» ؛ فمما لا أصل له ألبتة؛ بل هو من كيسه!

5688 - (غَفَرَ لكَ ولصاحِبِك. قاله لمن دعا لصَاحِبِهِ الذي حملَهُ أنْ يدعوَ له عند الركنِ والمقام) .

ضعيف جداً. اخرجه ابن حبان في «الثقات» (9 / 24) من طريق قريش بن إسماعيل بن زكريا عن الحارث بن عمران عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

كنتُ أطوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع رجلا يقول: اللهم! اغفر لفلان. فقال: «مه؟» . فقال: يا رسول الله! رجل حمَّلني أن أدعو له عند الركن والمقام. فقال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد واهٍ؛ قريش هذا لا يُعرف إلا بهذه الرواية؛ لكن الحارث بن

 

(12/430)

 

 

عمران - وهو الجعفري - اتهمه ابن حبان؛ فقال في «الضعفاء» (1 / 225) :

«كان يضع الحديث على الثقات» . وقال ابن عدي (2 / 195) بعد أن ساق له بعض الأحاديث:

«والضعفُ على رواياته بيِّن» .

ثم وجدتُ لقريش متابعاً: أخرجه ابن جميع في «معجم الشيوخ» (ص 213 - 214) من طريق زكريا بن يحيى صاحب الأكسية: حدثنا الحارث بن عمران الجعفري به.

قلت: فانحصرت الآفة في الجعفري هذا. قال البرقاني في «سؤالاته للدارقطني» (24 / 103) :

«كوفي متروك» .

5689 - (مَنْ خَتَمَ عملَهُ، فلم يرْضَخْ لقرابَتِهِ ممنْ لم يَرِثْهُ؛ خُتِمَ عملُه بمعصية. قال ابن مسعود: اقرأوا إن شئتم: ? وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى. . . ? الآية) .

منكر. أخرجه ابن جميع في «معجم الشيوخ» (ص 282) من طريق عبد الله ابن صالح: حدثنا عمرو بن هاشم: حدثنا سليمان بن أبي كريمة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله ^:. . . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر، وهو مسلسل بالعلل:

الأولى: سليمان بن أبي كريمة؛ قال ابن أبي حاتم (2 / 1) عن أبيه:

 

(12/431)

 

 

«ضعيف الحديث» . وقال ابن عدي في «الكامل» (3 / 1112) في آخر ترجمته - وساق له أحاديث منكرة من طريق عمرو بن هاشم البيروتي هذا، وذكر أنه روى عنه خمسة أحاديث منكرة مسندة في التفسير وغيره.

قلت: وأظن أنه يشير إلى أن هذا منها -:

«وعامة أحاديثه مناكير، يرويها عنه عمرو بن هاشم البيروتي، وعمرو؛ ليس به بأس، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وقد تكلموا فيمن هو أمثل بكثير، لم يتكلموا فيه؛ لأنهم لم يخبروا حديثه» .

يشير إلى أن الآفة من سليمان، وليس من عمرو، وهو كذلك؛ لكن هذا مُتَكَلَّم فيه، ولذلك؛ قلت:

العلة الثانية: عمرو بن هاشم؛ قال الحافظ:

«صدوق يخطيء» .

الثالثة: عبد الله بن صالح - وهو المصري -، وهو صدوق كثير الغلط؛ كما تقدم مراراً.

(تنبيه) : علق الدكتور تدمري على هذا الحديث، فقال:

«أخرجه البخاري 5 / 290 في الوصايا باب قول الله تعالى: ? وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى. . . ?. . .» !

قلت: وهذا تخريج عجيب غريب موهم أن الحديث رواه البخاري! ولا شيء من ذلك ألبتة؛ فإنك إذا رجعت إلى المكان الذي أشار إليه من «البخاري» ؛ لم تجد فيه إلا حديث ابن عباس الموقوف عليه في تفسير الآية المذكورة؛ قال:

 

(12/432)

 

 

«هي محكمة، وليست بمنسوخة» .

ثم إن الحديث مما فات السيوطي والمناوي؛ فلم يورداه في «جوامعهم» : «الجامع الكبير» ، و «الجامع الصغير» ، و «الزيادة عليه» ، و «الجامع الأزهر» ، ولا ذكره في «الدر المنثور» .

5690 - (نَهَى عنِ الإقْنَاعِ والتَّصْوِيبِ في الصَّلاةِ) .

ضعيف جداً. أخرجه ابن جميع في «معجم الشيوخ» (ص 303) من طريق فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال:. . . فذكره مرفوعاً. وزاد:

«يعني: (الإقناع) : رفع الرأس إذا كان قائماً، و (التصويب) : أن ينظر إلى جيب قميصه» .

قلت: وهذا التفسير من المؤلف أو من أحد رواته؛ فقد أخرجه ابن عدي في «الكامل» (6 / 2049) من طريق أخرى عن الفرات به؛ دون الزيادة. وقال في آخر ترجمته:

«أحاديثه عن ميمون بن مهران مناكير» . وقال ابن حبان في «المجروحين» (2 / 207) :

«كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي بالمعضلات عن الثقات! لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الإخبار» . وقال البخاري:

«منكر الحديث» . وقال الدارقطني وغيره:

 

(12/433)

 

 

«متروك» .

قلت: فالإسناد ضعيف جداً.

(تنبيه) قد عزا الدكتور تدمري في تعليقه على «المعجم» هذا الحديث للترمذي والنسائي والدارمي! وهو خطأ محض يشبه خطأه المذكور في الحديث الذي قبله؛ فإني لما رجعتُ إلى السنن الثلاثة التي أشار إلى موضع الحديث فيها تبين أنه يعني حديث أبي حميد الساعدي؛ قال:

«كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع اعتدل: قام ينصب رأسه، ولم يقنعه» !

وهذا كما ترى حديث آخر مخرجاً ومعنى، وقد فاته أن يعزوه لأبي داود أيضا! فقد أخرجه في حديث أبي حميد الطويل، وهو مخرج في «المشكاة» (801) وغيره.

وذلك يدل - كالحديث السابق - أن الدكتور لا معرفة له بهذا العلم، أو على الأقل بفن التخريج! فهو يخبط فيه خبط العشواء في الليلة الظلماء، وإلا؛ كيف استجاز عزو حديث قولي إلى من لم يروه لمجرد كونهم رووا في الباب حديثاً آخر من فعله - صلى الله عليه وسلم -؟ !

5691 - (إذا تَطَهَّرَ أحدُكُم؛ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ تعالى؛ فإنهُ يطهر جسدهُ كلّه، وإذا لم يذكُر اسمَ الله تعالى على طهُرِه؛ لم يطهرْ إلا ما مَرَّ عليه الماءُ، وإذا فَرَغَ أحدُكُم من طهُورِهِ؛ فَلْيَشْهَدْ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؛ ثم ليُصَلِّ عليه، فإذا قالَ ذلك؛ فُتحتْ له أبوابُ الجنةِ) .

موضوع بهذا التمام.

أخرجه ابن جميع في «معجم الشيوخ» (ص 292) ،

 

(12/434)

 

 

والبيهقي في «السنن» (1 / 44) من طريق يحيى بن هاشم: حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته يحيى بن هاشم - وهو السمسار الغساني -؛ كذاب وضَّاع يسرق الحديث كما قال الأئمة، وقال البيهقي عقبه:

«وهذا ضعيف، لا أعلمه رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم، وهو متروك الحديث» .

قلت: وتعقبه الذهبي في «المهذب» (ق9 / 2) بقوله:

«قلت: بل كذاب» .

وعزاه السيوطي في «الجامع الكبير» للشيرازي في «الألقاب» والبيهقي فقط! وقد أخرجه الدارقطني أيضا (1 / 73 / 11) من الوجه المذكور؛ لكن ليس فيه قوله: «ثم ليصل عليه» .

ورواه أبو محمد المخلدي في «الفوائد» (ق 245 / 2) دون قوله: «وإذا فرغ. . .» .

والحديث؛ روي نصفه الأول من حديث أبي هريرة وابن عمر.

1 - أما حديث أبي هريرة؛ فيرويه أبو بكر محمد بن عبد الله الزهيري: نا مرداس بن محمد بن عبد الله بن أبي بردة: نا محمد بن أبان عن أيوب بن عائذ الطائي عن مجاهد عنه مرفوعاً به.

أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي.

وهذا إسناد ضعيف؛ علته مرداس هذا؛ قال الذهبي في «الميزان» :

 

(12/435)

 

 

«لا أعرفه. وخبره منكر في التسمية على الوضوء» .

قلت: وكأنه تبع في تجهيله إياه ابن القطان؛ فإنه قال:

«لا يُعرف ألبتة» . فتعقبه الحافظ في «اللسان» بقوله:

«قلت: هو مشهور بكنيته (أبو بلال) ، من أهل الكوفة، يروي عن قيس بن الربيع والكوفيين. روى عنه أهل العراق. قال ابن حبان في «الثقات» : «يغرب ويتفرد» . وليَّنَهُ الحاكم أيضاً. وقول ابن القطان: «لا يُعرَف ألبتة» ؛ وهم؛ فإنه معروف» .

2 - وأما حديث ابن عمر؛ فيرويه عبد الله بن حكيم أبو بكر عن عاصم بن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به.

أخرجه الدارقطني، والبيهقي وقال:

«وهذا أيضاً ضعيف؛ أبو بكر الداهري غير ثقة عند أهل العلم بالحديث. وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة مرفوعاً» .

قلت: أبو بكر هذا؛ متروك متهم بالكذب. وقال أبو نعيم الأصبهاني:

«روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش الموضوعات» .

5692 - (يا غلامُ! مَنْ أنا؟ فقال: أنتَ رسولُ اللهِ. فقال له: باركَ اللهُ فيكَ. ثم إنَّ الغلامَ لم يتكلَّم بعدها) .

ضعيف جداً. أخرجه ابن جميع في «معجمه» (ص 354) ، ومن طريقه البيهقي في «الدلائل» (6 / 59 - 60) ، والخطيب في «التاريخ» (3 / 444)

 

(12/436)

 

 

قال: حدثني العباس بن محبوب - بمكة -: حدثنا أبي: حدثني جدي شاصونة بن عبيد: حدثني معرض بن عبيد الله بن معيقيب اليمامي عن أبيه عن جده قال:

حججت حجة الوداع، فدخلت داراً بمكة، فرأيت رسول الله ^ ووجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجباً: أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم وُلِدَ، وقد لفَّهُ في خرقة، فقال له رسول الله ^:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً مظلم، مسلسل بالضعفاء والمجهولين:

أولا: العباس بن محبوب؛ قال الحافظ في «اللسان» :

«. . . أبو الفضل المعروف بـ (ابن شاصونة) ، بصري الأصل، سكن جُدَّة. قال مسلمة بن قاسم: ضعيف الحديث، لا يُكتب حديثه، وكان لي صديقاً» .

وأما الدكتور تدمري؛ فقال في تعليقه على «المعجم» :

«لم أجد له ترجمة» !

وكم له من مثل هذا النفي! !

ثانياً: أبوه محبوب - وهو ابن عثمان بن شاصونة -؛ قال الحافظ أيضاً:

«. . . عن جده. وعنه إسحاق بن شاهين؛ مجهول» .

ثالثاً: جده شاصونة - وهو ابن عبيد -؛ مجهول أيضاً؛ كما يأتي عن الحافظ العسقلاني.

 

(12/437)

 

 

رابعاً وخامساً: معرض بن عبيد الله وأبوه؛ قال الحافظ في «الإصابة» :

«مجهولان، وكذلك شاصونة» . وقال:

«وأخرجه الحاكم في «الإكليل» من وجه آخر عن العباس بن محمد بن شاصونة» .

قلت: وقد روي من طريق آخر: أخرجه البيهقي والخطيب من طرق عن محمد بن يونس الكديمي: حدثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليمامي به. وزاد في آخره:

«حتَّى شَبَّ» .

قلت: والكديمي؛ قال الذهبي:

«هالك. قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات» .

قلت: فلا قيمة لمتابعته، ولذلك؛ قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (6 / 158) - وقد ذكره من الطريقين -:

«حديث غريب جداً» . وأشار البيهقي إلى ذلك بقوله:

«إن صحَّت الرواية» .

ونقل الحافظ عن ابن السكن أنه قال في ترجمة معرض بن معيقيب:

«له حديث في أعلام النبوة، لم أجده إلا عند الكديمي عن شيخ مجهول، فلم أتشاغل بتخريجه» .

 

(12/438)

 

 

5693 - (مَنْ أدخلَ على أخيه المسلم فرحاً وسروراً في دار الدُّنيا؛ خلق الله عز وجل منْ ذلك خَلْقَاً يدفعُ به عنه الآفات في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة كانَ منه قريباً، فإذا مَرَّ به هَوْلٌ يُفْرِقه قال: لا تَخَفْ. فيقولُ له: مَنْ أنتَ؟ فيقول: أنا الفرحُ - أو السُّرورُ - الذي أَدْخَلْتَهُ على أخيكَ في دارِ الدنيا) .

منكر.

أخرجه ابن جميع في «معجمه» (ص 365) ، ومن طريقه الخطيب في «التاريخ» (13 / 273) : حدثني مؤنس بن وصيف بـ (تنّيس) قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: كنت أكتب عن يزيد بن هارون عن أبي حقص الأبار، فلقيته بمكة. قال الحسن: فحدثني أبو حفص الأبار عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: ليث - وهو ابن أبي سليم -؛ وهو ضعيف مختلط.

والأخرى: مؤنس هذا؛ وفي ترجمته ساقه الخططيب، ولم يزد فيها على ذلك، فكأنه مجهول، ولم أره في «الميزان» و «اللسان» ، وقد صرَّح بذلك ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2 / 23) ؛ فإنه أخرجه من طريق الخطيب ثم قال:

«هذا حديث لا يصح، ومؤنس بن وصيف مجهول» .

 

(12/439)

 

 

5694 - (مَنْ غَزَا غزوةً فِي سَبيلِ اللهِ عز وجل؛ فقد أدّى إلى اللهِ عز وجل جَمِيعَ طاعَتِهِ، ? فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ?) .

موضوع.

أخرجه ابن جميع في «معجمه» (ص 366) من طريق القاسم

 

(12/439)

 

 

ابن بهرام عن قتادى عن أنس مرفوعًا به.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته القاسم هذا؛ قال ابن حبان في ((المجروحين)) (2 / 214)

((القاسم بن بهرام أبو همدان شيخ كان علي القضاء بـ (هيت) يروي عن أبي الزبير العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال))

ثم ساق له حديثًا موضوعًا في فضل معاوية.

وأورده ابن عدي في كنى ((الكامل)) , وقال (7 / 2749) :

((أبو همدان؛ كذاب))

وأقرره الحافظان: الذهبي والعسقلاني.

والحديث؛ عزاه الدكتور تدمري في تعليقه علي ((المعجم)) لإبن ماجه في الجهاد! وهذا كذب علي ابن ماجه؛ سببه الجهل بهذا العلم؛ فإن الذي عند ابن ماجه في الباب المشار إليه إنما هو حديث آخر برقم (2761) من روايه جمع من الصحابة؛ منهم أنس؛ وفيه:

(ومن عزا بنفسه في سيبيل الله , وانفق في وجه ذلك له بكل درهم سبع مئة ألف درهم , ثم تلا الآية: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} .

ومع ذلك؛ فاسناده ضعيف؛ كما في ((المشكاة)) (3857) وغيره.

فتأمل كطم في هذا العزو من تخليط , وكم له من تخاليط سبق بيان بعضها! ومن ذلك أنه عزا حديث:

 

(12/440)

 

 

((من زار فبري وجبت له شفاعتي)) في تعليقه عليه لـ ((المسند)) ! فقال (ص 419) :

((رواه أحمد في ((مسنده)) 4 / 108)) وهو يشير بذلك إلي حديث:

((من صلى علي محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي)) .

فقد استجاز عزو الحديث الأول لأحمد لمجرد التقائه مع حديثه في قوله: وجبت له شفاعتي)) ! ! فهل يفعلذلك إلا جاهل بهذا العلم؟ ! !

والحديث الأول موضوع , وهو مخرج في ((الضعيفة)) تحت الحديث (47) ,

((الإرواء)) تحت الحديث (1128) .

والحديث الآخر ضعيف؛ فيه وفاء بن شريح الحضرمي؛ ولم يوثقه غير ابن حبان , وفي الطريق إليه ابن لهيعة. انظر التعليق علي ((فضل الصلاة علي النبي ?)) (ص 21)

وتقدم الكلام عليه مفصلا برقم (1 / 5142) .

والحديث؛ عزاه السيوطي في ((الجامع الكبير)) للديلمي عن أنس؛ دون قوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} .

5695 - (مَنْ لَمْ يَرْعَوِ عندَ الشَّيْبِ، ولم يَسْتَحِ مِنَ العَيْبِ، ولم يَخْشَ اللهَ بالغَيْبِ؛ فليسَ للهِ عز وجل فبه حاجةٌ) .

موضوع.

أخرجه ابن جميع في معجم الشيوخ (ص 375) , وعنه

 

(12/441)

 

 

الذهبي في ((الميزان)) : حدثني يوسف بن إسحاق بـ (حلب) قال: حدثنا

محمد بن حماد الطهراني: حدثنا عبد الرازق: أنبأنا معمر ابن طاوي عن أبيه

عن جابر مرفوعًا به.

أورده الذهبي في ترجمة يوسف هذا , قال:

((الخبر باطل , والآفة من يوسف؛ فإن الباقين ثقات)) .

وأقره الحافظ في ((اللسان))

وأما الدكتور تدمري؛ فلم يزد علي قوله في تعليقه علي ترجمة الشيخ الحلبي

هذا:

لم أجد له ترجمة)) !

وهذا مما يدل علي أن الرجل لا معرفة عنده بعلم الجرح والتعديل , وما

أذكر أني رأيته جرح راويًا لحديث ما ولو كان كذابًا! وكل ما صنعه في التخريج هذا

الحديث أنه قال:

((ذكره الديلمي بلا سند عن جابر مرفوعًا. (تمييز الطيب من الجبيث214)) .

وصاحب ((التمييز)) تابع فيما قال لأصله ((المقاصد الحسنة)) للسخاوي رقم

(1177) , وتبعهما العجلوني في ((كشف الخفاء)) (2611) ؛ إلا أنه قال:

((قال اغبن الفرس: ضعيف)) !

وجاء من بعدهم الشيخ محمد عبد الباقي الزرقاني ليقول في كتابه ((مختصر

المقاصد الحسنة)) (1077) :

 

(12/442)

 

 

((وارد)) ! !

وفي هذا الاختصار ما لا يخفى من إيهام أن الحديث أصلا , كما هو في

اقتصار ابن الفرس علي تضعيفه , هو حديث باطل بشهادة الحافظ النقاد الإمام

الذهبي , وموافقة العسقلاني عليه. وليت أن أخانا الدكتور محمد الصباغ نقل

ذلك عنهما في مراجعه التي أحال إليها في تعليقه علي ((المختصر)) , وإن كان قد قارب الصواب في قوله: ((والحديث لا اصل له)) ؛ فقد تبين أن له أصلاً؛ أي

سندًا؛ ولكن قد عرفت آفته ووهو من الفوائد التي استفدناها من ((معجم ابن جميع)) رحمه الله تعالي.

5696 - (أُنْشِدُ اللهَ رجالَ أُمَّتِي لا يَدْخُلُوا الحمَّامَ إلا بِمِئْزَرٍ، وأُنشِدُ اللهَ نساءَ أمتي أنْ لا يَدْخُلْنَ الحَمَّامَ.) .

ضعيف.

أخرجه ابن جميع في ((معجمه)) (ص 251) من طريق بكر بن سهل: حدثنا عمرو بم هاشم: حدثنا موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعًا.

قلت: وهذا إسناده ضعيف , وله علتان:

الأولى: عمرو بن هشام - وهو البيروتي - , قال الحافظ:

((صدوق يخطئ))

والأخرى: بكر بن سهل هذا؛ قال النسائي:

((ضعيف)) . وقال الذهبي:

((مقارب الحال)) !

 

(12/443)

 

 

والحديث؛ كنت أوردته في ((ضعيف الجامع الصغير)) (1345) - وقد عزاه لابن عساكر , وأظن الآن أنه عنده من طريق ابن جميع - بناء علي القاعدة المعروفة أن ما تفرد به ابن عساكر؛ فهو ضعيف , وهذه القاعدة وإن كانت تشذ أحيانًا, فهذا التخريج أكدها في هذا الحديث. والله الموفق.

5697 - (مَنْ لَبِسَ الصُّوفَ، وانْتَعَلَ المخصُوفَ، ورَكِبَ حِمَارَهُ، وحَلَبَ شاتَهُ، وأكلَ مع عِيالِه، فَقَدْ نَحّى اللهُ عنه الكِبْرَ) .

2 - أنا عبدٌ ابنُ عبدٍ، أَجْلِسُ كَجَلْسَةِ العَبْدِ، وآكلُ أكلةَ العبدِ.

3 - وذلك أنَّ النبي ?لم يَطْرُقْ طعاماً قط، إلا وهو حابٍ على ركبتيهِ.

4 - إنَّ الله عز وجل قَدْ أوحى إليَّ: أَنْ تواضَعُوا، ولا يَبْغِي أَحَدٌ على أحدٍ.

5 - إنَّ يدَ الله مَبْسُوطَةٌ على خَلْقِهِ، فَمَنْ رفعَ نَفْسَهُ؛ وَضَعَهُ اللهُ عز وجل، ومَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ؛ رفعَهُ الله عز وجل.

6 - ولا يمشي امرؤٌ على الأرضِ يَبْغِي بها سُلْطَانَ اللهِ عز وجل إلا أَكَبَّهُ اللهُ عز وجل) . ً

ضعيف جدًا - أو موضوع بهذا السياق والتمام.

رواه السكن بن جميع في ((حديثه)) (ص420) من طريق سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير ابن مرة عن عبد الله بن عمر مرفوعًا

 

(12/444)

 

 

قلت: وهذا إسناده واهٍِ بمرة؛ آفته سعيد بن سنان هذا - وهو أبو مهدي الحمصي -؛

قال الحافظ في ((التقريب)) :

((متروك؛ ورماه الدارقطني وغيره بالوضع)) .

قلت: ويد الصنع ظاهرة في حديثه هذا , ففقد سرق بعض الأحاديث الصحيحة , وضمها إليه بهذا السياق والإسناد , والكلام عليها لا مجال الآن إليه فأكتفي بالإشارة إليها , وهي:

الفقرة الثانية تراها في ((مجمع الزوائد)) (9 / 19,21) .

والفقرة الرابعة مخرجة في الصحيحة)) (570)

والخامسة خرجتها في ((ظلال الجنة)) (615 - 617) , ((الإرواء)) (2200) ,

و ((صحيحة)) (2328) , وهي مركبة من حديثين.

والحديث؛ عزاه السيوطي في ((الجامع الكبير)) لـ (تمتم وابن عساكر عن ابن عمر) ,ووقعت فيه الفقرة السادسة بلفظ:

((ولا يمشي امرؤ علي الأرض شبرًا يبتغي به سلطان الله. . . . . .) . ولعله

الصواب؛ فقد ذكر المعلق علي ((المعجم)) تعليقًا علي قوله: ((بها)) أن الأصل: ((به)) . والله اعلم.

5698 - (رَكْعَتَانِ مِنَ الضُّحَى؛ تَعْدِلانِ عندَ اللهِ بِحَجَّةٍ وعُمْرَةٍ مُتَقَبَّلَتَيْنِ)

موضوع.

أخرجه الديلمي في ((مسند الفردوس)) (2 / 175 - مصورة

 

(12/445)

 

 

الجامعة) عن يوسف بن ميمون الحنفي: زياد بن ميمون عن انس مرفوعًا.

قلت: زياد هذا؛ وضاع باعترافه؛ كما تقدم مرارًا, فانظر الأحاديث (176, 296) .

ويوسف بن ميمون الحنفي؛ قال البخاري وأبو حاتم:

((منكر الحديث جدًا)) .

ويغني عنه حديث أبي أمامة مرفوعًا:

(من خرج من بيته متطهرًا إلي صلاة مكتوبة؛ فأجره كأجر الحاج المحرم, ومن

خرج إلي تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه ,فأجره كأجر المعتمر. .)) الحديث؛

انظر (صحيح الترغيب)) (318) , وصحيح أبي داود)) (567)

5699 - (ركعتَانِ بعمَامَةٍ خيرٌ مِنْ سبعينَ ركعةً بغيرِ عِمَامَةٍ)

موضوع.

رواه الديلمي في ((المسند)) (2 / 176) معلقا , فقال أبو نعيم:

حدثنا عبد الله بن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته أحمد بن صالح هذا؛ فإنه كان يصنع الحديث؛ كما قال ابن حبان. وغير أحمد بن صالح المصري الحافظ؛ كما نبه عليه ابن حبان في ((الثقات)) (8 / 25 - 26) وقد تقدم له حديث آخر برقم (3412) ,كما تقدم حديثه هذا أيضا برقم (128) ؛ ولكن لم أكن وقفت علي إسناده , فاعتمدت في تضعيفه علي المناوي , وقد أعله بمن فرقه , فكأنه ظنه الحافظ المصري , ولم

 

(12/446)

 

 

أطمئن لإعلاله بذلك , ولا لقول السخاوي فيه:

((لا يثبت)) . ولذلك؛ حكمت عليه بالوضع هناك أيضا لما ذكرته في أول

تخريجه , واستظهرت ثَمة أن علة الحديث طارق بن عبد الرحمن هذا ,وهو الحجازي , وأشرت إلي احتمال أن تكون دونه؛ فقد تحقق الآن هذا الاحتمال ,كما تأكد حكمي علي الحديث بالوضع هناك من حيث المعنى بعد أن تبين أنه من رواية ذاك الكذاب ,وتطابق ذاك الكذاب , وتطابق ذلك مع حكم الإمام أحمد علي الحديث بالبطلان كما سبق هناك , فالحمد لله تعالي علي توفيقه ,وأسأله المزيد من فضله وهدايته.

ومما سبق من التحقيق؛ يتبين للقارئ تساهل المناوي في نقده لهذا الحديث, وقد أشرت آنفا إلي السبب , وبناء علي ذلك اقتصرفي ((التيسير)) علي قوله:

وهو غريب)) !

وقد اغتر بكلامه الشيخ عبد الله الغماري في رسالته)) إزالة الالتباس)) ؛

فقال (ص21) عقب قول المناوي هذا وقول السخاوي الذي قبله:

وإنما قال هذا اعتمادًا منه علي قول المناوي المتقدم هناك ولو وقف علي إسناده؛ لحكم - إن شاء الله بوضعه.

نقول هذا إحسان للظن به , وإلا؛ فالرجل قد تبين لي من رسائله أنه خَلَفِيٌ صُوفي , حاقٌد , حاسد , أفاك. فإن شئت الوقوف علي الأدلة علي هذا الذي نقول؛ فانظر مقدمتي للمجلد الثالث من هذه ((السلسلة)) . والله المستعان.

ثم إن في الحديث علتين أخريين:

 

(12/447)

 

 

إحداهما: عنعنة أبي الزبير.

والأخرى: جعفر بن أحمد الراوي عن أحمد بن صالح؛ فقد أورده أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (2 / 249) فقال:

((جعفر بن أحمد بن أبي الشروب البغدادي. روي عن أحمد بن صالح المسمومي (!) المكي. ذكره بعض أصحابنا)) .

ثم ساق له الحديث الآتي بعده , فالظاهر انه مجهول. والله أعلم.

والحديث؛ عزاه السيوطي في ((لجامع الكبير)) (14441) لأبي نعيم عن جابر. وعلقت عليه اللجنة كلام المناوي في ((الفيض)) ولم تزد!

(تنبيه) : المسمومي, كذا وقع في الأصل! والراجح أنه: (الشمومي) ؛ ما يأتي بيانه في الحديث التالي:

5700 - (مَنْ صَلَّى الضُّحَى أربع ركعَاتٍ في يومِ الجُمُعَةِ في دهرِهِ مرةً واحدةً يقراُ بفاتحةِ الكتاب. . . فذكره بطوله.)

موضوع أخرجه هكذا أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (1 / 249) قال:

حدث عبد الله بن محمد بن زكريا: ثنا جعفر بن أحمد بن أبي الشروب الزعفراني: ثنا أحمد بن صالح: حدثني عبد الله بن عيسى والوليد بن أبي النجم قالا: ثنا سعد بن الجرجاني عن سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا.

قلت: هذا موضوع؛ آفته أحمد بن صالح , وهو غير أحمد بن صالح المصري

 

(12/448)

 

 

الثقة الحافظ كما تقدم في الحديث الذي قبله.

ويحتمل أن تكون الآفة من سعد بن سعيد الجرجاني؛ قال البخاري:

((لا يصح حديثه)) .

وذكر له الذهبي حديثًا موضوعًا , واتهمه به. والله اعلم.

والحديث؛ أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (2 / 112) بإسناده وذكره السيوطي في ((اللآلي)) (2 / 35) من طريقه , وساق سنده من طريق الفضيل بن عياض: حدثنا أبو عبد الله الخراساني عن سفيان الثوري به. وساق الحديث بطوله , وقال ابن الجوزي - وتبعه السيوطي وغيره -:

((موضوع بلا شك , فلا بارك الله فيمن وضعه , فما أبرد هذا الوضع وما أسْمَجَهُ! وكيف يحسن أن يقال: من صلي ركعتين فله ثواب موسى وعيسى. وفيه مجاهيل , أحدهم قد عمله)) .

قلت: لعله يعني شيخ الفضيل أبا عبد الله الخراساني ومن دونه ,ولعل (أبو عبد الله الخراساني) هو سعد بن سعيد الجرجاني الذي في طريق أبي نعيم , أو آخر من المتروكين سرقه أحدهم من الآخر. والله سبحاه وتعالي أعلم.

والحديث؛ ذكره أبو نعيم في ترجمة جعفر بن أحمد بن أبي الشروب البغدادي وقال:

((روي عن أحمد بن صالح المسمومي المكي. ذكره بعض أصحابنا)) .

قلت فهو في حكم المجهولين.

 

(12/449)

 

 

وهذه النسبة (المسمومي) لم أعرفها، ووقع في ((الثقات)) (8 / 26) ، و ((التهذيب)) : (الشومي) وفي ((المجروحين)) (1 / 149) ، و ((التقريب)) : (الشموني) بالنون. ولعل الصواب ما قبله؛ فقد جاء في مادة (الأشمومي) من ((التبصير)) :

((. . نسبة إلى (أشموم الرمان) (1) بحري مصر، ونسب إليها من المتقدمين (الشومي) بلا ألف)) . والله سبحانه وتعالى أعلم.

5701 - (ما مِنْ عَبْدٍ يَبْسُطُ كفَّيْهِ دُبُرَ كلِّ صَلاة، ثم يقول: اللهمَّ إلهي وإله إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، وإله جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ - عليهم السلام -! أسألُكَ أن تستجيب دعوتي؛ فإني مُضطر، وتعصمَني في ديني؛ فإني مُبْتَلى، وتنالَني برَحمَتِك؛ فإني مُذنبٌ، وتنفي عني الفقرَ؛ فإني مُتَمَسْكنٌ؛ إلا كان حقاً على الله عز وجل أَنْ لا يَرُدَّ يدَيْهِ خَائبتين) .

ضعيف جداً.

أخرجه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (رقم 135) عن أبي يعقوب إسحاق بن خالد بن يزيد البالسي: ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي عن خُصيف عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالضعفاء:

الأول: خُصيف - وهو ابن عبد الرحمن الجزري -؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :

((صدوق سيئ الحفظ، خلط بآخره))

(1) وهي مشهورة على ألسنة أهلها المصريين الآن بـ (أشمون الرمان)

 

(12/450)

 

 

الثاني: عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي؛ قال الذهبي في ((الميزان)) :

((اتهمه الإمام أحمد، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة)) . ثم ساق له حديثاً بلفظ:

((مَنْ تَقَلّدَ سيفاً في سبيل الله؛ قلّده الله وِشَاحَيْنِ يوم القيامة من الجنة، لا تقوم لهما الدنيا وما فيها. . .)) الحديث. وقال الذهبي:

((هو من بلاياه))

الثالث: إسحاق بن خالد بن يزيد البالسي؛ قال ابن عدي في ((الكامل)) (1 / 337) :

((روى غير حديث منكر عن جماعة من الشيوخ، ورواياته تدل بأنه ضعيف)) .

وأما ابن حبان؛ فذكره في ((الثقات)) (8 / 120)

والحديث؛ أورده السيوطي في ((الجامع الكبير)) ، وعزاه لأبي الشيخ أيضاً والديلمي وابن عساكر وابن النجار، وقال:

((وهو واهٍ)) !

قلت: ومن هذا التخريج والتحقيق؛ تعلم أن قول الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن مقبول الأهدل اليماني في رسالته ((سنية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة)) (ص 131 - إتقان الصنعة) :

((وفي اسناده عبد العزيز بن عبد الرحمن فيه مقال () ، وصريح في ((ميزان الاعتدال)) وغيره بانه حديث ضعيف، لكنه يعمل به في فضائل الأعمال)) !

 

(12/451)

 

 

وأقره الشيخ عبد الله الغماري الذي قدم له وعلق عليه!

وفيه دلالة ظاهرة على جهل هذا الرجل بهذا العلم أو تجاهله؛ فإن مقتضى قول الذهبي في عبد العزيز هذا:

((اتهمه أحمد. .)) إلخ كلامه المتقدم: أن حديثه يكون من قسم الضعيف جداً، فما عزاه الاهدل لـ ((الميزان)) بما برفضه الميزان المستقيم، ولا سيما وفي الحديث العلتان الأخريان!

وعلى ذلك؛ فقوله: ((لكنه يعمل به. .)) فاسد الإعتبار؛ لأن من شروط العمل بالحديث الضعيف - عند من يقول به -: أن لا يشتد ضعفه كما ذكر ذلك الغماري نفسه في بعض رسائله، مثل كتبيه ((القول المقنع)) (ص 4) - وقد حشاه كذباً وزوراً وسفاهة وقلة حياء -! فراجع إن شئت مقدمة المجلد الثالث من هذه ((السلسلة)) وأما هنا في تعليقه على رسالة ((سنية الرفع)) ؛ فقد كتم هذا الشرط (ص 133) ! !

ثم رايت المدعو (عبد الوهاب مهية) الجزائري نحا نحوهما في رسالة له سماها ((كشف الأكِنَّة عما قيل إنه بدعة وهو سنة)) ! فأعلَّ الحديث بعبد العزيز هذا فقط! بل تبين لي أنه مقلد له في كثير من بدعه التي زعم أنها سنة؛ تمسكاً منه بمعمومات لم يَجْرِ عَمَلُ السلف عليها، أو باحاديث واهية لا يجوز العمل بها ولو في فضائل الأعمال لشدة ضعفها؛ كهذا.

ومن ذلك: أن الشيخ الغماري قال (ص 131) من رسالته المتقدمة:

((أخرج الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في ((مصنفه)) عن الأسود العامري عن أبيه قال:

 

(12/452)

 

 

صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما سلَّم انحرف ورفع يديه ودعا. . الحديث)) .

كذا قال! وفيه كذب وخطأ مكشوفان:

أما الكذب؛ فقوله: ((ورفع يديه ودعا)) ! فإن هذه الزيادة لا أصل لها في ((المصنف)) ولا عنده غيره ممن أخرج الحديث، وإنما هي مما أملاه عليه هواه - والعياذ بالله تعالى -! فالحديث في موضعين من ((المصنف)) بإسناد واحد:

فقال في ((الموضع الاول)) (1 / 302) : حدثنا هُشَيم قال: أنا يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد [بن] الأسود العامري عن أبيه قال:. . فذكر الحديث إلى قوله: ((فلما سلَّم انحرف)) . ولم يزد

ثم ساقه في الموضع الآخر (2 / 274 - 275) - وبالسند نفسه - نحوه مطولاً، وفيه:

((فلما قضى صلاته وانحرف؛ إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلِّيَا معه. .)) الحديث.

وهكذا أخرجه أحمد (4 / 160 - 161) ، وابن سعد في ((الطبقات)) (5 / 517) من طريق هشيم به.

وتابعه: جماعة عن يعلى بن عطاء به.

أخرجه أصحاب السنن وغيرهم مختصراً ومطولاً، وهو مخرج في ((صحيح أبي داود)) (590، 627) .

ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير) (22 / 232 - 235) عن هشيم وغيره.

 

(12/453)

 

 

قلت: فهذا كله مما يؤكد بطلان تلك الزيادة وبطلان ذكرها في الحديث. وأما هل كان ذلك عمداً من الشيخ أم عن سهو؛ فذلم مما لا يعلمه إلا العليم بما في الصدور، وإن كان تَعَمُّدُهُ ليس ببعيد عن أمثاله من أهل الأهواء، ولا سيما وقد صرح بين يديه بأنه يقوي حديث الترجمة! ! (كالمستجير بالرمضاء من النار) !

ذلك هو الكذب في الحديث.

وأما الخطأ؛ فهو في إسناده؛ فإنه جعله من مسند (الأسود العامري عن أبيه) ! وهذا الابن جاهلي لو يذكر في الصحابة، فماذا يقال عن أبيه؟ ! وإنما هو من مسند ابنه (يزيد ابن الأسود العامري) كما تقدم في إسناد ((المصنَّف)) ، وكذلك هو عند كل مخرجي الحديث ممن ذكرنا وغيرهم، وفي كتب التراجم أيضاً كـ ((الإصابة)) وغيره. فالحديث ليزيد بن الأسود، وليس بـ (أبي الأسود) !

وهذا مما يدل على جهل بالغ أو على قلة التحقيق. وأحلاهما مر!

ولقد قلَّده في ذلك كله في الكذب والخطأ ذاك الجزائري؛ فساق الحديث (ص23) : (عن الأسود العامري. .) بالزيادة! وعزاه لابن أبي شيبة في ((مصنفه)) ! !

ولم يكتف بذلك؛ بل أتبعه بحديث آخر ضعيف؛ مغتراً بتحسين بعضهم إياه جاهلاً او متجاهلاً تضعيف البخاري والعقيلي وابن عبد البر في بحث مبسط أجريته عليه فيما سيأتي برقم (6546) .

ثم تطاول على بعض أفاضل العلماء؛ فقال:

((قلت: وهذا يرد قول الشيخ بن (كذا!) باز حفظه الله: ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم

 

(12/454)

 

 

انه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة، وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة بدعة لا أصل لها. اهـ (من مخالفات الطهارة والصلاة 1 / 190) . وأنت خبير بضعف هذا الكلام - مع جلالة قائله - بما سبق ذكره - فتنبه ولا تغتر بقول حتى تعرف مستنده)) !

قلت: وهذا التنبيه حق؛ لكنه هو أحق به؛ لأنه اغتر بأحاديث ضعيفة لا يعرف ضعفها؛ لجهله بهذا العلم أو تجاهلها، ولعمومات لم يجر عمل السلف بها، فما أشبهه بمن يرفع يديه إذا جلس للتشهد الاخير؛ عملاً بالعمومات التي تشبث بها!

وهذا هو شبهة الذين يستحسنون البدع في الدين، ولا يقيمون وزنا للنصوص القاطعة بكمال الدين، ولا يعتبرون بأقوال السلف الناهية عن الإحداث في الدين كقول ابن مسعود رضي الله عنه:

((اقتصادُ في سُنَّةٍ؛ خيرٌ من اجتهادٍ في بدعةٍ)) .

وهو منهج الشيخ عبد الله الغماري ومن جرى مجراه من المبتدعة الذين لا يفرقون بين العادة والعبادة، أو بين المباحات والطاعات، فيقيسون هذه على تلك التي لم يات بها النبي صلى الله عليه وسلم لبيانها وتفصيل القول في جزئياتها؛ بل قال:

((أنتم أعلم بدنياكم)) . رواه مسلم. وقال في العبادات:

((مَنْ أَحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد)) . رواه مسلم

نسأل الله لنا ولهم الهداية.

 

(12/455)

 

 

5702 - (لا تَدْخُلُوا على النِّسَاءِ وإنْ كُنَّ كَنَائنَ. قلنا: يا رسولَ الله! أفرايتَ الحمْوُ؟ قال: حَمْوُهُنَّ الموتُ) .

منكر بهذا اللفظ.

أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (1 / 255 / 736) من طريق النضر بن عبد الجبار: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . فذكره في (مسند أنس) !

ولا أدري كيف وقع ذلك، وإن كان يقع مثله احياناً في ((مسند أحمد)) وغيره!

قلت: وهذا إسناد ضعيف ومتن منكر، وهو من أوهام ابن لهيعة.

فقد خالفه جماعة من الثقات؛ فرووه عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه؛ دون ذكر (الكنائن) .

هكذا أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في ((غاية المرام)) (181) . وكذلك رواه أحمد (4 / 149، 153) ، والطبراني في ((المعجم)) (17 / 277 / 762 - 765) .

وفي رواية له (764) : حدثنا بكر بن سهل: ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده بلفظ:

((لا تتحدثوا عند النساء)) .

وهذا منكر أيضاً؛ مخالف لحديث الثقات، فإن لم يكن من ابن لهيعة؛ فهو من بكر بن سهل؛ فقد ضعفه النسائي.

 

(12/456)

 

 

قلت: ولو صحت زيادة: ((وإن كن كنائن)) ؛ لكان لها وجه في المعنى، وذلك؛ أن (الكنائن) جمع (كَنة) - بفتح الكاف -: وهي امرأة الابن أو الأخ؛ كما في ((القاموس)) وغيره، فلو صحت؛ حُمِلَ على امرأة الاخ؛ ضرورة أن والد الابن محرم بالنسبة لامرأة ابنه، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي مَحْرَمٍ)) .

أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في ((الغاية)) (برقم: 182) ، وانظر: ((فتح الباري)) (9 / 331 - 332) .

(تنبيه) : لقد اختلفوا في المراد بـ (الحمو) في هذا الحديث الصحيح على أقوال ذكرها الحافظ في ((الفتح)) (9 / 331 - 332) ؛ منها: أنه أبو الزوج. وكأن الحافظ مال إليه، ولو صح حديث الترجمة؛ لكان حجة رافعاً للخلاف، وإن مما يبطل حديث الترجمة أمرين:

الاول: أن أحد رواته عن يزيد بن أبي حبيب - وهو الإمام الليث بن سعد - قال - كما في رواية لمسلم -:

(( (الحمو) أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج: ابن العم ونحوه)) .

وذكر نحوه الترمذي (4 / 152 - حمص) ، ونقله عنه الحافظ على الصواب، ثم ذهل فعزا إليه في نفس الصفحة بأن الحمو أبو الزوج! وقال النووي:

((إتفق أهل العلم باللغة على أن (الأحماء) أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوه)) .

والآخر: أن أبا الزوج من المحارم؛ بصريح الآية الكريمة:

 

(12/457)

 

 

(. . وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ. .) ، فيبعد جداً أن يجوز لزوجة الابن أن تبدي زينتها لوالد زوجها، ولا يجوز له أن يدخل عليها كما في حديث الترجمة، فدل ذلك على أنه منكر. والله أعلم.

(تنبيه) : لقد وقع في ((الترغيب)) (3 / 66) من الخطأ مثل ما وقع للحافظ؛ فقد ذكر أن الليث بن سعد فسَّر (الحمو) بأنه أبو الزوج ومن أدلى به كالأخ والعم وابن العم ونحوهم! فهذا خلاف ما سبق في رواية مسلم عنه، فلعل لفظ (أبو) تحريف من الناسخ أو الطابع.

(تنبيه آخر) : علق أخونا حمدي السلفي على حديث الترجمة، فقال: ((رواه أحمد. . والبخاري. . ومسلم. . والترمذي. .)) ! وهذا غير جيد؛ لأنه يوهم أنه عندهم بهذه الزيادة المنكرة! فوجب التنبيه.

5703 - (إذا ظَهَرَ فِيكُمْ ما ظَهَرَ في بني إسْرَائيلَ؛ إذا كانَت الفاحشةُ في كِبَارِكُمْ، والمُلْكُ في صِغَارِكُمْ، والعِلْمُ في رُذَّالِكُمْ. يعني: يُتركُ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر يومئذٍ) .

منكر.

أخرجه ابن ماجه (4015) ، وأحمد (3 / 187) ، وابن عدي في ((الكامل)) (2 / 802) ، وأبو نعيم في ((الحلية)) (5 / 185) ، وابن عبد البر في ((الجامع)) (1 / 157) من طرق عن الهيثم بن حميد: حدثنا أبو مُعَيد حفص ابن غيلان الرعيني عم مكحول عن أنس بن مالك: قال: قيل: يا رسول الله!

متى نتكر الامر بالمعروف النهي عن المنكر؟ قال:. . فذكره. وقال أبو نعيم:

((غريب من حديث مكحول، لم نكتبه إلا من هذا الوجه)) .

 

(12/458)

 

 

قلت: وهو ضعيف، رحاله موثقون؛ إلا أن مكحولاً كان يدلس؛ كما قال العلائي في ((جامع التحصيل)) (ص 352) ، وسبقه إلى ذلك ابن حبان في ((الثقات)) (5 / 447) ، والبزار. انظر ((التهذيب)) .

فعنعنته هي علة هذا الحديث، فمن قوَّاه فكأنه لم ينتبه لها، أو أنه تغاضى عنها؛ الحافظ العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1 / 43) ، وأقره الزبيدي في ((شرح الإحياء)) (1 / 284) ؛ فإنه قال:

((إسناده حسن)) ! وأغرب منه قول البوصيري في ((الزوائد)) (ق 244 / 1) و (4 / 185 - طبع بيروت) :

((إسناده صحيح، رجاله ثقات)) !

(تنبيه) : هذا الحديث صححه الدكتور فؤاد في تعليقه على ((أمثال الماوردي)) (ص 88) تقليداً لـ ((الزوائد)) ! ولكنه أخطأ في مؤلفه، أو ظن أنه ((مجمع الزوائد)) ؛ فقال:

((وقال الهيثمي في ((الزوائد)) : صحيح رجاله ثقات. ((سنن ابن ماجه)) 2 / 1331 برقم 4051)) ! !

يعني بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وذلك إن دل على شيء - كما يقولون اليوم - فهو أن الدكتور حديث عهد بتعلقه بهذا العلم. فهو لا يعلم أن ((الزوائد)) هو غير ((مجمع الزوائد)) ، وأن مؤلف الاول هو البوصيري، فلما رأى الدكتور محقِّق ((سنن ابن ماجه)) قال: ((قال في ((الزوائد)) : صحيح. .)) إلخ؛ توهم أنه يعني ((مجمع الزوائد)) ، فزاد من عنده ((الهيثمي)) ! وأوهم ان المحقق أراد ((المجمع)) ! ! والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

(12/459)

 

 

ثم إن للحديث طريقاً أخرى لا يفرح بها: يرويها خليل بن يزيد الباقلاني قال: حدثنا الزبير بن على الحميدي قال: ذكره هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:

قلت: يا رسول الله! متى لا نأمر بالمعروف. . الحديث.

أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (2 / 91) في ترجمة الزبير هذا، وقال:

((حديثه غير محفوظ)) . وقال عقب حديثه هذا:

((لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به)) . قال الحافظ في ((اللسان)) :

((وقال النّباتي عقب كلام العقيلي:

لعمري إنه لباطل موضوع يشه له القرآن والسنة، وذكره ابن حبان في

(الثقات)) ) .

قلت: نعم؛ ذكره فيهم في ((أتباع التابعين)) (6 / 331) من رواية سلمة بن شبيب عن الخليل بن يزيد عنه. فهو على قاعدته في توثيق المجهولين؛ فإنه لم يذكر له راوياً غير الخليل هذا.

والخليل بن يزيد؛ لم أجد أحداً ذكره إلا ابن حبان؛ فإنه اورده في تبع أتباع التابعين (8 / 231) بروايته هذه عن الزبير بن عيسى ولم يزد؛ سوى أنه كناه بـ (أبو خلاد) . ولم يورده الدولابي في ((الكنى)) ، ولا الذهبي في ((المقتنى)) .

ومن الغريب: أنه لم يذكر في ترجمته من روى عنه على خلاف عادته، وقد ذكر في ترجمة الزبير هذا أنه روى عنه سلمة بن شبيب كما تقدم آنفاً، فليضم ذلك إلى ترجمة الخليل من ((الثقات)) وقد روى عنه محمد بن اسماعيل شيخ العقيلي في الطريق الأخرى، وهو الترمذي أو الصائغ وكلاهما روى عنهما

 

(12/460)

 

 

العقيلي كما في تذكرة الحفاظ وهما ثقتان وهذه فائدة تخرج الخليل من الجهالة العينية إلى الجهالة الحالية.

قلت: وحمم النباتي ـ وهو الحافظ الناقد أحمد بن محمد بن مفرج الإشبيلي ـ على الحديث بالبطلان وإقرار الحافظ إياه ليس ببعيد عن الصواب لما أشار إليه من مخالفته

للقرآن والسنة فمن ذلك قوله تعالى في اليهود (للُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا

لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) .

وأما الأحاديث فكثيرة ومن أشهرها قوله صلى الله عليه وسلم:

" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ".

أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في " تخريج أحاديث مشكلة الفقر " (66) وصحيح أبي داود (1034) .

قلت: فهذا صريح أو كالصريح في إبطال حديث الترجمة فإنه جعل آخر مراتب الإنكار أن ينكر قلبه فترك المؤمن له مما لا يتصور وقوعه كما في حديث ابن مسعود

بنحو هذا قال فيه:

" وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " رواه مسلم (1 / 50 - 51) .

وكذلك يقال في المرتبتين اللتين قبل هذه فإنهما مقيدتان بالاستطاعة فقد يستطيع الإنكار في أسوأ الظروف وقد لا يستطيع فكيف يقال بجواز ترك النهي مطلقا في تلك

الظروف.

 

(12/461)

 

 

5704 - (إذا خرج أحدكم يتغوط أو يبول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح وليتمسح ثلاث مرات. وإذا خرج الرجلان جميعا فليتفرقا ولا يجلس

أحدهما قريبا من صاحبه ولا يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك) .

منكر بهذا التمام. أخرجه الدولابي في الكنى (1 / 26 - 27) من طريق محمد بن يزيد بن سنان قال أنا يزيد عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني خلاد أنه سمع أباه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً محمد بن يزيد بن سنان وأبوه ضعيفان والابن أشد ضعفاً من أبيه.

وقد خولفا فرواه عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال حدثني أبو سعيد الخدري مرفوعا بفقرة الرجلين.

وفي إسناده جهالة واضطراب كما سبق بيانه برقم (5035) .

وما قبل هذه الفقرات ثابت في أحاديث معروفة إلا قوله " ولا يستقبل الريح ".

وروى البخاري في التاريخ الكبير (2 / 2 / 151) من طريق قتادة عن خالد بن السائب الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

" الاستنجاء بثلاثة أحجار ".

قلت: وهذا اسناد صحيح فدل على أن جملة التمسح ثلاثا لها أصل عن

 

(12/462)

 

 

السائب والد خلاد وأن زيادة فقرة الرجلين من زيادات محمد بن يزيد بن سنان المنكرة والله أعلم.

5705 - (كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تتزر بإزار واسع ثم يلتزم صدرها وثدييها) .

منكر. أخرجه النسائي (1 / 189ـ القلم) من طريق أبي بكر بن عياش عن صدقة بن سعيد: حدثنا جميع بن عمير قال:

دخلت على عائشة مع أمي وخالتي فسألتاها: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا حاضت إحداكن؟ قالت:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف وله ثلاث علل:

الأولى: جميع بن عمير ـ وهو التيمي الكوفي ـ مختلف فيه قال الذهبي في الضعفاء: " روى الناس عنه وأحسبه صادقا وقد رماه بعضهم بالكذب فالله أعلم ".

وقال في الكاشفك " واه قال خ: فيه نظر " وقال الحافظ في التقريب: " صدوق يخطئ ويتشيع ".

الثانية: صدقة بن سعيد مختلف فيه أيضا قال البخاري: " عنده عجائب ".

 

(12/463)

 

 

وضعفه ابن وضاح وقال الساجي: " ليس بشيء " وقال أبو حاتم: " شيخ " وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الكاشف: " صدوق " وقال

الحافظ في التقريب: " مقبول ".

قلت: وهذا هو الأقرب أن حديثه مقبول عند المتابعة وضعيف عند التفرد بله المخالفة وحديث الترجمة من هذا القبيل كما يأتي.

الثالثة: الاضطراب في متنه فرواه أبو بكر بن عياش هكذا وخالفه عبد الواحد بن زياد عن صدقة فرواه بلفظ:

". . . ثم التزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها ونحرها ".

أخرجه أحمد (6 / 123) فنسب الالتزام للزوجة وليس للنبي صلى الله عليه وسلم ولعل هذا أصح إن ثبت الحديث لأن عبد الواحد بن زياد أوثق من ابن عياش قال

الحافظ في الأول منهما " ثقة. في حديثه عن الأعمش وحده مقال " واحتج به الشيخان.

وقال في الآخر: " ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح ".

 

(12/464)

 

 

واحتج به البخاري دون مسلم.

والحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وأم ميمونة وأم حبيبة دون جملة الالتزام فهي زيادة منكرة عندي سنداً ومتنا.

أما السند فظاهر مما سبق.

وأما المتن فلمخالفته لأحاديث الثقات عن أمهات المؤمنين فإن أحداً منهم لم يذكرها. والروايات عنهن في " صحيح أبي داود " (259 - 263) .

5706 - (لا يأبى الكرامة إلا حمار) .

ضعيف جداً.

أخرجه الديلمي في مسند الفردوس (3 / 186) من طريق أبي بكر محمد بن معاذ بن فهد الشعراني النهاوندي قال: ذكر محمد بن عبد الله

الأويسي - وسمعته منه مذاكرة - حدثنا أبو بكر المنادي: حدثنا عبد الله بن ادريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رفعه:. . . فذكره.

قلت: هذا إسناد ضعيف جدا آفته النهاوندي هذا فإنه واه شديد الضعف وقد سبق له حديث آخر برقم (5678) وليس هو محمد بن معاذ العنبري كما توهم الشيخ

عبد الله الغماري أو زعمه كما تقدم رده هناك.

ومحمد بن عبد الله الأويسي لم اعرفه وما ذكره السمعاني في الأنساب والحديث سكت عليه السيوطي في الجامع الكبير وكذا السخاوي في المقاصد الحسنة ومن تبعه

كابن الديبع لكن ذكر السخاوي أن الديلمي قال عقب الحديث

 

(12/465)

 

 

" ويقال: إنه من قول علي ".

قلت: وليس هذا في نسختنا المصورة من مسند الديلمي ثم قال السخاوي: " قلت: هو كذلك في سنن سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار

عن محمد بنعلي قال: ألقي لعلي وسادة فقعد عليها. . . وقال ذلك ".

قلت: وهذا اسناد صحيح ومحمد بن علي: هو ابن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية فهذا هو أصل الحديث: موقوف رفعه ذاك النهاوندي الواهي.

ومن هذا التحقيق تعلم أن الزرقاني لم يصنع شيئا حين قال في مختصر المقاصد (204 / 1205) : " ورد موقوفاً على علي ومروفوعا من حديث ابن عمر ".

بل إنه أوهم صحته لتصديره إياه بصيغة الجزم " ورد " وليس بصيغة التمريض: " روي "!

5707 - (لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يترك مجلس قومه عشية الجمعة) .

موضوع.

أخرجه ابن عدي في الكالم (2 / 622) والديلمي في مسند الفردوس (3 / 184) من طريق الحكم بن عبد الله حدثني الزهري

 

(12/466)

 

 

عن سعيد بن المسيب عن عائشة مرفوعا.

ذكره ابن عدي في جملة أحاديث للحكم هذا ـ وهو الأيلي ـ وقال: " كلها موضوعة " وهكذا قال الإمام أحمد: " أحاديثه كلها موضوعة " وقال ابو حاتم

وغيره: " كذاب ".

والحديث أورده السيوطي في رسالته خصائص الجمعة (1 / 222 - المجموعة المنبرية) من رواية الديلمي ساكتا عليه فأساء.

5708 - (لا يفقه العبد كل الفقه حتى يبغض الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فتكون أمقت عنده من الناس أجمعين) .

منكر.

أخرجه الديلمي (3 / 184) من طريق ابن لال: حدثنا علي بن عامر حدثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير حدثنا أبي حدثنا الحكم بن عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن سعيد بن المسيب عن جابر رفعه.

قلت: وهذا منكر علي بن عامر وشيخه عبد الملك بن يحيى لم أعرفهما.

والحكم بن عبدة من رجال ابن ماجة وقد روى عنه جمع ولم يوثقه أحد وقال الأزدي: " ضعيف " وقال الحافظ في التقريب: " مستور ".

 

(12/467)

 

 

وأورده الذهبي في الضعفاء لقول الأزدي المذكور ولا يخفى ما فيه والحديث ذكره السيوطي في الجامع الكبير من رواية ابن لال وسكت عنه كعادته ثم ساقه بنحوه من

رواية الخطيب في المتفق والمفترق عن شداد بن أوس.

5709 - (لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وخلق العرش كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء وخلق الجنة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام وآدم بين الروح والجسد فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنه سيد ولدك فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه) .

منكر. رواه أبو الحسين بن بشران ومن طريقه الشيخ أبو الفرج في " الوفا بفضائل المصطفى ": حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح ثنا محمد بن صالح ثنا محمد بن سنان العوقي ثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة قال:

قلت: يا رسول الله متى كتبت نبيا؟ قال:. . . فذكره.

نقلته من مجموع فتاوى ابن تيمية (2 / 150) وهو في رسالة له في بيان حقيقة مذهب الاتحادية وبطلانه محفوظة في الكواكب الدراري (39 / 103 / 1) لابن عروة الحنبلي ومنه صححت بعض الاخطاء في المجموع ومن كتب الرجال.

 

(12/468)

 

 

وهذا الاسناد رجاله كلهم معروفون ثقات غير محمد بن صالح فلم أعرفه ومن فوقه من رجال التهذيب.

وأما احمد بن اسحاق بن صالح فهو أبو بكر الوزان البغدادي قال ابن ابي حاتم في الجرح والتعديل (1 / 1 / 41) :

" كتبت عنه مع أبي وهو صدوق " وقال الدارقطني:

" لا بأس به ". كما في التاريخ (4 / 28) .

وأما جعفر محمد بن عمرو فهو ابن البختري الرزاز ترجمه الخطيب (3 / 132) وقال:

" وكان ثقة ثبتاً "

فالظاهر أن الآفة من محمد بن صالح الذي لم اعرفه ولم يذكره الخطيب في شيوخ الوزان ولذلك قلت: إن الحديث منكر فلو فرض أنه ثقة فهو شاذ لأنه قد خالفه

جمع من الثقات فرووه مختصراً جداً بلفظ: " كتبت (وفي لفظ: كنت) نبيا وآدم بين الروح والجسد ".

فقال البخاري في التاريخ: قال محمد بن سنان:. . . فذكره.

وقال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا معاذ بن هانيء البهراني قال حدثنا ابراهيم بن طهمان به.

وقد توقع على ذلك ابراهيم بن طهمان من جمع وقد خرجت رواياتهم في الصحيحة (1856) وكلها أجمعت على رواية الحديث بهذا اللفظ المختصر

 

(12/469)

 

 

ولم يذكر أحد منهم هذا اللفظ الطويل المنكر. والله أعلم.

وإن مما يستغرب حقا: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالي بعد أن ذكر الحديث بلفظه المختصر الصحيح المذكور أنفا أتبعه بهذا اللفظ الطويل المنكر، وبحديث أخر عن عمر بلفظ:

((لما أصاب آدم الخطيئة, رفع رأسه فقال: يا رب بحق محمد إلا غفرت لي! فأوحي إليه: وما محمد؟ فقال: يا رب أنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلي عرشك فإذا عليه مكتوب لا إله إلا الله، محمد رسول الله 000)) الحديث وفيه: ((ولولاه ما خلقتك)) . وقال ابن تيمية عقبه:

((فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة)) !

قلت: وحديث عمر هذا موضوع كما قال الذهبي وغيره وقد كنت نقلت ذلك حين خرجته في أول هذه ((السلسلة)) برقم (25) ونقلت هناك قول ابن تيمية أن هذا الحديث مما أنكر علي الحاكم تصحيحه وأن الحاكم نفسه قال في رواية عبد الرحمن بن زيد بن اسلم:

((روي عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفي علي من تأملها من اهل الصنعة أن الحمل فيها عليه))

قلت: فهل نسي شيخ الاسلام هذا ام أنه لم يكن يوم سكت عن هذا الحديث الموضوع وقوي به ما قبله من اهل الصنعة؟

(تنبيه) رجعت من أجل تصحيح بعض الاخطاء المطبعية الي النسخة المطبوعة من كتاب ((الوفا بفضائل المصطفي)) طبع سنة (1386هـ) فتبين أنه

 

(12/470)

 

 

مختصر ((الوفا)) لأنه محذوف الأسانيد وهو مما لم يتنبه له محققه الفاضل مصطفي عبد الواحد. والله اعلم

ثم رأيت الشيخ الغماري عزا في رسالته ((إتحاف الأذكياء)) (ص19) للحافظ أنه قوي إسناده, ولم يذكر الكتاب ولم أعثر عليه في الفتح بعد البحث عنه في مظانه.

5710 - (يا علي أني ارضي لك ما ارضي لنفسي واكره لك ما اكره لنفسي: لا تقرأ القرآن وأنت جنب ولا أنت راكع ولا أنت ساجد ولا تصل وأنت عاقص شعرك ولا تدبح تدبيح الحمار) .

ضعيف جدا بهذا التمام. اخرجه الدارقطني في سننه (1 / 118 - 119) من طريق أبي نعيم النخعي عبد الرحمن بن هانئ: نا أبو مالك النخعي عبد الملك بن حسين: حدثني أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي.

قال أبو مالك: واخبرني عاصم بن كليب الجرمي عن أبي بردة عن أبي موسي.

قال أبو نعيم: واخبرني موسي الأنصاري عن عاصم بن كليب عن أبي بردة عن أبي موسي , كلاهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . فذكره

قلت: وهذه الأسانيد الثلاثة كلها ضعيفة جدا لأن مدارها علي عبد الرحمن النخعي , قال الذهبي في الضعفاء

(ليس بشيء وكذبه يحيي بن معين وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه)

قلت: وقد أشار إلي شدة ضعفه الإمام البخاري بقوله كما في (التهذيب) :

 

(12/471)

 

 

(فيه نظر. وهو في الأصل: صدوق)

قلت: وكأنه يعني: أنه صدوق في نفسه, شديد الضعف في حفظه.

ثم إن في إسناده الأول والثاني شيخه أبا ملك النخعي عبد الملك بن حسين وهو مثله في الضعف أو اشد فقد قال الحافظ في التقريب

((متروك)

مع أنه الآن القول في أبي نعيم الراوي عنه فقال فيه

صدوق له أغلاط أفرط ابن معين فكذبه

وأما شيخه في الإسناد الثالث موسي الأنصاري فالظاهر أنه موسي بن أبي كثير الأنصاري مولاهم أبو الصباح فأنه كوفي مثل أبو نعيم الذي دونه وعاصم الذي هو شيخه وهو صدوق

فالآفة من أبي نعيم لأن من فوقه ثقات

وفي إسناده الأول ثلاث علل علي التسلسل

الأولي أبو مالك النخعي وقد عرفت أنه متروك

الثانية أبو إسحاق السبيعي وهو ثقة ولكنه مدلس مختلط

الثالث الحارث - وهو الأعور - وهو ضعيف وقد كذبه بعضهم

والحديث روي منه البزار (321 - كشف الأستار) الفقرة الأولي

ورواه بتمامه (546) إلا جملة الحمار من طريق عبد الرحمن بن هانئ

 

(12/472)

 

 

النخعي عن أبي مالك بإسناديه

وإنما خرجت الحديث هنا من اجل هذه الفقرة والفقرة الأخيرة وأما ما بينهما فهي صحيحة في أحاديث أخري معروفة

ومن أحاديث هذا الواهي - عبد الرحمن بن هانئ - الحديث التالي:

5711 - (من قتل ضفدعا فعليه شاة محرما كان أو حلالا)

ضعيف جدا

أخرجه بن عدي في الكامل (2 / 1923) : حدثنا ابن دحيم ثنا محمد بن هلي العسقلاني ثنا عبد الرحمن بن هانئ ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا قال سفيان

((يقال أنه ليس شئ أكثر ذكرا لله منه)

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا آفته عبد الرحمن هذا وقد عرفت في الحديث السابق أنه شديد الضعف وفي ترجمته أورده ابن عدي في جملة أحاديث له ثم قال في أخرها

(وله غير ما ذكرت وعامة ما له لا يتابعه الثقات عليه)

وابن حبان مع أنه أورده في الثقات (8 / 377 - 378) فقد استنكر له هذا الحديث فقال

ربما أخطا في القلب منه لروايته عن الثوري فذكره

ومحمد بن علي العسقلاني لم اعرفه وقد خالفه إسحاق بن سيار فقال: ثنا أبو نعيم عبد الرحمن بن هانئ عن أبي مالك النخعي وسفيان الثوري عن أبي

 

(12/473)

 

 

الزبير مختصرا بلفظ

من قتل ضفدعا فعليه جزاؤه

وهذا أشبه بالصواب مع كونه ضعيفا جدا لأن فيه أبا مالك النخعي وهو متروك أيضا كما سبق بيانه في الحديث الذي قبله

وإسحاق بن سيار مجهول كما في الجرح والتعديل

5712 - (وهن شر غالب لمن غلب)

ضعيف

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1 / ق2 / 61) وابن سعد في الطبقات (7 / 53) وعبد الله بن احمد (2 / 201 - 202) وأبي يعلي (12 / 287 - 288) من طريق أبي معشر البراء حدثني صدقة بن طيسلة حدثني معن بن ثعلبة المازني - والحي بعد - قال حدثني الأعشى المازني قال

أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنشدته

يا مالك الناس وديان العرب *** أني لقيت ذربة من الذرب

غدوت أبغيها الطعام في رجب *** فخلفتني بنزاع وهرب

أخلفت العهد ولطت بالذنب *** وهن شر غالب لمن غلب

قال: فجعل يقول (وهن شر. . .) الخ

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 332) (1)

__________

(1) أملى الشيخ رحمه الله - بجانب العزو: وأنظر (8 / 127 / 128) الناشر

 

(12/474)

 

 

رواه عبد الله بن أحمد ورجاله ثقات!

وتبعه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه علي المسند فقال (11 / 113)

وإسناده صحيح وهو من زيات عبد الله بن احمد

قلت: وأري أن ذلك من تساهلهما واعتدادهما بتوثيق ابن حبان ومن المعلوم أن ابن حبان يوثق المجهولين في كثير من الأحيان كما تقدم التنبيه علي ذلك مرارا في هذه السلسلة وغيرها فلابد من النظر فيما يتفرد به من التوثيق فأن صدقة هذا ذكره البخاري في (التاريخ) (2 / 2 / 295) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2 / 1 / 433 - 434) وابن حبان في أتباع التابعين من الثقات (6 / 468) برواية أبي معشر هذا فقط فهو حسب القواعد الحديثية مجهول ولا يخرجه من الجهالة توثيق ابن حبان لما ذكرنا من عادته في توثيق المجهولين فتأمل

ثم ساق عبد الله بن احمد (2 / 202) للحديث إسنادا أخر بنحوه مطولا ولكنه إسناد مظلم وقال فيه الهيثمي:

(فيه جماعة لم اعرفهم)

وقد بسط الكلام عليهم جدا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وغالبه نقله من التعجيل للحافظ ابن حجر وخلاصته أن أربعة منهم علي نسق واحد مجهولون وهم أبو سلمة عبيد بن عبد الرحمن الحنفي حدثني الجنيد بن أمين بن ذروة بن طريف ابن بهصل الحرمازي حدثني أبي أمين بن ذروة عن أبيه ذروة بن نضلة عن أبيه نضلة بن طريف: أن رجلا يقال له الاعشي.... الحديث بطوله.

 

(12/475)

 

 

قلت: والقول بجهالة المذكورين لا مناص من التسليم به لأنه لا يوجد لدي ما ينافيه سوي الأول منهم فبالإضافة إلي أنه ذكره ابن حبان في الثقات وقال:

روي عنه البصريون كما ذكره الشيخ عن الحافظ فقد قال هذا

روي عنه عباس بن عبد العظيم العنبري وعمرو بن علي الفلاس وغيرهما

ورواية عباس هي رواية عبد الله بن احمد هذه عن عبيد بن عبد الرحمن هذا وأما رواية الفلاس فقد عزاها الشيخ لابن سعد (7 / 1 / 36 - 37)

يعني من الطبعة الأوربية وهي في طبعة بيروت (7 / 53) رواها عنه بواسطة احمد بن محمد بن أنس

وقد وجدت له متابعا قويا بل حافظا جليلا وأفادنا فائدة عزيزة جدا

فقال ابن أبي عاصم في كتابه الآحاد والمثاني (2 / 422 / 1215) حدثنا عمرو بن علي نا عبيد بن عبد الرحمن أبو سلمة الحنفي قال وكان ثقة: - ثنا الجنيد بن أمين بن ذروة 000الخ

قلت: فهذه الفائدة تقود إلي التسليم بتوثيق ابن حبان إياه لمتابعة هذا الحافظ الفلاس إياه ورد قول أبي حاتم بجهالته وأن علة الحديث من الثلاثة المذكورين فوقه

(تنبيه) عزا المعلق علي مسند أبي يعلي الحديث من الوجهين للإمام احمد وعزاه غيره من الوجه الأخر إليه! اغترارا منهم بخطأ مطبعي وقع في الطبعة القديمة وهو زيادة (حدثي أبي) بين عبد الله بن احمد وشيخه. روي الوجه الأول عن شيخه محمد بن أبي بكر المقدمي والأخر عن العباس بن عبد العظيم

 

(12/476)

 

 

العنبري وكلاهما من شيوخ عبد الله بل العنبري من شيوخه الإمام احمد كما في تهذيب المزي

ولذلك عزا الهيثمي الوجهين لعبد الله بن احمد وعلي هذا جري الحافظ في التعجيل وغيره ثم الشيخ احمد شاكر فنص علي خطا ما في الطبعة المذكورة وأن الحديث من رواية عبد الله وليس من رواية أبيه

ولم يكتف المومي إليه بخطئه في العزو المذكور بل زاد (ضغثا علي إبالة) فقال

وقد وهم الحافظ إذ نسبه في الإصابة (6 / 9) إلي عبد الله بن احمد في زوائده علي المسند!

وهو الواهم كما عرفت علي أن الحافظ قد عزاه في ترجمة الاعشي المازني لأحمد أيضا فكأنه تنبه فيما بعد لهذا الخطأ فرجع عنه إلي الصواب في الموضع الذي أشار إليه المومي إليه!

ومن غرائبه أنه تعقب توهيمه للحافظ نقل عن شيخه الهيثمي عزوه إياه لعبد الله بن احمد من الوجهين دون أي تعليق

5713 - (لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة)

منكر

أخرجه البزار في مسنده (2 / 31 / 1134 - كشف الأستار) والعقيلي في الضعفاء (4 / 70) والطبراني في الأوسط (1 / 12 / 1 - مجمع البحرين) وابن عدي في الكامل (6 / 2213 - 2214) من طرق عن محمد بن سليمان بن مسمول: ثنا عمر بن محمد بن المكندر عن أبيه عن

 

(12/477)

 

 

جابر مرفوعا وقال البزار:

لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد

قلت وهو ضعيف رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن مسمول هذا قال ابن عدي بعد أن ساق له عدة مناكير هذا منها

وله غير ما ذكرت وعامة ما يرويه لا يتابع عليه في إسناده ومتنه

وقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 267) عن أبيه

ليس بالقوي ضعيف الحديث كان الحميدي يتكلم فيه

وضعفه الجمهور ولم يوثقه غير ابن حبان (7 / 439) وابن شاهين في ثقاته (298 / 1247) وذكره عن ابن معين أنه

ثقة وأشار الحافظ في اللسان إلي شكه في ذلك!

ولا وجه لذلك عندي فأنه قد ذكر عنه يزيد البادي في كتابه من كلام أبي زكريا يحيي بن معين (51 / 87) نحوه فذكر عنه أنه قال:

ليس به بأس فلعل ابن معين لم يقف علي تلك المنكرات التي ذكرها ابن عدي والأخرى التي أشار إليها ولذلك لم يعتمده من جاء بعده من الحفاظ كابي حاتم وغيره وقال الذهبي في ا" لضعفاء ":

"ضعفوه "

وقد خالفه نافع بن محمد فقال: عن عمر بن محمد بن المنكدر عن أبيه

 

(12/478)

 

 

قال: فذكره موقوفا علي المنكدر

أخرجه العقيلي عقب المرفوع وقال:

وهذا أولي

قلت: وفيه - كما تري - نافع بن محمد ولم أجد له ترجمة

والحديث أورده السيوطي في الجامع الكبير من رواية الدارقطني فقط في الأفراد عن جابر

ثم ذكر له شاهدا من رواية الشيرازي في الألقاب وأبي نعيم في الحلية عن ابن عباس

قلت: وهو في الحلية (7 / 139) من طريق علي بن إبراهيم بن الهيثم:

ثنا حماد بن الحسين: ثنا عمر بن بشر المكي: ثنا فضيل بن عياض قال: سمعت عبد الملك بن جرير: حدثني عطاء عن ابن عباس مرفوعا بلفظ:

لا توضع النواصي إلا لله في حج أو عمرة فما سوي ذلك فمثلة وقال أبو نعيم

غريب من حديث الفضيل لم نكتبه إلا من هذا الوجه

قلت: وهو واه جدا آفته ابن الهيثم هذا - وهو أبو الحسن البلدي - قال الذهبي

اتهمه الخطيب

قلت: يشير إلي مارواه الخطيب في تاريخه (11 / 337 - 338) في

 

(12/479)

 

 

ترجمة البلدي هذا بسنده عنه بإسناده عن ابن عمر مرفوعا بحديث

لا تضربوا أولادكم علي بكائهم فبكاء الصبي أربعة اشهر شهادة أن لا اله إلا الله وأربعة اشهر الصلاة علي محمد وأربعة اشهر دعاء لوالديه وقال الخطيب عقبه:

هذا الحديث منكر جدا ورجال إسناده كلهم مشهورون بالثقة سوي أبي الحسن البلدي وقال الحافظ في اللسان عقبه:

قلت: هو موضوع بلا ريب

(تنبيه) كان من البواعث علي تخريج هذا الحديث وتحقيق الكلام عليه:

أنني رأيت الدكتور عبد المعطي قلعجي قد صححه بإيراده إياه في (فهرس الأحاديث الصحيحة00) الذي وضعه في أخر (الضعفاء) للعقيلي واتبعه بفهرس أخر لـ (الأحاديث الضعيفة والمنكرة والتي لا اصل لها) ! وقد أورد في كل منهما ما حقه أن يذكر في الأخر! ! الأمر الذي يدل علي جهل بالغ بهذا العلم وجرأة عجيبة وتهور لا نعرف له مثيلا والأمثلة علي ذلك كثيرة جدا لا مجال الآن للإكثار منها فحسبك هذا الحديث المنكر الذي لم يقل بصحته عالم ولا يساعد عليه إسناده كما رأيت!

وأما الأحاديث الصحيحة التي ضعفها وأوردها في (الضعيفة) فحدث ولا حرج منها

إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر (انظر صحيح الجامع 336 - 337)

وإذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (انظر صحيح الجامع 414)

 

(12/480)

 

 

وفي ظني أنني ذكرت أمثلة أخرى في مكان آخر.

ولقد بلغني عن هذا القلعجي أنه ليس دكتوراً بالمتبادر من هذه اللفظة أو اللقب ـ أي دكتور في الحديث أو على الأقل في الشريعة ـ وإنما هو طبيب فإن صح هذا فهو

تدليس حديث خبيث لا نعرف له مثييلاُ في المهتمين بالتدليس من رواة الحديث أو المؤلفين فيه والله المستعان.

(فائدة) : ظاهر الحديث أنه لا يشرع حلق الرأس إلا في الحج أو العمرة فهو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:

" احلقوه كله أو اتركوه كله ".

وهو حديث صحيح مخرج في " الصحيحة " (1123) .

ولو ثبت أمكن حمله على معنى أنه لا يشرع قصد التقرب إلى الله بحلق الشعر كما كان يفعل بعض مشايخ الطرق حين يدخلون أحداً في الطريق فإنهم يأمرونه بحلق

شعره تذللاً!

5714 - (إن لكل أمة مجوسا ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر فمن مرض منهم فلا تعودوه ومن مات منهم فلا تشهدوه وهم شيعة الدجال حقا على الله عز وجل أن يلحقهم به) .

منكر بهذا التمام.

أخرجه أبو داود (4692) وأحمد (5 / 406 - 407) وابن أبي عاصم في السنة (329 - بتحقيقي) عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد عن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل الأنصاري وضعف عمر مولى غفرة.

 

(12/481)

 

 

ـ وهو ابن عبد الله ـ قال الحافظ: " ضعيف " قلت: ومع ضعفه فقد اضطرب في إسناده فقد رواه هكذا.

ورواه مرة عن عبد الله بن عمر مرفوعا به دون قوله " وهم شيعة الدجال. . . ".

ومرة أخرى أدخل بينه وبين ابن عمر نافعاً ولم يذكر الزيادة أيضاً.

وتابعه على الوجه الأخير زكريا بن منظور فقال: حدثنا أبو حازم عن نافع به دون الزيادة.

فالحديث حسن دونها ومن أجلها أوردته هنا وإلا فهو مخرج في الظلال (329 - 338)

5715 - (لولا أنها تعطى المهاجرين ما أخذتها) .

ضعيف.

أخرجه النسائي (5 / 34 / 2466) من طريق ابراهيم بن ميسرة عن عثمان بن عبد الله بن الأسود عن عبد الله بن هلال الثقفي قال:

جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كدت أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقة فقال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف وله علتان:

الأولى: الاختلاف في صحبة الثقفي هذا فأثبتها بعضهم كابن حبان في الثقات (3 / 240) ونفاها جمع قال ابن عبد البر في ترجمته من الاستيعاب:

 

(12/482)

 

 

" يعد في المكيين حديثه عندهم مرسل لم يذكر فيه سماع ولا رؤية ".

والأخرى: عثمان بن عبد الله بن الأسود - وهو الطائفي - قال الذهبي في الميزان:

" ما روى عنه سوى ابراهيم بن ميسرة ".

قلت: يشير إلى أنه مجهول ونحوه قول الحافظ في التقريب:

" مقبول من الخامسة " فلم يوثقه مع أنه قال في التهذيب:

" ذكره ابن حبان في الثقات ".

وذلك لما عرف من تساهل ابن حبان في توثيق المجهولين كهذا.

ولقد تنبهت وأنا أكتب هذا البحث لنكتتين هامتين جداً:

الأولى: أن الحافظ عدة من التابعين بقوله آنفاً: " من الخامسة ".

ولا مستند له في ذلك - فيما أعلم - إلا كونه روى عن عبد الله بن هلال الثقفي ولا يستقيم ذلك في نقدي إلا إذا وجد أمران اثنان:

أولهما: ثبوت صحبة الثقفي هذا. ولا سبيل إلى ذلك لأنه لم يذكر فيه سماعاً ولا رؤية.

وثانيهما أن يذكر عثمان هذا سماعه من الثقفي وهذا ما لم يفعل كما ترى. نقول هذا على افتراض ثبوت الصحبة وهيهات!

 

(12/483)

 

 

والنكتة الأخرى: أنني رأيت ابن حبان قد أورد عثمان هذا في ثقات أتباع التابعين (7 / 197) قائلاً: " يروي عن عبد الله بن هلال روى عنه إبراهيم بن ميسرة ".

فإن كان ابن الأسود من أتباع التابعين وابن هلال صحابيا فيكون الإسناد منقطعا بينهما وبمثله لا تثبت الصحبة ولو صرح بما يدل عليها. أو يكون المؤلف أخطأ في جزمه بصحبته ويكون تابعيا وهذا هو الأقرب كما يستفاد من كلام ابن عبد البر المتقدم.

وبالجملة فهذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لإرساله وجهالته والله سبحانه وتعالى أعلم.

5716 - (تعبد قبل أن يموت بشهرين واعتزل النساء حتى صار كالحلس (1) البالي)

منكر. أخرجه الخطيب في تاريخه (12 / 140) من طريق العباس بن إسماعيل بن حماد البغدادي حدثنا محمد بن الحجاج مولى بني هاشم حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سفينة عن أبيه عن سفينة قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم مجهول:

ما بين عبد الرحمن والعباس البغدادي لم أجد لهما ترجمة.

وأما عبد الرحمن فذكره ابن أبي حاتم (2 / 2 / 240) برواية جعفر والد

__________

(1) الحلس: ما يبسط في البيت من حصير ونحوه تحت كريم المتاع.

 

(12/484)

 

 

عبد الحميد فقط ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولم يورده ابن حبان في ثقاته.

وأما العباس بن إسماعيل ففي ترجمته أورد الخطيب هذا الحديث ولم يزد وذكره الحافظ في اللسان وقال:

" قال ابن حبان في الثقات يعتبر به حدثنا عنه ابن قتيبة ".

قلت: أورده في الطبقة الرابعة (8 / 514) وهي الخاصة بـ (تبع أتباع التابعين) وليس في النسخة المطبوعة منه قوله " يعتبر به " فالظاهر أنها سقطت من الناسخ أو الطابع.

ثم رأيت الحديث في كشف الأستار (3 / 122 / 2384) قال: حدثنا محمد بن سفيان بن محمد المسعري ثنا محمد بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الرحمن بن سفينة به بلفظ:

". . . كالشن البالي ".

فقد توبع العباس بن إسماعيل من المسعري هذا ولكني لم أجد له ترجمة وقال الهيثمي في المجمع (2 / 270 - 271) :

" رواه البزار من رواية محمد بن عبد الرحمن بن سفينة عن أبيه عن جده ولم أجد من ذكرهما وفيه محمد بن الحجاج قال يحيى بن معين ليس بثقة ".

قلت: في الرواة (محمد بن الحجاج) جمع وفيهم اثنان قال ابن معين في كل منهما: " ليس بثقة ".

 

(12/485)

 

 

أحدهما: محمد بن الحجاج اللخمي الواسطي صاحب حديث الهريسة الكذاب وتقدم برقم (690) .

والآخر: محمد بن الحجاج المصغر فلا أدري أيهما يعنيه الهيثمي ولا عرفت أنا من هو من ذلك الجمع وبخاصة انه ليس فيهم أحد نسب غلى بني هاشم ولاء كما وقع في رواية الخطيب والله أعلم.

5717 - (من شهد له خزيمة أو شهد عليه فهو حسبه) .

منكر.

أخرجه البخاري في التاريخ (1 / 1 / 86 - 87) والطبراني في المعجم الكبير (4 / 101 3730) والحاكم (2 / 18) وعنه البيهقي (10 / 144) والخطيب في الموضع (1 / 186 / 2) وابن عساكر في تاريخ دمشق (5 / 305 / 1) من طريق زيد بن الحباب حدثني محمد بن زرارة بن عبد الله بن خزيمة بن ثابت حدثني عمارة بن خزيمة عن أبيه خزيمة بن ثابت رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاع من سواء بن الحارث المحاربي فرسا فجحد فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ ".

قال: صدقت يا رسول الله ولكن صدقتك بما قلت وعرفت أنك لا تقول إلا حقا. فقال:. . . فذكره.

سكت عنه الحاكم والذهبي وقال الهيثمي (10 / 320) : " رواه الطبراني ورجاله كلهم ثقات ".

 

(12/486)

 

 

كذا قال وتبعه المناوي في الجامع الأزهر وقلده الغماري فأورده في كنزه (3762) !

ومحمد بن زرارة لم يوثقه غير ابن حبان (7 / 414) ولم يذكر له هو والبخاري وابن أبي حاتم راويا غير زيد بن حباب فهو في عداد المجهولين فالإسناد ضعيف.

وله علة أخرى: وهي المخالفة في إسناده ومتنه فقد رواه الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع الحديث بأتم منه دون حديث الترجمة وجعله من مسند عمه وليس من مسند أبهي وزاد:

" فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين ".

أخرجه أبو داود (3607) والنسائي (7 / 301 - 302) والحاكم (2 / 17 - 18) وعنه البيهقي أيضا وأحمد (5 / 215) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".

قلت: ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

(تنبيه) : لقد وقفت على أوهام لبعضهم حول هذا الحديث فرأيت التنبيه عليها:

أولا: عزاه الحافظ لأبي داود من طريق الزهري عن عمارة أن عمه حدثه. . . بحديث الترجمة!

فأخطأ مرتين: عزوه لأبي داو وللزهري وإنما روياه بالقصة والزيادة دون حديث

 

(12/487)

 

 

الترجمة كما سبق وزاد عليه صاحبنا السلفي فعزاه في تعليقه على الطبراني للنسائي أيضا!

ثانيا: عزاه السيوطي في الجامع الكبير لأبي يعلى والطبراني والبارودي والحاكم والبيهقي وابن عساكر والضياء عن خزيمة بن ثابت عن أبيه فزاد: (عن أبيه) ! وخو خطأ ولعله من الناسخ.

ثالثا: عزاه الغماري لابن خزيمة أيضا وهو خطأ مخالف لما ذكرته آنفا عن الجامع الكبير ولما في الجامع الأزهر!

رابعا: لم يرد الحديث في فهرس الحاكم وفهرس البيهقي كلاهما للدكتور المرعشلي مع وروده في كتابيهما كما رأيت والله الموفق.

5718 - (درج الجنة على قدر آي القرآن لكل آية درجة فتلك ستة آلاف ومئتا آية وست عشرة آية بين كل درجتين مقدار ما بين السماء والأرض فينتهي به إلى أعلى عليين لها سبعون ألف ركن وهي ياقوتة تضيء مسيرة أيام وليال) (*) .

موضوع. أخرجه الديلمي في مسند الفردوس (ص145 ـ المجلد الثاني)

من طريق ابن شاهين: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الأنصاري: نا أبو إسماعيل الهمذاني حدثنا الفيض بن وثيق ثنا فرات بن سلمان عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد واه ومتن موضوع جزم الشيخ علي القاري في المرقاة

__________

(*) في الأصل: " وليالي ". (الناشر)

 

(12/488)

 

 

(2 / 589) بأن " في سنده كذاب ".

وكأنه يشير إلى الفيض هذا فقد قال فيه ابن معين: " كذاب خبيث ".

ومن أجل هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين لكنه مشى حاله في الميزان. ووثقه ابن حبان. فانظر تعليقنا على ترجمته في " تيسير انتفاع الخلان بكتاب ثقات ابن حبان) وهو تحت التأليف نرجو الله تعالى أن ييسر لنا إتمامه بمنه وكرمه.

لكن أبو إسماعيل الهمذاني لم أعرفه ولم يورده الدولابي في الكنى ولا السمعاني في مادة الهمذاني بالمعجمة ولا في الهمداني بالمهملة ولا الذهبي في المقتنى فيمكن أن يكون هو الآفة.

5719 - (إذا بلغ البنيان سلعا فاخرج منها) .

ضعيف.

رواه الحاكم (3 / 344) وعنه البيهقي في دلائل النبوة (3 / 186 / 2) عن أبي عامر ـ وهو صالح بن رستم الخزازـ عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر:

والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره فلما بلغ البنيان سلعا وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام وذكر باقي الحديث بطوله في خروجه إلى الربذة وموته بها. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي!

 

(12/489)

 

 

وقد وهما، فإن عبد الله بن الصامت، وصالح بستم إنما أخرج لهما البخاري تعليقاً.

ثم إن صالحاً فيه ضعف من قبل حفظه، وقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن أبي شيبة وغيرهم، وهو في ذات نفسه ثقة، وفي التقريب: (صدوق كثير الخطأ) .

وأم ذر لم تثبت صحبتها، كما بينته في التعليق على ترجمتها من (تيسير الانتفاع) .

5720 - (يؤتى بالرجل من أمتي يوم القيامة، وماله من حسنة تُرجى له الجنة، فيقول الرب تعالى: أدخلوه الجنة؛ فإنه كان يرحم عياله) .

ضعيف جداً.

أخرجه الإسماعيلي في (المعجم) (ق106 / 2) قال: حدثني عبد الرحمن بن قريش الهروي أبو نعيم حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مرفوعاً به.

وأخرجه ابن جُمَيع في (معجم الشيوخ) (313) ، والخطيب في (التاريخ) (2 / 330) من طريق أبي نعيم هذا.

قلت: وهذا إسناد واه بمرة؛ عبد الرحمن هذا؛ ترجمه الخطيب (10 / 282) برواية جمع من الثقات عنه، وقال:

(وفي حديثه غرائب وأفراد، ولم اسمع فيه إلا خيراً) . لكن قال الذهبي في

 

(12/490)

 

 

(الميزان) : (اتهمه السليماني بوضع الحديث) .

قلت: ولعل الآفة ممن فوقه كهذا الحديث؛ فإن شيخه محمد بن عبيد الله البغدادي لا يدرى من هو! أورده الخطيب في تاريخه بهذا الحديث ولم يزد.

وموسى بن عثمان العثماني - كذا وقع في الإسماعيلي و (التاريخ) ، وفي (معجم الشيوخ) : (موسى بن محمد العثماني) فالله أعلم - فإني لم أر له ترجمة.

والحديث؛ ذكره السيوطي في (الجامع الكبير) برواية ابن لال، والخطيب وابن عساكر عن ابن مسعود.

5721 - (من أكل مما تحت مائدته؛ أمن من الفقر)

منكر.

أخرجه أبو نعيم في (أخبار أصبهان) (2 / 355) من طريق أحمد بن مويس - إمام مسجد بيت المقدس من ولد شداد بن أوس -: سمعت هدبة يقول:

حضرت غداء أمير المؤمنين المأمون، فلما رفع المائدة؛ جعلت ألتقط ما في الأرض، فنظر إليّ المأمون فقال: أيها الشيخ! أما شبعت؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين! إنما شبعت في فنائك وكنفك، ولكني حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. . . فذكره. فأشار إلى خادم له، فجاء، وناولني بدرة فيها ألف دينار، فقلت: يا أمير المؤمنين! وهذا من ذلك.

 

(12/491)

 

 

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أحمد بن مويس المقدسي، لم أجد له ترجمة، فهو الآفة.

والحديث أورده السيوطي في الجامع الكبير من رواية الخطيب في المؤتلف عن هدبة به، وقال: (على شرط مسلم، والمتن منكر، فينظر فيمن دون هدبة) .

قلت: قد عرفت من دونه! .

ثم ذكره من حديث الحجاج بن علاط السلمي وابن عباس وأبي هريرة بنحوه، وسكت عنها إلا الأخير منها، كما يأتي بيانه في الحديث الذي يليه.

ثم رأيته قد أوردها كلها مع غيرها مما في معناه في (ذ يل الأحاديث الموضوعة) (ص138 - 139 - هندية) ، وكأنه تجرأ على ذلك، - مع أنه لا يوجد في بعضها متهم - لما فيها منن النكارة الظاهرة، وسلفه في ذلك الحافظ العراقي، فإنه لما أخرجه من حديث الحجاج بن علاط وحديث جابر قال في تخريج الإحياء (2 / 6) : (وكلاهما منكر جداً) .

وتبعه السخاوي في المقاصد فقال - وقد خرجه عنهما وعن ابن عباس وأنس وأبي هريرة -: (وكلها مناكير) .

5722 - (من أكل ما يسقط من المائدة، عاش في سعة، وعوفي من الحمق في ولده، وفي جاره، وجار جاره، ودويرات جاره) .

 

(12/492)

 

 

موضوع. أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) (14 / 390 / 2) من طريق إٍسحاق بن نجيج عن عطاء بن ميسرة عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع، آفته: إسحاق هذا، قال ابن حبان (1 / 134) : (دجال من الدجاجلة، كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحاً) .

قلت: وسبقت له أحاديث تدل على حاله.

والحديث هكذا رأيته في التاريخ لابن عساكر وقد عزاه إليه في الجامع الكبير بلفظ: (. . . في ولده وولد ولده) .

فالله أعلم هل هو عنده بهذا اللفظ رواية أخرى، أم هو من اختلاق نسخ التاريخ؟ .

ثم رأيته قد أورده في (الذيل) (138) ، وزاد على ما في الجامع: (وفي جاره. . .) إلخ الزيادة التي في أعلاه.

ثم قال السيوطي: (وفيه إسحاق بن نجيح، كذاب) .

ولقد أحسن بالكشف عن آفته، خلافاً لعادته، وبخاصة في كبيره هذا، فكم من حديث فيه مثل هذا الكذاب سكت عنه في صغيره فضلاً عن هذا!

ومن ذلك: أنه ساق الحديث فيه بلفظ ابن عساكر عنده، وقال: (رواه الباوردي عن الحجاج بن علاط السلمي) .

 

(12/493)

 

 

وسكت عنه! وفيه مروان بن سالم - وهو الغفاري -؛ قال الحافظ: (متروك، رماه الساجي وغيره بالوضع) .

أخرجه الرافقي في جزئه (ق31 / 2 - مجموع الظاهرية 107) من طريقه عن إسماعيل بن أمية عن بعض ولد الحجاج بن علاط عن الحجاج بن علاط به. وساقه بلفظ: (. . نفى عنه الفقر، ونفى عن ولده الحمق) ، وقال: (رواه الحسن بن معروف في فضائل بني هاشم، والخطيب وابن النجار عن ابن عباس) .

قلت: قال ابن معروف هذا في الفضائل (1 / 1662 / 1) : حدثنا إبراهيم حدثني أبي، قال: حدثتني زينب بنت سليمان الهاشمية قالت: حدثني أبي عن جدي عن عبد الله بن عباس به.

ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب في التاريخ (4 / 91) ، وابن النجار في الذيل (10 / 129 / 2) ، وابن عساكر في التاريخ أيضاً (19 / 214 / 2) .

ومن طريق الخطيب: رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2 / 178 - 179) ، وقال: (لا يصح، قال الخطيب: عبد الصمد ح قد ضعفوه) .

قلت: عبد الصمد هذا هو ابن موسى بن محمد الهاشمي؛ ترجمه الخطيب (11 / 41) برواية ابنه إبراهيم فقط، ـ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولا أدري أين ضعفه الخطيب، ولم يذكره الذهبي في الميزان ولا الحافظ في اللسان؛

 

(12/494)

 

 

وإنما ذكره العقيلي في الضعفاء لحديث آخر سبق برقم (2898) .

وزينب بنت سليمان ترجمها الخطيب (14 / 434 - 435) ، وقال: (كانت من أفاضل النساء) ، ومَنْ فوقها؛ من رجال التهذيب.

وقد توبع عبد الصمد متابعة لا تسمن ولا تغني من جوع، من محمد بن الوليد بن أبان قال: حدثتني زينب بنت سليمان به.

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (رقم 533) .

وابن أبان هذا؛ هو القلانسي البغدادي؛ قال ابن عدي في الكامل (6 / 2287) : (يضع الحديث ويوصله، ويسرق، ويقلب الأسانيد والمتون) .

وساق له أحاديث كثيرة صرح ابن عدي أنه سرق بعضها، فالظاهر أن هذا الحديث سرقه من عبد الصمد، والله أعلم. .

وللحديث طريق آخر يرويه عمرو بن بحر الجاحظ: نا أبو يوسف القاضي قال: تغديت عند هارون الرشيد فسقطت من يدي لقمة فانتثر ما كان عليها من الطعام، فقال: يا يعقوب! خذ لقمتك، فإن المهدي حدثني عن أبيه المنصور عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن عبيد الله عن أبيه ابن عباس مرفوعاً بلفظ: (من أكل ما سقط من الخوان فرزق أولاداً كانوا صباحاً) .

 

(12/495)

 

 

أخرجه الخطيب (12 / 213 - 214) ، وابن عساكر، (13 / 202 / 2) وكذا الشيرازي في الألقاب كما في الجامع الكبير.

قلت: وهذا إسناد تالف؛ آفته: الجاحظ، وهو الكاتب الشهير صاحب التصانيف؛ لكنه غير موثوق به في الرواية، قال ثعلب: (ليس بثقة ولا مأمون) ، وضعفه غيره فانظر (لسان الميزان) .

لكنه لم يتفرد به فقد أورده السيوطي في ذيل الأحاديث الموضوعة (139) من رواية الديلمي بإسناده عن بشر بن الوليد: حدثنا يوسف بن أبي يوسف القاضي: حدثنا المأمون عن الرشيد عن المهدي به بلفظ: (. . صباح الوجوه، ونفي عنه الفقر) ، وقال السيوطي: (يوسف بن أبي يوسف قال في المغني: مجهول) .

كذا قال، ولم أره في المغني ولا في غيره من كتب الجرح المعروفة، وإنما أورده الخطيب في التاريخ (14 / 296 - 297) ، وقال: (كان قد نظر في الرأي، وفقه وسمع الحديث من يونس بن أبي إسحاق السبيعي والسري بن يحيى ونحوهما، ولي القضاء. .) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وهو ابن أبي يوسف القاضي يعقوب المذكور في إسناد ابن عساكر، وهو الفقيه المشهور صاحب أبي حنيفة، وهو مختلف فيه، فوثقه بعضهم، وضعفه آخرون كما تراه مشروحاً في اللسان والمغني.

 

(12/496)

 

 

قلت: ويحتمل عندي أن يكون أبو يوسف هذا هو في إسناد الديلمي أيضاً؛ لأن الراوي عنه بشر بن الوليد تلميذه ويروي عنه، ويظهر أن قوله فيه (يوسف ابن أبي يوسف. .) خطأ من بعض النساخ أو الرواة، وأن الصواب: (أبو يوسف القاضي) والله أعلم.

ومن فوقه ودون محمد بن علي غير معروف حالهم في الرواية.

هذا وقد روي حديث أبي هريرة بلفظ غريب، وهو

5723 - (من أكل وتحتم دخل الجنة) .

موضوع.

لم أقف على إسناده الآن، فقد أورده الديلمي أبو شجاع في الفردوس (رقم 5841) من حديث أبي هريرة دون إسناد كعادته، والمفروض أن ابنه أبا منصور قد اسنده في كتابه الذي أٍسند فيه أحاديث أبيه (مسند الفردوس) وليس عندي مع الأسف القسم الذي فيه الأحاديث المبتدأة ب (من) وغالب الظن أنه لا يصح، وقد أورده الخطابي في غريب الحديث (3 / 198) ، وقال: (سمعت أبا عمرو يرويه عن بشر بن موسى بإسناد له لا أحفظه) .

قلت: ليته حفظه لنتبين علته، ومن الغريب: أن لا يورده السيوطي في الجامع الكبير ولا في ذيل الأحاديث الموضوعة الذي زاد فيه على ما في الجامع وأحدهما مما عزاه للديلمي بإسناده.

تنبيه: قوله: (وتحتم) بالحاء المهملة، قال ابن الأثير: (التحتم: أكل الحتامة، وهي فتات الخبز الساقط على الخوان) .

 

(12/497)

 

 

وقد تحرف - بل تصحف - هذا الحرف على طابع الفردوس فوقع فيه بالخاء المعجمة (تختم) فاختلف المعنى فأتى بنكارة أخرى.

وقد روي الحديث بلفظ أنكر مما سبق، وهو التالي:

5724 - (من أكل لقمة - أو قال - كسرة يعني: وجدها في مجرى الغائط أو البول فأماط الأذى عنها، وغسلها غسلاً ناعماً ثم أكلها - لم تستقر في بطنه حتى يغفر له) .

موضوع.

أخرجه الخطيب في الموضح (2 / 24 مخطوط) عن وهب بن عبد الرحمن القرشي عن جعفر عن أبيه عن الحسن عن فاطمة مرفوعاً، وقال: (وهب هذا: هو ابن وهب، أبو البختري القاضي) .

قلت: وهو كذاب وضاع خبيث، مشهور عند العلماء بذلك، وهذا مما وضعه بقلة حياء.

ويغني عن هذا الحديث ونحوه مما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما بها من الأذى وليأكلها، ولايدعها للشيطان. .) الحديث.

رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في الإرواء (1970) .

 

(12/498)

 

 

5725 - (لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام إبل وردت لخمس) .

ضعيف. أخرجه ابن حبان (7195 - الإحسان) ، والطبراني في المعجم

 

(12/498)

 

 

الكبير (18 / 253 / 632) من طريقين له عن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق: ثنا عمرو بن الحارث: ثنا عبد الله بن سالم عن الزبيدي: ثنا لقمان بن عامر عن سويد بن جبلة عن عرباض بن سارية مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير ابن زبريق هذا، فإنه مختلف فيه، وإليك ما قيل فيه:

قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 209) عن أبيه:

سمعت يحيى بن معين - وأثنى على إسحاق بن الزبريق خيراً - وقال: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سئل أبي عنه؟ فقال: شيخ) .

هذا قول أبي حاتم هنه في رواية ابنه عنه، ونقل في التهذيب عنه أنه قال: (لا بأس به، ولكنهم يحسدونه) وهذا كما تقدم كلام ابن معين فالله أعلم.

وتمام ما في التهذيب: (وقال النسائي: ليس بثقة، وقال محمد بن عوف: ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب، وذكره ابن حبان) .

قلت: وابن عوف أعرف به؛ لأنه ابن بلده (حمص) ، لكن لعله كان كير الخطأ حتى يتوهم أنه يكذب، ولذلك قال الحافظ: (صدوق يهم كثيراً) فلم يتبين توثيق ابن حبان وغيره، ولا تكذيب ابن عوف له، فمثله لا تطمئن

 

(12/499)

 

 

النفس للاحتجاج به، ولذلك كنت ضعفت إسناد الحديث لما خرجته في الصحيحة برقم (2145) إلاأنني استدركت هنا فقلت:

لكن قال الهيثمي (10 / 365) : (رواه الطبراني بإسنادين وأحدهما أحسن) .

ولم يكن يومئذ قد طبع معجم الطبراني الكبير؛ لنتحقق من الإسنادين اللذين أشار إليهما، وغلب على الظن أن الإسناد الذي أشار إلى ضعفه هو هذا الذي فيه ابن زبريق، وأنه يتقوى بالآخر الذي حسنه، فأوردته في الصحيحة، فلما قدم للطبع لفت نظري أحد المصححين - جزاه الله خيراً - إلى أنه ليس للطبراني فيه إسنادان فلما رجعت إليه وجدت الأمر كما قال، وأنه ليس له فيه إلا الطريقان المشار إليهما مطلع هذا التخريج، وهما شيخان للطبراني تابعهما شيخ آخر عند ابن حبان ثلاثتهم عن إسحاق بن زبريق هذا، فإطلاق القول بأن له إسنادين أحدهما حسن - ومدارهما على هذا الضعيف -، مما لا يخفى ما فيه! وما ظن أن ذلك صدر منه إلا توهماً، وقد وقع مثله في حديث آخر نبهت عليه في الصحيحة (2088) .

ومن الغريب: أن صاحبنا حمدي السلفي أقر الهيثمي على قوله في الحديثين! ! ، وتبناه المناوي في هذا الحديث فقال في فيض القدير - وقد عزا متنه للطبراني -: (رمز المصنف لحسنه، قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما أحسن) ! .

واختصره في التيسير كما هي عادته، فقال:

 

(12/500)

 

 

" الطبراني بإسنادين أحدهما حسن "! !

وكذلك قال في " الجامع الأزهر " (2 / 99 / 1) !

فإن قيل لعل الهيثمي يعني بقوله السابق: " بإسنادين "؛ أي: الطريقين إلى ابن زبريق، وأن ابن زبريق عنده حسن الحديث.

فأقول هذا بعيد من وجوه:

الأول: أننا ذكرنا أنه عند الطبراني عن شيخين له عن ابن زبريق. وليس من عادته حين يتكلم على أسانيد الطبراني بتوثيق رجاله أو تصحيح وتحسين إسناده أنه يعني بذلك شيوخ الطبراني أيضا؛ بدليل أنه يقول أحيانا: " رجاله رجال (الصحيح) "، وشيوخ الطبراني ليسوا من رجال " الصحيح "؛ لأنهم دونهم في الطبقة، وقد نبهت على ذلك في غير موضع، وانظر على سبيل المثال: " الصحيحة " الحديث (2164) .

الثاني: أن الشيخين المشار إليهما؛ أحدهما: عمرو بن إسحاق هذا. والآخر: عبد الرحمن بن معاوية العتبي. وهذا مجهول العدالة؛ كما يفيده كلام السمعاني، والأول؛ لم أجد له ترجمة، وقد يكون في " تاريخ دمشق " لابن عساكر؛ فليراجع.

والمقصود أنه ليس فيهما ذو ثقة حتى يصح قول الهيثمي المتقدم على افتراض أن اين زبيق حسن الحديث، وهذا مردود بالوجه الآتي:

الثالث: أننا لم نجد الهيثمي قد حسن حديثا من الأحاديث التي ذكر أن فيها ابن زبريق هذا؛ وإنما هو يذكر الخلاف فيه؛ كمثل قوله في حديث شداد بن أوس

سلسلة الأحاديث الضعيفة - للألباني

 

(12/501)

 

 

في الإسراء والمعراج (1 / 73 - 74) :

" وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء؛ وثقه يحي بن معين، وضعفه النسائي ".

وجملة القول: أن الحديث ضعيف؛ لأن مدار طرقه على ابن زبيق هذا، وإني أستغفر الله تعالى من تقويتي إياه سابقاَ، ولو أن ذلك كان تبعاَ لغيري، فالحمد لله الذي وفقني للرجوع عن خطئي الذي ترتب عليه خطأخ آخر بذكره في " صحيح الجامع الصغير " (5068) ، فمن كان عنده نسخة منه؛ فليضرب، ولينقله إلى الكتاب الآخر إن كان لديه: " ضعيف الجامع ". والله ولي التوفيق.

5726 - (لَوْ تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ؛ مَا قَعَدَتْ ما حَضَرَ غَداؤه وعَشَاؤُه حتى يَفْرُغَ) .

ضعيف. أخرجه البزار (ص 154 - زوائده) : حدثنا حمدان بن علي: ثنا عبد الرحمن: ثنا فضيل: ثنا موسى بن عقبة عن عبيد بن سلمان عن أبيه عن معاذ بن جبل مرفوعاً. وقال الهيثمي في الزوائد ":

" عبيد؛ لا أعرفه، وأبوه؛ لا أعرف له من معاذ سماعاً ".

وكذا قال في " المجمع " (4 / 309) ، وقلده المناوي، ثم الأعظمي في " كشف الأستار " (2 / 180 / 1471) ، وتعقبه الحافظ، فقال عقب كلام " الزوائد ":

 

(12/502)

 

 

" قلت بل عبيد معروف، والإسناد حسن ".

قلت: وهو كما قال، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين، " غير عبيد بن سلمان - وهو الأغر -؛ قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 407) عن أبيه: " لا أعلم في حديثه إنكاراً، يحول من كتاب الضعفاء " الذي ألَّفَهُ البخاري إلى الثقات ".

وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 156) ، وقال في التقريب ":

" صدوق ".

وفضيل؛ هو ابن عياض.

وعبد الرحمن؛ هو ابن مهدي.

وحمدان؛ الظاهر أنه محمد بن علي بن عبد الله بن مهران، أبو جعفر الوراق؛ قال الخطيب (3 / 61) :

" يعرف ب (حمدان) ، وكان فاضلاً حافظاً عارفاً ثقة، من نبلاء أصحاب أحمد، قال الدارقطني: ثقة. مات سنة 171 ".

قلت: ولعله قد توبع عند الطبراني؛ فقد عزاه إليه الهيثمي.

هذا ما كنت كتبته في " الصحيحة " قبل سنين، وفي هذه السنة يسر الله لنا طبع المجلد الخامس منه بعد صبر طويل وإلحاح شديد من أهل العلم وطلابه، ولما قُدِّمت إليَّ التجربة الأولى منه لتصحيحها؛ وقفت عند هذه الجملة الأخيرة وما فيها من الرجاء والترقب؛ فإن " المعجم الكبير " للطبراني لم يكن مطبوعاً يومئذٍ.

 

(12/503)

 

 

والمجلد الذي فيه أحاديث معاذ لا يوجد في مخطوطات المكتبة الظاهرية التي استفتدت منها ما لم يستفده أحد غيري في الحصر الحاضر فيما أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ثم يسر الله للأخ الفاضل حمدي السلفي أن قام بطبعه جزاه الله خيراً، وبذلك قدم لعلماء السنة وطلاب علم الحديث كنزاً ثميناً طالما كانت نفوس المحبين للحديث النبوي متشوقة للوقوف علهي والاستفادة منه، ولعلي أنا من أكثر المستفيدين منه إن لم أكن أكثرهم على الإطلاق، وهذا هو المثال بين يديك أيها القارئ الكريم؛ فإني ما كدت أقف عند الجملة المشار إليها آنفا حتى سارعت بالرجوع لمراجعة الحديث في (مسند معاذ) من " المعجم الكبير "، لأجد فيه ما كنت رجوته:

فقد قال الطبراني (20 / 160 / 333) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي: ثنا فضيل بن سليمان النميري: ثنا موسى بن عقبة. . . بالإسيناد المتقدم عن البزار.

فهذا إسناد صحيح إلى الفضيل، ومتابعة قوية لحمدان وعبد الرحمن من عبد الله بن أحمج ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وهما ثقتان مشهوران.

بيد أن الفائدة التي جنيعها من مراجعة " المعجم " أعظم بكثير من فائدة تحقق ما ترقبته من المتابعة، ألا وهي أنني اكتشفت بذلك خطأً وقعت فيه، لعله جرني إليه خطأ وقع فيه الحافظ من قبلي، وهو تحسينه إسناد البزار كما رأيت!

ذلك؛ أنني لما تكلمت على رجال إسناد البزار؛ قلت في فضيل - الراوي عن موسى بن عقبة -: إنه فضيل بن عياض. وما ذاك إلا لأن الراوي عنه عبد الرحمن.

 

(12/504)

 

 

وقلت فيه: إن ابن مهدي؛ لأنهم ذكروا أنه يروي عن ابن عياض، ولم يذكروا ذلك في ترجمة فضيل بن سليمان. وكنت على علم بأن هذا روى عن موسى بن عقبة، وأنه من المحتمل أن يكون هو صاحب هذا الحديث؛ ولكني وجدت نفسي لا تميل إلى تبني هذا الاحتمال؛ لأنه يتنافي مع تتحسين الحافظ لإسناده، فإنه ضعيف عنده؛ كما يدل على ذلك قوله في " التقريب ":

" صدوق، له خطأ كثير ".

وفي ظني أنه لولا هيبة " الصحيح " لربما قال الحافظ فيه أكثر مما قال! فمثل هذا يكون عند الحافظ من المرتبة الخامسة، التي يكون حديث أصحابها ضعيفاً يمكن الاستشهاد به كما هو معروف عند أهل العلم، فلما رأيته حسَّن إسناد حديث فضيل مِلْتُ إلى تبني أنه فضيل بن عياض.

والآن وقد حصحص الحق، وتبين أنه ليس به، وأنه فضيل بن سليمان النميري؛ لم يبق هناك وجه للقول بتحسين إسناده؛ فإن النميري بكاد أقوال الأئمة تتفق على تضعيفه، وهاكها كما جاءت في " تهذيب التهذيب ":

" قال ابن معين: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ليِّن الحديث، روى عنه ابن المديني وكان من المتشددين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه؛ ليس بالقوي. وقال أبو داود: كان عبد الرحمن لا يحدث عنه. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال صالح جزرة: منكر الحديث، روى عن موسى بن عقبة مناكير. وقال ابن معين في رواية: ليس هو بشئ، ولا يكتب أحاديثه. وقال الساجي: كان صدوقاً، وعنده مناكير. وقال ابن قانع: ضعيف ".

قلت: فأنت ترى أنهم أجمعوا على تضعيفه، على اختلاف عباراتهم

 

(12/505)

 

 

وألفاظهم، ولم يوثقه أحد منهم غير ابن حبان، ولا يخفى على أهل العلم أنه لا قيمة لتوثيقه إذا تفرد؛ فكيف إذا خالف؟ !

فإن قيل: فقد أخرج له الشيخان.

فنقول: نعم، وقد خالفهما الأئمة المذكورون، فلعل إخراجهما اختياراً منهما لبعض أحاديثه أو استئهادا ومتابعة، وقد صرح الحافظ بشيء من هذا في خصوص البخاري؛ فقال في " مقدمة فتح الباري " (ص 435) :

" ليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها. . . ". ثم ذكرها.

وبناء على ما تقدم أخرجتُ الحديثَ من " الصحيحة " إلى " الضعيفة "؛ لأنني لم أجد ما يشهد له. والله أعلم.

5727 - (لا تُسَافِرُ امرأَةٌ بريداً إلا ومَعَهَا مَحْرَمٌ يَحْرُمُ عليها) .

شاذ بلفظ (البريد) .

رواه أبو داود (1 / 273) ، وابن خزيمة (254 / 1) ، والحاكم (1 / 442) ، وابن عساكر (16 / 74 / 1) عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وقال ابن خزيمة:

" الميل اثنا عشر ميلا بالهاشمي ".

ثم تبينت أن الحديث بلفظ " بريداً " شاذ، والمحفوظ بلفظ:

". . . يوم وليلة. . . "؛ كما هو مبين في " ضعيف أبي داود " (304) ، " وصحيح أبي داود " (1516 - 1518) .

 

(12/506)

 

 

والخطأ من سهيل بن أبي صالح؛ لأنه كان تغير حفظه بأخَرَة، ولذلك؛ روى له البخاري مقروناًَ بغيره وتعليقاً؛ فقد خالفه الإمام الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد بلفظ:

". . . يوم وليلة. . . ".

وهذا هو المحفوظ، وما قبله شاذ، وقد أشار الحافظ إلى ذلك في " فتح الباري " (2 / 566 - 567 - 569 - الطبعة السلفية) ، وذكر عن ابن عبد البر: أن سهيلاً اضطرل في إسناده ومتنه. فراجعه إن شئت المزيد.

5728 - (إِنَّ الله عز وجل يُحِبُّ الصَّمْتَ عندَ ثلاثٍ: عندَ تِلاوةِ القُرآنِ، وعندَ الزَّحفِ، وعندَ الجنازة) .

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 242 / 5130) من طريق معتمر بن سليمان: ثنا ثابت بن زيد عن رجل عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ظاهر الضعف، وله علتان:

الأولى: جهالة الرجل الذي لم يسم، وبه - فقط - أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 29) ! فقصّر.

والأخرى: ضعف ثابت بن زيد - وهو ابن ثابت بن زيد بن أرقم -؛ وأورده العقيلي في " الضعفاء " (1 / 174) ، وروي بسنده الصحيح عن الإمام أحمد أنه قال:

 

(12/507)

 

 

" حدثنا عنه معتمر، له أحاديث مناكير. قيل له: تحدث عنه؟ قال نعم. قيل: أهو ضعيف؟ قال أنا أحدِّث عنه ". وقال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 206 - 207) :

" يروي المناكير عن المشاهير، حدث عنه ابن أبي عروبة والمعتمر بن سليمان، كان الغالب على حديثه الوهم، لا يحتج به إذا انفرد ".

وأورده الذهبي في " ضعفائه " لقول أحمد المتقدم فيه:

" له مناكير ". ونقل المناوي في " فيض القدير " عن ابن الجوزي أنه قال: " قال أحمد: ليس بصحيح ". وأما ما نقله عن ابن حجر أنه قال:

" في سنده راوٍ لم يسم، وآخر مجهول " واعتمده في التيسير " فليس بدقيق؛ لأنه ليس فيه من يحتمل أن يكون مجهولا غير ثابت بن زيد، وقد علمت أنه معروف بالضعف.

(تنبيه) : من أعجب ما رأيت من الأخطاء والأوهام في تخريج الأحاديث النبوية، ومن دائرة رسمية مسؤولة: ما جاء في تخريج هذا الحديث في رسالة المفتي العام في الأردن المسماة: " فتوى شرعية في أحكام القبور والجنائز "، قال (ص 10) :

" رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عقبة "!

وهذا محض اختلاق، لا أدري كيف وقع له، ولعله من بعض الموظفين عنده،

وإن كان ذلك لا يعني رفع مسؤوليته عنه!

وهذه الرسالة تقع في خمس صفحات صغيرة، وهي في الجملة مفيدة؛ إلا

 

(12/508)

 

 

فيما تفرد به المؤلف كقوله في الكتابة على القبر:

" ونرى أنه لا مانع من كتابة اسم الميت وتاريخ وفاته على حجر يثبت فوق القبر ".

وهذه جرأة عجيبة، وتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يعلم أنه عليه السلام قد نهى أن يكتب على القبر، وقد ذكره المؤلف نفسه من قبل، ثم أقدم على مخالفته بمجرد الرأي تسليكا لواقع الناس! والله المستعان.

وقد يدعي مُدَّعٍ أن ذلك لضرورة معرفة القبر حين تكثر القبور. فنقول: نعم؛ ولكن ألا يكفي في ذلك كتابة الاسم فقط لأن الضرورة تقدر بقدرها، وإذا كان الأمر كذلك فما بال كتابة تاريخ وفاة الميت؟ !

وراجع لهذه المسألة كتابي " أحكام الجنائز وبدعها " (ص 206) .

ثم إن مما يلفت النظر في الرسالة المذكورة: أن مادتها - على صغر حجمها منقولة من بعض الكتب المطبوعة، مصرح بأسمائها في التعليق عليها، اللهم إلا واحداً منها لم يشر إليه مطلقاً، ألا وهو كتابي " أحكام الجنائز "، والسبب مما لا يخفى على كل قارئ لبيب! فقد جاء في أول صفحة منها، وأول تعليق عليها - ما نصه - تخريجا لحديث جابر في اللحد، ورفع القبر نحواً من شبر:

" (1) رواه ابن حبان (وقع في التعليق: ابن جابر!) في صحيحه (2160) والبيهقي (3 / 410) وإسناده حسن. نيل الأوطار: الشوكاني 4 / 125، 126 ".

وهذا العزو لـ " نيل الأوطار " باطل من وجهين:

الأول: أن التخريج المذكور لا وجود له في الموضعين المشار إليهما من " النيل "،

 

(12/509)

 

 

وغاية ما فيه قوله في تخريج أحاديث اللحد:

((وعن جابر عند ابن حبان شاهد بنحو حديث سعد بن أبي وقاص))

قلت: وحديث سعد ليس فيه رفع القبر نحوا من شبر!

والآخر: أن التخريج المذكور بأرقامه يستحيل صدوره من الإمام الشوكاني؛

لعدم وجود المطابع في زمانه كما هو ظاهر بداهة. فلمن هذا التخريج؟ !

هو لكاتب هذه السطور في كتابه السابق الذكر ((أحكام الجنائز)) , نقله المؤلف منه (ص 150) بالحرف الواحد ثم لم يعزه إليه , وإنما إلى الشوكاني ولو اطلع الشوكاني أو غيره من الفضلاء الأتقياء عليه؛ لبالغ في الإنكار على فاعله - وما إخاله المفتي! - ولنصحه بنصيحة شعيب عليه السلام لقومه: " أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ "

5729 - (خير هذه الأمة فقراؤها, وأسرعها تضجعا في الجنة ضعفاؤها)

ضعيف:

أخرجه الدولابي في ((الكنى)) (2 / 138) من طريق أبي يعفور عن زياد أبي النضر الجعفي عن أبيه أو جده أو عمه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ زياد هذا أورده البخاري في ((التاريخ)) وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) بهذه الرواية عنه ولم يذكرا فيه جرحًا

 

(12/510)

 

 

ولا تعديلًا , فهو مجهول. وأما ابن حبان؛ فذكره على قاعدته في ((ثقات التابعين)) (4 / 253) !

(تنبيه) الحديث أوده التاج السبكي في فصل خاص عقده في ترجمة الإمام الغزالي في ((طبقات الشافعية الكبرى)) (4 / 145 - 182) ، قال تحته: (( ((جمعت فيه جميع ما وقع في ((كتاب الإحياء)) من الأحاديث التي لم أجد لها إسنادًا)) .

وهذا الحديث فيه (ص 174) تحت (كتاب الفقر والزهد) . وتبعه على ذلك الحافظ العراقي؛ فقال في كتابه ((المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار)) (4 / 194) :

((لم أجد له أصلا)) !

وكأنه لذلك لم يورده السيوطي في ((الجامع الكبير)) فضلا عن غيره، ولا استدركه المناوي في ((الجامع الأزهر)) عليه. وهذا يؤكد قول المثل السائر: (كم ترك الأول للآخر) ويبطل قول بعض المقلدة ((علم الحديث نضج واحترق)) !

5730 - (بطحان على ترعة من ترع الجنة) .

ضعيف.

وقد كنت حسنته في ((الصحيحة)) (769) ، ثم تبين لي علة تقدح في ثبوته وهاك البيان:

قلت هناك:

((رواه ابن حيويه في ((حديثه)) (3 / 8 / 1) ، والديلمي (2 / 1 / 16)

 

(12/511)

 

 

عن يعقوب بن كاسب: نا المغيرة بن عبد الرحمن: ثنا الجعد بن عبد الرحمن عن الأخنف بن قيس عن عروة عن عائشة مرفوعًا.

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير يعقوب - وهو ابن حميد بن كاسب -؛ فإنما أخرج له البخاري في ((خلق أفعال العباد)) ، وهو صدوق ربما وهم؛ كما في ((التقريب)) .

وفي المغيرة بن عبد الرحمن - هو ابن الحارث بن عبد الله بن عباس - كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن.

والحديث؛ أورده السيوطي في ((الجامع)) بلفظ:

((بطحان على بركة من برك الجنة))

برواية البزار عن عائشة. وقال المناوي:

((قال الهيثمي: فيه راو لم يسم)) .

قلت: روايتنا هذه سالمة منه. والحمد لله على توفيقه)) .

أقول: هذا ما كنت قلت هناك، ثم تبين لي ما يأتي:

أن الأحنف الذي في هذا الإسناد ليس هو ابن قيس كما وقع في رواية ابن كاسب هذه؛ بل وهم من أوهامه التي تبينت لي بفضل الله تعالى وتوفيقه؛ وذلك من وجوه:

الأول: أنه خالفه في نسبته إلى (قيس) جمع من الثقات؛ فقال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1 / 2 / 51) في ترجمة (الأحنف من آل أبي المعلى)

 

(12/512)

 

 

- وساق له هذا الحديث عن عروة -:

((قاله لي أحمد بن أبي بكر عن مغيرة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أو الجعيد: أخبرني رجل من آل أبي المعلى عن عروة. . قال المكي حدثنا الجعيد عن رجل أحنف من آل أبي المعلى عن عروة. .)) إلخ.

وقال البزار في ((مسنده)) (1200 - كشف الأستار) حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن رجل - أحسبه من آل المعلى عن عروة به.

وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4 / 14) :

((رواه البزار، وفيه راو لم يسم)) .

قلت: ويبدو لي أنه وقع سقط في ((الكشف)) من إسناده بين محمد بن إسحاق - وهو الصاغاني شيخ البزار -، وبين الجعيد؛ فإنه لم يدركه؛ فإن بين وفاتيهما أكثر من أربعين ومئة سنة؛ كما يتبين من ترجمتيهما.

قلت: فقد كشفت لنا هذه الروايات -وبخاصة روايتي البخاري الصحيحتين عن الجعيد - أن الأحنف هذا إنما هو أحنف آل أبي المعلى، وليس هو الأحنف بن قيس كما وهم ابن كاسب، ووهمنا نحن بوهمه فحسَّنَا الحديث فيما سبق!

ويؤيد وهمه:

الوجه الثاني: أن الأحنف بن قيس مخضرم؛ قديم الوفاة (سنة 67) يروي عن كبار الصحابة: عمر وعثمان وعلي وغيرهم، ولم يذكروا له رواية عن عروة بن الزبير؛ بل ولا عن أحد من التابعين.

 

(12/513)

 

 

ويزيده تأييدا:

الوجه الثالث: أن الجعيد - ويقال: الجعد بن عبد الرحمن لم يذكره أيضا في الرواة عن الأحنف بن قيس ولا هو بإمكانه أن يدركه؛ بله أن يروي عنه لأن الظاهر أنه ولد بعد وفاة الأحنف بسنين؛ لأنه مات سنة (144) فبين وفاته ووفاة الأحنف (77) سنة

والوجه الرابع: أن الحافظ المزي ذكر في ((تهذيبيه)) أن الجعيد هذا روى عن الأحنف: رجل من آل أبي المعلى، وليس عن الأحنف بن قيس.

وهو الذي ذكره ابن أبي حاتم (1 / 1 / 323) ؛ قال:

((الأحنف: من آل أبي المعلى. روى عن عروة، روى عنه الجعيد بن عبد الرحمن)) .

وكذا في ((أتباع التابعين)) من ((ثقات ابن حبان)) (6 / 75) ؛ إلا أنه قال: ((. . . مولى آل أبي المعلى. . .)) ؛ لكن وقع فيه:

((. . . روى الجعيد بن عبد الرحمن عن رجل عنه)) .

فأدخل الرجل بين الجعيد والأحنف. فلا أدري أهو خطأ من الناسخ أو الطابع أم هكذا وقعت الرواية له! فإن كان هكذا فالعجب منه كيف يذكره في ((الثقات)) برواية رجل لم يسم عنه؟ ! ولكن لا عجب، فهذا من منهجه في ((ثقاته)) ، ألا وهو توثيقه للمجهولين الذين لم يرو عنهم إلا واحد، حتى ولو كان الراوي عنه ضعيفا لا يوثق به، أو مجهولا لا يدرى من هو! ! وسوف أتولى شرح هذا وبيانه بالأمثلة الكثيرة إن شاء الله في مشروعي الجديد الذي بدأت فيه منذ سنتين أو

 

(12/514)

 

 

أكثر، من مساعدة أحد الإخوان المصريين جزاه الله خيرا وقد سميته ((تيسير انتفاع الخلان بكتاب (ثقات ابن حبان)) ) يسر الله تعالى لي إتمامه بفضله ومنه.

وخلاصة هذا البحث والتحقيق: أن هذا الحديث ضعيف الإسناد وعلته الأحنف المولى؛ فإنه مجهول العين لم يرو عنه غير الجعيد بن عبد الرحمن ولا يعرف إلا من طريقه، ومن كان كذلك كان مجهولا مردود الرواية؛ كما هو مقرر في ((علم المصطلح)) ، حتى لو كان معروف الاسم والنسب، فذلك مما لا يخرجه عن الجهالة في الرواية.

ويغلب على ظني أن هذا مجهول الاسم أيضا، ولذلك؛ لم يسم في رواية البزار ورواية البخاري الأولى، وأما قوله في الرواية الأخرى:

((عن رجل أحنف. . .))

فهو صريح في أن ((أحنف)) ليس اسما له، وإنما هي صفة له، وإسناده بذلك صحيح؛ لأنه من روايته عن المكي عن الجعيد عنه؛ كما تقدم.

والمكي: هو ابن إبراهيم البلخي الحافظ، من شيوخ البخاري المتفق على توثيقهم، وهذه فائدة تفرد بها البخاري دون غيره ممن ترجم للأحنف هذا.

فوائد:

الأولى: (بُطحان) بالضم والسكون عند المحدِّثين: وادٍ في المدينة، وهو أحد أوديتها الثلاثة، وهي العقيق، وبطحان، قناة؛ كما في ((معجم البلدان)) .

الثانية: (ترعة) ؛ في ((النهاية)) :

((الترعة في الأصل: الروضة على المكان المرتفع خاصة، فإذا كانت في

 

(12/515)

 

 

المطمئن فهي روضة)) .

الثالث: (الأحنف) من (الحَنَف) وهو إقبال القدم بأصابعها على القدم الأخرى كما في ((النهاية)) .

5731 - (من كان عليه تحرير رقبة من ولد إسماعيل؛ فليعتق نسمة من بلعنبر)

ضعيف بهذا اللفظ.

أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (5 / 308 / 5298) ، وابن عدي في ((الكامل)) (4 / 42 الثالثة) وكذا البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2 / 1 / 447) من طريق موسى بن إسماعيل: ثنا شعيث بن عبيد الله بن زُبَيب بن ثعلبة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ شعيث هذا؛ ليس له راوٍ غير موسى هذا، وهو التبوذكي، وغير ابنه عمار، قال الذهبي في ((الميزان)) :

((أعرابي، يكتب حديثه، ما كان حجة. وقد روى عن النضر بن محمد وأبو سلمة التبوذكي، وذكره ابن عدي، فساق له حدثين منكرين)) . قوله:

((النضر بن محمد)) .

أخشى أن يكون سبق قلم منه؛ فإني لم أرَ من ذكره راويًا عن شعيث؛ وإنما روى عنه مع التبوذكي ابنه عمار بن شعيث، كما في ((التهذيب)) وفروعه، ومنها ((الكاشف)) للذهبي.

 

(12/516)

 

 

وعمار؛ لم يوثقه أحد؛ بخلاف أبيه شعيث؛ فقد وثقه ابن حبان (6 / 453) على قاعدته في توثيق المجهولين، ولذلك؛ لم يعتد بتوثيقه الذهبي كما رأيت، وأشار إلى ذلك في ((الكاشف)) بقوله:

((وُثق)) . وكذلك الحافظ في ((التقريب)) :

((مقبول)) ؛ أي: عند المتابعة، وإلا؛ فليِّن الحديث كما هنا.

وقد وقع لابن حبان وهم في هذه الترجمة نبهت عليه في كتابي ((تيسير انتفاع الخلان)) .

وعبيد الله بن زبيب؛ كذا وقع عند الطبراني في هذا الحديث، وكذلك وقع في حديث آخر لشعيث عند أبي داود (3612) ، ووقع عند البخاري وابن عدي في هذا الحديث (عبد الله) مكبرا، وكذا في ترجمته من ((تاريخ البخاري)) و ((الجرح والتعديل)) و ((ثقات ابن حبان)) (5 / 20) ، ولم يذكروا له راويا غير ابنه شعيث، فهو مجهول العين. ولم يذكر الهيثمي عنه شيئا ولا عن ابنه؛ بل أوهم أنه ثقة؛ فقال في ((مجمع الزوائد)) (10 / 47) :

((رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن زبيب (!) وبقية رجاله ثقات)) !

وبعد كتابة ما سبق بدا لي أن للحديث أصلا عن النبي* ولكن مختصرا:

فقد روي عبيد ابن الحسن عن ابن معقل عن عائشة رضي الله عنها:

أنه كان عليها رقبة من ولد إسماعيل، فجاء سبي من اليمن من خولان، فأرادت أن تعتق منهم، فنهاها النبي، ثم جاء سبي من مضر من بني العنبر، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتق منهم.

 

(12/517)

 

 

أخرجه أحمد في ((المسند)) ، (6 / 263) ، والبزار (3 / 313 / 2827 - كشف الأستار) ؛ كلاهما من طريق أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير: ثنا مسعر عن عبيد بن الحسن. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10 / 46) :

((رواه أحمد والبزار بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح)) .

كذا قال! وفيه نظر من وجهين:

الأول: أنه لا داعي للتفريق بين إسناد أحمد والبزار؛ فإن إسنادهما واحد، مداره علي أبي أحمد الزبيري كما رأيت.

والآخر: أن البزار أعله بالإرسال؛ فقال عقبه:

((رواه شعبة عن عبيد بن حسن عن ابن معقل قال: كان علي عائشة محرر من ولد إسماعيل، فقدم سبي من بلعنبر، فقال النبي *:

((إن سرك أن تفي بنذرك؛ فأعتقي من هؤلاء)) .

ولم يقل عن عائشة)) .

قلت: هكذا علقه البزار، ووصله الحاكم (2 / 216) من طريق وهب بن جرير: أنبأنا شعبة به.

ذكره متابعا لرواية مسعر المتقدمة؛ ولكنها عنده من طريق يزيد بن هارون: أنبأ مسعر به مثل رواية شعبة، ولم يقل: عن عائشة. ومع ذلك قال الحاكم:

((صحيح الإسناد)) ! ووافقه الذهبي!

ثم إن قول الهيثمي المتقدم:

 

(12/518)

 

 

((ورجاله رجال الصحيح)) .

كأنه بناه علي أن ابن معقل هذا هو عبد الله بن معقل بن مقرن المزني؛ فإنه تابعي من رجال الشيخين، ويساعده علي ذلك أنه وقع مسمي في رواية شعبة عند الحاكم ب (عبد الله بن معقل) . ويخدج عليه أن الراوي عبيد بن الحسن لم يذكروه في الرواه عن عبد الله بن معقل، وإنما في الرواة عن عبد الرحمن بن معقل بن مقرن المزني، والظاهر أنه أخوه، وإن لم يصرحوا به، وهو ثقة من رجال أبي داود.

وعلي كل حال؛ فسواء كان هذا أو ذاك فالإسناد صحيح؛ ولكنه مرسل علي الراجح.

إلا أنه قد جاء موصولا من حديث ابن مسعود وابن عمر: عند البزار (2825، 2826) ، وأبي هريرة: عند الحاكم (4 / 84) وقال:

((صحيح علي شرط مسلم)) . وبيض له الذهبي.

وفيه أحمد بن نجدة القرشي؛ ولم أعرفه.

فبها يتقوى حديث عائشة المرسل. والله أعلم. ثم رأيت ابن نجدة قد وثقه الذهبي في ((السير)) (13 / 571) . ثم خرجته في ((الصحيحة)) (3114) .

وحديث ابن مسعود: يرويه علي بن عابس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود قال: كان علي عائشة محرر من ولد إسماعيل، فقدم سبي بلعنبر، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتق منهم، وقال:

((من كان عليه محرر من ولد إسماعيل؛ فلا يعتق من حمير أحدا)) .

 

(12/519)

 

 

أخرجه البزار (3 / 312 / 2825) ، والطبراني في «الكبير» (10 / 228 / 10400) ، وابن أبي حاتم في «العلل» (2 / 422) وقال:

«قال أبي: هذا خطأ؛ ليس فيه ابن مسعود، إنما هو مرسل» .

قلت: وعلي بن عابس؛ ضعيف، وسائر رجاله ثقات، وليس عند البزار قوله:

«من كان عليه. . .» . وعلقه ابن عدي في «الكامل» (5 / 189) في

ترجمة علي بن عابس بلفظ:

«من كان عليه محرر؛ فليعتق من بَلْعنبر» . وروى عن ابن معين أنه قال:

«علي بن عابس؛ ليس بشيئ» . وعن السعدي:

«ضعيف الحديث واه» . وعن النسائي:

«ضعيف» . وختم هو ترجمته بقوله:

«وهو مع ضعفه يكتب حديثه» .

5732 - (مَنْ جَاءني زائراً لا يُعمِلُهُ حَاجَة إلا زيارتي؛ كان حقاً عليَّ أَنْ أكون له شفيعاً يوم القيامة) .

ضعيف جداً.

أخرجه الطراني في «المعجم الكبير» (12 / 291 / 13149) و «الأوسط» (1 / 277 / 2 / 4683 - بترقيمي) ، والخلعي في

«الفوائد» (ق / 111 / 1) ، وابن النجار في «تاريخ المدينة» (387) من

طريق مسلمة بن سالم الجهني: حدثني عبيد الله بن عمر (وقال بعضهم: عبد الله

ابن عمر) عن نافع عن سالم عن ابن عمر مرفوعاً. وقال الطبراني:

 

(12/520)

 

 

«لم يروه عن عبيد الله إلا مسلمة» .

قلت: ويقال فيه: (مسلم) ، وهو ضعيف جداً؛ قال أبو داود:

«ليس بثقة» .

ذكره في «التهذيب» ، ومن قبله الذهبي في «الميزان» ، ثم ساق له هذا

الحديث من طريق الخلعي بسنده عن الدراقطني، وذكر أن الدراقطني أخرجه في

«سننه» ! وما أظنه إلا وهماً؛ فإنه ليس فيه، ولا جاء له ذكر في فهارسه التي

وضعها الدكتور المرعشلي.

والحديث؛ قد بسط الكلام عليه ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» وبيّن

ضعفه؛ بل بطلانه، فمن شاء الاطلاع عليه رجع إليه.

(تنبيه) : ذكرنا أن بعض الرواة جعلوا الحديث من رواية عبد الله بن عمر؛

المكبَّر، وهو الذي جزم به الضياء في «الأحكام» وقبله البيهقي؛ كما ذكر الحافظ

في «التلخيض» (2 / 267) ، فإذا صحَّ ذلك فهو علة أخرى في الحديث.

ويمكن استخراج علة ثالثة له، وهي الاضطراب في متنه:

فقد روي عنه بلفظ الترجمة المذكور أعلاه.

وروي عنه بلفظ:

«من زار قبري؛ وجبت له شفاعتي» .

وهو مخرج في «الإرواء» (1128) .

وروي من حديث أنس نحو حديث الترجمة، وقد مضى برقم (5732) .

 

(12/521)

 

 

ومن طريق أخرى واهية عن ابن عمر رضي الله عنه بلفظ:

«من حج، فزار قبري بعد موتي؛ كان كمن زراني في حياتي» .

ومضى أيضا في أول الكتاب برقم (47) ، وذكرت هناك كلام شيخ الإسلام

ابن تيمية في أحاديث الزيارة، وأنها كلها ضعيفة، فراجعه.

ووجه الاضطراب في المتن هو أن حديث الترجمة وما في معناه ـ كحديث

أنس المشار إليه آنفاَ ـ ظاهر أن المقصود به زيارته عليه الصلاة والسلام في حياته،

فلو أنه صح؛ لم يصلح شاهداَلأحاديث زيارة قبره ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما هو ظاهر لا يخفى على أحد.

وإذا تبين ضعف الحديث، وانكشفت علته؛ فلا ينبغي لطالب العلم أن يغتر بما

نقله السندي في «حاشيته على ابن ماجه» (2 / 268 ـ التازية) عن الدميري:

أن الحديث صححه عبد الحق وأبو علي بن السكن، وقوله:

«وقولهما أولى من قول من طعن في ذلك» !

لأنه مجرد دعوى لا دليل عليها، بل البحث العلمي يرفضه رفضاَ باتاَ؛ كما

يدلك عليه هذا التخريج والتحقيق.

ومن المؤسف أن كلام السندي هذا نقله الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في

تعليقه على «ابن ماجه» (2 / 1039) مسلماَ به، الأمر الذي يدل القارئ أنه لم

يكن على معرفة بهذا العلم الشريف، ثم تورط به أخونا الأستاذ زهير الشاويش

فنقله حرفياَ في تعليقه على «صحيح ابن ماجه» (2 / 197) ، حيث اعتمد فيه

أكثر تعليقات الأستاذ، ومنها هذا التعليق المخالف للمنهج العلمي الذي لا يخالفنا

 

(12/522)

 

 

فيه إن شاء الله، ومقتضى حسن الظن به أنه طبع دون علمه، وأن ذلك كان من

بعض الموظفين لديه، وكل الأمر إليه، وهو ـ فيما يبدو ـ ليس على المنهج

العلمي، وهناك تعليقات من هذا النوع أو قريب منه في الخطأ وقعت في التعليقات

على «صحيح ابن ماجه» كما وقعت أخطاء أخرى في صلب «الصحيح» أثناء

اختصار أسانيده، بعضها فاحش جداَ، لا أدري من هو المختصر، ولا من هو المسؤول عنها، فإن عملي الذي كُلِّفت به من طرف مكتب التربية العربي لدول الخليج، إنما هو وضع مرتبة كل حديث بجانبه، مع ذكر أسماء الكتب التي شرحتُ المرتبة فيها، ما بينت ذلك في مقدمتي لـ «صحيح ابن ماجه» .

5733 - (جَزاءُ غَزْوًةِ المرأةِ: طاعةُ الزوْجِ، واعترافٌ بِحَقِّهِ) .

منكر. أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (4 / 1 / 162 / 725) : قال علي: نا هشام بن يوسف: حدثني القاسم بن فياض من جندة عن خلاد بن عن الرحمن بن جندة عن سعيد بن المسيب سمع ابن عباس:

قالت امرأة: يا رسول الله! ما جزاء غزوة المرأة؟ قال: «طاعة الزوج. . .» إلخ.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير القاسم بن فياض؛ فهو مجهول؛ كما قال الحافظ في «التقريب» ، وفي ترجمته أورده البخاري ساكتاً عنه.

وهو من الأدلة الكثيرة على أن من سكت عنه البخاري فليس ذلك منه توثيقاً له عند أهل العلم؛ خلافاً لمن لا علم عنده بهذا الفن من المعاصرين، وبخاصة إذا ضعفه غيره؛ كهذا؛ فقد أورده ابن حبان في كتابه «الضعفاء» وقال (2 / 213) :

 

(12/523)

 

 

«كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بخبره» . ثم روي عن ابن معين أنه قال فيه:

«ليس بشيء» .

ثم تناقض ابن حبان فيه، فأورده في «الثقات» أيضاً (7 / 334) ! ومن الظاهر أن ذلك كان منه قبل أن يسبر حديثه ويعرفه بناء على قاعدته في التوثيق

المجهولين، وقد قال ابن المديني في حديث آخر له:

«إسناده مجهول، ولم يرو عنه غير هشام» .

انظر «المشكاة» (3578 ـ التحقيق الثاني) .

وضعفه ابن معين في رواية ابن أبي حاتم عنه، وقال النسائي:

«ليس بالقوي» ، واستنكر الحديث المشار إليه. وشذَّ أبو داود فقال فيه:

«ثقة» !

والحديث أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10 / 355 / 10702)

من طريق أخرى عن علي بن المديني به. وقال الهيثمي (4 / 315) :

«وفيه القاسم بن فياض، وهو ضعيف وقد وثق، وفيه من لم أعرفهم» !

كذا قال! وغير القاسم كلهم ثقات حفاظ.

وقد روي الحديث مطولاً نحوه من طريق أخرى عن ابن عباس وغيره، وسيأتي (6245) .

 

(12/524)

 

 

5734 - (كان إذا سُقِي قال: ابدَأُوا بالكَبِيرِ، أو قال: بالأَكَابِرِ) .

شاذ. أخرجه أبو يعلى (122 / 1 - المصورة الثانية) : ثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم: ثنا عبد الله بن المبارك: ثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال:. . . فذكره.

وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (3939 ـ بترقيمي) : حدثنا علي بن أحمد بن النضر الأزدي قال: نا محمد بن سهم الأنطاكي به، ثم أشار إلى تفرد الأنطاكي به.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير محمد بن عبد الرحمن ـ وهو ابن حكيم بن سهم الأنطاكي ـ؛ فإنه من رجال مسلم؛ قال الحافظ في

«التقريب» :

«ثقة يغرب» . وقال في «الفتح» (10 / 71) :

«أخرجه أبو يعلى بسند قوي» . وقال شيخه الهيثمي في «المجمع» (5 / 81) :

«رواه أبو يعلى والطبراني في «الأوسط» ، ورجال أبي يعلى رجال (الصحيح) » . وقال العراقي في «طرح التثريب» (6 / 25) :

«رواه أبو يعلى في «مسنده» من حديث ابن عباس بإسناد صحيح» .

قلت: ولابن عباس حديث آخر يخالف ظاهره حديثه هذا، وهو من رواية علي ابن زيد عن عمر ـ وهو ابن أبي حرملة ـ عن ابن عباس قال:

دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا على يمينه، وخالد على شماله، فقال لي:

 

(12/525)

 

 

«الشربة لك. فإن شئت آثرت بها خالداً» . فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك أحداً.

أخرجه أحمد (1 / 284، 225، 220) ، والترمذي (3451) وقال:

«حديث حسن» .

قلت: كأنه يعني حسن لغيره؛ فإن علي بن يزيد ـ وهو ابن جدعان ـ فيه ضعف؛ لكن له طريق آخر بنحوه خرََّجته في «الصحيحة» (2320) ، وشواهد تقويه.

منها: عن أنس بن مالك، وسهل بن سعد: في «الصحيحين» وغيرها.

ومنها: عن عبد الله بن بسر، وعبد الله بن أبي حبيبة: عند أحمد (4 / 221، 190، 188) .

ولفظ حديث أنس في رواية البخاري:. . . فأعطى الأعرابي فضله (يعني لأنه كان عن يمينه وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ الساقي) ، ثم قال:

«الأيمنون، الأيمنون، ألا فيمِّنوا» !

قال أنس: فهي سنة، فهي سنة (ثلاث مرات) . «مختصري للبخاري» (51 ـ الهبة / 4 - باب) .

وقد يجمع بين حديث الباب والأحاديث الأخرى بأن يحمل على الحالة التي يكون القوم جالسين فيها متساوين، إما بين يدي الساقي، أو عن يساره كلهم، فتحصص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن. وقيل غير ذلك. انظر «الفتح» ، و «المحلى» لابن حزم (7 / 521 - 522) .

 

(12/526)

 

 

هذا ما كنت كتبته قديماً؛ جريت على ظاهر الإسناد فَصَحَّحْته كما فعل جماعة من قبلي كما رأيت، وكذلك فعل المعلق على «مسند أبي يعلى» (4 / 315) ، ونقل توثيق ابن سهم عن الخطيب وابن حبان. وهو كما ذكر؛ لكنه قصر فيما يتعلق بابن حبان؛ فإنه لما ذكره في «الثقات» (9 / 87) قال:

«ربما أخطأ» . ومنه أخذ الحافظ قوله المتقدم:

«ثقة يغرب» .

وقد ثبت لدي - ولو بعد حين - أنه أخطأ في هذا الحديث متناً؛ فقد رواه الوليد ابن مسلم وغيره عن عبد الله بن المبارك به مختصراً بلفظ:

«البَرَكَةُ مع أكَابِرِكُمْ» .

أخرجه تسعة من الحفاظ من طرق عن ابن المبارك به.

خرجته في «الصحيحة» (1778 ـ الرابع) ، ولذلك؛ بينت هناك أن حديث الترجمة شاذ لمخالفته الثقات.

وقول ابن حبان المتقدم في ابن سهم:

«ربما خالف» .

فلقد بدا لي هنا أنه يمكن أن نأخذ منه أنه أشار بذلك إلى خطئه في هذا الحديث على الأقل، وذلك بملاحظة أنه لم يخرجه في «صحيحه» في الأبواب التي عقدها لحديث أنس وسهل المتقدمين، ولا عقد له فيه باباً خاصاً مترجماً عنه كما هي عادته (انظر الإحسان 7 / 362 - 363) ، فلو كان ثابتاً عنده لأورده في مكان منه كما فعل بحديث الوليد: «البركة مع أكابركم» ؛ فإنه أورده فيه مترجماً

 

(12/527)

 

 

عنه بقوله:

«ذكر استحباب التبرك للمرء بِعِشْرَةِ مشايخِ أهل الدين والعقل» .

فإذا ثبت أن الحديث شاذ لا يصح؛ فلا داعي للجمع بينه وبين الأحاديث المعارضة له بلفظها العام:

«الأيمن فالأيمن» . والله سبحانه وتعالى أعلم.

5735 - (الخَلْقُ عِيالُ اللهِ، فَأَحَبُّ عِيالِهِ أَلْطَفُهُمْ بأهلِهِ) .

منكر. أخرجه ابن عدي في «الكامل» (5 / 162) من طريق محمد بن سيار الشَّيزري قال: ثنا عامر بن سيار: ثنا أبو عمرو القرشي عن حماد بن أبي سليمان عن شقيق عن ابن مسعود مرفوعاً.

ذكره في ترجمة أبي عمرو هذا ـ وهو عثمان بن عبد الرحمن الجمحي ـ مع أحاديث أخرى له، وقال عقبها:

«وهذه الأحاديث عامتها لا يوافقه عليها الثقات، وله غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه مناكير، إما إسناداً وإما متناً» .

قلت: وقد مضى بنحوه من حديث أنس وابن مسعود برقم (3590) .

وعامر بن سيار؛ قال أبو حاتم ـ وتبعه الذهبي ـ:

«مجهول» .

لكن تعقبه الحافظ في «اللسان» بأنه روى عنه الحافظ بقي بن مخلد وغيره، وذكره ابن حبان في «الثقات» فقال:

 

(12/528)

 

 

«ربما أغرب» .

وأما محمد بن سيار الشيزَري؛ فإني لم أعرفه.

5736 - (عن جبريلَ عن الله تعالى قال: إن هذا الدِّينَ ارتضَيْتُهُ لنَفْسِي، ولن يَصْلحَ له إلا السَّخاءُ وحُسْنُ الخُلُقِ، فََأَكْرِمُوه بهما ما صَحِبْتُمُوهُ) .

ضعيف. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (رقم ـ 9083) : حدثنا مقدام: نا عبد الملك بن مسلمة الأموي: ثنا إبراهيم بن أبي بكر بن المنكدر: حدثني عمي محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ به. وقال:

«لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الملك بن مسلمة» .

قلت: وهو منكر الحديث؛ كما قال ابن يونس، وقال ابن حبان في «المجروحين» (2 / 134) :

«يروي عن أهل المدينة المناكير الكثيرة التي لا تخفى على من عني بعلم السنن» .

قلت: وشيخه إبراهيم بن أبي بكر؛ ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 90) برواية جمع من الثقات، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأما المقدام؛ فهو ضعيف.

لكن تابعه ابن قتيبة: عند ابن حبان.

 

(12/529)

 

 

5737 - (كان رَجُلٌ من أصحابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأنصار يكنى (أبا معلق) ، وكان تاجراً يتَّجِرُ بمال له ولغيره يضربُ به في الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً، فخرجَ مرةً، فلقيه لصٌّ مقنعٌ في السِّلاح، فقال له: ضَعْ ما معكَ؛ فإني قاتِلُكَ! قال: ما تريدُ إلى دمي؟ شأنك بالمال. قال: أما المالُ؛ فَلِي، ولستُ أريدُ إلا دَمَكَ. قال: أما إذا أبيتَ؛ فََذَرْني أُصَلِّّي أربع ركعات. قال: صَلِّ ما بدا لك. فتوضأ، ثم صلَّى أربع ركعات، فكان مِنْ دُعَائه في آخر سجدة أن قال:

يا ودودُ! يا ذا العَرْشِ المجيد! يا فعالٌ لما يريد! أسألُكَ بِعِزِّكَ الذي لايُرَامُ، ومُلْكِكَ الذي لا يُضَامُ، وبِنُورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ أنْ تكفِيَنِي شرَّ هذا اللصِّ، يا مغيثُ أَغِثْنِي! (ثلاث مرات) . قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارسٍ قد أقبل بيده حربةُ واضعها بين أُذُنَيْ فرسِهِ، فلما بصُر به اللصُّ أقبل نحوه، فطعنَه، فقتله. ثم أقبلَ إليه فقال: قُمْ. قال: من أنت بأبي أنت وأمي؟ فقد أغاثني اللهُ بك اليوم. قال: أنا ملكٌ من السَّماءِ الرابعَةِ، دعوتَ بدعائِكَ الأول، فَسُمِعَتْ لأبواب السماء قَََعْقَعَةٌ، ثم دعوت بدعائكَ الثاني، فسُمِعتْ لأهل السماء ضجةٌ، ثم دعوت بدعائك الثالث؛ فقيل لي: دعاءُ مكروب. فسألتُ الله أن يوليني قَتلََهُ.

قال أنس: فاعلمْ أنه مَنْ توضأ وصلَّى أربع ركعاتٍ، ودعا بهذا الدعاء؛ استُجيبَ له، مكروباً كان أو غيرَ مكروب) .

موضوع، لوائح الوضع والصنع عليه ظاهرة. أخرجه ابن أبي الدنيا في

 

(12/530)

 

 

" مجابي الدعوة " (38 / 23) : حدثني عيسى بن عبد الله التميمي: أخبرني

زهير بن زياد الأسدي عن موسى بن وردان عن الكلبي - وليس بصاحب التفسير -

عن الحسن عن أنس قال:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ لم أعرف أحداً ممن دون الحسن؛ غير موسى بن

وردان، وهو مختلف فيه، وقد قال فيه أبو حاتم:

" ليس به بأس ".

فالآفة إما من (الكلبي) المجهول، وإما ممن دونه.

والحسن - وهو البصري - مدلس، وقد عنعن، فالسند واهٍ.

فمن الغريب أن يذكر (أبو معلق) هذا في الصحابة، ولم يذكروا ما يدل على

صحتبه سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي! ولذلك - والله أعلم -؛

لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب ". وقال الذهبي في " التجريد " (2 / 204) :

" له حديث عجيب؛ لكن في سنده الكلبي، وليس بثقة، وهو في كتاب

(مجابي الدعوة) ".

ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي: " ليس بثقة ". وفي هذا إشارة منه إلى

أنه لم يلتفت بلى قوله في الإسناد:

" وليس بصاحب التفسير ".

لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه " ليس بثقة "، وقد قال في

" المغني ":

 

(12/531)

 

 

" تركوه، كذبه سليمان التيمي وزائدة وابن معين، وتركه ابن القطان

وعبد الرحمن ".

ومن الغرائب أيضاً: أن يذكر هذه القصةَ ابنُ القيم في أول كتابه " الجواب

الكافي لمن ساعد عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه، مُعَلِّقأ إياها

على الحسن، ساكتا عن إسنادها!

5738 - (مَنْ أقرَّ بالخَرَاجِ وهو قَادِرٌ على أن لا يقرَّ به؛ فعليه لعنةُ الله

والملائكةِ والناسِ أجمعينَ، لا يقبلُ اللهُ منه صرفاً ولا عَدْلاً) .

منكر.

قال صالح بن الإمام أحمد في " مسائله " (ص 21 - دار الحديث

المكية) :

" رسالته عن حديث رواه نُصير بن محمد الرازي - صاحب ابن المبارك - عن

عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أسمى بن مالك رفعه قال:. . . فذكره.

فقال: ما سمعنا بهذا، هذا حديث منكر ".

قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير نصير هذا، وقد ذكره ابن أبي حاتم في

" الجرح والتعديل " (4 / 1 / 493) فقال:

" نصير بن محمد خادم عبد الله بن المبارك، روى عن عثمان بن زائدة، روى

عنه أبو هارون محمد بن خالد الخراز ".

قلت: والخراز هذا؛ صدوق عند ابن أبي حاتم (3 / 2 / 245) ، فالعلة:

جهالة نصير هذا. .

ثم رأيت ابن أبي حاتم قد ذكر في " العلل " أنه قال (2 / 441) :

 

(12/532)

 

 

" سألت أبي، قلت: حدثنا صالح بن أحمد قال: سألت أبي. . . . ".

قلت: فذكره كما تقدم، ثم قال:

" فقال أبي: هذا حديث باطل لا أصل له ".

قلت: وهو بمعنى حديث أخرجه أبو داود عن معاذ مرفوعاً نحوه، وسنده

ضعيف؛ فيه مجهول وآخر مقبول عند الحافظ، وبيانه في " ضعيف أبي داود "،

وهو في " المشكاة " (3545) .

5739 - (إن لله تعالى أرضاً مِنْ وراءِ أرضِكُم بيضاء، نورُهَا وبياضُهَا

مسيرة شَمْسِكم هذه أربعينَ يوماً - قالوا: كأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني مثلَ

الدنيا أربعينَ مرةً -، فيها عبادٌ لله تعالى لم يَعْصُوه طرفةَ عَيْن. [قالوا: يا

رسول الله! مِنَ الملائكة هم؟ قَال: ما يعلمونَ أن الله خَلَقَ الملائكة.

قالوا: أَفَمِنْ وَلَدِ آدم هم؟] قال: ما يعلمونَ أن الله خَلَقَ اَدمَ ولا إبليس! ،

هم قوم يقالُ لهم: الرَّوْحَانِيون، خَلَقَهمُ الله مِنْ ضَوْءِ نُورِهِ) (*) .

موضوع.

أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في " العظمة " (ق 168 - 169 / 1)

من طريق مسلمة بن عُلَي عن عبد الرحمن الخراساني عن مقاتل بنْ حَيان عن

محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع. آفته مسلمة بن علي - وهو الخشني -، وهو متروك مجمع

على تركه، وقال ابن حبان (3 / 33) :

__________

(*) كتب الشيخ - رحمه الله - بخطه فوق هذا المتن - ملاحظةً لنفسه -: " انظر " إتحاف السادة

المتقين، (10 / 62) ، و " الفردوس " (1 / 189 - طه 9.

 

(12/533)

 

 

" كان ممن يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم؛ توهماً،

فلما فَحُشَ ذلك منه بَطُلَ الاحتجاج به ". وقال البخاري:

" منكر الحديث ".

وهو كناية منه عن شدة ضعفه.

وشيخه عبد الرحمن الخراساني؛ لم أعرفه.

ثم أخرجه من طريق محمد بن زياد الزيادي: حدثنا معتمر عن المغيرة بن

سلمة قال: أخبرني أبو أمية مولى شبرمة - واسمه الحكم - عن بعض أئمة

الكوفة قال:. . . فذكره نحوه.

قلت: وهذا إسناد واهٍ. أبو أمية وشيخه الكوفي؛ لم أعرفهما.

والزيادي؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق يخطئ ".

ويد الصنع والمبالغة في الحديث ظاهرة. والله أعلم.

(تنبيه) : ما بين المعروفتين [] نقلته من " الجامع الكبير " للسيوطي؛ فإنه لم يكن

في مسودتي، وإنما كان مشاراً إليها بقولي: " الحديث " اختصاراً مني، فوجب بيانه.

5740 - (إذا كانتْ لكَ حَاجة؛ فاسألِ اللهَ عز وجل؛ فقد جَف القَلَمُ

بما هو كائن، لو جهدَ الخَلْقُ أن ينفعوك بغيرِ ما كَتَبَ اللَّهُ لك لم يَقْدِرُوا،

ولو جهدُوا أن يضرُّوكَ لم يقدِرُوا) .

منكر.

أخرجه البخاري معلقاً في " التاريخ " (3 / 2 / 117) ، ووصله

 

(12/534)

 

 

العقيلي في " الضعفاء " (3 / 91 - 92) من طريق عبد المؤمن بن عباد قال:

حدثنا سعيد بن أنس عن عكرمة عن ابن عباس قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسي

بيده، ودعا لي، وقال:. . . فذكره. وقال البخاري:

" لا يتابع عليه ". وقال العقيلي:

" أسانيد الخبر عن ابن عباس لينة، وقد روي عن غير ابن عباس أيضاً بأسانيد

فيها لين ".

قلت: يشير إلى حديث ابن عباس المشهور بلفظ:

" يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك. . . " الحديث، وفيه

قوله: " فقد جف القلم. . . " إلخ بنحوه بتقديم وتأخير دون ما قبله، وهو مخرج في

" ظلال الجنة " (316 - 318) .

والحديث؛ مما خلت منه الجوامع الثلاثة!

5741 - (إذا أَلِفَ العَبْدُ الإعراضَ عَنِ الله تعالى؛ ابتلاهُ بالوقيعَةِ

في الصَّالحينَ) .

موضوع.

رواه ابن عساكر (4 / 331 / 1) عن الحسين بن إبراهيم بن

محمد بن كلمون الديرعافولي: يا أبو عبد الله الحسين الموازيني الفقير إلى الله قال:

حدثني أبو بكر أحمد بن نصر الروياني قال: سمعت الأشج قال: سمعت علي

ابن أبي طالب قال:. . . فذكره مرفوعاً. وقال:

" هذا حديث منكر، وأكثر رواته مجاهيل، والأشج أبو الدنيا لا يثبت سماعه

من علي، وقد وقعت إلينا نسخته بعلو، وليس هذا الحديث فيها، والله! يعيذنا من

 

(12/535)

 

 

الكذب برحمته! ". وفي " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 176) :

" وقال ابن النجار في " تاريخه ": قال السِّلَفي: هذا حديث منكر، عرضته

على أبي نصر المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ فقال: " هذا باطل، وقد كتبناه من

طرق عن بعض مشايخ الصوفية، وأما عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس له [أصل] ".

والذي قاله المؤتمن صحيح لا شك فيه ولا ريب، وإسناده مظلم، وفي الأشج مقنع،

فكيف إذا انضم إليه غيره ممن يشاكله. اهـ ".

وأبو الدنيا الأشج؛ قال الذهبي:

" كذاب طرقي، كان بعد الثلاث مئة وادعى السماع من علي بن أبي طالب،

واسمه عثمان بن حَطاب. وقال في ترجمته من الأسماء:

، طَيْرٌ طَرأَ على أهل بغداد، وحدَّث بقِلًةِ حياء بعد الثلاث مئة عن علي بن

أبي طالب، فافتضح بذلك، وكذبه النقادون ".

وأطال ترجمته الحافظ في " اللسان "؛ فليراجعها من شاء.

وأحمد بن نصر الروماني؛ قال الحافظ في " اللسان ":

" شيخ لا وجود له! اختلق اسمه بعض الكذابين ".

وأقره السيوطي في " الذيل ".

5742 - (كان إذا أرادَ أن يبُولَ فَأَتى عَزَازاً مِنَ الأرضِ؛ أخذَ عُوداً؛

فَنَكَتَ به حتى يثرى، ثم يَبُول) .

ضعيف.

أخرجه أبو داود في " المراسيل " (71 / 1) من طريق الوليد بن

 

(12/536)

 

 

سليمان بن أبي السائب عن طلحة بن أبي قَنان: أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف؛ فإن طلحة هذا مجهول لا يدري من هو؛

كما في " الميزان " و " التقريب "، وصنيع ابن حبان يشعر بأن الحديث معضل؛

لأنه ذكر طلحة في " أتباع التابعين " من " ثقاته " (6 / 488) ! والله أعلم.

5743 - (مَنْ توضأ، ثم توجَّه إلى مسجد يُصَلِّي فيه الصلاةَ؛ كان

له بكل خُطْوة حَسنةٌ، ويُمحى عنه سَيِّئةٌ، والحًسنةُ بِعَشْرٍ، فإذا صلى ثم

انصرف عنده طلوع الشمس؛ كُتِبَ له بكل شَعْرة في جسده حسنةٌ،

وانقلبَ بِحَجَّةٍ مبرورة، وليس كل حاج مبروراً، فإن جْلسَ حتى يركعَ؛

كُتب له بكل حًسنة آئًفَا ألفيْ حسنة، ومن صلى صلاة الفجر؛ فله مثلُ

ذلك، وانقلبَ بِعُمْرة مبرورة، وليس ككلّ مُعْتَمِرٍ مبروراً) .

موضوع.

رواه ابن عساكر (7 / 112 / 1) عن محمد بن شعيب: أخبرني

سعيد بن خالد بن أبي طويل أنه سمع أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أنه قال في صلاة الصبح:. . . فذكره.

أورده في ترجمة سعيد هذا، وروى عن أبي حاتم أنه قال:

" لا يشبه حديثه حديث أهل الصدق، منكر الحديث. وأحاديثه عن أنس لا

تعرف ". وعن أبي زرعة أنه قال:

" ضعيف الحديث، حدَّث عن أنس بمناكير ". وقال الحاكم:

" روى عن أنس أحاديث موضوعة ".

 

(12/537)

 

 

5743 / م - (ما خَيْرٌ للنساءِ؟ فقالتْ فاطمةُ: أنْ لا يَرَيْنَ الرجالَ ولا

يَرَوْنَهُنّ) .

ضعيف.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 40 - 41) من طريق يعقوب

ابن إبراهيم بن عباد بن العوام: ثنا عمرو بن عون: أنا هُشيم: ثنا يونس عن

الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ما خير للنساء؟ ". فلم ندر ما نقول، فسار علي إلى فاطمة، فأخبرها

بذلك، فقالت: فهلا قلت له: خير لهن أنْ لا يريْن. . . إلخ؟ ! فقال له:

" من علّمك هذا؟ " قال: فاطمة. قال:

" إنها بَضْعَةٌ منِّي ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ رجاله ثقات غير يعقوب هذا؛ فإني لم أجد له

ترجمة.

ومن فوقه؛ كلهم ثقات كما ذكرت، وهم من رجال الشيخين؛ لكن الحسن

- وهو البصري - مدلس.

ثم رواه أبو نعيم عقبه وفي (ص 175) من طريق أبي حصين محمد بن

الحسن الوادعي قال: ثنا يحيى الحماني قال: ثنا قيس - يعني: ابن الربيع - عن

عبد الله بن عمران عن علي بن زيد عن سعيد بن المسبب عن علي بن أبي طالب

رضي الله تعالى عنه: أنه قال لفاطمة - رضي الله تعالى عنها -: ما خير للنساء؟

قالت: أن لا يَرَينَ الرجالَ ولا يرونهنَّ. . . فذكره للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:

" إنما فاطمة مني ".

 

(12/538)

 

 

قلت: وهذا إسناد فيه علل:

الأولى: علي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف، تابعي مدني.

الثانية: عبد الله بن عمران؛ أظنه الذي في " ثقات ابن حبان " (7 / 19) :

" عبد الله بن عمران بن محمد بن طلحة بن عبيد الله " يروي عن جماعة من

التابعين، روى عنه أهل العراق، وولي القضاء ببغداد بعد أبيه، مات! سنة تسع

وثمانين ومئة ".

ولعل قوله: " وولي القضاء. . " إلخ مقحم من بعض النساخ؛ فإنه لم يذكره

في " التهذيب ".

الثالثة: قيس بن الربيع؛ وهو ضعيف، عراقي كوفي.

الرابعة: يحيى الحماني - وهو ابن عبد الحميد -؛ كان حافظاً؛ ولكنه كان

يسرق الحديث، وكذبه أحمد.

وأما أبو حصين محمد بن الحسن؛ فكذا وقع في " الحلية "! والصواب:

" الحسين "؛ كما في " تاريخ بغداد " (2 / 229) و " أنساب السمعاني "،

وذكرا عن الدارقطني أنه قال:

" كان ثقة ".

قلت: وهذا الحديث من الأحاديث الضعيفة الكثيرة التي حشرها الشيخ

التويجري في كتابه " الصارم المشهور " (ص 31 / الطبعة الأولى، ص 34 /

الطبعة الثانية) دون أن يبين عللها، أو على الأقل أن يصرح بضعف سندها؛ نصحاً

وتحذيرات من أن يقول المسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل!

 

(12/539)

 

 

وبعد كتابة ما تقدم أفادني الأخ علي الحلبي - جزاه الله خيراً - أن الحديث رواه

البحار في " مسنده "، فرجعت إليه، فوجدت فيه متابعاً قوياً للحماني:

فقال البزار: (2 / 159 / 526) : حدثنا محمد بن الحسين الكوفي قال: نا

مالك بن إسماعيل قال: نا قيس به؛ إلا أنه خالفه في أوله فقال:

عن علي أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أي شيء خير للمرأة؟ "

فسكتوا، فلما رجعتُ قلتُ لفاطمة: أي شيء خير للنساء؟ . . . والباقي مثله.

وقال البزار:

" لا نعلم له إسناداً عن علي رضي الله عنه إلا هذا ".

قلت: وقد عرفت أنه ضعيف؛ ولكن بهذه المتابعة برئت ذمة الحماني منه،

وتعلقت بمن فوقه.

ومن الغريب قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 202 - 203) :

" رواه البزار، وفيه من لم أعرفه "!

وأقره الشيخ الاعظمي في تعليقه على " كشف الأستار " (3 / 236) ! وكم

له من مثل هذا الإقرار الدال على أنه إمعة، وأنه لا تحقيق معه!

وشتان بينه وبين الدكتور محفوظ الرحمن زين الله؛ فإنه تعقبه بما نقله عن

الحافظ ابن حجر أنه قال في " مختصر زوائد البزار " متعقباً على الهيثمي:

" قلت: قيس: هو ابن الربيع، وشيخه مُوَثَّق، وعلي بن زيد ضعيف ".

أقول: فليس في إسناد البزار مَنْ لا يعرف؛ لكن تعقب الحافظ من هذه

 

(12/540)

 

 

الحيثية لا يكفي؛ لأنه تكلم عمن هو معروف بجرح؛ من قيس فما فوق، فما حال

من دونهم - كما قد يخطر في البال -؟ فالجواب:

أن مالك بن إسماعيل ثقة من رجال الشيخين، لا يخفى حاله على

الهيثمي.

ومحمد بن الحسين الكوفي؛ أظن أنه الذي أشار إليه الهيثمي بقوله المتقدم؛

ولكنه مع ذلك معروف، ترجمه ابن أبي حاتم وقال فيه:

" صدوق "، وكذا ترجمه الخطيب (2 / 225 - 226) ، وكناه بأبي جعفر

الخباز المعروف بـ (الحنيني) ، وروى عن الدارقطني أنه قال:

" كان ثقة صدوقاً ".

مات سنة (277) .

(تنبيه) : قد صح من الحديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إنما فاطمة بَضْعَة مني، يُؤْذِيني ما آذاها ".

أخرجه مسلم، والبخاري بنحوه، وهو مخرج في " الإرواء " (2676) .

وحديث الترجمة؛ مما عزاه الشيخ التويجري (ص 31) لأبي نعيم، ساكتاً عنه!

وذكره الحافظ ابن القطان في كتابه القيم " النظر في أحكام النظر " (ق 15 /

2) من رواية البزار، وساق إسناده من قيس بن الربيع، ثم قال:

" ولم يصح. . . ". ثم أعله بابن الربيع وابن جدعان.

 

(12/541)

 

 

5744 - (إذا كنتَ تُصَلِّي، فَدَعَاكَ أَبَوَاكَ؛ فَأَجِبْ أُمَّكَ ولا تُجِبْ

أباك) .

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 73) من طريق

حمزة بن أبي حمزة عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:. . .

فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته حمزة بن أبي حمزة - وهو النصيبي -؛ قال الذهبي

في " المغني ":

" منهم واه ". وقال الحافظ في " التقريب ":

" متروك، متهم بالوضع ".

قلت: وتقدمت له بعض الأحاديث الموضوعة مع بعض أقوال الأئمة فيه،

فانظر الأحاديث: (61، 800، 1738) .

وقال ابن عدي في مطلع ترجمته من " الكامل " (2 / 376) :

" يضع الحديث ". وختمها بقوله:

" وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة، والبلاء منه؛ ليس ممن يروى عنه،

ولا ممن يروي هو عنهم ".

 

(12/542)

 

 

5745 - (إن هذا الحيَّ مِنَ الأنصارِ يُحِبِّون الغِنَاءَ) .

منكر.

أخرجه ابن حبان (2016 - موارد) والسياق له، وأحمد (6 / 269)

من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن الحارث التيمي عن إسحاق بن

 

(12/542)

 

 

سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن عائشة قالت:

كان في حجري جارية من الأنصار فزوجتها، قالت: فدخل علي رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرسها، فلم يسمع غناء ولا لعباً، فقال:

" يا عائشة! هل غَنَّيْتُمْ عليها؟ أَوَلا تغنون عليها؟ ثم قال:. . . فذكره ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات معرفون؛ غير إسحاق بن سهل بن

أبي حثمة، فهو مجهول لا يعرف إلا برواية التيمي هذه عنه. كذلك أخرجه

البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 390) من ثلاثة طرق عن ابن إسحاق به؛ إلا

أنه لم يسق لفظه. وكذلك أورده ابن حبان في " الثقات " (4 / 22) من رواية

القيمي عنه. ووقع في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 223) :

" روى عن أبيه عن عائشة، روى عنه محمد بن إسحاق ".

فجعل محمد بن إسحاق مكان التيمي! وهو وهم محض؛ فإن ابن إسحاق

بينه وبين إسحاق بن سهل التيمي محمد بن الحارث؛ كما ترى في الإسناد وعند

البخاري وابن حبان.

واعلم أن أحمد لم يذكر لفظة: " الغناء "؛ لا في كلام عائشة، ولا في

الحديث المرفوع. أما الأول؛ فوقع فيه:

" فلم يسمع لعباً " فقط. وأما الآخر؛ فقال:

" يحبون كذا وكذا ". كأنه يكني عن الغناء واللعب.

ويغلب على ظني أن هذا وما قبله من تصرف الإمام أحمد؛ إشارة منه إلى

 

(12/543)

 

 

نكارة المتن، وهو حري بذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ورويت القصة من طريق أخرى عن ابن عباس أو جابر؛ اضطرب فيه الراوي،

بلفظ آخر نحوه، وقد سبق تخريجه برقم (2981) .

(تنبيه) : حديث الترجمة لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة، فهو

على شرط الهيثمي في " مجمع الزوائد "، ومع ذلك فإنه لم يورده!

ونحوه راويه إسحاق بن سهل بن أبي حثمة. فإنه على شرط الحافظ في

" التعجيل "! ولم يورده أيضاً. وله من نحوه أمثلة!

والقصة في " صحيح البخاري " وغيره عن عائشة من طريق أخرى عنها

نحوه؛ ليس فيه ذكر الغناء، وهو مخرج في ما آداب الزفاف " (ص 180 - الطبعة

الجديدة) .

5746 - (إذا وَسًعَ اللهُ عليكُم؛ فَأَوْسِعُوا على أَنْفُسِكُم، جَمَعَ رَجُلٌ

عليه ثيابَهُ، صلَّى رَجُلٌ في إزارٍ ورِدَاء، في إزارٍ وقميص، في إزارٍ وقَبَاء،

في سراويلَ وقميصَ، في سراويلَ وردَاء، في سراويلَ وقَبَاءً، في تُبَّانٍ

وقميصٍ، في تُبّان وقَبًاء. - قال: وأحسبه - في تُبَّان ورداءٍ) .

موقوف على عمر، رفعه بعضهم خطأً. قال ابن حبان في " صحيحه "

(3 / 107 / 1711 - الإحسان) : أخبرنا أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة: حدثنا

إسماعيل ابن علية: حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال:

سأل رجل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ قال: وإذا وسع

الله. . . إلخ ".

 

(12/544)

 

 

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير أبي يعلى، وهو حافظ

ثقة معروف؛ لكن وقع في روايته هذه سقط عجيب أضاع جواب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

للرجل، وأحل محله جواب عمر لسائل آخر لم يذكر في الرواية، وهو حديث

الترجمة، ولبيان هذا خرجته هنا؛ حتى لا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يَقُلْ.

وبيان ذلك من وجوه:

الأول: أن المحفوظ عن أبي هريرة من طرق عنه: أن جواب النبي صلى الله عليه وسلم للرجل

إنما هو:

" أَوَكُلُّكم يَجِدُ ثَوْبَيْن؟ ! ".

وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (636) من ثلاثة طرق عنه؛ منها طريق

محمد هذه - وهو ابن سيرين -، وكذلك رواه الشيخان عنه كما يأتي. وصح أيضاً

مثله من حديث طلق بن علي: عند ابن حبان (2294) وغيره، وهو مخرج في

" صحيح أبي داود " أيضاً (640) .

الثاني: أن بعض الرواة في " الصحيحين " قد رووا الحديث بتمامه، بحيث

أبانوا الخطأ والسقط المشار إليه.

فأخرجه مسلم (2 / 61) من طريق شيخه زهير بن حرب - وهو أبو خيثمة -

شيخ أبي يعلى في الحديث، قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابن

علية - بإسناد ابن حبان وسؤال الرجل؛ إلا أنه زاد:

" فقال: أوكلكم يجد ثوبين؟ ! ".

وهكذا أخرجه أحمد بهذا التمام؛ فقال (2 / 230) : ثنا إسماعيل به.

 

(12/545)

 

 

الثالث: أنه قد تابع ابنَ علية حمادُ بنُ زيد عن أيوب به؛ لكنه زاد على

الزيادة المذكورة:

" ثم سأل رجلٌ عمرَ فقال: إذا وسع الله. . . " إلخ.

أخرجه البخاري (1 / 475 / 465) ، والبيهقي (2 / 236) .

وقد توبع حماد عن أيوب، وهذا عن محمد بن سيرين:

فقال ابن حبان (4 / 27 / 2295) : أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا داود بن

شبيب قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا عاصم الأحول وأيوب وحبيب بن

الشهيد وهشام عن ابن سيرين به مثله.

وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال " الصحيح ".

وقد توبع حماد من يزيد بن زريع: ثنا هشام القُرْدوسِي به.

أخرجه الدارقطني (1 / 282 / 1) .

وإسناده صحيح على شرط البخاري.

فهذه الزيادة الثانية قد أكدت أن الزيادة ثابتة عن ابن سيرين عن أبي هريرة

عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما بينت أن الزيادة الثانية هي من قول عمر رضي الله عنه

أدرجت في حديث الترجمة فصارت مرفوعة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبب سقوط الزيادة

الأولى! وهو من أغرب الأخطاء التي وقعت في " صحيح ابن حبان "، ولذلك؛

بادرت إلى الكشف عنه أداء للأمانة العلمية أولاً، ولأحيل إلى هذا الموضع ثانياً

في تحقيقي لكتاب " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " الذي أنا على وشك

 

(12/546)

 

 

الانتهاء منه بفضل الله وكرمه (1) .

5747 - (كانَ إذا أكلَ معَ قومٍ؛ كان اَخرَهُم أَكلاً) .

ضعيف.

أخرجه ابن معين في " التاريخ والعلل " (ق 64 / 2) - ومن

طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (5 / 122 / 3076) ، والخطيب في " تاريخ

بغداد " (10 / 239 - 240) ؛ كلاهما عن عباس بن محمد الدوري: حدثني

يحيى بن معين -: ثنا عبد الرحمن بياع الهَرَوي عن جعفر بن محمد عن أبيه

قال:. . . فذكره. وقال - يعني: الدوري - " قلت: ليحيى: من بياع الهروي؟

فقال: كان ببغداد ".

قلت: في جواب يحيى هذا إشارة قوية إلى أنه لا يعرف شيئاً عن الهروي إلا

أنه كان ببغداد، فلا غَرْوَ أن خلت كتب التراجم التي تحت يدي من ترجمته، فهو

إذن مجهول لا يعرف.

ثم إن الحديث مرسل؛ لأن جعفر بن محمد هو ابن علي بن الحسين بن علي

ابن أبي طالب. وأبوه محمد بن علي بن الحسين مات سنة بضع عشرة بعد المئة.

__________

(1) وقد طبع الكتاب مؤخراً، والحمد لله. (الناشر) .

 

(12/547)

 

 

5748 - (مَنْ أحدبَّ أنْ يتمثلَ له الرجالُ بين يديه قياماً؛ فَلْيتَبَوأْ

مقعدَهُ مِنَ النار) .

منكر؛ بل باطل بزيادة (بين يديه) . أخرجه الطبراني في " المعجم

الأوسط " (1 / 253 / 2 / 4366) ؛ حدثنا علي بن إبراهيم الخزاعي الأهوازي

قال: [حدثنا] عبد الله بن داود بن دِلهاث قال: حدثني أبي عن أبيه [دِلهاث]

 

(12/547)

 

 

عن أبيه إسماعيل [عن أبيه] : أن أباه مسرع بن ياسر حدثه عن عمرو بن مرة

الجهني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال:

" لا يروى عن عمرو بن مُرَّة الجهني إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو إسناد منكر مظلم؛ كل مَنْ دون عمرو بن مرة الجهني مجهولون لا

يعرفون، وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بقوله في " المجمع " (8 / 40) :

" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه جماعة لم أعرفهم ".

قلت: وهم:

أولاً: مسرع بن ياسر؛ قال الذهبي - وتبعه العسقلاني -:

" مجهول ".

قلت: لأنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد: عن ابنه عبد الله [به] ، ولم يُذكر في

" اللسان "، ولا في " الجرح " (2 / 2 / 48) ؛ ولكنه ذكر في " اللسان " في

ترجمة حفيده الأدنى عبد الله بن داود.

ثانياً: عبد الله بن مسرع بن ياسر؛ استدركه الحافظ في " اللسان " على

" الميزان "، ولم يذكر فيه شيئاً سوى أنه: تقدم في (دلهاث) وابنه (داود)

الآتيين. وذلك يعني أنه مجهول.

ثالثاً: إسماعيل بن عبد الله بن مسرع؛ استدركه الحافظ أيضاً، ولم يذكر فيه

سوى أنه روى عنه ابنه " دلهاث ". فهو مجهول أيضاً، وسقط من أول ترجمته

حرف (ز) التي ترمز بلى أنه مستدرك.

 

(12/548)

 

 

رابعاً: دِلهاث بن إسماعيل؛ استدركه الحافظ أيضاً،، سقط من الطابع حرف

(ز) ، وقال:

" مجهول. قاله النباتي ".

خامساً: داود بن دِلهاث؛ قال الذهبي - وأقره العسقلاني -:

" عن أبائه. لا يصح حديثه. قاله الأزدي ".

سادساً: عبد الله بن داود بن دِلهاث؛ استدركه الحافظ، وساقط حرف (ز)

أيضاً، وساق نسبه كما في إسناد الحديث مع الزيادتين المحصورتين بالأقواس

أستدركتهما من " مجمع البحرين "؛ لكنه زاد فيه (عبد الله بن مسرع) ؛ كما

تقدمت الإشارة إلى ذلك، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهر مجهول أيضاً،

وكذلك ترجمه ابن أبي حاتم؛ وسكت عنه؛ لكنه ساق نسبه - كما تقدم بإسقاط

بعضهم - بلى عمرو بن مرة الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث. قال: كتب

إلينا من (الرها) بذلك.

سابعاً: علي بن إبراهيم الخزاعي الأهوازي؛ لم أقف له على ترجمة، ويبدو لي

أنه من شيوخ الطبراني المجهولين؛ فإنه لم يرو له في " الأوسط " إلا هذا الحديث،

وروى له آخر في " المعجم الصغير " بإسناد آخر، وفيه عمرو بن جميع، وهو كذاب

وضاع (813 - الروض النضير) .

وجملة القول: أن هذا الإستاد من غرائب الأسانيد برواية الأبناء عن الآباء!

وكلهم مجهولون، ليس لهم ذكر بين الرواة والعلماء، وليس هذا فقط؛ بل إنهم لم

يعرفوا إلا برواية هذا الحديث بهذه الزيادهّ: " بين يديه "! وهي منكرة جداً،

تدين أحدَمم بسوء الحفظ، وربما بتعمُّد الكذب؛ فإنها لم ترد في الحديث من

 

(12/549)

 

 

رواية الثقات.

فقد صح من طريقين عن معاوية رضي الله عته دونها. وهو مخرج في

" الصحيحة " (357) .

وهو يدل على بطلان هذه الزيادة؛ لأنه احتج به على من قام له من بعض

الجالسين حين دخل عليهم، وقد تأوله بعضهم بما يلتقي مع هذه الزيادة، وهو تأويل

باطل كما حققته في تعليقي على كتابي " صحيح الأدب المفرد " (764) يسر

الله لي إتمامه (*) ، فأخي أن يكون أحد أولئك السبعة روى الحديث بالمعنى متأثراً

بذاك التأويل، أو تعمد حشو تلك الزيادة فيه انتصاراً له، وأحلاهما مر!

ومن الغرائب أن بعض الكذابين قد عارضه؛ فروى الحديث بزيادة أخرى

ألحقها به انتصاراً للمعنى الصحيح الذي ذكرته آنفاً.

فروى الطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 320 / 724) من طريق بقية بن

الوليد عن مبشر بن عبيد عن بشر بن عبيد عن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن

جده عن معاوية مرفوعاً بلفظ:

" من سرّه إذا رأته الرجال مقبلاً أن يتمثلوا له قياماً؛ فليتبوأ بيتاً في النار ".

وأصل الحديث عند البخاري في " الأدب المفرد " (977) وغيره بلفظ:

" من سرَّه أن يَمْثُل (وفي رواية: يتمثل) له عباد الله قياماً؛ فليتبوأ بيتاً من

النار ".

فتأمل الفرق بين هذا اللفظ الصحيح، واللفظ الذي قبله، وهو موضوع؛ أفته

__________

(*) ثم طبع الكتاب بعد ذلك قبل وفاة الشيخ رحمه الله - بعدة أعوام. (الناشر) .

 

(12/550)

 

 

بشر بن عبيد - وهو الدارسي -؛ فقد أتهمه الذهبي ببعض الأحاديث، منها

حديث:

" بادروا أولادكم بالكنى. . ". وفيه نظر بينته فيما تقدم برقم (1728) .

فَالأَوْلَى الحَمْلُ فيه على الراوي عنه مبشرِ بنِ عبيد؛ فقد قال فيه الإمام أحمد:

" يضع الحديثة ".

وقد تقدمتها له بعض الموضوعات، فانظر مثلاً (739، 797) .

وبقية بن الوليد مدلس، وقد عنعن؛ ولكن إن كان قد أسقط مَنْ بينه وبين

مبشر هذا؛ فسوف لا يكون شراً من مبشر هذا!

ولم يتنبه لهذا التحقيق أخونا الفاضل حمدي السلفي. فعلق على حديث

هذا الوضاع بقوله:

" سيأتي (819) وأنه صحيح "!

يشير إلى اللفظ الصحيح المتقدم ذكره مني عن معاوية. وكنت أود له أن يبين

وضعه بهذا اللفظ، وأن لا يسكت عن المتهم به وإن كان معناه مطابقاً للراجح مما

فسر به اللفظ الصحيح كما تقدم؛ لأن هذا هو الذي عليه أهل الحديث أن يذكروا

الحقائق سواء كانت لهم أو عليهم، خلافاً لأهل الأهواء، كما يذكر ذلك ابن تيميه

كثيراً في رده عليهم.

ولقد أعجبني جداً ما ذكره الذهبي في آخر ترجمته للإمام يحيى بن سعيد

القطان الحافظ النقاد من " سيره " (9 / 188) :

" لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد، وإلا؛

 

(12/551)

 

 

فلا تغتروا بالحديث إذا لم يصح الإسناد ".

وهذا - عندي - في منتهى الحكمة والقوة، وهو بمعنى قول الإمام عبد الله بن

المبارك - أو غيره -:

" الإسناد من الدين، لولا الإسناد؛ لقال مَنْ شاء ما شاء ".

فإن كثيراً من العلماء - فضلاً عن غيرهم - ينظرون إلى متن الحديث ومعناه،

دون الإسناد ورواته، فإذا راقهم أو وافق هواهم؛ احتجوا به، وبنوا عليه علالي

وقصوراً، وإلا؛ رفضوه، ونبذوه نبذ النواة!

ويعود السبب في ذلك إلى جهلهم بهذا العلم، وعدم أعتدادهم بأقوال

المتخصصين في هذا العلم المظلوم من غير أهله، وقد ينضم إلى ذلك الهوى وحب

الظهور بالمعرفة والنقد، وهو مما ابتلي به كثير من الضُّلال، وبخاصة منهم الذين

لهم نوع مشاركة واشتغال بهذا العلم، وإمامهم في ذلك الشيخ محمد الغزالي؛

فقد اتخذ - مع الأسف - إلَهه هواه، فسلطه على الأحاديث المسندة من الأئمة،

يُضَعِّفُ مِنْ صحيحها ما يشاء، ويُصَحِّحُ من ضعيفها ما يهوى، ولو كان اتفاق

العلماء على مر القرون على خلاف ما شاء وهوى! هداه الله.

ولقد خلفه في ذلك من هو شر منه وأجرأ على مخالفة سبيل المؤمنين

عقيدة وحديثاً وفقهاً وهو المدعو بـ (حسن السقاف) ، ويظهر أن معه عن يساعده

على تسويد رسائله وطابعها ونشرها على الناس بأبخس الأثمان، بل وبدون أي

ثمن، مما حمل بعضا الأساتذة المخلصين أن يظن أنه مدفوع من الصهاينة؛ لإفساد

دين المسلمين وإلقاء الفتنة في صفوفهم وبخاصة العوام منهم، وصدق الله العظيم:

 

(12/552)

 

 

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ.

وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} ؛ عاملهم الله بما يستحقون، وكفى

المسلمين شرهم، ورد كيدهم في نحورهم.

5749 - (سَمِّهِ مُسْرِعَأ؛ فقد أَسْرَعَ في الإسْلامِ) .

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 277 / 711)

بإسناد الحديث الذي قبله عن أبيه عبد الله عن أبيه مسرع عن أبيه ياسر بن

سويد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه في خيل أو سرية، وامرأته حامل، فولد له مولود،

فحملته أمه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله! قد ولد هذا المولود وأبوه في

الخيل، فَسَمِّه. فأخذه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأمَرَّ يده عليه، وقال:

" اللهم أكْثِر رجالهم، وأقلَّ أَيَامَاهُم (1) ، ولا تحوجهم، ولا تُرِ أحداثهم خصاصة ".

فقال: " سَمِّهِ. . . " الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ كل رجاله مجاهيل؛ كما سبق بيانه في

الحديث الذي قبله. وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 413) :

" رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم ".

__________

(1) جمع (أيم) : هي التي لا زوج لها، بكراً كانت أو ثيباً، مطلقة كانت أو متوفى عنها. " نهاية ".

 

(12/553)

 

 

5750 - (إنما هَلَكَ مَنْ كانَ قبلَكُم بأئهُمْ عظَّمُوا مُلُوكَهم؛ بأن قامُوا

وقَعَدُوا) .

ضعيف جداً.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 117 / 2 /

 

(12/553)

 

 

6824) : حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة: ثنا أبي: ثنا سويد بن عبد العزيز

عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:

" لم يروه عن يحيى بن أبي كثير إلا الأوزاعي، ولا عنه إلا سويد ".

قلت: وهو واهٍ جداً كما قال الذهبي في " الميزان ".

لكن قد أخرجه ابن عدي في ترجمة أيوب بن سويد الرملي (1 / 362)

بإسناد الطبراني هذا وشيخه؛ إلا أنه جعل أيوب هذا مكان سويد، فكأنه انقلب

على أحد الرواة، فجعل مكان (سويد بن عبد العزيز) : (أيوب بن سويد) !

وليس هو إلا الحسن بن قتيبة، وليس هو الخزاعي المدائني المترجم في " تاريخ

بغداد " (7 / 404) و " الميزان "، وهذا قال فيه:

" هو هالك ". فقال الحافظ عقبه في " اللسان ":

" وليس هذا والد محمد بن الحسن بن قتيبة شيخ ابن حبان وابن عدي، ذاك

شيخ آخر قليل الرواية ". ثم ساق له هذا الحديث من رواية أين عدي.

قلت: فالاختلاف المذكور في راويه عن الأوزاعي؛ الظاهر أنه منه؛ إذ لا سبيل

إلى تعصيب الخطأ بابنه محمد؛ فإن له ترجمة في " تاريخ ابن عساكر " (15 /

240) ، وروى عن الدارقطني أنه قال:

" ثقة ". وذكر في شيوخه ابنه الحسن هذا.

فالله أعلم أيهما الراوي عن الأوزاعي: أهو سويد أم هذا؟

فقد عرفت أن الأول شديد الضعف.

 

(12/554)

 

 

أما هذا؛ فأحسن منه حالاً؛ قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق يخطئ ".

ثم إن في الحديث علة أخرى، وهي الانقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأنس؛

فإنه لم يسمع منه. ولم يتنبه الهيثمي لهذه العلة، فقال في " المجمع " (8 / 40) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه الحسين بن قتيبة، وهو متروك "!

كذا قاله وهذا وهم منه؛ اختلط عليه الحسن هذا بالمدائني؛ كما سبق التنبيه

عليه من الحافظ رحمه الله، فالصواب إعلال رواية الطبراني - مع علًّة الانقطاع -

بسويد بن عبد العزيز؛ لشدّة ضعفه، ومع ذلك؛ فإن الحافظ أورده في " الفتح "

(11 / 51) برواية الطبراني، وسكت عنه! وهذا يجعل قاعدة: (أن ما سكت

عنه فهو حسن) ؛ أنها غير مضطردة. والله أعلم.

(تنبيه) : في آخر الحديث: " قاموا وقعدوا ". هكذا الحديث في كل

المصادر التي وقفت عليها مما ذكر أو لم يذكر؛ إلا " الفتح "؛ فإنه فيه بلفظ:

" قاموا وهم قعود ". فالظاهر أنه رواه بالمعنى. والله أعلم.

5751 - (ثَلاثةٌ - يا عَلِيّ - لا تُؤَخرْهُنَّ: الصّلاةُ إذا آنَتْ، والجنَازةُ إذا

حَضَرتْ، والأيم إذا وجَدَتْ كُفؤاً) .

ضعيف.

أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 177) ، والترمذي (1 /

215 / 171) ، وابن ماجه (1 / 476 / 1486) ، وابن حبان في " الضعفاء " (1 /

323) ، وأحمد (1 / 105) ، وعنه الحاكم (2 / 162 - 163) ، وعبد الله بن

 

(12/555)

 

 

أحمد أيضا عن شيخ أبيه، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 /

774 - 775) ، والبيهقي في " السن " (7 / 132 - 133) ، والخطيب في " تاريخ

بغداد " (8 / 170) ، وابن عساكر أيضاً من طرق عن عبد الله بن وهب: حدثني

سعيد بن عبد الله الجهني: أن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثه عن

أبيه عن جده علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره. والسياق

لأحمد، وليس عند ابن ماجه إلا الجملة الثانية بلفظ:

" لا تؤخروا الجنازة إذا حضرت ". وقال الترمذي:

" حديث غريب حسن "! وتبعه العراقي؛ فقال في " تخريج الإحياء " (2 /

16) - بعد ما عزاه للترمذي فقط -:

" وسنده حسن "!

وتعقبه الزبيدي في " شرح الإحياء " (5 / 252) بما سأذكره عن الحافظ.

وأما الحاكم؛ فقال:

" حديث غريب صحيح "! ووافقه الذهبي!

وتبعه أحمد شاكر - رحمه الله -؛ فقال في تعليقه على " المسند " (2 / 144) :

" إسناده صحيح، سعيد بن عبد الله الجهني؛ مصري ثقة، وذكره ابن حبان

في الثقات "!

فأقول: نعم؛ ذمه ابن حبان في " الثقات " (8 / 261) ، وخالفه من هو

أعلم بالرجال منه: أبو حاتم الرازي؛ فقال ابنه (2 / 1 / 37) عنه:

" مجهول ".

 

(12/556)

 

 

وتبعه الذهبي في " الميزان " و " المغني "، والعسقلاني في " التلخيص " (1 /

186) ، وهذا هو الصواب؛ لأن الرجل لا يعرف إلا برواية ابن وهب عنه، فهو

مجهول العين! وابن حبان معروف عند العلماء بتساهله في توثيق المجهولين، وهو

أمر ظاهر جداً لمن تتبع كتابه " الثقات "؛ فقد وثق فيه - أو بعبارة أدق: أورد فيه -

المئات من الجهولين، وفيهم جمع كثير لا يعرفون إلا برواية من هم مثلهم في

الجهالة، أو من الضعفاء المعروفين عند الحفاظ بالضعف. تبين لي هذا وأنا في

صدد ترتيب رجاله على الحروف وتعليقي على كثيرين منهم. يسر الله لي إتمامه.

وللتاريخ أقول: لقد كنتُ التقيتُ الشيخَ أحمدَ - رحمه الله تعالى - في مكة

في حَجتي الأولى - وذلك قبل أكثر من أربعين سنة -، وزرته في الفندق الذي كان

نازلاً فيه، وعرّفته بنفسي وأني أرغب أن أعرف رأيه بالتفصيل في اعتداده بتوثيق

ابن حبان، فاعتذر بمرض زوجته! ثم قدر لي أن سافرت بعد الحج إلى المدينة لزيارة

المسجد النبوي، فأخبرت بأن لشيخ نازل في فندق لا أذكر اسمه، فزرته، وطلبت

منه أن يشرح لي وجهة نظره في توثيق ابن حبان، وذكرته بما قاله فيه الحافظ ابن

عبد الهادي، وابن حجر العسقلاني، فلم يأت بشيء! سوى أنه قال: لا يجوز

للمتأخرين إلا أن يعتدوا بجهود العلماء المتقدمين وعلمهم، فوافقته في هذا بداهة،

ولما لفتُّ نظره إلى أن هذا شيء وما نحن فيه شيء آخر؛ لأن ابن حبان خالف

العلماء كما شرحه الحافظان المشار إليهما، فإذا هو - سبحان الله - شعلة نار،

لا يمكن مناقشته! فجلستُ قليلاً، ثم استأذنت منصرفاً بخُفَّيْ حُنَيْن!

هذا؛ ولعله لما ذكرت من الجهالة أشار البيهقي في كتاب النكاح قبيل سوقه

للحديث إلى تضعيفه بقوله:

" وفي اعتبار الكفاءة أحاديث لا تقوم بأكثرها الحجة ".

 

(12/557)

 

 

ثم ساقه، وأقره النووي في " المجموع " (5 / 121) .

ثم إن الترمذي بعد أن حسنه كما تقدم - وذلك في كتاب الصلاة - فإنه عاد

فضعفه في آخر " الجنائز " (4 / 30 / 1075) ، فقال:

" حديث غريب، وما أرى إسناده بمتصل ".

كذا قال. ومع أنه قد أقره الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 244) ، ثم

الحافظ في " الدراية " (1 / 105) ؛ فإنه لم يظهر لي الانقطاع الذي يشير إليه.

وإن مما يستغرب إنكار الشيخ للمباركفوري في " تحفة الأحوذي " (1 / 155)

عبارة الترمذي هذه أن تكون في النسخ المطبوعة أو المخطوطة، مع أنها موجودة في

المكان المشار إليه من " الجنائز "، حتى في النسخة التي شرحها هو (2 / 165) !

فكأنه لم يستحضر ذلك حينما شرح الحديث في المكان الأول.

ولِمَا ذكرتُ من الجهالة؛ جزم الحافظُ بضعفه، فقال في مكان آخر من

" الدراية " (2 / 63) :

" أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف ".

وقد أفصح عن علته في " التلخيص الحبير "، فقال (1 / 186) - بعد أن

ذكر إسناده، وإعلال الترمذي إياه بالانقطاع -:

" وسعيد؛ مجهول، وقد ذكره ابن حبان في " الضعفاء " فقال: (سعيد بن

عبد الرحمن بن عبد الله) . ورواه الحاكم من هذا الوجه، فجعل مكانه: (سعيد

ابن عبد الرحمن الجمحي) ! وهو من أغلاطه الفاحشة ".

قلت: ولم يبين الحافظ سبب ذلك، ولا بد لي من بيانه، أو يعود إلى

 

(12/558)

 

 

أمرين:

الأول - وهو الأهم -: أن الحاكم رواه من طريق أحمد وابنه كما تقدم، وهما

روياه عن شيخهما هارون بن معروف - وهو ثقة من رجال الشيخين - عن ابن وهب

عن سعيد بن عبد الله الجهني، هكذا على الصواب، فرواية الحاكم عن أحمد

خلافه وخلاف رواية ابنه عنه يكون خطأ بلا شك.

والآخر: أنه مخالف لكل المتابعين لهارون في الطرق المشار إليها في أول

التخريج: قتيبة بن سعيد: عند البخاري والترمذي، وحرملة بن يحيى: عند ابن

ماجه، وعيسى بن أحمد العسقلاني: عند الخطيب. وكلهم ثقات، فمن

المستحيل - عادة - أن يخطئ هؤلاء والحفاظ الذين رووه عنه أيضاً، والحاكم هو

المصيب، كما هو ظاهر لكل لبيب!

وهذا كله يرد على رواية ابن حبان أيضاً. فإنه قال: حدثناه ابن خزيمة: ثنا

محمد بن يحيى الأهلي قال: ثنا هارون ين معروف: ثنا ابن وهب عن سعيد بن

عبد الرحمن الجمحي. . . بلى آخر الإسناد.

هكذا ساقه في ترجمة (سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي. . .) .

ولهذا؛ كنت أود للحافظ أن يقرن نسبته هذه (الجمحي) مع اسمه؛ حتى لا

يتبادر إلى ذهن القارئ أن الحاكم تفرد بذلك الغلط الفاحش، وأن غاية ما عند ابن

حبان أنه سمى جده عبد الله، وأباه عبد الرحمن: فيقول قائل: الخطب في مثل

هذا سهل؛ فإن قال في نسبه: (سعيد بن عيد الله) يكون قد نسبه إلى

جده، وأما أبوه؛ فهو عبد الرحمن؛ كما وقع عند الحاكم وكذا ابن حبان - فلكيلا

يقول قائل هذا؛ قلت: كنت أود أن يقرن مع اسمه نسبته (الجمحي) -؛ لأنها

 

(12/559)

 

 

هي التي تكشف عن الحقيقة، وأنه غير سعيد بن عبد الله الجهني.

وبالجملة؛ فخطأ ابن حبان عندي أفحش من خطأ الحاكم، وذلك؛ لأنه زاد

عليه أنه ذكر الحديث في ترجمة (الجمحي) مؤكداً الخطأ الذي ورد في

إسناده للحديث! ثم إنه زاد الطين بِلَّةً - كما يقال -، بإساءته

القول في المترجم فقال: «يروي عن عبيد الله بن عمرو وغيره من الثقات

أشياء موضوعة يتخايل إلى من يسمعها أنه كان المتعمد لها» !

مع أن الجمحي هذا معروف؛ وثقه غير واحد، وأخرج له مسلم، ولذلك؛ قال

الذهبي بعد أن نقل توثيقه عن ابن معين وغيره:

«وأما ابن حبان؛ فإنه خساف قصاب» !

والخلاصة: أن علة الحديث جهالة سعيد بن عبد الله الجهني، وأنه من

جعله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي؛ فقد وهم! ولو أن الحديث كان من

روايته؛ لكان حسناً في أسوأ أحواله. والله أعلم.

(تنبيه) : جاء في «شرح الإحياء» للزبيدي ما نصه:

«قال الذهبي: وسعيد مجهول، وقد ذكره ابن حبان في الضعفاء. اهـ» .

كذا فيه! وأظنه وهم في قوله: «الذهبي» ؛ فإن هذا إنما هو قول

الحافظ كما تقدم. على أن هذا النقل فيه اختصار مخل؛ لأنه يوهم أن

الذي ذكره ابن حبان في «الضعفاء» هو سعيد الجهني، والواقع أنه سعيد

الجمحي، وأن الجهني إنما أورده في «الثقات» ؛ كما تقدم بيانه.

 

(12/560)

 

 

5752 - (إن الله تعالى يقول في كل يوم: أنا العزيز، فمن أراد عز

الدارين؛ فليطع العزيز) .

موضوع. أخرجه الخليلي في «الإرشاد» (3 / 921 / 234) ، والخطيب في

«تاريخ بغداد» (8 / 171) ، وعنه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (4 /

148) ، وكذا ابن الجوزي في «الموضوعات» (1 / 122) ، والديلمي في «

مسند الفردوس» (3 / 221) من طريق أبي مالك سعيد بن هبيرة العامري:

حدثنا همام عن قتادة عن أنس مرفوعاً به. وقال الخليلي:

«لا يعرف إلا بهذا الإسناد» .

قلت: وهو واه؛ سعيد بن هبيرة؛ قال الذهبي في «المغني» :

«اتهمه ابن حبان وابن عدي» . وقال ابن الجوزي عقبه:

«قال ابن عدي: كان يحدث بالموضوعات. وقال ابن حبان: كان يحدث

بالموضوعات عن الثقات، لا يحل الاحتجاج به بحال» .

قلت: كلام ابن حبان هذا في «ضعفائه» (1 / 326 - 327) . وأما كلام

ابن عدي؛ فلا أدري أين هو، فليس لسعيد هذا ترجمة في «كامله» ، ولا

ذكر في «الميزان» و «اللسان» . والله أعلم.

وله طريق آخر علقه الديلمي فقال: رواه أبو عبد الرحمن السلمي: أخبرنا

حصن بن محمد بن يحيى بن عتاب النيسابوري - ساكن بلخ، قدم حاجاً -:

أخبرنا أبو منصور طلحة بن سعيد: حدثنا عباد بن عبد الحميد: حدثنا عوف

بن مالك عن أنس بن مالك رفعه. . . فذكره.

 

(12/561)

 

 

سكت عنه السيوطي في «اللآلي» (1 / 23) ! وسنده ضعيف جداً؛ أبو عبد

الرحمن السلمي؛ متهم بالوضع.

وعباد بن عبد الحميد؛ قال الذهبي في «الميزان» :

«مجهول. قال البخاري: فيه نظر» .

ومن بينه وبين السلمي؛ لم أعرفهما.

وذكر له ابن الجوزي طريقاً ثالثاً، وذكر أن فيه وضاعاً.

5753 - (كان إذا سُلم عليه وهو في القوم؛ قالوا: السلام عليكم. وإذا

كان وحده؛ قالوا: السلام عليك يا رسول الله!) .

ضعيف. أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (6 / 457 / 8887) من طريق

موسى بن محمد الأنصاري عن شيخ يقال له: إسحاق قال:

دخل ابن سيرين على ابن هبيرة وعنده الناس، فقال: السلام عليكم. فغضب

ابن هبيرة. وأرسل إليه، فدخل على ابن هبيرة وهو وحده، فقال: السلام

عليك أيها الأمير! فقال ابن هبيرة: جئتني وعندي الناس، فقلت:

السلام عليكم. وجئت الآن فقلت: السلام عليك أيها الأمير؟ !

فقال ابن سيرين: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان. . . الحديث

. وقال البيهقي:

«وهذا إن صح إسناده؛ فهو بالمتابعة أولى؛ غير أنه منقطع، وفي بعض

رواته نظر» .

قلت: كأنه يشير إلى إسحاق هذا، الراوي عن ابن سيرين؛ فإني لم أعرفه.

 

(12/562)

 

 

ووصفه لهذا الخبر بأنه منقطع؛ إنما يعني أنه مرسل؛ لأن ابن سيرين -

واسمه محمد - تابعي لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -.

لكن البيهقي من عادته أن يسميه منقطعاً. وهذا اصطلاح خاص به؛ لأنه في

اصطلاح عامة المحدثين أخص من المرسل، وهو أن يسقط دون الصحابي راو

واحد أو أكثر؛ كما هو مفصل في علم المصطلح.

ويعجبني بهذه المناسبة: ما أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1037

) - والسياق له -، والطبراني في «المعجم الكبير» (10 / 25 - 26) ،

ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (2 / 301) بسند صحيح عن معاوية بن

قرة قال: قال لي أبي:

يا بني! إذا مر بك الرجل فقل: السلام عليكم؛ فلا تقل: وعليك، كأنك

تخصه بذلك وحده؛ فإنه ليس وحده، ولكن قل: السلام عليكم.

ورواه ابن أبي شيبة (8 / 611 / 5737) .

وهذا له شاهد مرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ:

«إذا لقي الرجل أخاه المسلم؛ فليقل: السلام عليكم ورحمة الله» .

أخرجه الترمذي وصححه، وهو مخرج في «الصحيحة» (1403) .

ثم رأيت الأثر مختصراً في «مصنف عبد الرزاق» (10 / 391 / 19456) من

طريق أيوب: أن ابن سيرين دخل على ابن هبيرة فلم يسلم عليه بالإمارة

قال: السلام عليكم ورحمة الله.

ورواه ابن أبي شيبة (8 / 614 - 615) من طريق خالد بن [أبي] الصلت

قال:

 

(12/563)

 

 

دخل ابن سيرين على ابن هبيرة فقال: السلام عليكم. فقال ابن هبيرة:

ما هذا السلام؟ فقال: «هكذا كان يسلَّم على رسول الله» .

وخالد هذا؛ فيه جهالة، وله حديث منكر مخرج فيما تقدم في المجلد

الثاني رقم (947) .

5754 - (لا يغطين أحدكم لحيته في الصلاة؛ فإن اللحية من الوجه) .

ضعيف. أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» (3 / 198 - الغرائب) من

طريق جعفر بن محمد بن الحسين بن إسماعيل الأبهري قال: حدثنا إبراهيم

بن أبي حماد: حدثنا محمد بن عبد بن عامر: حدثنا محمد بن سلام

البيكندي: حدثنا عطاف بن خالد المخزومي عن نافع عن ابن عمر رفعه.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ ما بين الأبهري والمخزومي ليس لهم ذكر في شيء

من كتب الرجال؛ إلا البيكندي؛ فهو ثقة.

أما الأبهري؛ فقد ترجمه الذهبي في «السير» (17 / 576) بما يدل على

أنه من الصوفية الزهاد، وأنكر عليه أنه عمل له خلوة، فبقي خمسين

يوماً لا يأكل شيئاً! وقال عقبه:

«قل من عمل هذه الخلوات المبتدعة إلا واضطرب، وفسد عقله، وجف دماغه

، ورأى مرائي، وسمع خطاباً لا وجود له في الخارج، فإن كان متمكناً من

العلم والإيمان؛ فلعله ينجو بذلك من تزلزل توحيده، وإن كان جاهلاً

بالسنن

 

(12/564)

 

 

وبقواعد الإيمان؛ تزلزل توحيده، وطمع فيه الشيطان، وادعى الوصول،

وبقي على مزلة قدم، وربما تزندق وقال: أنا هو! نعوذ بالله من النفس

الأمارة، ومن الهوى، ونسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا. آمين» .

قلت: فأخشى ما أخشاه أن يكون هذا الحديث من آثار خلوته، فإنه لا وجود

له في شيء من دواوين الإسلام، وعن شيخه وشيخ شيخه اللذين لا ذكر لهم

في كتب الرجال! أقول هذا، وإن كان الذهبي قدم قب هذا النقد عن (

شيرويه) أنه وثقه. فإني أعتقد أن توثيق المتأخرين ليس في القوة

والتحري كتوثيق المتقدمين، لا سيما إذا كان مثل (شيرويه) هذا؛ فإن

كتابه «الفردوس» يدل على أنه كان حاطب ليل جمع فيه من الأحاديث الشيء

الكثير جداً مما لا سنام له ولا خطام، وفيها كثير من الموضوعات من

رواية الكذابين والوضاعين والمتروكين كما يعلم ذلك من تتبعها في كتاب

ابنه «مسند الفردوس» ؛ فضلاً عن روايته أحاديث تفرد بروايتها

المجهولون كهذا الحديث.

وإن مما يؤكد لك شهادتي هذه أنه ذكر في مقدمة «فردوسه» (ص 7) أنه

نقلها من بعض الصحف المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كـ «صحيفة

علي بن موسى الرضا» و (أبان بن أبي عياش) ! وهي من الموضوعات.

وأغرب من ذلك: أنه أنكر على أهل بلده أنهم جهلوا الصحيح والضعيف!

فإذا هو واقع في المنكر نفسه! والله المستعان.

ثم رأيت الذهبي ألمح إلى شيء مما ذكرت؛ فقال في ترجمة شيرويه - هذا

الديلمي - في «تذكرة الحفاظ» و «السير» (19 / 295) - واللفظ له،

بعد أن وصفه بـ «المحدث العالم الحافظ المؤرخ» -:

 

(12/565)

 

 

«قلت: هو متوسط الحفظ، وغيره أبرع منه وأتقن» .

وأما عطاف بن خالد؛ فقد اختلف فيه، وفي «تقريب الحافظ» :

«صدوق يهم» .

والحديث؛ قد ذكر في بعض كتب الشافعية بلفظ:

أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً غطى لحيته في الصلاة، فقال:

«اكشف لحيتك؛ فإنها من الوجه» . فقال الحافظ في «التلخيص الحبير»

(1 / 56) :

«لم أجده هكذا. نعم؛ ذكره الحازمي في تخريج أحاديث «المهذب» فقال

: «هذا الحديث ضعيف، وله إسناد مظلم، ولا يثبت عن النبي - صلى الله

عليه وسلم - فيه شيء» . وتبعه المنذري وابن الصلاح والنووي وزاد: «

وهو منقول عن ابن عمر» ، يعني: قوله: وقال ابن دقيق العيد: «لم

أقف له على إسناد، لا مظلم ولا مضيء» . انتهى» .

ثم ذكره الحافظ برواية الديلمي المذكورة أعلاه، ثم قال:

«وإسناده مظلم؛ كما قال الحازمي» .

5755 - (لا يصوم صاحب البيت إلا بإذن الضيف) .

منكر. أخرجه الديلمي (3 / 194) من طريق عبد الرحمن بن واقد: حدثنا

الصلت بن الحجاج: حدثنا أبو محمد بن الصلت الكوفي عن هشام بن عروة عن

أبيه عن عائشة مرفوعاً.

 

(12/566)

 

 

قلت: عبد الرحمن بن واقد: هو أبو مسلم البغدادي؛ ذكره ابن حبان في «

الثقات» (8 / 383) ، وقال ابن عدي (4 / 318) :

«حدث بالمناكير عن الثقات، وسرق الحديث» .

واعتمده الذهبي في «المغني» . وأما الحافظ فقال في «التقريب» :

«صدوق يغلط» .

وشيخه: الصلت بن الحجاج؛ ذكره أيضاً ابن حبان في «الثقات» (6 /

472) ، وقال ابن عدي في آخر ترجمته (4 / 83) بعد أن ساق له بعض

الأحاديث:

«وله غير ما ذكرت، وليس بالكثير، وفي بعض أحاديثه ما ينكر عليه؛ بل

عامته كذلك، ولم أجد للمتقدمين فيه كلاماً فأذكره» .

قلت: وأما قوله في إسناد الحديث: «حدثنا أبو محمد بن الصلت» ؛

فأخشى أن يكون لفظ «حدثنا» مقحماً فيه من الناسخ أو الطابع؛ لأن هذه

الكنية هي كنية الصلت نفسه؛ فقد ذكره ابن عدي هكذا:

«صلت بن الحجاج؛ أبو محمد بن الصلت» .

كذا فيه، والأمر بعد بحاجة إلى مزيد من البحث؛ فإن هذه الكنية لم ترد

في ترجمة الصلت بن الحجاج هذا من «الميزان» و «اللسان» . والله

أعلم.

5756 - (يسلم الرجال على النساء، ولا يسلم النساء على الرجال) .

موضوع. أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (82 / 240) ، وابن

 

(12/567)

 

 

حبان في «الضعفاء» (1 / 90) من طريق بشر بن عون: ثنا بكار بن تميم

عن مكحول عن واثلة بن الأسقع به مرفوعاً.

أورده ابن حبان في ترجمة بشر هذا، وقال:

«روى عن بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة نسخة فيها ست مئة حديث، كلها

موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال منها. . .» .

قلت: فساق أربعة أحاديث هذا أحدها، وقد ذكره أبو الفضل المقدسي في «

تذكرة الموضوعات» (ص 112) ، وقال:

«فيه بشر بن عون الشامي، عنده نسخة موضوعة» .

وشيخه بكار بن تميم، مجهول؛ قال ابن أبي حاتم (1 / 408) : سألت أبي

عنه؟ فقال:

«بكار بن تميم وبشر؛ مجهولان» .

قلت: فهو - إذن - شريك بشر في تحمل مسؤولية وضع هذا الحديث. فاتهام

بشر به دونه غير ظاهر. والله أعلم.

والحديث؛ قال الحافظ في «الفتح» (11 / 34) :

«رواه أبو نعيم في «عمل يوم وليلة» من حديث واثلة مرفوعاً. وسنده

واه، ومن حديث عمرو بن حريث مثله موقوفاً عليه. وسنده جيد» .

قلت: قد صح تسليم النبي - صلى الله عليه وسلم - على النساء، كما صح

تسليمهن عليه - صلى الله عليه وسلم -، وقد عقد البخاري في «الأدب

المفرد» لذلك بابين اثنين.

 

(12/568)

 

 

وروى بسند حسن عن الحسن: أن النساء كن يسلمن على الرجال.

وهذا خلاف هذا الحديث، وفي الباب آثار أخرى مختلفة، والعلماء كذلك

مختلفون: فمنهم من منع مطلقاً، ومنهم من أجاز مطلقاً - وهو الأصل -

ومنهم من فصل - وهو الأصح -. وقد بينت ذلك في تعليقي على الأثر

المذكور في «الأدب المفرد» (رقم 800) .

5757 - (هذه أثرة، ولا أحب الأثرة) .

ضعيف. أخرجه الطيالسي في «مسنده» (1146) ، ومن طريقه البيهقي في «

شعب الإيمان» (3 / 275 / 3529) : حدثنا عمر بن قيس عن عاصم بن عبيد

الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال:

كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف، فانقطعت شسعه، فقلت

: ناولني أصلحه، قال:. . . فذكره.

وخالفه عمر بن علي المقدمي، فقال: حدثنا عمر مولى آل منظور بن سيار

عن عاصم بن عبيد الله به؛ إلا أنه قال:

«فأخرج رجل شسعاً من نعله، فذهب يشده في نعل النبي - صلى الله عليه

وسلم -، فانتزعها، وقال:. . . فذكره.

أخرجه أبو إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (5 / 204 / 2) ، وأبو

يعلى في «مسنده» (13 / 162 / 7204) ، والطبراني في «الأوسط» (1

/ 160 / 1 / 2988) وقال:

«لم يروه عن عاصم إلا عمر مولى آل سيار، تفرد به عمر بن علي» .

 

(12/569)

 

 

كذا قال! وخفي عليه متابعة الطيالسي إياه، وإن خالفه في شيء من متنه

- كما ترى -، وفي إسناده، وهما وإن اتفقا على تسمية شيخهما بـ (عمر

) ، إلا أنهما اختلفا في نسبه، فالطيالسي قال:

«. . . ابن قيس» ، والمقدمي قال:

«. . . مولى آل منظور بن سيار» ، وهذا مجهول لم أجد له ترجمة، والأول

(عمر بن قيس) هو المعروف بـ (سندل) ، فهو متروك، فإن كان متابعاً

للآخر؛ فلا تنفع متابعته لشدة ضعفه.

وإنما قلت: «فإن كان. . .» ؛ لأنهم ذكروا أن الطيالسي مع كونه ثقة

حافظاً؛ فقد كانت له أوهام في بعض الأحاديث، فأخشى أن يكون وهم في

تسمية شيخه بـ (عمر بن قيس) مخالفاً بذلك المقدمي. على أن هذا قد

رموه بالتدليس، فلا ندري إن كان سمعه من عمر المولى مباشرة، أو تلقاه

عن غيره من المجهولين عنه. ولا يقال: إنه قد صرح بالتدليس؛ لأن

تدليسه كان من نوع عجيب لا ينفع فيه التحديث! وهو المسمى بتدليس

السكوت! فقال ابن سعد في «الطبقات» (7 / 291) :

«كان يدلس تدليساً شديداً يقول: سمعت، وحدثنا؛ ثم يسكت، فيقول:

هشام بن عروة، والأعمش» !

وقد خفي هذا على المعلق على «مسند أبي يعلى» ، فلم يعرج على إعلاله

به!

وجملة القول: أن الاختلاف المذكور إن كان مداره على راو واحد اختلف في

نسبه، أو على راويين؛ فلا قيمة لذلك؛ لما سبق بيانه.

 

(12/570)

 

 

على أنه لو فرض أن أحدهما يتقوى بالآخر؛ فالعلة من شيخهما عاصم بن

عبيد الله؛ فإنه ضعيف اتفاقاً؛ بل قال البخاري:

" منكر الحديثة ". وقال الدارقطني:

" مديني يترك ".

(تنبيه) :

1 - وقع (عمر مولى آل منظور) في " مسند أبي يعلى ": (عَمرو مولى. . .) .

والصواب (عمر) ؛ كما في مخطوطة " غريب الحديث) والمعجم الأوسط ".

2 - وكذلك وقع في " مسند الطيالسي ": (عمرو بن قيس) ! والصواب أيضاً

(عمر. . .) .؛ لأنه المذكور في الرواة عن عاصم بن عبيد الله؛ ولأنه على الصواب

وقع عند البيهقي من طريق الطيالسي؛ كما تقدم.

ومن الغريب: أن هذا الخطأ بعينه وقع في حديث آخر للطيالسي؛ أخرجه

قبيل هذا، وكنت خرجته في " الإرواء " (1 / 323) دون أن أتنبه " له، ثم نبهني

عليه أحد إخواني الطيبين إن شاء الله تعالى وجزاه خيراً.

والحديث؛ قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 244) :

" رواه أبو يعلى والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفقيه عاصم بن

عبيد الله، وهو ضعيف ".

وفيه تقصير واضح؛ لأنه لم يتعرض للراوي عنه.

ثم رأيت الحديث عند البزار (3 / 157 / 2468 - كشف الأستار) قال:

 

(12/571)

 

 

حدثنا أحمد بن عبدة: ثنا عمر بن علي: حدثني علي بن عبد الله مولى آل

منظور عن عاصم بن عبيد الله. . .

قلت: وهذا اختلاف آخر في اسم هذا المولى مما يؤكد جهالته، واليه أشار

الهيثمي في مكان آخر من " مجمعه " (3 / 21) :

" رواه البزار، وفيه من لم أعرفه ".

5758 - (أَبغضُ الخَلْقِ إلى اللهِ، لَمَن آمنَ ثُمن كَفَرَ) .

ضعيف.

أخرجه تمام في " الفوائد " (3 / 39 / 836 - ترتيب الفوائد) ،

ومن طريقه ابن عساكر في " التاريخ " (8 / 274) ، والطبراني في " المعجم

الكبير " (20 / 114 / 226) من طريق صدقة بن عبد الله عن نصر بن علقمة

عن أخيه عن ابن عائذ قال: حدثني عمرو بن الأسود عن معاذ بن جبل مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ صدقة بن عبد الله - وهو أبو معاوية السمين -؛

ضعيف؛ كما قال الذهبي في " الكاشف "، والحافظ في " التقريب ".

وبه أعله الهيثمي، فقال (6 / 260 - 261) :

" رواه الطبراني، وفيه صدقة بن عبد الله السمين؛ وثقه أبو حاتم وجماعة،

وضعفه غيرهم، وبقية رجاله ثقات ".

قلت: وفي قوله: " وثقه أبو حاتم " نظر؛ لأنه يوهم أنه صرح بأنه ثقة، وليس

كذلك؛ فإنه إنما قال فيه (2 / 1 / 430) :

" محله الصدق ".

 

(12/572)

 

 

وقد صرح ابنه في مقدمة " الجرح " (1 / 37) : أن من قيل فيه: صدوق أو

محله الصدق؛ فهو في مرتبة دون مرتبة من قيل فيه: " ثقة "، وأنه يكتب حديثه

وينظر فيه؛ وهي المنزلة الثانية. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى؛ فقد روى ابن عساكر (8 / 278) في ترجمة صدقة هذا

قال:

" ذكر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكتاني الأصبهاني أنه سأل أبا حاتم

الرازي عن صدقة بن عبد الله السمين؛ قال: ليس يكتب حديثه، ولا يحتج به ".

قلت: وهذا هو الصواب؛ لموافقته للأئمة النقاد الذين جرحوه، مثل الإمام

أحمد وقال فيه:

" ضعيف جداً ".

ومثل يحيى بن معين وأبي زمعة والبخاري والنسائي ومسلم ودحيم ويعقوب

والعقيلي وابن عدي. والجماعة الذين أشار إليهم الهيثمي موثقين مع قلتهم لا

يقرنون مع أولئك الأئمة في المعرفة بالرجال ونقدهم، فلا يعتد بمخالفتهم.

وبقية رجال الإسناد ثقات؛ غير ابن عائد - واسمه عبد الله -؛ ذكره الحافظ في

شيوخ محفوظ بن علقمة أخي نصر، وليس بالمشهور عندي؛ فقد أورده ابن سعد

في " الطبقات " (7 / 415) على أنه من الصحابة، ولم يذكر له سنداً في ذلك،

ومحفوظ؛ لا يذكر بالرواية عن أحد من الصحابة، وكأنه لذلك ضعف ابن حبان

القول بصحبته، وأورده في " طبقة التابعين " من " ثقاته "، فقال (5 / 39) :

" يقال: إن له صحبة. . روى عنه راشد بن سعد وأهل الشام ".

 

(12/573)

 

 

ثم ساق له حديثاً غريبا في التحذير من الكذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق

أخرى عن نصر بن علقمة عن أخيه محفوظ بن علقمة عن ابن عائذ عن المقدام بن

معدي كرب به.

وإذا عرفت ما تقدم من البيان والتحقيق؛ يتبين لك أنه لا وجه لقول المناوي

في " فيض القدير " بعد أن نقل كلام الهيثمي:

" وبه يتجه رمز المؤلف لحسنه "!

فهو قول غير وجيه، والحديث ضعيف غير حسن! ولعله لذلك بيض له في

كتابه الآخر " التيسير "، ولم يحسنه.

5759 - (لستُ بِنَبِيءِ الله، ولكنْ أنا نبيُّ الله) .

ضعيف.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (3 / 81 / 1050) : حدثنا

جدي قال: حدثنا عبد الرحيم بن حماد الثقفي قال: حدثنا الأعمش عن

الشعبي عن عبد الله بن عباس:

أن رجلاً قال: يا نبيْ الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، أورده العقيلي في ترجمة الثقفي هذا، وقال:

" قال جدي: قدم علينا من السند، شيخ كبير ". ثم قال:

" روى عن الأعمش مناكير، وما لا أصل له من حديث الأعمش، وقد روي

هذا بإسناد ليِّن ".

قلت: كأنه يشير إلى ما رواه علي بن حمزة الكسائي: حدثني حسين بن علي

 

(12/574)

 

 

الجعفي عن حمران بن أعيَن عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر رضي الله عنه قال:

جاء أعرابي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:. . . فذكره.

أخرجه الحاكم (2 / 231) بسند صحيح عن الكسائي به، وقال:

" صحيح على شرط الشيخين "!

كذا وقع فيه! ورده الذهبي بقوله:

" قلت: بل منكر لم يصح؛ قال النسائي: حمران؛ ليس بثقة. وقال أبو داود:

رافضي ".

قلت: وضعفه ابن معين أيضاً، وفي رواية عنه:

" ليس بشيء ".

وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 179) ، وقال ابن أبي حاتم (1 / 2 /

265) عن أبيه:

" شيخ ". زاد في " التهذيب " عنه:

" صالح ". فالله أعلم. وقال الحافظ في " التقريب ":

" ليس بصحيح ".

وعلي بن حمزة الكسائي. هو الإمام النحوي المشهور، له ترجمة جيدة في

" تاريخ بغداد "، وفي " سير أعلام النبلاء "، وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 /

457) .

 

(12/575)

 

 

وقد خالفه حمزة الزيات فقال: حدثني حمران بن أعين:

جاء رجل من أهل البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم. . . فذكر نحوه. كذا قال، لم يجاوز

حمران، فأعضله!

كذا رواه ابن عدي في " الكامل " (2 / 436 - 437 و 437) . أورده في

ترجمة حمران هذا، وساق له أحاديث أخرى، ثم قال:

" وله غير ما ذكرت، وليس بالكثير، ولم أر له حديثاً منكراً جداً فيسقط من

أجله، وهو غريب الحديث؛ ممن يكتب حديثه ".

وحمزة الزيات؛ هو ابن حبيب القارئ، وهو ثقة من رجال مسلم؛ لكن قال

الحافظ في " التقريب ":

" صدوق زاهد، ربما وهم ".

قلت: فلا أدري إذا كان الإعمال المشار إليه من وهمه، أو من وهم حمران

نفسه كما يترجح عندي؛ فكان تارة يسنده، وتارة يعضله؛ الأمر الذي يؤكد

ضعفه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(تنبيه) : تقدم أن الحاكم صححه على شرط الشيخين. فأخشى أن يكون

قوله: " على شرط الشيخين " مقحمة من بعض النساخ؛ لأن الذهبي لم يحك

عنه في " تلخيصه " سوى قوله: " صحيح "، ثم رده كما تقدم. هذا أولاً.

وثانياً: وقع عنده: (. . . أبي الأسود) ، فأخشى أيضاً أن يكون سقط من

الناسخ (أبي حرب بن) ؛ لأنهم لم يذكروا لحمران رواية إلا عن أبي حرب بن أبي

الأ سود. والله أعلم.

 

(12/576)

 

 

ثم إن القرطبي قال في " جامعه " (1 / 431) :

" قال أبو علي: ضعف سند هذا الحديث ".

قلت: أبو علي هذا أظنه الحافظ ابن السكن - واسمه سعيد بن عثمان بن

سعيد البغدادي، نزيل مصر -؛ قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (3 / 938) :

" وقع كتابه " الصحيح المنتقى " إلى أهل الأندلس ".

5760 - (لا تَدْخُلْ على النِّسَاءِ إلا بإذْنْ. قاله لأنس صبيحةَ اليومِ

الذي احتَلَمَ فيه) .

منكر بهذا التوقيت.

أخرجه الطبراني فيه المعجم الصغير (ص 51 -

هندية) وفي " الأوسط " (1 / 167 / 2 / 3119) ، وابن عدي في " الكامل "

(3 / 232) ، والخطيب في " تاريخ بغداد " (8 / 495) ، وابن عساكر في

" التاريخ " (3 / 164) من طريق زافر بن سليمان: ثنا مالك بن أنس عن يحيى

ابن سعيد عن أنس قال:

لما كان صبيحة اليوم الذي احتلمت فيه؛ أخبرت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:. . .

فذكره، قال: فما أتى علي يوم كان أشد منه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 326) :

" رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط "، وفيه زافر بن سليمان؛ وهو

ثقة، وفيه ضعف لا يضر، وبقية رجاله ثقات "!

كذا قاله والحق أن الضعف الذي فيه يضر؛ لكثرة وهمه؛ يدلك على ذلك

 

(12/577)

 

 

أقوال الأئمة الآتية:

الأول: قال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث أخرى:

" ولزافر غير ما ذكرت، وأحاديثه مقلوبة الإسناد، مقلوبة المتن، وعامة ما يرويه

لا يتابع عليه، ويكتب حديثه مع ضعفه ".

الثاني: قال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 315) :

" كثير الغلط في الأخبار، واسع الوهم في الآثار، على صدق فيه، والذي

عندي في أمره: الاعتبار بروايته التي يوافق فيها الثقات، وتنكب ما انفرد به من

الروايات ".

الثالث: قال الساجي:

" كثير الوهم ".

الرابع: النسائي؛ فقد أورده في " الضعفاء والمتروكين "، وقال:

" عنده حديث منكر عن مالك ".

قلت: وهو هذا؛ كما قال الحافظ في ترجمته من " التهذيب " (3 / 304) .

وليس نكارة الحديث من جهة تفرد زافر به فقط، ولو أن هذا يكفي في ذلك على

مذهب من يطلق النكارة على ما تفرد به الضعيف - كما هو مذهب أحمد -، وإنما

هو من جهة مخالفته أيضاً للثقات.

فقد جاء من غير طريق عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له:

" لا تدخل علي. . . "، بمناسبة تزول آية الحجاب في قصة بنائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على

 

(12/578)

 

 

زينب، وهو مخرج في " الصحيحة " (2957) .

5761 - (مَنْ حَجَّ واعتمر، وصلَّى بِبَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ جَاهَدَ؛ فَقَدِ

اسْتَكَمْلَ جميعَ سُنتِي) .

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " الثقات " (4 / 184) : أنا ابن قتيبة قال:

ثنا محمد بن أيوب بن سويد قال: ثنا أبي: أنبأ يونس بن يزيد قال: أنا حوشب

ابن [أبي] زياد عن أبي أسامة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن أيوب بن سويد - وهو الرملي -؛ قال ابن

حبان في " الضعفاء " (2 / 299) :

" يروي عن أبيه والأوزاعي الأشياء الموضوعة، لا يحل الاحتجاج به ولا

الرواية عنه ".

قلت: فالعجب منه كيف يورد في " ثقاته " راوياً لا يعرف إلا من رواية هذا

الذي يتهمه بالوضع - أعني: حوشباً هذا -، وقد سبقه إلى اتهامه بذلك أبو زرعة

الدمشقي - كما يأتي في الحديث الذي بعده -؟ ! فكان منه الواجب أن لايذكره.

وأبوه - أيوب بن سويد -؛ صدوق يخطئ؛ كما في " التقريب ".

وأما حوشب بن أبي زياد؛ فلا يعرف إلا في هذا الإسناد الموضوع كما عرفت،

فما أحسن ابن حبان بذكره إياه في " الثقات "! ومن المحتمل عندي أن يكون هو

حوشب بن زياد أبو الحسن القسري. قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 281) :

" روى عن يزيد الرقاشي. قال أبي: هو مجهول لا أعرفه ".

 

(12/579)

 

 

5762 - (إذا تناول العبد كأس الخمر، ناشده الإيمان من قلبه: سألتك بالله! أن لا تدخله عليَّ، فإنّي لا أستقر أنا وهو في موضع واحد) .

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 299 - 300) ، وابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 42) من طريق الحاكم، كلاهما عن محمد بن أيوب بن سويد الرملي عن أبيه عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقال ابن حبان:

" وهذا حديث موضوع لا أصل له. وكان أبو زرعة يقول: محمد بين أيوب أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة بخط طري، وكان يحدث بها ".

وأقره ابن الجوزي، ثم السيوطي في " اللآلي " (2 / 204 - 205) .

وله أحاديث أخرى، تقدم أحدها آنفاً، وآخر في المجلد الأول رقم (172) ،

وهو أبطل من هذا، ويأتي له آخر عقبه إن شاء الله تعالى.

 

(12/580)

 

 

5763 - (انطلق إلى السوق، واشتر له نعلاً، ولا تكن سوداء، واشتر له خاتماً، وليكن فصه عقيقاً، فإنه من تختّم بالعقيق، لم يقضَ له إلا الذي هو أسعد) .

موضوع.

أحرجه ابن حبان في " الثقات " (7 / 540 - 541) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 118 / 1 / 6835) ، وابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 57) من طريق الخطيب، كلهم عن محمد بن أيوب بن سويد قال: حدثني أبي: حدثني نوفل بين الفرات عن القاسم ابن محمد عن عائشة قالت:

 

(12/580)

 

 

أتى بعض بني جعفر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله!

أرسل معي من يشتري لي نعلاً وخاتماً. فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالاً، فقال:. . . فذكره. وقال الطبراني:

" تفرد به محمد بن أيوب ".

قلت: وهو موصوف بالوضع، كما تقدم نقله عن أبي زرعة وابن حبان في الحديثين قبله. وقال عقب هذا - وقد ساقه في ترجمة نوفل بن الفرات -:

" البلية من هذا الخبر من محمد بن أيوب بين سويد، لأن نوفلاً كان ثقة، وكان محمد بن أيوب يضع الحديث، وهذا الحديث موضوع ".

ووافقه ابن الجوزي، وأقره الحافظ في " اللسان " (5 / 87) .

وعلق عليه المصحح بقوله:

" رجعنا إلى ترجمة نوفل، فلم نجد في هذا الكتاب (الثقات) ترجمة نوفل ابن الفرات ".

قلت: وهذا منه غريب، فقد ذكره ابن حبان في موضعين من " الثقات ":

الأول: في طبعة (أتباع التابعين) ، وهو الذي ساق فيه الحديث، وقد أشرت إليه بالجزء والصفحة.

والآخر: طبقة (تبع أتباع التابعين) (9 / 221) .

وله ترجمة جيدة في " تاريخ ابن عساكر " (17 / 676 / - 677) ، وساق فيها هذا الحديث، وذكر عقبه فائدة تستدرك على " اللسان "، فقال:

 

(12/581)

 

 

" قال ابن المقرئ: سمعت حمد بن عمرو بن جابر الرملي الحافظ يحلف بالله أن محمد بن أيوب بن سويد كذاب ".

وأما الهيثمي، فلم يوف ابن أيوب هذا حقه من الجرح! فقال في " المجمع " (5 / 155) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه محمد بن أيوب بن سويد، وهو ضعيف جداً ".

وأما السيوطي، فقد تعقب ابن الجوزي بقوله في " اللآلي " (2 / 272) :

" قلت: أخرجه الطبراني في " الأوسط " (قلت: وهذا لا شيء. قال) :

وقال البخاري في " تاريخه ": حدثنا أبو عثمان سعيد بن مروان: حدثنا داود بن رشيد: حدثنا هشام بن ناصح عن سعيد بن عبد الرحمن عن فاطمة الكبرى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" من تختم بالعقيق، لم يقض له إلا بالتي هي أحسن ".

وهذا [أصل] أصيل [في الباب] (1) ، وهو أمثل ماورد في الباب. والله أعلم ".

وأقول: لي عليه مؤاخذات:

الأولى: للبخاري ثلاثة كتب في التارخ " الكبير " و " الأوسط " و " الصغير "، فهو أطلق العزو إليه، والمتبادر في هذه الحالة هو " الكبير " ولم أر الحديث فيه، وقد ترجم في " الكبير " ترجمة مختصرة جداً، فقال (3 / 2 / 196) :

__________

(1) هاتان الزيادتان استدركتهما من " تنزيه الشريعة " (2 / 276)

 

(12/582)

 

 

" هشام بن ناصح. روى عنه داود بن رشيد. يروي عن سعيد بن عبد الرحمن عن فاطمة الصغرى ".

فأقول: هشام هذا، لم أر له ذكراً في شيء من كتب التراجم الأخرى المتأخرة منها أو المتقدمة، حتى " ثقات ابن حبان " منها! وعليه، فهو مجهول. ومثله شيخه سعيد بن عبد الرحمن، فإني لم أعرفه في جملة من الرواة بهذا الاسم.

الثانية: قوله (فاطمة الكبرى) وهم! ولعله من بعض الناسخين، فقد تقدم عن " تاريخ البخاري " أن سعيداً هذا روى عن فاطمة الصغرى. وهي فاطمة بنت [حسين بن] (*) علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وأما فاطمة الكبرى، فهي فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنها.

الثالثة: يتبين مما سبق أن هذا الإسناد مظلم ومنقطع. فقول السيوطي:

" وهذا أصل أصيل. . . " إلخ، ساقط الإعتبار، وإن نقله ابن عراق وارتضاه!

وقد مضى الحديث مختصراً بألفاظ متقاربة، وبأسانيد مختلفة، أحدهما عن فاطمة - رضي الله عنها -، وكلها باطلة، فرأيت من تمام الفائدة أن أخرج حديث الترجمة هنا، لأن فيه زيادة في المتن عليها، وأن الحقها بها، فأنظر المجلد الأول، رقم (226 - 230) .

5765 - (قال داود النبي - صلى الله عليه وسلم -: السيئات غضّة: شوكها وحسكها) .

ضعيف.

أخرجه ابن حبان في " الثقات " (5 / 291 - 292) قال: ثنا العباس بن الخليل الطائي - بحمص - قال: ثنا نصر بن خزيمة بن علقمة بن

__________

(*) مابين المعكوفتين سقط من قالم الشيخ - رحمه الله -. (الناشر)

[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]

(*) هكذا ورد ترقيم الأحاديث في المطبوع 5763 ثم 5765 مباشرة، دون ذكر الرقم 5764، ولم ينبه عليه الناشر كما هي عادته في الكتاب

أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة

 

(12/583)

 

 

محفوظ بن علقمة الحضرمي قال: ثنا أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه محفوظ ابن علقمة عن ابن عائذ عن غضيف بن الحارث عن أبي الدرداء مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، من دون نصر بن علقمة، غير معروفين:

أولاً: العباس بن الخليل الحمصي، أورده الذهبي في " الميزان "، وقال:

" قال أبو أحمد الحافظ: فيه نظر ".

وأقره الحافظ في " اللسان ".

ثانياً: نصر بن خزيمة، كناه في " الجرح " ب (أبو إبراهيم الحضرمي الحمصي) ، وقال:

" روى عن أبيه عن نصر بن علقمة. روى عنه أبو أيوب البهراني سليمان بن عبد الحميد الحمصي ".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ولم يذكره ابن حبان في " ثقاته "، وهو على شرطه!

ثالثاً: خزيمة بن علقمة بن محفوظ، لايعرف، ولم يذكره أحد من المترجمين، حتى ولا ابن حبان!

5766 - (لقد قبض الله داود من بين أصحابه، فما فُتِنُوا ولا بدَّلُوا، ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مئتي سنةٍ) .

منكر.

أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 102 / 2342) ، وابن

 

(12/584)

 

 

حبان (6203) ، وابن عدي (6 / 269 - 270 و 7 / 89) من طريق الوليد بن مسلم قال: نا الهيثم بن حميد عن الوضين بن عطاء [وحفص بن غيلان] عن نصر بن علقمة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، وفي الوضين بن عطاء كلام يسير من جهة حفظه، ولا سيما وقد تابعه حفص بين غيلان، وهو صدوق. ولا أورده ابن عدي في الموضع الثاني في ترجمة الوضين ختمها بقوله:

" وله أحايث غير ما ذكرت، وما أرى بأحاديثه بأساً ".

قلت: فقول ابن كثير في " البداية " (2 / 18) :

" هذا حديث غريب، وفي رفعه نظر، والوضين بن عطاء كان ضعيفاً في الحديث. والله أعلم ".

قلت: ففيه نظر من وجهين:

أحدهما: جزمه بضعف الوضين! وليس كذلك.

والآخر: أنه لم يتفرد به كما عرفت، فليس هو علة الحديث. وأورده ابن عدي في الموضع الأول في ترجمة محمد بن وهب الدمشقي، وقال فيه:

" وله غير حديث منكر، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وقد تكلموا فيمن هو خير منه ". وتبعه الذهبي، فأورد الحديث في ترجمته، وقال: " هذا حديث منكر فرد ".

وأقره الحافظ في " اللسان "

 

(12/585)

 

 

وأنا أوافق على نكارة الحديث، ولكن ليس علة الحديث ابن وهب أيضاً، لأنه قد توبع عند الأولين من دحيم، وهو رواية لابن عدي!

فالأقرب ما أعله به أبو حاتم الرازي، فقال ابنه في " المراسيل " (ص 136) :

" سألت أبي عن حديث يرويه نصر بن علقمة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء. . . فذكر الحديث؟ قال أبي:

نصر بن علقمة عن جبير بن نفير، مرسل. وهو في موضع آخر: نصر بن علقمة، لم يدرك جبير بن نفير ".

قلت: فالعلة القادحة إنما هي الانقطاع بشهادة هذا الإمام الرازي.

ويمكن أن تكون العلة أو الانقطاع من الوليد، فإنه موصوف بأنه كان يدلس تدليس التسوية، فمن المحتمل أن يكون هو الذي أسقط الواسطة بين نصر وجبير، أو من بين آخرين غيرهما. والله أعلم.

وبالجملة، فالحديث كما قال ابن كثير في مكان آخر من " بدايته " (2 / 100) :

" وهذا حديث غريب جداً، وإن صححه ابن حبان ".

وأما قول الهيثمي (1 / 192) :

" رواه الطبراني، ورجاله موثوقون ".

فهو مما لا يروي ولا يشفي كغالب عادته! وقد فاته أنه رواه البزار أيضاً (1 / 122 - 123 - الكشف) وقال:

 

(12/586)

 

 

" لا نعلمه يروى من وجه متصل إلا بهذا الإسناد عن أبي الدرداء. وإسناده حسن، كل من فيه مشهور معروف بالنقل ".

5767 - (كانَ إذا أرادَ أن يقوم لحاجة (1) وأرادَ أنْ يرجعَ، وَضَعَ نَعْلَيْهِ في مجْلسِهِ، أو بَعْضَ ما يكونُ عليه) .

منكر.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 204) وفي " الثقات " (5 / 335) من طريق مبشر بن إسماعيل عن تمام بن نجيح عن كعب بن دُهل الإيادي عن أبي الدرداء قال. . . فذكره.

ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود (4854) ، وعنه البيهقي في " السنن " (6 / 151) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم 426 - ط) مختصراً. ولفظ أبي داود:

" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس وجلسنا حوله فقام، فأراد الرجوع، نزع نعليه أو بعض ما يكون عليه، فيعرف ذلك أصحابه، فيثبتون ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، قال الذهبي في ترجمة كعب هذا من " الكاشف ":

" مجهول، وتمام واه ".

قلت: وهذا هو الصواب فيهما. وأما قول الحافظ في كعب:

" فيه لين ".

فهو نابٍ عن القواعد العلمية، لأنه لم يرو عنه غير تمام هذا الواهي، فقد

__________

(1) وفي " الثقات ": (الجامعة) ! وهو خطأ

 

(12/587)

 

 

ضعفه الجمهور، بل قال ابن حبان:

" منكر الحديث جداً، يروي أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها ".

قلت ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها، والآخران تقدما برقم (2237، 2388) .

وإن من عجائب ابن حبان وتساهله في " ثقاته " أن يورد فيهم كعباً هذا المجهول، ومن طريق تمام هذا، وهو ذاكر لضعفه! فإنه قال في ترجمة كعب:

". . . روى عنه تمام بن نجيح، وتمام ضعيف "!

فكيف يكون شيخ هذا الضعيف - بل المتهم عند ابن حبان - ثقة ولم يرو عنه غيره! ؟

وأعجب من هذا العجب أن يوثق راوياً آخر لا يعرف إلا في إسناد فيه من يضع بشهادة ابن حبان وغيره كما تقدم قريباً برقم (5761) .

(تنبيه) : ذكر الهيثميُّ الحديثَ في " المجمع " (7 / 10 - 11) لزيادة فيها نزول آية: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه. . .} الآية، وفيه:

" وإن زنى وإن سرق. . . على رغم أنف أبي الدرداء. وقال:

" رواه الطبراني، وفيه مبشر بن إسماعيل، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره "!

قلت: وفي هذا الإعلال نظر من وجوه:

الأول إعلاله بمبشر - وهو الحلبي - ليس بشيء، لأنه ثقة، كما قال الذهبي

 

(12/588)

 

 

وغيره، ومن رجال الشيخين، إلا أن البخاري روى له متابعة.

الثاني: قوله " ضعفه البخاري وغيره "، فهو بالنسبة للبخاري وهم محض!

لأنه ليس له أصل في شيء من كتب الرجال التي هي من مراجعه، وأوسعها

" تهذيب الكمال " للحافظ المزي، والأئمة على توثيقه، كابن معين كما تقدم عنه

هو وأحمد وغيرهما، ولم يضعفه أحد غير ابن قانع، وقوله غير مقنع، لأنه كان

اختلط، وترجمته في " الميزان " و " اللسان " وغيرهما، وإذا عرفت ذلك فقوله:

". . . وغيره " قد يشعر أن هناك مضعِّفين غير ابن قانع، ولا سيما إذا نظر إلى قوله

بعد توثيق ابن معين: " وغيره "، فإنهم جمع، فتأمل! وقد أشار الذهبي في

" الميزان " إلى رد تضعيف ابن قانع بقوله في مبشر:

" صدوق عالم مشهور، تُكُلِّمَ فيه بلا حُجّةٍ، خرَّج له البخاري مقروناً ".

وقوله: " مقروناً " ليس دقيقاً، لأن البخاري إنما روى له في الحديث (1152)

متابعة وهذا مما استفدته من الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص 443) فإنه قال

متعقباً الذهبيّ في قوله: " تكلم فيه بلا حجة "، قال الحافظ:

" كذا قال! ولم يذكر من تَكَلَّم فيه، ولم أر فيه كلاماً لأحد من أئمة الجرح

والتعديل، لكن قال ابن قانع في " الوفيات ": إنه ضعيف. وابن قانع ليس

بمعتمد، وليس له في البخاري سوى حديث واحد عن الأوزاعي في (كتاب

التهجد) بمتابعة عبد الله بن المبارك ".

الثالث: أنه كان عليه - بديل إعلاله بمبشر - أن يعله بمن فوقه: تمام وشيخه

كعب، كما فعلنا فإن طريق الزيادة طريق المزيد عليه، فقد عزا السيوطي الحديث في

" الدر المنثور " (2 / 219) لأبي يعلى والطبراني وابن منده.

 

(12/589)

 

 

ثم وقفت على إسناد ابن منده في " تفسير ابن كثير " (1 / 553) ، فإذا هو عن مبشر عن تمام بتمامه. وقال عقبه:

" هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه بهذا السياق، وفي إسناده ضعف ".

الرابع: أن في متن الزيادة نكارة لا يجوز نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها بلفظ:

". . . أتاني آتٍ من ربي فقال: {ومن يعمل سؤاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} [4 / 110] ، وقد كانت شقت علي الآية التي قبلها: {من يعمل سوءاً يجزّ به} [4 / 123] ، فأردت أن أبشر أصحابي ".

قلت: يارسول الله! وإن زنى وإن سرق ثم استغفر غُفر له؟ قال:

" نعم ". ثم ثَلَّثْتُ، قال:

" رغم أنف أبي الدرداء ".

والنكارة في موضعين منها:

الأولى: كون الآية الثانية قبل الآولى، والواقع في القرآن الكريم خلافه، كما هو ظاهر من أرقامها.

والآخرى: أن الثابت في " الصحيحين " وغيرهما: أن الإرغام المذكور إنما كان لأبي ذر لما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله:

" مامن عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة ".

قال أبو ذر: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:

" وإن زنى وإن سرق ". (ثلاثاً) . ثم قال في الرابعة:

 

(12/590)

 

 

" على رغم أنف أبي ذر " (1)

ليس فيه: " ثم استغفر له؟ " فهذه الزيادة ـ حديثياً ـ منكرة أيضا.

(تنبيه) : لم يتنبه الشيخ نسيب الرفاعي للفرق بين حديث أبي ذر هذا الصحيح وبين حديث أبي الدرداء هذا المنكر فإنه قواه في " مختصر تفسير ابن كثير "

(1 / 439) فإنه أورده فيه خلافا لما ادعاه في مقدمته أنه ضرب صفحا عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة فقد تعقب تضعيفه ابن كثير المتقدم بقوله:

" ولكن له شاهداً من الصحيح سبق ذكره عن أبي ذر "!

وفي هذا العقب منتهى الجرأة في الرد على الحافظ ابن كثير بغير علم! والله المستعان.

5768 - (اسمعوا وأطيعوا فإن رأس الإسلام الطاعة والطاعة مفتاح الجنة وخير أعمالكم الجهاد) .

منكر. أخرجه ابن حبان في الثقات (5 / 455) : ثنا العباس بن الخليل بن جابر الطائي بحمص ـ من أصل كتابه ـ قال: ثنا نصر بن خزيمة بن علقمة بن

محفوظ بن علقمة الحضرمي قال: ثنا أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه محفوظ بن علقمة عن ابن عائذ قال: قال موهب أبو عمران: ثنا حنظلة الكاتب أنه سمع

النبي صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم من دون نصر بن علقمة غير معروفين وقد

__________

(1) وهو مخرج بنحوه من طرق عن أبي ذر في الصحيحة (826) .

 

(12/591)

 

 

سبق الكلام عليهم تحت الحديث (5765) فإنه بهذا الإسناد إلا أن تابعي هذا غير الذي هناك فهذا موهب أبو عمران ولم نجد له ذكراً إلا هنا فهو مجهول والله

أعلم.

5769 - (إذا حلف لك الرجل فلا يحل لك إلا أن تصدقه وإن كذب) .

منكر جداً. أخرجه ابن حبان في الثقات (5 / 533) بإسناده المتقدم عن ابن عائذ (الاصل: أبي عائذ) قال: ثنا ميسرة بن يزيد عن يزيد بن فروة:

أن معاوية حدث عن النبي صلى الله عليه وسمل به.

قلت: أورده في ترجمة يزيد بن فروة هذا وقال:

" روى عنه أهل الشام " وذكره الحافظ في اللسان وقال: " مجهول " ثم ساق له هذا لاحديث ولم يعزه لأحد وقال:

" هذا حديث منكر جداً " وذكره ابن عساكر في التاريخ (18 / 361) وقال:

" مولى بني مروان كان بدمشق أيام غلب عليها يزيد بن الوليد وقتل ابن عمه الوليد، له ذكر، حكى عنه عبد الله بن واقد الجرمي ".

ثم أسند إليه قصة القتل ولم يزد!

وميسرة بن يزيد لم أجد له ترجمة.

والسند إليه مظلم كما تقدمت الإشارة إليه في الحديث الذي قبله.

 

(12/592)

 

 

5770 - (نزل القرآن بلسان مضر)

ضعيف

أخرجه ابن حبان في " الثقات " (7 / 302) من طريق الحسين ابن أبي السري: ثنا الحماني عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن العيزار ابن جرول عن سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب عن عثمان بن عفان مرفوعاً.

قلت: وهذا سند ضعيف؛ من دون علقمة - ثلاثتهم - ضعفاء:

1 - محمد بن أبان: هو ابن صالح الجعفي الكوفي؛ ضعفه أبو داود وابن معين وغيرهما، وذكره ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 620 - 621) ، وله ترجمة في " التعجيل " و" اللسان ".

2 - الحماني: هو يحيى بن عبد الحميد؛ قال الحافظ في " التقريب ": " حافظ؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث ".

3 - الحسين بن أبي السري: هو ابن المتوكل؛ قال الحافظ:

" ضعيف ". وكذبه بعضهم.

 

(12/593)

 

 

5771 - (من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي السلطان في مبلغ برٍّ، أو تيسير عسرٍ؛ أجازه الله على الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام) .

ضعيف جداً.

روي من حجديث عائشة وعبد الله بن عمر وأبي الدراداء.

1 - أما حديث عائشة؛ فيرويه إبراهيم بن هشام الغساني قال: حدثنا أبي

 

(12/593)

 

 

عن عروة بن رويم اللخمي عن هشام بن عروة عن أبيه مرفوعاً.

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1 / 372 / 531 - الإحسان و 6069 - الموارد) ، والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 90 - هند) و " الأوسط " (1 / 205 / 2 / 3720) ، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (1 / 112 / 86) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " (1 / 315 / 530 - 532) . وقال الطبراني:

" تفرد به إبراهيم بن هشام ".

قلت: قال الذهبي عنه في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي من " الميزان " - وأقره الحافظ في " اللسان " -:

هو أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان! فلم يصب ".

وقد كذبه أبو حاتم وأبو زرعة. ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " العلل " (2 / 29 / 860) ، وقال:

" لا يثبت؛ قال أبو زرعة: إبراهيم بن هشام؛ كذاب، وغيره يرويه عن عروة ابن رويم؛ مرسلاً ".

2 - وأما حديث ابن عمر؛ فيرويه عبد الوهاب بن هشام بن الغاز عن أبيه [عن نافع] عنه مرفوعاً به.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (3 / 77) ، وابن حبان في " الثقات " (8 / 409 - 410) ، والبيهقي في " السنن " (8 / 167) وفي " الشعب " (6 / 114 / 7649) .

 

(12/594)

 

 

ذكره ابن حبان في ترجمة عبد الوهاب هذا، ولم يذكر فيه أكثر من هذا الحديث! فهو على هذا مجهول، وعليه يدل صنيع العقيلي؛ فإنه قال:

" لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به ". وأما أبو حاتم فقال فيه:

" كان يكذب ".

فتأمل الفرق بين هذا القول وبين توثيق ابن حبان إياه؛ بل قال الحافظ:

" وأخرج حديثه في " صحيحه "، وهذه مباينة عظيمة من أبي حاتم ".

3 - وأما حديث أبي الدراداء؛ ففيه من كلن معروفا بالكذب. ويختلف لفظه في آخره عن هذا بعض الشيء، وقد مضى (5384) .

5772 - (ما من أحد بأكسب من أحد، وما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، وإن الله يعطي المال من يجب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، فإذا أحب الله عبداً؛ أعطاه الإيمان) .

منكر.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (3 / 227) ، وابن حبان في " الثقات " (8 / 462) من طريق علي بن حميد السلولي: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ... فذكره.

أورده ابن حبان في ترجمة السلولي هذا، ولم يزد على أن ساق له هذا الحديث قائلاً:

" يغرب ". وقال العقيلي:

 

(12/595)

 

 

" لا يتابع على رفع حديثه ".

ثم ساق له هذا. ثم وراه من طريق عمرو بن مرزوق قال: حدثنا شعبة به نحوه موقوفاً. وقال:

" وهو أولى ". وذكره الذهبي في " الميزان "، وقال:

" قال أبو زرعة: " لا أعرفه "، وذكره العقيلي، وروى له حديثاً منكراً ".

ثم ساق إسناده إلى السلولي، ثم قال:

" غريب جداً ". وأقره الحافظ في " اللسان " وقال:

" قلت: هو معروف من كلام عبد الله، موقوف ".

5773 - (إن الله قال: يا جبريل! ما ثواب عبدي إذا أخذتُ كريمتيه إلا النظر إلى وجهي، والجوار في داري) .

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 263 / 2 / 9019) :

حدثنا مقدام بن دواد: ثنا أسد بن موسى: ثنا أشرس بن الربيع أبو شيبان الهذلي: ثنا أبو ظلال القسملي:

أنه دخل على أنس بن مالك فقال له: يا أبا ظلال! متى أصيب بصرُك؟ قال: لا أعقله. قال: أفلا أحدثك حديثاً حدثنا

به نبي الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن ربه تعالى قال:. . . فذكره. فلقد

رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبكون حوله، يريدون أن تذهب أبصارهم. وقال:

لم يروه عن أشرس إلا أسد بن وسى ".

قلت: هو صدوق.

 

(12/596)

 

 

وأشرس؛ مثله - عندي - فقد روى عنه أربعة من الثقات، وذكره ابن حبان فيهم (6 / 81) ، وإنما علة الحديث من شيخه أبي ظلال - واسمه هلال بن أبي ظلال -؛ وقيل غير ذلك، قال ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 85) :

" كان شيخا مغفلا، يروي عن أنس ما ليس من حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال ".

وهذا غير هلال بن أبي هلال، يروي عن أنس أيضاً، وعنه يحيى بن المتوكل.

هكذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 504) ؛ فقد فرق بينه وبين الذي قبله، وبه جزم الحافظ، فقال في " التقريب ":

" بصري مجهول، لم يرو عنه إلا يحيى بن المتوكل، ووهم من خلطه بالذي قبله ".

يشير إلى الذهبي؛ فقد قال في " الكاشف ":

" ضعفوه؛ سوى ابن حبان ".

وتبعه على ذلك الهيثمي؛ فقال عقب الحديث (2 / 309) :

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه أشرس بن الربيع، ولم أجد من ذكره، وأبو ظلال؛ ضعفه أبو داود والنسائي وابن عدي، ووثقه ابن حبان "!

وقوله: " لم أجد من ذكره " من غرائبه! فقد وثقه ابن حبان كما سبق إلا أنه لم يسمِّ أباه، وذكره بكنيته: أبي شيبان، وكذا البخاري أيضاً في " التاريخ " (1 / 2 / 42) ، وتبعه ابن أبي حاتم إلا أنه سمى أباه (ربيعة) .

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى: أخرجها ابن حبان في ترجمة غفيرة بنت

 

(12/597)

 

 

واقد من " الثقات " (9 / 4) : حدثنا عبد الملك بن محمد بن سميع الدمشقي:

ثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي عنها قالت: حدثتني حميدة بنت ثابت قالت:

كان أنس وأبو ظلال في بيت ثابت، فقال أنس: يا أبا ظلال! متى فقدت بصرك؟

فقال: وأنا صبي أعقل. قال: فهل أحدثك حديثاً حدثنيه حبيبي صلى الله عليه وسلم، يرويه عن جبريل، وجبريل يرويه عن الله عز وجل وعلا؟ قال:

" يا جبريل! ما جزاء من سلبت كريمتيه؟ فقال: " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ". قال: جزاؤه الخلود في داري، والنظر إلى وجهي ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ غفيرة؛ لا تعرف إلا في هذه الرواية، وحميدة بنت ثابت مثلها، ذكرها ابن حبان برواية غفيرة هذه (6 / 250) .

5774 - (نزل القرآن على لغة (الكعبين) : كعب بن لؤي؛ وهو أبو قريش، وكعب بن عمرو؛ وهو أبو خزاعة)

منكر.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (5 / 173 - 174) من طريق أحمد بن عبد الجبار العطاردي: حدثني أبي عن سهل بن شعيب عن ابن سفيان الأسلمي مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:

1 - الأسلمي هذا؛ لم أعرفه، وفي " الفردوس " أبو سفيان!

2 - سهل بن شعيب؛ ترجمه ابن أبي حاتم فقط برواية ثلاثة من الثقات، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

 

(12/598)

 

 

3 - عبد الجبار العطاردي - وهو ابن عمر - وهّاه أبو زرعة وغيره.

4 - وابنه أحمد؛ ضعيف.

5775 - (لا تقوم الساعة حتى تكون خصومات الناس في ربهم) .

ضعيف.

أخرجه ابن عبد البر في " الجامع " (2 / 93 - 94) ، والهروي في " ذم الكلام " (4 / 70 / 2) ، والديلمي في " مسند الفردوس " (3 / 168) من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي: حدثنا حسين بن حفص الأصبهاني قال: حدثنا سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الرقاشي هذا؛ فقد اختلفوا فيه؛ قال أبو داود:

" صدوق أمين مأمون، كتبت عنه بالبصرة ". وقال الدارقطني:

" صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه؛ فكثرت الأوهام في روايته ".

وتبنى الذهبي في " المغني " قول الدارقطني هذا.

وجمع بينه وبين ما قبله الحافظ؛ فقال في " التقريب ":

صدوق يخطئ، تغير حفظه لما سكن بغداد ".

وقد أشار ابن حبان إلى أن في حفظه ضعفاً؛ فقال في " الثقات " (8 / 391) :

 

(12/599)

 

 

((كان يحفظ أكثر حديثه)) .

فأقول: لعل كثرة خطئه تعود إلى كثرة حديثه؛ فقد قال فيه ابن جرير الطبري:

((ما رأيت أحفظ منه)) .

وكذلك قال ابن الأعرابي. وقال مسلمة:

((كان راويةً للحديث متقناً ثقة، يحفظ حديث شعبة كما يحفظ السورة)) .

وذكره الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) .

أو يعود ذلك إلى أنه كان اختلط في بغداد لما خرج إليها من البصرة، ولذلك؛ قال الأبناسي:

((فمن سمع منه بالبصرة؛ فسماعه صحيح. . .)) .

ذكره ابن الكيال في ((الكواكب)) ، ثم ذكر من سمع منه بالبصرة، ومن سمع منه ببغداد.

وقد أشار إلى شيء من هذا أبو الشيخ ابن حيان في ترجمة الحسين بن حفص الأصبهاني شيخ أبي قلابة الرقاشي، فقال في ((طبقات الأصبهانيين)) (1 / 189) :

((وكان الحسين بن حفص صاحب كتاب، قليل الخطأ، يخطئ عليه الغرباء، من ذلك حديث رواه أبو قلابة بإسناده. . .)) .

قلت: فذكر هذا الحديث، وذكر أنه أخرجه في ((فوائد الأصبهانيين)) .

 

(12/600)

 

 

قلت: ولم يبين وجه الخطأ، وظاهر ما في رواية ابن عبد البر أن الخطأ ممن فوق الرقاشي؛ فقد جاء فيها عقب الحديث:

((قال عبد الملك: فذكرت ذلك لعلي بن المديني، فقال:

((ليس هذا بشيء؛ إنما أراد حديث محمد بن الحنفية: ((لا تقوم الساعة حتى تكون خصومتهم في ربهم)) )) .

يعني: أن الحديث موقوف على ابن الحنفية، ولكنه لم يبين ممن الخطأ! والله أعلم.

فإذا صح هذا عن ابن المديني؛ ففيه تقوية لحال الرقاشي؛ لأنه لم ينكر الحديث عليه، وإنما أنكره على من فوقه. هذا ما بدا لي. فالله سبحانه وتعالى أعلم.

5776 - (لاتقوم الساعة حتى تكثر فيكم أولاد الجن من نسائكم، ويكثر نسبهم فيكم حتى يجادلوكم بالقرآن؛ حتى يردوكم عن دينكم) .

منكر جداً. أخرجه أبو بكر الكلاباذي في ((مفتاح المعاني)) (ق 381 / 1) من طريق خلف بن سليمان النسفي أبي سعيد: ثنا محمد بن المصفى: ثنا بقية ابن الوليد: ثنا عمران أو ابن عمران: ثني كرز عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر؛ عمران أو ابن عمران؛ لم أعرفه، فهو من مشايخ بقية المجهولين الذين من طريقهم كثرت المناكير في تحديث بقية عنهم بتدليسه إياهم، أو بتصريحه بالتحديث عنهم؛ كما مر هنا.

 

(12/601)

 

 

أقول هذا على افتراض أن هذا السند إليه صحيح، وليس كذلك؛ فإن خلف ابن سليمان النسفي ليس له ذكر في شيء من كتب التراجم التي عندي، فهو الآفة إن سلم من شيخ بقية.

(فائدة) : ذكر الذهبي في ((الميزان)) من رواية الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد قال: سمعت شيخنا أبا محمد بن عبد السلام السلمي (يعني: عز الدين) يقول - وجرى ذكر ابن عربي الطائي -:

((وهو شيخ سوء شيعي كذاب. فقلت له: وكذاب أيضاً؟ قال: نعم؛ تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال ابن العربي: هذا محال؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة! فقال: تزوجت جنية فرزقت منها ثلاث أولاد، فاتفق يوماً أني أغضبتها، فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة، وانصرفت، فلم أرها بعد)) .

وعلق الذهبي رحمه الله على تكذيب العز بن عبد السلام للشيخ ابن عربي بقوله:

((وما عندي من محيي الدين تعمد كذباً؛ لكن أثرت فيه الخلوات والجوع فساداً وخيالاً وطرف جنون)) .

والغرض من ذكر هذه الفائدة إنما هو تذكير القراء بأن العلماء يستنكرون أشد الاستنكار إمكانية التزاوج بين الإنس والجن؛ لاختلاف طبيعة خلقهما، حتى اتهموا من ادعى ذلك بالكذب أو بنوع من الجنون، وأحلاهما مر.

فما نسمعه في هذا الزمان من أن بعض النسوة يشعرن وهن في فراش الزوجية بالمجامعة ممن لا يرينه، إن هو إلا من وسوسة الشيطان، وتلاعبه ببني الإنسان،

 

(12/602)

 

 

ويستغل ذلك بعض أولئك الذين يتعاطون مهنة استخراج الجني من الإنسي، ويرتكبون في أثناء ذلك أموراً - غير تلاوة القرآن والمعوذات - مما هو غير واردٍ في السنة، مثل: مكالمة الجني وسؤاله عن بعض الأمور الخفية، وعن دينهم ومذهبهم! وتصديقهم في كل ما يخبرون به! وهم من عالم الغيب، لا يمكن للإنس أن يعرفوا مؤمنهم من كافرهم، والصادق من الكاذب منهم، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حرم إتيان الكهان وتصديقهم؛ لأنهم ممن يوالون الجن، وهؤلاء كانوا يسترقون السمع ويلقون إلى أوليائهم من الإنس ما استرقوا ويخلطون معه أكثر من مئة كذبة؛ كما في ((الصحيح)) .

أقول: إذا كان إتيان هؤلاء محرماً؛ فبالأولى أن يكون محرماً إتيان أوليائهم من الإنس الذين يخاطبون الجن مباشرة ويستخدمونهم، ويقضون لهم بعض مصالحهم، ليضلوهم عن سبيل الله؛ كما كان الأمر في الجاهلية، وذلك قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً} .

5777 - (إذا جامع الرجل ولم يسم؛ انطوى الجان على إحليله، فجامع معه، فذلك قوله: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) } .

منكر مقطوع. أخرجه ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) (27 / 88) :

حدثني محمد بن عمارة الأسدي: ثنا سهل بن عامر: ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال:. . . فذكره موقوفاً عليه.

قلت: وهذا إسناد مقطوع ضعيف مظلم؛ من دون عثمان بن الأسود؛ ضعفاء لا يحتج بهم؛ غير محمد بن عمارة الأسدي؛ فإني لم أعرفه، ومن طبقته ما في ((ثقات ابن حبان)) (9 / 112) :

 

(12/603)

 

 

((محمد بن عمارة بن صبيح الكوفي. يروي عن وكيع. حدثنا عنه أحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزان بـ (جرجان) .

قلت: فيحتمل أن يكون الأسدي هذا. والله أعلم.

وأما سهل بن عامر؛ فهو البجلي؛ قال البخاري في ((التاريخ الصغير)) (ص 226) :

((منكر الحديث، لا يكتب حديثه)) .

ونقله ابن عدي في ((الكامل)) (3 / 442) عنه وقال:

((ولسهل أحاديث عن مالك بن مغول وغيره ليست بالكثيرة. وأرجو أن لا يستحق تصريح كذبه)) .

كذا فيه: ((تصريح كذبه)) ! وفيه ركة ظاهرة، ولفظه في نقل ((اللسان)) عنه:

((. . . لا يستحق الترك)) .

ولا أستبعد أن يكون رواية بالمعنى.

وقال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 203) عن أبيه:

((ضعيف الحديث، روى أحاديث بواطيل، أدركته بالكوفه، وكان يفتعل الحديث)) .

وشذ عن هؤلاء ابن حبان، فذكره في ((الثقات)) (8 / 290) ! ولذلك؛ لم يلتفت إليه الذهبي في ((الميزان)) ، وتبنى قول أبي حاتم في ((المغني)) ؛ فقال:

 

(12/604)

 

 

((رماه أبو حاتم بالكذب)) .

وعليه يدل قول البخاري المتقدم، فهو متروك. والله أعلم.

ويحيى بن يعلى الأسلمي؛ ضعيف بالاتفاق، فهو آفة هذا الأثر إن لم يكن الراوي عنه.

واعلم أن إيرادي لهذا الأثر في هذه ((السلسلة)) - وإن كان ليس من شرطي، فقد وجدت نفسي مضطراً لتخريجه والكشف عن وهائه -؛ لأنني رأيت بعض العلماء من المفسرين وغيرهم قد ساقوه مساق المسلمات؛ كالقرطبي في ((جامعه)) (10 / 289) ، والشوكاني في ((فتح القدير)) (3 / 233) ، والآلوسي في ((روح المعاني)) (14 / 119) ! وفسروا به قوله تعالى لإبليس الرجيم في سورة الإسراء: {. . . وشاركهم في الأموال والأولاد} بل وكذلك الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (9 / 229) لما ذكر اختلاف العلماء في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم -:

((لم يضره شيطان أبداً)) ؛ في دعاء إتيان الرجل أهله (1) ، فكان آخر ما ذكر منها قوله:

((وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع؛ أمه كما جاء عن مجاهد. . . (فذكره. وقال) : ولعل هذا أقرب الأجوبة)) !

فأقول: قوله: ((كما جاء. . .)) بصيغة الجزم؛ يخالف حال إسناده! فكان الواجب على الحافظ أن يشير إلى ذلك بقوله: ((كما روي)) ؛ كما هو المقرر في المصطلح، وكما هي عادته الغالبة، ولكن غلبته طبيعة كل إنسان، والكمال لله وحده.

متفق عليه من حديث ابن عباس، وهو مخرج في ((الإرواء)) (2012) .

 

(12/605)

 

 

على أنه لو صح ذلك عنه؛ فهو مقطوع موقوف عليه، فلا حجة فيه، ولو أنه رفعه؛ لكان مرسلاً، والمرسل ضعيف عند المحدثين، ولا سيما في مثل هذا الأمر الغيبي الغريب، وهذا كله لو صح السند بذلك إليه، فكيف وهو مقطوع واهٍ؟ ! وقد أشار العلامة الآلوسي إلى رده بقوله: ((ثم إن دعوى أن الجن تجامع نساء البشر جماعاً حقيقياً مع أزواجهن إذا لم يذكروا اسم الله تعالى غير مسلّمة عند جميع العلماء، وقوله تعالى: {وشاركهم في الأموال والأولاد} غير نصٍّ في المراد كما لا يخفى)) .

وما قاله من التعميم مخالف لما تقدم، ووقع في وهم آخر، وهو أنه نسب أثر مجاهد للحسن أيضاً - وهو البصري -؛ قرنهما معاً!

وهذا خطأ؛ فإن أثر الحسن ذكره الحافظ قبيل أثر مجاهد بلفظ آخر نحو حديث ابن عباس المشار اليه آنفاً؛ إلا أنه قال في آخره:

((فكان يرجى إن حملت أن يكون ولداً صالحاً)) .

وعزاه الحافظ لعبد الرزاق، وهو في ((مصنفه)) (6 / 194 / 10467) بسند صحيح عنه.

ثم إن الآلوسي - رحمه الله - جاء بغريبة أخرى؛ فقال:

((ولا شك في إمكان جماع الجني إنسية بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى، ويدل على ذلك ما رواه أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال:

كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن، وقالوا إن هاهنا رجلاً من الجن يزعم أنه يريد الحلال؟ (!) فقال: ما أرى بذلك بأساً في الدين؛

 

(12/606)

 

 

ولكن أكره إذا وجدت امرأةُ حامل قيل: من زوجكِ؟ قالت: من الجن! فيكثر الفساد في الإسلام)) .

ووجه الغرابة استدلاله على الإمكان المذكور بهذا الأثر عن مالك! وهو باطل - في نقدي - سنداً ومتناً.

أما السند؛ فإن سعيد بن داود الزبيدي ضعفه ابن المديني، وكذبه عبد الله ابن نافع الصائغ في قصةٍ مذكورة في ترجمته في ((تاريخ بغداد)) و ((التهذيب)) . وقال الحاكم:

((روى عن مالك أحاديث موضوعة)) . وقال الخطيب وغيره:

((حدث عن مالك، وفي أحاديثه نكرة)) . وقال ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 325) :

((لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار)) .

وأما المتن؛ فإني أستبعد جداً - على فقه الإمام مالك - أن يقول في تزويج الإنسية بالجني: ((ما أرى بذلك بأساً في الدين)) ! ذلك لأن من شروط النكاح - كما هو معلوم - الكفاءة في الدين على الأقل. فلا يجوز تزويج مسلمة بكافر، بل ولا بفاسق، فمن أين لوليها وللشهود أيضاً أن يعلموا أن هذا الجني كفؤ لها، وهم لا يعرفونه؟ ! فإنه قد ظهر لهم بصورة رجل خاطب وجمبل! ولا يمكن رؤيته على حقيقته بنص القرآن.

وقد يتمثل بصورة أخرى إنسانية أو حيوانية، وحينئذٍ كيف يمكن تطبيق الأحكام المعروفة في الزوجين - كالطلاق والظهار والنفقة وغيرها - مع اختلاف

 

(12/607)

 

 

طبيعة خلقهما؟ ! تالله! إنها من أغرب الغرائب أن يخفى مثل هذا البُطل - بل السُّخف - على العلامة الآلوسي - غفر الله لنا وله -.

وأغرب من ذلك كله قول ابن تيمية في رسالة ((إيضاح الدلالة في عموم الرسالة)) (ص 125 - مجموعة الرسائل المنيرية) :

((وقد يتناكح الإنس والجن، ويولد بينهما ولد، وهذا كثير معروف)) ! !

وأقول: نعم؛ هو معروف بين بعض النسوة الضعيفات الأحلام والعقول، ولكن أن الدليل الشرعي والعقلي على التوالد أولاً، وعلى التزواج الشرعي ثانياً؟ ! هيهات هيهات!

وقد علمت مما ذكرته تحت الحديث السابق قبل هذا إنكار العز بن عبد السلام والذهبي على ابن عربي الصوفي ادعاءه أنه تزوج جنية! ! وأنه رزق منها ثلاثة أولاد! ! وأنه لم يعد يراها فيما بعد! ! ! وانظر كلام المازري المبطل لدعوى ابن عربي فيما يأتي تحت الحديث التالي، وهو من الأحاديث التي تساعد على تصديق خرافة التزاوج بين الإنس والجن؛ كمثل أثر مجاهد هذا والحديث الذي قبله.

5778 - (كان أحد أبوي بلقيس جنياً) .

منكر. أخرجه ابن جرير الطبري في ((التفسير)) (19 / 106) ، وأبو الشيخ في ((العظمة)) (5 / 1653) ، والثعلبي في ((التفسير)) (3 / 9 / 2) من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ سعيد بن بشير؛ مختلف فيه، وهو كما قال

 

(12/608)

 

 

البخاري:

((يتكلمون في حفظه، وهو محتمل)) وقال بلديه أبو مسهر.

((لم يكن في بلدنا (دمشق) أحد أحفظ منه، وهو منكر الحديث)) .

قلت: وبخاصة فيما تفرد به عن قتادة؛ قال ابن نمير:

((يروي عن قتادة المنكرات)) .

ولهذا؛ قال الحافظ ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (2 / 21) بعد أن عزاه للثعلبي: ((وهذا حديث غريب، وفي سنده ضعف)) .

قلت: ومما يؤكد ضعفه ونكارته: أنه قد خالف معمر فقال: عن قتادة قال:

بلغني أنها امرأة يقال لها: بلقيس؛ أحد أبويها من الجن، مؤخر أحد قدميها كحافرة الدابة.

أخرجه ابن جرير (19 / 95) ، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (6 / 134 / 2) .

قلت: وإسناده صحيح موقوفاً على قتادة. فيقال فيه ما قلته في أثر مجاهد الذي قبله وزيادة، وهي: أن الغالب على هذا وأمثاله مما يتعلق ببلقيس أنه من الإسرائيليات، وقد أشار إلى ذلك أبو حيان في تفسيره ((البحر المحيط)) (7 / 67) بعد أن ذكر معنى هذا الأثر:

((وقد طولوا في قصصها بما لم يثبت في القرآن ولا في الحديث الشريف)) .

 

(12/609)

 

 

وقال الماوردي:

((والقول بأن أم بلقيس جنية مستنكر من العقول؛ لتباين الجنسين واختلاف الطبعين، وتفارق الحسين؛ لأن الآدمي جسماني والجن روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، ويمتنع الامتزاج مع هذا التباين، ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف)) .

حكاه القرطبي عنه (13 / 213) ، ثم رده بما لا يسمن ولا يغني من جوع فقال:

((العقل لا يحيله مع ما جاء من الخبر في ذلك)) .

فأقول: نعم العقل لا يحيله، ولكنه أيضاَ لا يدركه؛ بل إنه يستبعده كما تقدم، فالإيمان به يتطلب نصاً صحيحاً صريحاً، والخبر الذي أشار إليه لا يصح، وهو حديث أبي هريرة هذا.

ثم أشار إلى أثر مجاهد المخرج قبله، وقد عرفت نكارته، وإلى النص القرآني: {وشاركهم في الأموال والأولاد} ، وسبق جواب العلامة الألوسي عنه تحت الأثر المذكور.

ثم رأيت الآلوسي قد صرح بإنكار حديث الترجمة؛ فقال بعد أن ذكره وقول أبي حيان المتقدم:

((والذي ينبغي أن يعول عليه عدم صحة الخبر)) . ثم ذكر قول أبي حيان

المتقدم، وزا د:

((. . . وأن ما ذكر من الحكايات أشبه شيء بالخرافات؛ فإن الظاهر على تقدير  وقوع التناكح بين الإنس والجن الذي قيل؛ يصفع السائل عنه؛ لحماقته وجهله أن لا يكون توالد بينهما)) .

وأقول: عبارته من قوله: ((يصفع. . .)) إلخ؛ غير سليمة؛ فإن السائل لم يذكر في السياق! فلينظر.

5779 - (إني أعلم آيةً لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود. فقلت: يا رسول الله! أي آية؟ قال: سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد. فانتهينا إلى الباب، فأخرج إحدى قدميه، فقلت: أنسي؟ ثم التفت إلي، فقال: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ) .

ضعيف جداً. أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (6 / 188 / 1) ، وأبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (2 / 186) من طريق أبي يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال:

كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يمشي في المسجد، فقال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً مسلسل بالضعفاء:

أولاً: عبد الكريم أبو أمية - وهو ابن أبي المخارق المعلم البصري -؛ قال الذهبي في ((المغني)) :

((ضعيف، تركه بعضهم)) .

ثانياً: سلمة بن صالح - وهو الواسطي الأحمر -؛ قال الذهبي أيضاً:

((متروك الحديث))

ثالثاً: أبو يوسف - وهو يعقوب بن إبراهيم القاضي، وصاحب أبي حنيفة -؛

قال الذهبي:

((قال الفلاس: صدوق كثير الغلط. وقال (خ) : تركوه. وقال المزني: أبو يوسف أتبع القوم للحديث. وقال عمرو الناقد: كان صاحب سنة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه)) .

قلت: فالعلة ممن فوقه. والله أعلم. وقد قال الحافظ ابن كثير عقب رواية ابن أبي حاتم:

((هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف)) .

5780 - (تجيء - وفي لفظٍ: تعرض - الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يارب! أنا الصلاة. فيقول: إنك على خيرٍ. فتجيء الصدقة فتقول: يارب! أنا الصدقة. فيقول: إنك على خيرٍ. ثم يجيء الصيام فيقول: أي رب! أنا الصيام. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول الله عز وجل: إنك على خير. ثم يجيء الإسلام فيقول: يارب! أنت السلام، وأنا الإسلام. فيقول الله عز وجل: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي. قال الله عز وجل في كتابه {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين} ) .

ضعيف. أخرجه أحمد (2 / 362) ، وأبو يعلى (11 / 04 1 / 6231) ، والطبراني في ((الأوسط)) (2 / 180 / 1 - 2) من طرق عن عباد بن راشد: ثنا الحسن: ثنا أبو هريرة - إذ ذاك ونحن بالمدينة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . فذكره. وقال الطبراني:

((لم يروه عن عباد بن راشد إلا حجاج بن نصر)) .

قلت: وهو ضعيف؛ لكن ليس كما قال الطبراني؛ فإنه متابع من ثقتين عند أحمد وأبي يعلى كما أشرت إلى ذلك بقولي: ((من طرق)) . وإنما علة الحديث الانقطاع بين الحسن وأبي هريرة، فقد قال عبد الله بن أحمد عقب الحديث:

((عباد بن راشد ثقة؛ لكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة)) .

قلت: وهذا هو المقرر عند العلماء: أنه لم يسمع من أبي هريرة؛ لكن قد صح عن الحسن أنه قال: لم أسمع من أبي هريرة غير حديث واحد، وهو حديث: ((المختلعات. . .)) . وقد خرجته في ((الصحيحة)) برقم (632) ، وذكرت هناك تصحيح الحافظ لإسناده؛ فراجعه. وعليه، يبدو أن توثيق عبد الله بن أحمد لعباد هذا يتنافى مع جزمه بأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. ولذلك؛ فإني أقول: لو كان عباد ثقة دون ضعف فيه؛ لكان ينبغي أن يلحق هذا الحديث بحديث: ((المختلعات)) ؛ ولكن ليس الأمر كذلك؛ فإن فيه اختلافاً كثيراً كما ترى أقوالهم في ((التهذيب)) ، ولذلك؛ قال الذهبي في ((الكاشف)) :

((تركه القطان، وضعفه أبو داود، وقواه أحمد)) .

ولذلك؛ لم يسع الحافظ إلا أن يذكر الخلاف فيه بأبسط من هذا في كتابه ((مقدمة الفتح)) ، وأفاد أن البخاري روى له حديثاً واحداً متابعة، وقال في ((التقريب)) مستخلصاً من تلك الأقوال:

((صدوق له أوهام)) .

قلت: فيخشى أن يكون وهم في تصريح الحسن بالتحديث عن أبي هريرة، وقد ذكر له ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 163) حديثاً آخر عن الحسن قال: حدثنا سبعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عبد الله بن عمر. . . فذكره، فقال عقبه:

((والحسن رحمه الله لم يشافه ابن عمر ولا أبا هريرة، ولا. . .)) إلخ، وقال فيه:

((كان ممن يأتي بالمناكير عن أقوام مشاهير، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها، فبطل الاحتجاج به)) .

قلت: ولعل مما يدل وعلى وهمه أنه في رواية الإمام أحمد - وهي المذكورة أعلاه - أدرج الآية في الحديث كما هو ظاهر؛ بينما هو في رواية أبي يعلى واللفظ الآخر له - وسنده إليه صحيح - فصلها عن الحديث؛ فقال:

((ثم قال الحسن: {إن الدين عند الله الإسلام. . .} إلخ.

والحديث؛ قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10 / 345) :

((رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في ((الأوسط)) ، وفيه عباد بن راشد؛ وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال (الصحيح)) ) .

قلت: ويؤخذ عليه أنه لم يذكر قول عبد الله بن أحمد الذي عقب به على الحديث مبيناً الانقطاع بين الحسن وأبي هريرة.

5781 - (إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبور لبولٍ أو غائطٍ) .

منكر. أخرجه الطحاوي في ((شرح المعاني)) (1 / 296 - 297) من طريق الخصيب قال: ثنا عمر بن علي قال: ثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة أن زيد ابن ثابت قال:

هلم - يا ابن أخي! - أخبرك، إنما نهى. . . الحديث.

قلت: وهذا إسناد معلول ومتن منكر، وقد كنت تكلمت عليهما بكلام جيد إن شاء الله تعالى في المجلد الثاني تحت الحديث رقم (966) ، وتعلقت هناك في إعلال إسناده بعمر بن علي هذا، مبيناً أنه المقدمي، وأنه كان يدلس تدليساً غريباً من نوعه، يسميه بعضهم تدليس السكوت، وشرحته هناك بما لا داعي لإعادته هنا، وجعلته السبب في عدم تصحيح الحافظ لهذا الإسناد، واقتصاره على قوله فيه: ((رجاله ثقات)) .

والآن أريد أن أزيد على ما تقدم أمرين اثنين: أحدهما يتعلق بهذا الحديث، والآخر يتعلق بالحديث المشار إليه بالرقم المذكور، فأقول:

أما الأول: فيمكن إعلال إسناده بالراوي عن المقدمي أيضاً، وهو الخصيب، وهو ابن ناصح الحارثي البصري؛ فإنه ليس مشهوراً بالحفظ والضبط، بل قد تكلم فيه، فذكره ابن حبان في ((ثقاته)) (8 / 232) قائلاً:

((ربما أخطأ)) . وأشار إلى هذا أبو زرعة بقوله:

((ما به بأس إن شاء الله تعالى)) . ولذلك؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :

((صدوق يخطئ)) .

ومن المعروف عند أهل العلم بهذا الفن. أن خطأ الراوي الثقة فضلاً عمن دونه؛ كذا الصدوق الذي يخطئ - يظهر بمخالفته لمن هو أوثق منه، فكيف به إذا خالف الثقات في أحاديثهم؟ فإن الكثير منهم قد رووا عنه - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الجلوس والقعود والوطأ على القبور، وقد كنت خرجت ثلاثة منها في ((أحكام الجنائز)) (209 - 210) ورابعاً في آخر الكلام على هذا الحديث في المجلد المشار إليه آنفاً، ثم خرجته تخريجاً علمياً دقيقاً في المجلد السادس برقم (2960) ، وهو من رواية عمرو بن حزم قال:

رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر فقال:

((انزل عن القبر، لا تؤذ صاحب القبر)) .

وإسناده صحيح؛ كما حققته هناك تحقيقاً لا تراه في كتاب. وهو نص قاطع يبطل تأويل تلك الأحاديث الصحيحة بأن المراد بها إنما هو الجلوس للغائط أو البول، بهذا الحديث المنكر، وصنوه الآخر، وعدت بزيادة الكلام عليه، فأقول:

أما الآخر: فقد وقفت على طريق أخرى، فرأيت أنه لا بد من بيان حاله، فأقول: روى الروياني فى ((مسنده)) (ق / 219 / 2) فقال: نا أحمد بن عبد الرحمن: نا عمي: نا محمد بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة: أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال:

((من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط؛ فكأنما جلس على جمرة من نار)) . قلت: وهذا إسناد واهٍ. قال ابن حبان في ترجمة عبيد الله بن زحر (2 / 62 - 63) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فهرس كتاب اعلام الموقعين لابن القيم

إعلام الموقعين/فهرس الجزء الأول [[إعلام الموقعين/الجزء الأول#نوعا التلقي عنه ﷺ|نوعا التلقي عنه ﷺ]] إخراج المتعصب عن زمرة العلماء فصل حفاظ ال...