السبت، 27 يناير 2024

ج8. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للالباني { من 4884. الي5367.}

 

ج8. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها 

السيئ في الأمة

المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ)

ساق له حديثاً آخر من رواية العطار هذا عنه بإسناده؛ فيه:

أن عماراً قال لأبي موسى: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعنك ليلة الجمل! فقال ابن عدي:

"عند محمد بن علي هذا من هذا الضرب عجائب، وهو منكر الحديث، والبلاء فيه عندي منه لا من حسين".

قلت: فلعله هو البلاء في هذا الحديث أيضاً؛ إن سلم ممن فوقه ودونه.

وإنما أوردته من أجل الطرف الثاني منه؛ وإلا فطرفه الأول له شاهد من حديث ابن عمر من طريقين عنه؛ خرجتهما في "الصحيحة" (1224) .

وشاهد آخر من حديث عمر موقوفاً عليه: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 65) .

وثالث عن ابن مسعود موقوفاً: أخرجه الحاكم (3/ 135) . وقال:

"صحيح على شرط لشيخين". ووافقه الذهبي.

وأخرجهما ابن عساكر (12/ 166/ 2) .

وأخرج له شاهداً رابعاً عن ابن عباس موقوفاً.

4884 - (يا عبد الله! أتاني ملك فقال: يا محمد! (واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا) على ما بعثوا؟ قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 120/ 2) من طريق الحاكم - ولم أره في "مستدركه" - بسنده عن علي بن جابر: أخبرنا محمد بن خالد بن عبد الله: أخبرنا محمد بن فضيل: أخبرنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله مرفوعاً. وقال الحاكم:

"تفرد به علي بن جابر عن محمد بن خالد".

قلت: والأول؛ لم أعرفه.

وأما الآخر؛ فهو الواسطي الطحان، وهو ضعيف اتفاقاً؛ بل قال ابن معين:

"رجل سوء، كذاب".

وسئل عنه أبو حاتم؟ فقال:

"هو على يدي عدل". قال الحافظ:

"معناه: قرب من الهلاك. وهذا مثل للعرب، كان لبعض الملوك شرطي اسمه (عدل) ، فإذا دفع إليه من جنى جناية؛ جزموا بهلاكه غالباً. ذكره ابن قتيبة وغيره".

ثم رأيت الحديث عند الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 96) بإسناده المتقدم.

4885 - (مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 66) ، وعنه ابن عساكر في "التاريخ" (12/ 157/ 1) : حدثنا عمر بن أحمد بن عمر القاضي القصباني: حدثنا علي بن العباس البجلي: حدثنا أحمد بن يحيى: حدثنا الحسن بن الحسين: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن الشعبي قال: قال علي: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وزاد:

فقيل لعلي: فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله تعالى على ما آتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني مما أعطاني.

قلت: وهذا إسناد مظلم ضعيف جداً؛ آفته الحسن بن الحسين - وهو العرني

الكوفي الشيعي - متهم؛ قال أبو حاتم:

"لم يكن بصدوق عندهم، وكان من رؤساء الشيعة". وقال ابن عدي:

"لا يشبه حديثه حديث الثقات". وقال ابن حبان:

"يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات".

ومن فوقه ثقات رجال الشيخين.

لكن من دونه؛ لم أجد ترجمتهم الآن.

ومما يؤكد وضع هذا الحديث: المبالغة التي فيه؛ فإن سيد المسلمين وإمام المتقين؛ إنما يصح أن يوصف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده فقط. ولذلك حكم على الحديث - وأمثاله مما في معناه - العلماء المحققون بالوضع، كما تقدم في الحديث (353) ؛ فراجعه.

4886 - (يا أنس! أول من يدخل عليك من هذا الباب: أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين. قال أنس: قلت: اللهم! اجعله رجلاً من الأنصار - وكتمته -؛ إذ جاء علي، فقال: من هذا يا أنس؟ فقلت: علي. فقام مستبشراً فاعتنقه، ثم جعل يمسح عن وجهه بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه. قال علي: يا رسول الله! لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل؟! قال: وما يمنعني، وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟!) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 63-64) ، وعنه ابن عساكر (12/ 161/ 2) من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا إبراهيم بن محمد ابن ميمون: حدثنا علي بن عابس عن الحارث بن حصيرة عن القاسم بن جندب عن أنس قال ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد مظلم جداً؛ ليس فيهم ثقة محتج به.

أولاً: القاسم بن جندب؛ لم أجد له ترجمة.

ثانياً: الحارث بن حصية شيعي محترق، اختلفوا في توثيقه؛ قال أبو حاتم:

"هو من الشيعة العتق؛ لولا أن الثوري روى عنه لترك حديثه". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوث يخطىء، ورمي بالرفض".

ثالثاً: علي بن عابس - وهو الكوفي الأزرق - متفق على تضعيفه. وقال ابن حبان:

"فحش خطؤه فاستحق الترك".

رابعاً: إبراهيم بن محمد بن ميمون؛ قال الذهبي:

"من أجلاد الشيعة، روى عن علي بن عابس خبراً عجيباً. روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر وغيره".

ويعني بالخبر العجيب هذا الحديث؛ فقد قال بعد سبع تراجم:

"إبراهيم بن محمد بن ميمون؛ لا أعرفه، روى حديثاً موضوعاً؛ فاسمعه ... " ثم ذكره من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عنه.

وأقره الحافظ على حكمه على الحديث بالوضع؛ غير أنه زاد عليه فقال:

"وذكره الأسدي في "الضعفاء"، وقال: إنه منكر الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال شيخنا أبو الفضل: ليس ثقة".

خامساً: محمد بن عثمان بن أبي شيبة مختلف في توثيقه، لكن أشار الحافظ في ترجمة إبراهيم بن محمد أنه قد رواه عنه غيره، فإن ثبت ذلك؛ فالعهدة فيه على من فوقه. ولعل الحافظ أخذ ذلك من قول الذهبي المتقدم:

"روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر وغيره"!!

وأبو شيبة هذا لم أعرفه، ولعله أراد أن يقول: أبو جعفر بن أبي شيبة، فسبقه القلم فكتب: أبو شيبة بن أبي بكر.

وأبو جعفر: هو محمد بن عثمان بن أبي شيبة الراوي لهذا الحديث. والله أعلم.

ثم رأيت الحديث قد أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، وأعله بابن عابس فقط! فقال:

"ليس بشيء، وتابعه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه. وجابر كذبوه"!

وأقره السيوطي في "اللآلىء المصنوعة" (1/ 186) ، ونقل كلام الذهبي والعسقلاني السابقين وأقرهما!

وتبعه على ذلك ابن عراق في كتابه "تنزيه الشريعة" (1/ 357) .

4887 - (إن الله تعالى عهد إلي عهداً في علي. فقلت: يا رب! بينه لي؟! فقال: اسمع. فقلت: سمعت. فقال: إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين. من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 66-67) عن عباد بن سعيد  ابن عباد الجعفي: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول: حدثني صالح بن أبي الأسود عن أبي المطهر الرازي عن الأعشى الثقفي عن سلام الجعفي عن أبي بزرة مرفوعاً. وزاد:

"فبشره بذلك. فجاء علي، فبشرته، فقال: يا رسول الله! أنبأنا عبد الله وفي قبضته، فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت: اللهم! أجل قلبه، واجعل ربيعه الإيمان. فقال الله: قد فعلت به ذلك. ثم إنه رفع إلى أنه سيخصه من البلاء بشيء لم يخص به أحداً من أصحابي. فقلت: يا رب! أخي وصاحبي؟! فقال: إن هذا شيء قد سبق؛ إنه مبتلى ومبتلى به".

قلت: وهذا إسناد مظلم جداً، ومتن موضوع؛ لوائح الوضع عليه ظاهرة كسوابقه، ورجاله كلهم مجهولون لا يعرفون؛ لا ذكر لهم في كتب الجرح والتعديل؛ سوى اثنين منهم:

الأول: صالح بن أبي الأسود؛ لم يتكلم فيه من المتقدمين سوى ابن عدي، فقال في "الكامل" (200/ 1) :

"أحاديثه ليست بالمستقيمة، فيها بعض النكرة، وليس هو بذاك المعروف".

وقال الذهبي - وتبعه العسقلاني -:

"واه".

والآخر: عباد بن سعيد الجعفي؛ ساق له الذهبي هذا الحديث؛ وقال:

"باطل، والسند ظلمات".

وكذا قال العسقلاني.

وأخرجه ابن عساكر (12/ 128/ 2) من طريق محمد بن عبيد الله بن أبي  رافع عن عون بن عبيد الله عن أبي جعفر وعن عمرو بن علي قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره؛ دون قوله: "فجاء علي ... ".

أخرجه ابن عساكر. وقال:

"هذا مرسل".

قلت: وإسناده - مع ذلك - واه جداً؛ فإن ابن أبي رافع متروك، كما تقدم قريباً تحت الحديث (4882) .

والحديث؛ قال ابن الجوزي:

"حديث لا يصح، وأكثر رواته مجاهيل".

نقله السيوطي كما يأتي في الحديث بعده.

4888 - (يا أبا برزة! إن رب العالمين عهد إلي عهداً في علي بن أبي طالب؛ فقال: إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني.

يا أبا برزة! علي بن أبي طالب أميني غداً يوم القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، علي مفاتيح خزائن رحمة ربي) .

موضوع

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (414/ 2) ، وأبو نعيم (1/ 66) عن أبي عمرو لاهز بن عبد الله: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حدثنا أنس بن مالك قال:

بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي برزة الأسلمي، فقال له وأنا أسمع ... فذكره. وقال ابن عدي:  "باطل بهذا الإسناد، وهو منكر الإسناد، منكر المتن؛ لأن سليمان التيمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن أنس؛ لا أعرف بهذا الإسناد غير هذا. ولا هز بن عبد الله مجهول لا يعرف، يروي عن الثقات المناكير، والبلاء منه، ولا أعرف للاهز غير هذا الحديث". وقال الذهبي - بعد أن نقل عن ابن عدي إبطاله للحديث -:

"قلت: إي والله! من أبرد الموضوعات، وعلي؛ فلعن الله من لا يحبه".

والحدث؛ أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، وأعله بخلاصة كلام ابن عدي المتقدم.

وأقره السيوطي في "اللآلىء" (1/ 188) ، ونقل كلام الذهبي السابق في جزمه بأنه من أبرد الموضوعات.

ثم ساق له طريقاً أخرى؛ وهي التي بالحديث الذي قبله؛ وقال:

"أورده ابن الجوزي في "الواهيات"، وقال: هذا حديث لا يصح، وأكثر رواته مجاهيل".

وأقره هو، وابن عراق (1/ 359) ؛ بل أيداه بأن نقلا قول الذهبي المتقدم هناك في إبطاله.

4889 - (ليلة أسري بي؛ انتهيت إلى ربي عز وجل؛ فأوحى إلي في علي بثلاث: أنه سيد المسلمين، وولي المتقين، وقائد الغر المحجلين) .

موضوع

أخرجه السلفي في "الطيوريات" (189/ 1) ، وابن عساكر (12/ 137/ 2) عن جعفر بن زياد: أخبرنا هلال الصيرفي: أخبرنا أبو كثير الأنصاري: حدثني عبد الله بن أسعد بن زرارة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ جعفر بن زياد شيعي، ولكنهم وثقوه.

لكن قال ابن حبان في "الضعفاء":

"كثير الرواية عن الضعفاء، وإذا روى عن الثقات؛ تفرد عنهم بأشياء، في القلب منها شيء". وقال الدارقطني:

"يعتبر به".

وهلال: هو ابن أيوب الصيرفي، ترجمه ابن أبي حاتم (4/ 2/ 75) برواية جعفر هذا فقط، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك ترجم لأبي كثير الأنصاري، من رواية إسماعيل بن مسلم العبد ي عنه (4/ 2/ 429) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ثم رواه ابن عساكر من طريق أبي يعلى: أخبرنا زكريا بن يحيى الكسائي: أخبرنا نصر بن مزاحم عن جعفر بن زياد عن هلال بن مقلاص عن عبد الله بن أسعد بن زرارة الأنصاري عن أبيه مرفوعاً، فزاد في الإسناد: "عن أبيه"، ولفظه:

"لما عرج بي إلى السماء؛ انتهي بي إلى قصر من لؤلؤ؛ فيه فراش من ذهب يتلألأ، فأوحي إلي ... " الحديث.

وهذا إسناد واه بمرة؛ نصر بن مزاحم؛ قال الذهبي:

"رافضي جلد، تركوه. قال العقيلي: شيعي؛ في حديثه اضطراب وخطأ كثير. وقال أبو خيثمة: كان كذاباً ... ".

وزكريا بن يحيى الكسائي شيعي أيضاً؛ قال ابن معين:

"رجل سوء، يحدث بأحاديث سوء، يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها"!

وقال النسائي والدارقطني: "متروك".

وتابعهما عمرو بن الحصين العقيلي: أنبأ يحيى بن العلاء الرازي: حدثنا هلال ابن أبي حميد به، وقال: عن أبيه؛ دون الشطر الأول من الحديث.

أخرجه ابن عساكر (12/ 138/ 1) ، وكذا الحاكم (3/ 137-138) . وقال:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: أحسبه موضوعاً، وعمرو وشيخه متروكان".

قلت: وقد مضى لهما عدة أحاديث، فانظر الأرقام (39 و 40 و 49 و 321 و 382 و 425) .

وقد روي الحديث من طريق أخرى عن هلال بن أبي حميد عن عبد الله بن عكيم الجهني مرفوعاً به. وهو موضوع أيضاً؛ كما سبق بيانه برقم (353) .

وبالجملة؛ فقد اضطرب الرواة في إسناد هذا الحديث كما رأيت، وليس فيها ما تقوم به الحجة، وقد بينه الحافظ في "الإصابة". وقال في خاتمة بيانه:

"ومعظم الرواة في هذه الأسانيد ضعفاء، والمتن منكر جداً".

ونقل السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 133/ 2) عن الحافظ أنه قال:

"ضعيف جداً ومنقطع". وقال:

"وقال العماد بن كثير: هذا حديث منكر جداً، ويشبه أن يكون موضوعاً من بعض الشيعة الغلاة، وإنما هذه صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا صفات علي".

قلت: وقد ذكرت نحوه عن ابن تيمية؛ عند الرقم المشار إليه آنفاً.

(تنبيه) : عزا السيوطي حديث الترجمة في "الجامع الكبير" (2/ 158/ 1) لابن النجار وحده! فيستدرك عليه أنه رواه ابن عساكر أيضاً.

وأما قول عبد الحسين الشيعي في كتابه "المراجعات" (ص 169) - بعد أن عزاه لابن النجار؛ نقلاً عن "الكنز" -:

"وغيره من أصحاب السنن"!!

فهذا كذب وزور؛ فإنه لم يروه أحد من أصحاب "السنن"، والمراد بهم أصحاب "السنن الأربعة": أبو داود، النسائي، الترمذي، ابن ماجه! وإنما يفعل ذلك تضليلاً للقراء، وتقوية للحديث!

ومن ذلك أنه فرق بين هذا الحديث وحديث الحاكم المذكور آنفاً؛ ليوهم أنهما حديثان! والحقيقة أنهما حديث واحد؛ لأن مداره على عبد الله بن أسعد. غاية ما في الأمر أن الرواة اختلفوا فيه، فبعضهم جعله من مسنده، وبعضهم من مسند أبيه! مع أن الطرق كلها إليه غير صحيحة كما رأيت. والله المستعان.

4890 - (يا أنس! انطلق فادع لي سيد العرب - يعني: علياً -. فقالت عائشة رضي الله عنها: ألست سيد العرب؟! قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب. يامعشر الأنصار! ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعده؟! قالوا: بلى يا رسول الله! قال: هذا علي؛ فأحبوه بحبي، وأكرموه لكرامتي؛ فإن جبريل - صلى الله عليه وسلم - أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 132/ 2) ، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 63) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني: حدثنا قيس بن الربيع عن ليث بن أبي سليم عن أبي ليلى عن الحسن بن علي مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد مظلم جداً؛ ليث وقيس ضعيفان.

ونحوهما ابن أبي شيبة؛ كما تقدم قريباً.

وأما الصيني؛ فهو شر منهم جميعاً؛ قال الدارقطني:

"متروك الحديث".

وكأنه - لشدة ضعفه - اقتصر الهيثمي عليه في إعلال الحديث، فقال في "مجمع الزوائد" (9/ 132) :

"رواه الطبراني، وفيه إسحاق بن إبراهيم الصيني؛ وهو متروك".

وروي بعضه من حديث عائشة بلفظ:

"أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب".

أخرجه الحاكم (3/ 124) ، وابن عساكر (12/ 138/ 2) عن أبي حفص عمر ابن الحسن الراسبي: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عنها. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد؛ وفيه عمر بن الحسن، وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: أظن أنه هو الذي وضع هذا". قلت: وذلك لأنه مجهول؛ فقد أورده في "الميزان"، وقال:

"لا يكاد يعرف، وأتى بخبر باطل متنه: (علي سيد العرب) ".

لكن تابعه يحيى بن عبد الحميد الحماني: أخبرنا أبو عوانة به.

أخرجه ابن عساكر (12/ 138/ 1-2) من طريقين عنه.

لكن الحماني؛ اتهمه أحمد وغيره بسرقة الحديث! مع كونه شيعياً بغيضاً، كما قال الإمام الذهبي.

ثم أخرجه الحاكم من طريق الحسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: وضعه ابن علوان".

ثم رواه ابن عساكر من طريق أبي بلال الأشعري: أخبرنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى عن عائشة مرفوعاً بلفظ:

"هذا سيد المسلمين". فقلت: ألست سيد المسلمين؟! فقال: "أنا خاتم النبيين، ورسول رب العالمين".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ جعفر هذا: هو القمي؛ قال الحافظ:

"صدوق يهم".

ومثله يعقوب؛ وهو ابن عبد الله القمي.

وأبو بلال الأشعري؛ ضعفه الدارقطني، ولينه الحاكم.

 

(10/513)

 

 

ثم أخرجه ابن عساكر من طريق أبي بكر الشافعي، وهذا في "الفوائد" (1/ 4/ 2) من طريق خلف بن خليفة عن إسماعيل بن أبي خالد قال:

بلغني أن عائشة نظرت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا سيد العرب! فقال عليه السلام:

"أنا سيد ولد آدم، وأبو بكر سيد كهول العرب، وعلي سيد شباب العرب".

قلت: وهذا - مع انقطاعه - فيه خلف بن خليفة؛ وكان اختلط في الآخر.

وذكر له الحاكم شاهداً من حديث جابر مرفوعاً؛ من رواية عمر بن موسى الوجيهي عن أبي الزبير عن جابر (1) . قال الذهبي:

"قلت: عمر وضاع".

ثم روى ابن عساكر من طريق أبي نعيم، وهذا في "أخبار أصبهان" (1/ 308) عن عبيد بن العوام عن فطر عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:

"أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، وإنه لأول من ينفض الغبار عن رأسه يوم القيامة".

قلت: وهذا ضعيف منكر؛ عطية العوفي ضعيف مدلس.

وعبيد بن العوام؛ لم أجد له ترجمة.

ثم رأيت في مسودتي ما نصه - عقب حديث الترجمة -:

__________

(1) سقط إسناد هذا الحديث من مطبوعة " المستدرك " (3/124) ؛ وبقي متنه، وكلام الذهبي في " التلخيص " عليه؛ فتنبه. (الناشر)

 

(10/514)

 

 

"وقال الأثرم: وسمعت أبا عبد الله (يعني: الإمام أحمد) ذكر له عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة (الحديث) ؟! فأنكره إنكاراً شديداً. قلت: لأبي عبد الله: رواه ابن الحماني؛ فأنكره الناس عليه، فإذا غيره قد رواه! قال: من؟ قلت: ذاك الحراني: أحمد بن عبد الملك! قال: هكذا كتابه! يتعجب منه. ثم قال: أنت سمعته منه؟ قلت: سمعته وهو يقول في هذا. قلت له: إن ابن الحماني قد رواه. قال: فما تنكرون علي وقد رواه الحماني؟! ولم يحدثنا به".

انتهى ما في مسودتي، وليس فيها بيان مصدره، وكأنني نسيت أن أقيده يوم نقلته منه، وغالب الظن أنه "المنتخب لابن قدامة"؛ فليراجع!

4891 - (أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي) .

موضوع

خرجه الحاكم (3/ 122) عن أبي نعيم ضرار بن صرد: حدثنا معتمر ابن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن الحسن عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي ... فذكره. وقال:

"صحيح على شرط الشيخين"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: بل هو - فيما أعتقده - من وضع ضرار. قال ابن معين: كذاب". وقال البخاري، والنسائي:

"متروك الحديث". وقال ابن أبي حاتم (2/ 1/ 465-466) عن أبيه:

"روى حديثاً عن معتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضيلة لبعض الصحابة، ينكرها أها المعرفة بالحديث".

 

(10/515)

 

 

قلت: والظاهر أنه يشير إلى هذا الحديث. ومع ذلك؛ فقد قال فيه:

"صاحب قرآن وفرائض، صدوق، يكتب حديثه، ولا يحتج به، روى ... "!!

قلت: وهذا من مخالفته لجمهور الأئمة؛ فإن أحداً منهم لم يصفه بالصدق، وأنى له ذلك وابن معين يكذبه؟! ويشير إلى ذلك الإمام البخاري بقوله المتقدم:

"متروك الحديث"؛ فإن هذا لا يقوله الإمام إلا فيمن هو في أردأ مراتب الجرح كما هو معلوم. وقد ساق له الذهبي هذا الحديث إشارة منه إلى إنكاره عليه. وقال فيه ابن حبان - وقد ساق له هذا الحديث -:

"يروي المقلوبات عن الثقات، حتى إذا سمعها السامع؛ شهد عليه بالجرح والوهن".

والحديث؛ أورده السيوطي في "الجامع الكبير" (3/ 61/ 2) من رواية الديلمي وحده!

وإليه عزاه الشيعي في "المراجعات" (172) ، ونقل تصحيح الحاكم إياه، دون نقد الذهبي له؛ كما هي عادته في أحاديثه الشيعية، ينقل كلام من صححه دون من ضعفه!

أهكذا يصنع من يريد جمع الكلمة وتوحيد المسلمين؟!

ولا يقتصر على ذلك؛ بل يستدل به على:

"أن علياً من رسول الله، بمنزلة الرسول من الله تعالى ... "!!! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!

وأما إذا وافق الذهبي الحاكم على التصحيح؛ فترى الشيعي يبادر إلى نقل

 

(10/516)

 

 

هذه الموافقة، بل ويغالي فيها؛ كما تراه في الحديث الآتي.

4892 - (من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع علياً فقد أطاعني. ومن عصى علياً فقد عصاني) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (3/ 121) ، وابن عساكر (12/ 139/ 1) من طرق عن يحيى بن يعلى: حدثنا بسام الصيرفي عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن معاوية بن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر مرفوعاً. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

قلت: أنى له الصحة؛ ويحيى بن يعلى - وهو الأسلمي - ضعيف؟! كما جزم به الذهبي في حديث آخر تقدم برقم (892) ، وهو شيعي متفق على تضعيفه كما بينته ثمة.

وسائر الرواة ثقات؛ غير معاوية بن ثعلبة؛ لا تعرف عدالته، كما تأتي الإشارة إلى ذلك في الحديث الذي بعده.

وبسام: هوابن عبد الله الصيرفي الكوفي، وقد وثقوه مع تشيعه.

والشطر الأول من الحديث صحيح: أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في "إرواء الغليل" (394) ، وفي "تخريج السنة" لابن أبي عاصم (1065-1068) .

وأما الشطر الثاني؛ فقد وقفت على طريق أخرى له؛ يرويه إبراهيم بن سليمان النهمي الكوفي: أخبرنا عباه بن زياد: حدثنا عمر بن سعد عن عمر بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن جده يعلى بن مرة الثقفي مرفوعاً بلفظ:

 

(10/517)

 

 

"من أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أحب علياً فقد أحبني ... " الحديث.

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (239/ 2) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 128/ 2) وقال ابن عدي:

"سمعت إبراهيم بن محمد بن عيسى يقول: سمعت موسى بن هارون الحمال يقول: عباه بن زياد الكوفي؛ تركت حديثه". قال ابن عدي:

"وقيل: عبادة بن زياد الأسدي، وهو من أهل الكوفة، من الغالين في الشيعة، وله أحاديث مناكير في الفضائل".

قلت: ونقل الحافظ ابن حجر في "اللسان" عن أحد الحفاظ النيسابوريين أنه قال:

"مجمع على كذبه". ثم تعقبه بقوله:

"هذا قول مردود، وعبادة لا بأس به؛ غير التشيع".

ويؤيده قول ابن أبي حاتم (3/ 1/ 97) عن أبيه:

"هو من رؤساء الشيعة، أدركته ولم أكتب عنه، ومحله الصدق".

قلت: وآفة الحديث إما ممن فوقه، أو من دونه؛ فإن عمر بن عبد الله الثقفي وأباه ضعيفان؛ قال الذهبي في الوالد:

"ضعفه غير واحد. روى عنه ابنه عمر، وهو ضعيف أيضاً. قال البخاري: فيه نظر". وقال ابن حبان:

"لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد؛ لكثرة المناكير في روايته، ولا أدري

 

(10/518)

 

 

أذلك منه أم من ابنه عمر؛ فإنه واه أيضاً؟! ".

وإبراهيم بن سليمان النهمي؛ ضعفه الدارقطني.

وأما حديث: "من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني"؛ فهو حديث صحيح، خرجته في "الصحيحة" (1299) .

(تنبيه) : ذكر الشيعي هذا الحديث في "مراجعاته" (ص 174) ؛ فقال:

"أخرجه الحاكم في ص (121) من الجزء الثالث من "المستدرك"، والذهبي في تلك الصفحة من "تلخيصه"، وصرح كل منهما بصحته على شرط الشيخين"!!

قلت: وهذا كذب مكشوف عليهما؛ فإنهما لم يزيدا على قولهما الذي نقلته عنهما آنفاً:

"صحيح الإسناد"!

وكنت أود أن أقول: لعل نظر الشيعي انتقل من الحديث هذا إلى حديث آخر صححه الحاكم والذهبي على شرطهما في الصفحة (121) ، وددت هذا؛ عملاً بقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ، ولكن منعني منه أنه لا يوجد في الصفحة المذكورة حديث صححه الحاكم على شرطهما، ولا الذهبي!!

بل إنني أردت أن أتوسع في الاعتذار عنه إلى أبعد حد؛ فقلت: لعل بصره انتقل إلى الصفحة التي قبلها، على اعتبار أنها مع أختها تشكلان صفحة واحدة عند فتح الكتاب؛ فربما انتقل البصر من إحداهما إلى الأخرى عند النقل سهواً، ولكني وجدت أمرها كأمر أختها، ليس فيها أيضاً حديث مصحح على شرط

 

(10/519)

 

 

الشيخين! فتيقنت أن ذلك مما اقترفه الشيعي وافتراه عمداً! فماذا يقول المنصفون في مثل هذا المؤلف؟!

ثم وجدت له فرية أخرى مثل هذه؛ قال في حاشية (ص 45) :

"أخرج الحاكم في صفحة (4) من الجزء (3) من "المستدرك" عن ابن عباس قال: شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي ... الحديث، وقد صرح الحاكم بصحته على شرط الشيخين وإن لم يخرجاه، واعترف بذلك الذهبي في (تلخيص المستدرك) "!!

وإذا رجع القارىء إلى الصفحة والجزء والحديث المذكورات؛ لم يجد إلا قول الحاكم:

"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"! وقول الذهبي:

"صحيح"!

ولا مجال للاعتذار عنه في هذا الحديث أيضاً بقول: لعل وعسى؛ فإن الصفحة المذكورة والتي تقابلها أيضاً؛ ليس فيهما حديث آخر مصحح على شرط الشيخين.

ثم إن في إسناد ابن عباس هذا ما يمنع من الحكم عليه بأنه على شرط الشيخين؛ ألا وهو أبو بلج عن عمرو بن ميمون.

فأبو بلج هذا: اسمه يحيى بن سليم؛ أخرج له أربعة دون الشيخين.

وفيه أيضاً كثير بن يحيى؛ لم يخرج له من الستة أحد! وقال أبو حاتم:

"محله الصدق".

وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو زرعة:

"صدوق". وأما الأزدي فقال:

 

(10/520)

 

 

"عنده مناكير".

ثم وجدت له فرية ثالثة في الحديث المتقدم برقم (3706) ، هي مثل فريتيه السابقتين؛ فراجعه.

4893 - (يا علي! من فارقني فقد فارق الله. ومن فارقك يا علي! فقد فارقني) .

منكر

أخرجه الحاكم (3/ 123-124) ، والبزار (3/ 201/ 2565) ، وابن عدي، وابن عساكر (12/ 139/ 1) عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر مرفوعاً. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: بل منكر".

وأقول: ليس في إسناده من يتهم به؛ سوى معاوية هذا، وقد أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 378) بهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك صنع البخاري في "تاريخه" (4/ 1/ 333) ، لكنه أشار إلى هذا الحديث وساق إسناده.

وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 416) !

ويحتمل أن يكون المتهم به هو داود هذا؛ فإنه - وإن وثقه جماعة -؛ فقد قال ابن عدي:

"ليس هو عندي ممن يحتج به، شيعي، عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت".

 

(10/521)

 

 

ذكره الذهبي؛ ثم ساق له هذا الحديث. وقال:

"هذا منكر".

4894 - (يا علي! أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي) .

موضوع

أخرجه ابن عدي (308/ 2) ، والحاكم (3/ 127-128) ، والخطيب (4/ 41-42) ، وابن عساكر (12/ 134/ 2-135/ 1) من طرق عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر: أخبرنا عبد الرزاق: أنبأ معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علي فقال ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح على شرط الشيخين، وأبو الأزهر - بإجماعهم - ثقة، وإذا انفرد الثقة بحديث؛ فهو على أصلهم صحيح"!!

وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: هذا وإن كان رواته ثقات؛ فهو منكر، ليس ببعيد من الوضع؛ وإلا لأي شيء حدث به عبد الرزاق سراً، ولم يجسر أن يتفوه به لأحمد وابن معين والخلق الذين رحلوا إليه، وأبو الأزهر ثقة".

قلت: يشير الذهبي بتحديث عبد الرزاق بالحديث سراً إلى ما رواه الحاكم عقب الحديث، والخطيب - وسياقه أتم - قال: قال أبو الفضل: فسمعت أبا حاتم يقول: سمعت أبا الأزهر يقول:

 

(10/522)

 

 

خرجت مع عبد الرزاق إلى قريته، فكنت معه في الطريق، فقال لي: يا أبا الأزهر! أفيدك حديثاً ما حدثت به غيرك؟! قال: فحدثني بهذا الحديث.

ثم روى الخطيب بسنده عن أحمد بن يحيى بن زهير التستري قال:

لما حدث أبو الأزهر النيسابوري بحديثه عن عبد الرزاق في الفضائل؛ أخبر يحيى بن معين بذلك، فبينا هو عنده في جماعة أهل الحديث؛ إذ قال يحيى بن معين: من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟! فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى بن معين وقال: أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته. وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث".

قلت: ويؤيد قول ابن معين هذا؛ أن أبا الأزهر قد توبع عليه؛ فقد قال الخطيب:

"قلت: وقد رواه محمد بن حمدون النيسابوري عن محمد بن علي بن سفيان النجار عن عبد الرزاق؛ فبرىء أبو الأزهر من عهدته؛ إذ قد توبع على روايته".

قلت: فانحصرت العلة في عبد الرزاق نفسه، أو في معمر، وكلاهما ثقة محتج بهما في "الصحيحين"، لكن هذا لا ينفي العلة مطلقاً:

أما بالنسبة لمعمر؛ فقد بين وجه العلة فيه: أبو حامد الشرقي؛ فقد روى الخطيب بسند صحيح عنه:

أنه سئل عن حديث أبي الأزهر هذا؟ فقال:

"هذا حديث باطل، والسبب فيه: أن معمراً كان له ابن أخ رافضي، وكان معمر يمكنه من كتبه، فأدخل عليه هذا الحديث، وكان معمر رجلاً مهيباً لا يقدر

 

(10/523)

 

 

عليه أحد في السؤال والمراجعة، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر! ".

قلت: فهذا - إن صح - علة واضحة في أحاديث معمر في فضائل أهل البيت، ولكني في شك من صحة ذلك؛ لأنني لم أر من ذكره في ترجمة معمر؛ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما. والله أعلم.

ثم رأيت الذهبي قد حكى ذلك عن أبي حامد الشرقي، وابن حجر أيضاً؛ لكن في ترجمة أبي الأزهر، فقال الذهبي - بعد أن وثقه -:

"ولم يتكلموا فيه إلا لروايته عن عبد الرزاق عن معمر حديثاً في فضائل علي يشهد القلب بأنه باطل، فقال أبو حامد (فذكر كلامه ملخصاً ثم قال) . قلت: وكان عبد الرزاق يعرف الأمر، فما جسر يحدث بهذا الأثر إلا سراً؛ لأحمد بن الأزهر ولغيره؛ فقد رواه محمد بن حمدون عن ... فبرىء أبو الأزهر من عهدته".

وأما بالنسبة لعبد الرزاق؛ فإعلاله بن أقرب؛ لأنه وإن كان ثقة؛ فقد تكلموا في تحديثه من حفظه دون كتابه؛ فقال البخاري:

"ما حدث به من كتابه فهو أصح". وقال الدارقطني:

"ثقة، لكنه يخطىء على معمر في أحاديث". وقال ابن حبان:

"كان ممن يخطىء إذا حدث من حفظه؛ على تشيع فيه". وقال ابن عدي في آخر ترجمته:

"ولم يروا بحديثه بأساً؛ إلا أنهم نسبوه إلى التشيع، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به، وأما في باب الصدق؛ فإني أرجو أنه لا بأس به؛ إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين؛ مناكير". وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان":

 

(10/524)

 

 

"قلت: أوهى ما أتى به: حديث أحمد بن الأزهر - وهو ثقة -: أن عبد الرزاق حدثه - خلوة من حفظه -: أنبأنا معمر ... (قلت: فساق الحديث، وقال) .

قلت: ومع كونه ليس بصحيح؛ فمعناه صحيح؛ سوى آخره، ففي النفس منها! وما اكتفى بها حتى زاد:

"وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك".

فالويل لمن أبغضه؛ هذا لا ريب فيه، بل الويل لمن يغض منه، أو غض من رتبته، ولم يحبه كحب نظرائه من أهل الشورى، رضي الله عنهم أجمعين".

والحديث؛ أورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (ص 61) ، ونقل كلام الخطيب المتقدم، ثم قال:

"وقد أورده ابن الجوزي في "الواهيات"، وقال: إنه موضوع، ومعناه صحيح، قال: فالويل لمن تكلف وضعه؛ إذ لا فائدة في ذلك".

وكذا في "تنزيه الشريعة" لابن عراق (1/ 398) .

(تنبيه) : أورد الشيعي هذا الحديث في "مراجعاته" (ص 175) من رواية الحاكم؛ وقال:

"وصححه على شرط الشيخين"!!

ولم ينقل - كعادته - رد الذهبي عليه، وإنما نقل المناقشة التي جرت بين ابن معين وأبي الأزهر من رواية الحاكم، وفي آخرها قول ابن الأزهر:

"فحدثني (عبد الرزاق) - والله - بهذا الحديث لفظاً، فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه"!

 

(10/525)

 

 

والذي أريد التنبيه عليه: هو أن تصديق ابن معين لا يعني التصديق بصحة الحديث؛ كما توهمه صنيع الشيعي، وإنما التصديق بصحة تحديث أبي الأزهر عن عبد الرزاق به. والذي يؤكد هذا؛ رواية الخطيب المتقدمة بلفظ:

"فتبسم يحيى بن معين؛ وقال: أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته. وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث".

قلت: فهذا نص فيما قلته، وهو صريح في أن الحديث غير صحيح عند ابن معين.

فلو كان الشيعي عالماً حقاً، ومتجرداً منصفاً؛ لنقل رواية الخطيب هذه؛ لما فيها من البيان الواضح لموقف ابن معين من الحديث ذاته، ولأجاب عنه إن كان لديه جواب! وهيهات هيهات!

4895 - (يا علي! طوبى لمن أحبك وصدق فيك. وويل لمن أبغضك وكذب فيك) .

باطل

أخرجه ابن عدي (283/ 1) ، وأبو يعلى (3/ 1602) ، والحاكم (3/ 135) ، والخطيب (9/ 72) ، والسلفي في "الطيوريات" (170/ 1-2) ، وابن عساكر (12/ 131/ 2) من طريق سعيد بن محمد الوراق عن علي بن الحزور قال: سمعت أبا مريم الثقفي يقول: سمعت عمار بن ياسر مرفوعاً. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: بل سعيد وعلي متروكان". وقال في ترجمة (علي بن الحزور) من "الميزان":

 

(10/526)

 

 

"وهذا باطل". وقال ابن عدي في (الحزور) :

"وهو في جملة متشيعة الكوفة، والضعف على حديثه بين".

والحديث؛ قال الهيثمي (9/ 132) :

"رواه الطبراني، وفيه علي بن الحزور؛ وهو متروك".

4896 - (يا عمار بن ياسر! إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره؛ فاسلك مع علي؛ فإنه لن يدلك على ردى، ولن يخرجك من هدى) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 185/ 2) عن المعلى بن عبد الرحمن: حدثنا شريك عن سليمان بن مهران الأعمش: أخبرنا إبراهيم عن علقمة والأسود قالا:

أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين ... (فذكر قصة؛ وفيه قال) وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعمار ... فذكره. وقال:

"معلى بن عبد الرحمن ضعيف ذاهب الحديث". وقال الحافظ في "التقريب":

"متهم بالوضع، وقد رمي بالرفض".

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (3/ 63/ 1) ؛ للديلمي عن عمار بن ياسر، وأبي أيوب.

 

(10/527)

 

 

4897 - (كفي وكف علي في العدل سواء) .

موضوع

أخرجه الخطيب (5/ 37) ، وعنه ابن عساكر (12/ 156/ 2-157/ 1)

 

(10/527)

 

 

عن أبي بكر أحمد بن محمد بن صالح التمار: حدثنا محمد بن مسلم بن وارة: حدثنا عبد الله بن رجاء: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال:

كنت جالساً عند أبي بكر، فقال: من كانت له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة فليقم. فقام رجل فقال: يا خليفة رسول الله! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدني بثلاث حثيات من تمر. قال: فقال: أرسلوا إلى علي؛ فقال: يا أبا الحسن! إن هذا يزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعده أن يحثي له ثلاث حثيات من تمر، فاحثها له. قال: فحثاها. فقال أبو بكر: عدوها. فعدوها، فوجدوها في كل حثية ستين تمرة، لا تزيد واحدة على الأخرى. قال: فقال أبو بكر الصديق: صدق الله ورسوله! قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - ليلة الهجرة ونحن خارجان من الغار نريد المدينة - ... فذكره. وقال ابن عساكر:

"الحمل فيه عندي على التمار".

قلت: وذلك؛ لأن التمار هذا مجهول الحال، ذكره الخطيب في ترجمته؛ ولم يذكر عنه غير راويين اثنين، ولم يحك فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأورده الذهبي في "الميزان"؛ فقال:

".. قال: حدثنا ابن وارة ... فذكر خبراً موضوعاً؛ فهو آفته"؛ ثم ساقه بإسناده إلى الخطيب به.

وأقره الحافظ في "اللسان".

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 107/ 1) لابن الجوزي في "الواهيات" عن أبي بكر! وفاته المصدران اللذان ذكرتهما؛ لا سيما وأولهما أعلى طبقة من ابن الجوزي.

 

(10/528)

 

 

ومن تدليس عبد الحسين الشيعي في "مراجعاته" (ص 177) : أنه لم ذكر الحديث مجزوماً برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لم يذكر من خرجه - كعادته -؛ فإنه يذكره ولو كان الديلمي، وإنما أحال به على "الكنز" موضحاً رقمه فيه وجزأه وصفحته! دون أن يذكر من خرجه؛ لأن فيه:

"أخرجه ابن الجوزي في (الواهيات) "!

لأنه يعلم أنه لو صرح بذلك؛ لكشف للناس عن استغلاله للأحاديث الضعيفة - بل الموضوعة - في تسويد كتابه والاحتجاج لمذهبه. والله المستعان!

ثم إن للحديث طريقاً أخرى لا تساوي فلساً: يرويه قاسم بن إبراهيم: حدثنا أبو أمية المختط: حدثني مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بن مالك عن عمر ابن الخطاب قال: حدثني أبو بكر الصديق قال: سمعت أبا هريرة يقول:

جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين يديه تمر ...

قلت: فذكر قصة حثو التمر، ولكن لمرة واحدة، والعدد ثلاث وسبعون، وفي آخره:

"يا أبا هريرة! أما علمت أن يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء؟! ".

أخرجه الخطيب (9/ 76-77) ، وعنه ابن عساكر (12/ 156/ 2) . وقال الخطيب:

"حديث باطل بهذا الإسناد، تفرد بروايته قاسم الملطي، وكان يضع الحديث".

قلت: وشيخه أبو أمية المختط: اسمه المبارك بن عبد الله، وإنما قيل له: المختط؛ لأنه أول من اختط داراً بطرسوس لما مصرت، وهو غير مبارك في الرواية؛ فقد قال الذهبي:

 

(10/529)

 

 

"ليس بثقة ولا مأمون".

ووافقه الحافظ العسقلاني.

4898 - (يا فاطمة! أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين: أحدهما أبوك، والآخر بعلك؟!) .

موضوع

روي من حديث أبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وأبي أيوب الأنصاري، وعلي الهلالي، ومعقل بن يسار.

1- أما حديث أبي هريرة؛ فيرويه أبو بكر محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي: حدثنا سريج بن يونس: حدثنا أبو حفص الأبار: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:

قالت فاطمة رضي الله عنها: يا رسول الله! زوجتني من علي بن أبي طالب وهو فقير لا مال له؟! فقال ... فذكره.

أخرجه الحاكم (3/ 129) ؛ وصححه على شرط البخاري ومسلم؛ كما في "تلخيص الذهبي"، فقد سقط التصحيح من "المستدرك"!! ثم تعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: بل موضوع على سريج".

قلت: وذلك؛ لأن سريجاً ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه؛ غير أبي حفص الأبار - واسمه عمر بن عبد الرحمن -؛ وهو ثقة.

فأحدهم لا يحتمل مثل هذا الحديث الموضوع؛ فالمتهم به أبو بكر الترمذي هذا.

 

(10/530)

 

 

وبذلك جزم الذهبي في "الميزان"؛ وقال:

"ولعله الباهلي".

ووافقه الحافظ في "اللسان"؛ إلا أنه قال:

"وجزم الحسيني بأنه غير الباهلي".

2- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه إبراهيم بن الحجاج قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه به.

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1) (3/ 111/ 2) ، والخطيب في "التاريخ" (4/ 195-196) ، وابن عساكر (12/ 91/ 2-92/ 1) . وقال الخطيب:

"حديث غريب من رواية عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس. وغريب من حديث معمر بن راشد عن ابن أبي نجيح، تفرد بروايته عنه عبد الرزاق، وقد رواه عن عبد الرزاق غير واحد".

قلت: وإبراهيم بن الحجاج هذا؛ قال الذهبي:

"نكرة لا يعرف، والخبر الذي رواه باطل، وما هو بالسامي (2) ولا بالنيلي، ذانك صدوقان".

قلت: وهما أقدم طبقة منه.

ثم ساق له هذا الحديث، وقال:

__________

(1) هو عنده من طريق آخر؛ وفيه كلام؛ فانظر " زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة " (545) . (الناشر)

(2) بالمهملة. ووقع في " الميزان " و " اللسان " بالمعجمة! وهو تحريف.

 

(10/531)

 

 

"تابعه عبد السلام بن صالح - أحد الهلكى - عن عبد الرزاق".

وأقره الحافظ في "اللسان".

ومتابعة عبد السلام بن صالح؛ أخرجها الثلاثة المذكورون، وكذا ابن عدي في ترجمة عبد الرزاق من "الكامل" (309/ 1) .

وتابعه أحمد بن عبد الله بن يزيد الهشيمي: حدثنا عبد الرزاق به.

أخرجه الخطيب، وعنه ابن عساكر.

قلت: والهشيمي هذا هو من رواة حديث: "أنبأنا مدينة العلم ... "، وقد مضى بيان حاله هناك برقم (2955) ، وأنه كذاب؛ فراجعه.

ثم قال ابن عدي: حدثنا الحسن بن عثمان التستري قال: أخبرنا محمد بن سهل البخاري: أخبرنا عبد الرزاق بإسناده نحوه. وقال:

"وهذا يعرف بأبي الصلت الهروي عن عبد الرزاق. وابن عثمان هذا ليس بذاك الذي حدثناه عن البخاري"!

كذا قال! وفي آخر كلامه غموض لعله من الناسخ! وقد عقد للتستري هذا ترجمة خاصة؛ قال فيه (93/ 2-94/ 1) :

"كان يضع الحديث، ويسرق حديث الناس، سألت عبد ان الأهوازي عنه؟ فقال: كذاب".

وأبو الصلت متهم أيضاً، وهو صاحب الحديث المشار إليه آنفاً برقم (2955) ؛ فأغنى عن إعادة الكلام عليه.

ولعل التستري سرق هذا الحديث منه؛ فإنه به يعرف؛ كما تقدم عن ابن عدي.

 

(10/532)

 

 

وجملة القول؛ أن الحديث لم يروه ثقة عن عبد الرزاق.

ولو أنه ثبت عنه؛ لبقي فيه علة أخرى تقدح في صحته، وهي احتمال أن يكون هذا الحديث أيضاً مما أدخله ابن أخي معمر في كتب معمر؛ فإنه كان رافضياً، كما تقدم حكاية أمره عن أبي حامد الشرقي في الحديث (4894) ، فراجعه.

3- وأما حديث أبي أيوب؛ فأورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (ص 58) - وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (ص 396) - من رواية الطبراني عن حسين الأشقر: حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية (1) بن ربعي عنه مرفوعاً به، وزاد:

"فأوحي إلي، فأنكحته، واتخذته وصياً". وقال السيوطي:

"حسين الأشقر متهم. وقيس بن الربيع لا يحتج به. وعباية بن ربعي؛ قال العقيلي: شيعي غال ملحد".

4- وأما حديث علي الهلالي؛ فأورده السيوطي أيضاً في "ذيل الموضوعة" (ص 65) - وتبعه ابن عراق في "التنزيه" (ص 403-404) - من رواية الطبراني أيضاً - من طريق الهيثم بن حبيب: حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن علي الهلالي عن أبيه قال:

دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شكاته التي قبض فيها؛ فإذا فاطمة عند رأسه، فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفه إليها؛ فقال:

__________

(1) الأصل: (عبابة) ! والتصويب من " التنزيه "، و " الضعفاء " للعقيلي (ص 343) ، و " الميزان "، و " اللسان ".

ووقع في طبعة الخانجي لـ " الميزان ": (عباس) ! وهو خطأ مطبعي.

 

(10/533)

 

 

"يا حبيبتي فاطمة! ما الذي يبكيك؟! ". قالت: أخشى الضيعة من بعدك! فقال:

"يا حبيبتي! أما علمت أن الله تبارك وتعالى اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك ... " الحديث نحو حديث أبي أيوب، وفيه ذكر الحسن والحسين والمهدي. وقال السيوطي وابن عراق:

"قال الذهبي: هذا موضوع. والهيثم بن حبيب هو المتهم بهذا الحديث".

قلت: ذكره الذهبي في ترجمة الهيثم من "الميزانط. فتعقبه الحافظ في "اللسان" بقوله:

"والهيثم بن حبيب المذكور؛ ذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من (الثقات) "!

وأقول: تساهل ابن حبان في توثيق المجهولين معروف مشهور عند أهل العلم بهذا الشأن، فإن ثبت أنه ثقة؛ فالعلة ممن فوقه، وهو علي بن علي الهلالي؛ فإني لم أجد من ذكره.

وأبوه نفسه غير معروف إلا في هذا الحديث؛ فقد أورده الحافظ في "الإصابة" لهذا الحديث من رواية الطبراني أيضاً - يعني: في "الكبير" -، ثم قال:

"وأخرجه في "الأوسط" وقال: إنه لا يروى إلا بهذا الإسناد".

5- وأما حديث معقل؛ فيرويه خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع عنه قال:

وضأت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم؛ فقال:

"هل لك في فاطمة رضي الله عنها تعودها؟! ". فقلت: نعم؛ فقام متوكئاً علي، فقال:

 

(10/534)

 

 

"أما إنه سيحمل ثقلها غيرك، ويكون أجرها لك". قال: فكأنه لم يكن علي شيء، حتى دخلنا على فاطمة عليها السلام، فقال لها:

"كيف تجدينك؟ ".

قالت: واللخ لقد اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي - قال أبو عبد الرحمن (ابن الإمام أحمد) : وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث - قال:

"أوما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟! ".

أخرجه أحمد (5/ 26) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 89/ 1) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ رجاله ثقات؛ غير خالد بن طهمان؛ فضعفه الأكثرون. وقال ابن معين:

"ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين، وكان قبل ذلك ثقة".

4899 - (أنا المنذر، وعلي الهادي، بك يا علي! يهتدي المهتدون [بعدي] ) .

موضوع

أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (13/ 72) ، والديلمي (1/ 310-311- زهر الفردوس) ، وابن عساكر (12/ 154/ 1) من طريق الحسن بن الحسين الأنصاري: أخبرنا معاذ بن مسلم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

لما نزلت (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ وله ثلاث علل:

 

(10/535)

 

 

الأولى: اختلاط عطاء بن السائب.

الثانية: معاذ بن مسلم؛ قال الذهبي في ترجمته:

"مجهول. روى عن شرحبيل بن السمط؛ مجهول. وله عن عطاء بن السائب خبر باطل سقناه في (الحسن بن الحسين) ".

الثالثة: الحسن بن الحسين الأنصاري - وهو العرني -؛ وهو متهم، وقد تقدم شيء من أقوال الأئمة فيه تحت الحديث (4885) ؛ فلا داعي للإعادة.

وقد ساق الذهبي في ترجمته هذا الحديث من مناكيره من رواية ابن الأعرابي بإسناده عنه. وقال:

"ومعاذ نكرة، فلعل الآفة منه".

وأقره الحافظ في "اللسان".

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (4/ 499- منار) :

"وهذا الحديث فيه نكارة شديدة".

وأقره الشوكاني في "فتح القدير" (3/ 66) .

وسكت عنه الطبرسي الشيعي في "تفسيره" (3/ 427) !

قلت: وقد روي موقوفاً: رواه حسين بن حسن الأشقر: حدثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ؛ قال علي:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنذر، وأنا الهادي.

 

(10/536)

 

 

أخرجه الحاكم (3/ 129-130) ، وابن عساكر (12/ 154/ 1) عن عبد الرحمن ابن محمد بن منصور الحارثي عنه. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: بل كذب، قبح الله واضعه".

قلت: ولم يسم واضعه، وهو - عندي - حسين الأشقر؛ فإنه متروك كما تقدم بيانه تحت الحديث (358) . وقد قال الذهبي فيه - في حديث بعد هذا في "التلخيص" -:

"قلت: الأشقر وثق. وقد اتهمه ابن عدي".

والحارثي - الراوي عنه - قال ابن عدي:

"حدث بأشياء لم يتابع عليها". وقال الدارقطني وغيره:

"ليس بالقوي".

ومما يؤيد نكارة الحديث: أن عبد خير رواه عن علي في قوله ... فذكر الآية؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"المنذر والهادي: رجل من بني هاشم".

أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 126) ، ومن طريقه ابن عساكر: حدثني عثمان بن أبي شيبة: حدثنا مطلب بن زياد عن السدي عنه.

وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.

 

(10/537)

 

 

وقد رواه ابن عساكر من غير طريق عبد الله فأفسده؛ قال: أخبرنا أبو العز بن كادش: أنبأنا أبو الطيب طاهر بن عبد الله: أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي: أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار: أخبرنا عثمان بن أبي شيبة ... فساقه مختصراً بلفظ:

"والهادي علي".

وهو بهذا الاختصار منكر، ولعله من أبي العز بن كادش - واسمه أحمد بن عبيد الله - شيخ ابن عساكر؛ فقد قال ابن النجار:

"كان مخلطاً كذاباً، لا يحتج بمثله، وللأئمة فيه مقال".

وتوفي سنة ست وعشرين وخمس مئة. ووقع في "اللسان": "ست وخمسين ... "! وهو خطأ، والتصحيح من "الشذرات".

وعلي بن عمر الحربي؛ فيه كلام أيضاً؛ ولكنه يسير، فراجعه - إن شئت - في "اللسان".

والحديث مما تلهج به الشيعة؛ ويتداولونه في كتبهم، فهذا إمامهم ابن مطهر الحلي قد أورده في كتابه الذي أسماه "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة" (ص 81-82- تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم) من رواية "الفردوس"؛ قال:

"ونحوه أبو نعيم، وهو صريح في ثبوت الإمامة والولاية له"!!

وقلده عبد الحسين في "مراجعاته" (ص 55) ، ثم الخميني في "كشف الأسرار" (ص 161) ؛ وزاد عليهما في الكذب والافتراء أنه قال:

"وردت في ذلك سبعة أحاديث عند أهل السنة"!

 

(10/538)

 

 

ثم لم يذكر إلا حديثاً واحداً زعم أنه أسنده إبراهيم الحموي إلى أبي هريرة!

فمن إبراهيم الحموي هذا؟ والله لا أدري، ولا أظن الحميني نفسه يدري! فإن صح قوله أنه من أهل السنة؛ فيحتمل أن يكون إبراهيم بن سليمان الحموي، المترجم في "الدرر الكامنة"، و"شذرات الذهب"، و"الفوائد البهية"، و"الأعلام" للزركلي، فإن يكن هو؛ فهو من علماء الحنفية المتوفى سنة (732 هـ) ، فإن كان هو الذي عناه الخميني، وكان صادقاً في عزوه إليه؛ فإنه لم يذكر الكتاب الذي أسند الحديث فيه. فقوله عنه:

"أسند"! كذب مكشوف؛ إذ كيف يسند من كان في القرن الثامن، فبينه وبين أبي هريرة مفاوز؟!

ولو فرضنا أنه أسنده فعلاً؛ فما قيمة مثل هذا الإسناد النازل الكثير الرواة؟! فإن مثله قل ما يسلم من علة؛ كما هو معلوم عند العارفين بهذا العلم الشريف!

والعبرة من هذا العزو ونحوه مما تقدم عن هؤلاء الشيعة؛ أنهم كالغرقى يتعلقون ولو بخيوط القمر! فلقد ساق السيوطي في "الدر المنثور" في تفسير هذه الآية عدة روايات؛ وليس فيها حديث الخميني عن أبي هريرة!

وأما حديث ابن عباس الذي احتج به ابن المطهر الحلي؛ فقد عرفت ما فيه من العلل، التي تدل بعضها على بطلانه؛ فكيف بها مجتمعة؟!

فاسمع الآن رد شيخ الإسلام ابن تيمية على الحلي؛ لتتأكد من بطلان الحديث، وجهل الشيعة وضلالهم؛ قال - رحمه الله - (4/ 38) :

"والجواب من وجوه:

 

(10/539)

 

 

أحدها: أن هذا لم يقم دليل على صحته؛ فلا يجوز الاحتجاج به، وكتاب "الفردوس" للديلمي فيه موضوعات كثيرة، أجمع أهل العلم على أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث، وكذلك رواية أبي نعيم لا تدل على الصحة.

الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه ورده ... ".

ثم ذكر بقية الوجوه؛ وهي تسعة؛ ولولا أن يطول الكلام لسقتها كلها لأهميتها؛ منها قوله:

"الخامس: أن قوله: "بك يهتدي المهتدون"؛ ظاهره أن كل من اهتدى من أمة محمد فبه اهتدى! وهذا كذب بين؛ فإنه قد آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خلق كثير واهتدوا به ودخلوا الجنة؛ ولم يسمعوا من علي كلمة واحدة، وأكثر الذين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واهتدوا به لم يهتدوا بعلي في شيء، وكذلك لما فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة وغيرهم؛ كان جماهير المسلمين لم يسمعوا من علي شيئاً، فكيف يجوز أن يقال: بك يهتدي المهتدون؟! ".

ثم ذكر في الوجه السادس؛ أن الصحيح في تفسير الآية: أن المقصود بها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو النذير وهو الهادي. وأما تفسيره بعلي فباطل؛ لأنه قال: (ولكل قوم هاد) ؛ وهذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فتتعدد الهداة، فكيف يجعل علي هادياً لكل قوم من الأولين والآخرين؟!

4900 - (أنا وهذا (يعني: علياً) حجة على أمتي يوم القيامة) .

موضوع

أخرجه الخطيب (2/ 88) ، وابن عساكر (12/ 139/ 2) عن مطر ابن أبي مطر، عن أنس بن مالك قال:

 

(10/540)

 

 

كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فرأى علياً مقبلاً، فقال ... فذكره. وقال ابن عساكر:

"مطر: هو الأسكاف؛ منكر الحديث".

قلت: وكذا قال فيه البخاري، وأبو حاتم، والنسائي؛ كما في "الميزان"، وساق له الذهبي حديثين؛ وقال:

"قلت: كلاهما موضوعان". ثم ساق له هذا الحديث، وقال:

"وهذا باطل أيضاً".

قلت: والحديث مما أورده الشيعي في "مراجعاته" (ص 178) من رواية الخطيب فقط، ساكتاً عليه كعادته، بل محتجاً به قائلاً:

"وبماذا يكون أبو الحسن حجة كالنبي؟ لولا أنه ولي عهده، وصاحب الأمر من بعده؟! ".

فيقال له: أثبت العرش ثم انقش؛ فالحديث باطل بشهادة الإمام النقاد الذهبي، فإن كان هذا ليس حجة عنده بصفته شيعياً؛ فما باله يحتج بهذا الحديث وعشرات أمثاله على أهل السنة، وهو وأمثاله من الأئمة حجة عند أهل السنة؟! وليس هذا فقط؛ بل إنه ليوهمهم بأنه لا يحتج إلا بما هو صحيح إلا بما هو صحيح عندهم، والواقع يكذبه. فالله المستعان!

4901 - (مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أخو رسول الله؛ قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 256) ، وعنه الخطيب (7/ 387) ، وعن هذا ابن عساكر (12/ 70/ 2) - أخرجه عن جماعة؛ منهم: الطبراني -،

 

(10/541)

 

 

والعقيلي في "الضعفاء" (ص 9) ، وعنه ابن عساكر (12/ 147/ 2) قالوا: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا زكريا بن يحيى: حدثنا يحيى بن سالم: حدثنا أشعث ابن عم حسن بن صالح - وكان يفضل على الحسن -: حدثنا مسعر عن عطية عن جابر مرفوعاً. وقال أبو نعيم:

"تفرد به أشعث وكادح بن رحمة عن مسعر".

قلت: وقال العقيلي:

"أشعث كان له مذهب؛ ليس ممن يضبط الحديث. وزكريا الكسائي ويحيى ابن سالم؛ ليسا بدون أشعث في الأسانيد"!

كذا الأصل: "في الأسانيد"! وفي "اللسان" - نقلاً عن العقيلي -:

"في هذا المذهب". وهو الصواب؛ لمطابقته لما في ابن عساكر عنه.

ويحيى بن سالم كوفي؛ ضعفه الدارقطني، وهو غير يحيى بن سالم الراوي عن ابن عمر؛ لأنه متأخر الطبقة عنه كما ترى، وهو الذي استظهره الحافظ في "اللسان".

وهذا الراوي ذكره ابن حبان في "الثقات".

وزكريا بن يحيى الكسائي شيعي متروك، كما تقدم ذكره تحت الحديث (4889) ؛ فهو آفة هذا الحديث.

وابن أبي شيبة مختلف فيه كما تقدم؛ وقد وثق، فالعلة من شيخه.

وأما متابعة كادح التي ذكرها أبو نعيم؛ فقد أخرجها ابن عدي في ترجمته من "الكامل" (339/ 1) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 71/ 2) عن مسعر بن كدام بلفظ:

 

(10/542)

 

 

"رأيت على باب الجنة ... " الحديث؛ دون قوله:

"قبل أن تخلق ... ". وقال ابن عدي:

"وكادح بن رحمة؛ عامة ما يرويه غير محفوظ، ولا يتابع عليه في أسانيده ولا في متونه". وقال الحاكم، وأبو نعيم:

"روى عن مسعر والثوري أحاديث موضوعة".

قلت: فمتابعته مما لا يفرح بها.

والحديث؛ أورده الذهبي في ترجمة الكسائي؛ في جملة ما أنكر عليه من الحديث.

(تنبيه) : قال الهيثمي في "المجمع" (9/ 111) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أشعث ابن عم الحسن بن صالح؛ وهو ضعيف، ولم أعرفه"!

قلت: وهذا الجمع بين التضعيف ونفي المعرفة؛ غريب غير معروف عند العلماء بالحرج والتعديل! فلعل قوله: "ولم أعرفه" مقحم من بعض النساخ.

ثم إن فيه تقصيراً ظاهراً في إعلال الحديث، وفيه ذلك المتروك وشيخه الضعيف!!

(تنبيه آخر) : وعزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (1/ 744) ، والشيخ علاء الدين - تبعاً له في "الكنز" -: للطبراني في "الأوسط"، والخطيب في "المتفق والمفترق"، وابن الجوزي في "الواهيات" عن جابر.

وعزاه الشيعي في "مراجعاته" (ص 178) إلى الأولين معزواً إلى "الكنز"،

 

(10/543)

 

 

ولم يعزه إلى الثالث منهم - وهو ابن الجوزي في "الواهيات" -؛ تدليساً على القراء، وكتماً عنهم لحقيقة حال الحديث الذي يدل عليه عزوه إليه!

وأيضاً؛ فإنه لم يذكر الشطر الثاني من الحديث، الذي يدل على حاله أيضاً عند أهل العقول!

هذا؛ وقد فاتني التنبيه على أن لفظ العقيلي ليس فيه:

"علي أخو رسول الله"، وقال بديله:

"أيدته بعلي".

وكذلك رواه في ترجمة الكسائي (ص 144) .

وقد روي كذلك من حديث أبي الحمراء، وهو الآتي بعده.

4902 - (لما أسري بي؛ رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صفوتي من خلقي، أيدته بعلي ونصرته) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 147/ 2) عن عبادة بن زياد الأسدي: أخبرنا عمرو بن ثابت بن أبي المقدام عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن أبي الحمراء خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع مسلسل بالرافضة:

الأول: أبو حمزة الثمالي - واسمه ثابت بن أبي صفية الكوفي - متفق على تضعيفه. بل قال الدارقطني:

"متروك". وقال ابن حبان:

 

(10/544)

 

 

"كان كثير الوهم في الأخبار؛ حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد؛ مع غلوه في تشيعه".

وعده السليماني في قوم من الرافضة.

الثاني: عمرو بن ثابت الكوفي؛ قال ابن معين:

"ليس بشيء". وقال مرة:

"ليس بثقة ولا مأمون". وقال النسائي:

"متروك الحديث". وقال ابن حبان:

"يروي الموضوعات". وقال أبو داود:

"رافضي خبيث".

الثالث: عبادة بن زياد الأسدي شيعي أيضاً، لكنه مختلف فيه؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث (4892) . فالآفة ممن فوقه، وشيخه هو الأحق بها.

وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (9/ 121) :

"رواه الطبراني، وفيه عمرو بن ثابت؛ وهو متروك".

4903 - (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه؛ فلينظر إلى علي بن أبي طالب) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 140/ 2) من طريق أبي جعفر أحمد بن محمد بن سعيد: أخبرنا محمد بن مسلم بن وارة: أخبرنا عبيد الله بن موسى العبسي: أخبرنا

 

(10/545)

 

 

أبو عمرو الأزدي عن أبي راشد الحبراني عن أبي الحمراء مرفوعاً.

قلت: وأبو عمرو هذا؛ لم أعرفه!

ووقع في "اللآلىء" (1/ 184) من رواية الحاكم: "أبو عمر الأزدي"، وقال:

"قال ابن الجوزي: موضوع، أبو عمر متروك".

قلت: فيحتمل أنه حفص بن سليمان أبو عمر البزاز الكوفي الأسدي؛ فإنهم كثيراً ما يبدلون الزاي من السين كما في "أنساب السمعاني"، ثم هو إلى ذلك معروف بشدة الضعف، حتى كذبه الساجي وغيره.

وقد أقره السيوطي - ثم ابن عراق (1/ 385) - ابن الجوزي على حكمه عليه بالوضع، لكنهما ذكرا له بعض الطرق الأخرى، يأتي الكشف عن علتها إن شاء الله تعالى.

وقد اختلف على عبيد الله بن موسى على وجوه:

1- فرواه محمد بن مسلم بن وارة عنه هكذا.

2- ورواه محمد بن أبي هاشم النوفلي عنه: حدثنا العلاء عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي داود نفيع (الأصل: مقنع! وهو تصحيف) عن أبي الحمراء به. أخرجه الديلمي.

وسكت عنه السيوطي وابن عراق! وليس بجيد؛ فإن أبا داود هذا - وهو الأعمى - مشهور بالضعف الشديد؛ قال الحافظ:

"متروك. وقد كذبه ابن معين".

 

(10/546)

 

 

3- وقال محمد بن عمران بن حجاج: حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي راشد - يعني: الحبراني (الأصل: الحماني!) عن أبي هارون العبد ي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.

أخرجه ابن شاهين في "السنة".

قلت: وسكتا عليه أيضاً! وأبو هارون العبد ي: اسمه عمارة بن جوين؛ وحاله كالأعمى؛ قال الحافظ:

"متروك، ومنهم من كذبه، شيعي".

وذكر له ابن عراق شاهداً من حديث ابن عباس؛ من طريق مسعر بن يحيى عن شريك عن أبي إسحاق عن أبيه عنه. وقال:

"وقال الذهبي في "الميزان": مسعر بن يحيى النهدي؛ لا أعرفه، وخبره منكر. انتهى (يعني: هذا) . وأبو الحمراء؛ قال البخاري: يقال: له صحبة، ولا يصح حديثه. والله أعلم".

قلت: وقد أشار الحافظ في ترجمة أبي الحمراء من "التهذيب" إلى ضعف الطريق الأولى عن سعيد بن جبير، وقال السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 34/ 2) :

"رواه ابن عساكر وابن الجوزي في "الواهيات" من طريقين عن أبي الحمراء"!

وقد روي الحديث من حديث أنس نحوه مرفوعاً؛ بلفظ:

"يا أيها الناس! من أحب أن ينظر إلى آدم في خلقه، وأنا في خلقي، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى

 

(10/547)

 

 

في سمته (الأصل: سنه) ؛ فلينظر إلى علي بن أبي طالب إذا خطر بين الصفين؛ كأنما يتقلع من صخر، أو يتحدر من دهر.

يا أيها الناس! امتحنوا أولادكم بحبه؛ فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم".

أخرجه ابن عساكر (12/ 133/ 2) من طريق أبي أحمد العباس بن الفضل ابن جعفر المكي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري - بصنعاء سنة إحدى وسبعين ومئتين -: أخبرنا عبد الرزاق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال:

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يشهر علياً في موطن أو مشهد؛ علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه. وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهر علياً يوم خيبر، فقال ... فذكره. وقال:

"هذا حديث منكر، وأبو أحمد المكي مجهول".

قلت: وهذا الرجل مما أغفلوه؛ فلم يذكره الذهبي ولا العسقلاني في كتابيهما، لا في السماء ولا في الكنى! والله أعلم.

وإسحاق الدبري؛ فيه ضعف، فراجع ترجمته في "اللسان".

(تنبيه) : أورد حديث الترجمة هذا: الشيعي في "مراجعاته". وقال (ص 179) :

"أخرجه البيهقي في "صحيحه"، والإمام أحمد بن حنبل في "مسنده"، وقد نقله عنهما ابن أبي الحديد في الخبر الرابع من الأخبار التي أوردها في (ص 449) من المجلد الثاني من (شرح النهج) "!!

قلت: وهذا التخريج كذب لا أصل له، يقطع به كل من كان له معرفة بهذا

 

(10/548)

 

 

العلم، فلو كان الحديث في "مسند الإمام أحمد"؛ فلماذا لم يورده الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد"، والسيوطي في "جامعه الكبير"، و "الصغير"، ولا في "الزوائد عليه"؟!

ومما يؤكد لك ذلك: أن البيهقي ليس له كتاب باسم "الصحيح"، وإنما له "السنن الكبرى"، و "معرفة السنن والآثار" وغيرهما. فمن الواضح البين أن المقصود من هذا التخريج؛ إنما هو إظهار الحديث بمظهر الصحة.

وابن أبي الحديد معتزلي شيعي غال؛ كما قال ابن كثير في "البداية" (13/ 199) ، فلا يوثق بنقله؛ لا سيما في هذا الباب، كما لا يوثق بالناقل عنه، كما قدمنا لك فيما مضى من الأمثلة!!

4904 - (يا علي! إن فيك من عيسى عليه الصلاة والسلام مثلاً؛ أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصاري حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها) (1) .

ضعيف

أخرجه البخاري في "التاريخ" (2/ 1/ 281-282) ، والنسائي في "الخصائص" (ص 19) ، وعبد الله بن أحمد (1/ 160) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (1004) ، والحاكم (3/ 123) ، وابن عساكر (12/ 135/ 2-136/ 1) من طرق عن الحكم بن عبد الملك عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة ابن ناجذ عن علي رضي الله عنه قال:

دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ... فذكره. وزاد:

__________

(1) تقدم في هذا المجلد برقم (4842) ، وما ههنا فيه فائدة زائدة. (الناشر)

 

(10/549)

 

 

قال: وقال علي:

ألا وإنه يهلك في محب مطر؛ يقرظني بما ليس في، ومبغض مفتر؛ يحمله شنآني على أن يبتني، ألا وإني لست بنبي، ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما استطعت، فما أمرتكم به طاعة الله تعالى؛ فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم، وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري؛ فلا طاعة لأحد في معصية الله عز وجل؛ إنما الطاعة في المعروف. والسياق للحاكم؛ وقال:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"الحكم؛ وهاه ابن معين".

قلت: بل هو ممن اتفق الأئمة على تضعيفه؛ غير العجلي؛ فوثقه، فلا يعتد به، ولا سيما وهو معروف بالتساهل بالتوثيق؛ فكيف إذا خالف الجمهور من الأئمة.

ولذلك؛ فقد تساهل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحسينه لإسناده في تعليقه على "المسند" رقم (1376) !

وقد أخرجه ابن عساكر من طريق عمرو بن ثابت عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة به.

قلت: وهذه متابعة لا يفرح بها؛ فإن صباحاً هذا - وهو ابن يحيى -؛ قال الذهبي:

"متروك، بل متهم".

 

(10/550)

 

 

قلت: وهو شيعي.

ومثله عمرو بن ثابت في شدة الضعف والتشيع؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث (4882،4902) .

والحارث بن حصيرة شيعي أيضاً، لكنهم اختلفوا في توثيقه؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث (4886) ، فتعصيب الجناية في هذا الحديث بمن دونه أولى.

وفوقه ربيعة بن ناجذ، وهو مجهول؛ وإن وثقه ابن حبان والعجلي، فتساهلهما في توثيق المجهولين معروف.

والحديث؛ أورده الهيثمي (9/ 133) - مع الزيادة -؛ وقال:

"رواه عبد الله والبزار - باختصار -، وأبو يعلى - أتم منه -، وفي إسناد عبد الله وأبي يعلى: الحكم بن عبد الملك؛ وهو ضعيف، وفي إسناد البزار: محمد بن كثير الكوفي، وهو ضعيف".

وأورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (ص 59) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 396) من رواية ابن حبان - يعني: في "الضعفاء" - من طريق عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي قال:

جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً في ملأ من قريش؛ فنظر إلي، وقال ... فذكره نحوه؛ وزاد:

فضحك الملأ الذين عنده وقالوا: انظروا؛ يشبه ابن عمه بعيسى! فأنزل القرآن: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) . وقال:

 

(10/551)

 

 

"قال ابن حبان: عيسى يروي عن أبيه عن آبائه أشياء موضوعة، لا يحل الاحتجاج به".

(تنبيه) : أورد الشيعي في مراجعاته (ص 179) الحديث من رواية الحاكم؛ دون الزيادة من قول علي رضي الله عنه! والسبب واضح؛ فإنها صريحة في إبطال دعواهم العصمة له ولأهل بيته، كيف وهو يقول - إن صح -:

وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة ... !

فسوى بين نفسه وغيره في احتمال أمره بمعصية، فهل هذه صفة من له العصمة؟!

4905 - (إن الأمة ستغدر بك بعدي) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (3/ 140) ، والخطيب في "التاريخ" (11/ 216) ، وابن عساكر (12/ 178/ 2) عن هشيم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأودي عن علي رضي الله عنه قال:

إن مما عهد إلي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد" ‍‍! ووافقه الذهبي!

قلت: وفيه نظر؛ فإن أبا إدريس هذا لم أعرف اسمه (1) ، ولم أجد من وثقه؛ إلا يكون ابن حبان! فليراجع كتابه "الثقات"، فقد أورده البخاري في "التاريخ"

__________

(1) هو إبراهيم بن أبي الحديد، كما في " كنى الدولابي " وقد أروده ابن حبان في " الثقات " (4/11) كما ظن الشيخ - رحمه الله - برواية إسماعيل هذا عنه فحسب. وكذا أورده ابن أبي حاتم (2/96/262) ، ونقل عن أبيه أنه جهّله، وجعل روايته على علي مرسلة.

 

(10/552)

 

 

(9/ 6) ، وابن حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 334) من رواية أبي مسلمة عنه، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ووقع عند البخاري: "الأودي"؛ مطابقاً لما في "المستدرك".

ووقع عند ابن أبي حاتم: "الأزدي"؛ وهو موافق لما في "ابن عساكر"، وقال عقبه:

"قال البيهقي: فإن صح هذا؛ فيحتمل أن يكون المراد به - والله أعلم - في خروج من خرج عليه في إمارته، ثم في قتله".

قلت: ففي قوله: "إن صح"؛ إشارة إلى أنه غير صحيح عنده.

ومثله قوله الآتي عنه:

"إن كان محفوظاً".

وله متابع كما سأذكره.

وسائر رجال الإسناد ثقات؛ إلا أنه فيه عنعنة هشيم - وهو ابن بشير الواسطي (1) -؛ قال الحافظ:

"ثقة ثبت، كثير التدليس والإرسال".

وأما المتابع؛ فهو ما رواه حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحماني عن علي ... مثله.

أخرجه البزار (3/ 203/ 2569) ، والعقيلي في "الضعفاء" (ص 64) ، وابن عساكر؛ قال الأخيران:

__________

(1) لكنه متابع عند الدولابي في " الكنى " كما سبقت الإشارة آنفاً؛ فبرئت عهدته. (الناشر)

 

(10/553)

 

 

"قال البخاري: ثعلبة بن يزيد الحماني؛ فيه نظر، لا يتابع عليه في حديثه هذا". زاد ابن عساكر:

"قال البيهقي: كذا قال البخاري، وقد رويناه بإسناد آخر عن علي؛ إن كان محفوظاً".

قلت: يعني: الإسناد الذي قبله، وقد عرفت آنفاً غمز البيهقي من صحته.

ومع أن البخاري قال في ترجمة الحماني هذا (1/ 2/ 174) :

"سمع علياً، روى عنه حبيب بن أبي ثابت، يعد في الكوفيين، فيه نظر ... "، ثم ذكر الحديث، وقال:

"لا يتابع عليه".

ورواه ابن عدي عنه في "الكامل" (ق 48/ 2) ؛ فإن هذا قال في آخر ترجمته:

"وأما سماعه من علي؛ ففيه نظر؛ كما قاله البخاري"!

قلت: وكأنه فهم من قول البخاري: "فيه نظر"؛ أي: في سماعه!

والمتبادر أنه يعني الرجل نفسه، وسماعه صريح في رواية لابن عساكر بلفظ:

قال: سمعت علياً على المنبر وهو يقول (1) ...

وكذا في "مسند أبي يعلى" (1/ 442/ 328) في حديث آخر.

لكن في ثبوت ذلك عنه عندي نظر حقاً؛ فإن حبيباً - الراوي عنه - مدلس

__________

(1) ورواه البزار أيضاً (3/203/2569 و 204/2572) ، وفيه قول علي:

لتخضبنّ هذه من هذه؛ للحيته من رأسه.

ورواه أحمد (1/130) ، وأبو يعلى (1/443) بإسناد آخر عن عبد الله بن سبيع عن علي.

 

(10/554)

 

 

أيضاً مثل هشيم؛ قال الحافظ أيضاً فيه:

"ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس".

وله طريق ثالثة؛ لكنها جد واهية؛ لأنها من رواية حكيم بن جبير عن إبراهيم عن علقمة قال: قال علي ... فذكره.

أخرجه ابن عساكر.

قلت: والآفة من ابن جبير هذا؛ فإنه ضعيف جداً، تركه شعبة وغيره. وقال الجوزجاني:

"كذاب".

وبالجملة؛ فجميع طرق الحديث واهية، وليس فيها ما يتقوى بغيره.

نعم؛ قد أورده الحاكم (3/ 142) من طريق حيان الأسدي: سمعت علياً يقول: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا". يعني: لحيته من رأسه. وقال:

"صحيح"!

قلت: كذا وقع الحديث في "المستدرك" و "التلخيص" بدون إسناد (1) .

وقوله: "صحيح" فقط؛ إنما هو الأسلوب أو اصطلاح الذهبي في "تلخيصه". فيبدو لي أن الطابع لما لم ير الحديث في "المستدرك"، ووجده في "تلخيصه"؛ نقله

__________

(1) وأورده - بإسناده - الحافظ ابن حجر في " إتحاف المهرة " (11/296) . (الناشر)

 

(10/555)

 

 

عنه وطبعه في "المستدرك"! وفي حفظي أنه فعل ذلك في غير هذا الحديث أيضاً، ولكنه نبه عليه، بخلاف عمله هنا؛ فما أحسن.

وأنا في شك من ثبوت هذا الحديث في "المستدرك"؛ فإني رأيت الحافظ السيوطي أورد الحديث - بهذا اللفظ الذي في "التلخيص" - في "الجامع الكبير" (1/ 163/ 1) ، وقال:

"رواه الدارقطني في "الأفراد"، والخطيب عن علي رضي الله عنه".

قلت: فلو كان ثابتاً في "المستدرك"؛ لعزاه السيوطي إليه؛ إن شاء الله تعالى.

4906 - (أما إنك ستلقى بعدي جهداً. يعني: علياً) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (3/ 140) من طريق سهل بن المتوكل: حدثنا أحمد ابن يونس: حدثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان التيمي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي ... فذكره، وزاد:

قال: في سلامة من ديني؟ قال:

"في سلامة من دينك". وقال:

"حديث صحيح على شرط الشيخين"! ووافقه الذهبي!

قلت: نعم هو على شرطهما من أحمد بن يونس فما فوقه.

وأما سهل بن المتوكل؛ فليس على شرطهما، بل هو مجهول عندي؛ فإني لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر (1) !

__________

(1) ترجمه ابن حبان في " الثقات " (8/294) ، وقال: " يروي عنه أهل بلده، وهو من بني شيبان. إذا حدّث عن إسماعيل بن أويس غرب ". (الناشر)

 

(10/556)

 

 

فإن كان ثقة، أو توبع من ثقة؛ فالحديث صحيح؛ وإلا فهو من حصة هذا الكتاب. والله أعلم.

وقد أخرج الزيادة: أبو يعلى في قصة الحديقة من حديث علي أيضاً. قال الهيثمي (9/ 118) :

"رواه أبو يعلى، والبزار، وفيه الفضل بن عميرة؛ وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات".

وأخرجها الحاكم (3/ 139) ، والطبراني - دون الزيادة -. وصححه الحاكم.

ووافقه الذهبي؛ مع أنه جزم في ترجمة ابن عميرة بأنه منكر الحديث! ثم ساق له هذا الحديث بالزيادة. قال الهيثمي:

"وفيه من لم أعرفهم، ومندل أيضاً فيه ضعف".

4907 - (تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين: بالطرقات، والنهروانات، وبالشعفات) .

موضوع بهذا التمام

أخرجه الحاكم (3/ 139-140) عن محمد بن يونس القرشي: حدثنا عبد العزيز بن الخطاب: حدثنا علي بن غراب [عن] ابن أبي فاطمة عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لعلي بن أبي طالب ... فذكره.

قال أبو أيوب: قلت: يا رسول الله! مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال:

"مع علي بن أبي طالب".

قلت: سكت عنه الحاكم؛ وكأنه لظهور آفته!

 

(10/557)

 

 

واقتصر الذهبي على تضعيفه! فقصَّر؛ فإنه شر من ذلك؛ الأصبغ بن نباتة كتروك متهم بالكذب.

ومثله ابن أبي فاطمة 0 واسمه علي؛ وهو علي بن الحزور -؛ وقد ساق الذهبي في "ميزانه" هذا الحديث - دون الشطر الثاني منه - في ترجمة الأصبغ من طريق علي بن الحزور عنه. وقال:

"علي بن الحزور هالك".

قلت: ومحمد بن يونس القرشي: هو الكديمي الكذاب الوضاع.

وللحديث طرق أخرى عن أبي أيوب وغيره دون الزيادة؛ فلا بد من تتبعها ودراستها؛ لنتبين مرتبة الحديث بدونها:

2- عن محمد بن حميد: حدثنا سلمة بن الفضل: حدثني أبو زيد الأحول عن عتاب بن ثعلبة: حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

أخرجه الحاكم (3/ 139) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 185/ 2) .

قلت: وسكت عليه الحاكم كالذي قبله!

وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: لم يصح، وساقه الحاكم بإسنادين مختلفين - إلى أبي أيوب - ضعيفين"!

قلت: قد بينت آنفاً أن الأول واه جداً، بل موضوع. وهذا قريب منه؛ فإن

 

(10/558)

 

 

عتاب بن ثعلبة لايعرف؛ قال الذهبي في ترجمته من "الميزان":

"عداده في التابعين. روى عنه أبو زيد الأحول حديث: قتال الناكثين. والإسناد مظلم، والمتن منكر".

وأقره الحافظ في "اللسان":

وسلمة بن الفضل، ومحمد بن حميد؛ كلاهما ضعيف.

وأبو زيد الأحول: اسمه ثابت بن يزيد؛ وهو ثقة ثبت.

3- عن المعلى بن عبد الرحمن: أخبرنا شريك عن سليمان بن مهران الأعمش: أخبرنا إبراهيم عن علقمة والأسود قالا:

أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين ... فقال:

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين ... الحديث.

أخرجه ابن عساكر.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته المعلى هذا؛ كان يضع الحديث، وقد صرح عند موته بأنه وضع في فضل علي رضي الله عنه تسعين - أو قال: سبعين - حديثاً.

وشريك: هو ابن عبد الله القاضي؛ وهو سيىء الحفظ.

لكن الآفة من المعلى، وهو راوي الحديث المتقدم (4896) بهذا الإسناد.

4- عن محمد بن كثير: أخبرنا الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن مخنف ابن سليم عنه نحوه.

أخرجه ابن عساكر، وكذا الطبراني - كما في "المجمع" (6/ 235) -؛ وقال:

 

(10/559)

 

 

"وفيه محمد بن كثير الكوفي؛ وهو ضعيف"!

قلت: حاله شر من ذلك؛ فقد قال فيه أحمد:

"خرقنا حديثه". وقال ابن المديني:

"كتبنا عنه عجائب، وخططت على حديثه". وقال البخاري:

"منكر الحديث".

والحارث بن حصيرة شيعي مختلف فيه؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث (4886) .

ومما سبق؛ يتبين أنه ليس في هذه الطرق ما يقوي بعضها بعضاً!

فلننظر في الشواهد التي سبقت الإشارة إليها، وهي مروية عن ابن مسعود، وعلي، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم:

2- أما حديث ابن مسعود؛ فيرويه زكريا بن يحيى الخزاز المقري: أخبرنا إسماعيل بن عباد المقري: أخبرنا شريك عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله به نحوه.

أخرجه ابن عساكر (12/ 185/ 1) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته إسماعيل بن عباد - وهو السعدي المزني البصري - كما في "كامل ابن عدي" (13/ 1) . وقال:

"ليس بذلك المعروف". وقال العقيلي (ص 29) :

"بصري؛ حديثه غيرمحفوظ". وقال في "الميزان":

 

(10/560)

 

 

"قال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: إسماعيل بن عباد أبو محمد المزني بصري، لا يجوز الاحتجاج به بحال". زاد في "اللسان":

"وقال ابن حبان: كتبنا عنه نسخة بهذا الإسناد، لا تخلو عن المقلوب والموضوع".

قلت: والإسناد الذي أشار إليه؛ كلهم ثقات؛ فهو الآفة.

وشريك ضعيف الحفظ؛ كما تقدم.

وزكريا بن يحيى - وهو الخزاز؛ بمعجمات - من شيوخ البخاري؛ قال الحافظ:

"صدوق له أوهام، لينه بسببها الدارقطني".

والحديث؛ قال الهيثمي (6/ 235) :

"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه" (1) .

3- أما حديث علي؛ فله عنه طرق:

الأولى: عن أبي الجارود عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عنه مرفوعاً.

أخرجه ابن عساكر (12/ 184/ 2) .

قلت: وأبو الجارود: اسمه زياد بن المنذر؛ وهو رافضي، كان يضع الحديث؛ كما قال ابن حبان. وقال ابن معين:

"كذاب عدو الله".

__________

(1) وله طريقان آخران عن إبراهيم به:

الأولى: رواها الطبراني في " الكبير " (10054) و " الأوسط " (9434) .

الثانية: رواها في " الكبير " (1153) وحده. (الناشر)

 

(10/561)

 

 

الثانية: عن الربيع بن سهل الفزاري عن سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة الوالبي قال: سمعت علياً على منبركم هذا يقول:

عهد إلي النبي عليه السلام أني مقاتل بعده القاسطين ... الحديث.

أخرجه أبو يعلى (1/ 397/ 519) ، وابن عساكر. وكذا العقيلي في "الضعفاء" (ص 132) ، وقال:

"الأسانيد في هذا الحديث عن علي لينة الطرق. والرواية عنه في الحرورية صحيحة".

قلت: والربيع بن سهل متفق على تضعيفه. وقال فيه ابن معين:

"ليس بشيء". وقال - مرة -.

"ليس بثقة". وقال أبو زرعة:

"منكر الحديث".

الثالثة: عن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي. . . . . (1) : حدثني عمي عمرو بن عطية بن سعد عن أخيه الحسن بن عطية بن سعد عن عطية: حدثني جدي سعد بن جنادة عن علي قال:

أمرت بقتل ثلاثة ... (فذكرهم، وزاد:)

فأما القاسطون؛ فأهل الشام. وأما الناكثون؛ فذكرهم. وأما المارقون؛ فأهل النهروان. يعني: الحرورية.

__________

(1) كذا فراغ في الأصل الخطي للشيخ - رحمه الله - ومكانه في " البداية والنهاية " (7/338) لابن كثير: " حدثني أبي ". (الناشر)

 

(10/562)

 

 

أخرجه ابن عساكر.

قلت: وإسناده مظلم مسلسل بالضعفاء: محمد بن الحسن فمن فوقه - على ما في الأصل من البياض -، وأشدهم ضعفاً: عمرو بن عطية؛ فقد أورده العقيلي في "الضعفاء" (ص 310) ، وروى بسنده الصحيح عن البخاري أنه قال:

"في حديثه نظر".

وقد جعل هذا الحافظ في "اللسان" من قول العقيلي نفسه، وليس من روايته عن البخاري؛ فوهم!

الرابعة: عن أبي غسان عن جعفر - أحسبه: الأحمر - عن عبد الجبار الهمداني عن أنس بن عمرو عن أبيه عن علي قال ... فذكره مثل الذي قبله دون الزيادة.

أخرجه ابن عساكر (12/ 184/ 2-185/ 1) .

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ أنس بن عمرو وأبوه مجهولان، كما في "الميزان" و "اللسان"؛ إلا أن ابن حجر زاد في ترجمة الأول؛ فقال:

"ذكره ابن حبان في (الثقات) "!

قلت: وابن حبان معروف بتساهله في التوثيق.

وعبد الجبار الهمداني: هو ابن العباس الهمداني الشبامي؛ وثقوه، لكن ذكر الذهبي في "الميزان":

"قال أبو نعيم: لم يكن بالكوفة أكذب منه". وقال العقيلي في "الضعفاء" (ص 260) :

"لا يتابع على حديثه، وكان يتشيع".

 

(10/563)

 

 

وجعفر الأحمر - هو ابن زياد - وثقوه - أيضاً - مع تشيعه.

الخامسة: عن أبي العباس بن عقدة: أخبرنا الحسن بن عبيد بن عبد الرحمن الكندي: أخبرنا بكار بن بشر: أخبرنا حمزة الزيات عن الأعمش عن إبراهيم عن علي. وعن أبي سعيد التيمي، عن علي قال ... فذكره.

أخرجه ابن عساكر (12/ 185/ 1) .

قلت: وسنده مظلم أيضاً؛ ابن عقدة حافظ شيعي معروف، وقد اختلفوا فيه؛ كما تراه في "اللسان". وقد قال البرقاني للدارقطني:

"أيش أكثر ما نفسك من ابن عقدة؟ قال: الإكثار بالمناكير".

قلت: وهذا من مناكيره؛ فإن الحسن بن عبيد وبكار بن بشر؛ لم أجد من ذكرهما.

وحمزة الزيات - وهو ابن حبيب القارىء التيمي، أحد الأئمة السبعة -؛ قال الحافظ:

"صدوق زاهد، ربما وهم".

وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ولم يدرك علياً؛ فهو منقطع.

وكذلك هو من الطريق الأخرى؛ فإن أبا سعيد التيمي لم يذكر له ابن أبي حاتم (1/ 2/ 247) رواية عن علي؛ فقال:

"روى عن الأشعث بن قيس أنه حذر الفتن. روى عنه الأعمش".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو في عداد المجهولين.

 

(10/564)

 

 

والتحذير المشار إليه: أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/ 191) من طريق أخرى عن الأعمش عن حيان أبي سعيد التيمي قال:

حذر الأشعث بن قيس الفتن. فقيل له: إنك قد خرجت أنت مع علي؟! قال: ومن لكم بإمام مثل علي؟!

السادسة: عن مطر عن حكيم بن جبير عن إبراهيم عن علقمة عنه به.

أخرجه ابن عساكر أيضاً.

قلت: وهذا آفته مطر - وهو ابن ميمون، وهو ابن أبي مطر الإسكاف -، وهو متروك متهم؛ روى موضوعات، وقد سبق أحدها برقم (4900) .

وحكيم بن جبير قريب منه؛ مع تشيع.

السابعة: عن جعفر الأحمر عن يونس بن أرقم عن أبان عن خليد العصري قال: سمعت أمير المؤمنين علياً يقول يوم النهروان ... فذكره.

قلت: وهذا آفته أبان؛ وهو ابن أبي عياش، متروك متهم؛ تقدم مراراً.

ويونس بن أرقم؛ لينه الحافظ عبد الرحمن بن خراش.

وذكره ابن حبان في "الثقات"؛ وقال:

"كان يتشيع".

قلت: وجعفر الأحمر شيعي أيضاً؛ كما تقدم أكثر من مرة.

4- وأما حديث أبي سعيد؛ فيرويه إسماعيل بن أبان: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن أبي هارون العبد ي عنه قال:

أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله! أمرتنا بقتال هؤلاء؛ فمع من؟ قال:

 

(10/565)

 

 

"مع علي بن أبي طالب، معه يقاتل عمار بن ياسر".

رواه ابن عساكر.

قلت: وهذا آفته أبو هارون هذا - واسمه عمارة بن جوين -؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، ومنهم علي بن المديني؛ فقال - وقد سئل عنه -:

"أكذب من فرعون". وقال ابن حبان:

"كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه".

وإسحاق بن إبراهيم الأزدي؛ لم أعرفه، وفي الرواة كثرة بهذا الاسم والنسب، لكني لم أر فيهم أزدياً. والله أعلم.

وإسماعيل بن أبان؛ إن كان الغنوي؛ فهو كذاب، وإن كان الوراق؛ فهو ثقة.

وبالجملة؛ فليس في هذه الشواهد ما يشد من عضد الطرف الأول من حديث الترجمة؛ لشدة ضعفها، وبعضها أشد ضعفاً من بعض، لا سيما وفي رواتها كثير من الشيعة والرافضة، فهم مظنة التهمة؛ ولو لم يصرح أحد باتهامهم، فكيف وكثير منهم متهمون بالكذب والوضع؟!

والحديث؛ أورده ابن عراق في الفصل الثاني من "تنزيه الشريعة" (1/ 387) ، ولم يستقص طرقه استقصاءنا، ولا تعرض مطلقاً لبيان عللها، وإنما ذكر قول العقيلي المتقدم:

"وأسانيدها لينة"!

 

(10/566)

 

 

أما ما وجه لينها، وما نسبة اللين فيها؛ فهذا كله مما لم يعرج عليه!

فالحمد لله الذي وفقنا للقيام بذلك، وهو المرجو أن يزيدنا من فضله؛ إنه سميع مجيب.

4908 - (يا علي! ستقاتل الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني) .

ضعيف

أخرجه ابن عساكر (12/ 186/ 1) من طريق أبي أحمد محمد بن أحمد العسال: أخبرنا أبو يحيى الرازي - وهو عبد الرحمن بن محمد بن سالم -: أخبرنا عبد الله بن جعفر المقدسي: أخبرنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عمار بن ياسر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ عبد الله بن جعفر لم أعرفه.

ومثله أبو يحيى الرازي.

وأما أبو أحمد العسال؛ فهو أحد حفاظ الحديث المشهورين؛ ترجم له السمعاني في "الأنساب" (ق 390/ 1) ، وغيره.

 

(10/567)

 

 

4909 - (والذي نفسي بيده! إن فيكم لرجلاً يقاتل الناس من بعدي على تأويل القرآن، كما قاتلت المشركين على تنزيله، وهم يشهدون أن لا إله الله، فيكبر قتلهم على الناس؛ حتى يطعنوا على ولي الله تعالى، ويسخطوا عمله، كما سخط موسى أمر السفينة والغلام والجدار، وكان ذلك كله رضي الله تعالى) .

موضوع

ولوائح الوضع عليه ظاهرة، وإن كنت لم أقف على إسناده مع

 

(10/567)

 

 

الأسف! ويكفي في الدلالة على عدم صحته؛ أن السيوطي اقتصر في عزوه - في "الجامع الكبير" (2/ 324/ 1) - على الديلمي فقط عن أبي ذر. وكذا في "الكنز" (6/ 155/ 2587) !!

4910 - (يا أبا رافع! سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً؛ حقاً على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده؛ فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه؛ فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 48/ 2) : حدثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة: أخبرنا يحيى بن الحسن بن فرات: أخبرنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع: أخبرنا عون بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال:

دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم 0 أو يوحى إليه -، وإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أقتلها فأوقظه، فاضطجعت بينه وبين الحية، فإن كان شيء كان بي دونه، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الآية. قال:

"الحمد لله". فرآني إلى جانبه، فقال:

"ما أضجعك ههنا؟! ". قلت: لمكان هذه الحية. قال:

"قم إليها فاقتلها". فقتلها. فحمد الله ثم أخذ بيدي فقال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وهو شيعي؛ وأحد رواة الحديث المتقدم في الوصية بعلي رقم (2882) ، وهو صاحب حديث:

 

(10/568)

 

 

"إذا طنت أذن أحدكم ... "؛ كما تقدم التنبيه عليه هناك.

وعون بن عبيد الله بن أبي رافع؛ لم أجد من ذكره؛ غير ابن أبي حاتم، فقال (3/ 1/ 385) :

"عون بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع، ويقال: عون بن عبيد الله بن أبي رافع؛ فنسب إلى جده. ومنهم من يقول: عون بن عبد الله بن أبي رافع؛ يخطىء فيه. وبعض الناس جعله ثلاثة أسامي؛ كتب في موضع: عون بن عبيد الله، وفي موضع: عون بن علي بن عبيد الله، وفي موضع: عون بن عبد الله، وكلهم واحد. روى عن أبيه، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر. روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو جعفر محمد بن علي، وموسى بن يعقوب الزمعي. سئل ابن معين عن عون بن عبيد الله بن أبي رافع؟ فقال: مشهور".

ويحيى بن الحسن بن فرات؛ لم أجد من ذكره.

وابن أبي شيبة؛ فيه ضعف، كما سبق أكثر من مرة.

والحديث؛ قال الهثيمي (9/ 134) .

"رواه الطبراني، وفيه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع؛ ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان. ويحيى بن الحسين (كذا) بن الفرات لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!

4911 - (أنا أقاتل على تنزيل القرآن، وعلي يقاتل على تأويله) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن السكن في "الصحابة" من طريق الحارث بن حصيرة عن جابر الجعفي عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن الأخضر ابن أبي الأخضر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. وقال:

"الأخضر غير مشهور في الصحابة، وفي إسناد حديثه نظر".

 

(10/569)

 

 

كذا في "الإصابة" للحافظ ابن حجر. وقال:

"وأشار الدارقطني إلى أن جابراً تفرد به. وجابر رافضي".

قلت: وهو - إلى ذلك - متروك متهم، فهو آفة الحديث، وإن كان الحارث بن حصيرة شيعياً أيضاً، ولكنه قد وثق؛ كما سبق مراراً.

4912 - (يا علي! أخصمك بالنبوة، ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش: أنت أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم (1/ 55-66) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 70/ 2) عن خلف بن خالد العبد ي البصري: حدثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الأنصاري هذا؛ قال ابن عدي:

"هو عندي من يضع الحديث". وقال ابن حبان:

"كان يضع الحديث على الثقات".

ومن فوقه كلهم ثقات.

والعبد ي مستور؛ كما في "التقريب".

والحديث؛ أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، وقال:

"موضوع، آفته بشر". كما في "اللآلىء" (1/ 167) ، وعقب عليه بقوله:

"قلت: له طريق آخر، قال أبو نعيم ... "!

 

(10/570)

 

 

قلت: فذكر الحديث الآتي بعد هذا، فلم يصنع شيئاً؛ لأن فيه آفة أخرى كما سترى. ولذلك تعقبه ابن عراق بقوله (1/ 352) :

"قلت: فيه عصمة بن محمد؛ أحد المتهمين بالوضع".

قلت: وقد ساق له ابن عساكر شاهداً من طريق أبي سعيد عمرو بن عثمان ابن راشد السواق: أخبرنا عبد الله بن مسعود الشامي: أخبرنا ياسين بن محمد بن أيمن عن أبي حازم مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب:

كفوا عن علي؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ذكر] فيه خصالاً؛ لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب؛ كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ...

قلت: فذكرها، وفيه قصة.

قلت: وآفته ياسين بن محمد؛ قال الذهبي:

"لا يعرف. وقال الأزدي: متروك".

وأبو حازم مولى ابن عباس: اسمه نبتل، وهو ثقة؛ كما قال أحمد في رواية ابن أبي حاتم (4/ 1/ 508) عنه.

ومن دون ياسين؛ لم أعرفهما.

4913 - (يا علي! لك سبع خصال، لا يحاجك فيهن أحد يوم القيامة: أنت أول المؤمنين بالله إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزيةً يوم القيامة) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم (1/ 66) من طريق عصمة بن محمد عن يحيى

 

(10/571)

 

 

ابن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - وضرب بين كتفيه - ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عصمة هذا؛ قال ابن معين:

"كذاب يضع الحديث". وقال العقيلي:

"يحدث بالبواطيل عن الثقات".

(تنبيه) : بهذا الحديث؛ ختم عبد الحسين الشيعي أحاديثه الأربعين وزيادة؛ التي ساقها في "مراجعاته": المراجعة (47) تحت عنوان: (أربعون حديثاً من السنن المؤيدة للنصوص) ! ثم ختمها بقوله:

"إلى ما لا يسع المقام استقصاؤه من أمثال هذه السنن المتضافرة المتناصرة باجتماعها كلها على الدلالة على معنى واحد؛ هو أن علياً ثاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه المة، وأن له عليها من الزعامة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان له - صلى الله عليه وسلم -، فهي من السنن المتواترة في معناها، وإن لم يتواتر لفظها"!!

وأقول - مستعيناً بالله تعالى وحده -:

ليس في الأربعين التي ساقها من الأحاديث الثابتة سوى أربعة أحاديث، ليس فيها مما أخرجه الشيخان حديث واحد؛ اللهم إلا حديث علي:

إنه لعهد النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق ... فإنه أخرجه مسلم.

وحديث آخر من الأربعة؛ حسن فقط! وكلها لا تدل مطلقاً على المعنى الذي ذكره الشيعي!

 

(10/572)

 

 

وما مثل حديث مسلم هذا إلا مثل حديثه الآخر؛ حديث البراء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأنصار:

"لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق".

وبقية الأحاديث لا يصح منها شيء، وأكثرها موضوع كما سبق بيانه بما لا تراه في كتاب آخر، وهي ابتداءً من الحديث رقم (4882) ، وانتهاء إلى هذا الحديث، ومجموعها (31) حديثاً، ومجموعة أخرى من الأربعين كنت خرجتها قديماً برقم (353، 355،357، 2295، 2310، 2955) .

وبقي علي تخريج حديثين فقط من أربعينه الموضوعة، لم يتيسر لي الآن الوقوف على إسناديهما:

الأول:

"علي باب علمي، ومبين من بعدي لأمتي ما أرسلت به ... " (1) .

والآخر:

"علي مني؛ منزلتي من ربي".

وإن كان لوائح الوضع عليهما؛ فعسى الله أن يوفقني للاطلاع على سنديهما.

ثم وقفت على إسناد الأول منهما (2) ، فخرجته برقم (5798) .

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " الديلمي " (2/299) ". (الناشر)

(2) وهو مخرج فيما تقدم (2165) ! (الناشر)

 

(10/573)

 

 

4914 - (الثقلان: كتاب الله: طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا. والآخر عترتي. وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم؛ فهم أعلم منكم) .

ضعيف

أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 163-164) من حديث زيد بن أرقم مطولاً بقصة غدير خم، وهذا طرف منه، ولم يعزه لأحد! والظاهر أنه سقط اسم مخرجه من قلمه، أو قلم الناسخ. وقال:

"وفي سنده حكيم بن جبير؛ وهو ضعيف".

قلت: وهو شيعي، وقد مضى له بعض الأحاديث.

ثم إن الحديث إنما أوردته من أجل الجملة الأخيرة منه؛ وإلا فما قبله ثابت في أحاديث سبق تخريج بعضها في "الصحيحة" برقم (713،2024) .

ثم رأيت الحديث في "معجم الطبراني الكبير" (1/ 128/ 2) من طريق عبد الله ابن بكير الغنوي عن حكيم بن جبير عن أبي الطفيل عن زياد بن أرقم به.

والغنوي هذا؛ قال أبو حاتم:

"كان من عتق الشيعة". وقال الساجي:

"من أهل الصدق، وليس بقوي".

وذكر له ابن عدي مناكير.

 

(10/574)

 

 

4915 - (أنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس؛ فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين) .

موضوع

أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 172) عن سلمان قال ... فذكره.

قلت: لم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال:

"رواه الطبراني، وفيه زياد بن المنذر، وهو متروك".

قلت: وهو رافضي كان يضع الحديث؛ كما قال ابن حبان.

وكذبه ابن معين.

والحديث؛ قال الشيعي في "مراجعاته" (ص 28) :

"أخرجه جماعة من أصحاب "السنن" بالإسناد إلى أبي ذر مرفوعاً"!

قلت: وفي هذا التخريج تدليس خبيث؛ فإن أصحاب "السنن" عندنا - أهل السنة -؛ إنما هم عند الإطلاق: أصحاب "السنن الأربعة": أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج أحد منهم مثل هذا الحديث، فالظاهر أنه يعني بعض مؤلفي الشيعة!

ثم رأيت إسناد الحديث في "المعجم الكبير" للطبراني (1/ 124/ 2) و (3/ 39/ 2640 - ط) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: أخبرنا جندل بن والق: أخبرنا محمد بن حبيب العجلي عن إبراهيم بن حسن عن زياد بن المنذر عن عبد الرحمن بن مسعود العبد ي عن عليم عن سلمان ...

 

(10/575)

 

 

4916 - (الزموا مودتنا أهل البيت؛ فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا؛ دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده! لا ينفع عبد اً عمله إلا بمعرفة حقنا) (1) .

منكر

وهو من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه مرفوعاً. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 172) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه ليث بن أبي سليم وغيره".

وأورده الخميني في "كشف الأسرار" (197) ، وراجع له "منهج الكرامة"، و "المراجعات"!

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " راجع " الأوسط "". (الناشر)

 

(10/576)

 

 

4917 - (معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب) .

موضوع

أخرجه الكلاباذي في "مفتاح المعاني" (147/ 2) من طريق محمد بن الفضل عن محمد بن سعد أبي طيبة عن المقداد بن الأسود مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن الفضل - وهو ابن عطية المروزي - متروك؛ كذبه الفلاس وغيره. وقال أحمد:

"حديثه حديث أهل الكذب". ولذلك قال الحافظ في "التقريب":

"كذبوه".

وشيخه محمد بن سعد أبو طيبة؛ لم أعرفه، ولم يورده الدولابي في "الكنى"!

والحديث؛ عزاه الشيعي (ص 29) ؛ للقاضي عياض في "الشفا" (ص 40) من قسمه الثاني، طبع الأستانة سنة (1328) !

 

(10/576)

 

 

قلت: وهو في "الشفا" معلق بدون إسناد!

ومثل هذا التخريج مما يدل اللبيب على قيمة أحاديث كتاب الشيعي؛ فإنه حشاه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا إسناد له؛ فإنه لا يتورع من إيراد ما هو مقطوع بوضعه عند الأئمة السنة، ملبساً على العامة أنه صحيح عندهم؛ لمجرد إيراد بعضهم إياه ولو بإسناد موضوع، أو بدون إسناد كهذا!!

وقلده الخميني؛ فأورده في "كشفه" (ص 197) مجزوماً به!

4918 - (لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلا ذيد [عن الحوض] يوم القيامة بسياط من نار) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 131/ 2) : حدثنا أبو مسلم الكشي: أخبرنا عبد الله بن عمرو الواقعي: أخبرنا شريك عن محمد بن زيد عن معاوية ابن خديج قال:

أرسلني معاوية بن أبي سفيان رحمه الله إلى الحسن بن علي رضي الله عنهم أخطب على يزيد بنتاً له أو أختاً له، فأتيته، فذكرت له يزيد، فقال: إنا قوم لا نزوج نساءنا حتى نستأمرهن، فأتها. فأتيتها، فذكرت لها يزيد، فقالت: والله لا يكون ذاك حتى يسير فينا صاحبك كما سار فرعون في بني إسرائيل، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم! فرجعت إلى الحسن، فقلت: أرسلتني إلى فلقة من الفلق! تسمي أمير المؤمنين فرعون! فقال:

يا معاوية! إياك وبغضنا؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الواقعي هذا؛ قال علي بن المديني:

 

(10/577)

 

 

"كان يضع الحديث".

وكذبه الدارقطني.

والحديث؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 172) مختصراً؛ من عند قول الحسن: يا معاوية ... وفيه الزيادة التي بين المعكوفتين. وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عبد الله بن عمرو الواقعي (كذا) ؛ وهو كذاب".

4919 - (أيها الناس! من أبغضنا - أهل البيت -؛ حشره الله يوم القيامة يهودياً، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم - احنجر بذلك من سفك دمه، وأن يؤدي الجزية عن يد وهم صاغرون -. مثل لي أمتي في الطين، فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لعلي وشيعته) (1) .

موضوع

رواه الطبراني في "الأوسط" من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فسمعته وهو يقول ... فذكره. قال الهيثمي (9/ 172) :

"وفيه من لم أعرفهم".

قلت: ولوائح الوضع عليه ظاهرة.

والحديث؛ أورده الشيعي في "مراجعاته" في حاشية (ص 30) بصيغة الجزم؛ من رواية الطبراني، نقلاً عن "إحياء السيوطي" وغيره! ولو كان يريد الحق لنقله عن الهيثمي الذي بين علته، لكنه - عن عمد - يتحاشاه؛ لما فيه من البيان، وهو لا يريده للقراء، وإنما يريد تضليلهم بمثل ذلك العزو الهزيل!

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " انظر (6863) ". (الناشر)

 

(10/578)

 

 

4920 - (من مات على حب آل محمد؛ مات شهيداً. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ مات مغفوراً له. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ مات تائباً. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ مات مؤمناً مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ بشره ملك الموت بالجنة؛ ثم منكر ونكير. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ فتح له في قبره بابان إلى الجنة. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حب آل محمد؛ مات على السنة والجماعة.

ألا ومن مات على بغض آل محمد؛ جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله. ألا ومن مات على بغض آل محمد؛ مات كافراً. ألا ومن مات على بغض آل محمد؛ لم يشم رائحة الجنة) .

باطل موضوع

أورده الزمخشري في تفسير آية المودة هكذا بتمامه!

وعزاه الشيعي في "مراجعاته" (ص 30) للثعلبي في "تفسيره"؛ لكنه لم يسق الجملتين الأخيرتين منه ليقول:

"إلى آخر خطبته العصماء"! وقال:

"وأرسلها الزمخشري في تفسير الآية من "كشافه" إرسال المسلمات"!

قلت: وهذا من جهله أو تجاهله، بل وتضليله للقراء؛ فإن أهل العلم يعلمون أن الزمخشري في الحديث كالغزالي؛ لا يوثق بهما في الحديث؛ لأنهما غريبان

 

(10/579)

 

 

عنه، فكم من أحاديث ضعيفة وموضوعة في "تفسيره"، ولذلك وضع عليه الحافظ الزيلعي تخريجاً لأحاديثه، ثم لخصه الحافظ ابن حجر؛ وهو المسمى بـ "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف"، وقد حكم فيه على هذا الحديث بالوضع، فأصاب، قال (4/ 145/ 354) :

"رواه الثعلبي: أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي البلخي: حدثنا يعقوب ابن يوسف بن إسحاق: حدثنا محمد بن أسلم: حدثنا يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن قيس عن جرير بطوله. وآثار الوضع عليه لائحة. ومحمد ومن فوقه أثبات. والآفة فيه ما بين الثعلبي ومحمد".

قلت: ولم أعرفهما، فأحدهما قد تَقَوَّلَه.

4921 - (نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل المسجد؛ والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي؛ فإذا سائل، قال: يا سائل! أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلا هذا الراكع - لعلي - أعطاني خاتماً) .

منكر

أخرجه الحاكم في "علوم الحديث" (ص 102) ، وابن عساكر (12/ 153/ 2) من طريق محمد بن يحيى بن الضريس: حدثنا عيسى بن عبد الله ابن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي قال ... فذكره. وقال الحاكم:

"تفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي".

 

(10/580)

 

 

قلت: وهو متهم؛ قال في "الميزان":

"قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة". ثم ساق له أحاديث.

(تنبيه) : عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر ... إلخ؛ هكذا وقع في هذا الإسناد عند المذكورين. والذي في "الميزان" و "اللسان":

عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر! فسمى جده: محمداً، بدل: عبيد الله؛ ولعله الصواب؛ فإنه كذلك في "الكامل" (295/ 1) في الترجمة، وفي بعض الأحاديث التي ساقها تحتها، وأحدها من طريق محمد بن يحيى بن ضريس: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد ... ثم قال:

"وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير، وله غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".

ومما سبق؛ تعلم أن قول الآلوسي في "روح المعاني" (2/ 329) :

"إسناده متصل"!

مما لا طائل تحته!

واعلم أنه لا يتقوى الحديث بطرق أخرى ساقها السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 293) ؛ لشدة ضعف أكثرها، وسائرها مراسيل ومعاضيل لا يحتج بها!

منها - على سبيل المثال -: ما أخرجه الواحدي في "أسباب النزول" (ص 148) من طريق محمد بن مروان عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس به ... وفيه قصة لعبد الله بن سلام.

 

(10/581)

 

 

قلت: محمد بن مروان: هو السدي الأصغر، وهم متهم بالكذب.

ومثله محمد بن السائب؛ وهو الكلبي.

ومن طريقه: رواه ابن مردويه. وقال الحافظ ابن كثير:

"وهو متروك".

ومثله: حديث عمار بن ياسر؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 17) . وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفهم".

وعزاه ابن كثير وغيره لرواية ابن مردويه؛ فقال الحافظ في "تخريج الكشاف":

"وفي إسناده خالد بن يزيد العمري، وهو متروك".

وأشار إلى ذلك ابن كثير؛ فإنه قال عقب حديث الكلبي السابق:

"ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه، وعمار بن ياسر، وأبي رافع؛ وليس يصح شيء منها بالكلية؛ لضعف أسانيدها وجهالة رجالها".

قلت: ويشهد لذلك أمور:

الأول: أنه ثبت أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت لما تبرأ من يهود بني قينقاع وحلفهم.

أخرجه ابن جرير (6/ 186) بإسنادين عنه؛ أحدهما حسن.

الثاني: ما أخرجه ابن جرير أيضاً، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 185) عن عبد الملك بن أبي سليمان قال:

 

(10/582)

 

 

سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله عز وجل: (إنما وليكم الله ... ) الآية؛ قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: (الذين آمنوا) (ولفظ أبي نعيم: قال: أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -) . قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب؟! قال: علي من الذين آمنوا.

وإسناده صحيح.

قلت: فلو أن الآية نزلت في علي رضي الله عنه خاصة؛ لكان أولى الناس بمعرفة ذلك أهل بيته وذريته، فهذا أبو جعفر الباقر رضي الله عنه لا علم عنده بذلك!

وهذا من الأدلة الكثيرة على أن الشيعة يلصقون بأئمتهم ما لا علم عندهم به!

الثالث: أن معنى قوله تعالى في آخر الآية: (وهو راكعون) ؛ أي: خاضعون. قال العلامة ابن حيان الغرناطي في تفسيره: "البحر المحيط" (3/ 514) - عقب الآية -:

"هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق؛ لأن المنافق لا يداوم على الصلاة، ولا على الزكاة، قال تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) ، وقال تعالى: (أشحة على الخير) . ولما كانت الصحابة وقت نزول هذه الآية من مقيمي الصلاة ومؤتي الزكاة، وفي كلتا الحالتين كانوا متصفين بالخضوع لله تعالى والتذلل له؛ نزلت الآية بهذه الأوصاف الجليلة. والركوع هنا ظاهره الخضوع، لا الهيئة التي في الصلاة".

قلت: ويؤيده قول الحافظ ابن كثير:

"وأما قوله: (وهم راكعون) ؛ فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في

 

(10/583)

 

 

موضع الحال من قوله: (ويؤتون الزكاة) ؛ أي: في حال ركوعهم! ولو كان هذا كذلك؛ لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح! وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى".

(تنبيه) : قال الشيعي في كتابه (ص: 36) :

"أجمع المفسرون - كما اعترف به القوشجي، وهو من أئمة الأشاعرة - على أن هذه الآية إنما نزلت على علي حين تصدق راكعاً في الصلاة. وأخرج النسائي في "صحيحه" (!) نزولها في علي: عن عبد الله بن سلام. وأخرج نزولها فيه أيضاً صاحب "الجمع بين الصحاح الستة" في تفسيره سورة المائدة"!!

قلت: في هذا الكلام - على صغره - أكاذيب:

أولاً: قوله: "أجمع المفسرون ... " باطل؛ سواء كان القائل من عزا إليه الاعتراف به أو غيره! كيف وقد سبق أن الأرجح - من حيث الرواية - نزولها في عبادة بن الصامت؟! وهناك أقوال أخرى حكاها المحقق الآلوسي (2/ 330) راداً بها الإجماع المزعوم. وكيف يصح ذلك وقد حكى الخلاف إمام المفسرين ابن جرير الطبري؟! ورجح خلافه ابن حيان وابن كثير كما تقدم؟!

ثانياً: قوله: "وأخرج النسائي ... " إلخ! كذب أيضاً؛ فإنه لم يخرجه النسائي في أي كتاب من كتبه المعروفة، لا في "سننه الصغرى"، ولا في "سننه الكبرى"، ولا في "الخصائص"، وكيف يمكن أن يكون هذا العزو صحيحاً، ولم يعزه إليه الذين ساقوا روايات هذا الحديث وخرجوها وعزوها إلى مصادرها المعروفة من كتب السنة، كالحافظين ابن كثير والسيوطي وغيرهما؟!

زد على ذلك أن الحافظ المزي لم يورد الحديث مطلقاً في مسند عبد الله بن

 

(10/584)

 

 

سلام من "أطرافه"؛ وهو يعتمد فيه على "السنن الكبرى" للنسائي!

ولا النابلسي في "ذخائره". واعتماده فيه على "السنن الصغرى"!

وأما "الخصائص"؛ فقد راجعته بنفسي!

ثالثاً: قوله: "في صحيحه"!! من أكاذيبه المكشوفة؛ فإن المبتدئين في هذا العلم الشريف يعلمون أن النسائي ليس له كتاب يعرف بـ "الصحيح"، وغالب الظن أن الشيعة يستحلون هذا الكذب من باب (التقية) ، أو باب (الغاية تبرر الوسيلة) ! وقد أدخلهم في إباحة الكذب المكشوف؛ لتضليل عامة القراء، وذلك مطرد عنده؛ فقد رأيته قال في ترجمة علي بن المنذر (ص 98) :

"احتج النسائي بحديثه في (الصحيح) "!

وطرد ذلك في سائر "السنن الأربعة"؛ تارة جمعاً، وتارة إفراداً، فهو يقول (ص 50) :

"وتلك صحاحهم الستة"!

ونحوه في (ص 54) .

وذكر أبا داود والترمذي؛ وقال:

"في (صحيحيهما) "! (ص 55،57،95،116) .

وذكر النسائي وأبا داود؛ وقال:

"فراجع (صحيحيهما) "! (ص 59) .

ويقول في ترمة نفيع بن الحارث (ص 111) : "واحتج به الترمذي في (صحيحه) "!

 

(10/585)

 

 

قلت: وفي هذا افتراء آخر؛ وهو قوله:

"احتج به الترمذي"! فهذا كذب عليه؛ كيف وهو القائل فيه:

"يضعف في الحديث"؛ كما في "التهذيب"؟! وفيه أن ابن عبد البر قال:

"أجمعوا على ضعفه، وكذبه بعضهم، وأجمعوا على ترك الرواية عنه"!

وإن إطلاقه اسم "الصحيح" على كل من "السنن الأربعة" ليهون أمام إطلاقه هذا الاسم على "سنن البيهقي"! فراجع التنبيه على ذلك تحت الحديث (4903) ! واحمد الله أن جعلك سنياً لا تستحل الكذب على المخالفين والتدجيل عليهم!

رابعاً: قوله: "وأخرج نزولها فيه أيضاً صاحب "الجمع بين الصحاح الستة" ... "!

قلت: يعني به: كتاب ابن الأثير المسمى بـ "جامع الأصول"! وهذا كذب عليه؛ فإنه لم يخرجه هناك، ولا في غيره من المواطن، وكيف يخرجه والحديث ليس من شرطه؟! لأنه لم يروه أحد الستة الذين جمع أحاديثهم في كتابه، وهم: مالك، والشيخان، وأصحاب "السنن الأربعة"؛ حاشا ابن ماجه!

ثم رأيته كرر أكاذيبه المذكورة: في الصفحة (160) من "مراجعاته"!

وللحديث طريق أخرى ساقطة، يأتي لفظها مطولاً برقم (4958) .

ثم رأيت ابن المطهر الحلي قد سبق عبد الحسين في فريته، فهو إمامه فيها، وفي كثير من فراه كما يأتي؛ فقد قال في كتابه "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة" (ص 74 - تحقيق الدكتور محمود رشاد سالم) - وقد ذكر هذه الآية: (.. وهم راكعون) -:

 

(10/586)

 

 

"وقد أجمعوا على أنها نزلت في علي عليه السلام ... "!!

ثم ساق الحديث مطولاً بلفظ آخر أنكر من حديث الترجمة، ذكره من رواية الثعلبي عن أبي ذر! وتبعه الخميني (ص 158) ! وسيأتي برقم (4958) .

وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية استدلاله هذا من وجوه كثيرة؛ بلغت تسعة عشر وجهاً، يهمنا هنا الوجه الثاني منها، قال رحمه الله (4/ 4) - وأقره الحافظ الذهبي في "المنتقى منه" (ص 419) -:

"قوله: "قد أجمعوا أنها نزلت في علي": من أعظم الدعاوى الكاذبة، بل أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن الحديث من الكذب الموضوع، وأن "تفسير الثعلبي" فيه طائفة من الموضوعات؛ وكان حاطب ليل، وفيه خير ودين ولكن لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث. ثم نعفيك من دعوى الإجماع ونطالبك بسند واحد صحيح. وما أوردته عن الثعلبي واه، فيه رجال متهمون ... ".

ثم ذكر شيخ الإسلام أن في الآية ما يدل على كذب هذه الرواية؛ فقال:

"لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة في حالة الركوع؛ لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة، وأن لا يتولى المسلم إلا علياً فقط، فلا يتولى الحسن والحسين! ثم قوله: (الذين يقيمون ... ) صيغة جمع، فلا تصدق على واحد فرد. وأيضاً فلا يثنى على المرء إلا بمحمود، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب، ولو كان مستحباً؛ لفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولخص عليه ولكرر علي فعله، وإن في الصلاة لشغلاً، فكيف يقال: لا ولي لكم إلا الذين يتصدقون في حال الركوع؟! ... " إلخ كلامه.

 

(10/587)

 

 

وهو هام جداً، فيه من علم الشيخ ما لا يوجد عند غيره، ولولا الإطالة والخروج عن الصدد؛ لنقلته بحذافيره؛ أو على الأقل ملخصاً.

وإن من تضليلات عبد الحسين وإتهاماته القراء: أنه - بعد أن ادعى ذاك الإجماع الكاذب - أتبعه بقوله:

" ... كما اعترف به القوشجي؛ وهو من أئمة الأشاعرة"!

فمن هذا القوشجي؟ وفي أي عصر كان؟

إذا رجعت إلى كتاب "الأعلام" للزركلي؛ وجدت فيه: أن وفاته كانت سن (879) ، وأنه فلكي رياضي، من فقهاء الحنفية ... ! وذكر مصادره فيها، وهي سبعة.

فما قيمة هذا الاعتراف من مثل هذا الفقيه - إن صح نقل عبد الحسين عنه -؛ وهو لم يوصف بأنه من العارفين بأقوال العلماء، واختلافهم وإجماعهم، ثم هو في القرن التاسع الهجري؟!

هذا؛ وكونه حنفياً؛ يعني أنه ما تريدي، وليس أشعرياً كما زعم عبد الحسين! فهل كان قوله: "من أئمة الأشاعرة"؛ لغاية في نفس يعقوب؟ أم ذلك مبلغه من العلم؟!

وزاد الخميني كذبة أخرى لها قرون! ؛ فقال بين يدي حديث أبي ذر الباطل:

"وقد جاء في أربعة وعشرين حديثاً - من أحاديث أهل السنة - بأن هذه الآية في علي بن أبي طالب، ننقل هنا واحدة من تلك الأحاديث التي ذكرها أهل السنة"!!

 

(10/588)

 

 

ثم ذكر حديث أبي ذر المشار إليه آنفاً، وقد علمت - من كلام ابن تيمية والذهبي - أنه من الكذب الموضوع؛ فقس عليها تلك الأحاديث الأخرى؛ إن كان لها وجود!

4922 - (نزلت هذه الآية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) ، يوم غدير (خم) في علي بن أبي طالب) .

موضوع

أخرجه الواحدي (ص 150) ، وابن عساكر (12/ 119/ 2) من طريق علي بن عابس عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد واه؛ عطية - وهو ابن سعد العوفي - ضعيف مدلس.

وعلي بن عابس ضعيف أيضاً؛ بل قال ابن حبان (2/ 104-105) :

"فحش خطؤه، وكثر وهمه، فبطل الاحتجاج به. قال ابن معين: ليس بشيء".

قلت: فأحد هذين هو الآفة؛ فقد ثبت من طرق عن عائشة وأبي هريرة وجابر: أن الآية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المدينة، فراجع "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2489) .

ولعل تعصيب الآفة بابن عابس أولى؛ فقد روي - بإسناد آخر - عن عطية عن أبي سعيد ما يوافق الطرق المشار إليها، ولو أن في الطريق إليه متهماً، كما بينته في "الروض النضير" (989) !

وهذا الحديث الموضوع مما احتجت به الشيعة على إمامة علي رضي الله عنه، وهم يتفننون في ذلك؛ تارة بتأويل الآيات وتفسيرها بمعان لا يدل عليها شرع ولا

 

(10/589)

 

 

عقل، وتارة بالاحتجاج بالأحاديث الواهية والموضوعة. ولا يكتفون بذلك؛ بل ويكذبون على أهل السنة بمختلف الأكاذيب؛ فتارة يعزون حديثهم إلى "أصحاب السنن" - وهم: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه؛ كما تقدم -، ولا يكون الحديث رواه أحدهم! كما صنع المدعو عبد الحسين الشيعي في الحديثين المتقدمين (4889،4951) . وقد يضمون إلى ذلك كذبة أخرى؛ فيسمون "السنن" بـ: "الصحاح"؛ كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبل هذا.

وللعبد هذا أكاذيب أخرى متنوعة سبق التنبيه على بعضها تحت الحديث (4892) .

ومن ذلك قوله في "مراجعاته" (ص 57) في هذا الحديث:

"أخرجه غير واحد من أصحاب "السنن"؛ كالإمام الواحدي ... "!

قلت: وهذا من أكاذيبه أيضاً؛ فإن الواحدي ليس من أصحاب "السنن" عندنا؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك آنفاً، وإنما هو مفسر من أهل السنة؛ لا يلتزم في روايته الأحاديث الصحيحة كما تقدم بيانه في الحديث السابق، فمن عزا إليه حديثاً موهماً القراء بذلك أنه حديث صحيح - كما فعل الشيعي هنا وفي عشرات الأحاديث الأخرى، كما تقدم ويأتي -؛ فهو من المدلسين الكذابين بلا شك أو ريب! وقد عرفت حال إسناد الواحدي في هذا الحديث.

وقد جرى على سننه - في الكذب والافتراء - خميني هذا الزمان، فجاء بفرية أخرى؛ فزعم في كتابه "كشف الأسرار" - وحري به أن يسمى بـ "فضيحة الأشرار"؛ فقد كشف فيه فعلاً عن فضائح كثيرة من عقائد الشيعة لا يعلمها عنهم كثير من أهل السنة كما سترى -؛ قال الخميني (ص 149) من كتابه المذكور:

 

(10/590)

 

 

"إن هذه الآية (آية العصمة المتقدمة) نزلت - باعتراف أهل السنة واتفاق الشيعة - في غدير (خم) بشأن إمامة علي بن أبي طالب"!!

قلت: وما ذكره من اتفاق الشيعة لا يهمنا هنا؛ لأنهم قد اتفقوا على ما هو أضل منه! وإنما البحث فيما زعمه من "اعتراف أهل السنة"؛ فإنه من أكاذيبه أيضاً الكثيرة التي يطفح بها كتابه! وإمامه في ذلك ابن المطهر الحلي في كتابه "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة" الذي يركض من خلفه عبد الحسين؛ فقد سبقتهم إلى هذه الفرية، وإلى أكثر منها، تقدم أحدها في الحديث الذي قبله، قال (ص 75) من "منهاجه":

"اتفقوا على نزولها في علي عليه السلام"!

فقال ابن تيمية في الرد عليه في "منهاج السنة" (2/ 14) - وتبعه الذهبي -:

"هذا أعظم كذباً وفرية مما قاله في الآية السابقة: (.. ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ؛ فلم يقل هذا ولا ذاك أحد من العلماء الذين يدرون ما يقولون ... " إلخ كلامه المفصل؛ في أجوية أربعة متينة مهمة، فليراجعها من شاء التوسع والتفصيل.

وإن مما يدل الباحث المنصف على افترائهم فيما ادعوه من الاتفاق: أن السيوطي في "الدر المنثور" - مع كونه من أجمع المفسرين للآثار الواردة في التفسير وأكثرهم حشراً لهل؛ دون تمييز صحيحهما من ضعيفها - لم يذكر تحت هذه الآية غير حديث أبي سعيد هذا؛ وقد عرفت وهاءه! وحديث آخر نحوه من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود، سكت عنه - كعادته -، وواضح أنه من وضع الشيعة كما يتبين من سياقه! ثم ذكر السيوطي أحاديث كثيرة موصولة ومرسلة، يدل مجموعها على بطلان ذكر علي وغدير (خم) في نزول الآية، وأنها عامة، ليس لهل علاقة

 

(10/591)

 

 

يعلي من قريب ولا بعيد، فكيف يقال - مع كل هذه الأحاديث التي ساقها السيوطي -: إن الآية نزلت في علي؟! تالله إنها لإحدى الكبر!

وإن مما يؤكد للقراء أن الشيعة يحرفون القرآن - ليطابق هذا الحديث الباطل المصرح بأن الآية نزلت يوم غدير (خم) -: أن قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) ؛ إنما يعني المشركين الذين حاولوا منعه من الدعوة، وقتله بشتى الطرق، كما قال الشافعي:

"يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك".

رواه عنه البيهقي في "الدلائل" (2/ 185) .

فهؤلاء لم يكن لهم وجود يوم الغدير؛ لأنه كان بعد حجة الوداع في طريقه إلى المدينة كما هو معلوم! وإنما نزلت الآية قبل حجته - صلى الله عليه وسلم - وهو في المدينة لا يزال يجاهد المشركين؛ كما تدل الأحاديث الكثيرة التي سبقت الإشارة إليها قريباً، ومنها حديث أبي هريرة المشار إليه في أول هذا التخريج.

إذا عرفت هذا؛ فإنك تأكدت من بطلان الحديث، وبطلان قول الشيعة: إن المقصود بـ (الناس) في الآية أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا معه في يوم الغدير! بل المقصود عندهم أبو بكر وعمر وعثمان وكبار الصحابة! لأن معنى الآية عندهم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) : (أن علياً هو الخليفة من بعدك) (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) : كأبي بكر وغيره!

ونحن لا نقول هذا تقولاً عليهم، بل هو ما يكادون يصرحون به في كتبهم، لولا خوفهم من أن ينفضح أمرهم! ويشاء الله تبرك وتعالى أن يكشف هذه الحقيقة بقلم الخميني؛ ليكون حجة الله قائمة على المغرورين به وبدولته الإسلامية

 

(10/592)

 

 

المزعومة، فقد قال الخميني - عقب فريته المتقدمة في آية العصمة؛ وقد أتبعها بذكر آية: (اليوم أكملت لكم دينكم) -؛ قال (ص 150) :

"نزلت في حجة الوداع، وواضح بأن محمداً (كذا دون الصلاة عليه ولو رمزاً؛ ويتكرر هذا منه كثيراً!) كان حتى ذلك الوقت قد أبلغ كل ما عنده من أحكام. إذاً يتضح من ذلك أن هذا التبليغ يخص الإمامة.

وقوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) : يريد منه أن يبلغ ما أنزل إليه؛ لأن الأحكام الأخرى خالية من التخوف والتحفظ.

وهكذا يتضح - من مجموع هذه الأدلة والأحاديث - أن النبي (كذا) كان متهيباً من الناس بشأن الدعوة إلى الإمامة. ومن يعود إلى التواريخ والأخبار يعلم بأن النبي (كذا) كان محقاً في تهيبه؛ إلا أن الله أمره بأن يبلغ، ووعده بحمايته، فكان أن بلغ وبذل الجهود في ذلك حتى نفسه الأخير؛ إلا أن الحزب المناوىء لم يسمح بإنجاز الأمر"!!

(ذلك قولهم بأفواههم) ، (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) !!

4923 - (لما نصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً بغدير (خم) ، فنادى له بالولاية؛ هبط جبريل عليه السلام بهذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 119/ 2) عن يحيى بن عبد الحميد الحماني: أخبرنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبد ي عن أبي سعيد الخدري قال ... فذكره.

 

(10/593)

 

 

قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو هارون العبد ي؛ فإنه متهم بالكذب؛ كما تقدم مراراً.

وقيس بن الربيع ضعيف.

ونحوه الحماني.

ونحوه: ما روى مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال:

من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة؛ كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير (خم) ، لما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد علي بن أبي طالب فقال:

"ألست ولي المؤمنين؟! ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

"من كنت مولاه فعلي مولاه". فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب!! أصبحت مولاي ومولى كل مسلم! فأنزل الله: (اليوم أكملت لكم دينكم) . ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب؛ كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة.

أخرجه الخطيب في "التاريخ" (8/ 290) ، وابن عساكر (12/ 118/ 1-2) . وهذا إسناد ضعيف أيضاً؛ لضعف شهر ومطر.

وقد جزم بضعفه الذي قبله السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 259) .

وأشار إلى ذلك ابن جرير الطبري في "تفسيره" (6/ 54) ؛ فإنه ذكر عدة أحاديث في أن الآية نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عرفة يوم جمعة - وبعضها في "الصحيحين" من حديث عمر -، ثم قال ابن جرير:

"وأولى الأقوال في وقت نزول الآية: القول الذي روي عن عمر بن الخطاب:

 

(10/594)

 

 

أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة؛ لصحة سنده، ووهي أسانيد غيره".

وقال الحافظ ابن كثير (3/ 68) - بعد أن ساق الحديث الأول من رواية ابن مردويه، وأشار إلى الحديث الآخر من روايته أيضاً -:

"ولا يصح لا هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية: أنها نزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة؛ كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وسمرة بن جندب رضي الله عنه".

(تنبيه) : لم يذكر السيوطي ولا غيره غير هذين الحديثين، لا لفظاً ولا معنى. فقول الشيعي (ص 38) :

"وأخرج أهل السنة أحاديث بأسانيدهم المرفوعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ صريحة في هذا المعنى"!

فهو من أكاذيبه أو تدليساته الكثيرة؛ فلا تغتر به - وتبعه عليه الخميني (ص 156) -! ومن الأمثلة على ذلك: أنه قال (ص 38) :

"ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولا يتهم علانية، وصادر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهرة، فقال: اللهم! إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فرماه الله بحجر من سجيل كما فعل من قبل بأصحاب الفيل، وأنزل في تلك الحال: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع) ؟! "! وقال في تخريجه في الحاشية:

"أخرج الإمام الثعلبي في "تفسيره الكبير" هذه الفضيلة مفصلة. وأخرجها الحاكم في تفسير (المعارج) من "المستدرك"، فراجع صفحة (502) من جزئه الثاني"!!

 

(10/595)

 

 

وذكره نحوه الخميني (ص 157) !

قلت " فرجعت إلى الصفحة المذكورة من "المستدرك"؛ فإذا فيها ما يأتي:

"عن سعيد بن جبير: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج) : ذي: الدرجات. سأل سائل: هو النضر بن الحارث بن كلدة؛ قال: اللهم! إن كان هذا هو الحق من عندك؛ فأمطر علينا حجارة من السماء".

هذا كل ما جاء في "المستدرك"؛ وأنت ترى أنه لا ذكر فيه لعلي وأهل البيت، ولا لولايتهم مطلقاً! فإن لم يكن هذا كذباً مكشوفاً في التخريج؛ فهو على الأقل تدليس خبيث.

ثم كيف يصح ذلك؛ وسورة (سأل) إنما نزلت بمكة؛ كما في "الدر" (6/ 263) ؟! ، ولا وجود - يومئذ - لأهل البيت؛ لأن علياً إنما تزوج فاطمة في المدينة بعد الهجرة كما هو معروف!!

وانظر - إن شئت زيادة التفصيل في بطلان هذه القصة التي عزاها للثعلبي - في رد شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن المطهر الحلي الشيعي (4/ 10-15) ، وقابل روايته - وقد عزاها للثعلبي أيضاً - برواية عبد الحسين؛ تجد أن هذا اختصرها؛ ستراً لما يدل على بطلانها!

هذا؛ وقد أشار الخميني إلى هذا الحديث الباطل متبنياً إياه بقوله (ص 154-155) :

"إن هذا الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم ... ) نزلت بعد حجة الوداع، وعقب تنصيب أمير المؤمنين إماماً، وذلك بشهادة من الشيعة وأهل السنة"!

وهكذا يتتابع الشيعة - خلفاً عن سلفهم - على الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

 

(10/596)

 

 

والافتراء على المسلمين! دونما ورع أو حياء.

ومن تلاعب الخميني وتدليسه على القراء: أنه هنا يقرر أن الآية نزلت بعد حجة الوداع؛ وفي (ص 150) يقول:

"نزلت في حجة الوداع"! وقد تقدم نقله في آخر الحديث السابق.

وهذا القول هو الصحيح المطابق للأحاديث الصحيحة كما تقدم. ولا أعتقد أن الخميني قال هذا القول الموافق لما عليه أهل السنة إلا تدليساً أو تقية!

4924 - (حديث علي: أنا قسيم النار يوم القيامة، أقول: خذي ذا، وذري ذا) .

موضوع

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 406) ، وابن عدي (383/ 2) ، وابن عساكر (12/ 136/ 2) من طريق الأعمش عن موسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به.

قلت: وهذا آفته موسى بن طريف، قال الذهبي:

"كذبه أبو بكر بن عياش. وقال يحيى والدارقطني: ضعيف. وقال الجوزجاني: زائغ".

وقد ثبت عن الأعمش أنه أنكر هذا الحديث على ابن طريف؛ فروى العقيلي بإسناد صحيح عن عبد الله بن داود الخريبي قال:

كنا عند الأعمش؛ فجاء يوماً وهو مغضب فقال: ألا تعجبون من موسى بن طريف يحدث عن عباية عن علي: أنا قسيم النار؟!

وعباية: هو ابن ربعي الأسدي؛ قال العقيلي في "الضعفاء" (ص 343) :

"روى عن موسى بن طريف، كلاهما غاليان".

 

(10/597)

 

 

4925 - (والذي نفسي بيده! إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ثم قال: إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية. قال: ونزلت: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) . قال: فكان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 157/ 2) من طريق إبراهيم بن أنس الأنصاري: أخبرنا إبراهيم بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن مسلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال:

كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"قد أتاكم أخي". ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.

ومن دونه؛ لم أجد لهما ترجمة، فأحدهما هو الآفة.

وروى ابن جرير الطبري في "التفسير" (30/ 171) من طريق ابن حميد قال: حدثنا عيسى بن فرقد عن أبي الجارود عن محمد بن علي:

(أولئك هم خير البرية) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"أنت يا علي! وشيعتك".

قلت: وهذا مرسل؛ محمد بن علي: هو أبو جعفر الباقر؛ الثقة الفاضل، المحتج به عند الشيخين وسائر الأئمة.

 

(10/598)

 

 

لكن السند إليه هالك؛ فإن أبا الجارود - واسمه زياد بن المنذر -؛ قال ابن معين، وأبو داود:

"كذاب". وقال ابن حبان:

"كان رافضياً يضع الحديث".

وعيسى بن فرقد؛ قال فيه أبو حاتم:

"شيخ".

وابن حميد: اسمه محمد؛ حافظ ضعيف.

وروي الحديث مختصراً جداً بلفظ:

"علي خير البرية"!

وسيأتي تخريجه وبيان وضعه برقم (5593) .

4926 - (افتخر طلحة بن شيبة - من بني عبد الدار - وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب. فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه، لو أشاء بت فيه. وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، لو أشاء بت في المسجد. وقال علي: ما أدري ما تقولان! لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد! فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)) .

ضعيف

أخرجه ابن جرير (10/ 68) عن ابن وهب قال: أخبرت عن أبي

 

(10/599)

 

 

صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول ... فذكره.

قلت: وهذا ضعيف؛ لإرساله، ولجهالة المخبر لابن وهب.

لكن ذكره ابن كثير (4/ 130) من رواية ابن جرير فقال: أخبرني ابن لهيعة ... والله أعلم.

وفي نزول الآية روايات أخرى؛ تراها عند ابن جرير وابن كثير والسيوطي. وأصحها: ما رواه مسلم وغيره من حديث النعمان بن بشير الأنصاري، وليس فيه ذكر لعلي رضي الله عنه ولا لغيره ممن ذكر معه.

4927 - (ما حملك على هذا؟ (يعني: علياً) قال: حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني. فقال له: ألا إن ذلك لك) (1) .

موضوع

علقه الواحدي في "أسباب النزول" (ص 44) فقال: وقال الكلبي: نزلت هذه الآية: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية) في علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم علانية. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا - مع كونه معلقاً معضلاً -؛ فإن الكلبي متهم بالكذب.

وقد روي سبب النزول مسنداً عن ابن عباس ولا يصح:

أخرجه الواحدي، وعنه ابن عساكر (12/ 154/ 1) من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله ... فذكر الآية؛ قال:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " الشيعي (ص: 45) ". (الناشر)

 

(10/600)

 

 

نزلت في علي بن أبي طالب؛ كان عنده أربعة دراهم ... الحديث دون المرفوع منه.

وعبد الوهاب بن مجاهد متروك، وكذبه الثوري.

وخالف عبد الرزاق: يحيى بن يمان فقال: عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال ... فذكر الحديث؛ ولم يذكر ابن عباس في إسناده.

أخرجه الواحدي، وعنه ابن عساكر من طريق ابن أبي حاتم. وقد عزاه إليه الحافظ ابن كثير (2/ 54) . وقال:

"وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد؛ وهو ضعيف. لكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس"!

كذا قال! فهل يعني أنه رواه من غير طريق عبد الوهاب التي أخرجها عبد الرزاق عنه؟! ذلك مما أستبعده! والله أعلم.

ويحيى بن يمان سيىء الحفظ.

4928 - (في قوله عز وجل: (والذي جاء بالصدق وصدق به) ؛ قال: (وصدق به) : علي بن أبي طالب) .

منكر

أخرجه ابن عساكر (12/ 154/ 1-2) عن ابن مجاهد عن أبيه به.

قلت: وابن مجاهد: اسمه عبد الوهاب، وهو ضعيف جداً كما تقدم آنفاً.

وتابعه ليث عن مجاهد به.

أخرجه ابن عساكر.

وليث ضعيف؛ وهو ابن أبي سليم؛ وكان اختلط.

 

(10/601)

 

 

وقد خالفهما منصور فقال: عن مجاهد:

قوله: (والذي جاء بالصدق وصدق به) ؛ قال:

الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة؛ فيقولون: هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه.

أخرجه ابن جرير (24/ 3-4) . وإسناده صحيح.

ثم روى أقوالاً أخرى في تفسير الآية، ليس فيها هذا الذي رواه عبد الوهاب وليث عن مجاهد. ثم استصوب أنها عامة؛ تشمل كل من دعا إلى التوحيد وتصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ومن تلك الأقوال: ما رواه من طريق عمر بن إبراهيم بن خالد عن عبد الملك ابن عمير عن أسيد بن صفوان عن علي رضي الله عنه: في قوله: (والذي جاء بالصدق) ، قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -، (وصدق به) قال: أبو بكر رضي الله عنه.

قلت: فهذا معارض لحديث الترجمة؛ الذي يحتج به الشيعة، على وهائه. لكنه لا يصح أيضاً؛ لأن عمر بن إبراهيم هذا؛ قال الدارقطني:

"كذاب خبيث".

ثم إن حديث الترجمة؛ عزاه السيوطي في "الدر" (5/ 328) لابن مردويه عن أبي هريرة، وسكت عن إسناده كعادته الغالبة!

4929 - (نزلت في علي ثلاث مئة آية) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن عساكر (12/ 155/ 2) عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال ... فذكره.

 

(10/602)

 

 

قلت: وهذا إسناد واه جداً؛ آفته جويبر هذا - وهو ابن سعيد - المفسر؛ قال الحافظ في "التقريب":

"ضعيف جداً".

ثم إنه منقطع؛ فإن الضحاك - وهو ابن مزاحم الهلالي - لم يلق ابن عباس.

ونحوه: ما أخرجه ابن عساكر أيضاً، وكذا أبو نعيم (1/ 64) عن عباد بن يعقوب: حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال:

ما أنزل الله آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) ؛ إلا وعلي رأسها وأميرها. وزاد أبو نعيم: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وقال:

"لم نكتبه مرفوعاً إلا من حديث ابن أبي خيثمة، والناس رووه موقوفاً".

قلت: ولا يصح لا موقوفاً ولا مرفوعاً؛ فإن الحضرمي هذا؛ أورده ابن عدي (385/ 1-2) - وساق له عدة أحاديث -. وقال:

"حديثه ليس بالمحفوظ، وهو من الغالين".

يعني: أنه شيعي غال مفرط في التشيع. وقال أبو حاتم:

"متروك".

وروى ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عبيد الله: أخبرنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نحوه.

قلت: ويحيى هذا؛ الظاهر أنه ابن سعيد القرشي السعدي؛ قال ابن حبان:

"يروي المقلوبات والملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".

 

(10/603)

 

 

ومن طريق عمرو بن ثابت عن سكين أبي يحيى عن عكرمة مولى ابن عباس به نحوه.

وعمرو بن ثابت رافضي؛ على ضعفه.

وسكين أبو يحيى؛ لم أعرفه، ولم يورده الولابي في "الكنى"!

ومن طريق عيسى بن راشد عن علي بن بذيمة عن عكرمة بلفظ:

.. إلا علي شريفها وأميرها. ولقد عاتب الله أصحاب محمد في آي من القرآن، وما ذكر علياً إلا بخير.

وعيسى بن راشد مجهول، وخبره منكر؛ قاله البخاري؛ كما في "الميزان".

ومن طريق عمر بن الحسن بن علي: أخبرنا أحمد بن الحسن: أخبرنا أبي: أخبرنا حصين (.........) عبد الله بن قطاف عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي.

قلت: وعمر بن الحسن بن علي - هو الأشناني القاضي -؛ قال الذهبي:

"ضعفه الدارقطني، ويروى عنه: أنه كذاب؛ ولم يصح هذا. ولكن هذا الأشناني صاحب بلايا".

قلت: وحصين هذا؛ لم أعرفه؛ فإن النسخة بياضاً بمقدار كلمتين أو ثلاث!

وهذا اللفظ الأخير؛ قال الشيعي في "مراجعاته" (ص 182) :

"أخرجه ابن عساكر وغير واحد من أصحاب السنن"!!

 

(10/604)

 

 

4930 - (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه) .

موضوع

وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وسهل بن حنيف، والحسن البصري مرسلاً.

1- أما حديث أبي سعيد؛ فله عنه طريقان:

الأولى: عن علي بن زيد نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً به.

أخرجه ابن عدي (ق 309/ 1) ، وعنه ابن عساكر في "التاريخ" (16/ 362/ 1) .

وأشار ابن عدي إلى أنه حديث منكر، وقد أورده في مناكير علي بن زيد بن جدعان (286/ 1-2) بزيادة في آخره؛ نصها:

فقام إليه رجل من الأنصار - وهو يخطب - بالسيف. فقال أبو سعيد: ما تصنع؟! فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكر الحديث. فقال له أبو سعيد: إنا قد سمعنا ما سمعت، ولكنا نكره أن نسل السيف على عهد عمر حتى نستأمره، فكتبوا إلى عمر في ذلك، فجاء موته قبل أن تخرجوا به.

قلت: وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - متفق على تضعيفه لسوء حفظه. بل قال ابن حبان فيه:

"يهم ويخطىء، فكثر ذلك منه، فاستحق الترك".

وهذا الحديث يدل على أنه كما قال فيه يزيد بن زريع:

"لم أحمل عنه؛ فإنه كان رافضياً". وقال الحافظ في آخر ترجمته من "التهذيب":

"وهذا الحديث أنكر ما حدث به ابن جدعان".

 

(10/605)

 

 

قلت: والزيادة التي ذكرناها تؤكد بطلانه؛ إذ لا يعقل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سمعه ذلك الأنصاري، ثم يبادر إلى الإنكار عليه حينما أراد تنفيذ الأمر بقتل معاوية رضي الله عنه حين رآه على المنبر، محتجاً على ذلك بقوله:

ولكنا نكره أن نسل على عهد عمر ...

وإنما تنفق مثل هذه الحجة فيما إذا لم يكن هناك نص خاص منه - صلى الله عليه وسلم - بقتل شخص معين، أما والمفروض أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:

"إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه"؛ فلا وجه لتلك الكراهة!

لكن الزيادة المذكورة تؤكد - كما ذكرنا - بطلان الحديث؛ إذ إنه قد ثبت أن معاوية رضي الله عنه خطب على المنبر، فلم لم يقتلوه إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قاله؟!

وسيأتي قول ابن عدي الذي نقله عنه السيوطي بهذا المعنى قريباً إن شاء الله تعالى.

والطريق الأخرى: عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد به.

أخرجه ابن عدي (397/ 2) من طريق بشر بن عبد الوهاب الدمشقي حدثنا محمد بن بشر: حدثنا مجالد ... وقال:

قال ابن بشر: فما فعلوا! وقال ابن عدي عقبه:

"لا أعلم يرويه عن أبي الوداك غير مجالد، وعنه ابن بشر. وقد رواه غير ابن بشر عن مجالد. ومجالد له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة، وقد روى عنه

 

(10/606)

 

 

غير الشعبي، ولكن أكثر روايته عنه؛ وعامة ما يرويه غير محفوظ".

قلت: وحال مجالد في الضعف؛ نحو علي بن زيد بن جدعان.

وقد ساق حديثهما هذا ابن الجوزي في "الموضوعات"، وقال:

"مجالد وعلي؛ ليسا بشيء".

وأقره السيوطي في "اللآلىء" (1/ 221) ، وكذا ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/ 8) ، ولكنه استظهر أن الآفة ممن دون مجالد، وهذا محتمل بالنسبة لهذه الطريق؛ فإن بشر بن عبد الوهاب الدمشقي؛ الظاهر أنه بشر بن عبد الوهاب الأموي الذي اتهمه الذهبي بوضع حديث مسلسل العيد.

وأما الطريق التي عناها ابن عراق - وهي التي ساقها ابن الجوزي -؛ فهي عنده من رواية ابن عدي أيضاً: أنبأنا علي بن العباس: حدثنا علي بن المثنى: حدثنا الوليد بن القاسم عن مجالد به.

قلت: فهذا الإسناد ليس فيه من هو أولى بتعصيب الآفة من مجالد؛ فإن الوليد بن القاسم - وهو الهمداني الكوفي -؛ وثقه أحمد، وابن عدي، وابن حبان. وقال ابن معين:

"ضعيف الحديث".

وأورده ابن حبان في "الضعفاء" أيضاً! فقال:

"انفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات؛ فخرج عن حد الاحتجاج بأفراده"! وقال الحافظ:

"صدوق يخطىء".

 

(10/607)

 

 

وعلي بن المثنى - وهو الطهوي -؛ روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات".

لكن أشار ابن عدي إلى ضعفه؛ كما في "التهذيب". وقال في "التقريب":

"مقبول".

وعلي بن العباس: هو المقانعي؛ كما في ترجمة ابن المثنى من "التهذيب"، وقد أورده السمعاني في هذه النسبة. وقال:

"يروي عن محمد بن مروان الكوفي وغيره، روى عنه أبو بكر بن المقري، ومات بعد شوال سنة ست وثلاث مئة".

فهو من الشيوخ المستورين. والله أعلم.

2- وأما حديث ابن مسعود؛ فيرويه عباد بن يعقوب: حدثنا الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عنه مرفوعاً.

أخرجه ابن عدي (ق 67/ 1) ، وعنه ابن عساكر: أخبرنا علي بن العباس: حدثنا عباد بن يعقوب به.

ساقه ابن عدي في جملة أحاديث مستنكرة للحكم بن ظهير. وقال:

"وللحكم غير ما ذكرنا من الحديث، وعامة أحاديثه غير محفوظة". وروى عن ابن معين أنه قال فيه:

"ليس بثقة". وفي رواية عنه:

"كذاب". وقال ابن الجوزي:

"موضوع. عباد رافضي. والحكم متروك كذاب".

 

(10/608)

 

 

وأقره السيوطي؛ وابن عراق.

وعباد بن يعقوب - وإن كان رافضياً -؛ فقد وثق. وقال الحافظ:

"صدوق، رافضي، حديثه في "البخاري" مقرون، بالغ ابن حبان فقال: يستحق الترك".

قلت: وقد خولف في متن الحديث؛ فرواه محمد بن علي بن غراب عن الحكم بن ظهير ... بلفظ:

"يكون هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء من قريش".

أخرجه ابن عدي.

لكن محمد بن علي بن غراب مجهول الحال؛ أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 28) من رواية محمد بن الحجاج الحضرمي عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وهو بهذا اللفظ صحيح؛ له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً: رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في "الروض النضير" (1157) .

3- وأما حديث سهل؛ فيرويه سلمة بن الفضل: حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه مرفوعاً به، إلا أنه قال:

"فلاناً" مكان: "معاوية".

أخرجه ابن عدي (ق 343/ 2) : حدثنا علي بن سعيد: حدثنا الحسين بن عيسى الرازي: حدثنا سلمة بن الفضل ... وقال عقبه:

"لم نكتبه إلا عن علي بن سعيد".

 

(10/609)

 

 

قلت: وهو متكلم فيه.

لكن العلة ممن فوقه، وهو سلمة بن الفضل - وهو الأبرش -؛ قال الحافظ:

"صدوق كثير الخطأ".

وشيخه محمد بن إسحاق مدلس؛ وقد عنعنه.

فلعل الآفة منها!

4- وأما حديث الحسن البصري؛ فيرويه عمرو بن عبيد المعتزلي.

فقال حماد بن زيد: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره؟! فقال: كذب عمرو.

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 307) ، والخطيب في "التاريخ" (12/ 181) ، وابن عساكر. وقال:

"وهذه الأسانيد كلها فيها مقال". ثم قال:

"وقد روي: "فاقبلوه": بالباء، وهو منكر".

ثم روى هو، والخطيب (1/ 259) من طريق محمد بن إسحاق الفقيه: حدثني أبو النضر القازي قال: أخبرنا الحسن بن كثير قال: أخبرنا بكر بن أيمن القيسي قال: أخبرنا عامر بن يحيى الصريمي قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر مرفوعاً بلفظ:

"إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه؛ فإنه أمين مأمون". وقال الخطيب:

"لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ورجال إسناده - ما بين محمد بن إسحاق وأبي الزبير - كلهم مجهولون".

 

(10/610)

 

 

قلت: وابن إسحاق هذا: هو المعروف بـ (شاموخ) ؛ قال فيه الخطيب:

"وحديثه كثير المناكير".

وفي ترجمته ساق هذا الحديث.

وساق له قبله حديثاً آخر في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين؛ واستنكره. وقال الذهبي:

"هذا موضوع".

وقال السيوطي في "اللآلىء" - بعد قول الخطيب المتقدم -:

"قلت: قال ابن عدي: هذا اللفظ - مع بطلانه - قد قرىء أيضاً بالباء الموحدة، ولا يصح أيضاً، وهو أقرب إلى العقل؛ فإن الأمة رأوه يخطب على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكروا ذلك عليه. ولا يجوز أن يقال: إن الصحابة ارتدت بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - وخالفت أمره، نعوذ بالله من الخذلان والكذب على نبيه! ".

قلت: وهذا الحديث مما اعتمده الشيعي في "المراجعات" في حاشية (ص 89) في الطعن على معاوية، مشيراً بالطعن على من أشار إلى استنكاره من أهل السنة، متجاهلاً ما يستلزمه الاعتماد عليه من الطعن بكل الصحابة الذين رأوا معاوية يخطب على منبره - صلى الله عليه وسلم -، فنعوذ بالله تعالى من الهوى والخذلان!!

4931 - (إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن إيماننا وعن شمائلنا) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 48/ 2) عن حرب بن الحسن

 

(10/611)

 

 

الطحان: أخبرنا يحيى بن يعلى عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد موضوع مسلسل بالشيعة؛ وشرهم محمد بن عبيد الله، وقد تقدم بعض أقوال أئمة الجرح فيه في الحديث (4910) .

ويحيى بن يعلى: هو الأسلمي الشيعي الضعيف؛ وهو صاحب حديث: "منأحب أن يحيا حياتي ... " الحديث؛ في فضل علي رضي الله عنه، وقد مضى برقم (894) .

وحرب بن الحسن الطحان؛ قال الأزدي:

"ليس حديثه بذاك"؛ كما في "الميزان". وزاد الحافظ:

"وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن النجاشي: عامي الرواية؛ أي: شيعي قريب الأمر".

والحديث؛ قال الحافظ في "تخريج أحاديث الكشاف" (4/ 154/ 351) :

"رواه الطبراني، وسنده واه".

4932 - (هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. يعني: علياً رضي الله عنه) (1) .

موضوع

أخرجه ابن جرير في "التفسير" (19/ 74-75) ، والبزار (3/ 137/ 2417 - كشف) ، وأبو نعيم في "الدلائل" (ص 364) ، وابن عساكر (12/ 67/ 2-68/ 1) من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " راجع الدلائل " للبيهقي ". (الناشر)

 

(10/612)

 

 

عمرو عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال:

لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين) [دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي:

"يا علي! إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين] ، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد! إنك إن لم تفعل ما تؤمر به سيعذبك ربك! فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عساً من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم". فصنع لهم الطعام [وهم يومئذ أربعون رجلاً؛ يزيدون رجلاً أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب] ، وحضروا فأكلوا وشبعوا، وبقي الطعام. قال: ثم تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:

"يا بني عبد المطلب! إني - والله - ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به؛ إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وإن ربي أمرني أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ ".

فأحجم القوم عنها جميعاً، وإني لأحدثهم سناً. فقلت: أنا يا نبي الله! أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال ... (فذكره) . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع!

والسياق لابن عساكر؛ والزيادتان لابن جرير.

وكذلك رواه البيهقي في "دلائل النبوة"؛ لكنه أسقط من الإسناد: عبد الغفار ابن القاسم، وكأنه من تدليس ابن إسحاق. ساقه الحافظ ابن كثير (6/ 348-349) من رواية البيهقي، ثم من رواية ابن جرير، وقال عقبها:

 

(10/613)

 

 

"تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبو مريم؛ وهو متروك كذاب شيعي، اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث، وضعفه الأئمة رحمهم الله".

قلت: قد تابعه على بعض القصة والمتن: عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي بن أبي طالب به نحوه بلفظ:

فقال "

"أيكم يقضي ديني، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ " ... وفيه:

فقلت: أنا يا رسول الله! قال:

"أنت يا علي! أنت يا علي! ".

أخرجه ابن عساكر (12/ 67/ 2) من طريق محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي: أخبرنا عباد بن يعقوب: أنبأنا عبد الله بن القدوس ...

قلت: وهذا إسناد واه بمرة؛ مسلسل بالرفض من هؤلاء الثلاثة:

فعبد الله بن عبد القدوس؛ قال الذهبي:

"كوفي رافضي، نزل الري. روى عن الأعمش وغيره. قال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت. قال يحيى: ليس بشيء، رافضي خبيث. وقال النسائي وغيره: ليس بثقة".

وعباد رافضي أيضاً كما تقدم مراراً.

والمحاربي هذا؛ قال الذهبي:

 

(10/614)

 

 

"تكلم فيه. وقيل: كان مؤمناً بالرجعة".

لكن لم يتفرد به، فقد ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم عن عيسى بن ميسرة الحارثي: حدثنا عبد الله بن عبد القدوس به؛ إلا أنه قال:

".. ويكون خليفتي في أهلي".

قلت: وهذا اللفظ هو الأشبه بالصواب؛ فقد رواه شريك عن الأعمش عن المنهال به، ولفظه:

"من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي؟! ".

أخرجه أحمد (1/ 111) ، وعنه الضياء المقدسي (476 - بتحقيقي) ، والبزار (2418) . وقال الهيثمي (9/ 113) :

"وإسناده جيد"!

كذا قال! ورجاله ثقات؛ غير عباد بن عبد الله الأسدي؛ فإنه ضعيف.

وشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيىء الحفظ؛ ولذلك لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة كما يأتي.

لكن له طريق أخرى بلفظ:

".. فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟! ".

أخرجه أحمد (1/ 159) من طريق أبي صادق عن ربيعة بن ناخذ عن علي.

وأخرجه ابن عساكر (12/ 67/ 1-2) من طريق أحمد.

 

(10/615)

 

 

قلت: وإسناده جيد؛ لولا جهالة في ربيعة بن ناخذ؛ كما تقدم مراراً.

ورواه ابن جرير أيضاً في "التاريخ" (2/ 321) .

ونقل السيوطي عنه أنه صححه؛ كما في "كنز العمال" (6/ 396/ 6045) .

وله شاهد من حديث ابن عباس بلفظ:

وقال لبني عمه:

"أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " - قال: وعلي معه جالس - فأبوا. فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال:

"أنت وليي في الدنيا والآخرة".

ليس فيه ذكر للخلافة مطلقاً.

أخرجه أحمد (1/ 330-331) ، وعنه الحاكم (3/ 132-134) ، والنسائي في "الخصائص" (ص 6-7) في حديث طويل؛ فيه عشر خصائص لعلي رضي الله عنه هذه إحداها. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.

وهو كما قالا؛ على ضعف في أحد رواته لا يقبل ما يتفرد به، كما يشير إليه قول الهيثمي (9/ 120) :

"ورجال أحمد رجال "الصحيح"؛ غير أبي بلج الفزاري؛ وهو ثقة، وفيه لين".

قلت: فهذه الطرق يدل مجموعها على أن الخلافة المذكورة في هذا الحديث - وكذا في غيره مما لم نذكره هنا - إنما هي خلافة خاصة في أهله - صلى الله عليه وسلم - وعشيرته.

 

(10/616)

 

 

وقد أحسن بيان ذلك الإمام ابن كثير؛ فقال - عقب الطرق المتقدمة -:

"فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن علي رضي الله عنه، ومعنى سؤاله - صلى الله عليه وسلم - لأعمامه وأولادهم أن يقضوا عنه دينه ويخلفوه في أهله، يعني: إن قتل في سبيل الله؛ كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل، فلما أنزل الله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) ؛ فعند ذلك أمن. وكان أولاً يحرس حتى نزلت هذه الآية: (والله يعصمك من الناس) ، ولم يكن أحد في بني هاشم - إذ ذاك - أشد إيماناً وإيقاناً وتصديقاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من علي رضي الله عنه، ولهذا بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم كان بعد هذا - والله أعلم - دعاؤه الناس جهرة على الصفا، وإنذاره لبطون قريش عموماً وخصوصاً؛ حتى سمى من سمى من أعمامه وعماته وبناته لينبه بالأدنى على الأعلى؛ أي: إنما أنا نذير، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".

(تنبيه) : اعلم أن الشيعي - في كتابه "المراجعات" (ص 123-125) - قد دلس - كعادته - حول هذا الحديث تدليسات فاحشة؛ هي الكذب بعينه! ثم تبعه على ذلك الخميني في "كشف الأسرار" (ص 173-175) ! وإليك البيان:

أولاً: زعم أن حديث الترجمة في:

"صحاح السنن المأثورة"! فهذا كذب؛ سواءً أراد به كتب الصحاح، أو الأحاديث الصحاح؛ فإن الحديث ليس في هذه ولا هذه؛ كما رأيت.

ثانياً: عزا الحديث لجماعة من الأئمة، منهم الإمام أحمد في المواضع الثلاثة المتقدمة من "المسند"، والنسائي في "الخصائص" في الصفحة المشار إليها،

 

(10/617)

 

 

و "مستدرك الحاكم" في الصفحة المتقدمة، موهماً أن هذه المصادر فيها الحديث بعينه! بل صرح فقال (ص 125) :

"إن حديث ابن عباس يتضمن هذا النص"!

وهذا زور وافتراء؛ كما يظهر لك واضحاً من هذا التخريج. فالله المستعان.

ثالثاً: ذكر في الحاشي أن مسلماً رواه في "صحيحه"! عامله الله بما يستحق!

ثم رأيته في (ص 133) أوهم القارىء أنه أخرجه البخاري في كتابه!!

رابعاً: قال (ص 127) :

"وقد صححه غير واحد من أعلام المحققين"!!

وهذا كذب ظاهر؛ فإن الذين صححوه؛ إنما هو بغير لفظ الترجمة كما تقدم.

خامساً: ثم قال:

"وحسبك في تصحيحه ثبوته من طريق الثقات الأثبات الذين احتج بهم أصحاب الصحاح، ودونك (ص 111) من الجزء الأول من "مسند أحمد"؛ تجده يخرج هذا الحديث عن أسود بن عامر عن شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي مرفوعاً. وكل واحد من سلسلة هذا السند حجة عند الخصم، وكلهم من رجال الصحاح"!!

وذكر في الحاشية أن شريكاً احتج به مسلم في "صحيحهما"! وكذلك قال في (ص 79) .

وأن عباد بن عبد الله الأسدي هو "عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي؛ احتج به البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، سمع أسماء وعائشة ... "!!

 

(10/618)

 

 

قلت: وفي هذا من الكذب ما لا يخفى على العارفين بتراجم الرجال؛ وهاك البيان:

الأول: قوله بأن مسلماً احتج بشريك ... وهو ابن عبد الله القاضي!

فإن مسلماً لم يحتج به؛ وإنما روى له متابعة؛ كما صرحوا بذلك في ترجمته، منهم الحافظ المنذري في آخر كتابه "الترغيب" (4/ 284) ، والذهبي في "الميزان" (1/ 446) ، وابن حجر العسقلاني في "التهذيب" (5/ 99) وغيرهم. ثم هو - إلى ذلك - سيىء الحفظ كما تقدم؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء كثيراً".

والآخر: قوله: بأن عباد بن عبد الله الأسدي هو ... ابن الزبير بن العوام القرشي!

فهذا مما لم يقله أحد قبله، بل عباد بن عبد الله الأسدي - الراوي عن علي -: هو غير عباد بن عبد الله الأسدي الراوي عن أسماء وعائشة؛ فإن الأول كوفي، والآخر مدني. والأول ضعيف كما تقدم؛ وهو صاحب هذا الحديث. وأما الآخر؛ فهو الذي احتج به الشيخان؛ ولا علاقة له بهذا الحديث، ولم يذكروا في الرواة عنه المنهال بن عمرو، وإنما ذكروا أنه روى عن الأول؛ ولم يذكروا معه غيره.

ولقد كنت أود أن أقول: إن هاتين الأكذوبتين لم يتعمدهما الشيعي، وإنما هما من أوهامه؛ لولا أنني أخذت عليه كثيراً من الأكاذيب التي لا يمكن تأويلها؛ كما تقدم مراراً.

ولم يقنع الشيعي بما افترى من أكاذيب؛ حتى بنى عليها قوله - بكل جرأة وقلة حياء -:

 

(10/619)

 

 

"وإنما لم يخرجه الشيخان وأمثالهما؛ لأنهم رأوه يصادم رأيهم في الخلافة، وهذا هو السبب في إعراضهم عن كثير من النصوص الصحيحة، خافوا أن تكون سلاحاً للشيعة؛ فكتموها وهم يعلمون، وإن كثيراً من شيوخ أهل السنة - عفا الله عنهم - كانوا على هذه الوتيرة، يكتمون كل ما كان من هذا القبيل"!!

هكذا قال - عامله الله بما يستحق -! وهو في الواقع وصفه ووصف إخوانه الشيعة؛ فهم الذين يردون النصوص الصحيحة، ويحتجون بالأحاديث الواهية والموضوعة، مع إيهام القراء أنها صحيحة عند أهل السنة؛ وهي عندهم ضعيفة أو موضوعة.

وهل أدل على ذلك من صنيع هذا الشيعي الذي فضحناه وكشفنا عنه عواره؛ في تخريج أحاديث كتابه التي نادراً ما يكون فيها حديث صحيح؟! فإن وجد فلا حجة فيه مطلقاً على ما يزعمونه من النص على خلافة علي رضي الله عنه - برأه الله مما يقولون فيه، ويعزونه إليه من الأكاذيب والأباطيل -!

سادساً: ومن أكاذيبه وتلفيقاته: أنه ذكر (ص 128) على لسن الشيخ سليم البشري أنه قال:

"راجعت الحديث في (ص 111) من الجزء الأول من "مسند أحمد"، ونقبت عن رجال سنده، فإذا هم ثقات أثبات حجج"!!

فهذا زور وكذب وافتراء على الشيخ البشري؛ فإن المبتدئين في هذا العلم يعلمون ما في سنده من الضعف الذي سبق بيانه.

سابعاً: ساق حديث ابن عباس الذين ذكرت طرفاً منه - شاهداً فيما سبق في أول هذا الحديث - من رواية الأئمة الثلاثة الذين ذكرنا هناك: أحمد والنسائي والحاكم؛ فقال عطفاً عليهم:

 

(10/620)

 

 

"وغيرهم من أصحاب "السنن"؛ بالطرق المجمع على صحتها عن عمرو بن ميمون ... "!!

قلت: وفي هذا أكذوبتان أيضاً:

الأولى: قوله: "وغيرهم من أصحاب السنن"!! فإنه لم يروه أحد منهم، بل ذلك من أكاذيبه أو تدليساته!

والأخرى: "بالطرق المجمع على صحتها"!! فإنه ليس له إلا طريق واحد عند الثلاثة المذكورين؛ مدارها على يحيى بن حماد: حدثنا أبو عوانة: حدثنا أبو بلج: حدثنا عمرو بن ميمون.

وأكذوبه ثالثة؛ وهي أن أبا بلج هذا - وإن كان ثقة على الأرجح - لكنه ليس مجمعاً على الاحتجاج به؛ فقد ضعفه ابن معين. وقال البخاري:

"فيه نظر". وقال ابن حبان:

"يخطىء"! وقد أشار إلى ذلك قول الهيثمي المتقدم:

"وهو ثقة فيه لين".

فقوله: "بالطرق المجمع على صحتها"؛ مزدوج الكذب.

وثبوت حديث ابن عباس هذا وما في معناه؛ لا ينفعه فيما هو في صدده من الاستدلال به على أن علياً هو الخليفة من بعده - صلى الله عليه وسلم -، كيف وليس فيه إلا قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه:

"أنت وليي في الدنيا والآخرة"! ونحوه قوله في الأحاديث الأخرى: ".. ويكون خليفتي في أهلي" كما هو ظاهر؟! بل في هذا الأخير إشارة لطيفة إلى أنه ليس

 

(10/621)

 

 

خليفته في أمته كلها؛ فتنبه، ولا تغتر بشقاشق الشيعي وأكاذيبه!

ثم إن في حديث ابن عباس هذا، جملة تعمد الرافضي حذفها؛ لأنها تخالف كفره بأبي بكر رضي الله عنه وفضائله، وهي في هجرته مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونصها:

قال ابن عباس: فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، قال: فقال: يا نبي الله! قال: فقال له علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون؛ فأدركه. قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ... إلخ الحديث.

فإذا كنت صادقاً في قولك: إن حديث ابن عباس هذا جاء بالطرق المجمع على صحتها؛ فلماذا حذفت هذه الجملة التي تشهد لأبي بكر رضي الله عنه بأنه صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار؟!

أفلا يصدق عليك أنك كالذين عناهم الله بقوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) ؟! ولم لا؟! وقد كفرتم بما هو أصح منه؛ وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! ". رواه الشيخان، وهو مخرج في "فقه السيرة" (173) ، وهو تفسير لقوله تعالى: (إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) .

(فأين تذهبون) ؟!

وقد يتساءل بعض الناس فيقول: إذا أنكرت الشيعة أحاديث السنة الصحيحة؛ لمخالفتها ما هم عليه من الضلال والمعاداة لسلفنا الصالح - وفي مقدمتهم أبو بكر رضي الله عنه -، فماذا يقولون في هذه الآية الصريحة في الثناء على أبي بكر؟ وهم - بطبيعة الحال - لا يستطعون إنكارها؛ لأنهم لو فعلوا لم يبق مجال لأحد في كفرهم؟

 

(10/622)

 

 

فأقول: موقفهم من الآيه موقف كل الفرق الضالة من نصوص الكتاب المخالفة لأهوائهم، وهو تحريف معانيها؛ كما فعلت اليهود من قبل بالتوراة والإنجيل! فهذا هو كبيرهم يقول في "منهاجه" (ص 125) - جواباً عن الآية -:

"لا فضيلة له في الغار؛ لجواز أن يستصحبه حذراً منه؛ لئلا يظهر أمره ... "!!

وقد رد عليه وبسط القول فيه جداً: شيخ الإسلام ابن تيمية في "المنهاج" (4/ 239-273) ؛ فمن شاء زيادة علم وفائدة؛ فليراجع إليه.

4933 - (يا أم سلمة! إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو بمنزلة هارون من موسى؛ غير أنه لا نبي بعدي) .

موضوع

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 131) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 66/ 1) عن عبد الله بن داهر بن يحيى الرازي قال: حدثني أبي عن الأعمش عن عباية الأسدي عن ابن عباس عن النبي عليه السلام: أنه قال لأم سلمة ... فذكره.

أورده العقيلي في ترجمة داهر هذا. وقال:

"كان ممن يغلو في الرفض، لا يتابع على حديثه". ونحوه قول الذهبي:

"رافضي بغيض، لا يتابع على بلاياه".

قلت: وابنه شر منه. وفي ترجمته أخرج الحديث: ابن عدي (222/ 2) ، وعنه ابن عساكر أيضاً (12/ 100/ 2) . وقال ابن عدي - بعد أن ساق له أحاديث أخرى؛ صرح الذهبي بإبطال بعضها -:

"وعامة ما يرويه في فضائل علي، وهو فيه متهم". وقال أحمد:

 

(10/623)

 

 

"ليس بشيء". وكذا قال يحيى. وزاد:

"وما يكتب حديثه إنسان فيه خير"!

(تنبيه) : أورد الحديث الشيعي في "مراجعاته" (ص 141) في جملة أحاديث ثلاثة؛ استدل بها على أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك:

"أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... " ليس خاصاً بمورده، استدل على ذلك بالأحاديث المشار إليها؛ وهذا أحدها!

وذلك كله مما يؤكد لكل منصف أن الشيعي - في استدلالاته - إنما يجري على قاعدة: "الغاية تبرر الوسيلة"! ولذلك فهو لا يهمه أن يستدل بما صح إسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ما دام أنه يحقق غرضه؛ مهما كان واهياً.

ومن تدليساته: أنه إذا كان الحديث في كتاب من كتب السنة معزواً إلى مخرج من المؤلفين؛ يكتفي بعزو الحديث إلى الكتاب الذي أخرج الحديث، مع العناية التامة ببيان الجزء والصفحة - وذلك من تمام التضليل -؛ ولا يذكر من خرجه من المؤلفين؛ لأنه لو فعل لكان كالذين قال الله فيهم: (يخربون بيوتهم بأيديهم) !

فهذا الحديث؛ عزاه الشيعي "للكنز" و "منتخبه"، ولم يزد، وهو فيهما معزو للعقيلي! فأعرض الشيعي عن هذا العزو؛ لأنه يدل على ضعف الحديث، ذلك؛ لأن المقصود به كتابه "الضعفاء"!

والحديث الثاني من الأحاديث الثلاثة؛ علقه النسائي - وهو منكر - كما يأتي تحقيقه في الذي بعده بإذن الله تعالى.

 

(10/624)

 

 

4934 - (وأما أنت يا علي! فأنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا النبوة) .

منكر بهذا السياق

أخرجه ابن عساكر (12/ 101/ 1) عن عبد الله بن شبيب: حدثني ابن أبي أويس: حدثني محمد بن إسماعيل: حدثني عبد الرحمن بن أبي بكر عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال:

لما قدمت ابنة حمزة المدين ة؛ اختصم فيها علي وجعفر وزيد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"قولوا؛ أسمع". فقال زيد: هي ابنة أخي وأنا أحق بها، وقال علي: ابنة عمي وأنا جئت بها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي، قال:

"خذها يا جعفر! أنت أحقهم بها". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"لأقضين بينكم. أما أنت يا زيد! فمولاي وأنا مولاك. وأما أنت يا جعفر! فأشبهت خلقي وخلقي. وأما أنت يا علي ... " الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عبد الرحمن بن أبي بكر - وهو ابن أبي مليكة التيمي المدني -؛ ضعفه جماعة. وقال أحمد، والبخاري:

"منكر الحديث". وقال النسائي:

"متروك الحديث".

قلت: وهذا إن سلم من عبد الله بن شبيب؛ فإنه واه؛ قال أبو أحمد الحاكم: "ذاهب الحديث"؛ كما في "الميزان".

واعلم أن هذه القصة صحيحة ثابتة في "صحيح البخاري" في مواطن - منها

 

(10/625)

 

 

(عمرة القضاء) - من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه؛ لكن ليس فيه ذكر المنزلة، وإنما هو بلفظ:

وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك".

وكذلك أخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 36-37) ، والبيهقي في "السنن" (8/ 5) ، والترمذي أيضاً (2/ 299) ؛ إلا أنه لم يسق من القصة إلا قوله هذا لعلي رضي الله عنه؛ ولكنه أشار إليها؛ فقال:

"وفي الحديث قصة".

أخرجوه كلهم من رواية عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به.

ولعبيد الله هذا إسناد آخر؛ فإنه قال: أنبأ إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة ابن يريم وهانىء بن هانىء عن علي قال:

لما خرجنا من مكة؛ اتبعتنا ابنة حمزة ... الحديث بتمامه، وفيه:

وقال لي: "أنت مني وأنا منك".

أخرجه الحاكم (3/ 120) . وقال:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

وفيه نظر بينته في "الإرواء" (2190) .

وتابعه جمع عن إسرائيل به؛ وقد خرجتهم في المصدر المذكور آنفاً.

وكل هؤلاء رووه بلفظ:

"أنت مني وأنا منك".

 

(10/626)

 

 

وخالفهم القاسم بن يزيد الجرمي فقال: عن إسرائيل ... بلفظ:

"أنت مني بمنزلة هارون، وأنا منك".

ذكره النسائي في "الخصائص" (ص 14) معلقاً؛ فقال: رواه القاسم بن يزيد المخزومي (كذا) عن إسرائيل به.

وتابعه زكريا بن أبي زائدة وغيره عن أبي إسحاق: وحدثني هانىء بن هانىء وهبيرة بن يريم به.

أخرجه البيهقي.

والخلاصة؛ أن المحفوظ في هذه القصة إنما هو قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"أنت مني وأنا منك"، وأن ذكر المنزلة فيه منكر؛ لتفرد الجرمي به دون سائر الثقات من أصحاب إسرائيل، مع عدم معرفتنا لحال الإسناد إليه، ولتفرد عبد الرحمن بن أبي بكر به في حديث عبد الله بن جعفر. والله تعالى ولي التوفيق.

وقد رويت القصة بسياق آخر، وفيه:

"وأما أنت يا علي! فأخي، وأبو ولدي، ومني، وإلي ... "!

أخرجه الحاكم (3/ 217) من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله ابن قسيط، عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه أسامة بن زيد ... فذكر القصة. وقال الحاكم:

"صحيح على شرط مسلم"! ووافقه الذهبي!

قلت: وذلك من أوهامهما؛ فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم مقروناً بغيره، ثم هو مدلس؛ وقد عنعنه، فأنى له الصحة؟!

 

(10/627)

 

 

4935 - (والذي بعثني بالحق! ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي. قال علي: وما أرث منك يا رسول الله؟! قال: ما ورثت الأنبياء من قبلي. قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم. وأنت معي في قصري في الجنة، مع فاطمة ابنتي. وأنت أخي ورفيقي. ثم تلا: (إخواناً على سرر متقابلين) : المتحابين في الله؛ ينظر بعضهم إلى بعض) .

ضعيف

أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد فضائل الصحابة" (1085) ، وابن عساكر (12/ 69/ 1) من طريق عبد المؤمن بن عباد قال: يزيد بن معن عن عبد الله بن شرحبيل (زاد ابن عساكر: عن رجل من قريش) عن زيد بن أبي أوفى قال:

دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده، فقال:

"أين فلان بن فلان؟ ". فجعل ينظر في وجوه أصحابه ... (فذكر الحديث في المؤاخاة، وفيه) فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري، حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري؛ فإن كان هذا من سخط علي؛ فلك العتبى والكرامة! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد المؤمن هذا؛ قال أبو حاتم (3/ 1/ 66) :

"ضعيف الحديث". وقال البخاري (3/ 2/ 117) :

"لا يتابع على حديثه".

 

(10/628)

 

 

وذكره الساجي، وابن الجارود في "الضعفاء":

والرجل القرشي؛ لم يسم.

وعبد الله بن شرحبيل - وهو ابن حسنة وهو القرشي -؛ قال ابن أبي حاتم (2/ 2/ 81-82) :

"روى عن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن أزهر. روى عنه الزهري".

وكذا في "التاريخ" للبخاري (3/ 1/ 117) ؛ إلا أنه زاد:

"وسعد بن إبراهيم".

قلت: فقد روى عنه ثلاثة: الزهري وسعد بن إبراهيم ويزيد بن معن - الراوي عنه هذا الحديث -؛ ولكني لم أجد ليزيد هذا ترجمة! لكن قال الحافظ - في ترجمة زيد من "الإصابة" -:

"ولحديثه طرق عن عبد الله بن شرحبيل. وقال ابن السكن: روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصح. وقال البخاري: لا يعرف سماع بعضهم من بعض، ولا يتابع عليه، رواه بعضهم عن ابن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى، ولا يصح".

والحديث من أحاديث الشيعي في "مراجعاته" (ص 147،148) ؛ التي ساقها مساق المسلمات كعادته؛ لموافقته لهواه! ولكنه غفل عن دلالته على ما فيه من الموافقة في قوله:

"ما ورثت الأنبياء من قبلي: كتاب ربهم وسنة نبيهم" - لحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

 

(10/629)

 

 

"لا نورث، ما تركنا صدقة".

وهذا مما أنكرته الشيعة على الصديق رضي الله عنه، وطعنوا فيه ما شاء لهم هواهم وضلالهم؛ لأنه لم يورث السيدة فاطمة رضي الله عنها؛ عملاً بهذا الحديث المتفق عليه عنه، وقد رواه جمع آخر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم مثل: عمر وعثمان وسعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعائشة وغيرهم، فانظر المجلد الخامس من "الصحيحة" رقم (2038) ؛ الأمر الذي يدل على كذب الشيعة وجهلهم، وفي مقدمتهم ابن المطهر الحلي، فقد زعم في "منهاجه" (ص 35) :

أن أبا بكر انفرد بهذا الحديث!

ولقد أحسن الرد عليه وبسط القول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية - جزاه الله خيراً - في "منهاج السنة" في ثمان صفحات كبار (2/ 157-165) ، فليراجعه من أحب أن يزداد معرفة بحقيقة ما عليه الشيعة من أكاذيب وضلالات.

ومن ذلك: أنني رأيت الكليني في كتابه "الكافي" - الذي يعتبره الشيعة كـ "صحيح البخاري" عندنا - روى فيه بإسناده (1/ 32) عن أبي عبد الله (هو جعفر ابن محمد الصادق رحمه الله) قال:

"إن العلماء ورثة الأنبياء؛ لم يورثوا درهماً ولا ديناراً؛ وإنما ورثوا أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها؛ فقد أخذ حظاً وافراً".

فهذا يؤيد حديث الصديق الأكبر رضي الله عنه، ويؤكد ما تقدم من تحاملهم عليه.

وحديث أبي عبد الله الصادق: هو عندنا مرفوع في "صحيح ابن حبان" وغيره؛ في آخر حديث؛ أوله:

 

(10/630)

 

 

"من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ... "؛ انظر "صحيح الجامع الصغير" (6297) .

وقد رواه الكليني في مكان آخر (1/ 34) عن أبي عبد الله مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

4936 - (قم؛ فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب، أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين والأنصار؛ ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه ليس بعدي نبي؟! ألا من أحبك حف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتةً جاهليةً، وحوسب بعمله في الإسلام) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 109/ 1-2) : حدثنا محمود ابن محمد المروزي: أخبرنا أحمد بن آدم المروزي: أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال:

لما آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه المهاجرين والأنصار؛ فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم؛ خرج علي رضي الله عنه مغضباً؛ حتى أتى جدولاً من الأرض فتوسد ذراعه، فنسف عليه الريح، فطلبه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى وجده، فوكزه برجله فقال له ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته حامد هذا؛ قال الذهبي:

"كذبه الجوزجاني وابن عدي. وعده أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث".

والحديث؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 111) . وقال:

 

(10/631)

 

 

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه حامد بن آدم المروزي؛ وهو كذاب".

قلت: وأما الشيعي؛ فأورده (143) محتجاً به؛ كعادته في الاحتجاج بالأحاديث الموضوعة!

ثم رأيت للحديث طريقاً أخرى دون قوله:

"أما ترضى...." إلخ: أخرجه ابن عساكر (12/ 60/ 1) من طريق حفص ابن جميع: حدثني سماك بن حرب قال:

قلت لجابر: إن هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم علي. قال: وما عسيت أن تشتمه به؟! قال: أكنيه بأبي تراب. قال: فوالله، ما كانت لعلي كنية أحب إليه من أبي تراب؛ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين الناس، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فخرج مغضباً ... الحديث.

لكن حفص بن جميع ضعيف. وقال الساجي:

"يحدث عن سماك بأحاديث مناكير، وفيه ضعف".

4937 - (يا علي! إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي. يا علي! ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا النبوة؟! والذي نفسي بيده! إنك لتذودن عن حوضي يوم القيامة رجالاً، كما يذاد البعير الضال عن الماء، بعصاً معك من العوسج، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي) .

منكر جداً

أخرجه ابن عساكر (12/ 93) عن حرام بن عثمان عن

 

(10/632)

 

 

عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مضطجعين في المسجد، وفي يده عسيب رطب، فضربنا وقال:

"أترقدون في المسجد؟! إنه لا يرقد فيه أحد". فأجفلنا، وأجفل معنا علي بن أبي طالب! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"تعال يا علي! إنه ... " الحديث.

قلت: وهذا آفته حرام هذا؛ قال الشافعي، وابن معين:

"الحديث عن حرام حرام". وقال ابن حبان:

"كان غالياً في التشيع، يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل". وطول ابن عدي في "الكامل" (110/ 1-111/ 2) ترجمته، وقال في آخرها:

"وعامة أحاديثه مناكير". وساق له الذهبي أحاديث أنكرت عليه؛ هذا أحدها؛ وقال:

"وهذا حديث منكر جداً".

(تنبيه) : هذا الحديث؛ أورده الشيعي في "المراجعات" (ص 144) دون عزو لأحد أو تخريج؛ خلافاً لعادته؛ إلا قوله في الحاشية:

"كما في الباب 17 من ينابيع المودة"!

وهذا من كتب الشيعة!

 

(10/633)

 

 

4938 - (يا علي! أنت أول المؤمنين إيماناً، وأول المسلمين إسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى) .

منكر

أخرجه أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (ق 49/ 2) ، وابن عساكر (12/ 100/ 1-2) من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري - وصي المأمون -: حدثني أمير المؤمنين المأمون: حدثني أمير المؤمنين الرشيد: حدثني أمير المؤمنين المنصور عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قال:

سمعت عمر بن الخطاب؛ وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر:

أما علي؛ فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فيه ثلاث خصال؛ لوددت أن لي واحدة منهن، فكان إلي أحب مما طلعت عليه الشمس:

كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة؛ إذ ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده على منكب علي فقال له ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ ما بين والد المنصور - واسمه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس - وإبراهيم بن سعيد الجوهري، من الملوك العباسيين؛ لا يعرف حالهم في الرواية، مع ما عرف عن المأمون - واسمه عبد الله - من التجهم، والمناداة بخلق القرآن، وامتحان العلماء وتعذيبهم به.

ثم إن الظاهر أن في الإسناد سقطاً بين الرشيد - واسمه هارون - وبين المنصور - واسمه عبد الله -؛ فإن الرشيد يرويه عن أبيه محمد المهدي عن أبيه المنصور. والله أعلم.

 

(10/634)

 

 

ثم إن الجملة الأخيرة من الحديث صحيحة ثابتة في "الصحيحين" وغيرهما من طرق، ولكنها مستنكرة في هذا السياق؛ لآن المعروف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها حينما خرج إلى تبوك!

4939 - (بات علي ليلة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين، على فراشه؛ ليعمي على قريش. وفيه نزلت الآية: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 73/ 1) من طريق عبد النور بن عبد الله عن محمد بن المغيرة القرشي عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عبد النور هذا؛ قال العقيلي (ص 267) :

"كان ممن يغلو في الرفض، لا يقيم الحديث، وليس من أهله".

ثم ساق له حديثاً في زواج فاطمة من علي؛ وقال:

"الحديث بطوله لا أصل له، وضعه عبد النور". وقال الذهبي فيه:

"كذاب". ثم ساق الحديث وكلام العقيلي فيه وفي راويه هذا الكذاب.

ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر (12/ 90/ 1) بطوله.

ثم روى ابن عساكر من طريق عباد بن ثابت: حدثني سليمان بن قرم: حدثني عبد الرحمن بن ميمون أبو عبد الله: حدثني أبي عن عبد الله بن عباس به نحوه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ ميمون هذا هو أبو عبد الله البصري الكندي؛

 

(10/635)

 

 

ويقال: القرشي، مولى سمرة؛ ضعيف؛ كما في "التقريب". وقد قال فيه أحمد:

"أحاديثه مناكير".

وابنه عبد الرحمن؛ لم يوثقه غير ابن حبان. وقال الحافظ:

"مقبول".

وسليمان بن قرم سيىء الحفظ يتشيع.

والمعروف عن ابن عباس: ما رواه أبو بلج عن عمرو بن ميمون عنه قال:

شرى علي نفسه، ولبس ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نام مكانه ... الحديث.

أخرجه الحاكم (3/ 4) وغيره، وسبق الكلام عليه تحت الحديث (4932) .

وهذا إخبار من ابن عباس أن علياً رضي الله عنه شرى نفسه، وليس فيه الآية نزلت في شأنه؛ فالفرق بينهما واضح.

فاستدلال الشيعي في "مراجعاته" (ص 45) بحديث الحاكم هذا على أن الآية نزلت فيه؛ لا يخفى ما فيه؛ لا سيما والمعروف في كتب التفسير أنها نزلت في صهيب رضي الله عنه!

راجع الآية في "تفسير ابن كثير" وغيره.

4940 - (اسكني؛ فقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (3/ 159) ، وابن عساكر (12/ 91/ 1) من طريقين عن أيوب عن أبي يزيد المدني عن أسماء بنت عميس قالت:

كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما أصبحنا؛ جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الباب فقال:

 

(10/636)

 

 

"يا أم أيمن! ادعي لي أخي". فقالت: هو أخوك وتنكحه؟! قال:

"نعم؛ يا أم أيمن! ". فجاء علي، فنصح النبي - صلى الله عليه وسلم - من الماء، ودعا له، ثم قال:

"ادعي لي فاطمة". فجاءت تعثر من الحياء. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (فذكره) . قالت: ونضح النبي عليها من الماء، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأى سواداً بين يديه. فقال:

"من هذا؟ ". فقلت: أنا أسماء. قال:

"أسماء بنت عميس؟ ". قلت: نعم. قال: "جئت في زفاف ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ". قلت: نعم. فدعا لي.

قلت: سكت عنه الحاكم ولم يصححه - على خلاف عادته -، ولعل ذلك للخطأ الذي في متنه! وبينه الذهبي بقوله:

"الحديث غلط؛ لأن أسماء كانت - ليلة زفاف فاطمة - بالحبشة".

قلت: ولا أجد في إسناده علة ظاهرة؛ فإن رجاله ثقات؛ إلا أن يكون الانقطاع بين أبي يزيد المدني وأسماء؛ فقد قال في إسناد ابن عساكر:

إن أسماء بنت عميس قالت ... وهذا صورته الإرسال. والله أعلم.

(تنبيه) : أورد الشيعي الحديث في "مراجعاته" (ص 147) من رواية الحاكم في الموضع الذي نقلته عنه؛ ثم قال:

"وأخرجه الذهبي في "تلخيصه" مسلماً بصحته"!

وهذا كذب مكشوف على الذهبي؛ لأنه وصف الحديث بأنه غلط كما

 

(10/637)

 

 

رأيته، فكيف يقال: إنه سلم بصحته؟!

ولكن مثل هذا الكذب ليس غريباً عن هذا الشيعي؛ فطالما كشفنا عن أكاذيب أخرى له هي أوضح وأفضح من هذه؛ فلراجع على سبيل المثال الحديث (4931) ؛ تجد تحته عدة أكاذيب له، والعياذ بالله تعالى!!

4941 - (أنت أخي وصاحبي) (1) .

ضعيف

أخرجه ابن عبد البر - في ترجمة علي من "الاستيعاب" (3/ 1098) - من طريق حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وله علتان:

الأولى: الانقطاع بين الحكم - وهو ابن عتيبة الكندي مولاهم - وبين مقسم؛ فإنه لم يسمع منه إلا خمسة أحاديث؛ ليس منها هذا.

والأخرى: عنعنة الحجاج - وهو ابن أرطاة -؛ فإنه مدلس.

وقد وجدت له متابعاً؛ لكن الإسناد إليه ضعيف.

أخرجه ابن عساكر (12/ 69/ 1) من طريق محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن شعبة عن الحكم به.

قلت: وعبد الله بن أبي جعفر الرازي؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء".

وقد روي الحديث بإسناد موضوع بزيادة فيه؛ يأتي بعد حديث.

__________

(1) قاله - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه؛ كما سيأتي برقم (4943) . (الناشر)

 

(10/638)

 

 

4942 - (بشارة أتتني من عند ربي؛ إن الله لما أراد أن يزوج علياً فاطمة؛ أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى، فهزها، فنثرت رقاقاً - يعني: صكاكاً -، وأنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محباً لنا - أهل البيت - محضاً؛ إلا دفعوا إليه منها كتاباً: براءة له من النار؛ من أخي وابن عمي وابنتي، فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار) .

موضوع

أخرجه الخطيب (4/ 210) من طريق عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي: حدثنا أبو علي أحمد بن صدقة البيع: حدثنا عبد الله بن داود بن قبيصة الأنصاري: حدثنا موسى بن علي: حدثنا قنبر بن أحمد بن قنبر مولى علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن كعب بن نوفل عن بلال بن حمامة قال:

خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ضاحكاً مستبشراً. فقام إليه عبد الرحمن ابن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟! قال ... فذكره. وقال:

"رجاله - ما بين بلال وعمر بن محمد -؛ كلهم مجهولون".

قلت: ساقه في ترجمة أحمد بن صدقة هذا. وقال فيه الذهبي:

"تكلم فيه، ولا أعرفه".

وزاد عليه الحافظ؛ فساق إسناده بهذا الحديث؛ إلا أنه لم يسق لفظه، فقال:

"فذكر حديثاً ركيك اللفظ في تزويج علي من فاطمة".

وذكره في ترجمة بلال بن حمامة - من القسم الرابع من "الإصابة" - وقال:

 

(10/639)

 

 

"فرق أبو موسى بينه وبين بلال المؤذن. والحديث واه جداً، ولو ثبت لكان هو بلال بن رباح المؤذن".

وقال الذهبي في ترجمة قنبر مولى علي:

"لم يثبت حديثه. قال الأزدي: يقال: كبر حتى كان لا يدري ما يقول أو يروي؟! قلت: قل ما روى".

قلت: ولا أدري لم لم يصرح الحافظ بوضع الحديث؟! فإن لوائح الوضع عليه ظاهرة! وقد أوردوا مثله - بل دونه - في الموضوعات؛ فانظر الحديث (9،10،11،12،13) من "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة".

والحديث؛ عزاه الشيعي (ص 146) لأبي بكر الخوارزمي - نقلاً عن "الصواعق"، وكفى!!

4943 - (يا علي! أنت أخي، وصاحبي، ورفيقي في الجنة) .

موضوع

أخرجه الخطيب في "التاريخ" (12/ 268) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 71/ 2) عن عثمان بن عبد الرحمن: حدثنا محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عثمان بن عبد الرحمن - وهو القرشي الوقاصي -؛ قال الحافظ:

"متروك، وكذبه ابن معين".

قلت: وقال صالح بن محمد الحافظ:

"كان يضع الحديث".

 

(10/640)

 

 

قلت: وقد روي بإسناد آخر خير من هذا؛ دون الزيادة في آخره، وقد مضى قبل حديث.

4944 - (ألا أرضيك يا علي؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: أنت أخي ووزيري؛ تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبرىء ذمتي. فمن أحبك في حياة مني؛ فقد قضى نحبه. ومن أحبك في حياة منك بعدي؛ ختم الله له بالأمن والإيمان. ومن أحبك بعدي ولم يرك؛ ختم الله له بالأمن والإيمان، وأمنه يوم الفزع الأكبر. ومن مات وهو يبغضك يا علي؛ مات ميتة جاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 205/ 2) : حدثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة: أخبرنا محمد بن يزيد - هو أبو هشام الرفاعي -: أخبرنا عبد الله ابن محمد الطهوي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال:

بينما أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظل بالمدينة، وهو يطلب علياً رضي الله عنه؛ إذ انتهينا إلى حائط، فنظرنا فيه، فنظر إلى علي وهو نائم في الأرض وقد اغبر. فقال:

"لا ألوم الناس، يكنونك أبا تراب".

فلقد رأيت علياً تغير وجهه، واشتد ذلك عليه! فقال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من دون مجاهد ضعفاء - على خلاف في ابن أبي شيبة -.

غير عبد الله بن محمد الطهوي؛ فلم أجد له ترجمة.

 

(10/641)

 

 

وقصر الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (9/ 121) :

"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه"!

ثم ذكره من حديث علي نحوه. وقال:

"رواه أبو يعلى، وفيه زكريا الأصبهاني، وهو ضعيف"!

ثم وقفت على إسناد أبي يعلى؛ فتبين أن في "المجمع" خطأ:

فقد أخرجه ابن عساكر (12/ 79/ 2) من طريق أبي يعلى - وهذا في "مسنده" (1/ 402/ 268) -: أخبرنا سويد بن سعيد: أخبرنا زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني عن عبد المؤمن عن أبي المغيرة عن علي ...

فهو الصهباني؛ وليس الأصبهاني.

وعلى الصواب وقع في "الميزان" و "اللسان". وقالا:

"قال الأزدي: منكر الحديث".

لكن من فوقه لم أعرفهما.

وسويد بن سعيد؛ كان عمي، فصار يتلقن ما ليس من حديثه.

وأخرج ابن عساكر (12/ 70/ 1) من طريق الخطيب بسنده عن أبي يحيى التيمي إسماعيل بن إبراهيم عن مطير أبي خالد عن أنس بن مالك قال:

كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أمرنا علي بن أبي طالب أو سلمان الفارسي أو ثابت بن معاذ الأنصاري؛ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه على سؤاله. فلما نزلت: (إذا جاء نصر الله والفتح) ، وعلمنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعيت إليه نفسه؛

 

(10/642)

 

 

قلنا لسلمان: سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من نسند إليه أمورنا ويكون مفزعنا، ومن أحب الناس إليه؟ فلقيه فسأله، فأعرض عنه. ثم سأله، فأعرض عنه. فخشي سلمان أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مقته ووجد عليه. فلما كان بعد لقيه؛ قال:

"يا سلمان! يا عبد الله! ألا أحدثك عما كنت تسألني؟ فقال: يا رسول الله! إني خشيت أن تكون قد مقتني ووجدت علي! قال:

"كلا يا سلمان! إن أخي، ووزيري، وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركت بعدي - يقضي ديني، وينجز موعدي -: علي بن أبي طالب". وقال الخطيب:

"مطير هذا مجهول".

قلت: بل هو معروف، ولكن بالضعف؛ وهو مطير بن أبي خالد، ترجمه ابن أبي حاتم (4/ 1/ 394) برواية جمع عنه؛ منهم ابنه موسى بن مطير. ثم روى عن أبي زرعة أنه قال فيه:

"ضعيف الحديث". وعن أبيه:

"متروك الحديث".

ووقع في "الميزان" و "اللسان": (مطهر بن أبي خالد) !

والظاهر أنه تحريف من بعض النساخ أو الطابعين. ويؤيده أن الحافظ قال:

"قلت: وهو والد موسى بن مطين (كذا) الآتي ذكره".

قلت: ووالد موسى: هو (مطير) ، وليس (مطهراً) ، ولا (مطيناً) !

وعلى الصواب ذكره الحافظ في المكان الذي أشار إليه.

 

(10/643)

 

 

ووقع في سند الحديث: (مطير أبي خالد) ! فإن لم يكن سقط من الأصل لفظة (ابن) ؛ فأبو خالد هو كنية مطير أيضاً كأبيه. والله أعلم.

ثم إن أبا يحيى التيمي - إسماعيل بن إبراهيم - ضعيف أيضاً؛ كما في "التقريب".

وهذا الحديث؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 113) من حديث سلمان نفسه نحوه بلفظ:

"فإن وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي ... " والباقي مثله. وقال:

"رواه الطبراني، وفي إسناده ناصح بن عبد الله، وهو متروك".

(تنبيه) : أورد الشيعي حديث الطبراني هذا، وأتبعه بقوله (ص 225) :

"وهذا نص في كونه الوصي، وصريح في أنه أفضل الناس بعد النبي، وفيه من الدلالة الالتزامية - على خلافته ووجوب طاعته - ما لا يخفى على أولي الألباب"!

وأقول: أولو الألباب يقولون: أثبت العرش ثم انقش! فالحديث ضعيف جداً، بل هو موضوع؛ فقد ثبت من طرق عن علي رضي الله عنه:

أن أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر وعمر؛ كما في "البخاري" وغيره. ولكن الشيعي وأصحابه يكابرون ويجحدون!!

ثم رأيت الحديث هذا؛ قد أورده السيوطي في "اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (1/ 185) من طريق جعفر بن أحمد عن مطر عن أنس وقال:

"مطر متروك. وجعفر تكلموا فيه".

 

(10/644)

 

 

ثم أورده من طريق أخرى عن أنس؛ وحكم بوضعها.

وأورده من حديث سلمان أيضاً من طريق أخرى عنه؛ وأعله بقوله:

"قال عبد الغني بن سعيد: رواته مجهولون وضعفاء. وإسماعيل بن زياد متروك".

ورواه العقيلي في "الضعفاء" (358) من طريق قيس بن ميناء عن سلمان به مختصراً؛ بفلظ:

"وصيي علي بن أبي طالب".

أورده في ترجمة قيس هذا. وقال:

"كوفي لا يتابع على حديثه، وكان له مذهب سوء".

وساق له الذهبي هذا الحديث. وقال:

"كذب".

وأقره الحافظ في "اللسان"، والسيوطي في "اللآلىء" (1/ 185-186) .

وقد روي حديث الوصية - بأتم من هذا - من حديث بريدة، وسيأتي برقم (4962) .

(تنبيه آخر) : حديث علي المتقدم من رواية أبي يعلى - التي فيها تلك العلل التي تستوجب أنه شديد الضعف -؛ قد ذكره في "كنز العمال" (6/ 404/ 6127) من رواية أبي يعلى، وقال:

"قال البوصيري: رواته ثقات"!

 

(10/645)

 

 

وهو خطأ ظاهر؛ إما من البوصيري أو عليه!

وقد استغله الشيعي (ص 231) ؛ فاعتمده!

4945 - (ادعوا لي أخي. يعني: علياً. قاله في مرض موته - صلى الله عليه وسلم -) .

موضوع

أخرجه ابن سعد (2/ 263 - بيروت) : أخبرنا محمد بن عمر: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ... فذكره. قال:

فدعي له علي، فقال: "ادن مني". فدنوت منه، فاستند إلي، فلم يزل مستنداً إلي، وإنه ليكلمني حتى إن بعض ريق النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصيبني. ثم نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثقل في حجري، فصحت: يا عباس! أدركني فإني هالك! فجاء العباس، فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي - كذاب؛ كما تقدم مراراً.

وعبد الله بن محمد بن عمر العلوي مقبول؛ كما في "التقريب".

وأما أبوه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب؛ فثقة.

لكن روايته عن جده مرسلة؛ كما قال الحافظ. وقال في "الفتح" (8/ 107) :

"فيه انقطاع؛ مع الواقدي، وهو متروك، وعبد الله فيه لين".

واكتفى الشيعي في هذا الحديث - كعادته - بعزوه لابن سعد؛ وكفى!!

وروي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وهو في بيتها لما حضره الموت -:

 

(10/646)

 

 

"ادعوا لي حبيبي". فدعوت له أبا بكر. فنظر إليه، ثم وضع رأسه. ثم قال:

"ادعوا لي حبيبي". فدعوا له عمر. فلما نظر إليه، وضع رأسه.

ثم قال: "ادعوا لي حبيبي". فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه أفرد الثوب الذي كان عليه، ثم أدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه.

أخرجه ابن عساكر (12/ 163/ 2) من طريق الدارقطني بسنده عن إسماعيل ابن أبان: أخبرنا عبد الله بن مسلم الملائي عن أبيه عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عائشة ... وقال:

"قال الدارقطني: تفرد به مسلم؛ وهو غريب من حديث ابنه. تفرد به إسماعيل".

قلت: وهو ابن أبان الوراق؛ وهو ثقة، وليس هو الغنوي المتهم بالكذب.

لكن عبد الله بن مسلم الملائي؛ لم أجد له ترجمة، وقد ذكره الحافظ المزي في الرواة عن أبيه، وهو غير عبد الله بن مسلم المكي الضعيف.

وأما أبوه مسلم الملائي - وهو ابن كيسان الأعور -؛ فهو متروك؛ كما قال النسائي وغيره.

قلت: وهذا من أكاذيبه - أو على الأقل: من أوهامه الفاحشة -؛ فقد خالفه عبد الله بن عون الثقة الثبت؛ رواه عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد قال:

ذكروا عند عائشة أن علياً كان وصياً! فقالت: متى أوصى إليه؟! فقد كنت مسندته إلى صدري - أو قالت: حجري -، فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنه مات، فمتى أوصى إليه؟!

 

(10/647)

 

 

أخرجه البخاري (2/ 185) ، ومسلم (5/ 75) ، وأحمد (6/ 32) .

قلت: فهذا يبطل حديث مسلم الملائي، وكذلك حديث الواقدي؛ إلا أن هذا ليس فيه التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - مات وهو مستند إلى علي رضي الله عنه.

وأما رواية الشيعي هذا الحديث بلفظ:

"فقال: "ادن مني"، فدنا منه إليه، فلم يزل كذلك وهو يكلمه حتى فاضت نفسه الزكية"! فقوله:

"حتى فاضت نفسه الزكية"! من زياداته ودسائسه لتأييد مذهبه! نسأل الله السلامة!

ونحو حديث الواقدي: ما روته أم موسى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:

والذي أحلف به! إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة وهو يقول: "جاء علي؟ جاء علي؟ " (مراراً) . فقالت فاطمة: كأنك بعثته في حاجة. قالت: فجاء بعد. قالت أم سلمة: فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند الباب؛ وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس عهداً.

أخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 28-29) ، والحاكم (3/ 138-139) ، وأحمد، وابنه (6/ 300) ، وابن عساكر من طريق مغيرة عن أم موسى. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

 

(10/648)

 

 

قلت: وفيه نظر من وجهين:

الأول: أن أم موسى هذه، لم تثبت عدالتها وضبطها. وقد أوردها الذهبي نفسه في "فصل النسوة المجهولات" من "الميزان"، وقال فيها:

"تفرد عنها مغيرة بن مقسم. قال الدارقطني: يخرج حديثها اعتباراً".

ولذلك لم يوثقها الحافظ في "التقريب" بل قال فيها:

"مقبولة". يعني: عند المتابعة.

وأما قول الهيثمي (9/ 112) - بعد أن عزاه لأحمد وأبي يعلى والطبراني -:

"ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير أم موسى، وهي ثقة"!

أقول: فهذا من تساهله؛ لأن عمدته في مثل هذا التوثيق إنما هو ابن حبان، وهو مشهور بالتساهل في التوثيق، كما ذكرناه مراراً.

والآخر: أن المغيرة - وهو ابن مقسم الضبي - وإن كان ثقة متقناً؛ إلا أنه كان يدلس؛ كما قال الحافظ، وقد عنعنه.

فهذا لو صح عن أم سلمة؛ لأمكن التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح؛ بحمل قول أم سلمة: (الناس) على الرجال؛ فلا ينافي ذلك أن يخرج علي بعد مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياه، وأن تتولى أمره عائشة رضي الله عنها، ويموت - صلى الله عليه وسلم - وهي مسندته إلى صدرها؛ وهذا ظاهر جداً.

وفي الباب حديث آخر أنكر من هذا، سيأتي برقم (6627) .

__________

(1) انظر " الصحيحة " (6/572) . (الناشر)

 

(10/649)

 

 

4946 - (أوحى الله عز وجل - ليلة المبيت على الفراش - إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟! فاختار كلاهما الحياة. فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب! آخيت بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم -، فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة!! اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا، فكان جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل ينادي: بخ بخ! من مثلك يا ابن أبي طالب؟! يباهي الله بك الملائكة! وأنزل الملائكة! وأنزل الله تعالى في ذلك: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)) . الحديث.

موضوع

قال الشيعي في "مراجعاته" (ص 148) :

"أخرجه أصحاب "السنن" في "مسانيدهم". وذكره الإمام فخرالدين الرازي في تفسير هذه الآية من سورة البقرة (ص 189) من الجزء الثاني من "تفسيره الكبير" مختصراً"!!

وأقول:

أولاً: إن لوائح الوضع على هذا الحديث ظاهرة بينة؛ لا تخفى على أحد أوتي فهماً وبصيرة، فما فائدة ذكر الفخر الرازي إياه في "تفسيره"؛ وهو محشو بالأحاديث الباطلة والموضوعة؟! وهو في ذلك مثل "الإحياء" للغزالي!

وثانياً: فإن قوله: "أخرجه أصحاب "السنن" في "مسانيدهم ... "! تعبير يدل على جهله بهذا العلم؛ فإن أصحاب "السنن" عند أهل المعرفة به هم غير

 

(10/650)

 

 

أصحاب "المسانيد"! وغالب الظن أن المقصود بهذا التعبير التعمية والتضليل؛ وإلا فمن هم هؤلاء؟!

وأصحاب "السنن الأربعة"، وكذلك أصحاب "المسانيد" - عندنا معشر أهل السنة - مع أن كتبهم لا تخلو من أحاديث ضعيفة؛ فهي أرفع من أن تسود بمثل هذا الحديث البين بطلانه! فالله المستعان.

4947 - (أنا عبد الله، وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب، آمنت قبل الناس سبع سنين) .

موضوع

أخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 3) ، والحاكم (3/ 111-112) من طريق المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله قال: قال علي ... فذكره.

قلت: وبيض له الحاكم؛ فلم يذكر فيه شيئاً!

لكن الذهبي أفاد في "تلخيصه" أنه قال:

"صحيح على شرط الشيخين"! ثم تعقبه بقوله:

"كذا قال، و [ليس] هو على شرط واحد منهما، بل ولا هو بصحيح، بل حديث باطل؛ فتدبره. وعباد؛ قال ابن المديني: ضعيف". وقال في ترجمته من "الميزان":

"وهذا كذب على علي رضي الله عنه".

وصدق رحمه الله، وآفته عباد هذا؛ فقد قال البخاري:

"فيه نظر".

 

(10/651)

 

 

والحديث؛ أورده ابن الجوزي في "الموضوعات".

ولم يتعقبه السيوطي في "اللآلىء" (1/ 166) بطائل!

ثم روى الحاكم، وابن عساكر (12/ 63/ 1) من طريق شعيب بن صفوان عن الأجلح عن سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين عن علي قال:

عبد ت الله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع سنين؛ قبل أن يعبد هـ أحد من هذه الأمة. سكت عنه الحاكم! وقال الذهبي:

"وهذا باطل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أول ما أوحي إليه؛ آمن به خديجة وأبو بكر وبلال وزيد مع علي؛ قبله بساعات أو بعده بساعات، وعبد وا الله مع نبيه؛ فأين السبع سنين؟! ولعل السمع أخطأ؛ فيكون أمير المؤمنين قال: عبد ت الله ولي سبع سنين؛ ولم يضبط الراوي. ثم حبة شيعي جبل، قد قال ما يعلم بطلانه من أن علياً شهد معه صفين ثمانون بدرياً! وذكره أبو إسحاق الجوزجاني فقال: هو غير ثقة. وشعيب والأجلح متكلم فيهما".

قلت: ومثله وأنكر منه: ما أخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 3) قال: أخبرنا علي بن المنذر (الأصل: نذر) الكوفي قال: أخبرنا ابن فضيل قال: أخبرنا الأجلح عن عبد الله بن [أبي] الهذيل عن علي رضي الله عنه قال:

ما أعرف أحداً من هذه الأمة عبد الله - بعد نبينا - غيري، عبد ت الله قبل أن يعبد هـ أحد من هذه الأمة تسع سنين!

قلت: ورجال إسناده ثقات كلهم؛ لكن من دون ابن أبي الهذيل كلهم من الشيعة.

 

(10/652)

 

 

والأجلح منهم متكلم فيه؛ كما تقدم عن الذهبي، فلعله هو العلة. والله أعلم.

والطرف الأول من حديث الترجمة؛ قد روي بإسناد صحيح مرسل، وهو الآتي قريباً برقم (4950) .

4948 - (كان علي يقول في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يقول: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) ؛ والله! لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله! لئن مات أو قتل؛ لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله! إني لأخوه، ووليه، وابن عمه، ووارث علمه، فمن أحق به مني؟!) .

منكر

أخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 13) ، والحاكم (3/ 126) ، وابن عساكر (12/ 79/ 2) من طريق أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ... فذكره.

قلت: وسكت عليه الحاكم والذهبي؛ ولعل ذلك لظهور علته، وهي تنحصر في سماك، أو في الراوي عنه: أسباط.

أما الأول؛ فلأنه وإن كان ثقة؛ فقد تكلموا في روايته عن عكرمة خاصة، فقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن".

وأما الآخر؛ فقال الحافظ:

"صدوق، كثير الخطأ، يغرب".

 

(10/653)

 

 

(تنبيه) : أورد الشيعي في "مراجعاته" (ص 148) طرفاً من هذا الحديث، وعزاه للحاكم؛ وقال:

"وأخرجه الذهبي في "تلخيصه"؛ مسلماً بصحته"!!

قلت: وهذا من تدليساته الكثيرة؛ فإن الذهبي سكت عليه، والحاكم نفسه لم يصرح بصحة إسناده - على خلاف عادته -، وإنما سكت عليه أيضاً، فتنبه!!

ثم رأيته أفصح بالكذب فقال (ص 222) - بعد أن ذكر طرفه الأول والأخير منه -:

"هذه الكلمة بعين لفظها ثابتة عن علي، أخرجها الحاكم في صفحة (126) ، من الجزء (3) من "المستدرك" بالسند الصحيح على شرط البخاري ومسلم، واعترف الذهبي في "تلخيصه" بذلك"!!

4949 - (أنشدكم الله! هل فيكم أحد آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينه - إذ آخى بين المسلمين - غيري؟ قالوا: اللهم! لا) .

موضوع

أخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/ 1098) من طريق زياد ابن المنذر عن سعيد بن محمد الأزدي عن أبي الطفيل قال:

لما احتضر عمر؛ جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وسعد. فقال لهم علي ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته زياد بن المنذر؛ قال الحافظ:

"رافضي؛ كذبه يحيى بن معين".

وسعيد بن محمد الأزدي؛ لم أجد من ذكره، وإني لأخشى أن يكون هو

 

(10/654)

 

 

محمد بن سعيد الأسدي - ويقال: الأزدي -؛ وهو المصلوب بالزندقة؛ فقد قيل: إنهم قلبوا اسمه على مئة وجه، فيكون هذا الوجه من تلك الوجوه؛ قلبه - تعمية لأمره - هذا الرافضي الكذاب. والله أعلم.

والحديث؛ احتج به الشيعي، وعزاه لابن عبد البر؛ وكفى!!

ثم وجدت للحديث طريقين آخرين:

الأول: عن يحيى بن المغيرة الرازي: حدثنا زافر عن رجل عن الحارث بن محمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال:

كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت علياً يقول:

بايع الناس أبا بكر؛ وأنا - والله! - أولى بالأمر منه وأحق منه، فسمعت وأطعت؛ مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف! ثم بيع الناس عمر، وأنا - والله! - أولى بالأمر منه وأحق به منه، فسمعت وأطعت؛ مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف! ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان! إذن أسمع وأطيع؛ إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم؛ لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كلنا فيه شرع سواء، وأيم الله ... ثم قال: نشدتكم الله أيها النفر! جميعاً: أفيكم أحد آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيري؟ قالوا: اللهم! لا. ثم قال: نشدتكم الله ... أفيكم أحد له مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: لا ... الحديث.

أخرجه العقيلي في ترجمة الحارث هذا من "الضعفاء" (ص 74-75) ، ومن طريقه ابن عساكر (12/ 174/ 2-175/ 1) . وقالا:

"فيه رجلان مجهولان: رجل لم يسمه زافر، والحارث بن محمد".

 

(10/655)

 

 

ثم ساقه من طريق آخر عن محمد بن حميد قال: حدثنا زافر: حدثنا الحارث بن محمد عن أبي الطفيل عن علي ... فذكر الحديث نحوه. قال العقيلي:

"وهذا عمل محمد بن حميد، أسقط الرجل؛ أراد أن يجود الحديث. والصواب ما قال يحيى بن المغيرة ويحيى ثقة وهذا الحديث لا أصل له عن علي".

وقال الذهبي - عقب قول العقيلي: "أراد أن يجوده" -:

"قلت: فأفسده، وهو خبر منكر". ثم ساقه بتمامه إلا قليلاً من آخره؛ فقال:

"وذكر الحديث؛ فهذا غير صحيح، وحاشا أمير المؤمنين من قول هذا".

قلت: وقال الحافظ في "اللسان":

"ولعل الآفة في هذا الحديث من زافر".

قلت: وهو ابن سليمان القهستاني؛ قال الحافظ:

"صدوق كثير الأوهام".

قلت: وسواء كانت الآفة منه أو ممن فوقه؛ فلا شك في أن الحديث موضوع لا أصل له؛ كما صرح بذلك العقيلي، وأشار إلى ذلك الذهبي بتبرئته علياً رضي الله عنه من قوله.

وكذلك جزم بوضعه الحافظ ابن عساكر، واستدل على ذلك ببعض فقراته؛ كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى.

والطريق الآخر: عن مثنى أبي عبد الله عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة وهبيرة. وعن العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي. وعن عمرو بن واثلة قالوا:

 

(10/656)

 

 

قال علي بن أبي طالب يوم الشورى ... فذكر الحديث نحوه بطوله.

أخرجه ابن عساكر (12/ 174/ 1-2) . وقال:

"وفي هذا الحديث ما يدل على أنه موضوه؛ وهو قوله: "وصلى القبلتين"؛ وكل أصحاب الشورى قد صلى القبلتين. وقوله: "أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة؟ " - وقد كان لعثمان مثل ما له من هذه الفضيلة وزيادة".

قلت: ولعل آفة هذه الطريق: المثنى هذا؛ فإني لم أجد له ترجمة.

4950 - (أنا عبد الله وأخو رسوله) .

ضعيف

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/ 23) : أخبرنا خلف بن الوليد الأزدي: أخبرنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال:

لما كان يوم بدر؛ برز عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث فبرز شيبة لحمزة، فقال له شيبة: من أنت؟ فقال: أنا أسد الله ورسوله. قال: كفء كريم؛ فاختلفا ضربتين، فقتله حمزة. ثم برز الوليد لعلي فقال: من أنت؟ ... فذكره. فقتله علي. ثم برز عتبة لعبيدة بن الحارث، فقال عتبة: من أنت؟ قال: أنا الذي في الحلف. قال: كفء كريم، فاختلفا ضربتين أوهن كل منهما صاحبه، فأجاز حمزة وعلي على عتبة.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ وإنما علته الإرسال؛ فإن البهي هذا أورده الحافظ في فصل الألقاب من "التهذيب"؛ وقال:

"هو عبد الله بن يسار، مولى مصعب بن الزبير".

 

(10/657)

 

 

والصواب حذف قوله: "ابن يسار"، كما فعل الخزرجي؛ فإنهم لم يوردوه منسوباً إلى أبيه، وإنما فيمن لم ينسب إلى أبيه؛ فقال الحافظ هناك:

"عبد الله البهي مولى مصعب بن الزبير أبو محمد، يقال اسم أبيه: يسار. روى عن عائشة وفاطمة بنت قيس و ... ".

وروى توثيقه عن ابن سعد، وابن حبان، وأخرج له مسلم. وعن أبي حاتم أنه قال فيه:

"لا يحتج بالبهي، وهو مضطرب الحديث". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يخطىء".

4951 - (لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي خصلة منها؛ أحب إلي من أن أعطى حمر النعم: تزوجه فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسكناه المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - يحل له فيه ما يحل له -، والراية يوم خيبر) .

ضعيف جداً

أخرجه الحاكم (3/ 125) ، وابن عساكر (12/ 87/ 2) من طريق علي بن عبد الله بن جعفر المديني: حدثنا أبي: أخبرني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: بل المديني عبد الله بن جعفر؛ ضعيف". وقال في "الميزان":

 

(10/658)

 

 

"متفق على ضعفه. وقال ابن المديني: أبي ضعيف. وقال أبو حاتم: منكر الحديث جداً. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال الجوزجاني: واه. وقال ابن حبان: هو الذي روى عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً: (الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدو عدوي) ".

قلت: لكن تزوجه بفاطمة وحمله الراية؛ فمتواتر في دواوين السنة.

والحديث؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 121) . وقال:

"رواه أبو يعلى في "الكبير" (1) ؛ وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح، وهو متروك".

وأما الشيعي؛ فعزاه في حاشية (ص 149) للحاكم وأبي يعلى؛ ولم يكشف عن علته كما هي عادته! بل زاد على ذلك، فقال في صلب الكتاب بأنه:

"حديث صحيح على شرط الشيخين"!

وهذا كذب مفضوح عند كل من له علم بتراجم الرواة؛ فإن عبد الله بن جعفر هذا - مع ضعفه الشديد - لم يخرج له الشيخان.

وسهيل بن أبي صالح؛ لم يخرج له البخاري. أفلا نجعل لعنة الله على الكاذبين؟!

ومن تدليسات هذا الشيعي - إن لم نقل: من أكاذيبه -؛ قوله عطفاً على عزوه المشار إليه آنفاً:

"وأخرجه بهذا المعنى - مع قرب الألفاظ -: أحمد بن حنبل من حديث عبد الله بن عمر (ص 26) من الجزء الثاني من (مسنده) "!!

__________

(1) وهو في " المقصد العلي " (1329) ، ورمز له بـ: (كـ) ؛ يعني: في " الكبير ".

 

(10/659)

 

 

وكشفاً عن تدليسه؛ أقول:

أولاً: إن لفظ حديث ابن عمر بعيد جداً عن لفظ حديث الترجمة في الخصلة الثانية؛ فإن أحمد أخرجه في المكان الذي أشار إليه من طريق هشام بن سعد عن عمر بن أسيد عن ابن عمر قال:

كنا نقول في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رسول الله خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ... ".

قلت: فذكرها؛ إلا أنه قال في الخصلة الثانية:

"وسد الأبواب إلا بابه في المسجد".

فتأمل كم الفرق بين هذا اللفظ ولفظ الترجمة:

وسكناه المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ يحل له فيه ما يحل له؟!

هذا الفرق في اللفظ؛ فما بالك في المعنى، وهو مقصود الألفاظ؟!

ثانياً: في حديث ابن عمر هذا ما لا يؤمن به الشيعة؛ وهو أن خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر وعمر، ويجادلون في ذلك مجادلة كبيرة بالباطل، ويرتكبون في سبيل ذلك كل سهل ووعر، ويعرضون عن الأحاديث الصحيحة - كحديث ابن عمر هذا - إلى الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة - كحديث عمر هذا، وما قبله من الأحاديث وما يأتي -.

فما أشبه هذا الشيعي وأمثاله الذين يأخذون من النص ما يوافق أهواءهم، ويدعون منه ما يخالفهم، فما أشبههم بمن خاطبهم الله تعالى بقوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في

 

(10/660)

 

 

الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) !

ومن تدليساته أيضاً؛ قوله عطفاً على ما سبق:

"ورواه عن كل من عمر وابنه عبد الله؛ غير واحد من الأثبات بأسانيد مختلفة"!

فأقول: ليس له عن عمر إلا تلك الطريق الواهية، ولا عن ابن عمر إلا تلك الطريق المذكورة؛ وهي جيدة. وقال الهيثمي فيه:

"رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال (الصحيح) "!

وأقول: هشام بن سعد؛ وإن أخرج له مسلم؛ ففي حفظه ضعف يسير، وهو حسن الحديث. ولذلك حسن الحافظ ابن حجر إسناد حديثه هذا في "الفتح" (7/ 13) . لكن له شواهد كثيرة تؤيد صحة هذه الخصلة في حديث ابن عمر.

وقد جمع الحافظ بينها وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبقين في المسجد باب إلا سد؛ إلا باب أبي بكر" أخرجه البخاري، فراجعه في "فتح الباري".

4952 - (ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكن الله أخرجكم وأسكنه) .

ضعيف جداً

أخرجه الحاكم (3/ 116-117) من طريق مسلم الملائي عن خيثمة بن عبد الرحمن قال:

سمعت سعد بن مالك وقال له رجل: إن علياً يقع فيك؛ أنك تخلفت عنه، فقال سعد: والله! إنه لرأي رأيته؛ وأخطأ رأيي، إن علياً أعطي ثلاثاً؛ لأن أكون أعطيت إحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها ...

قلت: فذكر قصة غدير (خم) مختصراً؛ وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"اللهم! من كنت مولاه فعلي مولاه، وال من والاه، وعاد من عاداه"، وقصة

 

(10/661)

 

 

دعائه له من الرمد، وفتح علي خيبر، ثم قال في الثالثة:

وأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس وغيره من المسجد. فقال له العباس: تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك، وتسكن علياً؟! فقال ... فذكره.

قلت: سكت عنه الحاكم؛ وكأنه لظهور علته. وقال الذهبي في "تلخيصه":

"سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك".

وأما الشيعي؛ فقال بكل وقاحة (ص 150) :

"حديث صحيح"!

وزاد على ذلك، فقال في الحاشية - بعد أن عزاه للحاكم -:

"وهذا الحديث في صحاح السنن، وقد أخرجه غير واحد من أثبات السنة وثقاتها"!!

والحديث؛ قد روي من طريق أخرى نحوه، وقد مضى برقم (4495) .

4953 - (أما بعد؛ فإني أمرت بسد هذه الأبواب؛ إلا باب علي وقال فيه قائلكم. وإني - والله! - ما سددت شيئاً ولا فتحته؛ ولكني أمرت بشيء فاتبعته) .

ضعيف

أخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 9) ، وأحمد (4/ 369) ، ومن طريقه الحاكم (3/ 125) ، وكذا ابن عساكر (12/ 92/ 2) من طريق محمد ابن جعفر: حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم قال:

كان لنفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبواب شارعة في المسجد. قال: فقال يوماً:

"سدوا هذه الأبواب إلا باب علي". قال: فتكلم في ذلك الناس. قال: فقام

 

(10/662)

 

 

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

وأما الذهبي؛ فلم يوافقه ولا خالفه، كما هي عادته؛ وإنما قال:

"رواه عوف عن ميمون أبي عبد الله"!

قلت: ولعله لم يكن مستحضراً لحال ميمون هذا، أو لم يعرفه؛ لأن في طبقته جماعة؛ كل منهم يسمى ميموناً، فأشار الذهبي إلى أن راوي هذا الحديث إنما هو ميمون الذي روى عنه عوف.

والواقع: أن ميموناً هذا: هو أبو عبد الله البصري الكندي - ويقال: القرشي - مولى ابن سمرة، فهو الذي روى عنه عوف الأعرابي؛ كما روى عنه غيره.

وقد اتفقوا على تضعيفه؛ غير أن ابن حبان أورده في كتابه "الثقات". وقال:

"كان يحيى القطان سيىء الرأي فيه".

قلت: وكذلك كل من تكلم فيه، كان سيىء الرأي فيه؛ ومنهم الإمام أحمد، فقد قال فيه:

"أحاديثه مناكير". ولذلك قال الحافظ في "التقريب":

"ضعيف".

قلت: فيتعجب من توثيقه إياه في قوله في "الفتح" (7/ 13) :

"أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، ورجاله ثقات" (1) !!

__________

(1) ونحوه قول السيوطي في " اللآلئ " (1/180) : " وثقه غير واحد، وتكلم بعضهم في حفظه "! فإنه لم يوثقه إلا ابن حبان، كما تقدم.

 

(10/663)

 

 

ولقد كان شيخه الهيثمي أقرب إلى الصواب منه؛ حين قال في "المجمع" (9/ 114) :

"رواه أحمد، وفيه ميمون أبو عبد الله؛ وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة".

وأخرجه العقيلي في ترجمته من "الضعفاء" (414) ؛ لكن من طريق المعتمر عن عوف به. وقال:

"وقد روي من طريق أصلح من هذا، وفيها لين أيضاً".

قلت: لعله يشير إلى حديث إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه؛ الذي سبق تخريجه والكلام عليه تحت الحديث (4495) .

وقد اختلف على ميمون في إسناده: فرواه محمد بن جعفر والمعتمر عن عوف عنه هكذا.

وخالفهما أبو الأشهب فقال: أخبرنا عوف عن ميمون عن البراء به.

أخرجه ابن عساكر عقب حديثه عن زيد بن أرقم.

وخالف كثير النواء؛ فقال: عن ميمون أبي عبد الله عن ابن عباس به نحوه.

لكن كثيراً هذا ضعيف، وكذا بعض من دونه؛ كما تقدم بيانه عند الرقم المشار إليه آنفاً.

ومع ذلك؛ فإني لا أستبعد أن يكون هذا الاضطراب في إسناده ليس هو ممن دون ميمون هذا، لا سيما من الوجهين الأولين، وإنما هو من ميمون نفسه؛ الأمر الذي يدل على ضعفه وقلة ضبطه. والله أعلم.

والحديث؛ رواه معلى بن عبد الرحمن: حدثنا شعبة عن أبي بلج عن مصعب ابن سعد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

 

(10/664)

 

 

"سدوا عني كل خوخة في المسجد؛ إلا خوخة علي".

أخرجه البزار (3/ 195/ 2551) ، وقال:

"لا يروى عن سعد إلا من هذا الطريق، وأخطأ معلى فيه؛ لأن شعبة وأبا عوانة يرويانه عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس، وهو الصواب".

قلت: تقدم تخريجه تحت الحديث (2929) ، وأنه جيد. وقوله في حديث سعد:

"لا يروى إلا من هذا الطريق"! إنما هو بالنسبة لما وقع له؛ وإلا فقد أخرجه النسائي (2/ 40 و 41) ، وأحمد (1/ 175) من طريق أخرى عنه. وقال الحافظ في "الفتح" (7/ 14) :

"وإسناده قوي".

4954 - (إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده لهارون وذريته، وإني سألت الله أن يطهر مسجدي لك ولذريتك من بعدك) .

موضوع

أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 179 - لآلىء) بسنده، عن الحسن بن عبيد الله الأبزاري: حدثنا إبراهيم بن سعيد عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي ... فذكره. وقال:

"باطل. من عمل الأبزاري".

قلت: ويقال فيه: (الحسين) مصغراً، وله ترجمة في "الميزان" و "اللسان"، وذكرا له حديثاً آخر من أكاذيبه.

 

(10/665)

 

 

4955 - (إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون، وإني سألت ربي أن يطهر مسجدي بك وبذريتك) .

ضعيف جداً

أخرجه البزار (ص 268 - زوائد) من طريق عبيد الله بن موسى: حدثنا أبو ميمونة عن عيسى الملائي عن علي بن حسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال:

أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال ... فذكره. ثم أرسل إلى أبي بكر؛ أن: "سد بابك". فاسترجع، ثم قال: سمعاً وطاعة، فسد بابه. ثم أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي؛ ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم". وقال البزار:

"أبو ميمونة مجهول. وعيسى الملائي لا نعلم روى إلا هذا" (1) .

قلت: عيسى الملائي؛ قال أبو الفتح الأزدي:

"تركوه"؛ كما في "الميزان" و "اللسان".

وأما أبو ميمونة؛ فقد أغفلوه، وهو غير أبي ميمونة الفارسي المدني؛ فإنه دون هذا في الطبقة؛ لأن الفارسي تابعي يروي عن أبي هريرة وغيره.

وكأن الهيثمي أشار إليه بقوله في "المجمع" (9/ 115) :

"رواه البزار، وفي إسناده من لم أعرفه".

__________

(1) في الأصل بياض؛ أتممته من " اللآلئ " (1/181)

 

(10/666)

 

 

4956 - (ما بال أقوام يتنقصون علياً؟! من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)) .

ضعيف جداً

أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 128) من حديث بريدة. قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال:

"إن اجتمعتما فعلي على الناس". فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها؛ فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صنع. فقدمت المدينة ودخلت المسجد؛ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزله، وناس من أصحابه على بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً! فتح الله على المسلمين. فقالوا: ما أقدمك؟ قلت: جارية أخذها على من الخمس، فجئت لأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقالوا: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه يسقط من عين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال ... فذكره.

"يا بريدة! أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم بعدي؟! ". فقلت: يا رسول الله! بالصحبة، إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً. قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام. وقال الهيثمي:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه جماعة لم أعرفهم، وحسين الأشقر؛ ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان".

قلت: قال في "الميزان":

 

(10/667)

 

 

"قال خ: فيه نظر. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال الجوزجاني: غال شتام للخيرة ... وأما ابن حبان؛ فذكره في (الثقات) ".

وأقول: إن قصة بريدة هذه مع علي؛ وردت عنه من طرق: عند النسائي في "الخصائص" (ص 15-16) ، وأحمد (5/ 347،350،350-351،356،359) ، وابن عساكر (12/ 105/ 2-108/ 1) من طرق عنه بعضها صحيح، وليس في شيء منها حديث الترجمة.

نعم؛ في بعضها قصة الجارية، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في آخرها:

"فإن له في الخمس أكثر من ذلك".

(تنبيه) : قال الشيعي في "مراجعاته" (ص 155-156) - بعد أن ساق الحديث من طريق الطبراني هذه -:

"وهذا الحديث مما لا ريب في صدوره، وطرقه إلى بريدة كثيرة، وهي معتبرة بأسرها"!

فأقول: وهذا كذب مكشوف، فمن أين لهذه الطريق الاعتبار؛ وفيها ما عرفت من جهالة جماعة من رواته، وضعف حسين الأشقر مع تشيعه؟!

وهب أن هذا مرضي عنه عند الشيعي؛ فهل الجماعة من الشيعة أيضاً على جهالتهم؟!

ثم إنه إن كان يعني أنه لا ريب في صدوره من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو التقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحسبه قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين".

وكيف لا يرى أن هذا الحديث كذب؛ مع تفرد أولئك المجهولين وذاك الشيعي

 

(10/668)

 

 

الضعيف به، دون سائر الرواة الثقات وغيرهم كما سبق بيانه؟! فصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول:

"إذا لم تستحي؛ فاصنع ما شئت".

4957 - (سألت الله فيك خمساً، فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة: سألته فأعطاني فيك أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة. وأنت معي؛ معك لواء الحمد، وأنت تحمله. وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي) .

موضوع

أخرجه الخطيب في ترجمة أحمد بن غالب بن الأجلح أبي العباس من "تاريخه" (4/ 338-339) بروايته عن محمد بن يحيى بن الضريس: حدثنا عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب: حدثني أبي عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب مرفوعاً.

قلت: ولم يذكر في ترجمته جرحاً ولا تعديلاً.

لكن الآفة من عيسى هذا؛ قال الدارقطني:

"متروك الحديث". وقال ابن حبان:

"يروي عن آبائه أشياء موضوعة". وقال أبو نعيم:

"روى عن آبائه أحاديث مناكير، لا يكتب حديثه، لا شيء".

قلت: وساق له ابن عدي (ق 295/ 1) جملة من مثل هذا الحديث، وقال:

"وله غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".

 

(10/669)

 

 

قلت: وأورده ابن عراق في (الوضاعين والكذابين) الذين ساق أسماءهم في فصل خاص في أول كتابه (1/ 17-133) .

وإن مما يؤكد ذلك؛ قوله في هذا الحديث:

"أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة"!

فإن هذا من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده؛ كما جاء في "الصحيحين" وغيرهما؛ من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسواهما (1) .

فجاء هذا الكذاب، فجعله من خصوصيات علي رضي الله عنه. فقبح الله الوضاعين، وقبح معهم من يذيع أكاذيبهم، ويسود الكتب بها!

(تنبيه) : أورد الشيعي هذا الحديث محتجاً به في "مراجعاته" دون أي تخريج؛ اللهم إلا أنه ذكر أنه من أحاديث "الكنز" (ص 396 جزء 6) !

واقتصاره على هذا فقط: من تدليساته التي لا تتناهى، ولا يمكن للقارىء - بل لأكثر القراء - أن يكتشفوا سرها؛ فإن من عادته أن يخرج الحديث بعزوه إلى بعض أئمة الحديث غالباً؛ كأن يقول: رواه أحمد والطبراني و ... ، ثم يذكر المصدر الذي نقل ذلك منه كـ "الكنز" مثلاً؛ وهو الغالب عليه، فلماذا لم ينقل عنه مخرج هذا الحديث؟!

ذلك؛ لأنه لو فعل لانفضح أمره، ذلك؛ أن "الكنز" قال في الموضع الذي أشار إليه الشيعي نفسه:

"رواه ابن الجوزي في (الواهيات) ".

__________

(1) انظر تخريجي على " شرح العقيدة الطحاوية " (ص 107، 108، 405) ، و " مختصري لـ " العلو للعلي العظيم " للذهبي (61) .

 

(10/670)

 

 

قلت: وكل من شم رائحة الحديث، وعلم الكتب المصنفة فيه؛ يعلم أن "الواهيات" كتاب لابن الجوزي خصه بالأحاديث الواهية والمنكرة، التي لم تبلغ عنده دركة الوضع، وهذا غالبي، فكثيراً ما يورد فيه بعض الموضوعات أيضاً، كما نبه على ذلك الحفاظ.

وعليه؛ فعزو الحديث إلى "الواهيات" تضعيف له؛ من أجل ذلك لم ينقل الشيعي عن "الكنز" رواية ابن الجوزي له في "الواهيات"!!

وقد يقول قائل: لعل الشيعي لا يعلم موضوع كتاب "الواهيات"؛ فلا يلزم أن نسيء الظن به، ونجزم أنه تعمد ترك عزو الحديث إليه لما ذكرت!

فأقول: إني أستبعد ذلك عنه، ولئن سلمنا به؛ فقد خلصناه من إساءة الظن به وألصقنا به الجهل؛ بما يترفع عنه المبتدئون في هذا العلم، فسواء كان هذا أو ذاك؛ فأحلاهما مر!

ولقد ذكرني هذا الجهل المنسوب للشيعي بقصة طريفة تروى؛ خلاصتها: أن خطيباً في بعض القرى ذكر حديثاً في خطبته؛ قال عقبه:

"رواه ابن الجوزي في (الموضوعات) "!!

4958 - (اللهم! إن أخي موسى سألك؛ (قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيراً من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيراً. ونذكرك كثيراً. إنك كنت بنا بصيراً) . فأوحيت إليه: (قد أوتيت سؤلك يا موسى) . اللهم! وإني عبدك

 

(10/671)

 

 

ونبيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به ظهري) .

موضوع

أورده الشيعي في "مراجعاته" (ص 161) من رواية الثعلبي في "تفسيره" بالإسناد إلى أبي ذر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهاتين - وإلا صمتا - ورأيته بهاتين - وإلا عميتا - يقول:

"علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله".

أما إني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فسأل سائل في المسجد؛ فلم يعطه أحد شيئاً، وكان علي راكعاً، فأومأ بخنصره إليه - وكان يتختم بها -، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، فتضرع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل يدعوه، فقال ... فذكره. قال أبو ذر: فوالله! ما استتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلمة؛ حتى هبط عليه الأمين جبريل بهذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) .

قلت: وسكت الشيعي عن إسناده كعادته، بل أخذ يوهم القراء بأنه صحيح، وذلك بأن نقل ترجمة الثعلبي عن ابن خلكان؛ الذي نقل عن بعضهم أنه قال فيه:

"صحيح النقل، موثوق به"!

فيتوهم من لا علم عنده؛ أن هذا معناه أن كل ما ينقله من الأحاديث صحيح في ذاته! وليس الأمر كذلك، كما يعلمه عامة المشتغلين بهذا العلم الشريف، وإنما المراد أنه لا ينقل إلا ما سمعه، وأنه ثقة في روايته ما سمع، كغيره من الحفاظ.

 

(10/672)

 

 

وأما كون ما روى صحيحاً في نفسه أو لا؛ فهذا أمر يعود إلى النظر في إسناده الذي روى الحديث به؛ فإن صح فبها؛ وإلا فإن مجرد روايته إياه لا تكون تصحيحاً له؛ كما لا يخفى، شأنه في ذلك شأن كل أئمة الحديث الذين لم يتقيدوا برواية الصحيح فقط.

وكم من حديث رواه الثعلبي هذا، وهو مطعون فيه عند العلماء، ومنه حديث الترجمة هذا؛ فقد قال الحافظ ابن حجر - بعد أن ضعف الحديث من طريق أخرى في نزول الآية المذكورة في علي، كما تقدم برقم (4921) -؛ قال الحافظ (ص 56-57 ج4) :

"ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولاً، وإسناده ساقط".

ومضى كلام شيخ الإسلام مفصلاً في إبطاله تحت الحديث (4921) .

وقد حكم ابن عدي بوضع الطرف الأول منه من رواية أخرى.

وكذلك الذهبي، بل حلف بالله على وضعه! وقد سبق تخريجها برقم (357) .

4959 - (أيها الناس! إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني؛ حتى خيل إلي أنه ليس شجرة أبغض إلي من شجرة تليني؛ لكن علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه؛ رضي الله عنه كما أنا عنه راض؛ فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً) .

منكر

أخرجه ابن عساكر (12/ 116/ 1-2) من طريق عبد الله بن صالح: أخبرنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة وابن هبيرة عن قبيصة بن ذؤيب وأبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال:

 

(10/673)

 

 

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حتى نزل (خم) (1) ؛ فتنحى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق على النبي - صلى الله عليه وسلم - تأخر الناس عنه، فأمر علياً فجمعهم. فلما اجتمعوا قام فيهم، وهو متوسد على علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال ... فذكره. ثم قال:

"من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم! وال من والاه، وعاد من عاداه". وابتدر الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يبكون ويتضرعون إليه، ويقولون: يا رسول الله! إنما تنحينا؛ كراهية أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله! فرضي عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك. فقال أبو بكر: يا رسول الله! استغفر لنا جميعاً. فقال لهم:

"أبشروا؛ فوالذي نفسي بيده! ليدخلن الجنة من أصحابي سبعون ألفاً بغير حساب، ومع كل ألف سبعون ألفاً، ومن بعدهم مثلهم أضعافاً". قال أبو بكر: يا رسول الله! زدنا - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موضع رمل -. فحفن بيديه من ذلك الرمل ملء كفيه، ثم قال:

"هكذا". قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله! ففعل مثل ذلك ثلاث مرات. فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله! فقال عمر: ومن يدخل النار بعد الذي سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعد ثلاث حنفات من الرمل من الله؟! فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقال: "والذي نفسي بيده! ما يفي بهذا أمتي حتى يوفى عدتهم من الأعراب".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ ابن لهيعة.

ونحوه عبد الله بن صالح.

والمتن منكر.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " الصحيحة " (1750) "، وسيشير إليه الشيخ بعد قليل. (الناشر)

 

(10/674)

 

 

وحديث غدير (خم) صحيح؛ قد جاء من طرق صحاح ليس فيها هذا المتن، ولا التنحي، ولا الشفاعة.

وقد ذكر الشيعي في "مراجعاته" (ص 172) نقلاً عن "صواعق ابن حجر": أن ابن السماك أخرج عن أبي بكر مرفوعاً:

"علي مني بمنزلتي من ربي". وسكت عنه كعادته! وما وقفت على إسناده، وما إخاله يصح، والمعروف - ولا يصح - بلفظ:

".. بمنزلة رأسي من بدني".

وقد مضى (3914) ، ولعله محرف منه!

4960 - (والذي نفسي بيده! فليقيموا الصلاة، وليؤتوا الزكاة، أو لأبعثن إليهم رجلاً مني - أو كنفسي -؛ فليضربن أعناق مقاتليهم، وليسبين ذراريهم. فأخذ بيد علي فقال: هذا هو) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (1/ 244) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن طلحة عن المطلب بن عبد الله عن مصعب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف قال:

لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة؛ انصرف إلى الطائف فحاصرها تسع عشرة أو ثمان عشرة لم يفتحها، ثم أوغل روحة أو غدوة، [نزل] ، ثم هجر؛ فقال:

"أيها الناس! إني فرط لكم، وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده ... ". قال:

فرأى الناس أنه أبو بكر أو عمر؛ فأخذ ...

 

(10/675)

 

 

ومن طريق عبيد الله بن موسى: أخرجه البزار (3/ 223-224) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ طلحة هذا: هو ابن جبر؛ أورده ابن أبي حاتم (2/ 1/ 480) ، وروى عن ابن معين أنه قال فيه:

"لا شيء". وزاد في "الميزان":

"وقال مرة: ثقة. وهاه الجوزجاني فقال: غير ثقة". زاد في "اللسان":

"وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الطبري: لا تثبت بنقله حجة".

قلت: والمطلب بن عبد الله صدوق، لكنه كثير التدليس والإرسال، كما قال الحافظ، وقد أرسله في رواية كما يأتي.

وشيخه مصعب بن عبد الرحمن - وهو ابن عوف - غير معروف، وقد أورده ابن أبي حاتم (4/ 303/ 1) برواية المطلب هذا عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأما قول الهيثمي (9/ 134) :

"رواه أبو يعلى، وفيه طلحة بن جبر؛ وثقه ابن معين في رواية، وضعفه الجوزجاني؛ وبقية رجاله ثقات"!

وأورده في موضع آخر (9/ 163) ، فقال:

"رواه البزار (1) ، وفيه طلحة بن جبر، وهو ضعيف"!

فأقول: الظاهر أن مصعباً هذا أورده ابن حبان في "الثقات"؛ فاعتمده الهيثمي، وهذا ليس بجيد؛ لما عرف من تساهل ابن حبان في التوثيق! على أن كتاب "الثقات" لا تطوله يدي الآن للتحقق من ورود مصعب فيه.

__________

(1) وهو فيه برقم (2618 - كشف) . (الناشر)

 

(10/676)

 

 

ثم رأيته فيه (5/ 411) ، وقال:

"روى عنه أهل المدينة. قتل يوم الحرة سنة (63) ، وكان على قضاء مكة".

وقد خولف ابن جبر في إسناده ومتنه، فقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/ 1109-1110) :

"وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوفد ثقيف حين جاءه:

"لتسلمن أو لأبعثن رجلاً مني - أو قال: مثل نفسي -؛ فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم". قال عمر: فوالله! ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب صدري له؛ رجاء أن يقول: هو هذا. قال: فالتفت إلى علي رضي الله عنه؛ فأخذ بيده ثم قال:

"هو هذا".

قلت: وهذا إسناد صحيح؛ ولكنه مرسل.

وإني لأستنكر منه قوله: "قال عمر: فوالله.... رجاء أن يقول: هو هذا".

فإن هذا إنما قاله عمر يوم خيبر؛ حين قال - صلى الله عليه وسلم -:

"لأعطين الراية ... "؛ قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، قال: فتساورت لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب ... الحديث.

رواه مسلم (7/ 121) من حديث أبي هريرة.

ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى؛ من رواية يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيغ عن أبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

 

(10/677)

 

 

"لينتهين بنو ربيعة؛ أو لأبعثن عليهم رجلاً كنفسي، ينفذ فيهم أمري؛ فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية".

فما راعني إلا وكف عمر في حجزي من خلفي: من يعني؟ قلت: إياك يعني وصاحبك؟! قال: فمن يعني؟ قلت: خاصف النعل قال: وعلي يخصف النعل.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن أبا إسحاق - وهو السبيعي - مدلس، وكان اختلط، وابنه يونس روى عنه بعد اختلاطه.

(تنبيه) : حديث الترجمة؛ عزاه في "الكنز" (6/ 405) لابن أبي شيبة، وقد رأيت أن أبا يعلى قد أخرجه من طريقه، فعرفنا بواسطته إسناده الذي تمكنا به معرفة ضعف الحديث وعلته. فالحمد لله على توفيقه.

ثم رأيته في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/ 85/ 12186) .

ورواه (12/ 68/ 12142) مختصراً عن شريك عن عياش العامري عن عبد الله ابن شداد قال:

قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد أبي سرح من اليمن، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر نحوه.

وهذا مرسل ضعيف.

4961 - (يا أيها الناس! إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني موشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله،

 

(10/678)

 

 

وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم! اشهد. ثم قال:

أيها الناس! إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني: علياً رضي الله عنه -. اللهم! وال من ولاه. وعاد من عاداه. ثم قال:

يا أيها الناس! إني فرطكم، وإنكم واردون علي الحوض: حوض ما بين بصري إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة. وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين؛ فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر: كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به؛ لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي؛ فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضا حتى يردا علي الحوض".

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 149/ 2) ، وابن عساكر (12/ 114/ 1-2) عن زيد بن الحسن الأنماطي: أخبرنا معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:

لما صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع؛ نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهن، فقم ما تحتهن من الشوك، وعمد إليهن فصلى تحتهن، ثم قام فقال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل الأنماطي هذا؛ قال أبو حاتم:

 

(10/679)

 

 

"منكر الحديث".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"!

ولم يعبأ به الحافظ؛ فقال في "التقريب":

"ضعيف".

والحديث؛ أورده الهيثمي (9/ 164-165) من رواية الطبراني بهذا التمام من حديث حذيفة بن أسيد، وأعله بالأنماطي هذا؛ إلا أنه حكى قول أبي حاتم وابن حبان فيه.

وأما الشيعي؛ فقد صدر الحديث بقوله (ص 187) :

"أخرج الطبراني وغيره بسند مجمع على صحته عن زيد بن أرقم قال ... " فذكره بتمامه؛ إلا أنه اختصر كلمات من أوله.

قلت: وفي كلام الشيعي هذا على قصره خطيئتان - ولا أقول: خطآن -:

الأولى: قوله: "بسند مجمع على صحته"! فهذا كذب بواح؛ فإن مثل هذه الدعوى لا يمكن إثباتها حتى من عالم ثقة متخصص في علم الحديث، فكيف ومدعيها ليس في العير ولا في النفير؟! بل هو ممن بلونا منه الكذب الكثير، كما سبق بيانه مراراً.

ومن الدليل على ذلك: أنه لما أراد أن يثبت هذه الدعوى الكاذبة في الحاشية؛ لم يزد على أن أضاف إليها دعوى كاذبة أخرى، فقال:

"صرح بصحته غير واحد من الأعلام؛ حتى اعترف بذلك ابن حجر.. في الصواعق ص 25"!

 

(10/680)

 

 

قلت: فلم يستطع أن ينقل عن أحد صحته إلا ابن حجر المذكور، وليس هو الحافظ العسقلاني، وإنما هو الهيتمي الفقيه. ومع الأسف؛ فقد صرح هذا في الكتاب المذكور بأن سند الطبراني صحيح!

وهذا لا يقبل من مثله؛ لأنه ليس من أهل المعرفة بالتصحيح والتضعيف، لا سيما وفيه ذلك الأنماطي الذي جزم العسقلاني - كما سبق - بأنه ضعيف، فأنى لإسناده الصحة، بل الإجماع عليها؟!

والأخرى: جعله الحديث من رواية زيد بن أرقم، وإنما هو من رواية حذيفة ابن أسيد كما رأيت! والظاهر أنه تعمد تغيير صحابي الحديث تضليلاً؛ فإنه يفعل مثله أو نحوه كثيراً! عامله الله بما يستحق!

واعلم أن الكلام إنما هو في خصوص هذا الإسناد الذي جاء بهذا السياق، فلا يعترضن أحد علينا بأن حديث (الغدير) قد جاء من طرق كثيرة؛ فهو صحيح قطعاً! فإننا نقول:

نعم؛ هو صحيح في الجملة؛ إلا أن طرقها تختلف متونها اختلافاً كثيراً، فما اتفقت عليه من المتن فهو صحيح، ومن ذلك قوله:

"من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم! وال من ولاه وعاد من عاداه". وله طرق صحيحة قد كنت جمعت قسماً كبيراً منها في "الصحيحة" (1750) .

وما اختلف عليه منه؛ فالمرجع حينئذ إلى الإسناد؛ فإن صح فبها، وإن لم يصح فلا.

ولا يجوز حينئذ تصحيح هذا النوع - كما يفعل الشيعي - بالنوع الأول، كما هو ظاهر لا يخفى على أولي النهى؛ فإن أهل الأهواء كثيراً ما يستغلون الحديث

 

(10/681)

 

 

الضعيف إسناده؛ لأن له سياقاً خاصاً لم يرد في الأسانيد الصحيحة، ثم يزعمون أن الحديث صحيح، ويعنون أصله، وهم يستدلون بذلك على السياق الخاص!!

ثم اعلم أن الحديث؛ قد روى مسلم (7/ 122-123) من طريق أخرى طرفاً منه من حديث يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال:

قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فينا خطيباً بماء يدعى: (خماً) - بين مكة والمدينة - فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر؛ ثم قال:

"أما بعد: ألا أيها الناس؛ فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين؛ أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به". فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:

"وأهل بيتي؛ أذكركم الله في أهل بيتي؛ أذكركم الله أهل بيتي" (ثلاثاً) .

وهكذا أخرجه أحمد (5/ 366-367) .

وأخرجه النسائي في "الخصائص" (ص 15) ، والحاكم (3/ 109) من طريق الأعمش: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد به نحوه، وزاد:

"فانظروا كيف تخلفوني فيهما؛ فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". ثم قال:

"إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن". ثم إنه أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال:

"من كنت وليه فهذا وليه، اللهم! وال من والاه، وعاد من عاداه". وزاد الحاكم:

 

(10/682)

 

 

"فذكر الحديث بطوله". وقال:

"صحيح على شرط الشيخين"! وسكت عنه الذهبي!

وأقول: هو كما قال؛ لولا أن حبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد عنعنه.

وقد اختلف عليه في إسناده: فروي عنه هكذا.

وروي عنه عن زيد بن أرقم به دون قوله:

"إن الله مولاي ... " إلخ.

أخرجه الترمذي من طريق الأعمش أيضاً عن عطية عن أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد به ... فأسقط من بينهما أبا الطفيل.

أخرجه الترمذي (2/ 308) . وقال:

"حسن غريب".

وأخرجه أحمد (3/ 17،26) من هذا الوجه بأتم منه.

وقول الشيعي (ص 20) أنه أخرجه من طريقين ... من أكاذيبه!

ثم أخرجه الحاكم (3/ 533) من طريق كامل أبي العلاء: سمعت حبيب ابن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال:

خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حتى انتهينا إلى غدير (خم) ، فأمر بروح، فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:

"يا أيها الناس! إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب

 

(10/683)

 

 

الله عز وجل"، ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال:

"يا أيها الناس! من أولى بأنفسكم؟! " قالوا: الله ورسوله أعلم! قال:

"من كنت مولاه؛ فعلي مولاه". وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

وأقول: وهو كما قالا؛ لولا عنعنة حبيب.

على أن كاملاً أبا العلاء - وإن كان من رجال مسلم -؛ ففي حفظه ضعف، كما أشار إلى ذلك الحافظ بقوله:

"صدوق يخطىء".

فمخالفة مثله للأعمش مما يتوقف فيه.

على أن حديثه في الجملة - أو غالبه - صحيح؛ لأنه ثابت في الطرق والأحاديث الأخرى؛ إلا ما يتعلق بالبعث؛ فعندي فيه وقفة الآن؛ فإن جاء له شاهد معتبر به تقوى به.

وقد جاء هذا في حديث زيد هذا من رواية الطبراني، ساقه الهيثمي (9/ 163-164) بأتم من رواية الحاكم؛ إلا أنه أعله بأن فيه حكيم بن جبير؛ وهو ضعيف. وقد نقلت عنه فيما تقدم طرفاً منه (رقم: 4914) .

(تنبيه) : يكشف لك هذا التخريج أن حديث الغدير قد اختلف رواته - قبل مخرجيه من الأئمة - في سياقه؛ فمنهم المطول، ومنهم المختصر.

فمن جنف الشيعي وحيفه وطغيانه وحقده على أئمة السنة؛ قوله - بعد أن ساق بعض الروايات فيه - ومنها رواية النسائي عن زيد -؛ قال (ص 190) :

 

(10/684)

 

 

"وهذا الحديث؛ أخرجه مسلم من عدة طرق (1) عن زيد بن أرقم، لكنه اختصره فبعثره - وكذلك يفعلون -"!!

كذا قال! فض الله فاه! ما أقل حياءه! فما الذي حمله على اتهام الإمام مسلم بأنه هو الذي اختصره - إن كان هناك اختصار مقصود - دون من فوقه من رواته؟! وكيف يصح اتهامه إياه بذلك، وهذا الإمام أحمد قد رواه أيضاً مثل روايته مختصراً؟!

ثم ماذا يقول عن النسائي وغيره ممن أخرج الحديث من طرق أخرى؛ يزيد بعضهم على بعض، وينقص بعضهم عن بعض، وخصوصاً الترمذي في روايته، أكل هؤلاء اختصروا الحديث وبتروه؟!

بل ماذا يقول هذا الشيعي الجائر في صنيع الحاكم نفسه - وهو المتهم بالتشيع الصريح - بأنه اختصر الحديث بقوله المتقدم:

".. فذكر الحديث بطوله"؟!

أليس الحاكم هو الأولى بأن يتهم باختصار الحديث من مسلم، لو كان الاختصار تهمة؟! ولكن صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

ومن تقادير الله اللطيفة: أنه كشف عن أن الأمر الذي اتهم الشيعي الإمام مسلماً به: إنما هو صنيع الشيعي نفسه، فهو الذي يختصر الروايات ويبترها؛ لهوى في نفسه؛ فإنه - بعد أن صعن في الإمام تلك الطعنة الفاشلة - قال:

__________

(1) قلت: وقوله: " من عدة طرق "! من أكاذيبه الكثيرة؛ فإنه لم يروه إلا من طريق يزيد ابنُ حبان كما تقدم؛ وكذلك أحمد. ويأتي بيان كذبة أخرى من هذا القبيل قريباً.

 

(10/685)

 

 

"وعن سعد أيضاً قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغ غدير (خم) ؛ وقف للناس ... ".

قلت: فذكر الحديث؛ وهو صحيح المتن ضعيف السند؛ لأن فيه راوياً فيه جهالة. ومع ذلك فقد وقع في سياقه ما يدل على ضعف راويه، وهو قوله في أوله:

كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلما بلغ ... الحديث (1) .

هكذا نصه عند مخرجه النسائي الذي عزاه الشيعي إليه. ومع ذلك؛ حذف منه قوله:

بطريق مكة وهو متوجه إليها! دون أن ينبه على ذلك؛ لأنه لو فعل خشي أن يتسرب إلى بعض القراء الشك في صحة أصل الحديث! ولكنه لجهله بهذا العلم؛ لا يستطيع أن يدفع الشك المشار إليه بمثل أن يقال: أصل الحديث صحيح!

وأما قوله: وهو متوجه إليها ... فهو خطأ من بعض رواته؛ لأن الطرق الأخرى في حديث زيد وغيره متفقة على أن ذلك كان مرجعه من حجة الوداع. وقد ذكر الشيعي نفسه بعض الروايات في ذلك (ص 188،189) .

وبهذا يتبين أنه قد صدق في الشيعي المثل السائر: (رمتني بدائها وانسلت) !!

واعلم أن من الاستغلال الذي أشرت إليه فيما سبق: أن حديث الغدير؛ أورده الشيعي (190) من رواية الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب من طريقين - كذا قال -، فذكره، وزاد - بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وعاد من عاداه" -:

قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب! أصبحت

__________

(1) عزاه الشيعي لـ " خصائص النسائي ".وقد رواه ابن عساكر أيضاً (12/155/1 - 2) .

 

(10/686)

 

 

وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة!!

قلت: ليس في حديث البراء هذا زيادة أخرى على الأحاديث الأخرى التي ساقها الشيعي، فهو إنما ساقه من حديثه من أجل هذه الزيادة!

وهي مما لا يصح في حديث الغدير الصحيح؛ فإن الإمام أحمد أخرجه في الصفحة التي ذكرها الشيعي نفسه (4/ 281) من طريق حماد بن سلمة: أنبأنا علي ابن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به.

قلت: وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف؛ كما تقدم مراراً.

ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر أيضاً (12/ 114/ 2) ، وكذا ابن ماجه (116) ؛ ولكنه لم يذكر هذه الزيادة.

ولعله تعمد حذفها إشارة منه إلى نكارتها؛ لتفرد ابن جدعان بها في هذه الطريق.

نعم؛ تابعه عليها - عند ابن عساكر - أبو هارون العبد ي.

ولكنه شر منه؛ فإنه متهم بالكذب.

ومما يؤكد نكارة هذه الزيادة: ما رواه أبو إسحاق عن البراء وزيد بن أرقم قالا ... الحديث دون الزيادة.

أخرجه ابن شاهين في "السنة" (رقم 12 - منسوختي) ، وابن عساكر (12/ 115/ 1) .

(تنبيه) : قول الشعي فيما تقدم:

إن الحديث رواه أحمد من طريقين عن البراء بن عازب!

 

(10/687)

 

 

فهو من أكاذيبه التي لا تتناهى؛ فإنما هو عنده من طريق ابن جدعان فقط؛ كما سبق.

قلت: ومن ذلك الاستغلال؛ قول الشيعي (ص 195) :

"ورب قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب الشهادة؛ كأنس بن مالك"!!

قلت: يشير بالشهادة إلى مناشدة علي رضي الله عنه من سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم غدير (خم) ما قال، فقام جمع فشهدوا، فزعم الشيعي - عامله الله بما يستحق - أن أنساً رضي الله عنه أقعده البغض عن القيام بتلك الشهادة!!

وكذب عدو الله! فما كان لأنس - وهو الذي خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، ودعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيراً - أن يكتم الشهادة!

والشيعي - في زعمه الكاذب هذا - إنما استدل عليه بروايتين:

الأولى: وعم أن علياً رضي الله عنه قال لأنس: ما لك لا تقوم مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتشهد بما سمعته يؤمئذ منه؟! فقال: يا أمير المؤمنين! كبرت سني ونسيت. فقال علي: إن كنت كاذباً؛ فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة! فما قام حتى ابيض وجهه برصاً. فكان بعد ذلك يقول: أصابتني دعوة العبد الصالح.

قلت: وهذه رواية شيعية تقطر فرية وإثماً! وهي من رواياتهم الكثيرة التي لا سنام لها ولا خطام، والشيعي نفسه لم ينسبها إلى أي مرجع من مراجع السنة.

أما من كتب أهل السنة؛ فلأنه لا أصل لها في شيء منها.

وأما من كتب الشيعة؛ فكأنه لم يعزه إلى شيء منها؛ لعلمه بأن عزو مثل هذه الرواية إلى كتاب إنما هو فضيحة لها!

 

(10/688)

 

 

وعلى كل حال؛ فليس الشاهد فيها؛ وإنما في الرواية السنية الآتية:

الثانية: قال:

"ويشهد لها ما أخرجه الإمام أحمد في آخر (ص 119) من الجزء الأول من "مسنده"؛ حيث قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا؛ فأصابتهم دعوته"!!

فأقول: والجواب من وجوه:

الأول: أن عزوها للإمام أحمد خطأ؛ سببه الجهل بكتب السنة؛ فإن الشيعي يظن أن كل ما في "مسند أحمد" هو من روايته، وليس الأمر كذلك عند أهل العلم، وليس هذا مجال بسط ذلك؛ وإنما هي من رواية ابنه عبد الله عن غير أبيه؛ فقد قال عبد الله في "مسند أبيه" - في المكان الذي أشار إليه الشيعي -: حدثنا أحمد ابن عمر الوكيعي: حدثنا زيد بن الحباب: حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي: حدثني سماك بن عبيد بن الوليد العنسي قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني:

أنه شهد علياً رضي الله عنه في الرحبة قال: أنشد الله ...

قلت: فذكر ما أشرنا إليه آنفاً؛ وزاد في آخره:

"وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقام (كذا) إلا ثلاثة لم يقوموا؛ فدعا عليهم؛ فأصابتهم دعوته"!

الثاني: أن الاحتجاج بهذه الزيادة التي في آخر هذه الرواية؛ إنما يجوز إذا كان إسنادها ثابتاً؛ وهيهات هيهات؛ فإن فيه - كما رأيت - الوليد بن عقبة بن نزار العنسي؛ وهو مجهول كما قال الحافظ. وقال الذهبي:

"لا يعرف".

 

(10/689)

 

 

وقد خالفه يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به دون هذه الزيادة.

وخالفه كل من روى قصة المناشدة هذه عن علي رضي الله عنه؛ وهم جمع من التابعين: عند أحمد (1/ 84،118،119) ، والنسائي (ص 16،17،18،29) ، وابن عساكر (12/ 110/ 2-113/ 1) ؛ كل هؤلاء لم يذكروا الزيادة المتضمنة للاستثناء.

الثالث: هب أن الاستثناء المشار إليه ثابت في القصة؛ فليس فيه تسمية الثلاثة الذين لم يقوموا؛ فأصابتهم دعوة علي رضي الله عنه؛ فضلاً أن يكون قد سمي منهم أنس بن مالك رضي الله عنه.

الرابع: هب أنهم سموا، فليس فيه تعيين ما أصابهم من دعوته.

ومن البدهي: أنه يجوز تعيين الاسم والدعوة بمثل تلك الرواية الشيعية الجائرة؛ لأنها بمنزلة الرواية الإسرائيلية التي يراد تفسير النص الشرعي الثابت بها!

وهذا باطل لا يخفى!

ومن ذلك أيضاً: ما ذكره (ص 200) قال:

"مما أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في تفسير سورة المعارج بسندين معتبرين (!) :

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان يوم غدير (خم) ؛ نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي، فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، فشاع ذلك فطار في البلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة له، فأناخها ونزل عنها وقال: يا محمد! أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصلي خمساً، فقبلنا منك، وأمرتنا بالزكاة، فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم رمضان، فقبلنا، وأمرتنا بالحج، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن

 

(10/690)

 

 

عمك تفضله علينا؛ فقلت: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، فهذا شيء منك أم من الله؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: "فوالله الذي لا إله إلا هو! إن هذا لمن الله عز وجل". فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم! إن كان ما يقول محمد حقاً؛ فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! فما وصل إلى راحلته حتى رماه اله سبحانه بحجر سقط على هامته، فخرج من دبره فقتله، وأنزل الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج) ، انتهى الحديث بعين لفظه"!!

قلت: فهذا السياق باطل، لا يشك في ذلك من عنده ذرة من علم بعلم الحديث والتفسير، وبيانه من وجوه:

الأول: أن قوله: إن كان هذا هو الحق من عندك ... إنما هو من قول أبي جهل - لعنه الله - كما رواه البخاري في "صحيحه". وهذا أصح مما روى الحاكم (2/ 502) عن سعيد بن جبير: أنه النضر بن الحارث بن كلدة؛ لأن هذا مرسل.

الثاني: أن آية: (سأل سائل بعذاب واقع) إلى آخر السورة مكية؛ فكيف يصح القول بأنها نزلت في (خم) بعد رجوعه من حجة الوداع؟!

وقد روى جمع - منهم ابن الضريس - عن ابن عباس قال:

نزلت سورة (سأل) بمكة.

وروى ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.

وروى الحاكم في مرسل سعيد بن جبير المتقدم:

أن الذي سأل هو النضر بن الحارث.

 

(10/691)

 

 

فهذا كله يبطل ما عزاه الشيعي إلى الثعلبي.

الثالث: أن روايات الغدير - ما صح منها وما لم يصح -؛ لم يرد في شيء منها هذا التفصيل الذي تضمنته رواية الثعلبي هذه.

وأما قول الشيعي: "بسندين معتبرين"! فهو غير مصدق في ذلك؛ لكثرة ما بلونا عليه من الكذب، ولجهله بهذا العلم الشريف! وكثيراً ما يكون الحديث جاء من طريق واحدة يرويها صحابي واحد، وعنه تابعي واحد، وعنه تابع تابعي واحد، ثم تتعدد الطرق من تحته، فيقول الشيعي:

"من طريقين أو طرق"!

انظر - على سبيل المثال - التعليق المتقدم على (ص 685) من هذا الحديث؛ تر عجباً.

ومن ذلك قوله (ص 38) - مشيراً إلى هذه القصة الباطلة -:

"أخرج الإمام الثعلبي في "تفسيره" هذه القضية مفصلة.... وأخرجها الحاكم في تفسير المعارج من "المستدرك" فراجع صفحة (502) من جزئه الثاني"!!

وأنت إذا رجعت إلى المكان المشار إليه من "المستدرك"؛ لا تجد للقصة أو القضية - على تعبيره - ذكراً، بل تجد ما يدل على نقيضها، وهو مرسل سعيد بن جبير الذي سبق! وسياقه هكذا: ... عن سعيد بن جبير: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج) : ذي الدرجات. (سأل سائل) قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة؛ قال: اللهم! إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) .

 

(10/692)

 

 

قلت: فهذا هو نص القضية التي أحال عليها الشيعي؛ فهل تجد فيه أن الآية نزلت فيمن جحد ولاية علي رضي الله عنه؟! وأن الذي قال: اللهم! إن كان ... ونزب فيه (سأل) هو الحارث بن النعمان الذي جاء في القصة الباطلة؟! أم تجد فيه أنه النضر بن الحارث بن كلدة؟!

فماذا يستطيع الإنسان أن يقول في مثل هذا الشيعي الذي لا يتورع عن الكذب وعن تضليل القراء؟! فإلى الله المشتكى!

ومن ذلك أيضاً قوله (ص 208) :

"وقيل لعمر - فيما أخرجه الدارقطني -: إنك تصنع لعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: إنه مولاي"!!

قلت: نقله الشيعي عن كتاب "الصواعق" للهيتمي (ص 26) ؛ وقد سكتا عليه! فبئس ما صنعا!!

فقد أخرجه ابن عساكر (12/ 119/ 1) من طريق الدارقطني بسنده عن سعيد بن محمد الأسدي: أخبرنا حسين الأشقر عن قيس عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعمر ...

قلت: فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علل:

الأولى: الانقطاع؛ فإن سالماً لم يدرك عمر رضي الله عنه.

الثانية: حسين - وهو ابن الحسن الأشقر -؛ فإنه - على ضعفه - من غلاة الشيعة، وقد كذبه بعضهم.

 

(10/693)

 

 

الثالثة: سعيد بن محمد الأسدي؛ إن لم يكن هو الوراق الثقفي الكوفي؛ فلم أعرفه.

والثقفي مضى له ذكر في الحديث (4895) .

4962 - (لكل نبي وصي ووارث، وإن علياً وصيي ووارثي) .

موضوع

أخرجه ابن عدي - في ترجمة شريك بن عبد الله من "الكامل" (ق 193/ 1) - من طريق علي بن سهل: حدثنا محمد بن حميد: حدثنا سلمة: حدثني محمد بن إسحاق عن شريك بن عبد الله عن أبي ربيعة الإيادب عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً.

وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" بإسناده عن البغوي: حدثنا محمد بن حميد الرازي: حدثنا علي بن مجاهد: حدثنا محمد بن إسحاق به. وقال:

"الرازي؛ كذبه أبو زرعة وغيره".

أورده السيوطي في "اللآلىء" (1/ 186) ؛ وزاد:

"قلت: قال الجورقاني: هذا حديث باطل. وفي إسناده ظلمات: علي بن مجاهد؛ كان يضع الحديث. ومحمد بن حميد؛ كذبه صالح وغيره".

قلت: وقد اختلف شيخ الرازي - في رواية ابن عدي عنه - عن شيخه في رواية البغوي كما ترى -؛ فهو سلمة - وهو ابن الفضل - في رواية الأول، وهو علي ابن مجاهد في رواية الآخر.

ولعل ذلك من تخاليط الرازي أو أكاذيبه.

وقد تابعه في روايته عن سلمة: أحمد بن عبد الله الفرياناني فقال: حدثنا سلمة بن الفضل به.

 

(10/694)

 

 

رواه ابن الجوزي في "الموضوعات". وقال:

"الفرياناني يضع".

وأقره السيوطي في "اللآلىء"، ثم ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 356-357) .

قلت: ولعله سرقه من الرازي أو العكس؛ وهذا أقرب؛ فقد جاء عن غير واحد أن ابن حميد كان يسرق الحديث، كما قال الذهبي.

وعلى كل حال؛ فهما آفة الحديث.

وإن كان سلمة بن الفضل فيه ضعف من قبل حفظه.

وابن إسحاق من جهة عنعنته؛ فإنه مدلس.

وشريك؛ لسوء حفظه.

لكن الذهبي رفع العهدة عنه، فقال عقب الحديث - وقد ساقه من طريق الرازي عن سلمة به -:

"قلت: هذا كذب، ولا يحتمله شريك".

قلت: وأشار إلى الآفة هو الرازي؛ حيث قال عقب اسمه في سند الحديث:

"وليس بثقة".

(تنبيه) قلت: نقل الشيعي في "مراجعاته" (ص 224) قول الذهبي المذكور بشيء من الخبث والمكر، ثم قال:

"والجواب: أن الإمام أحمد بن حنبل والإمام أبا القاسم البغوي والإمام ابن

 

(10/695)

 

 

جرير الطبري وإمام الجرح والتعديل ابن معين وغيرهم من طبقتهم، وثقوا محمد ابن حميد ورووا عنه؛ فهو شيخهم ومعتمدهم؛ كما يعترف به الذهبي في ترجمة محمد بن حميد من (الميزان) "!!

قلت: فيه أنواع من الكذب والتدليس:

أولاً: قوله: "وثقوا محمد بن حميد"!! كذب بهذا التعميم؛ فإن أحداً من المذكورين لم يصرح بتوثيقه؛ سوى بن معين، مع مخالفة الأئمة الآخرين إياه كما يأتي.

نعم؛ سائر المذكورين رووا عنه، ولا يلزم من ذلك أنه ثقة عندهم، كما هو معلوم عند العارفين بهذا الشأن. فهذا ابن خراش من الرواة عنه يقول فيه:

"حدثنا ابن حميد، وكان - والله - يكذب". وقال صالح جزرة:

"كنا نتهم ابن حميد في كل شيء يحدثنا؛ ما رأيت أجرأ على الله منه؛ كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض"!

نعم؛ قد أثنى الإمام أحمد عليه خيراً، ولكن هذا ليس نصاً في التوثيق أيضاً؛ لاحتمال أنه لشيء آخر، وهو الحفظ والعلم مثلاً، وهذا هو الذي رواه ابنه عبد الله عنه، فقال عبد الله عن أبيه:

"لا يزال بالري علم؛ ما دام محمد بن حميد حياً".

ثم هب أنه يلزم من كل ذلك أنهم وثقوه؛ فمن المحتمل أن ذلك كان منهم قبل أن يتبين لهم كذبه الذي عرفه منه الآخرون من الأئمة؛ فقد قال أبو علي النيسابوري:

 

(10/696)

 

 

"قلت: لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد؛ فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه؛ ما أثنى عليه أصلاً".

قلت: ومن المحتمل أن أولئك الأئمة الذين رووا عنه لم يستمروا على الرواية عنه؛ فهذا داود بن يحيى يقول:

"حدثنا عنه أبو حاتم قديماً، ثم تركه بآخرة".

ثانياً: هب أن الشيعي صادق فيما نقله من التوثيق؛ فذلك غير كاف للرد على قول الذهبي:

"ليس بثقة"؛ لأن الشيعي يعلم أن في مقابل التوثيق تكذيباً صدر من أئمة آخرين، فلا بد حينئذ من الترجيح، ومن المعلوم أيضاً أن التكذيب جرح مفسر، فهو مقدم على التوثيق! هذا في قواعدنا نحن معاشر أهل السنة. وأما الشيعة؛ فلست أعلم مذهبهم في ذلك وإن كان لا يعقل غير ما عليه أهل السنة.

وهب أن الأمر كذلك عندهم؛ فذلك مما لا ينفع معهم؛ لأنهم إنما يتبعون أهواءهم، وقاعدة الغربيين: (الغاية تبرر الوسيلة) !!

ثالثاً: هب أن الرازي هذا ثقة على مذهب الشيعي؛ فهل يلزم منه أن يكون من فوقه من رجال الإسناد ثقات أيضاً؟! مع أننا قد سبق أن بينا أن الأمر ليس كذلك!

ثم هب أنهم ثقات؛ فهل بمجرد ذلك يصح الإسناد؛ أم لا بد من سلامته من كل علة قادحة؟!

 

(10/697)

 

 

لعل الشيعي يعرف هذه الحقائق، ثم هو يتجاهلها للقاعدة السابقة: (الغاية تبرر الوسيلة) !

ومن أجل ذلك؛ تراه يتجاهل حكم الأئمة الآخرين على الحديث بالوضع؛ كالجورقاني، وابن الجوزي، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وابن عراق!

رابعاً: قوله: "فهو شيخهم ومعتمدهم، كما يعترف به الذهبي ... "! كذب على الذهبي؛ فإنه لم يذكر لفظ: "معتمدهم" أصلاً، وإنما زادها الشيعي من عند نفسه زوراً وتضليلاً، فعليه من الله مايستحق!

4963 - (ألا قلت: فكيف تكونان خيراً مني؛ وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى؟!) .

ضعيف

أخرجه الترمذي (2/ 323) ، والحاكم (4/ 29) عن هاشم بن سعيد الكوفي: حدثنا كنانة قال: حدثتنا صفية بنت حيي قالت:

دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له فقال ... فذكره.

وكان الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وقالوا: نحن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبنات عمه.

هذا لفظ الترمذي. وقال:

"حديث غريب، لا نعرفه من حديث ضفية إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذلك القوي".

قلت: وقال الحافظ في "التقريب":

 

(10/698)

 

 

"ضعيف".

قلت: وكنانة مولى صفية؛ لم يوثقه غير ابن حبان. لكن روى عنه جمع. وقال الحافظ:

"مقبول" (1) !

وقد ذكر الحافظ في ترجمته من "التهذيب" أن الحديث رواه ابن عدي من طريق يزيد بن مغلس الباهلي: حدثنا كنانة بن نبيه مولى صفية ... فذكر الحديث.

قلت: وهذا ظاهره أن يزيد بن المغلس تابع هاشم بن سعيد. وحينئذ يتقوى الحديث بمتابعته.

ولكني أرى أن في إسناد ابن عدي انقطاعاً أو سقطاً؛ فإن ابن المغلس إنما يروي عن مالك وطبقته من أتباع التابعين، فمثله لم يدرك أحداً من التابعين قطعاً، وكنانة منهم.

ويؤيده أنهم ذكروا في شيوخ يزيد هذا هاشم بن سعيد الراوي للحديث عن كنانة، فالظاهر أنه هو الساقط بين يزيد وكنانة. والله أعلم.

والحديث؛ بيض له الحاكم والذهبي، ولعل ذلك لظهور ضعفه.

وأشار إلى ذلك ابن عبد البر في ترجمة صفية من "الاستيعاب" (4/ 1872) بقوله:

"ويروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على صفية ... " فذكره.

__________

(1) وقد تراجح للشيخ - رحمه الله - أخيراً، أن (كنانة) هذا (صدوق) ؛ فانظر ما سبق من هذه " السلسلة " (1/190 - 191) . (الناشر)

 

(10/699)

 

 

وتجاهل الشيعي في "مراجعاته" (ص 239) ضعف الحديث، فاستدل به على أن عائشة رضي الله عنها ليست أفضل من صفية وسائر زوجاته - صلى الله عليه وسلم -.

ومن غرائب جهله أو تجاهله: أنه عزاه للترمذي، ولم ينقل عنه تضعيفه إياه بقوله:

"حديث غريب ... " إلخ.

كما جهل أو تجاهل أيضاً إشارة ابن عبد البر إلى تضعيفه.

ولكن هذا غريباً منه وهو يكذب على العلماء الكذب الصريح؛ كما تقدم بيانه مراراً وتكراراً!

4964 - (خذ هذا السيف؛ فانطلق، فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته) .

ضعيف جداً

أخرجه الحاكم (4/ 39) من طريق أبي معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت:

أهديت مارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابن عم لها؛ قالت: فوقع عليها وقعة، فاستمرت حاملاً. قالت: فعزلها عند ابن عمها. قالت: فقال أهل الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره! وكانت أمة قليلة اللبن، فابتاعت له ضائنة لبون، فكان يغذى بلبنها، فحسن عليها لحمه. قالت عائشة رضي الله عنها: فدخل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم. فقال:

"كيف ترين؟ ". فقلت: من غذي بلحم الضأن يحسن لحمه! قال:

"ولا الشبه؟ ". قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: ما أرى

 

(10/700)

 

 

شبهاً! قالت: وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقول الناس. فقال لعلي ... (فذكر الحديث) . قالت: فانطلق؛ فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطبات. قال: فلما نظر إلى علي ومعه السيف؛ استقبلته رعدة. قال: فسقطت الخرقة؛ فإذا هو لم يخلق الله عز وجل له ما للرجال؛ شيء ممسوح.

قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، ولعله لظهور ضعفه؛ فإن سليمان بن الأرقم متفق بين الأئمة على تضعيفه، بل هو ضعيف جداً؛ فقد قال البخاري:

"تركوه". وقال أبو داود، وأبو أحمد الحاكم، والدارقطني:

"متروك الحديث". وقال أبو داود:

"قلت لأحمد: روى عن الزهري عن أنس في التلبية؟ قال: لا نبالي روى أم لم يرو"! وقال ابن عدي في آخر ترجمته - وقد ساق له نيفاً وعشرين حديثاً (154/ 1-2) -:

"وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد".

قلت: وللحديث أصل صحيح، زاد عليه ابن الأرقم هذا زيادات منكرة، تدل على أنه سيىء الحفظ جداً، أو أنه يتعمد الكذب والزيادة؛ لهوى في نفسه، ثم يحتج بها أهل الأهواء!

فأنا أسوق لك النص الصحيح للحديث؛ ليتبين لك تلك الزيادات المنكرة، فروى ثابت عن أنس:

أن رجلاً كان يتهم بأم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي:

"اذهب فاضرب عنقه".

 

(10/701)

 

 

فأتاه علي؛ فإذا هو في ركي يتبرد فيها. فقال له علي: اخرج. فناوله يده، فأخرجه؛ فإذا هو محبوب ليس له ذكر، فكف علي عنه. ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إنه لمحبوب؛ ما له ذكر.

أخرجه مسلم (8/ 119) ، والحاكم (4/ 39-40) ، وأحمد (3/ 281) ، وابن عبد البر في ترجمة مارية من "الاستيعاب" (4/ 1912) ؛ كلهم عن عفان: حدثنا حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت ... وقال الحاكم:

"صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"!

فوهم في استدراكه على مسلم! وقال ابن عبد البر:

"وروى الأعمش هذا الحديث فقال فيه: قال علي: يا رسول الله! أكون كالسكة المحماة؛ أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب".

قلت: هذه الزيادة لم أقف عليها من رواية الأعمش، وإنما من رواية غيره من حديث علي نفسه، وقد مضى تخريجه في "الصحيحة" برقم (1904) ، وليس فيه أيضاً تلك الزيادات المنكرة التي تفرد بها ابن الأرقم في هذا الحديث.

وأشدها نكارة ما ذكره عن عائشة أنها قالت: ما أرى شبهاً!

فقد استغلها عبد الحسين الشيعي في "مراجعاته" أسوأ الاستغلال، واتكأ عليها في اتهامه للسيدة عائشة في خلقها ودينها، فقال (ص 247-248) :

"وحسبك مثالاً لهذا ما أيدته - نزولاً على حكم العاطفة - من إفك أهل الزور إذ قالوا - بهتاناً وعدواناً - في السيدة مارية وولدها عليه السلام ما قالوا،

 

(10/702)

 

 

حتى برأهما الله عز وجل من ظلمهم براءة - على يد أمير المؤمنين - محسوسة ملموسة! (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً) "!

وعلق على هذا بقوله:

"من أراد تفصيل هذه المصيبة؛ فليراجع أحوال السيدة مارية رضي الله عنها في (ص 39) من الجزء الرابع من "المستدرك" للحاكم، أو من "تلخيصه" للذهبي"!

يشير بذلك إلى هذا الحديث المنكر!

وإن من مكره وخبثه: أنه لم يكتف في الاعتماد عليه - مع ضعفه الشديد - بل إنه زد على ذلك أنه لم يسق لفظه؛ تدليساً على الناس وتضليلاً؛ فإنه لو فعل وساق اللفظ؛ لتبين منه لكل من كان له لب ودين أن عائشة بريئة مما نسب إليها في هذا الحديث المنكر من القول - براءتها مما اتهمها المنافقون به؛ فبرأها الله تعالى بقرآن يتلى -، آمن الشيعة بذلك أم كفروا، عامل الله الكذابين والمؤيدين لهم بما يستحقون! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وتأمل ما في إيراده في آخر كلامه للآية الكريمة: (ورد الله الذين كفروا ... ) من رمي السيدة عائشة بالكفر، مع أنه يترضى عنها أحياناً (ص 229) ! ويتعرف (ص 238) بأن لها فضلها ومنزلتها!

وما إخال ذلك منه إلا من باب التقية المعهودة منهم، وإلا؛ فكيف يتلقي ذلك مع حشره إياها في زمرة الذين كفروا؟! عامله الله بما يستحق!

ثم إن الحديث؛ أخرجه ابن شاهين أيضاً من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري به؛ كما في "الإصابة" (6/ 14) للحافظ العسقلاني؛ وقال:

"وسليمان ضعيف".

 

(10/703)

 

 

4965 - (لقد رأيت خالاً بخدها؛ اقشعرت كل شعرة منك) .

موضوع

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/ 160-161) : أخبرنا محمد ابن عمر: حدثني الثوري عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط قال:

خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثم وجعت. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ما رأيت؟ ". فقالت: ما رأيت طائلاً. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. فقالت: يا رسول الله! ما دونك سر!

قلت: وهذا موضوع؛ فإنه مع كونه مرسلاً، فإن محمد بن عمر - وهو الواقدي - كذاب، كما تقدم مراراً.

وقد استغل الشيعي أيضاً هذا الحديث الباطل استغلالاً غير شريف؛ فطعن به على السيدة عائشة رضي الله عنها، فنسبها إلى الكذب، كما طعن عليها بالحديث الذي قبله!

 

(10/704)

 

 

4966 - (إنا لم نرد هذا، إنا لم نرد هذا) .

ضعيف

أخرجه الديلمي عن عائشة:

أنها خاصمت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر؛ فقالت: يا رسول الله! اقصد! فلطم أبو بكر خدها؛ وقال: تقولين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقصد؟! وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل الدم من ثيابها بيده؛ ويقول ... فذكره.

كذا في "كنز العمال" (7/ 116/ 1020) .

 

(10/704)

 

 

قلت: وعزوه للديلمي يشعر بضعف إسناده؛ كما نص عليه في مقدمة "الجامع الكبير"، ونقلته عنه في مقدمتي لكل من "صحيح الجامع الصغير وزيادته" و "ضعيف الجامع الصغير وزيادته".

وقد صرح بضعفه الحافظ العراقي؛ فقال في "تخريج الإحياء" (2/ 40) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، والخطيب في "التاريخ" من حديث عائشة بسند ضعيف".

قلت: ومع ذلك؛ احتج به الشيعي في "مراجعاته" (249) في الطعن في السيدة عائشة رضي الله عنها! عامله الله بما يستحق!

وقد روى طرفاً منه ابن سعد (8/ 80) : أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن ابن المسيب قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر:

"يا أبا بكر! ألا تعذرني من عائشة؟! ".

قال: فرفع أبو بكر يده، فضرب صدرها ضربة شديدة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"غفر الله لك يا أبا بكر! ما أردت هذا".

لكنه إسناد واه بمرة؛ فإن محمد بن عمر - وهو الواقدي - كذاب.

ومحمد بن عبد الله: هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة؛ قال الحافظ:

"رموه بالوضع".

 

(10/705)

 

 

ثم وقفت على إسناد الحديث عند الديلمي في "مسنده" (ص 319-320- مصورة) : أخرجه من طريق إسماعيل بن إبراهيم المنقري عن أبيه عن مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة ...

قلت: والمبارك بن فضالة؛ وإن كان صدوقاً؛ فهو مدلس تدليس التسوية (1) !

وإسماعيل بن إبراهيم المنقري وأبوه؛ لم أعرفهما.

4967 - (إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه) (2) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/ 1148) عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أنها قالت:

وكان متاعي فيه خف، وكان على جمل ناج، وكان متاع صفية فيه ثقل، وكان على جمل ثفال بطيء؛ يبطىء بالركب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" [حولوا متاع عائشة على جمل صفية] ، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب". قالت عائشة: فلما رأيت ذلك قلت: يا لعباد الله! غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"يا أم عبد الله! إن متاعك كان فيه خف، وكان متاع صفية فيه ثقل، فأبطأ بالركب، فحولنا متاعها على بعيرك، وحولنا متاعك على بعيرها". قالت: فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله؟! قالت: فتبسم فقال:

__________

(1) انظر كلام الشيخ حول تدليس المبارك في " الصحيحة " (1/950 - 951) . (الناشر)

(2) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " تقدم برقم (2985) ؛ لكن يستفاد منه ". (الناشر)

 

(10/706)

 

 

"أو في شك أنت يا أم عبد الله؟! ". قالت: قلت: ألست تزعم أنك رسول الله، فهلا عدلت؟! وسمعني أبو بكر - وكان فيه غرب؛ أي: حدة -؛ فأقبل علي فلطم وجهي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"مهلاً يا أبا بكر! ". فقال: يا رسول الله! أما سمعت ما قالت؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لعنعنة ابن إسحاق؛ فإنه مدلس.

وسلمة بن الفضل كثير الخطأ؛ كما قال الحافظ. وقال الهيثمي (4/ 322) :

"رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن إسحاق؛ وهو مدلس. وسلمة بن الفضل، وقد وثقه جماعة: ابن معين وابن حبان وأبو حاتم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال "الصحيح". وقد رواه أبو الشيخ ابن حبان في "كتاب الأمثال"، وليس فيه غير أسامة ابن زيد الليثي؛ وهو من رجال "الصحيح"؛ وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات"!

كذا قال! وفي آخر كلامه وقفة عندي؛ فقد قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/ 40) :

"رواه أبو يعلى في "مسنده"؛ وأبو الشيخ في "كتاب الأمثال" من حديث عائشة، وفيه ابن إسحاق؛ وقد عنعنه".

قلت: فهذا صريح في مخالفة ما ذكره الهيثمي.

ومن المحتمل أن يكون أبو الشيخ أخرجه من طريقين، في أحدهما ابن إسحاق دون الطريق الأخرى، وفي هذه الليثي فقط كما أفاده الهيثمي؛ فإن صح كلامه؛ فالحديث حسن عندي على أقل المراتب. والله أعلم.

 

(10/707)

 

 

4968 - (علمني ألف باب، يفتح كل باب ألف باب) .

منكر

أخرجه ابن عدي (ق 111/ 2) ، وعنه ابن عساكر (12/ 161/ 1) من طريق ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه:

"ادعوا لي أخي". فدعوا له أبا بكر، فأعرض عنه. ثم قال:

"ادعوا لي أخي". فدعوا له عمر، فأعرض عنه. ثم قال:

"ادعوا لي أخي". فدعي له عثمان، فأعرض عنه. ثم قال:

"ادعوا لي أخي". فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب، وانكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال ... فذكره. وقال ابن عدي:

"هذا حديث منكر، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة؛ فإنه شديد الإفراط في التشيع، وقد تكلم فيه الأئمة ونسبوه إلى الضعف".

وأقره الحافظ ابن عساكر، ثم الحافظ الذهبي في ترجمة ابن لهيعة، أورده في جملة ما أنكر عليه من الأحاديث.

والحديث؛ مما احتج به الشيعي في "المراجعات" (ص 253) ؛ وقال:

"وأخرجه أبو نعيم في "حليته"، وأبو أحمد الفرضي في "نسخته" كما في ص (392) من الجزء السادس من [الكنز] "!

وكذلك قال (ص 251) .

 

(10/708)

 

 

وأنا أظن أن عزوه إلى "الحلية" خطأ من صاحب "الكنز" أو طابعه، اغتر به الشيعي؛ فإن نصه في الموضع المشار إليه من الشيعي:

"عن علي قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف باب.. (أبو أحمد الفرضي في "جزئه"، وفيه الأجلح أبو جحفة (!) قال في "المغني": صدوق شيعي جلد. حل) "!

قلت: والمعروف من صاحب "الكنز" - تبعاً لأصله "الجامع الكبير" - أنه يسوق رموز مخرجي الحديث أولاً، ثم يتكلم عليه - على قلة كلامه -!

وهنا نجد رمز (حل) قد جاء بعد كلامه على الأجلح، مما يشعر أنه مقحم!

وقد تأكدت من ذلك بعد رجوعي إلى نسخة مصورة عندي من "الجامع الكبير"؛ فلم يقع فيها الرمز المذكور. وتأيد ذلك بأني رجعت إلى "فهرس الحلية" للشيخ الغماري؛ فلم أر الحديث فيه.

(تنبيه) : حديث علي هذا مع ضعفه؛ فإن الشيعي قد دس فيه زيادة من عنده؛ دون أن ينبه القراء إلى ذلك؛ فإنه ساقه عقب الحديث المتقدم (4945) الذي فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو مستند إلى علي، فزاد - بعد قوله: ... علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -:

- يعني: حينئذ -. يعني: حين وفاته - صلى الله عليه وسلم -!

فإن قيل: إن معنى هذه الزيادة في حديث ابن عمرو؛ فإنه صريح أن التعليم المذكور كان في مرضه.

فأقول: كلا؛ ليس في معناه، وذلك من وجهين:

 

(10/709)

 

 

الأول: أنه ليس فيه أن المرض هو مرض موته.

والآخر: هب أنه مرض موته؛ فليس فيه أنه علمه ومات مستنداً إلى علي؛ بل هو صريح بأن علياً خرج وتركه مريضاً.

فهذا كله من الأدلة الكثيرة على أن الشيعة يستحلون الدس والكذب في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال! نسأل الله السلامة.

وفي الباب في فضل علي وأهل بيته: عن أبي أمامة الباهلي، وسوف يأتي إن شاء الله تخريجه برقم (6254) .

4969 - (توفي [- صلى الله عليه وسلم -] وإنه لمستند إلى صدر علي) .

موضوع

أخرجه ابن سعد (2/ 263) : أخبرنا محمد بن عمر: حدثني سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن أبي غطفان قال:

سألت ابن عباس: أرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو لمستند إلى صدر علي. قلت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت:

توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري؟! فقال ابن عباس: أتعقل؟! والله! لتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه لمستند إلى صدر علي؛ وهو الذي غسله وأخي الفضل ابن عباس. وأبي أبي أن يحضر، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا أن نستتر، فكان عند الستر.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي -؛ كذاب.

وشيخه سليمان بن داود بن الحصين؛ لا يعرف؛ أورده ابن أبي حاتم (2/ 1/ 111) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

 

(10/710)

 

 

ثم رأيت الحافظ قال في "الفتح" (8/ 107) :

"لا يعرف حاله".

قلت: وإن مما يؤكد وضع الحديث؛ مخالفته لحديث عروة المذكور عن عائشة؛ فإن عروة وهو - ابن الزبير - من كبار التابعين وثقاتهم، وقد رواه عنه جمع من الثقات في "مسند الإمام أحمد" (6/ 121،200،270،274) ، و "صحيح البخاري" (8/ 105-110) ، و "مسلم" (7/ 137-138) .

وتابعه عندهما جماعة من الثقات عن عائشة رضي الله عنها، وكذلك في "المسند" (6/ 32،48،64،74،77،231،274) ، و "ابن سعد" (2/ 261،262) . فهو حديث مشهور عن عائشة رضي الله عنها؛ إن لم يكن متواتراً.

ولذلك جزم به إبراهيم النخعي فقال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يوص، وقبض وهو مستند إلى صدر عائشة.

رواه ابن سعد بإسناد رجاله ثقات؛ غير عبد الرحمن بن جريس؛ ترجمه ابن أبي حاتم (2/ 2/ 221) ؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

فمثل هذا الحديث المشهور عن عائشة يبعد جداً أن يخفى على ابن عباس رضي الله عنه! فنفيه عن عائشة وإثباته لعلي رضي الله عنه؛ إنما هو من صنع الكذابين من الشيعة أو من يساندهم.

ونحوه ما رواه الواقدي أيضاً: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن حرام بن عثمان عن أبي حازم عن جابر بن عبد الله الأنصاري:

أن كعب الأحبار قام زمن عمر فقال - ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين -:

 

(10/711)

 

 

ما كان آخر ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عمر: سل علياً. قال: أين هو؟ قال: هو هنا. فسأله، فقال علي: أسندته إلى صدري، فوضع رأسه على منكبي، فقال:

"الصلاة الصلاة". فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا، وعليه يبعثون. قال: فمن غسله يا أمير المؤمنين؟! قال: سل علياً. قال: فسأله؟ فقال: كنت أنا أغسله، وكان عباس جالساً، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء.

أخرجه ابن سعد.

قلت: وهذا موضوع أيضاً؛ والآفة الواقدي، أو الشيخ شيخه حرام بن عثمان؛ فقد قال الإمام الشافعي وغيره:

"الرواية عن حرام حرام"! وقال الحافظ:

"وفي سنده الواقدي، وحرام بن عثمان؛ وهما متروكان".

ومما يؤكد وضعه، أن في رواية لعائشة في حديثها المتقدم:

فجعل يقول:

"في الرفيق الأعلى"؛ حتى قبض.

أخرجه البخاري.

نعم؛ قد روي بإسناد آخر خير من هذا عن علي قال:

كان آخر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"الصلاة الصلاة! اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم".

وله شواهد خرجتها في "الصحيحة" (868) من حديث أم سلمة وغيرها.

 

(10/712)

 

 

فإن صح هذا القدر عن علي؛ فهو محمول على ما سمعه هو نفسه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، فلا ينافي حينئذ قول عائشة المذكور؛ لأنه محدد لا يقبل التخصيص كما هو ظاهر لكل ذي عينين.

ومن ذلك أيضاً: ما رواه الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن حسين قال:

قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأسه في حجر علي.

أخرجه ابن سعد. قال الحافظ:

"فيه انقطاع، مع الواقدي. وعبد الله فيه لين".

ثم أخرج عن الواقدي: حدثني أبو الجويرية عن أبيه عن الشعبي مثله. قال الحافظ:

"فيه الواقدي، والانقطاع، وأبو الحويرث (قلت: وهو أبو الجويرية) ؛ اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحارث المدني؛ قال مالك: ليس بثقة. وأبوه لا يعرف حاله".

قلت: وهذه الأحاديث الموضوعة؛ لم يتورع عبد الحسين الشيعي - كعادته - عن الاحتجاج بها في معارضة حديث السيدة عائشة المعارض لها؛ تحت عنوان:

"الصحاح المعارضة لدعوى أم المؤمنين" (ص 247-252) ! ولم يعزها لغير ابن سعد. ومدارها كلها - كما رأيت - على الواقدي الكذاب، مع عدم سلامتها ممن فوقه.

ولم يكتف الشيعي بهذا؛ بل أخذ يحتج بما جاء في "نهج البلاغة" و "شرحها" لابن أبي الحديد المعتزلي!!

 

(10/713)

 

 

وضم إلى ذلك احتجاجه بحديث أم سلمة المتقدم تحت الحديث (4945) ؛ وتقديمه لحديثها - وهو ضعيف كما سبق - على حديث عائشة المروي من طرق كثيرة صحيحة عنها! ثم رجحه على حديثها بالطعن عليها والغمز منها بأمور بعضها ثابت عنها، منها أمور لازمة لغير الأنبياء المعصومين، كحضورها وقعة المل، وقد تابت منه. ومنها ما لا عيب عليها فيها؛ كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها وهي مادة رجليها! ومنها ما لا يصح نسبته إليها، وإنما اعتماده في ذلك على كتب التاريخ التي تروي ما هب ودب، وبخاصة "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد المعتزلي! إلى غير ذلك من الأمور التي يطول الكلام بنقدها، ولم تتجه الهمة إلى بسط الكلام عليها.

لكن لا بد من الكلام على أمر منها؛ قد يشكل على من لا علم عنده بطرق الحديث وألفاظه، ومكر هذا الشيعي وخبثه وضلاله، وطعنه في أهل السنة عامة، وأم المؤمنين الصديقة بنت الصديق خاصة؛ ألا وهو حديث البخاري عن عبد الله ابن عمر قال:

قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيباً، فأشار نحو مسكن عائشة فقال:

"ههنا الفتنة (ثلاثاً) من حيث يطلع قرن الشيطان". ولفظه عند مسلم:

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيت عائشة فقال:

"رأس الكفر من ها هنا؛ حيث يطلع قرن الشيطان".

فأوهم الشيعي قراءه أن الفتنة في الحديث إنما هي عائشة - رضي الله عنها، وبرأها الله من ذلك كما برأها من المنافقين من قبل -!

وكل من أمعن النظر في بعض طرق الحديث - فضلاً عن مجموعها -؛ يعلم

 

(10/714)

 

 

يقيناً أن الجهة التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ههنا"؛ إنما هي جهة المشرق، وهي على التحديد العراق، والواقع يشهد أنها منبع الفتن قديماً وحديثاً.

وقد جمعت طرق الحديث وألفاظه وخرجتها في "الصحيحة" برقم (2494) ، وقد قدمت إليك خلاصتها بما فيه كفاية للكشف عن تدجيل الشيعي وبهته، فلا داعي للإعادة.

4970 - (جاء الملك بصورتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فتزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة سبع سنين. وأهديت إليه وأنا ابنة تسع سنين. وتزوجني بكراً لم يكن في أحد من الناس. وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد. وكنت من أحب الناس إليه. ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها. ورأيت جبريل عليه الصلاة والسلام؛ ولم يره أحد من نسائه غيري. وقبض في بيتي؛ لم يله أحد غير الملك إلا أنا) .

منكر

أخرجه الحاكم (4/ 10) من طريق إسماعيل بن أبي خالد: أنبأ عبد الرحمن بن الضحاك:

أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة وآخر معه، فقالت عائشة لأحدهما: أسمعت حديث حفصة يا فلان؟! قال: نعم يا أم المؤمنين؟! فقال لها عبد الله بن صفوان: وما ذاك يا أم المؤمنين؟! قالت: خلال لي تسع؛ لم يكن لأحد من النساء قبلي؛ إلا ما آتى الله عز وجل مريم بنت عمران، والله! ما أقول هذا أني أفخر على أحد من صواحباتي. فقال لها عبد الله بن صفوان: وما هن يا أم المؤمنين؟! قالت ... فذكره. وقال:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

 

(10/715)

 

 

قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الرحمن بن الضحاك، وقد أورده ابن أبي حاتم (2/ 2/ 246-247) من رواية إسماعيل بن أبي خالد هذا؛ إلا أنه وقع فيه عبد الرحمن بن أبي الضحاك! ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ولم أره في "ثقات ابن حبان"؛ فهو على كل حال مجهول، فهو علة الحديث.

وقد وجدت له طريقاً أخرى؛ إلا أنه لا يتقوى بها، فقال ابن سعد (8/ 65) : أخبرنا هشام أبو الوليد: حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عائشة به نحوه. وقال في الخلة الأخيرة:

ومرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي؛ فمرضته، فقبض ولم يشهده غيري والملائكة.

قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أن عبد الملك بن عمير لم يذكروا له رواية عن عائشة. على أنه قد رمي بالتدليس.

فمن المحتمل أن يكون الواسطة بينه وبينها رجلاً مطعوناً أو مجهولاً؛ كعبد الرحمن هذا.

وإنما أوردت الحديث من أجل ذكر مريم فيه مع هذه الخلة الأخيرة؛ فإني لم أجد لها شاهداً يقويها، وقد استغلها الشيعي عبد الحسين في "مراجعاته" (257-258) ؛ فجزم بنسبة الحديث إليها، ثم أخذ يغمز منها بسبب هذه الخلة، وهي مما لم يثبت عنها كما تبين لك من هذا التخريج، بخلاف الخلال التي قبلها، فكلها صحيحة ثابتة عنها في "الصحيحين" وغيرهما.

فاعلم هذا؛ يساعدك على دفع المطاعن الشيعية عن أم المؤمنين رضي الله عنها!

 

(10/716)

 

 

4971 - (دعوهن؛ فإنهن خير منكم) .

منكر

روي عن عمر بن الخطاب قال:

لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"ادعوا لي بصحيفة ودواة؛ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً". فكرهنا ذلك أشد الكراهة. ثم قال:

"ادعوا لي بصحيفة؛ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً". فقالت النسوة من وراء الستر: ألا يسمعون ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقلت: إنكن صواحبات يوسف! إذا مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عصرتن أعينكن. وإذا صح ركبتن رقبته! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قال الهيثمي (9/ 34) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري؛ قال العقيلي: في حديث نظر. وبقية رجاله وثقوا، وفي بعضهم خلاف"!

قلت: ومحمد بن جعفر هذا؛ لم أجده في "الضعفاء" للعقيلي (1) !

وفي "الجرح والتعديل" (3/ 2/ 189) :

"محمد بن إسماعيل الجعفري، وهو ابن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. روى عن الدراوردي ... روى عنه أبو زرعة. سألت أبي عنه؟ فقال: منكر الحديث، يتكلمون فيه".

__________

(1) الحديث رواه الطبراني في " الأوسط " (5338) ؛ ومننه تبين أن في نقل الهيثمي تحريفاً في اسم الرواي، وهو (موسى بن جعفر ... ) ، وهو الذي قال فيه العقيلي: " في حديثه نظر ". (الناشر)

 

(10/717)

 

 

قلت: فمن الظاهر أنه هذا، وقع عند الطبراني منسوباً إلى جده، ولكني لم أجده منسوباً إلى أبيه عند العقيلي! فالله أعلم.

وذكر في "اللسان" أن أبا نعيم الأصبهاني قال:

"متروك".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"!

والحديث في "الصحيحين" وغيرهما من حديث ابن عباس نحوه؛ دون قوله: فقالت النسوة ... إلخ؛ فهو منكر.

وراجع شرح الحديث في "فتح الباري" (1/ 185-187 و 8/ 100-103) .

4972 - (أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عنه. وكرر ذلك) .

منكر

أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في "كتاب السقيفة" قال: حدثنا حمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار؛ منهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وأمره أن يغير على مؤتة (قلت: فساق الحديث فيه) . وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل عن أسامة والبعث، فأخبر أنهم يتجهزون، فجعل يقول ... فذكره.

فخرج أسامة واللواء على رأسه؛ والصحابة بين يديه ... إلخ.

قلت: ساقه هكذا - إلا ما اختصرته أنا - عبد الحسين الشيعي في "مراجعاته"

 

(10/718)

 

 

(291-292) ، وسكت عليه كعادته؛ إلا أنه زعم أن الشهرستاني أرسله إرسال المسلمات في المقدمة الرابعة من كتاب "الملل والنحل"!

وكأنه - لبالغ جهله بالحديث - لا يعلم أن الشهرستاني ليس من علماء هذا الشأن أولاً، وأن إسناد الحديث الذي نقله عن الجوهري ضعيف لا يصح ثانياً!! وبيان هذا من وجوه:

الأول: أن عبد الله بن عبد الرحمن هذا؛ يغلب على الظن أنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري الذي روى له ابن جرير في "تاريخه" (3/ 218-222) قطعة كبيرة من قصة بيعة السقيفة، ولم أجد من ذكره غير ابن أبي حاتم (2/ 2/ 96) . وقال:

"روى عن جده أبي عمرة. روى عنه المسعودي".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً!

الثاني: رجال سعيد بن كثير الأنصاري؛ مبهمون لا يعرفون.

الثالث: حمد بن إسحاق بن صالح؛ لم أجده.

الرابع: أحمد بن عبد العزيز الجوهري: هو من رجال الشيعة المجهولين، أورده الطوسي في "الفهرست" (36/ 100) . وقال:

"له كتاب السقيفة".

ولم يزد على ذلك شيئاً، فدل على أنه غير معروف لديهم؛ فضلاً عن غيرهم من أهل السنة؛ فقد قال في "المقدمة" (ص 2) :

".. فإذا ذكرت كل واحد من المصنفين وأصحاب الأصول؛ فلا بد من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أم لا؟ ... ".

 

(10/719)

 

 

قلت: ومن هذا تعلم جهل عبد الحسين الشيعي حتى برجال مذهبه! فيحتج بحديث الجوهري هذا؛ وهو غير معروف عندهم، فضلاً عمن فوقه ممن لا يعرفون أيضاً!

ومن الترجمة السابقة؛ تعلم أن كتاب "السقيفة" هو من كتب الشيعة التي لا يعتمد عليها عندنا. وقد علق عليه السيد محمد صادق آل بحر العلوم بقوله:

"ينقل عن كتاب "السقيفة" هذا كثيراً: ابن أبي الحديد المعتزلي في "شرح نهج البلاغة"؛ مع نسبته لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري؛ فراجع".

قلت: وعن ابن أبي الحديد الشيعي؛ نقله عبد الحسين؛ كما صرح بذلك عقب الحديث، مع تدليسه على القراء وإيهامه إياهم أن مؤلف "السقيفة" هو من أهل السنة! كما يظهر ذلك لمن أمعن النظر في المراجعة (91) ، وجوابه عليها في المراجعة التي بعدها!

4973 - (إنه لا يحل المسجد لجنب ولا حائض؛ إلا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، وعلي وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم -. ألا! هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا) (1) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر في "التاريخ" (12/ 3/ 2) من طريق عبد الملك ابن أبي غنية عن أبي الخطاب عمر الهجري عن محدوج عن جسرة بنت دجاجة قالت: أخبرتني أم سلمة قالت:

خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيته، حتى انتهى إلى صرح المسجد؛ فنادى بأعلى صوته ... فذكره.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " كرر برقم (2685) ". (الناشر)

 

(10/720)

 

 

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ أبو الخطاب مجهول، وقد مضى (1) .

ومثله محدوج؛ وهو الباهلي.

وجسرة مختلف فيها، وقد قال البخاري:

"عندها عجائب".

ولم يوثقها من يوثق بتوثيقه.

وقد روي الحديث من طريق أخرى عنها عن عائشة، وهو أقوى من هذا، وقد أوردته في "ضعيف أبي داود" (32) ؛ من أجل جسرة هذه.

والحديث؛ رواه ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 99/ 269) من هذا الوجه دون قوله:

"ألا هل بينت ... ".

وكذلك رواه ابن ماجه (645) ؛ إلا أنه لم يذكر الاستثناء مطلقاً، وكأنه تعمد حذفها؛ لما فيها من النكارة.

ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"فهذا الاستثناء باطل موضوع؛ من زيادة بعض غلاة الشيعة، ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث".

راجع كتابي المشار إليه آنفاً.

وخالف ابن أبي غنية في إسناده منصور بن [أبي] الأسود؛ فقال: عن عمر ابن عمير الهجري عن عروة بن فيروز عن جسرة به.

__________

(1) في " الإرواء " (1/211) . (الناشر)

 

(10/721)

 

 

أخرجه ابن عساكر أيضاً.

ومنصور هذا؛ شيعي ثقة.

أما عروة بن فيروز؛ فلم أجد أحداً ذكره!

ولعل رواية الهجري عنه مما يدل على عدم ضبطه واضطرابه في إسناده - أي: الهجري -: فتارة يرويه عن محدوج، وتارة عن ابن فيروز. والله أعلم.

ونحو هذا الحديث: ما روى الحسن بن زيد عن خارجة بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي:

"لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك".

أخرجه البزار (ص 268 - زوائد) (1) . وقال:

"لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو ضعيف ومنقطع؛ لأن خارجة بن سعد: هو خارجة بن عبد الله بن سعد بن أبي وقاص، فيما ظهر لي؛ فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 375) ، وقال:

"روى عن أبيه. روى عنه يونس بن حمران".

قلت: ولم يزد على ذلك؛ فهو مجهول الحال.

ثم ترجم لأبيه عبد الله بن سعد بن أبي وقاص (2/ 2/ 63-64) ؛ وأفاد أنه أخو مصعب، وعمر، ويحيى، وإبراهيم، وعمرو؛ بني سعد. وقال:

"روى عن أبي أيوب. روى [عنه ابنه] خارجة بن عبد الله". ولم يزد!

__________

(1) وهو في " مسنده " برقم (2557) . (الناشر)

 

(10/722)

 

 

قلت: وعلى ذلك؛ فالحديث - على جهالة خارجة وأبيه عبد الله -؛ فهو مرسل.

ثم إن الحسن بن زيد - وهو العلوي أبو محمد المدني والد الست نفيسة - فيه ضعف من قبل حفظه؛ قال الحافظ:

"صدوق يهم، وكان فاضلاً".

وأما قول الهيثمي في "المجمع" (9/ 115) :

"رواه البزار، وخارجة لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!

فأقول: فيه ما لا يخفى من التقصير والتساهل؛ إذا تذكرت ما تقدم من التحقيق.

والحديث؛ أخرجه الترمذي (3729) من حديث عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه مختصراً.

وعطية: هو ابن سعد العوفي، وهو ضعيف مدلس، كما سبق مراراً.

4974 - (لما نزلت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ؛ قالوا: يا رسول الله! ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي، وفاطمة، وابناهما) .

باطل

أخرجه الطبراني (1/ 124/ 2) ، والقطيعي في زياداته على "الفضائل" (2/ 669) عن حرب بن حسن الطحان: أخبرنا حسين الأشقر عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم، مسلسل بالعلل:

الأولى: قيس بن الربيع ضعيف؛ لسوء حفظه.

 

(10/723)

 

 

الثانية: حسين الأشقر؛ قال الحافظ:

"صدوق يهم؛ ويلغو في التشيع".

الثالثة: حرب بن حسن الطحان؛ قال في "الميزان":

"ليس حديثه بذاك. قاله الأزدي".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"؛ كما في "اللسان"!

قلت: فأحد هؤلاء الثلاثة هو العلة؛ فإن الحديث منكر ظاهر النكارة؛ بل هو باطل، وذلك من وجهين:

الأول: أن الثابت عن ابن عباس في تفسير الآية خلاف هذا، بل صح عنه إنكاره على سعيد بن جبير ذلك؛ فقد روى شعبة: أنبأني عبد الملك قال: سمعت طاوساً يقول:

سأل رجل ابن عباس - المعنى - عن قوله عز وجل: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ، فقال سعيد بن جبير: قرابة محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عباس: عجلت؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم قرابة، فنزلت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) :

"إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم".

أخرجه البخاري (6/ 386 و 8/ 433) ، وأحمد (1/ 229،286) ، والطبري في "تفسيره" (25/ 15) .

وأخرجه الحاكم (2/ 444) من طريقين آخرين عن ابن عباس نحوه، وأحدهما عند الطبري. وقال الحاكم في أحدهما:

 

(10/724)

 

 

"صحيح على شرط البخاري". وفي الآخر:

"صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي.

والآخر: أن الآية مكية؛ كما جزم بذلك غير واحد من الحفاظ، كابن كثير وابن حجر وغيرهما.

فكيف يأمر الله بمودة أبناء علي وفاطمة وهما لم يتزوجا بعد؟! ولهذا قال الحافظ في "الفتح" (8/ 433) - بعد أن ساق حديث الترجمة -:

"وإسناده واه، فيه ضعيف ورافضي. وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح، وذكر الزمخشري هنا أحاديث ظاهر وضعها. ورده الزجاج بما صح عن ابن عباس من رواية طاوس في حديث الباب، وبما نقله الشعبي عنه؛ وهو المعتمد ... ويؤيد ذلك أن السورة مكية".

والحديث؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 168) . وقال:

"رواه الطبراني، وفيه جماعة ضعفاء، وقد وثقوا".

قلت: وذكره ابن كثير في "تفسيره" (7/ 365) من رواية ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين: حدثنا رجل - سماه -: حدثنا حسين الأشقر ... فذكره نحو ما تقدم من رواية الطبراني. ثم قال ابن كثير:

"وهذا إسناد ضعيف؛ فيه مبهم لا يعرف (قلت: قد عرف من رواية الطبراني كما تقدم) عن شيخ شيعي محترق، وهو حسين الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحل، وذكر نزول الآية بعيد؛ فإنها مكية، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية؛ فإنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة.

 

(10/725)

 

 

والحق: تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ كما رواه عنه البخاري؛ ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً؛ ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم؛ كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين".

(تنبيهان) :

الأول: عزا حديث الترجمة ابن حجر الهيتمي في "الصواعق" (ص 101) لأحمد أيضاً والحاكم!

وهذا وهم فاحش؛ فإنما أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباس ما يبطله؛ كما سبق بيانه.

والآخر: أن عبد الحسين الشيعي - في كتابه "المراجعات" (ص 33) - فسر الآية المذكورة بما دل عليه هذا الحديث الباطل؛ غير ملتفت إلى أن الآية مكية، وأن ابن عباس فسرها على نقيضه!

4975 - (يا أيها الناس! إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوأ لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء؛ إلا هارون وذريته. ولا يحل لأحد أن يعرن (1) النساء في مسجدي هذا؛ ولا يبيت فيه جنب؛ إلا علي وذريته) .

موضوع

أخرجه ابن عساكر (12/ 93/ 2) عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع

__________

(1) كذا؛ ولعلها: " يعرك ". (الناشر)

 

(10/726)

 

 

عن أبيه وعمه عن أبيهما أبي رافع:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن عبيد الله، وقد مضى له عدة أحاديث فانظر مثلاً: (1546،1754،4882،4887) .

4976 - (أيها الناس! أما تستحون؟! تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وتبنون ما لا تعمرون!) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" (ق 47/ 1) من طريق علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أم المنذر (1) قالت:

اطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات عشية إلى الناس، فقال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته الوازع بن نافع؛ ضعيف جداً؛ قال البخاري:

"منكر الحديث". وقال النسائي:

"متروك".

والحديث؛ أورده المنذري في "الترغيب" (4/ 131) مشيراً إلى ضعفه من رواية الطبراني. وقال الهيثمي (10/ 284) :

"وفيه الوازع بن نافع؛ وهو متروك".

__________

(1) في طريق الطبراني التي سيشير إليها الشيخ - بعدُ - تسميتها: (أم الوليد) . وانظر " معجم الطبراني " (25/172/421) ، و " ضعيف الترغيب " (1953) . (الناشر)

 

(10/727)

 

 

4977 - (ألا تعجبون من أسامة؟! اشترى إلى شهر! إن أسامة لطويل الأمل. والذي نفسي بيده! ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي، ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض، ولا لقمت إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت، يا بني آدم! إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى. والذي نفسي بيده؛ (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين)) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي الدني في "قصر الأمل" (1/ 2/ 1) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 91) ، وابن عساكر (2/ 348/ 2) عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري قال:

اشترى أسامة بن زيد بن ثابت وليدة بمئة دينار إلى شهر. فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وعلته أبو بكر بن أبي مريم؛ ضعيف، وكان اختلط.

والحديث؛ رواه أيضاً البيهقي والأصبهاني؛ كما في "الترغيب" (4/ 131) ؛ وأشار إلى تضعيفه.

 

(10/728)

 

 

4978 - (إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها -؛ وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب؛ من ثقله) (1) .

منكر

أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5796،5798) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " تقدم في أواخر المجلد الثاني فيما أظن ".

قلت: وهو فيه برقم (866) . (الناشر)

 

(10/728)

 

 

أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال ... فذكره.

وكذلك أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (ص 71) من هذه الطريق، لكنه زاد في متنه أداة الاستثناء فقال:

" ... إلا قيد أربع أصابع".

فاختلف المعنى.

ثم أخرجه ابن جرير (5797) من طريق أخرى عن إسرائيل نفسه به؛ إلا أنه زاد في إسناده فقال: عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه.

وقد أخرجه غير هؤلاء.

وللحديث ثلاث علل:

الأولى: جهالة عبد الله بن خليفة؛ قال الذهبي:

"لا يكاد يعرف". وقال الحافظ في "التقريب":

"مقبول"؛ أي: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث؛ كما ذكر في المقدمة.

الثانية: اختلاط أبي إسحاق - وهو السبيعي -، وعنعنته؛ فإنه كان مدلساً.

الثالثة: الاضطراب في سنده وفي متنه؛ كما رأيته في رواية ابن جرير وعبد الله بن أحمد.

وبهذا أعله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" (16/ 434-436) ؛ فإنه ذكره كمثال للأحاديث الضعيفة التي يرويها بعض المؤلفين في الصفات، كعبد الرحمن بن منده وغيره، فقال:

 

(10/729)

 

 

"ومن ذلك: حديث عبد الله بن خليفة المشهور الذي يرويه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في "المختارة". وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه، كما فعل ذلك أبو بكر الإسماعيلي وابن الجوزي وغيرهم، لكن أكثر أهل السنة قبلوه.

ورواه الإمام أحمد وغيره مختصراً وذكر أنه حدث به وكيع. لكن كثير ممن رواه رووه بقوله: "إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع"؛ فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع.

واعتقد القاضي وابن الزاغوني صحة هذا اللفظ، فأمروه، وتكلموا على معناه بأن ذلك القدر لا يحصل عليه الاستواء، وذكر عن أيمن العائذ أنه قال: هو موضع جلوس محمد - صلى الله عليه وسلم - (!) ".

ثم ذكر لفظ ابن جرير المخالف، ثم قال:

"فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين؛ هذه تنفي ما أثبتت هذه، ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الإثبات، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوي عليها الرب. وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات، بل هذا يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر! وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة والعقل".

ثم أطال الكلام في ترجيح رواية ابن جرير المخالفة النافية، وهي بلا شك أولى من حيث المعنى. ولكن الحديث عندي معلول بما ذكرنا من العلل، وهي تحيط بكل من الروايتين المثبتة والنافية؛ فلا فائدة تذكر من الإطالة. والله أعلم.

 

(10/730)

 

 

4979 - (لا تمنوا الموت؛ فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة) .

ضعيف

أخرجه أحمد (3/ 332) : حدثنا أبو عامر وأبو أحمد قالا: حدثنا كثير ابن زيد: حدثني الحارث بن يزيد - قال أبو أحمد: عن الحارث بن أبي يزيد - قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول ... فذكره مرفوعاً.

وتابعهما سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الحارث بن أبي يزيد به.

أخرجه البيهقي في "الشعب" (7/ 362/ 10589) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ كثير بن زيد - وهو الأسلمي مولاهم -؛ في حفظه ضعف، وقد اضطرب في اسم والد الحارث؛ كما في هذه الرواية.

وزاده بياناً الإمام البخاري في "التاريخ الكبير"؛ فقال (1/ 2/ 285) :

"الحارث بن يزيد مولى الحكم عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنوا الموت ... "؛ قاله أبو أحمد الزبيري عن كثير بن زيد. وقال عيسى وحاتم: عن كثير بن الحارث بن أبي يزيد مولى الحاكم. وقال وكيع: عن كثير عن سلمة بن أبي يزيد. قال أبو عبد الله (هو البخاري) : وسلمة لا يصح ههنا".

قلت: وقوله: "قاله أبو أحمد الزبيري"؛ لعله سبق قلم! والصواب: قال أبو عامر؛ فإن الزبيري قال: الحارث بن أبي يزيد؛ كما بينته رواية أحمد.

وعيسى: هو ابن يونس.

وقد أسنده عنه ابن عدي أيضاً في ترجمة كثير من "الكامل"، والبيهقي في "الزهد" (ق 72/ 1) .

 

(10/731)

 

 

وخلاصة كلام البخاري: أن كثير بن زيد اضطرب في إسناده على ثلاثة وجوه:

الأول: الحارث بن يزيد.

الثاني: الحارث بن أبي يزيد.

الثالث: سلمة بن أبي يزيد.

وفاته وجه رابع، وهو قول هشام بن عبيد الله الرازي: حدثنا سليمان بن بلال: حدثنا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن جابر مرفوعاً.

أخرجه ابن عدي (6/ 68) .

وذكره الذهبي من هذا الوجه في ترجمة كثير، ثم قال:

"وقد رواه البزار في "مسنده" عن عدة عن العقدي: حدثنا كثير بن زيد: حدثنا الحارث بن أبي يزيد عن جابر ... فهذا - مع نكارته - له علة كما رأيت".

يعني: الاضطراب، وهو من كثير بن زيد نفسه، وليس من الرواة عنه؛ فإنهم ثقات جميعاً على ضعف في الرازي.

والاضطراب دليل على أن الراوي لم يضبط الحديث ولم يحفظه، ولذلك كان الحديث المضطرب من أقسام الحديث الضعيف؛ حتى ولو كان الاضطراب من ثقة، فما بالك إذا كان من مضعف؛ كما هو الشأن هنا!

ثم إن الحارث بن يزيد - على الخلاف في أبيه كما رأيت - ليس بالمشهور؛ فقد أورده ابن أبي حاتم (1/ 2/ 94) . وقال:

"روى عن جابر. روى عنه كثير بن زيد، ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي والد إبراهيم".

 

(10/732)

 

 

فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

نعم؛ وثقه ابن حبان كما في "التعجيل"! وتساهله في التوثيق مشهور، ولذلك لا يعتمد عليه المحققون.

ومما سبق تعلم تساهل المنذري (4/ 136) في قوله:

"رواه أحمد بإسناد حسن، والبيهقي"!

ومثله قول الهيثمي (10/ 203) :

"رواه أحمد والبزار، وإسناده حسن"!

ومثله قول الحاكم (4/ 240) - وقد أخرج الشطر الثاني منه -:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

4980 - (لما خلق الله آدم عليه السلام وذريته؛ قالت الملائكة: يا رب! خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة! فقال الله تبارك وتعالى: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له: (كن) فكان) .

ضعيف

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 106 - هندية) عن أبي زرعة الرازي: حدثنا هشام بن عمار: حدثنا عبد الله بن صالح النرسي: حدثنا عروة بن رويم عن الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. وقال البيهقي:

"وقال فيه غيره: عن هشام بن عمار بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري. وفي ثبوته نظر".

 

(10/733)

 

 

قلت: وعلته: إما النرسي هذا؛ فإني لم أعرفه.

وإما هشام بن عمار؛ فإنه - مع كونه من شيوخ البخاري -؛ فقد كان يتلقن.

4981 - (ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم. قيل: ولا الملائكة؟! قال: الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر) .

منكر مرفوعاً

أخرجه البيهقي في "الشعب" (1/ 108) عن عبيد الله بن تمام السلمي عن خالد الحذاء عن بشر بن شغاف عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال:

"تفرد به عبيد الله بن تمام، قال البخاري: عنده عجائب".

قلت: وهو متفق على تضعيفه، بل كذبه بعضهم؛ فقال الساجي:

"كذاب، يحدث بمناكير عن يونس وخالد وابن أبي هند". ثم قال البيهقي:

"ورواه غيره عن خالد الحذاء موقوفاً على عبد الله بن عمرو، وهو الصحيح".

ثم ساق إسناده بذلك.

 

(10/734)

 

 

4982 - (هلم يا عمر! اجلس حتى أخبرك بغنى الرب عن صلاة أبي جحش الليثي؛ إن لله في السماء الدنيا ملائكة خشوعاً، لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة؛ رفعوا رؤوسهم، ثم قالوا: ربنا! ما عبد ناك حق عبادتك) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (3/ 87-88) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 114-115) - من طريقه - عن عبد الملك بن قدامة الجمحي عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن عبد الله بن عمر:

 

(10/734)

 

 

أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء والصلاة قائمة؛ وثلاثة نفر جلوس؛ أحدهم أبو جحش الليثي. قال: قوموا فصلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقام اثنان، وأبى أبو جحش أن يقوم، فقال له عمر: صل يا أبا جحش! مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: لا أقوم حتى يأتيني رجل هو أقوى مني ذراعاً، وأشد مني بطشاً، فيصرعني، ثم يدس وجهي في التراب. قال عمر: فقمت إليه، فكنت أشد منه ذراعاً، وأقوى منه بطشاً، فصرعته ثم دسست وجهه في التراب، فأتى علي عثمان فحجزني. فخرج عمر بن الخطاب مغضباً، حتى انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى الغضب في وجهه؛ قال: "ما رابك يا أبا حفص؟ ". فقال: يا رسول الله! أتيت على نفر جلوس على باب المسجد وقد أقيمت الصلاة، وفيهم أبو جحش الليثي، فقام الرجلان ... (فأعاد الحديث) . ثم قال عمر: والله يا رسول الله! ما كانت معونة عثمان إياه إلا أنه ضافه ليلة، فأحب أن يشكرها له! فسمعه عثمان فقال: يا رسول الله! ألا تسمع ما يقول لنا عمر عندك؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن رضى عمر رحمة الله! لوددت أنك كنت جئتني برأس الخبيث". فقام عمر. فلما بعد ناداه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:

"هلم يا عمر! أين أردت أن تذهب؟ ". فقال: أردت أن آتيك برأس الخبيث. فقال:

"اجلس حتى أخبرك بغنى الرب ... " الحديث.

فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وما يقولون يا رسول الله؟! قال:

"أما أهل السماء الدنيا فيقولون: سبحان ذي الملك والملكوت. وأما أهل السماء الثانية فيقولون: سبحان الحي الذي لا يموت؛ فقلها يا عمر! في صلاتك". فقال: يا

 

(10/735)

 

 

رسول الله! فكيف بالذي علمتني وأمرتني أن أقوله في صلاتي؟ قال:

"قل هذه مرة، وهذه مرة". وكان الذي أمر به أن قال:

"أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جل وجهك".

هكذا ساقه الحاكم - دون البيهقي - بتمامه. لكن سقط من سياقه ذكر ملائكة السماء الثانية الذين أشير إليهم وما يقولونه في آخر الحديث! والظاهر أنه من الناسخ أو الطابع؛ فقد ذكرهم البيهقي، وهو قد تلقاه عن الحاكم - كما سبق - ولفظه:

"وإن لله في السماء الثانية [ملائكة] سجوداً، لا يعرفون رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسهم ثم قالوا: ربنا! ما عبد ناك حق عبادتك". وقال البيهقي عقبه:

"قد أخرجته بطوله في (مناقب عمر رضي الله عنه) ". وقال الحاكم:

"صحيح على شرط البخاري"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: منكر غريب، وما هو على شرط (خ) ؛ عبد الملك ضعيف، تفرد به".

قلت: وكذا جزم بضعفه الحافظ في "التقريب".

وقال في "الإصابة" - عقب قول الذهبي المذكور -:

"قلت: وليس في سنده [إلا] أبو عبد الملك بن قدامة الجمحي، وهو مختلف فيه؛ وثقه ابن معين والعجلي. وضعفه أبو حاتم والنسائي. وقال البخاري: يعرف وينكر"!

 

(10/736)

 

 

وأقول: والحصر المذكور غير مسلم عندي؛ فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار - وإن كان من رجال البخاري -؛ ففيه كلام كثير، حتى إن ابن عدي ختم ترجمته بقوله فيه:

"هو من جملة من يكتب حديثه من الضعفاء".

والحافظ نفسه لم يوثقه في "التقريب"؛ بل قال فيه:

"هو صدوق يخطىء".

4983 - (ما أحسن من مسلم ولا كافر إلا أثابه الله. قلنا: يا رسول الله! ما إثابة الله الكافر؟ فقال: إن كان وصل رحماً، أو تصدق بصدقة، أو عمل حسنة؛ أثابه الله المال والولد والصحة وأشباه ذلك. قلنا: فما في الآخرة؟ قال: عذاباً دون العذاب. وقرأ: (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)) .

منكر

أخرجه ابن شاهين في "الترغيب" (ق 321/ 1) ، والحاكم (2/ 253) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 187) ، وكذا ابن ماجه في "تفسيره" من طريق عامر بن مدرك: حدثنا عتبة بن يقظان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً. وقال البيهقي:

"في إسناده من لا يحتج به".

قلت: وهو عتبة هذا؛ قال الذهبي:

"قواه بعضهم. قال النسائي: غير ثقة. وقال ابن الجنيد: لا يساوي شيئاً روى ابن ماجه في "تفسيره" ... ".

 

(10/737)

 

 

قلت: فساق الحديث؛ وقال عقبه:

"عامر صدوق، والخبر منكر".

والبعض الذي أشار إليه؛ إنما هو ابن حبان، فلو أنه أفصح عنه لكان أصوب في البيان، ولم يوثقه غيره! ولذلك جزم الحافظ في "التقريب" بأنه:

"ضعيف".

والنكارة التي أشار إليها الذهبي؛ إنما هي في آخر الحديث؛ لأنه مخالف لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:

"وأما الكافر؛ فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة؛ لم يكن له حسنة يجزى بها".

وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (53) ، وهو مطابق تماماً لقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) .

وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

ورده الذهبي بقوله:

"قلت: عتبة واه".

4984 - (ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة) .

ضعيف

أخرجه البيهقي في "الشعب" (1/ 294) من طريق إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الكوفي عن حبيب بن أبي العالية، عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعاً. وقال:

 

(10/738)

 

 

"تفرد به إبراهيم بن محمد الكوفي هذا، وهو منكر".

قلت: ولم أجد له ترجمة!

لكن حبيب بن أبي العالية؛ قال الذهبي:

"ضعفه يحيى بن معين. وغمزه أحمد".

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الدر" (6/ 149) لابن أبي حاتم أيضاً، وابن مردويه.

وأخرجه البغوي في "تفسيره" (8/ 167) من رواية بشر بن الحسين عن الزبير ابن عدي عن أنس بن مالك مرفوعاً به.

قلت: وبشر هذا متروك. بل قال أبو حاتم:

"يكذب على الزبير". وقال الدارقطني:

"يروي عن الزبير بواطيل، والزبير ثقة، والنسخة موضوعة".

وأورده السيوطي من حديث جابر: عند ابن مردويه، وعلي بن أبي طالب: عند ابن النجار، ولم يتكلم عليهما بشيء كما هي عادته الغالبة.

وما أراهما يصلحان للاستشهاد. والله أعلم.

4985 - (قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً، ولسانه صادقاً، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة؛ وجعل أذنه مستمعة، وعينه ناظرة. فأما الأذن فقمع، والعين فمقرة لما يوعي القلب، وقد أفلح من جعل قلبه واعياً) .

ضعيف

أخرجه أحمد (5/ 147) ، وعنه أبو سليمان الحراني في "الفوائد"

 

(10/739)

 

 

(ق 30/ 1) ، والبيهقي في "الشعب" (1/ 73- هندية) ، والأصبهاني في "الترغيب" (ص 30) عن بقية قال: وأخبرني بحير بن سعد عن خالد بن معدان قال: قال أبو ذر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ فقد صرح بقية بالتحديث؛ لولا أنه متقطع بين خالد بن معدان وأبي ذر؛ فقد جاء في ترجمة خالد هذا:

"وأرسل عن معاذ، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي ذر، وعائشة".

وذهل عن هذا المنذري، ثم الهيثمي! ففي "الترغيب" (1/ 25) :

"رواه أحمد، والبيهقي، وفي إسناد أحمد احتمال للتحسين"! وفي "المجمع" (10/ 232) :

"رواه أحمد، وإسناده حسن"!

قلت: وجزمه بالتحسين أقرب إلى حال إسناده من تردد المنذري فيه؛ لولا أنهما لم يتنبها للانقطاع الذي بينته.

والمعصوم من عصمه الله تعالى.

4986 - (ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها) .

ضعيف

أخرجه الفسوي في "المعرفة" (2/ 313) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (3) ، والطبراني في "الكبير" (20/ 93/ 182) ، والبيهقي في "الشعب" (1/ 316) ، وأبو العباس المقدسي في "حديثه" (ق 45/ 2) ، وكذا الأصبهاني في "الترغيب" (ق 137/ 2-138/ 1) من طرق عن سليمان بن عبد الرحمن: حدثنا يزيد

 

(10/740)

 

 

ابن يحيى القرشي: حدثنا ثور بن يزيد: حدثنا خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير يزيد بن يحيى القرشي؛ وهو أخو خالد القرشي؛ كما في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 297) ، وقال:

"سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بقوي الحديث" (1) . وقال الذهبي في "الميزان":

"لا يعرف. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي".

قلت: ومن ذلك تعلم خطأ المنذري في تجويده لأحد إسنادي البيهقي بقوله في "الترغيب" (2/ 231) :

"رواه الطبراني عن شيخه محمد بن إبراهيم الصوري، ولا يحضرني فيه جرح ولا عدالة. وبقية إسناده ثقات معروفون. ورواه البيهقي بأسانيد أحدها جيد"!

أقول: أما الصوري؛ فأورده الذهبي في "الميزان". وقال:

"روى عن الفريابي ومؤمل بن إسماعيل. وعنه إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وجماعة. روى عن زراد بن الجراح خبراً باطلاً أو منكراً في ذكر المهدي. قال الجلاب: هذا باطل، ومحمد الصوري لم يسمع من رواد. قال: وكان مع هذا غالياً في التشيع". قال الحافظ في "اللسان":

"وهذا الكلام برمته منقول من كتاب "الأباطيل" للجورقاني. ومحمد بن إبراهيم قد ذكره ابن حبان في (الثقات) "!

__________

(1) قلت: وفي هذا دليل على وهم قول الذهبي في " المغني ": " بيض له ابن أبي حاتم. قال أبو حاتم: ليس بالقوي "!!

 

(10/741)

 

 

قلت: وأورده ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (14/ 786- المصورة) من رواية أبي الحسن بن حذلم فقط.

وأما التجويد؛ فهو بعيد؛ لأن مدار طريقي البيهقي على سليمان بن عبد الرحمن عن القرشي؛ وهذا مجهول أو ضعيف، ولم يوثقه أحد؛ فأنى له الجودة؟!

وقال الهيثمي (9/ 73-74) :

"رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي شيخ الطبراني محمد بن إبراهيم الصوري خلاف"!

قلت: وله شيخ أخر فيه، لكنه خالف الطرق المشار إليها في إسناده؛ فقال في "مسند الشاميين" (ص 82) : حدثنا أحمد بن المعلى: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد به؛ إلا أنه قال: "عن جبير بن نفير عن أبيه" مكان: "عن معاذ".

ورواية الجماعة أصح؛ لاسيما وابن المعلى قال فيه النسائي:

"لا بأس به".

نعم؛ له شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها؛ إلا تحسر عليها يوم القيامة".

غير أن إسناده ضعيف جداً؛ فإن البيهقي أخرجه، وكذا أبو نعيم في "الحلية" (5/ 361-362) من طريق عمرو بن حصين: حدثنا محمد بن علاثة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عمر بن عبد العزيز عن عروة عنها: وقال البيهقي:

"وفي هذا الإسناد ضعف؛ غير أن له شواهد من حديث معاذ"!

 

(10/742)

 

 

قلت: يعني: حديث الترجمة، وفي قوله:

"ضعف"، تساهل كبير؛ فإن هذا إنما يقال في الراوي الصدوق الذي في حفظه ضعف، فمثله يعتضد بغيره، وعمرو بن حصين - وهو العقيلي - ليس كذلك، بل هو شديد الضعف، كما يدل عليه أقوال مجرحيه من الأئمة، فقال أبو حاتم:

"ذاهب الحديث، وليس بشيء". وقال الدارقطني:

"متروك".

وهو الذي اعتمده الحافظ في "التقريب".

قلت: فلا يصلح الحديث للاعتضاد.

ثم رأيت الحديث في "مجمع الزوائد" (10/ 80) . وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عمرو بن الحصين العقيلي؛ وهو متروك".

وقد أورده في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" (4/ 433- مصورة الجامعة الإسلامية) من رواية "الأوسط" من هذا الوجه.

واعلم أنني كنت اغتررت برهة من الزمن بكلام المنذري والهيثمي المتقدمين؛ قبل أن أطلع على إسناد الطبراني والبيهقي، وأوردت الحديث في الكتاب الآخر رقم (2197) (1) ، و "صحيح الجامع"، فلما وقفت على إسنادهما، وتبين أن مداره على القرشي عند كل من أخرجه؛ رجعت عن ذلك كله، وكتبت على هامش "الصحيح"

__________

(1) أي قبلُ؛ وإلا فإنَّ الحديث قد حذفه الشيخ - رحمه الله - من " الصحيحة " قبل أن يطبع هذا المجلد منها؛ فتنبَّه. (الناشر)

 

(10/743)

 

 

أن ينقل إلى "الضعيف"، وشرحت السبب هنا كما ترى، والهادي هو الله.

4987 - (إن لكل شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله) .

موضوع

أخرجه البيهقي في "الشعب" (1/ 319-320) من طريق سعيد ابن سنان: حدثني أبو الزاهرية عن أبي شجرة - واسمه كثير بن مرة - عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول ... فذكره، وزاد:

"وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله".

سكت عنه البيهقي، وليس له ذلك؛ فقد ذكر في "المقدمة" أنه اقتصر على ما لا يغلب كونه كذباً؛ وليس هذا من هذا القبيل؛ فإن سعيد بن سنان - وهو أبو مهدي الحمصي - ضعيف جداً؛ كما يشعر بذلك قول البخاري:

"منكر الحديث". والنسائي:

"متروك الحديث". وقال الحافظ:

"متروك. ورماه الدارقطني وغيره بالوضع".

ومن طريقه: رواه ابن أبي الدنيا أيضاً؛ كما في "الترغيب" (2/ 228) ، وصدره بلفظة: "عن"؛ فما أصاب ولا أحسن!

وقد روي الحديث عن أبي الدرداء موقوفاً عليه بلفظ:

"جلاء" بدل: "صقالة" في الموضعين.

أخرجه البيهقي (1/ 320) من طريق أبي عقيل عن عبد الله بن يزيد بن ربيعة قال: قال أبو الدرداء ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فإن عبد الله بن يزيد بن ربيعة - ويقال: عبد الله

 

(10/744)

 

 

ابن ربيعة بن يزيد - مجهول. ثم هو لم يدرك أبا الدرداء.

ومع ذلك؛ فالوقف أشبه بالصواب.

وأما الزيادة؛ فقد صحت من طريق أخرى عن معاذ موقوفاً عليه.

أخرجه البيهقي (1/ 318) وغيره من حديث لأبي الدرداء في فضل الذكر.

صححه الحاكم والذهبي، وحسنه المنذري (2/ 228) .

وقد روي عن معاذ مرفوعاً من طرق، وله شواهد من حديث جابر وغيره، فراجع تعليقي على "الترغيب" (2/ 228-229) .

4988 - (لا تزال مصلياً قانتاً؛ ما ذكرت الله قائماً وقاعداً، أو في سوقك، أو في ناديك، أو حيثما كنت) .

ضعيف

أخرجه البيهقي في "الشعب" (1/ 336) عن أبي أسامة عن أبي بكر قال: سمعت يحيى بن أبي كثير قال: قال - صلى الله عليه وسلم - لرجل ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل؛ يحيى بن أبي كثير تابعي صغير، كل رواياته عن التابعين.

وأبو بكر هذا؛ لم أعرفه الآن.

 

(10/745)

 

 

4989 - (يقول الله عز وجل: من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) .

ضعيف

أخرجه البخاري في "التاريخ" (1/ 2/ 115) ، والبيهقي في "الشعب" (1/ 337) من طريقين عن صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير بن عتيق عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده.

 

(10/745)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ صفوان هذا؛ لم يوثقه أحد غير ابن حبان.

ومع ذلك فقد أعاده في "الضعفاء" فقال:

"منكر الحديث، يروي عن الأثبات ما لا أصل له، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق فيه الثقات".

ثم أخرج له البيهقي شاهداً من طريق الضحاك بن حمرة عن يزيد بن حميد عن جابر بن عبد الله مرفوعاً به.

قلت: ويزيد هذا لم أعرفه.

والضحاك بن حمرة مختلف فيه؛ فوثقه ابن راهويه وابن حبان، وحسن له الترمذي؛ لكن قال ابن معين:

"ليس بشيء". وقال النسائي، والدولابي:

"ليس بثقة". وقال الدراقطني:

"ليس بالقوي، يعتبر به". وقال ابن عدي:

"أحاديثه غرائب". وقال في بعض النسخ:

"متروك الحديث".

ولذلك جزم الحافظ في "التقريب" بأنه:

"ضعيف".

وقد روي الحديث عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:

"القرآن" بدل: "ذكري"، وإسناده ضعيف جداً، كما بينته في "التعليق الرغيب" (2/ 206) .

 

(10/746)

 

 

وتحسين الترمذي إياه - ولغيره -؛ من تساهله الذي عرف به، ونبهت عليه مراراً!

وسرقه بعضهم؛ فرواه بإسناد صحيح عن حذيفة بلفظ حديث الترجمة؛ إلا أنه قال:

"أعطيته قبل أن يسألني".

أخرجه ابن عساكر في "جزء فضيلة ذكر الله عز وجل" (ق 2/ 2) عن عبد الرحمن بن واقد الواقدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن ربعي عن حذيفة.

والواقدي هذا؛ قال ابن عدي:

"يحدث بالمناكير عن الثقات، ويسرق الحديث".

ثم ذكر له حديثاً سرقه، وقال - عن عبد ان الأهوازي -:

"وهو فيه أبطل، أو قال: الباطل".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"!

4990 - (ما يأتي على هذا القبر من يوم؛ إلا وهو ينادي بصوت طلق ذلق: يا ابن آدم! كيف نسيتني؟! ألم تعلم أني بيت الوحدة، وبيت الغربة، وبيت الوحشة، وبيت الدود، وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه؟! القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 82/ 1 - ترتيبه) عن محمد بن

 

(10/747)

 

 

أيوب بن سويد: حدثنا أبي: حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:

خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فجلس إلى قبر منها، فقال ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن الأوزاعي إلا أيوب، تفرد بن ابنه".

قلت: وهو متهم بالوضع؛ قال الحاكم، وأبو نعيم:

"روى عن أبيه أحاديث موضوعة". وقال ابن حبان:

"كان يضع الحديث". قال أبو زرعة:

"رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة".

وذكر له الذهبي بعضها.

وأبوه أيوب؛ قريب منه في الضعف. وساق له ابن عدي جملة مناكير من غير رواية ابنه عنه.

قلت: ومن ذلك تعلم أن اقتصار المنذري في "الترغيب" (4/ 129) على الإشارة إلى تضعيف الحديث، والهيثمي في "المجمع" (3/ 46) على تضعيف محمد بن أيوب، تضعيفاً ليناً، ودون أن يضعف معه أباه؛ كل ذلك تساهل غير محمود!!

وقد روي بعض هذا الحديث من رواية عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

أخرجه الترمذي (2/ 129) . وقال:

 

(10/748)

 

 

"حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"!

قلت: أنى له الحسن، وعطية ضعيف مدلس.

والوصافي ضعيف جداً.

وبه أعله المنذري فقال:

"وهو واه".

وذكر ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 131) من طريق ابن أبي بزة عن مؤمل ابن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال:

مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمجلس من مجالس الأنصار وهم يمزحون ويضحكون؛ فقال:

"أكثروا ذكر هادم اللذات. يعني: الموت. وقال:

"قال أبي: هذا حديث باطل لا أصل له".

قلت: لكن قوله: "أكثروا ... " (1) .

4991 - (إن الله قال: يا عيسى! إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. فقال: يا رب! كيف يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم؟! قال: أعطيهم من حلمي وعلمي) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (1/ 348) ، وأحمد (6/ 450) ، وأبو نعيم في "الحلية"

__________

(1) كذا أصل الشيخ - رحمه الله -! ولعله يريد أن يقول: لكن قوله " أكثروا ... " صحيح ثابت من حديث جمع من الصحابة، وهو مخرج في " الإرواء " (682) ! (الناشر)

 

(10/749)

 

 

(1/ 227) ، وابن أبي الدنيا في "الصبر" (ق 47/ 1) ، والخرائطي في "فضيلة الشكر" (ق 129/ 1) ، والبيهقي في "الشعب" (4/ 115/ 4482) ، وابن عساكر في "التاريخ" (14/ 127/ 1) من طريق معاوية بن صالح عن أبي حلبس يزيد بن ميسرة أنه سمع أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح على شرط البخاري"! ووافقه الذهبي!! وقال أبو نعيم:

"تفرد به معاوية بن صالح عن أبي حلبس".

قلت: وهو مجهول الحال؛ أورده ابن أبي حاتم (4/ 2/ 288) برواية معاوية بن صالح عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وروى عنه أيضاً صفوان بن عمرو؛ كما في "التعجيل"، وذكره ابن حبان في "الثقات" على قاعدته في توثيق المجهولين!

قلت: ومن ذلك تعلم خطأ تصحيح الحاكم والذهبي؛ فإن أبا حلبس هذا لم تثبت عدالته، فضلاً عن أنه لم يخرج له البخاري مطلقاً، بل ولا أحد من سائر الستة!

وكذا معاوية بن صالح؛ لم يخرج له البخاري!

4992 - (نعم - وأبيك! - لتنبأن) .

منكر

أخرجه مسلم (8/ 2) ، وابن ماجه (2/ 157) ، وأبو يعلى (10/ 480/ 6092) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة - وهذا في "المصنف" (8/ 541) -: حدثنا شريك عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال:

 

(10/750)

 

 

جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! نبئني من أحق الناس مني بحسن الصحبة؟ فقال ... فذكره.

"أمك". قال: ثم من؟ قال:

"ثم أمك". قال: ثم من؟ قال:

"ثم أمك". قال: ثم من؟ قال:

"ثم أبوك". قال: نبئني يا رسول الله! عن مالي كيف أتصدق فيه؟ قال:

"نعم - والله! - لتنبأن: تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخاف الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت نفسك ههنا؛ قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان، وهو لهم وإن كرهت".

والسياق لابن ماجه وأبي يعلى.

وليس عند مسلم - وكذا ابن أبي شيبة - قضية الصدقة؛ إلا من طريق أخرى عن عمارة.

وكذلك هي عند أحمد كما يأتي؛ إلا أن هذا أخرج القضية الأولى من طريق أخرى عن شريك فقال (2/ 391) : حدثنا أسود بن عامر: حدثنا شريك به؛ إلا أنه قال ... فذكر القضية الأولى وقال فيها:

"نعم - والله! - لتنبأن"؛ كما في القضية الثانية عند ابن ماجه.

وخالفه ابن أبي شيبة، وعنه مسلم؛ فقال:

"وأبيك" مكان: "والله"!

 

(10/751)

 

 

وهذا من أوهام شريك عندي، والصواب رواية الأسود إن كانت محفوظة عن عمارة في هذه الجملة؛ لأنها لم ترد عند الثقات كما يأتي. وقال الحافظ في "الفتح" (10/ 329-330) عقبها:

"فلعلها تصحفت"!

وأقول: بل الأقرب أنها من شريك نفسه - وهو ابن عبد الله القاضي -؛ فإنه سيىء الحفظ، فاضطرب في ضبط هذه الجملة، فقال مرة:

"والله". وأخرى:

"وأبيه".

وقد تابعه فيها في القضية الثانية: ابن فضيل عن عمارة بلفظ:

جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال:

"أما - وأبيك! - لتنبأنه: أن تصدق ... " الحديث.

أخرجه أحمد (2/ 231) : حدثنا محمد بن فضيل به.

وأخرجه مسلم (3/ 93) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا: حدثنا ابن فضيل به.

ومن هذا الوجه رواه البخاري في "الأدب المفرد" (778) .

وخالفهم أحمد بن حرب فقال: حدثنا محمد بن فضيل به؛ دون قوله:

"أما - وأبيك! - لتنبأنه".

أخرجه النسائي (2/ 125) .

 

(10/752)

 

 

وتابعه أبو كريب: أخبرنا محمد بن فضيل به.

أخرجه أبو يعلى (11/ 482) .

وتابعه في بعضه جرير بن عبد الحميد عن عمارة بن القعقاع به؛ دون قوله:

"أما - وأبيك! - ... ".

أخرجه أحمد (2/ 250) : حدثنا جرير به.

ومن طريقه: ابن حبان (3324) .

وأخرجه مسلم (3/ 93) ، وابو يعلى (4/ 1444) من طريق زهير بن حرب: حدثنا جرير به؛ مثل رواية أحمد بن حرب؛ ليس فيه:

"أما - وأبيك! - لتنبأنه".

وكذلك رواه عبد الواحد بن زياد: حدثنا عمارة بن القعقاع بن شرمبة به.

أخرجه أحمد (2/ 415) ، والبخاري (3/ 221) ، ومسلم (3/ 94) .

وتابعه سفيان الثوري عن عمارة به.

أخرجه أحمد (2/ 447) ، والبخاري (5/ 387) ، والنسائي (1/ 353) ، وابن حبان (434) .

هذا ما يتلعق بالقضية الثانية.

وأما الأولى؛ فقد خالفه جرير أيضاً؛ فرواه عن عمارة به؛ دون قوله:

"نعم - وأبيك! - لتنبأن".

أخرجه البخاري (10/ 329) ، ومسلم (8/ 2) ، وأبو يعلى (10/ 468) ، وابن

 

(10/753)

 

 

حبان (1435،3301،3324 - الإحسان) .

قلت: ويتحرر عندي من هذا التخريج أنه قد اختلف على عمارة بن القعقاع في ذكر الحلف بالأب: فتفرد بذكره شريك ومحمد بن فضيل، على خلاف في ذلك عليهما، ولم يذكره جرير بن عبد الحميد، وعبد الواحد بن زياد، وسفيان الثوري عن عمارة.

والقلب يطمئن لروايتهم؛ لأنهم أكثر وأحفظ. زد على ذلك أنه لم يختلف عليهم في ذلك؛ بخلاف شريك وابن فضيل؛ فقد اختلف الرواة في ذلك عليهما كما رأيت، وذلك مما يضعف الثقة بزيادتهما على الثقات.

وإذا لم يكن هذا كافياً في ترجيح رواية الأكثر عن عمارة بن القعقاع؛ فلا أقل من التوقف في ترجيح رواية شريك وابن فضيل المخالفة لهم.

ولكن الأمر ينعكس تماماً حينما نجد لعمارة متابعين عن أبي زرعة، لم يذكروا في الحديث الحلف مطلقاً، وهما:

1- عبد الله بن شبرمة عن أبي زرعة بن عمرو عن أبي هريرة بالقضية الأولى.

أخرجه مسلم، وأحمد (2/ 327-328) ، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (5) ، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2241) من طرق عنه.

2- يحيى بن أيوب: حدثنا أبو زرعة به.

أخرجه عبد الله بن المبارك في "البر والصلة" رقم (6) ، وعنه أحمد (2/ 402) ، والبخاري في "الأدب" (6) .

وسنده صحيح على شرط الشيخين.

 

(10/754)

 

 

وعلقه - مع الذي قبله - البخاري في "صحيحه" بصيغة الجزم.

قلت: فاتفاق هذين الثقتين - مع رواية الأكثر عن عمارة - لا يدع شكاً في أن روايتهم هي الأرجح.

ومن ذلك؛ يتبين أن زيادة الحلف بالأب في هذا الحديث زيادة شاذة غير محفوظة.

وإن مما يؤكد ذلك: أن الحديث قد جاء من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، مثل رواية الجماعة عن أبي زرعة ... ليس فيه الحلف بالأب.

أخرجه ابن المبارك (رقم 5) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (3) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (20121) ، وغيرهم، وحسنه الترمذي، وهو مخرج في "المشكاة"، و"الإرواء" (837،2170) .

واعلم أن الغرض من هذا البحث إنما هو مجرد التثبت من هذه الزيادة؛ هل صحت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بالذات أم لا؟ وليس لأنه معارض للأحاديث الكثيرة المصرحة بالنهي عن الحلف بغير الله؛ فإنه لو صح فالجواب عنه معروف من وجوه ذكرها الحافظ وغيره، ويكفي في ذلك قاعدة: (القول مقدم على الفعل عند التعارض) .

ولقد أوحى إلي هذا البحث وجوب إعادة النظر في الزيادة المشابهة لهذه؛ والتي وقعت في حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال:

جاء رجل (وفي رواية: أعرابي) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد، ثائر الرأس، نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دنا؛ فإذا هو يسأل عن الإسلام (وفي رواية: فقال: يا رسول الله! أخبرني ماذا فرض الله علي من

 

(10/755)

 

 

الصلاة) ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"خمس صلوات في اليوم والليلة". فقال: هل علي غيرها؟ قال:

"لا؛ إلا أن تطوع". (قلت: ثم سأل عن الصيام والزكاة، وفيه) فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام، قال: هل علي غيرها؟ قال:

"لا؛ إلا أن تطوع". قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله! لا أزيد على هذا ولا أنقص [مما فرض الله علي شيئاً] ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"أفلح إن صدق".

أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" - والسياق للبخاري، مع رواياته وزياداته حسبما جاء في كتابي "مختصر البخاري" رقم (36) -؛ أخرجاه من طريق مالك عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة ...

وكذلك أخرجه أبو داود وغيره عن مالك، وهو مخرج في كتابي "صحيح أبي داود" برقم (414) .

وقد تابعه إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل به.

أخرجاه أيضاً من حديث قتيبة بن سعيد: حدثنا إسماعيل بن جعفر به.

أخرجه البخاري في موضعين (4/ 82 و 12/ 278) عن قتيبة به.

وأما مسلم فقال: حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد جميعاً عن إسماعيل بن جعفر ... لم يسق الحديث؛ وإنما قال:

بهذا الحديث، نحو حديث مالك؛ غير أنه قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح - وأبيه! - إن صدق". أو: "دخل الجنة - وأبيه! - إن صدق".

 

(10/756)

 

 

قلت: فزاد في الحديث: "وأبيه"، مع تردده في قوله: "أفلح"، أو: "دخل الجنة"!

وظاهره أنه من يحيى وقتيبة معاً؛ وعليه؛ فقد وقع فيه خلاف حول هذه الزيادة بين ثلاث طوائف:

الأولى: البخاري ومسلم؛ في روايتهما عن قتيبة بن سعيد.

الثانية: بين قتيبة وغيره من جهة، ويحيى بن أيوب وغيره من جهة أخرى؛ في الرواية عن إسماعيل بن جعفر.

الثالثة: بين مالك وإسماعيل بن جعفر.

وبيان هذا الإجمال على ما يلي:

أما الأولى؛ فالبخاري لم يذكر في روايته عن قتيبة تلك الزيادة؛ خلافاً لمسلم على ظاهر روايته، ولم أجد - فيما وقفت عليه الآن من الروايات - متابعاً لأي منهما؛ إلا أنه مما لا شك فيه أن البخاري مقدم في حفظه وإتقانه على مسلم، لا سيما وأن رواية هذا ليست صريحة في المخالفة؛ لاحتمال أن تكون الزيادة ليحيى ابن أيوب وحده دون قتيبة الذي قرنه مسلم به؛ لأته مشارك له في رواية أصل الحديث لا في الزيادة! هذا محتمل. والله أعلم.

وأما الثانية؛ فلكل من قتيبة ويحيى بن أيوب متابع:

أما قتيبة؛ فتبعه علي بن حجر: عند النسائي (1/ 297) ، على خلاف عليه يأتي.

لكن المتابعين ليحيى أكثر؛ فتابعه يحيى بن حسان: عند الدارمي (1/ 370-371) ، وعلي بن حجر أيضاً: عند ابن خزيمة في "صحيحه" (306) ، وكذا ابن

 

(10/757)

 

 

منده - خلافاً لرواية النسائي -، وداود بن رشيد: عند البيهقي (2/ 446) ؛ لكن ذكر المحقق أن في نسخة: "والله" بدل: "وأبيه".

وعلى كل حال؛فرواية يحيى - حتى الآن - أرجح من رواية قتيبة؛ لاقترانها بمتابع قوي لم يختلف عليه، وهو يحيى بن حسان - وهو التنيسي -؛ وهو ثقة من رجال الشيخين؛ بخلاف متابع قتيبة - وهو علي بن حجر -؛ فقد اختلف عليه كما رأيت.

وأما الثالثة؛ فقد تبين مما سبق أن مدار الحديث على أبي سهيل، وأن رواه عنه مالك وإسماعيل، وأنهما اختلفا عليه في زيادة: "وأبيه"؛ فأثبتها إسماعيل، ولم يذكرها مالك. فيرد حينئذ - في سبيل التوفيق بينهما - قاعدتان مشهورتان:

إحداهما: زيادة الثقة مقبولة.

والأخرى: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه مردودة.

فعلى أيهما ينبغي الاعتماد والعمل هنا؟!

الذي تحرر عندي - من علم المصطلح، ومن تطبيقهم له على مفردات الأحاديث - أنه لا اختلاف بين القاعدتين؛ فإن الأولى محمولة على ما إذا تساويا في الثقة والضبط. وأما إذا اختلفا في ذلك؛ فالاعتماد على الأوثق والأحفظ.

وبذلك تلتقي هذه القاعدة مع القاعدة الأخرى ولا تختلفان أبداً، ويسمى حديث الأوثق حينذاك: محفوظاً، ومخالفه: شاذاً.

وهذا هو المعتمد في تعريف (الشاذ) بحسب الاصطلاح؛ كما قال الحافظ (1) .

__________

(1) انظر " شرح النخبة " للحافظ ابن حجر (ص 9، 14)

 

(10/758)

 

 

إذا عرفت هذا؛ فقد تمهد لدينا إمكانية ترجيح رواية مالك على رواية إسماعيل بمرجحات ثلاثة:

الأول: أن مالكاً أوثق من إسماعيل؛ فإن هذا - وإن كان ثقة -؛ فمالك أقوى منه في ذلك وأحفظ. ويكفي في الدلالة على ذلك أن الإمام البخاري سئل عن أصح الأسانيد؟ فقال:

مالك عن نافع عن ابن عمر. وقال عبد الله بن أحمد:

قلت لأبي: من أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء.

الثاني: أن مالكاً لم يختلف الرواة عليه في ذلك؛ خلافاً لإسماعيل؛ فمنهم من رواه عنه مثل رواية مالك، كما سبق.

الثالث: أنني وجدت لروايته شاهداً بل شواهد؛ خلافاً لرواية إسماعيل.

فلا بأس من أن أسوق ما عرفت منها:

الأول: عن أنس؛ وله طريقان:

الأولى: عن قتادة عنه قال:

سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كم افترض الله عز وجل على عباده من الصلوات؟ قال:

"افترض الله على عباده صلوات خمساً". قال: يا رسول الله! قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال:

"افترض الله على عباده صلوات خمساً". فحلف الرجل لا يزيد عليه شيئاً، ولا ينقص منه شيئاً. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

 

(10/759)

 

 

"إن صدق الرجل؛ ليدخلن الجنة".

أخرجه النسائي (1/ 80) ، وابن حبان (1444) ، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 270) من طريق نوح بن قيس عن خالد بن قيس عن قتادة عنه.

قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وقد مضى في "الصحيحة" برقم (2794) .

الثانية: عن ثابت عنه به مطولاً؛ وفيه سؤال الرجل عن الزكاة أيضاً، وعن صوم رمضان والحج، وفيه قوله:

ثم أولى، قال: والذي بعثك بالحق! لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"لئن صدق؛ ليدخلن الجنة".

أخرجه مسلم (1/ 32) ، وأبو عوانة (1/ 2-3) ، والترمذي (619) - وحسنه -، والنسائي (1/ 297) ، والدارمي (1/ 164) ، والبغوي في "شرح السنة" رقم (4،5) ، وابن أبي شيبة في "الإيمان" (رقم 5 - بتحقيقي) ، وأحمد (3/ 143،193) ، ابن منده في "الإيمان" (ق 16/ 2) من طرق عن سليمان بن المغيرة عنه.

وعلق البخاري في "صحيحه" بعضه (1/ 25/ 19 - مختصر البخاري - بقلمي) .

وكنت عزوته إليه عزواً مطلقاً في تعليقي على "الإيمان"، فأوهم أنه عنده مسند أيضاً؛ فليقيد.

الثاني: عن أبي هريرة:

أن أعرابياً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال:

 

(10/760)

 

 

"تعبد الله لا تشرك به شيئاً" (ثم ذكر - صلى الله عليه وسلم - الصلاة والزكاة ورمضان) . قال: والذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا شيئاً أبداً، ولا أنقص منه. فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة؛ فلينظر إلى هذا".

أخرجه مسلم (1/ 33) ، وأبو عوانة (1/ 4) ، وابن منده (16/ 2) .

الثالث: عن ابن عباس؛ وله عنه طريقان:

الأولى: عن سالم بن أبي الجعد عنه قال:

جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ... الحديث نحو حديث أنس من الطريق الثاني؛ وفي آخره:

فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، ثم قال:

"والذي نفسي بيده! لئن صدق؛ ليدخلن الجنة".

أخرجه الدارمي (1/ 165) ، وابن أبي شيبة في "الإيمان" (رقم 4 - بتحقيقي) عن ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سالم بن أبي الجعد ...

قلت: ورجال إسناده ثقات رجال البخاري؛ إلا أن عطاء بن السائب كان اختلط.

والأخرى: عن كريب مولى ابن عباس عنه نحوه؛ وفيه تسمية الرجل بـ: (ضمام ابن ثعلبة) ؛ وفيه قال:

ثم قال: لا أزيد ولا أنقص، ثم انصرف إلى بعيره. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولى:

 

(10/761)

 

 

"إن يصدق ذو العقيصتين؛ يدخل الجنة".

أخرجه الدارمي، وأحمد (1/ 250،264) من طريق محمد بن إسحاق: حدثني سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد بن نويفع عنه.

قلت: وهذا إسناد حسن. وسكت عليه الحافظ (1/ 161) مشيراً بذلك إلى تقويته.

وقد جاءت تسميته بـ: (ضمام بن ثعلبة) في طريق ثالثة عن أنس بن مالك؛ نحو الطريق الثاني عنه باختصار بلفظ:

فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنبأنا رسول من ورائي من قومي، وأنبأنا ضمام ابن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر.

أخرجه البخاري (50 - المختصر) ، والنسائي (1/ 297) ، وأحمد (3/ 168) ، وابن منده من طريق عن الليث عن سعيد عن شريك بن أبي نمر أنه سمع أنس ابن مالك.

وإسناده على شرط الشيخين؛ على ضعف في شريك هذا.

وبالجملة؛ فهذه شواهد ثلاثة لحديث مالك؛ من رواية أنس وابن عباس وأبي هريرة، لم يرد فيها تلك الزيادة:

"وأبيه"، فدل ذلك على أنها زيادة شاذة غير محفوظة.

ومما لا شك فيه أن الاستشهاد المذكور، إنما هو باعتبار أن الحادثة واحدة في الأحاديث الأربعة، وهو الذي صرح به ابن بطال وآخرون في خصوص الحديثين الأولين: حديث طلحة، وحديث أنس، فجزموا بأن الرجل المبهم في الحديث

 

(10/762)

 

 

الأول: هو ضمام بن ثعلبة المصرح به في بعض طرق الحديث الثاني، وحديث ابن عباس أيضاً الثالث. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 88) :

"والحامل لهم على ذلك: إيراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة، ولأن في كل منهما أنه بدوي، وأن كلاً منهما قال في آخر حديثه: لا أزيد على هذا ولا أنقص".

قلت: وكذلك في حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة كما تقدم؛ فهي أحاديث أربعة، تتحدث عن قصة واحدة، فإذا تفرد أحد الرواة عنهم بشيء دون الآخرين؛ قام في النفس مانع من قبولها، لا سيما إذا اختلف عليه في ذلك؛ كهذه الزيادة: "وأبيه"؛ لأنه يلزم من قبولها توهيم الرواة الآخرين، ونسبتهم إلى قلة الضبط والحفظ. وإذا كان لا بد من ذلك؛ فنسبة الفرد الواحد إلى ذلك أولى، كما لا يخفى على أولي النهى.

وأما ما ذكره الحافظ عن القرطبي؛ أنه تعقب جزم ابن بطال المتقدم؛ بأن سياق حديث طلحة وأنس، مختلف، وأسئلتهما متباينة! فالجواب:

أنه لا اختلاف ولا تباين في الحقيقة؛ وإنما هو الاختصار من بعض الرواة حسب المناسبات؛ ألا ترى إلى حديث أنس من الطريق الأولى كم هو مختصر عنه في الطريق الأخرى؟! فهل يقول قائل: إنهما يتحدثان عن قصتين مختلفتين؛ لتباين الأسئلة فيهما؟! وكذلك يقال عن حديث ابن عباس في طريقيه!

فإذا كان هذا الاختلاف في حديث الرواي الواحد لا يدل على تعدد القصة؛ فأولى أن لا يدل عليه الاختلاف في حديث راويين مختلفين. وهذه هي طريقة العلماء المحققين.

 

(10/763)

 

 

ألا ترى إلى العلامة ابن القيم في (فصل صلاة الخوف) من كتابه "زاد المعاد"؛ كيف أنه لم يجعل كل رواية رويت في صلاة الخوف صفة مستقلة؟! بل أنكر ذلك فقال:

"وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف صفات أخر ترجع كلها إلى هذا، وهذه أصولها، وربما اختلف بعض ألفاظها، وقد ذكرها بعضهم عشر صفات، وذكرها ابن حزم نحو خمس عشرة صفة، والصحيح ما ذكرناه أولاً (يعني: ست صفات) ؛ وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة؛ جعلوا ذلك وجوهاً من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من اختلاف الرواة".

والخلاصة: أن الزيادة المذكورة في حديث طلحة - وكذا في حديث أبي هرية الذي قبله - زيادة شاذة لا تصح عندي. ومن صححها؛ فإنما نظر إلى كون راويها - إسماعيل بن جعفر - ثقة، دون النظر إلى المخالفة - مالك - له فيها، واختلاف الرواة على إسماعيل في إثباتها.

فلا جرم أن أعرض عن روايتها إمام الأئمة أبو عبد الله البخاري، وهذا هو غاية الدقة في التخريج، جزاه الله خيراً.

ثم إنه قد بدا لي شيء آخر أكد لي نكارة الزيادة في حديث طلحة خاصة، ألا وهو أنه بينما نرى الأعرابي السائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام؛ يحلف بالله دون سواه؛ إذا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - يحلف بأبيه كما تقول الزيادة! فهذه المقابلة مستنكرة عندي مهما قيل في تأويل الزيادة. والله أعلم.

ثم رأيت ابن عبد البر قد جزم في "التمهيد" (14/ 367) بأن الزيادة غير محفوظة - كما سيأتي -؛ فالحمد لله على توفيقه.

 

(10/764)

 

 

(تنبيه) : خفي هذا التحقيق - حول حديث الترجمة - على كثير من المتقدمين والمتأخرين؛ اتكالاً منهم على وروده في "الصحيح"، دون أن يتنبهوا لما جاء في تعريف الحديث الصحيح في علم المصطلح؛ من قولهم: "ولم يشذ ولم يعل"! أو لوجود زيادة في بعض الطرق دون بعض؛ فيحيل في حديث الزيادة - الضعيف سنده - على الحديث الخالي منها لصحة سنده!

وهذا ما وقع فيه المعلق على "مسند أبي يعلى"، فإنه لما تكلم على حديث الزيادة من طريق شريك؛ قال (10/ 480) :

"إسناده ضعيف؛ لضعف شريك بن عبد الله القاضي"، فأصاب؛ إلا أنه تابع فقال:

"غير أن الحديث صحيح، وقد تقدم برقم (6082) ، وسيأتي برقم (6094) ، وأما الجزء الثاني (يعني: الذي فيه ذكر الصدقة) ، فقد تقدم برقم (6080) ، وإسناده صحيح أيضاً"!

فأخطأ في هذا التصحيح؛ لأن الحديث بالأرقام الثلاثة التي أشار بها إليه؛ ليس فيها جملة القسم بالله أو أبيه؛ وهي شاذة كما علمت.

ومن هذا القبيل: زيادة تفرد بها ابن حبان (1/ 329/ 434) في آخر القضية الأولى بلفظ:

قال: فيرون أن للأم ثلثي البر.

وإسناده هكذا: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال: حدثنا سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به.

 

(10/765)

 

 

قلت: وإبراهيم بن بشار - وإن كان صدوقاً -؛ ففيه كلام من قبل حفظه. ولذلك قال الذهبي في "الكاشف":

"ليس بالقوي".

وأصل هذا: ما رواه عبد الله بن أحمد في "العلل" (2/ 332/ 2315) - وعنه ابن أبي حاتم في "الجرح" - عن أبيه أحمد أنه قال في إبراهيم هذا:

"كان يحضر معنا عند سفيان، ثم يملي على الناس ما سمعوه من سفيان، وربما أملى عليهم ما لم يسمعوا، كأنه يغير الألفاظ، فتكون زيادة في الحديث. فقلت له: ألا تتقي الله؟! تملي عليهم ما لم يسمعوا؟! وذمه في ذلك ذماً شديداً".

وقول البخاري في "التاريخ" (1/ 1/ 277) :

"يهم في الشيء بعد الشيء"، وقول ابن معين:

"لم يكن يكتب عند سفيان، وكان يملي على الناس ما لم يقله سفيان".

وراجع "التهذيب" إن شئت.

وأقول: ويؤيد ما قاله هؤلاء الأئمة - جزاهم الله عن المسلمين خيراً! - إن الحديث أخرجه الحميدي في "مسنده" (2/ 476/ 1118) قال: حدثنا سفيان به؛ دون قوله:

فيرون أن للأم ثلثي البر.

وتابعه أبو بكر محمد بن ميمون المكي: حدثنا سفيان بن عيينة به.

أخرجه ابن ماجه (3658) .

وشيخه محمد هذا؛ وثقه بعضهم، وكنيته في "التهذيب": (أبو عبد الله) . فالله أعلم.

 

(10/766)

 

 

قلت: فالزيادة المذكورة منكرة؛ لمخالفة الرمادي للحافظ الحميدي ومن تابعه من جهة، ولعدم ورودها في الطرق الأخرى المتقدمة.

ومن هذا التحقيق؛ تعلم خطأ قول المعلق على "الإحسان" (2/ 176 - مؤسسة الرسالة) :

"إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ غير إبراهيم بن بشار الرمادي؛ وهو حافظ، وقد توبع ... "!! ثم أفاض في تخريجه!!

فأقول:

أولاً: ليس إسناده بصحيح؛ لما علمت من حال الرمادي في روايته عن سفيان.

ثانياً: لو سلم منه؛ فدونه الراوي عنه أبو خليفة - واسمه الفضل بن الحباب -، وليس من رجال الشيخين، ولا بقية الستة! ثم هو مختلف فيه: فمنهم من وثقه، ومنهم من تكلم فيه. وقد ساق له الحافظ في "اللسان" حديث جابر رفعه:

"من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء ... " الحديث. واستظهر أن الغلط فيه من أبي خليفة. والله أعلم.

ثالثاً: لو سلمنا - فرضاً - بصحة إسناده؛ فذلك مما لا يستلزم صحة متنه؛ إلا إذا سلم من الشذوذ والعلة، وهو غير سالم كما عرفت مما سبق. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وبعد تخريج حديث طلحة بن عبيد الله من رواية إسماعيل بن جعفر بسنين؛ طبع كتاب "التمهيد" للحافظ ابن عبد البر، فرأيته ذكر هذا الحديث تحت حديث:

 

(10/767)

 

 

"إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ... " الحديث، متفق عليه، وهو مخرج في "الإرواء" (2560) ، أورده تحته؛ لمخالفته إياه في الحلف بالأب، فقال (14/ 367) مجيباً عن هذه الزيادة:

"هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث من يحتج به، وقد روى هذا الحديث مالك وغيره عن أبي سهيل؛ لم يقولوا ذلك فيه. وقد روي عن إسماعيل بن جعفر هذا الحديث وفيه: "أفلح - والله! - إن صدق" أو: "دخل الجنة - والله! - إن صدق"، وهذا أولى من رواية من روى: "وأبيه"؛ لأنها لفظة منكرة، تردها الآثار الصحاح".

قلت: فوافق قول هذا الحافظ ما كنت انتهيت إليه من شذوذ هذه اللفظة. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

وقد رويت هذه اللفظة في قصة أخرى، وهي منكرة أيضاً فيها، وسيأتي تخريجها والكلام عليها برقم (6311) .

4993 - (إن الله إذا أحب عبد اً وأراد أن يصافيه؛ صب عليه البلاء صباً، وثجه عليه ثجاً؛ فإذا دعا العبد قال: يا رباه! قال الله: لبيك عبد ي! لا تسألني شيئاً إلا أعطيتك؛ إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (85/ 2-86/ 1) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: ويزيد هذا ضعيف.

ولذلك أشار المنذري (4/ 146-147) إلى تضعيف الحديث.

 

(10/768)

 

 

4994 - (إن الله عز وجل يقول للملائكة: انطلقوا إلى عبد ي فصبوا عليه البلاء صباً. فليأتونه فيصبون عليه البلاء صباً، فيحمد الله. فيرجعون فيقولون: ربنا! صببنا عليه البلاء كما أمرتنا. فيقول: ارجعوا؛ فإني أحب أن أسمع صوته) .

ضعيف جداً

أخرجه المخلص في "العاشر من حديثه" (207/ 1) : حدثنا عبد الواحد: حدثنا أيوب بن سليمان: حدثنا أبو اليمان: حدثنا عفير بن معدان عن سليم ابن عامر عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عفير هذا؛ وهو ضعيف جداً، كما تقدم برقم (293) ، ونقلته ثمة عن الهيثمي.

وأما في هذا الحديث؛ فقال (2/ 291) : إنه ضعيف، فقط! والصواب الأول. وعزاه للطبراني في "الكبير".

وكذلك صنع المنذري (4/ 147) ؛ وأشار إلى تضعيف الحديث.

وأخرجه الطبراني (8/ 195/ 7697) ، والبغوي أيضاً في "شرح السنة" (1425) من الوجه المذكور.

 

(10/769)

 

 

4995 - (إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به؛ كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار: فمنه ما يخرج كالذهب الإبريز؛ فذلك الذي نجاه الله من الشبهات، ومنه ما يخرج كالذهب دون ذلك؛ فذلك الذي يشك بعض الشك، ومنه ما يخرج كالذهب الأسود؛ فذلك الذي قدافتتن) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الكفارات" (86/ 1) ، ومن طريقه

 

(10/769)

 

 

الأصفهاني في "الترغيب" (59/ 1) من طريق عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ لما سبق في الذي قبله.

وبه: أخرجه الطبراني؛ كما في "الترغيب"، و "المجمع"؛ وضعفاه.

4996 - (للمصيبات والأوجاع أسرع في ذنوب العبد مني في هذه الشجرة) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى (3/ 1063) ، وابن أبي الدنيا (70/ 2،73/ 1) عن حسن بن صالح عن جابر الجعفي عن زياد النميري عن أنس بن مالك قال:

أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شجرة؛ فهزها حتى تساقط ورقها، ثم قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ زياد النميري ضعيف.

ومثله - بل شر منه - جابر الجعفي.

ولذلك أشار المنذري إلى تضعيف الحديث (4/ 149) .

وقصر الهيثمي في "المجمع" (2/ 301) ؛ فأعله بضعف الجعفي فقط!

 

(10/770)

 

 

4997 - (كان إذا فرغ من صلاته؛ رفع يديه وضمهما وقال: رب! اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني؛ أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، لك الملك، ولك الحمد) .

منكر بهذا السياق

أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (1154) : أخبرنا

 

(10/770)

 

 

عبد العزيز بن أبي رواد قال: حدثني علقمة بن مرثد وإسماعيل بن أمية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ... إلخ.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لإعضاله؛ فإن علقمة وإسماعيل لم يثبت لهما لقاء أحد من الصحابة.

ثم إن ذكر رفع اليدين وضمهما فيه، وزيادة: "لك الملك ولك الحمد"؛ كل ذلك منكر؛ فقد وصله مسلم من طريق أخرى من حديث علي رضي الله عنه بحديث دعاء الاستفتاح مطولاً؛ وفي آخره:

"وإذا سلم قال: اللهم! اغفر لي ... " إلخ دون الزيادة.

وكذلك أخرجه أبو داود، وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبو داود" (738/ 1352) .

وعزاه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على "الزهد" لأبي داود فقط؛ وهو تقصير واضح!

وبهذه المناسبة أقول: لقد اطلعت منذ ثلاث سنين على الجزء الأول من كتاب بعنوان:

"الألباني شذوذه وأخطاؤه"؛ بقلم أرشد السلفي، طبع المطبعة العلمية - ماليكاؤن (ناسك) الهند، ثم على الجزء الثاني منه؛ فتصفحتهما، فتبين لي أن مؤلفه من متعصبة الحنفية، وله اطلاع لا بأس به على كتب الحديث ورجاله، ولم نعرف شخصه، بل غلب على الظن أن هذا الاسم مزور لا حقيقة له! ولذلك دارت الظنون حول بعض المشهورين بعدائهم الشديد للسنة وأهلها، ولكن لما كان

 

(10/771)

 

 

لا يجوز الحكم بالظن؛ أمسكنا عن الجزم بهويته، ثم بدأت الأخبار تتوارد من هنا وهناك أنه هو الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي المذكور!

فإذا ثبت هذا؛ فإنه يؤسفني أن يحشر نفسه في زمرة أعداء السنة، في الوقت الذي يتظاهر بخدمتها وتحقيق كتبها، ولا يظهر لي شخصياً إلا كل ود واحترام حينما كنا نلتقي به في المكتب الإسلامي في بيروت، وكان يومئذ على تصحيح تجارب كتاب "مصنف عبد الرزاق"!!

وإلى أن نتيقن أنه هو؛ فإنه لا بد لي من أن أشير إلى أن الرد المذكور محشو بالبهت والافتراء علي، وبالجهل بعلم الحديث ومصطلحه، والطعن في أهله؛ كالإمام أحمد وابن تيمية وغيرهما، مع التعصب الشديد للمذهب الحنفي.

وهذا - بالطبع - لا يعني أنه لم يصب في شيء مطلقاً مما انتقدني فيه! فما منا من أحد إلا رد ورد عليه؛ إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال الإمام مالك رحمه الله.

ولدي الآن مسودة الرد على الجزءين المذكورين؛ فإذا انكشف الغطاء وتيقنا أنهما للشيخ الأعظمي؛ استخرنا الله في تبييضهما، عسى الله أن ييسر لنا نشرهما.

4998 - (ما من عبد يمرض؛ إلا أمر الله حافظه أن ما عمل من سيئة فلا يكتبها، وما عمل من حسنة أن يكتبها عشر حسنات؛ وأن يكتب له من العمل الصالح كما كان يعمل وهو صحيح؛ وإن لم يعمل) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 1566) من طريق عبد الأعلى ابن أبي المساور: أخبرنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

 

(10/772)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد الأعلى هذا؛ قال الحافظ:

"متروك. وكذبه ابن معين".

قلت: ومنه تعلم تساهل الهيثمي في قوله (2/ 304) :

"رواه أبو يعلى، وفيه عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو ضعيف"!

قلت: وقد خولف في إسناده؛ فقال ابن أبي الدنيا في "الكفارات" (87/ 1) حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرني أبو مسعود الجريري عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة به.

قلت: فزاد في الإسناد: (عن أبيه) ! ولم أعرفه، ولم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما، ولا غيرهما من المتأخرين؛ فهو علة الحديث؛ فإن رجاله كلهم ثقات؛ غير أن أبا مسعود الجريري كان اختلط قبل موته بثلاث سنين.

لكن للحديث إسناد آخر جيد؛ إلا أنه موقوف، فقال ابن أبي الدنيا (67/ 1) :حدثنا أحمد بن حنبل: أخبرنا عبد الله: أخبرنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي هريرة قال:

إذا مرض العبد المسلم؛ يقال لصاحب اليمين: اكتب على عبد ي صالح ما كان يعمل. ويقال لصاحب الشمال: أقصر عن عبد ي ما كان في وثاقي. فقال رجل عند أبي هريرة: يا ليتني لا أرال (1) ضاجعاً. فقال أبو هريرة: كره للعبد الخطايا.

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين.

__________

(1) كذا الأصل بالإهمال! فيمكن أن تقرأ: (أراك) ، أو: (أزال) .

 

(10/773)

 

 

ثم استدركت، فقلت: الظاهر أنه منقطع؛ فإنهم لم يذكروا لحسان بن عطية رواية عن أبي هريرة وغيره من الصحابة؛ غير أبي أمامة المتوفى سنة (86) ، وقالوا: أرسل عن أبي واقد الليثي؛ وقد توفي سنة (68) ، وأبو هريرة توفي قبله بنحو عشر سنين؛ فإنه توفي سنة (59) على أكثر ما قيل.

وجملة القول؛ أن الحديث ضعيف مرفوعاً وموقوفاً.

4999 - (من عاد مريضاً وجلس عنده ساعة؛ أجرى الله له عمل ألف سنة لا يعصي الله فيها طرفة عين) .

موضوع

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الكفارات" (ق 164/ 1) ، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 161) و "أخبار أصبهان" (1/ 114،325) من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن وهيب بن الورد عن أبي منصور عن رجل من الأنصار [عن أبان] عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال أبو نعيم:

"غريب من حديث وهيب، لم نكتبه إلا من حديث سعيد بن يحيى. وعبد المجيد".

قلت: هو عند بن أبي الدنيا من غير طريق سعيد بن يحيى - وهو ابن سعيد الأنصاري -؛ فإنه قال: حدثنا عبد الوهاب الوراق قال: حدثنا عبد المجيد ...

وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: أبان هذا - وهو ابن أبي عياش - متروك؛ كما قال الحافظ.

الثانية: رجل من الأنصار؛ مبهم.

الثالثة: أبو منصور؛ لم أعرفه.

 

(10/774)

 

 

الرابعة: عبد المجيد بن عبد العزيز؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء، وكان مرجئاً، أفرط ابن حبان فقال: متروك".

والحديث؛ قال المنذري (4/ 163) :

"رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب المرض والكفارات"، ولوائح الوضع عليه تلوح".

(تنبيه) : هكذا لفظ الحديث: "ألف سنة" عند مخرجيه؛ إلا أنه وقع في نسخة أخرى من "الكفارات" بلفظ: "سنة"، فالظاهر أنه سقط منها (ق 71/ 1) لفظة: "ألف"!

ويؤيده أن المنذري لما عزاه إليه؛ ذكره باللفظ الأول: "ألف سنة".

وكأنه لذلك حكم على الحديث بالوضع. والله أعلم.

5000 - (لا ترد دعوة المريض حتى يبرأ) .

موضوع

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الكفارات" (71/ 2) : حدثنا سويد بن سعيد: أخبرنا عبد الرحيم بن زيد عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عبد الرحيم بن زيد - وهو ابن الحواري العمي -؛ كذبه ابن معين. وقال البخاري:

"تركوه".

وأبوه زيد ضعيف.

وسويد بن سعيد؛ كان يتلقن؛ كما تقدم مراراً.

والحديث؛ أورده المنذري (4/ 164) من رواية ابن أبي الدنيا؛ مشيراً لضعفه.

 

(10/775)

 

 

انتهى بفضل الله وكرمه المجلد العاشر من " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة "

ويليه إن شاء الله تعالى المجلد الحادي عشر، وأوله حديث:

5001 - (من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته) .

" وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ".

 

(10/776)

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

المقدمة:

الحمدُ لله وحْدَه، والصلاة والسَّلام على مَنْ لا نبيَّ بَعْدَه، وبعد:

فهذا هو المجلدُ الحادي عشر من " سلسلةِ الأحاديث الضعيفة والموضوعةِ، وأثرها السيئ في الأمة "؛ يَخْرُج إلى عالمِ المطبوعاتِ ليرى النورَ بعد عشراتِ السنين، يخرجُ إلى قُرائهِ ومُنْتَظِرِيه وراغبيهِ بمئاتِ الأحاديثِ الضََّعيفةِ والموضوعةِ في مجالاتِ الشريعة المختلفةِ؛ من العقائد، والآدابِ والأخلاقِ، والأحكامِ، وغير فلكَ مِمَّا سيَراه كل مُحبٍّ للعِلْم وأهلِهِ، يخرجُ ليلحقَ بأمثالِه من المجلداتِ السابقةِ، ليكونَ المسلمُ على بَينَةٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ، فلا ينْسِبُ إلى نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - ما لم يَقُلْهُ، فيقعَ تحتَ وعِيدِ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " كفَى بالمرء إثماً أنْ يُحَدِّبَ بكلِّ ما سَمعَ "، أو تحتَ وعيدِ قولِهِ الآخر: " مَنْ كذب على مُتَعَمِّداً؛ فَلْيَتَبَؤأْ مقعَدَهُ مِنَ النار "، وحتى لا يقعَ المسلمُ في الضلالِ والبدعةِ، ويصرفَ جُهدَهُ ووقتَهُ فيما لم يشرعْهُ الله ورسولُه، وهو يحسَبُ أنه يُحْسِنُ صُنْعاً!!

وسيرى القارئُ الكريمُ تحتَ أحاديثِ هذا المجلَّدِ- كسابقه- الكثيرَ والكثيرَ مِنَ الأبحاثِ والتحقيقاتِ الحديثيَّةِ، والردودِ العلميةِ القويَّةِ، والفوائدِ والتنبيهاتِ الخفيَّةِ؛ كلّ في مكانهِ ومناسبتِهِ، وخُذْ أمثلةً على ذلك الأحاديث:

(5009، 5016، 5020، 5023، 5048، 5035، 5028، 5026، 5025، 5049، 5095، 5086، 5083، 5066، 5096، 1807، 5151، 5120، 5128، 5126، 5135، 514842، 51، 5151، 5154، 5155، 5186، 5182، 5173، 5172، 5158، 5199، 5191-52174، 5206، 520، 5221، 5228، 5235، 5240، 5251، 5254، 5277، 5290، 5296، 5305، 5311، 5320، 5326، 5342، 5353، 5355، 5361، 5371- 5375، 5397، 5412، 5420- 5423، 5433، 5445- 5455، 5458، 5460، 5461، 5464، 5473، 5469، 5484، 5499) .

وبطبيعة الحال؛ فإن هذا المجلد- كسَابِقِه- لم يُراجِعْهُ الشيخُ المراجعةَ الأخيرة لتهيئته للطباعة، ولو فعل لزاد وأفاد، ومن ذلك- بل أهمه- أننا وجَلْنَا عدداً من الأحاديثِ لم

__________

 

[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]

هذه ملاحظات على المجلد الحادي عشر وقفت عليها في موقع ثمرات المطابع - جزاهم الله خيرا - وأحببت إضافتها هنا تنبيها للقارئ

أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة

___________

الملاحظات:

سبق التنبيه على أهم الإشكالات الواردة على كتب الشيخ المطبوعة بعد وفاته رحمه الله وغفر له ومن ذلك:

- أن الشيخ لم يراجع المراجعة النهائية ومن له عناية بكتب الشيخ عرف أهمية هذا العمل بالنسبة لكتبه.

- أن الشيخ لم يحكم على مجموعة من الأحاديث فجاء الناشر بمجموعة من طلاب العلم - حسب وصفه لهم - فوضعوا لها الحكم المناسب عليها من خلال دراسة الشيخ لطرقه وتحقيقه، وليت الناشر سماهم إذن لأحسن الإحالة لو كانت على مليء، وليته أضاف الحكم بين قوسين معكوفتين ليعرف القارئ أن هذه الزيادات على كلام المؤلف رحمه الله تعالى وقد أشار الناشر إلى أرقام هذه الأحاديث في مقدمة المجلد وبلغت 53حديثاً

- وبالطبع خلا هذا المجلد من مقدمات المؤلف المعهودة بطولها وما فيها من فوائد ودراسات وقضايا وردود.

- إلا أن جهد الناشر في العناية بالكتاب، يظهر في التعليقات المختلفة التي تدل على مقابلة الكتاب على كثير من أصوله ونحوها من وجوه العناية الأخرى المشكورة.

- أشار الشيخ إلى حذف حديث رقم 23 من صحيح الكلم الطيب لأنه ذهب إلى ضعفه 11/1/33.

- في الكتاب فائدة هامة حول معنى حديث (زينوا القرآن بأصواتكم) 11/2/524-528.

 

(11/3)

 

 

يُثَبِّتْ عليها الشيخُ- رحمه الله- الحُكْمَ المختصرَ قبلَ التخريجِ- كعادتِه-، فَوَضَعْنَا الحكمَ المناسِبَ عليها من خلالِ دراسةِ الشيخِ لطُرقهِ وتحقيقه، مع الرجوع إلى بعض إخواننا طلابِ العلْمِ في ذلكَ، وإليكَ أرقام هذه الأحاديث كلّها: (5001، 5009، 5020، 5039،5024، 5040، 5146،5044، 5150، 5152، 5157،5155، 5166،5162، 5187، 5217، 5219، 5230، 5242، 5253، 5257، 5260، 5264، 5266، 5268، 5287، 5288، 5291، 5295، 5306، 5308، 5309، 5311، 5314، 5318، 5345، 5349، 5357، 5364، 5376، 5385، 5390، 5392، 5410، 5412، 5415، 5470، 5471، 5473، 5479، 5489، 5490، 5498) .

وهناكَ حديثٌ قُمْنَا بِحَذْفِهِ؛ نظراً لرجوع الشَّيخِ- رحمه الله- عن تضعيفه، وتخرِيجِه إيَّاهُ في " الصحيحة "، وهُو الحديث (5209) ، وآخرُ خُرِّجَ هناكَ، لكنْ لَم نَرَ حَذْفَهُ؛ لأنَّ فيه هنا فَوَائدَ زَوَائدَ على ما هُنَالك، وهو الحديث (5004) .

ووجدنا- أيضاً- بعضَ الأحاديثِ أَخَذَتِ الرقمَ المكررَ قبلَها، فَفَصَلْنا اللاحقَ عن السَّابقِ بوضع [/م] بعد الرقم المكرر، ولم نُعدِّلِ الأرقامَ؛ لأن الشيخَ- رحمه الله- كانَ يُحِيلُ عليها في كُتُبِه الأخرى، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي، وهذه الأحاديث هي: (5043، 5141، 5142) .

وقَدْ وجَدْنَا- أيضاً- قَفْزَاً في ترقيمِ الأحَاديثِ في ثَلاثَةِ مَواضعَ، نَتَجَ عنها سُقُوطُ ثلاثة أرقامً، وهي: (5178، 5278، 5292) .

وأخيراً؛ لا يفُوتنا التوجُّه بالشُّكْرِ إلى كلِّ مَنْ كانتْ له يَدٌ في إنجازِ هذا العملِ العظيم في جَميع مراحِلِهِ؛ بما فيه عمل الفهارس العلميًةِ المختلفة على نحو ما كانتْ تُصْنَعُ في حياةِ الشَيخِ- رحمه الله-؛ فجزاهم الله خيراً، وشَكَرَ لهم.

وصلى الله وسَلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبهِ أجمعين.

26 من جمادى الآخرة 1422 هـ

الناشر

 

(11/4)

 

 

5001 - (من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه) .

ضعيف

رواه الطبري (ج 3 رقم: 2329 ص 223) قال: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) ؛ قال: أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الأمر إلى الله ورجع واسترجع عند المصيبة؛ كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وله علتان:

الأولى: الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس؛ فإنه لم يسمع منه، ولم يره؛ كما قال الحافظ وغيره من المتقدمين والمتأخرين.

والأخرى: الضعف في ابن أبي طلحة نفسه؛ فقد تكلم فيه بعض الأئمة؛ فقال أحمد:

"له أشياء منكرات". وقال يعقوب بن سفيان:

"ضعيف الحديث منكر".

ووثقه العجلي وغيره. وقال الحافظ:

"صدوق يخطىء، أرسل عن ابن عباس".

وجزم بضعفه الهيثمي؛ كما يأتي.

 

(11/5)

 

 

وعبد الله بن صالح فيه ضعف أيضاً؛ كما تقدم مراراً.

والحديث؛ قال الهيثمي (2/ 331) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه علي بن أبي طلحة؛ وهو ضعيف".

ولذلك؛ أشار المنذري في "الترغيب" (4/ 169) إلى ضعف الحديث، وقال:

"وفي رواية له (يعني: الطبراني) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطيت أمتي شيئاً لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ".

قلت: وبين علته الهيثمي فقال: (2/ 330) :

"وفيه محمد بن خالد الطحان؛ وهو ضعيف".

وكذا جزم بضعفه الحافظ في "التقريب".

وحديث الترجمة؛ أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 255/ 13027) ، والسلفي في "الأربعين" (9/ 1 - حديث 28) من الوجه المذكور.

وحديث الطحان الضعيف: عند الطبراني (12/ 40/ 12411) .

5002 - (من حفر قبراً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة، ومن غسل ميتاً؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومن كفن ميتاً؛ كساه الله من حلل الكرامة، ومن عزى حزيناً؛ ألبسه الله التقوى وصلى على روحه في الأرواح، ومن عزى مصاباً؛ كساه الله حلتين من حلل الجنة، لا تقوم لهما الدنيا، ومن اتبع جنازة حتى يقضى دفنها؛ كتبت له ثلاثة قراريط؛

 

(11/6)

 

 

القيراط منها أعظم من جبل أحد، ومن كفل يتيماً أو أرملة؛ أظله الله في ظله وأدخله جنته) .

ضعيف

رواه الطبراني في "الأوسط" (9/ 135/ 9288 - ط) ، (1/ 78/ 1 - من ترتيبه) عن الخليل بن مرة عن إسماعيل بن إبراهيم عن جابر بن عبد الله مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته الخليل بن مرة؛ فإنه ضعيف كما جزم به الحافظ وغيره. وذكره ابن حبان في "الضعفاء" وقال:

"يروي عن جماعة من البصريين والمدنيين من المجاهيل".

قلت: وشيخه إسماعيل بن إبراهيم لم أتيقن من هو، ولا أستبعد أنه الذي في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 155) :

"إسماعيل بن إبراهيم السلمي، ويقال: الشيباني. روى عن ابن عباس. روى عنه يعقوب بن خالد ومحمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة. وبعض الرواة يقول: إبراهيم بن إسماعيل؛ يعد في المدنيين".

قلت: وعليه، فلا أستبعد - أيضاً - أن يكون أحد المدنيين المجاهيل الذين أشار إليهم ابن حبان في كلمته السابقة. وقال الذهبي:

"لا يدرى من ذا؟ ". ونقل في "التهذيب" عن أبي حاتم أنه قال فيه:

"مجهول". ولم أره في كتاب ابنه. والله أعلم.

والحديث؛ قال الهيثمي (3/ 21) :

 

(11/7)

 

 

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الخليل بن مرة؛ وفيه كلام".

ومن طريقه أخرج طرفه الأول منه: ابن شاهين في "الترغيب" (310/ 1) بلفظ:

"من حفر قبراً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة، وأجرى له مثل أجره إلى يوم القيامة".

5003 - (من أتى جنازة في أهلها؛ فله قيراط، فإن اتبعها؛ فله قيراط، [فإن صلى عليها؛ فله قيراط] ، فإن انتظرها حتى تدفن؛ فله قيراط) .

منكر

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 90) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج الصواف: حدثنا معدي بن سليمان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به. حدثنا محمد بن المثنى: حدثنا معدي به. وقال:

"لا نعلم رواه إلا معدي".

قلت: قال أبو زرعة:

"واهي الحديث، يحدث عن ابن عجلان بمناكير". وقال ابن حبان:

"يروي المقلوبات عن الثقات، والملزقات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".

وضعفه آخرون، وشذ الترمذي فصحح حديثه.

وأما قول الهيثمي في "المجمع" (3/ 30) :

 

(11/8)

 

 

"رواه البزار، وفيه معدي بن سليمان، صحح له الترمذي ووثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه أبو زرعة والنسائي، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!

فأقول: لم أجد من صرح بتوثيقه من أئمة الجرح والتعديل، ولم يذكروا عن أبي حاتم فيه إلا قوله: "شيخ"، وهذا ليس صريحاً في التوثيق، بل هو يدل على عدم الضعف المطلق؛ كما قال الذهبي في مقدمة "الميزان"، والحافظ تبعاً له في "اللسان"؛ ونفي الضعف المطلق لا يستلزم أنه موثق عنده كما هو ظاهر.

وكأنه لذلك جزم الحافظ في "التقريب" بأنه: "ضعيف". وقال في "زوائد البزار":

"قلت: جعل فيه ثلاثة قراريط، فلم يتابع عليه، وقد ضعفه غير واحد".

قلت: وجعلها أربعة في رواية عنه ذكرها الذهبي في ترجمته من "الميزان"؛ ولعلها في "ضعفاء ابن حبان" من رواية عبيد الله بن يوسف الجبيري عنه بلفظ:

"من أوذن بجنازة فأتى أهلها فعزاهم؛ كتب له قيراط، فإن شيعها؛ كتب له قيراطان، فإن صلى عليها؛ كتب له ثلاثة قراريط، فإن انتظر دفنها؛ كتب له أربعة قراريط، والقيراط مثل أحد".

ثم رأيته عند ابن حبان (3/ 40) .

والحديث في "الصحيحين" وغيرهما من طرق كثيرة عن أبي هريرة نحوه؛ دون ذكر القيراط الثالث والرابع، وكذلك رواه جمع آخر من الصحابة، وقد خرجت أحاديثهم في "أحكام الجنائز" (ص 68-69) .

وقد تكلم الحافظ الناجي في "العجالة" (ق 220/ 2-221/ 1) على

 

(11/9)

 

 

الحديث بإسهاب، وقال:

"والآفة من معدي". ثم قال:

"وبالجملة؛ فهذا اللفظ منكر مخالف للأحاديث المشهورة. وقد بينت أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والدفن، وأن الصلاة دون الدفن يحصل بها قيراط واحد".

5004 - (لما افتتح - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده، فقال: ايأسوا أن ترتد أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وأفشوا فيهم النوح) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 156/ 2-157/ 1) من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ... فذكره.

قلت: وهذا الإسناد ضعيف؛ فإن ابن أبي المغيرة هذا - وإن كان قد وثق كما يأتي عن الهيثمي -؛ فقد قال ابن منده:

"ليس هو بالقوي في سعيد بن جبير".

وهو الذي روى عنه مطرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (وسع كرسيه السماوات والأرض) ؛ قال:

"علمه". قال ابن منده:

 

(11/10)

 

 

"لم يتابع عليه". قال الذهبي عقبه:

"قلت: قد روى عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

كرسيه: موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره".

قلت: يشير إلى أن ما رواه ابن أبي المغيرة عن سعيد عن ابن عباس منكر. وقال الحافظ فيه:

"صدوق يهم".

وأشار الهيثمي إلى تليينه بقوله (3/ 13) : "رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون".

وتساهل المنذري - مع وهم في العزو - فقال (4/ 177) :

"رواه أحمد بإسناد حسن"!

ومن طريق الطبراني: أخرجه الضياء في "المختارة" (59/ 13/ 1) .

5005 - (لا تصلي الملائكة على نائحة، ولا على مرنة) .

ضعيف

أخرجه أحمد (2/ 362) من طريق سليمان بن داود (وهو الطيالسي) وهذا في "مسنده" (2457) : حدثنا عمران: حدثنا قتادة عن أبي مراية عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وأبو مراية؛ اسمه: عبد الله بن عمرو العجلي. قال ابن أبي حاتم (2/ 2/ 118) :

"روى عن سلمان وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين. روى عنه قتادة

 

(11/11)

 

 

وأسلم العجلي". وفي "تعجيل المنفعة" (519/ 1392) :

"قال أبو سعيد: كان قليل الحديث. وذكره ابن بان في (الثقات) ". وقال الهيثمي (3/ 13) :

"رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه أبو مرانة (!) ؛ ولم أجد من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات"!

قلت: ولي عليه ملاحظتان:

الأولى: قوله: "أبو مرانة" تصحيف؛ فإن كان منه؛ فقوله: "ولم أجد من وثقه" في محله، وإن كان الأصل "أبو مراية" فصحفه الناسخ أو الطابع؛ فقوله المذكور في غير محله؛ لتوثيق ابن حبان إياه، وعادته أن يحتج بتوثيقه؛ خلافاً للذهبي والعسقلاني وغيرهما من النقاد؛ فإن القاعدة عندهم عدم الاعتداد بتوثيق ابن حبان؛ لأنه يوثق المجهولين، كما سبق التنبيه على هذا مراراً وتكراراً.

والأخرى: قوله: "وبقية رجاله ثقات"؛ فإن هذا الإطلاق يوهم أن ليس فيهم من تكلم فيه، والأمر على خلافه؛ فإن عمران هذا - وهو ابن داور أبو العوام القطان البصري - فيه كلام من قبل حفظه؛ أشار إليه الحافظ بقوله في "التقريب":

"صدوق يهم".

وبالجملة؛ فالحديث ضعيف؛ لجهالة حال أبي مراية، وللكلام المشار إليه في عمران. والله أعلم.

وأما الحافظ المنذري فقال: (4/ 177) :

"رواه أحمد، وإسناده حسن إن شاء الله"!!

 

(11/12)

 

 

5006 - (إن هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين في جهنم؛ صف عن يمينهم، وصف عن يسارهم، فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 77/ 1 - زوائده) عن سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال:

"لم يروه عن يحيى إلا سليمان".

قلت: وهو ضعيف جداً؛ كما يشعر بذلك قول البخاري:

"منكر الحديث"، كما رواه عنه ابن عدي في "الكامل" (158/ 2) ، وساق له أحاديث مما أنكر عليه، ثم قال:

"وعامة ما يرويه عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد لا يتابعه أحد عليه".

وساق له الذهبي - فيما أنكر عليه - هذا الحديث أيضاً. ولذلك أشار إليه المنذري (4/ 177) إلى تضعيف الحديث. وقال الهيثمي (3/ 14) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه سليمان بن داود اليمامي، وهو ضعيف".

 

(11/13)

 

 

5007 - (ليس للنساء في الجنازة نصيب) .

ضعيف جداً

أخرجه البزار (ص 87 - زوائد) عن أبي غسان: حدثنا الصباح أبو عبد الله عن جابر عن عطاء عن ابن عباس:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن النائحة والمستمعة، وقال: ... فذكره.

 

(11/13)

 

 

وقال الهيثمي في "مختصر الزوائد" (1/ 348) :

"الصباح ضعيف".

كذا قال! ويأتي بيان ما فيه، وتعقبه الحافظ هناك بقوله:

"قلت: وجابر: هو الجعفي؛ أشد ضعفاً منه".

قلت: وقد اتفقا على تضعيف الصباح هذا، ولم أعرفه، وإلى ذلك يشير الهيثمي نفسه بقوله في "المجمع" (3/ 13) :

"رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، وفيه الصباح أبو عبد الله، ولم أجد من ذكره"!

قلت: والشطر الأول من الحديث يرويه محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده عن أبي سعيد الخدري قال:

لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النائحة والمستمعة.

أخرجه أحمد (3/ 65) ، وأبو داود (3128) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ الحسن بن عطية وأبوه عطية - وهو ابن سعد العوفي - ضعيفان.

5008 - (في قول الله عز وجل: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) . قال: يجلسه فيما بينه وبين جبريل، ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود) .

باطل

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 163/ 2) عن أبي صالح عبد الله بن صالح: حدثني ابن لهيعة عن عطاء بن دينار الهذلي عن سعيد بن

 

(11/14)

 

 

جبير عن ابن عباس أنه قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: الانقطاع بين الهذلي وسعيد، قال الحافظ:

"صدوق؛ إلا أن روايته عن سعيد بن جبير من صحيفة".

والأخرى: ضعف ابن لهيعة. وقال الهيثمي (7/ 51) .

"رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة؛ وهو ضعيف إذا لم يتابع. وعطاء بن دينار؛ قيل: لم يسمع من سعيد بن جبير".

5009 - (تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء حتى تملأ السماء، ثم ينادي مناد: يا أيها الناس! فيقبل الناس بعضهم على بعض: هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم، ومنهم من يشك، ثم ينادي الثانية: يا أيها الناس! فيقول الناس: هل سمعتم؟ فيقولون: نعم، ثم ينادي: أيها الناس: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) ، قال: فوالذي نفسي بيده! إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أو يتبايعانه أبداً، وإن الرجل ليمدر حوضه فما يسقي فيه شيئاً، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبداً، ويشتغل الناس) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (4/ 539) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 325/ 899) من طريق أبي بكر بن عياش عن محمد بن عبد الله مولى المغيرة ابن شعبة عن كعب بن علقمة عن ابن حجيرة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه

 

(11/15)

 

 

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد على شرط مسلم". ووافقه الذهبي!!

وأقول: كلا، وذلك لأمرين:

الأول: أن ابن عياش لم يحتج به مسلم؛ على ضعف في حفظه.

والآخر: أن محمد بن عبد الله مولى المغيرة بن شعبة لم يخرج له مسلم أصلاً؛ على جهالته، وهو محمد بن يزيد بن أبي زياد، هكذا ساق نسبه الحافظ المزي في ترجمة شيخه كعب بن علقمة التنوخي المصري، وترجمة الراوي عنه أبي بكر بن عياش، وزاد في ترجمته هو نفسه:

"الثقفي الفلسطيني ويقال: الكوفي، نزيل مصر، مولى المغيرة بن شعبة، وهو صاحب حديث الصور"، وذكر أن أبا حاتم قال فيه (4/ 1/ 126) :

"مجهول". وصحح له الترمذي حديث:

"كفارة النذر كفارة اليمين".

وزاد الحافظ في "تهذيبه" عن الدارقطني أنه قال فيه أيضاً:

"مجهول"؛ واعتمده الذهبي في "المغني"!

قلت: ومن هذا التحقيق تعرف خطأ موافقته للحاكم في قوله:

"صحيح على شرط مسلم"! وقول المنذري في "الترغيب" (4/ 191) :

"رواه الطبراني بإسناد جيد، رواته ثقات مشهورون"! وقول الهيثمي (10/ 331) :

 

(11/16)

 

 

"رواه الطبراني ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير محمد بن عبد الله مولى المغيرة؛ وهو ثقة"!

ونحوه سكوت الحافظ عنه في "الفتح" (13/ 88) !

بقي شيء واحد، وهو أن راوي الحديث - محمد بن عبد الله مولى المغيرة -: فيما يبدو - هو غير محمد بن يزيد بن أبي زياد المجهول.

فأقول: إن كان الأمر كذلك؛ فهو مجهول العين؛ لأنه لم يذكره أحد من أئمة الجرح والتعديل - هذا فيما علمت -، لكن الظاهر عندي أنه هو نفسه، وعليه؛ فعبد الله لا بد أن يكون جده المكنى في "التهذيب" بأبي زياد، فهو محمد بن يزيد بن أبي زياد عبد الله. والله أعلم.

ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى عن ابن حجيرة؛ فقال ابن أبي الدنيا في "كتاب الأهوال" (ق 2/ 2) : حدثنا هارون بن سفيان: حدثنا محمد بن عمر: حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن فضالة بن عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، وكذلك الإسناد الأول عن فضالة بن عبيد؛ لكن مدارهما على محمد بن عمر، وهو الواقدي، وهو متروك شديد الضعف؛ فلا يصلح للاستشهاد به.

لكن الشطر الثاني من الحديث له شاهد قوي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.

 

(11/17)

 

 

أخرجه الشيخان وغيرهما، وزاد البخاري خصلة رابعة بلفظ:

"ولتقومن الساعة؛ وقد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها". وهو رواية لابن حبان (6807) .

وهو قطعة من حديث طويل ساق السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" طرفه الأخير منه بدءاً من قوله: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ... "؛ وعزاه للشيخين وابن ماجه، وفيه تساهل كبير! فإن ابن ماجه ليس له منه إلا طلوع الشمس من مغربها (رقم 4068) ؛ وهذا رواه أحمد أيضاً (2/ 231) ، فكان عزوه إليه أولى.

ومسلم وإن كان أخرج هذا القدر أيضاً (1/ 95) ؛ فإنه ليس عنده الخصلة الرابعة المذكورة!

5010 - (يبعث الله يوم القيامة ناساً في صور الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم، فيقال: ما بال هؤلاء في صور الذر؟! فيقال: هؤلاء المتكبرون في الدنيا) .

موضوع

أخرجه البزار في "مسنده" (314- زوائده) عن القاسم بن عبد الله - يعني: العمري - عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته العمري هذا؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، رماه أحمد بالكذب".

قلت: وكذلك كذبه ابن معين. ولفظ أحمد:

 

(11/18)

 

 

"كان يكذب ويضع الحديث".

ولذلك؛ أشار المنذري في "الترغيب" (4/ 194) إلى تضعيف الحديث. وقال الهيثمي (10/ 334) :

"رواه البزار؛ وفيه القاسم بن عبد الله العمري، وهو متروك".

ويغني عنه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً بلفظ:

"يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال؛ يغشاهم الذل من كل مكان؛ يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: (بولس) ، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال".

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي - وحسنه -، وهو مخرج في "المشكاة" (5112) .

5011 - (إن العار والتخزية يبلغ من ابن آدم في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد يؤمر به إلى النار ويتحول من ذلك المقام) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (262/ 1) من طريق الحارث بن سريج الخوارزمي: أخبرنا معتمر: حدثنا الفضل بن عيسى: حدثنا محمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره في جملة أحاديث ساقها للفضل هذا. ثم قال:

"وله غير ما ذكرت من الحديث، والضعف بين على ما يرويه".

وأعله الذهبي بالحارث بن سريج أيضاً، فقال:

 

(11/19)

 

 

"واه".

وأقول: ولكنه قد توبع، فأخرجه الحاكم (4/ 577) من طريق عبد الوهاب ابن عطاء: أنبأ الفضل بن عيسى الرقاشي به نحوه، ولفظه:

"إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب! لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب". وقال:

"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: الفضل واه".

وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/ 336) بلفظ:

"إن العرق ... " والباقي مثله إلا أنه قال: "مما أجد". ثم قال:

"رواه البزار، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو ضعيف جداً".

ولقد وهم المنذري في "الترغيب" (4/ 195-196) في متن هذا الحديث، فإذا ساقه بلفظ البزار المذكور، وقال:

"رواه البزار، والحاكم من حديث الفضل بن عيسى، وهو واه ... "!

وقد عرفت أن لفظ الحاكم يختلف عن لفظ البزار؛ فوجب التنبيه عليه، ولعل هذا الاختلاف في متنه - وبخاصة في لفظة: "العار" و: "العرق" -؛ إنما هو من الرقاشي نفسه، وليس من بعض رواته أو مخرجيه.

 

(11/20)

 

 

5012 - (إنه يكون للوالدين على ولدهما دين، فإذا كان يوم القيامة يتعلقان به. فيقول: أنا ولدكما! فيودان أو يتمنيان لو كان أكثر من ذلك!) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/ 219/ 10526) : حدثنا أحمد بن عمرو البزار: حدثنا عمرو بن مخلد: أخبرنا يحيى بن زكريا الأنصاري: أخبرنا هارون بن عنترة عن زاذان قال:

دخلت على عبد الله بن مسعود وقد سبق إلى مجلسه أصحاب الخز والديباج، فقلت: أدنيت الناس وأقصيتني؟! فقال: اذن، فأدناني حتى أقعدني على بساطه، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهو إسناد ضعيف؛ البزار - وهو صاحب "المسند" المعروف به -؛ قال الدارقطني:

"ثقة يخطىء كثيراً".

وشيخه عمرو بن مخلد؛ لم أجد له ترجمة.

ومثله شيخه الأنصاري.

والحديث أشار المنذري في "الترغيب" (4/ 202) إلى تضعيفه. وقال الهيثمي (10/ 355) :

"رواه الطبراني عن عمرو بن مخلد عن يحيى بن زكريا الأنصاري، ولم أعرفهما، وبقية رجاله وثقوا؛ على ضعف في بعضهم".

 

(11/21)

 

 

وأخرجه المروزي في "زوائد الزهد" (1416) من طريق عيسى بن يونس عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب: أخبرنا زاذان أبو عمر به نحوه أتم منه. لكنه أوقفه.

قلت: وعيسى بن يونس - وهو الفاخوري الرملي - صدوق، وقد خالف يحيى ابن زكري الأنصاري في إسناده ومتنه.

أما الإسناد؛ فإنه أدخل بين هارون وزاذان: عبد الله بن السائب - وهو الكندي - وهو ثقة، ثم إنه أوقفه.

وأما المتن؛ فليس فيه: "فيقول: أنا ولدكما ... " إلخ. والله أعلم.

5013 - (يوضع للأنبياء منابر من ذهب يجلسون عليها، ويبقى منبري لا أجلس عليه - أو قال: لا أقعد عليه - قائماً بين يدي ربي، منتصباً بأمتي؛ مخافة أنيبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب! أمتي أمتي! فيقول الله تعالى: يا محمد! ما تريد أن أصنع بأمتك؟ فأقول: يا رب! عجل حسابهم؛ فيدعى بهم، فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، فما أزال أشفع حتى أعطى صكاكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، حتى إن مالكاً خازن النار ليقول: يا محمد! ما تركت لغضب ربك من أمتك من نقمة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 97/ 2) و "الأوسط" (3/ 446-447) من طريق محمد بن ثابت البناني عن عبيد الله بن عبد الله

 

(11/22)

 

 

ابن الحارث بن نوفل عن أبيه عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل البناني هذا؛ فإنهم اتفقوا على تضعيفه، بل قال البخاري:

"فيه نظر". ففيه إشارة إلى أنه شديد الضعف عنده متروك.

فقول المنذري في "الترغيب" (4/ 220) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، والبيهقي في "البعث"، وليس في إسنادهما من ترك"!!

قلت: فهو غير مسلم على إطلاقه، مع أنه غير كاشف عن علته. وخير منه في ذلك قول الهيثمي (10/ 380) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه محمد بن ثابت البناني؛ وهو ضعيف".

5014 - (إن الهدية يطلب بها وجه الرسول وقضاء الحاجة، وإن الصدقة يبتغى بها وجه الله) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي شيبة في "المسند" (2/ 16/ 1) : أخبرنا أبو بكر ابن عياش عن يحيى بن هاني قال: أخبرني أبو حذيفة عن عبد الملك بن محمد عن عبد الرحمن بن علقمة قال:

قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف، فأهدوا إليه هدية. فقال:

"هدية أم صدقة؟ ". قالوا: هدية، فقال: ... فذكره. قالوا:

 

(11/23)

 

 

لا؛ بل هدية، فقبلها منهم. فشغلوه عن الظهر حتى صلاها مع العصر.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة أبي حذيفة وشيخه عبد الملك بن محمد - وهو ابن نسير الكوفي -، قال الحافظ في كل منهما:

"مجهول".

وعبد الرحمن بن علقمة مختلف في صحبته؛ قال الحافظ:

"يقال: له صحبة. وذكره ابن حبان في "الثقات"".

والحديث عزاه الحافظ في "الإصابة" (4/ 172) للنسائي وإسحاق بن راهويه ويحيى الحماني وأبي داود الطيالسي في "مسانيدهم"!

ومن الوجه المذكور: أخرجه عبد الباقي بن قانع في "معجم الصحابة".

5015 - (إياكم والسرية لتي إن لقيت فرت، وإن غنمت غلت) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" (2/ 5/ 1) ، ومن طريقه ابن ماجه (2829) : أخبرنا زيد بن الحباب عن ابن لهيعة قال: أخبرنا يزيد بن أبي حبيب عن لهيعة بن عقبة قال: سمعت أبا الورد صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ ابن لهيعة.

وأبوه لهيعة بن عقبة؛ روى عنه جمع غير يزيد بن أبي حبيب، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الأزدي:

"حديثه ليس بالقائم". وقال ابن القطان:

 

(11/24)

 

 

"مجهول الحال". ولخص ذلك الحافظ فقال:

"مستور".

5016 - (إذا هممت بأمر؛ فعليك بالتؤدة حتى يأتيك الله بالمخرج من أمرك) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" (2/ 72/ 2-73/ 1) : أبو معاوية قال: أخبرنا سعد بن سعيد عن الزهري عن رجل من بلي قال:

دخلت مع أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فانتجاه دوني، فقلت: يا أبة! أي شيء قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد فيه ضعف؛ لسوء حفظ سعد بن سعيد - وهو أخو يحيى ابن سعيد الأنصاري -؛ قال الحافظ:

"صدوق، سيىء الحفظ".

(تنبيه) : هذا الحديث من الأحاديث التي لم يطلع عليها الحافظ السيوطي ولذلك لم يورده في كتابه "الجامع الكبير"!

 

(11/25)

 

 

5017 - (من تعلم لغير الله، أو أراد به غير الله؛ فليتبوأ مقعده من النار) .

ضعيف

أخرجه الترمذي (2/ 109) ، والنسائي في "الكبرى - كتاب العلم - نسخة تطوان"، وابن ماجه (258) ، والأصبهاني في "الترغيب" (377/ 1) من طريق محمد بن عباد الهنائي: حدثنا علي بن المبارك عن أيوب السختياني بن دريك عن ابن عمر مرفوعاً. وقال الترمذي:

 

(11/25)

 

 

"حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أيوب إلا من هذا الوجه"!

قلت: وفي تحسينه نظر؛ بينه الحافظ المنذري في "الترغيب" (1/ 69) فقال - بعد عزوه للمذكورين إلا النسائي -:

"خالد بن دريك لم يسمع من ابن عمر، ورجال إسنادهما ثقات".

5018 - (ما من رجل يضع ثوبه وهو محرم، فتصيبه الشمس حتى تغرب؛ إلا غربت بخطاياه) .

منكر

أخرجه ابن أبي شيبة في "المسند" (2/ 75/ 1) : ابن فضيل عن يزيد عن عاصم بن عبيد الله عن فلان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ عاصم بن عبيد الله، وهو العمري.

ونحوه يزيد، وهو ابن أبي زياد الهاشمي مولاهم.

وخالفه عاصم بن عمر بن حفص؛ فرواه عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن جابر بن عبد الله مرفوعاً بلفظ:

"ما من محرم يضحى لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس؛ إلا غابت بذنوبه؛ فعاد كما ولدته أمه".

أخرجه ابن ماجه (2925) ، وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 229) ، والبيهقي (5/ 43) ، وأحمد (3/ 373) .

وابن حفص هذا ضعيف أيضاً.

وتابعه سفيان الثوري؛ لكن خالفه في صحابيه فقال: عن عاصم بن

 

(11/26)

 

 

عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه مرفوعاً به.

أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب عنه.

وسفيان ثقة؛ لكن ابن القاسم هذا ليس بالمشهور؛ كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه (2/ 2/ 110) .

ورواه من طريق عاصم أيضاً فقال: وحدثني عاصم بن عبيد الله به.

أخرجه البيهقي، وكذا الطبراني؛ كما في "المجمع" (3/ 224) ، وقال:

"وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف".

وجملة القول؛ أن الحديث ضعيف؛ لضعف عاصم، واضطراب الرواة عنه في إسناده ومتنه. وقد أشار المنذري في "الترغيب" إلى تضعيفه.

5019 - (أيما مسلم دعا بها - يعني: دعوة يونس عليه السلام - في مرضه أربعين مرة، فمات في مرضه ذلك؛ أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه) .

ضعيف جداً

أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 505-506) من طريق محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني: حدثنا أحمد بن عمر بن بكر السكسكي: حدثني أبي عن محمد بن زيد عن سعيد بن المسيب عن سعد بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"هل أدلكم على اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به

 

(11/27)

 

 

أعطى؟! الدعوة التي دعا بها يونس حيث ناداه في الظلمات الثلاث: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ".

فقال رجل: يا رسول الله! هل كانت ليونس خاصة أم المؤمنين عامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ألا تسمع قول الله عز وجل: (فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) ؟! "، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، ولعله لوضوح علته؛ فإن عمرو بن بكر السكسكي ضعيف جداً؛ قال الذهبي:

"واه، أحاديثه شبه موضوعة". وقال الحافظ في "التقريب":

"متروك".

قلت: وابنه أحمد لم أجده، ويغلب على الظن أنه محرف من (إبراهيم) ؛ فإن له ابناً بهذا الاسم، ففي "الميزان":

"إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي، قال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة. وأبوه أيضاً لا شيء". زاد في "اللسان":

"قال ابن حبان: لست أدري هو الجاني على أبيه، أو أبوه كان يخصه بالموضوعات؟! ".

قلت: فهو آفة هذا الحديث أو أبوه.

 

(11/28)

 

 

وأما محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني؛ فهو ثقة؛ كما قال الدارقطني، كما رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (15/ 120/ 2-121/ 2) ، ولم يذكر له وفاة، وكناه بأبي العباس، وكذا السمعاني في "الأنساب" (390/ 2) .

فما وقع في ترجمته في مقدمة "موارد الظمآن" أنه أبو بكر: وهم! وكذلك مغايرته بين المترجم وبين محمد بن قتيبة اللخمي، فإنهما واحد.

ثم إن السمعاني أفاد أنه توفي بعد سنة عشر وثلاث مئة.

ثم إن الحديث قد صح عن سعد بن أبي وقاص بدون حديث الترجمة؛ فانظر "الترغيب" (2/ 275) مع تعليقي عليه.

5020 - (ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؛ إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (9/ 78 و 10/ 240) ، وفي "المسند" (2/ 10/ 2) ، وعنه ابن ماجه (3870) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (471) ، وابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/ 1681/ 3010) : أخبرنا محمد بن بشر قال: أخبرنا مسعر قال: حدثني أبو عقيل عن سابق عن أبي سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الجهالة، والاضطراب:

1- أما الجهالة؛ فهي جهالة سابق هذا - وهو ابن ناجية -؛ قال الذهبي في "الميزان":

 

(11/29)

 

 

"ما روى عنه سوى هاشم بن بلال".

قلت: وهو أبو عقيل؛ كما سبق، فهو مجهول العين، وقد كنت قلت في تعليقي على "الكلم الطيب" (ص 34 - الطبعة الثانية) : إنه مجهول الحال؛ فقد رجعت عنه، ولعل السبب في ذلك أنني اعتمدت يومئذ على قول الحافظ في "التقريب": إنه مقبول! ولم أرجع إلى ترجمته في "التهذيب" لأتبين أنه لم يرو عنه سوى هاشم هذا، فتنبه!

وهاشم بن بلال - هو أبو عقيل -؛ وهو ثقة؛ من رجال مسلم.

2- وأما الاضطراب؛ فهو أن شعبة خالف مسعراً في إسناده فقال: سمعت أبا عقيل يحدث عن سابق بن ناجية عن أبي سلام قال:

كنا قعوداً في مسجد حمص؛ إذ مر رجل فقالوا: هذا خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فنهضت فسألته، فقلت: حدثنا بما سمعت من من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتداوله الرجال فيما بينهم. قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"ما من مسلم يقول ثلاث مرات حين يمسي أو حين يصبح ... " الحديث.

أخرجه أحمد (5/ 367) ، وأبو داود (5072) ، والنسائي في "اليوم والليلة" (رقم 4) من طرق عن شعبة به.

ثم قال أحمد: حدثنا عفان: حدثنا شعبة به؛ إلا أنه قال: عن أبي سلام البراء رجل من أهل دمشق قال: كنا قعوداً ... إلخ.

وأخرجه الحاكم (1/ 518) من طريق أحمد الأولى، ومن طريق وهب بن جرير: حدثنا شعبة به؛ إلا أنه قال: سمعت أبا عقيل هاشم بن بلال يحدث عن أبي

 

(11/30)

 

 

سلام سابق بن ناجية قال: ... فذكره. وقال:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

قلت: وهذا وهم من وجهين:

الأول: أنه أوهم أن رواية أحمد بهذا الإسناد؛ وليس كذلك كما رأيت، والظاهر أنه ساقه بلفظ رواية وهب بن جرير، ولم يتنبه أن رواية أحمد مخالفة لها؛ وبيانه في الوجه التالي:

والآخر: أنه أسقط من الإسناد سابقاً شيخ أبي عقيل، وسمى أبا سلام سابق ابن ناجية، وإنما هو شيخ أبي عقيل، كما في رواية محمد بن جعفر وحفص بن عمر عن شعبة.

وتابعه عليها مسعر، وإن خالفه في جعل أبي سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو عن أبي سلام عن خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وتابعه في ذلك كله هشيم عن هاشم بن بلال به.

أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم 24) ، والنسائي أيضاً (ولعله في "الكبرى") ، والبغوي؛ كما في "الإصابة" للحافظ رحمه الله؛ وقال:

"وعلى هذا؛ فأبو سلام رواه عن الخادم، والخادم مبهم، وقد أخرج أبو داود في "العلم" من طريق شعبة حديثاً آخر قال فيه: عن شعبة بهذا السند عن أبي سلام عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد وقع في هذا السند خطأ آخر بينته في ترجمة (سابق) من حرف السين من القسم الأخير. وحديث شعبة في هذا هو

 

(11/31)

 

 

المحفوظ. وأبو سلام المذكور هو ممطور الحبشي، وهو تابعي".

قلت: الجزم بأنه ممطور، يدفعه رواية عفان المتقدمة عن شعبة، ففيها أنه أبو سلام البراء، فلعل الحافظ لم يقف عليها، أو على الأقل لم يستحضرها عند تحريره لهذا البحث، ثم إنني لم أجد له ترجمة في المصادر التي بين يدي الآن، فهي علة أخرى في هذا الإسناد.

وأما قوله: "وحديث شعبة هو المحفوظ"؛ فمما لا شك فيه، خلافاً لابن عبد البر؛ فإنه صوب رواية مسعر المتقدمة، وقد علمت أنها جعلت أبا سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -! وهو واهم في ذلك، ومما يدلك عليه قوله عقب التصويب المذكور:

"وكذلك رواه هشيم وشعبة عن أبي عقيل عن سابق بن ناجية عن أبي سلام".

فإن رواية هشيم هي مثل رواية شعبة عن أبي سلام عن خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما تقدم. ثم قال ابن عبد البر:

"ورواه وكيع عن مسعر فأخطأ في إسناده، فجعله عن مسعر عن أبي عقيل عن أبي سلامة، فقد أخطأ أيضاً".

وجملة القول؛ أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة؛ لجهالة سابق بن ناجية، وشيخه أبي سلام، واضطراب الرواة في إسناده على أبي عقيل على الوجوه المتقدمة، وإن كان الراجح منها رواية شعبة؛ ففيها الجهالة في الموضعين المذكورين. والله أعلم.

وقد رواه سعيد بن المرزبان عن أبي سلمة عن ثوبان مرفوعاً بلفظ:

 

(11/32)

 

 

"من قال حين يسمي: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؛ كان حقاً على الله أن يرضيه".

رواه الترمذي (3386) ؛ وقال:

"حسن غريب"!

لكن ابن المرزبان هذا مدلس، بل ضعفه البخاري وغيره تضعيفاً شديداً وتركوه، ومن المحتمل أنه تلقاه عن سابق بن ناجية المجهول ثم دلسه، وقال - وهماً منه أو قصداً وتدليساً -: "عن أبي سلمة"، بدل: (أبي سلام) ، و: "عن ثوبان" بدل: "عن خادم النبي عليه الصلاة والسلام".

ولذلك؛ لم أذهب في تعليقي على "الكلم الطيب" إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين، مع ما بين متنيهما من الاختلاف في اللفظ كما هو ظاهر بأدنى تأمل.

وقد جاء ذكره في "صحيح الكلم الطيب" برقم (23) سهواً مني، أرجو الله أن يغفره لي، فيرجى حذفه.

وقد يشتبه بحديث آخر مختصر جداً عن أبي سعيد الخدري؛ مخرج في "الصحيحة" (334) ؛ كما وقع لبعض الطلبة، فليتنبه له.

وقد جاء هذا الورد في حديث آخر مقيداً بالصباح فقط، وبأجر آخر، وهو في "الصحيحة" (2686) ، ولعل هذا الحديث الصحيح - والذي قبله - هو الذي حمل الحافظ العسقلاني على قوله في حديث الترجمة:

"حديث حسن"! ثم قلده من قلده من المعاصرين؛ كالشيخ عبد القادر أرناؤوط في تعليقه على "الوابل الصيب" (ص 57) !!

 

(11/33)

 

 

ومن تخريجنا لهذا الحديث؛ تعلم خطأ قول النووي في "الأذكار" - بعد أن ضعف ابن المرزبان المتقدم، وذكر تحسين الترمذي لحديثه -:

"فلعله صح عنده من طريق آخر، وقد رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه، فثبت أصل الحديث، ولله الحمد"!!

قلت: ووجه الخطأ من وجوه:

الأول: أنه ليس للحديث بلفظ ابن المرزبان طريق آخر؛ إلا طريق خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولفظه يختلف عن هذا بعض الشيء؛ كما ترى.

الثاني: أن هذه الطريق ضعيفة أيضاً؛ لما فيها من الجهالة والاضطراب.

الثالث: أن قوله: "بأسانيد جيدة"؛ لا يصح من ناحيتين:

الأولى: أن مدار تلك الأسانيد على سابق بن ناجية.

والأخرى: أنه مجهول، واضطرب عليه كما سبق؛ فإنى لإسناده الجودة؟!

ثم وقفت على وجه آخر من الاضطراب: فرواه ابن قانع في "معجم الصحابة" في ترجمة "سابق خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -" من طريق مصعب بن المقدام: أخبرنا مسعر عن أبي عقيل عن أبي سلام عن سابق خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره موقوفاً عليه لم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقلبه أيضاً فجعل سابقاً شيخ أبي سلام؛ وإنما هو شيخ أبي عقيل كما تقدم في رواية ابن بشر وغيره عن مسعر.

 

(11/34)

 

 

ولعل هذه الرواية عمدة خليفة بن خياط في إيراده (سابقاً) هذا في "الصحابة"، وهو وهم! كما صرح بذلك الحافظ في القسم الرابع من "الإصابة".

قلت: ولعل الوهم من مصعب هذا؛ فإنه كثير الخطأ؛ كما في "التقريب". والله أعلم.

ثم رأيت الحديث في "معجم الشيوخ" لابن جميع (296) رواه من طريق علي بن حرب الطائي: حدثنا عبد الرحمن الزجاج عن أبي سعد - هو البقال - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، وزاد:

"وهو ثان رجليه قبل أن يكلم أحداً: رضيت ... ".

قلت: وأبو سعد البقال: هو سعيد بن المرزبان، وهو متروك؛ كما تقدم. وهذه الزيادة منكرة جداً؛ لم يذكر في شيء من الروايات المتقدمة، وكأن الراوي اختلط عليه هذا الحديث بحديث آخر فيه هذه الزيادة، لكن بعد صلاة الفجر يقول: "لا إله إلا الله ... "؛ جاء ذلك من حديث أبي ذر وأبي أمامة، فانظر "الترغيب" (1/ 166/ 1 و 168/ 6 - الطبعة المنيرية) .

ولعل ذلك من عبد الرحمن الزجاج - وهو ابن الحسن أبو مسعود الموصلي الزجاج -؛ فقد قال الذهبي في "المغني":

"قال أبو حاتم: لا يحتج به".

5021 - (من صام الأربعاء والخميس؛ كتبت له براءة من النار) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/ 1353-1354) : حدثنا سويد بن سعيد: أخبرنا بقية بن الوليد عن أبي بكر قال: حدثني محمد بن يزيد عن

 

(11/35)

 

 

حنش الصنعاني عن ابن عباس مرفوعاً.

ثم رواه بهذا الإسناد عن أبي بكر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: سويد بن سعيد؛ قال الحافظ:

"صدوق في نفسه؛ إلا أنه عمي؛ فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول".

الثانية: عنعنة بقية بن الوليد؛ فإنه مدلس.

الثالثة: ضعف أبي بكر واختلاطه، وهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الشامي؛ قال الحافظ:

"ضعيف، وكان قد سرق بيته فاختلط".

الرابعة: اضطراب أبي بكر في إسناده كما ترى؛ ففي الرواية الأولى قال: حدثني محمد بن يزيد عن حنش الصنعاني عن ابن عباس، وفي الأخرى قال: عن زيد بن أسلم عن ابن عمر ... واضطرابه فيه مما يؤكد ضعفه.

والحديث أورده المنذري في "الترغيب" (2/ 86) من رواية أبي يعلى عن ابن عباس وحده، وأشار إلى ضعفه. وأورده الهيثمي (3/ 198) من روايته عنه وعن ابن عمر وقال في كل منها:

"وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف".

 

(11/36)

 

 

5022 - (لو أن غرباً من جهنم وضع في الأرض؛ لآذى من في المشرق) .

منكر

أخرجه ابن عدي (ق 45/ 1) عن عثمان بن يحيى القرقساني: حدثنا يحيى بن سلام الإفريقي: حدثنا تمام بن نجيح عن الحسن عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:

"تمام بن نجيح عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، وهو غير ثقة".

قلت: وضعفه الأكثرون، بل قال البخاري:

"فيه نظر". وقال ابن حبان:

"روى أشياء موضوعة عن الثقات؛ كأنه المتعمد لها".

قلت: ولذلك؛ جزم الحافظ في "التقريب" بأنه ضعيف؛ وسبقه الذهبي في "الكاشف".

والحسن - وهو البصري -؛ مدلس وقد عنعنه.

ويحيى بن سلام؛ قال ابن عدي (424/ 2) :

"بصري كان بأفريقية، وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه".

قلت: وقد وثق، فانظر ترجمته في "اللسان".

وأما عثمان بن يحيى القرقساني؛ فلم أجد من وثقه، وقد قال السمعاني:

"حدث عنه أحمد بن يحيى بن الأزهر السجستاني؛ مات سنة 248".

 

(11/37)

 

 

والحديث أورده الذهبي في ترجمة تمام في جملة ما أنكر عليه.

ورواه الطبراني من طريقه بأتم منه ولفظه:

"لو أن غرباً من جهنم جعل في وسط الأرض؛ لآذى نتن ريحه وشدة حره ما بين المشرق والمغرب، ولو أن شررة من شرر جهنم بالمشرق لوجد حرها من بالمغرب". وقال المنذري (4/ 227) :

"رواه الطبراني، وفي إسناده احتمال للتحسين"!

كذا قال! ويرده ما سبق من البيان، وقول الهيثمي (10/ 387) :

" ... وفيه تمام بن نجيح، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله أحسن حالاً من تمام".

ثم رأيت الحديث قد أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (ق 5/ 2) من طريق مبشر بن إسماعيل - حلبي - قال: حدثنا تمام بن نجيح به مثل لفظ الطبراني؛ إلا أنه قال:

"لأذاب" بدل: "لآذى".

ومبشر بن إسماعيل ثقة؛ من رجال الشيخين، فالعلة من تمام، إن سلم من عنعنة البصري.

ومن هذه الطريق: أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 212/ 2/ 3823) ؛ وقال:

"لم يروه عن الحسن إلا تمام بن نجيح".

 

(11/38)

 

 

وروى منه الشطر الثاني: الرافعي في "تاريخ قزوين" (4/ 189-190) .

5023 - (إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي كل يوم أربع مئة مرة، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 177/ 2) : حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه: حدثني أبي: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن يونس عن الحسن عن ابن عباس مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير يحيى بن عبد الله بن عبدويه وأبيه، وقد ترجمهما الخطيب (10/ 38 و 14/ 929) ؛ ولم يذكر فيهما شيئاً؛ سوى أنه ساق لهما حديثاً آخر بهذا الإسناد؛ أخرجه من طريق الطبراني، وهذا في "الكبير" أيضاً، وكذا في "الصغير" (ص 244) ؛ وقال:

"لم يروه عن يونس إلا عبد الوهاب، تفرد به يحيى بن عبد الله عن أبيه".

وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 33) بعد أن ساق الحديث:

"رفعه غريب، ولعله موقوف".

قلت: وقد روي من حديث أبي هريرة مرفوعاً به دون قوله:

"لحامل كتاب الله ... " إلخ؛ وزاد:

"بأعمالهم، وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء".

أخرجه ابن ماجه (256) ، والترمذي (2/ 62) - دون الزيادة -، والعقيلي في

 

(11/39)

 

 

"الضعفاء" (ص 201) ، وأبو الشيخ في "التوبيخ" (194/ 162) من طريق عمار بن سيف الضبي عن أبي معان البصري عن ابن سيرين عنه. وقال الترمذي:

"هذا حديث حسن غريب"!

كذا قال! ولعل قوله: "حسن" زيادة من بعض النساخ؛ فإن المنذري نقل في "الترغيب" (1/ 33/ 4/ 229) عن الترمذي أنه قال:

"حديث غريب" فقط، وهذا هو اللائق بحال إسناده؛ كما أبان عنه العقيلي بقوله:

"وهذا إسناد فيه ضعف، وأبو معان هذا مجهول". وقال الذهبي في ترجمته:

"لا يعرف، تفرد عنه عمار بن سيف". وقال الحافظ:

"مجهول".

قلت: وعمار بن سيف؛ فيه ضعف؛ لغفلته؛ قال الحافظ:

"ضعيف الحديث، وكان عابداً".

والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 168) من حديث أبي هريرة مرفوعاً مع الزيادة بلفظ:

"وإن أبغض الخلق إلى الله عز وجل: قارىء يزور العمال". وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه بكير بن شهاب الدامغاني، وهو ضعيف".

 

(11/40)

 

 

قلت: أخرجه ابن عدي (ق 37/ 1) من طريق رواد بن الجراح أبي عصام العسقلاني عن بكير الدامغاني عن محمد بن سيرين به نحوه. وقال:

"بكير؛ منكر الحديث".

ثم رواه من طريق أخرى عن رواد عن أبي الحسن الحنظلي عن بكير به. قال:

"فزاد في الإسناد: "أبي الحسن الحنظلي"؛ وهذا أشبه من الذي قبله؛ لأن هذا الحديث منكر، وإذا كان حديثاً منكراً فيرويه مجهول، وأبو الحسن الحنظلي مجهول".

وقد روي الحديث بلفظ آخر عن أبي هريرة؛ وسيأتي إن شاء الله برقم (5152) ؛ وروي عن علي، وهو الآتي بعده هنا.

(تنبيهان) :

1- أبو معان: بالنون، هذا هو الصواب، ووقع في "ابن ماجه": "أبو معاذ" بالذال! وعليه جريت في التعليق على "المشكاة" (275) ، وهو وهم؛ فليعلم.

2- على الرغم من تصريح العقيلي بتضعيف إسناد الحديث وتجهيل راويه؛ فقد أورده المعلق عليه الدكتور القلعجي في "الأحاديث الصحيحة" التي فهرسها في آخر "العقيلي" (47/ 509) !!

5024 - (تعوذوا بالله من جب الحزن، أو وادي الحزن. قيل: يا رسول الله! وما جب الحزن أو وادي الحزن؟ قال: واد في جهنم، تعوذ منه جهنم كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين، وإن من شرار القراء من يزور الأمراء) .

 

(11/41)

 

 

ضعيف. أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 201) ، وابن عدي (ق 210/ 1) ، وتمام في "الفوائد" (79/ 2) من طريق أبي بكر الداهري عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي مرفوعاً به. وقال العقيلي:

"وأبو بكر هذا حدث بأحاديث لا أصل لها، ويحيل على الثقات، من ذلك هذا الحديث". وقال ابن عدي:

"هذا الحديث عن الثوري باطل، ليس يرويه عنه غير أبي بكر الداهري، وهو منكر الحديث". وقال أحمد، وابن المديني:

"ليس بشيء". وقال ابن معين، والنسائي:

"ليس بثقة". وقال الجوزجاني:

"كذاب، وبعض الناس قد مشاه وقواه، فلم يلتفت إليه". وقال أبو نعيم الأصبهاني:

"يروي عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش الموضوعات". وقال يعقوب بن شيبة:

"متروك؛ يتكلمون فيه".

قلت: فالحديث ضعيف الإسناد جداً، فلا أدري - بعد هذا - كيف حسنه المنذري بقوله (4/ 229) :

"رواه البيهقي بإسناد حسن"؟!

وإني لأستبعد جداً أن يكون عند البيهقي من غير طريق الداهري المتقدم، مع قول ابن عدي:

 

(11/42)

 

 

"لا يرويه غيره".

فالظاهر أنه من أوهام المنذري أو تساهله! والله أعلم.

ثم وقفت على إسناد البيهقي في كتاب "البعث والنشور" (264/ 530) ؛ فإذا هو من طريق محمد بن نوح السعدي - يعني: النيسابوري -: حدثنا يحيى بن اليمان؛ حدثنا سفيان الثوري به دون قوله: "وإن من شرار ... ".

وهذا إسناد ضعيف؛ يحيى بن اليمان - وإن كان صدوقاً - فقد كان يخطىء كثيراً، وتغير؛ كما قال الحافظ.

ومحمد بن نوح هذا؛ لم أتبينه.

وأبو إسحاق: هو السبيعي؛ مدلس مختلط.

5025 - (يدعى أحدهم، فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً، ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم! ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول: أبشروا، لكل رجل منكم مثل هذا. قال: وأما الكافر فيسود وجهه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً على صورة آدم؛ فيلبس تاجاً، فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللهم! لا تأتنا بهذا. قال: فيأتيهم فيقولون: اللهم! اخزه. فيقول: أبعدكم الله؛ فإن لكل رجل منكم مثل هذا) .

ضعيف

أخرجه الترمذي (2/ 193) ، وابن حبان (2588) ، والبزار في

 

(11/43)

 

 

"مسنده" من طريق السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في قول الله: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) ، قال: ... فذكره، والسياق للترمذي، وقال:

"حديث حسن غريب. والسدي اسمه: إسماعيل بن عبد الرحمن".

قلت: وهو ثقة من رجال مسلم؛ لكن العلة من أبيه - وهو عبد الرحمن بن أبي كريمة -؛ قال الذهبي:

"ما روى عنه سوى ولده".

قلت: فهو مجهول العين. وقول الحافظ في "التقريب":

"مجهول الحال"!

لعله سبق قلم؛ فإن مجهول الحال هو الذي روى عنه اثنان فصاعداً، وهذا لم يرو عنه غير ابنه إسماعيل؛ كما سبق عن الذهبي، وهو ظاهر كلام الحافظ في "التهذيب"؛ حيث لم يذكر له راوياً غير ابنه.

وعليه؛ فتحسين الترمذي لإسناده غير حسن، لا سيما وقد أشار إلى أنه لا يروى إلا من هذه الطريق، وذلك بقوله:

"غريب"؛ وهو ما صرح به البزار عقبه، فقال:

"لا يروى إلا من هذا الوجه"، كما في "تفسير الحافظ ابن كثير" (5/ 208 - منار) ، ولم يعزه الحافظ إلا إليه، ففاته أنه عند الترمذي وابن حبان؛ وذلك مما يتعجب منه. ولكن الكمال لله وحده.

 

(11/44)

 

 

وقد عزاه المنذري في "الترغيب" (4/ 238) إليهما؛ وزاد:

"والبيهقي"؛ يعني: في "كتاب البعث".

(فائدة) : المراد هنا بـ (الإمام) : هو كتاب الأعمال. ولهذا قال تعالى:

(يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم) ؛ أي: من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح؛ يقرأه ويحب قراءته.

ورجحه الحافظ ابن كثير؛ خلافاً لابن جرير؛ فإنه قال - بعد أن ذكر هذا القول وغيره -:

"والأولى قول من قال: معنى ذلك: يوم ندعو كل أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به ويأتمون به في الدنيا؛ لأن الأغلب من استعمال العرب (الإمام) : فيما ائتم واقتدي به".

قال ابن كثير:

"وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث؛ لأن إمامهم النبي - صلى الله عليه وسلم -".

5026 - (إن في الجنة طيراً له سبعون ألف ريشة، فإذا وضع الخوان قدام ولي من الأولياء؛ جاء الطير فسقط عليه، فانتفض؛ فخرج من كل ريشة لون ألذ من الشهد، وألين من الزبد، وأحلى من العسل، ثم يطير) .

ضعيف

أخرجه ابن مردويه في "ثلاثة مجالس من الأمالي" (190-191) :

 

(11/45)

 

 

حدثنا محمد بن الحسن بن الفرج المقرىء الأنباري: أخبرنا مسلم بن عيسى بن مسلم الصفار: أخبرنا عبد الله بن داود الخريبي: أخبرنا الأعمش عن شقيق عن علقمة قال:

خطبنا عبد الله يوماً، فقال في خطبته: (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق) ، فقال: هذه البطائن، فكيف لو رأيتم الظواهر؟! ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته مسلم بن عيسى هذا؛ قال الدارقطني:

"متروك"؛ كما في "الميزان". وقد اتهمه في "التلخيص" بوضع حديث في فضل فاطمة رضي الله عنها يأتي بعد هذا.

لكن حديث الترجمة أورده المنذري (4/ 260) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً وقال:

"رواه ابن أبي الدنيا، وقد حسن الترمذي إسناده لغير هذا المتن"!

أقول: وما أظنه بحسن؛ لا سيما وقد صدره المنذري بصيغة التمريض "روي"؛ مشيراً إلى تضعيفه، والله أعلم.

ثم تأكد ظني؛ فقد رأيته في "الزهد" لهناد، و "صفة الجنة" لأبي نعيم (2/ 181) من طريق عبيد الله بن الوليد عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري به.

قلت: وعطية وعبيد الله بن الوليد ضعيفان.

(تنبيه) : قول ابن مسعود: هذه البطائن، فكيف لو رأيتم الظواهر. قد صح عنه من طريق أخرى؛ يرويه سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عنه به.

 

(11/46)

 

 

أخرجه ابن جرير (27/ 86) ، والحاكم (2/ 475) ، وعنه البيهقي في "البعث" (183/ 339) . وقال الحاكم:

"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي!!

قلت: وذلك من أوهامهما؛ فإن هبيرة هذا لم يخرج له الشيخان، وهو لا بأس به؛ كما في "التقريب".

5027 - (أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة؛ فأكلتها ليلة أسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة؛ شممت رقبة فاطمة) .

موضوع

أخرجه الحاكم (3/ 156) من طريق مسلم بن عيسى الصفار السكري: حدثنا عبد الله بن داود الخريبي: حدثنا شهاب بن حرب مجهول، والباقون من رواته ثقات"! وتعقبه الذهبي بقوله:

"هذا كذب جلي؛ لأن فاطمة ولدت قبل النبوة، فضلاً عن الإسراء، وهو من وضع مسلم بن عيسى الصفار على الخريبي عن شهاب".

قلت: ولم أر في الرواة شهاب بن حرب. فالله أعلم.

ومضى للصفار حديث آخر برقم (2166) من روايته عن الخريبي بسند آخر.

 

(11/47)

 

 

5028 - (ما من عبد يدخل الجنة؛ إلا جلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين؛ يغنيانه بأحسن صوت سمعته الجن والإنس، وليس بمزامير الشيطان، ولكن بتحميد الله وتقديسه) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 113/ 7478) ، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5/ 286/ 2) ، والبيهقي في "البعث" (421) عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة مرفوعاً.

وذكره ابن القيم في "حادي الأرواح" (2/ 5) من رواية جعفر الفريابي - ولعله عند ابن أبي الدنيا أو البيهقي -: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن: حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ... ، وقال المنذري (4/ 266) :

"رواه الطبراني، والبيهقي". وقال الهيثمي (10/ 419) :

"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم"!

قلت: ليس فيهم من لا يعرف، بل كلهم ثقات؛ سوى واحد، فهو معروف بالضعف، بل الضعف الشديد، وهو خالد هذا - وهو الدمشقي -؛ قال الحافظ:

"ضعيف - مع كونه كان فقيهاً -، وقد اتهمه ابن معين".

وأبوه يزيد - وهو ابن عبد الرحمن بن أبي مالك - صدوق ربما وهم.

ومن أجل ذلك؛ أشار المنذري إلى تضعيف الحديث.

وقد صح بعضه موقوفاً؛ فقد ذكره ابن القيم (2/ 3) من رواية جعفر

 

(11/48)

 

 

الفريابي: حدثنا سعد بن حفص: حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:

إن في الجنة نهراً طول الجنة، حافتاه العذارى قيام متقابلات، يغنين بأصوات حتى يسمعها الخلائق، ما يرون في الجنة لذة مثلها، فقلنا: يا أبا هريرة! وما ذاك الغناء؟ قال: إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس، وثناء على الرب عز وجل.

هكذا رواه موقوفاً. وعزاه المنذري (4/ 267) للبيهقي؛ وهو في "البعث" (213/ 425) :

قلت: وإسناده جيد، ورجاله ثقات رجال "الصحيح"؛ غير أبي عبد الرحيم - واسمه خالد بن أبي يزيد الحراني -، وهو ثقة. وأشار المنذري لتقويته.

وقد صح مرفوعاً أنهن يغنين بغير ذلك، فراجع "صحيح الجامع الصغير وزيادته" رقم (1557) و (1598) .

ثم رأيت تخريج الحديث لأخينا الفاضل علي رضا في تعليقه على كتاب أبي نعيم "صفة الجنة" (3/ 272-273) ؛ صدره بقوله: "حسن"! ثم انتقد بحق كلمة الهيثمي المتقدمة، وتكلم على رواة الطبراني واحداً بعد واحد، ولكنه سقط من قلمه أن يترجم لخالد بن يزيد بن أبي مالك - علة الحديث -، ومن غرائبه الدالة على سقط المشار إليه أنه بعد أن ترجم للراوي عنه - سليمان بن عبد الرحمن - بقول الذهبي:

"مفت ثقة، ولكنه مكثر عن الضعفاء"؛ قال عقبه مباشرة:

"وأبوه: يزيد بن عبد الرحمن؛ صدوق ربما وهم".

 

(11/49)

 

 

قلت: ويزيد هذا: هو أبو خالد - العلة -، فغفل عن ترجمته، وبالتالي عن سوء حاله، وبناء على ذلك حسنه! ثم أيده بقول العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 537) :

" [أخرجه] الطبراني بإسناد حسن"!

وهذا من أوهامه رحمه الله، التي قلده فيها المعلقون الثلاثة على "الترغيب" (4/ 447) !!

5029 - (إذا دخل أهل الجنة الجنة، فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا، وسرير هذا إلى سرير هذا، حتى يجتمعا جميعاً، فيتكىء هذا، ويتكىء هذا، فيقول أحدهما لصاحبه: تعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه: نعم، يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله؛ فغفر لنا) .

ضعيف

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 149-150) ، وأبو الشيخ في "العظمة" (3/ 1119/ 610) ، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (76/ 239) ، ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ" (7/ 143/ 2) ، والبزار في "مسنده" (4/ 211/ 3553) ، والبيهقي في "البعث" (221/ 443) عن سعيد بن دينار الدمشقي: حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس بن مالك به مرفوعاً. وقال البزار:

"تفرد به أنس بهذا الإسناد".

قلت: وفيه علل:

 

(11/50)

 

 

الأولى: عنعنة الحسن - وهو البصري -؛ فإنه مدلس.

الثانية: الربيع بن صبيح؛ قال الحافظ:

"صدوق سيىء الحفظ".

الثالثة: سعيد بن دينار الدمشقي؛ فإنه مجهول؛ كما في "الميزان"، وبه أعله العقيلي، فقال:

"لا يتابع على حديثه هذا، ولا يعرف إلا به، وليس بمعروف في النقل".

وبهذين أعله الهيثمي، فقال (10/ 421) :

"رواه البزار، ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير سعيد بن دينار، والربيع بن صبيح؛ وهما ضعيفان، وقد وثقا".

وقد أشار المنذري (4/ 269) إلى تضعيف الحديث، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا أيضاً.

وساق إسناده ابن القيم في "حادي الأرواح" (2/ 18) ساكتاً عليه!

5030 - (إن في الجنة شجرة، الورقة منها تغطي جزيرة العرب، أعلى الشجرة كسوة لأهل الجنة، وأسفل الشجرة خيل بلق، سروجها زمرد أخضر، ولجمها در أبيض، لا تروث ولا تبول، لها أجنحة، تطير بأولياء الله حيث يشاؤون، فيقول من دون تلك الشجرة: يا رب! بم نال هؤلاء هذا؟ فيقول الله تعالى: كانوا يصومون وأنتم تفطرون، وكانوا يصلون وأنتم تنامون، وكانوا يتصدقون وأنتم تبخلون، وكانوا يجاهدون

 

(11/51)

 

 

وأنت تقعدون.

من ترك الحج لحاجة من حوائج الناس؛ لم تقض له تلك الحاجة حتى ينظر إلى المخلفين قدموا، ومن أنفق مالاً فيما يرضي الله، فظن أن لا يخلف الله عليه؛ لم يمت حتى ينفق أضعافه فيما يسخط الله، ومن ترك معونة أخيه المسلم فيما يؤجر عليه؛ لم يمت حتى يبتلى بمعونة من يأثم فيه ولا يؤجر عليه) .

موضوع

أخرجه الخطيب في "التاريخ" (5/ 136) في ترجمة أحمد ابن محمد أبي حنش السقطي: حدثنا أبو خثيمة زهير بن حرب: أخبرنا الحسن ابن موسى: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

ورواه الذهبي من طريق الخطيب في ترجمة السقطي المذكور، وقال:

"نكرة لا يعرف، وأتى بخبر موضوع ... " فذكره.

وأقره الحافظ في "اللسان".

قلت: ويحتمل عندي أنه هو أحمد بن محمد بن حسين السقطي المتقدم في "الميزان" قبل هذا بنحو عشرين ترجمة؛ فإنه من طبقته، قال فيه:

"روى عن يحيى بن معين. ذكروا أنه وضع حديثاً على يحيى عن عبد الرزاق ... ".

والحديث؛ أورده المنذري (1/ 214-215/ 4/ 269) من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً نحوه؛ دون قضية الحج وما بعدها، وقال:

 

(11/52)

 

 

"رواه ابن أبي الدنيا".

قلت: يعني في "صفة الجنة" له، وأشار إلى ضعفه.

وقد ساق إسناده ابن القيم في "حادي الأرواح" (2/ 20) ، فقال:

"قال ابن أبي الدنيا: وحدثنا الفضل بن جعفر بن حسن: حدثنا أبي عن الحسن بن علي عن علي قال: ... فذكره مرفوعاً.

والفضل هذا وأبوه؛ لم أعرفهما، ولعله وقع في اسمهما تحريف ما!

ثم رأيت في "تاريخ الخطيب" (12/ 364) :

"الفضل بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان أبو سهل؛ المعروف بـ (ابن أبي يحيى) مولى العباس بن عبد المطلب، وهو أخو العباس ويحيى".

ثم سمى من حدث عنهم، وليس منهم أبوه! ثم قال:

"روى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا.. و.. وكان ثقة".

فالظاهر أنه هذا، فيكون قوله في اسم جده: (حسن) محرفاً، أو سقط قبله شيء. والله أعلم.

وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (3/ 1088-1089/ 588) من طريق أخرى عن عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيه قال: حدثني من أصدق عن زيد بن علي عن أبيه عن ابن أبي طالب به مثل حديث ابن أبي الدنيا.

وعبد المجيد هذا فيه ضعف.

وشيخ أبيه لم يسم، ويحتمل أن يكون متهماً؛ فقد أخرجه ابن الجوزي في

 

(11/53)

 

 

"الموضوعات" (3/ 255) من طريق الخطيب - قلت: وليس في "التاريخ" - بسنده عن محمد بن مروان الكوفي عن سعد بن طريف عن زيد بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب به. وقال ابن الجوزي:

"موضوع، وفيه ثلاث آفات:

إحداهن: إرساله؛ فإن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب.

والثانية: محمد بن مروان - وهو السدي الصغير -؛ قال ابن نمير: كذاب. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث.

والثالثة: أظهر، وهو سعد بن طريف، وهو المتهم به؛ قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور".

وأخرج أبو نعيم في "صفة الجنة" (3/ 238/ 407) من طريق سيف بن محمد الثوري: حدثنا سعد بن طريف به مختصراً مثل حديث أبي سعيد الخدري أوله فقط، دون قوله: "فيقول من دون تلك الشجرة ... ".

قلت: وسيف بن محمد الثوري؛ قال أحمد:

"كذاب يضع الحديث"؛ كما في "المغني".

5031 - (من قام إذا استقبلته الشمس؛ فتوضأ، فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى ركعتين؛ غفر له خطاياه، وكان كما ولدته أمه) .

ضعيف.

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (2/ 488) عن ابن عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر:

أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً

 

(11/54)

 

 

يحدث أصحابه، فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة ابن عم ابن عقيل؛ وإليه أشار الهيثمي بقوله (2/ 236) :

"رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه".

وأشار المنذري (1/ 236) إلى تضعيف الحديث.

وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن عقيل - وهو عبد الله بن محمد ابن عقيل -، وهو صدوق في حديثه لين؛ كما في "التقريب".

5032 - (إذا أراد الله بعبد خيراً؛ فقهه في الدين، وألهمه رشده) .

منكر بهذا التمام

أخرجه البزار (ص 21 - زوائده) : حدثنا الفضل بن سهل: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"لا نعلم روي عن عبد الله بهذا الإسناد".

قلت: ورجاله موثقون؛ كما قال الهيثمي (1/ 121) ، وفي كلامه إشارة إلى أن في بعضهم شيئاً، وهو - عندي - أحمد بن محمد بن أيوب؛ فقد قال أبو حاتم:

"روى عن أبي بكر بالمناكير".

قلت: وهذا منها؛ فقد قال الذهبي في ترجمته:

"صدوق، وله ما ينكر، فمن ذلك ما ساقه ابن عدي أنه روى عن أبي بكر

 

(11/55)

 

 

ابن عياش ... " فذكره.

قلت: وقول المنذري في "الترغيب" (1/ 51) :

"رواه البزار، والطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به"!

ففيه نظر من وجهين:

الأول: ما عرفته من النكارة.

والآخر: أن الطبراني ليس عنده قوله: "وألهمه رشده"؛ وهو موضع النكارة؛ فقد قال في "كبيره" (3/ 78/ 1) ، (10/ 242/ 10445 - ط": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: أخبرنا أحمد بن محمد بن أيوب - صاحب المغازي -: أخبرنا أبو بكر بن عياش: ... فذكره دون الزيادة.

وخالف أبا بكر في إسناده زائدة فقال: عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: ... فذكره موقوفاً عليه دون الزيادة.

أخرجه الطبراني (3/ 12/ 1) ، (9/ 164/ 8756) .

وجملة القول؛ أن الحديث بهذه الزيادة منكر، وأما بدونها فهو صحيح، جاء عن جمع من الصحابة؛ منهم معاوية رضي الله عنه في "الصحيحين" وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة" (1194) .

5033 - (ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر) .

ضعيف

أخرجه أحمد في "مسنده" (1/ 257) : حدثنا عثمان بن محمد -

 

(11/56)

 

 

قال عبد الله بن أحمد: وسمعته أنا من عثمان بن محمد -: حدثنا جرير عن ليث عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير ليث - وهو ابن أبي سليم -، وهو ضعيف مختلط.

وقد سقط من الإسناد عند ابن حبان، فصار ظاهر الصحة، فقال في "صحيحه" (1913 - موارد) : أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير عن عكرمة، وعن أبي بشر عن عكرمة به.

قلت: ولا أدري ممن هذا السقط؟! ومثله زيادة: (أبي بشر) في الإسناد؟!

وأخرجه الترمذي (1/ 350) من طريق يزيد بن هارون عن شريك عن ليث عن عكرمة به. وقال:

"حديث حسن غريب"!

كذا قال! وشريك ضعيف أيضاً؛ وقد أسقط من الإسناد عبد الملك بن سعيد؛ خلافاً لجرير - وهو ابن عبد الحميد -، وهو ثقة من رجال الشيخين.

والحديث أشار إليه الحاكم في "المستدرك" (1/ 62) ، وقال:

"وإنما تركته؛ لأن راويه ليث بن أبي سليم".

وهو صحيح بدون زيادة: "ويأمر بالمعروف ... "؛ فإنه قد جاء من حديث ابن عمرو وغيره، وهو مخرج في "التعليق الرغيب" (1/ 67) .

 

(11/57)

 

 

5034 - (إنما الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده؛ فاتبعه، وأمر تبين لك غيه؛ فاجتنبه، وأمر اختلف فيه؛ فرده إلى عالمه) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 97/ 2) وابن عبد البر في "الجامع" (2/ 24) - وسقط من إسناده رجال - عن موسى بن خلف العمي عن أبي المقدام عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: ... " فذكره. وليس عند ابن عبد البر ذكر عيسى عليه السلام، وقال المنذري (1/ 82) :

"رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به"!

كذا قال! ونحوه قول الهيثمي (1/ 157) :

" ... ورجاله موثقون"!

وكلا القولين خطأ - وبخاصة الأول -؛ فإن أبا المقدام هذا؛ اسمه هشام بن زياد القرشي المدني، وهو مجمع على تضعيفه، وتركه جماعة. وقال ابن حبان:

"يروي الموضوعات عن الثقات". وقال الحافظ في "التقريب":

"متروك".

ومن طريقه أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (60/ 2) .

ومن عادة الهيثمي إذا قال في إسناد ما: "ورجاله موثقون": أنه يعني أن في رواته من وثق توثيقاً ضعيفاً لا يعتد به، وهذا لم يوثقه أحد، فلعله اختلط عليه بأبي المقدام الكوفي الحداد؛ فإنه من طبقة هذا، وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وضعفه الدارقطني. وقال الحافظ:

 

(11/58)

 

 

"صدوق يهم".

وغالب الظن أن المنذري توهم أنه هذا، وإلا؛ فما أظنه يتساهل هذا التساهل الشديد فيقول: "لا بأس بإسناده"؛ وهو يعلم أنه القرشي المدني المتروك!

ومن هذا البيان؛ يتضح أن الحديث شديد الضعف، وأن إيراد الشيخ الغماري إياه في "كنزه" الذي ادعى في مقدمته أنه ليس فيه حديث ضعيف: إنما جاءه من تقليده لغيره، وعدم رجوعه إلى الأصول وتطبيق قواعد علم الحديث على الأسانيد. ومثله المعلقون الثلاثة على "الترغيب" (1/ 184) ؛ فإنهم حسنوه؛ تقليداً للمنذري، وجهلاً منهم بمراد الهيثمي، والله المستعان!

5035 - (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله يمقت على ذلك) .

ضعيف الإسناد

أخرجه أبو داود (1/ 4) ، والنسائي في "الكبرى" (1/ 20/ 41،42 - هندية) ، وابن ماجه (1/ 142) ، والحاكم (1/ 157-158) ، والبيهقي (1/ 99) من طرق عن عكرمة بن عمار عن يحيى ابن أبي كثير عن هلال بن عياض (وقال بعضهم: عياض بن هلال على القلب، وبعضهم: عياض بن عبد الله) قال: حدثني أبو سعيد الخدري مرفوعاً. قال داود:

"لم يسنده إلا عكرمة". قال المنذري في "مختصره":

 

(11/59)

 

 

"وعكرمة هذا - الذي أشار إليه أبو داود -: هو أبو عمار عكرمة بن عمار العجلي اليمامي، وقد احتج به مسلم في "صحيحه"، وضعف بعض الحفاظ حديث عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير، وقد أخرج مسلم حديثه عن يحيى ابن أبي كثير، واستشهد البخاري بحديثه عن يحيى بن أبي كثير"!

والحق: أن عكرمة هذا لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن في غير روايته عن ابن أبي كثير؛ قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب".

وقد أبعد المنذري النجعة؛ فلم يحم حول علة الحديث الحقيقية؛ خلاف موقفه في "الترغيب"؛ حيث أصاب كبد الحقيقة، حين قال - بعد أن عزاه لأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" -:

"رووه كلهم من رواية هلال بن عياض - أو عياض بن هلال - عن أبي سعيد، وعياض هذا روى له أصحاب "السنن"، ولا أعرفه بجرح ولا بعدالة، وهو في عداد المجهولين". وقال الحافظ في "التقريب":

"مجهول". وقال الذهبي في "الميزان":

"لا يعرف، ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي كثير".

ومنه؛ تعلم أن موافقة الذهبي الحاكم على قوله: "إنه حديث صحيح الإسناد"! وهم، فلا يغتر به!

وللحديث علة أخرى؛ وهي الاضطراب؛ كما سبقت الإشارة إليه في التخريج؛

 

(11/60)

 

 

وإن كان البيهقي روى عن ابن خزيمة أن الصحيح في اسم الراوي عن أبي سعيد: عياض بن هلال، قال ابن خزيمة:

"وأحسب الوهم فيه من عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض". فتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله:

"قلت: كيف يتعين أن يكون الوهم عن عكرمة، وهو مذكور في هذا السند الذي هو فيه على الصحيح؟! بل يحتمل أن يكون الوهم من غيره، وقد ذكر صاحب "الإمام" أن أبان بن يزيد رواه أيضاً عن يحيى بن أبي كثير فقال: هلال ابن عياض، فتابع أبان عكرمة على ذلك، وابن القطان أحال الاضطراب في اسمه على يحيى بن أبي كثير، ثم ذكر البيهقي عن أبي داود أنه قال: لم يسنده إلا عكرمة بن عمار".

قلت: تقدم قريباً أن أبان تابعه، ثم إن البيهقي أخرج الحديث عن ابن أبي كثير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً.

وبقي فيه علل لم يذكرها، منها: أنه سكت عن عكرمة هنا، وتكلم فيه كثيراً في (باب مس الفرج بظهر الكف) ، وفي باب (الكسر بالماء) . ومنها: أن راوي الحديث عن أبي سعيد الخدري لا يعرف، ولا يحصل من أمره شيء. ومنها: الاضطراب في متن الحديث؛ كما هو مبين في كتاب ابن القطان.

وأخرجه النسائي من حديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

والحديث المرسل: عند البيهقي (1/ 100) من طريق الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

 

(11/61)

 

 

وبالجملة؛ فالحديث ضعيف؛ لاضطراب عكرمة فيه عن يحيى، ولجهالة تابعيه؛ إلا في رواية النسائي عن عكرمة؛ فسمى تابعيه أبا سلمة، وهو ثقة من رجال الستة؛ لكن هذا من اضطراب عكرمة، فلا حجة فيه، وقد رجح المرسل أبو حاتم، فراجعه في "ضعيف أبي داود" (رقم 3) .

ورواية النسائي عن عكرمة: أخرجها في "السنن الكبرى" (1/ 19/ 40 - هندية) ، (1/ 70/ 31) ، وكذا الطبراني في "الأوسط" (1/ 32-33 - مصورة الجامعة الإسلامية) (2/ 154/ 1286) عن شيخه أحمد بن محمد بن صدقة؛ كلاهما عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل المقرىء: حدثنا جدي عبيد بن عقيل: حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به نحوه. وقال الطبراني:

"لم يروه بهذا الإسناد إلا عبيد، ورواه الثوري عن عكرمة بن عمار عن عياض بن هلال عن أبي سعيد الخدري".

قلت: عبيد بن عقيل صدوق، وكذلك من دونه، وكذا من فوقه، لكن العلة اضطراب عكرمة بن عمار فيه، مع مخالفة الأوزاعي إياه، حيث أرسله كما سبق.

ثم وجدت له طريقاً؛ فانظر "الصحيحة" (3120) .

5036 - (لا يسبغ عبد الوضوء؛ إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) .

منكر

أخرجه البزار (ص 34 - زوائده) عن خالد بن مخلد: حدثنا إسحاق ابن حازم: سمعت محمد بن كعب: حدثني حمران قال:

 

(11/62)

 

 

دعا عثمان بوضوء وهو يريد الخروج إلى الصلاة في ليلة باردة، فجئته بماء؛ فغسل وجهه ويديه، فقلت: حسبك؛ قد أسبغت الوضوء والليلة شديدة البرد، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره، وقال:

"لا نعلم أسند محمد بن كعب عن حمران إلا هذا".

قلت: وكلاهما ثقة من رجال الشيخين.

وإسحاق بن حازم ثقة أيضاً.

وخالد بن مخلد - وإن كان من رجال "الصحيحين" -؛ فقد تكلم فيه جماعة، وساق له ابن عدي عشرة أحاديث استنكرها، وقد ساق بعضها الذهبي في "الميزان"؛ أحدها مما أخرجه البخاري في "صحيحه"، وقال الذهبي فيه:

"ولولا هيبة "الجامع الصحيح" لعددته في منكرات خالد بن مخلد ... ".

قلت: وأرى أنا أن هذا الحديث من منكراته؛ فإن الحديث في "الصحيحين" وغيرهما من طرق عن حمران به نحوه، وليس فيه قوله: ".. وما تأخر".

وعلى هذا؛ فقول المنذري (1/ 95) :

"رواه البزار بإسناد حسن"! وقول الهيثمي (1/ 237) :

"رواه البزار، ورجاله موثقون، والحديث حسن إن شاء الله"!! ومثله قول الحافظ ابن رجب في "اختيار الأولى" (ص 15-16) :

"وإسناده لا بأس به"!!

إنما هو جرياً منهم جميعاً على ظاهر الإسناد، دون النظر إلى ما في متنه من

 

(11/63)

 

 

النكارة التي ذكرتها. وقول الهيثمي أبعد عن الصواب؛ لأنه صرح بتحسين متن الحديث وسنده؛ فتنبه!

وقد أشار إلى ما ذكرت الحافظ ابن حجر في "الخصال المكفرة" بعد أن عزاه لابن أبي شيبة في "المصنف" - ولم أره فيه -، و "المسند"، وإلى أبي بكر المروزي، والبزار، فقال (ص 14-15) :

"وأصل الحديث في "الصحيحين"، لكن ليس فيه: "وما تأخر"".

وخفي هذا على المعلق الدمشقي عليه؛ فقال:

"له شواهد كثيرة في الأصول الستة وغيرها باختلاف بعض ألفاظه"!!

قلت: فلم يتنبه لإشارة الحافظ المذكورة، فضلاً عن أنه لم يعلم أن تلك الشواهد ضد الحديث، وليست له؛ لأنها كلها ليست فيها الزيادة!

5037 - (يد الرحمن فوق رأس المؤذن، وإنه ليغفر له مدى صوته أين بلغ) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (25/ 2 - زوائد المعجمين) عن عمر بن حفص العبدي عن ثابت عن أنس مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن ثابت إلا عمر".

قلت: قال الهيثمي (1/ 326) :

"وقد أجمعوا على ضعفه". وقال أحمد:

"تركنا حديثه وحرقناه". وقال النسائي وغيره:

 

(11/64)

 

 

"متروك".

لكن الشطر الثاني من الحديث صحيح؛ لأنه ورد عن جمع من الصحابة؛ منهم أبو هريرة والبراء بن عازب وغيرهم، وأحاديثهم مخرجة في "صحيح أبي داود" رقم (528) .

5038 - (لو أقسمت؛ لبررت؛ إن أحب عباد الله إلى الله: لرعاة الشمس والقمر - يعني: المؤذنين -؛ إنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 25 - زوائده) ، والخطيب في "التاريخ" (3/ 99) عن جنادة بن مروان الأزدي الحمصي: حدثنا الحارث بن النعمان: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: الحارث بن النعمان - وهو ابن أخت سعيد بن جبير؛ كما صرحت به رواية الطبراني -؛ وهو متفق على ضعفه، بل قال البخاري:

"منكر الحديث".

والأخرى: جنادة بن مروان؛ قال الذهبي:

"اتهمه أبو حاتم".

وبهذا أعله الهيثمي (1/ 326-327) ، وفي ذلك بعض النظر؛ فإن نص أبي حاتم عند ابنه (1/ 1/ 516) :

"ليس بقوي، أخشى أن يكون كذب في حديث عبد الله بن بسر: أنه رأى في

 

(11/65)

 

 

شارب النبي - صلى الله عليه وسلم - بياضاً بحيال شفتيه".

قال الحافظ في "اللسان" - متعقباً على الذهبي ما ذكره من الاتهام -:

"قلت: أراد أبو حاتم بقوله: "كذب": أخطأ، وذكره ابن حبان في "الثقات"؛ وأخرج له هو والحاكم في "الصحيح" ... ".

قلت: فإعلال الحديث بشيخه الحارث أولى؛ كما لا يخفى.

والحديث مما أشارالمنذري (1/ 109) إلى تضعيفه.

والجملة الأخيرة من الحديث؛ عزاها الحافظ لابن حبان، فقال في "التلخيص" (1/ 208) :

"وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي هريرة: "يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة" زاد السراج: "لقولهم: لا إله إلا الله". وفيه عن ابن أبي أوفى: "إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة؛ لذكر الله" ... "!

قلت: فيه ما يأتي:

أولاً: ما عزاه لابن حبان وهم؛ فإن لفظه: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" (1668) ؛ وهكذا رواه هو (1667) ، ومسلم (52/ 5) ، والسراج في "مسنده" (ق 23/ 2) وغيرهما عن معاوية رضي الله عنه.

ثانياً: زيادة السراج المذكورة منكرة عندي؛ وفي سندها جهالة، وقد تقدم تخريجه.

ثالثاً: حديث: "إن خيار عباد الله ... " حسن لغيره؛ كما تبين لي أخيراً في "الصحيحة" (3440) .

 

(11/66)

 

 

5039 - (من بنى بيتاً يعبد الله فيه من مال حلال؛ بنى الله له بيتاً في الجنة من در وياقوت) .

منكر بهذا التمام

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 19/ 1) : حدثنا محمد بن النضر الأزدي: حدثنا سعيد بن سليمان: حدثنا سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.

وأخرجه البزار في "مسنده" (ص 46 - زوائده) : حدثنا محمد بن مسكين: حدثنا سعيد بن سليمان به؛ دون قوله: "من در وياقوت". وقال الطبراني:

"لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد".

قلت: وهو النشيطي؛ ضعيف؛ لكن شيخه اليمامي أضعف منه؛ فقد قال فيه البخاري:

"منكر الحديث". وذكره العقيلي في "الضعفاء" (ص 197) ، وساق له هذا الحديث من طريق ثالث عن سعيد بن سليمان، ثم ساقه من طريق أخرى عن أبان العطار: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن محمود بن عمرو عن أبي هريرة نحوه موقوفاً. وقال:

"هذا أولى".

وقال الحافظ في ترجمة اليمامي من "اللسان" - بعد أن ساق الحديث -:

"والمستغرب منه قوله: "من در وياقوت"؛ فإن للحديث طريقاً جيدة ليس هذا فيها".

قلت: وكأنه يشير إلى رواية أبان العطار المتقدمة، ولكنها موقوفة؛ كما سبق.

 

(11/67)

 

 

قد وجدت له طريقاً آخر مرفوعاً مختصراً؛ يرويه المثنى بن الصباح عن عطاء ابن أبي رباح عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه بلفظ:

"من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة".

أخرجه الطبراني أيضاً؛ وقال:

"تفرد به المثنى".

قلت: وهو ضعيف؛ لكنه بهذا اللفظ صحيح؛ له شواهد كثيرة صحيحة، بعضها في "الصحيحين"، وهي مخرجة عندي في "الروض النضير" تحت رقم (883) .

ورواه المثنى أيضاً عن عطاء عن عائشة مرفوعاً بلفظه المتقدم؛ لكنه زاد فيه:

"لا يريد به رياءً ولا سمعة".

وهو منكر أيضاً؛ أخرجه الطبراني في "الأوسط" عنه.

وتابعه عنده كثير بن عبد الرحمن عن عطاء به دون الزيادة؛ وقال:

"لم يروه عن عطاء إلا كثير".

قلت: وهو كثير بن أبي كثير العامري، وهو ضعيف؛ لكن لفظه هو الصحيح؛ لشواهده التي سبقت الإشارة إليها.

5040 - (كان في بني إسرائيل أخوان ملكان على مدينتين، وكان أحدهما باراً برحمه، عادلاً على رعيته، وكان الآخر عاقاً برحمه، جائراً

 

(11/68)

 

 

على رعيته، وكان في عصرهما نبي، فأوحى الله إلى ذلك النبي: إنه قد بقي من عمر هذا البار ثلاث سنين، وبقي من عمر العاق ثلاثون سنة، فأخبر النبي رعية هذا ورعية هذا، فأحزن ذلك رعية العادل، وأحزن ذلك رعية الجائر، ففرقوا بين الأمهات والأطفال، وتركوا الطعام والشراب، وخرجوا إلى الصحراء يدعون الله تعالى أن يمتعهم بالعادل، ويزيل عنهم الجائر؛ فأقاموا ثلاثاً، فأوحى الله إلى ذلك النبي: أن أخبر عبادي أني قد رحمتهم، وأجبت دعاءهم، فجعلت ما بقي من عمر البار لذلك الجائر، وما بقي من عمر الجائر لهذا البار. فرجعوا إلى بيوتهم، ومات العاق لتمام ثلاث سنين، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير)) .

ضعيف

رواه أبو الحسن بن معروف، والخطيب، وابن عساكر عن عبد الصمد ابن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده مرفوعاً؛ كما في "الجامع الكبير" للسيوطي.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لأن عبد الصمد هذا ليس بحجة؛ كما تقدم في حديث آخر له برقم (2898) .

5041 - (انكحوا إلى الأكفاء، وأنكحوهم، واختاروا لنطفكم، وإياكم والزنج؛ فإنه خلق مشوه) .

باطل بهذا التمام

أخرجه الدارقطني في "سننه" (415) من طريق أبي أمية بن يعلى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.

 

(11/69)

 

 

قلت: وهذا إسناد واه؛ فيه أبو أمية بن يعلى، قال الذهبي في "الميزان" - وتبعه الحافظ في "اللسان" -:

"ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا للخواص".

قلت: والحديث أورده ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 404) من هذا الوجه؛ ثم قال:

"قال أبي: هذا الحديث باطل، لا يحتمل هشام بن عروة هذا. قلت: فممن هو؟ قال: من راويه. قلت: ما حال أبي أمية بن يعلى؟ قال: ضعيف الحديث".

ثم قال (1/ 407) :

"سمعت أبي وأبا زرعة وذكرا حديث هشام بن عروة ... [يعني: هذا الحديث] فقالا جميعاً: لا يصح هذا الحديث".

قلت: لكن الطرف الأول منه قد جاء من طرق أخرى عن هشام، ومن طريق آخر عن عائشة، ومن حديث ابن عمر؛ ولذلك؛ خرجته في "الصحيحة" (1067) .

5042 - (هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء؛ فليقل: بسم الله) .

منكر بهذا اللفظ

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 332) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (19) من طريق قطن بن نسير: حدثنا عدي بن أبي عمارة الذارع قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالم مرفوعاً به. وزاد

 

(11/70)

 

 

العقيلي:

".. اللهم! إني أعوذ بك من الخبث والخبائث والشيطان الرجيم". وقال:

"عدي هذا بصري، في حديثه اضطراب، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه؛ قلت: كيف هو؟ قال: شيخ". وقال الحافظ في "اللسان":

"ومن أغلاطه: أنه روى عن قتادة عن أنس في القول عند دخول الخلاء، وإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم. وقيل: عن النضر بن أنس عن أبيه. والأول أصح".

قلت: وقد سبقه إلى هذا الترجيح البيهقي، وبينت وجهه في كتابي الآخر (1070) ، وذكرت هناك أن لقتادة فيه إسناداً آخر عن زيد بن أرقم، وأن كلاً منهما صحيح، فراجعه إن شئت.

ثم إن عدياً هذا قد أخطأ في متن الحديث أيضاً، فزاد في أوله: "بسم الله"، وفي آخره: "والشيطان الرجيم"! ومن أجل هذه الزيادة أوردته هنا، وإلا فهو بدونها صحيح، كما رواه شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة، كما خرجته هناك.

نعم؛ في التسمية عند دخول الخلاء حديث آخر صحيح، وهو مخرج عندي في "إرواء الغليل" برقم (50) .

5043 - (من دخل على قوم لطعام لم يدع إليه، فأكل شيئاً؛ أكل حراماً) .

ضعيف

رواه الطبراني في "الأوسط" (1/ 133/ 1) عن بقية بن الوليد عن يحيى بن خالد عن روح بن القاسم عن المقبري عن عروة عن عائشة مرفوعاً.

 

(11/71)

 

 

وقال:

"لم يروه عن روح إلا يحيى؛ تفرد به بقية".

قلت: وهو ثقة؛ ولكنه مدلس وقد عنعنه.

وشيخه يحيى بن خالد مجهول؛ كما قال ابن عدي؛ وساق له هذا الحديث، وقال:

"إنه منكر". وقال الذهبي:

"باطل".

ومن طريقه رواه البزار، وابن عدي بلفظ:

" ... لم يدع له؛ دخل فاسقاً، وأكل حراماً".

واقتصر الهيثمي (4/ 55) على إعلاله بيحيى هذا فقط؛ وهو قصور؛ لما علمت من عنعنة بقية.

لكن أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/ 180) : حدثنا أحمد بن الفرج الحجازي قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا يحيى بن خالد أبو زكريا به.

قلت: فصرح فيه بقية بالتحديث؛ لكن أحمد بن الفرج ضعفه محمد بن عوف الطائي، وقال ابن عدي:

"لا يحتج به"؛ فلا قيمة لتصريحه المذكور.

وقد خولف في إسناده؛ فقال الطيالسي في "مسنده" (ص 306 - رقم

 

(11/72)

 

 

2337) : حدثنا اليمان أبو حذيفة عن طلحة بن أبي عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: ... فذكره موقوفاً عليه.

وهذا إسناد ضعيف؛ اليمان هذا - وهو ابن المغيرة - ضعيف؛ كما جزم به الحافظ في "التقريب".

وشيخه طلحة بن أبي عثمان لم أعرفه! وفي "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 483) :

"طلحة بن عثمان، رجل من الحجبة. روى عن المقبري. روى عنه روح بن القاسم".

قلت: فلعله هذا، وتكون أداة الكنية (أبي) مقحمة من الناسخ.

ويحتمل أنه طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي المتروك. والله أعلم.

وأخرج أبو داود (2/ 136) من طريق أبان بن طارق عن نافع قال: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بلفظ:

".. ومن دخل على غيره دعوة؛ دخل سارقاً، وخرج مغيراً".

وأبان هذا مجهول الحال؛ كما في "التقريب". وفي "الميزان":

"قال ابن عدي: هذا حديث منكر، لا يعرف إلا به. وقال أبو زرعة: مجهول".

ومن طريقه أخرجه البزار؛ كما في "المجمع"؛ وقال:

"وهو ضعيف"!

 

(11/73)

 

 

كذا قال! والصواب أنه مجهول؛ فإنه لم يضعفه أحد.

ثم إن في الحديث جملة في أوله صحيحة؛ وقد خرجته في الكتاب الآخر (1085) .

5043/ م - (من صلى الفجر - أو قال: الغداة -، فقعد في مقعده، فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا، يذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لا ذنب له) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسند عائشة" (7/ 329/ 4365) من طريق طيب بن سليمان قال: سمعت عمرة تقول: سمعت أم المؤمنين تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ الطيب هذا؛ قال الدارقطني:

"بصري ضعيف".

وأورده ابن أبي حاتم (2/ 1/ 497) ؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووثقه ابن حبان والطبراني!

وتساهل ابن حبان في التوثيق معروف، وكأن الطبراني جرى في ذلك على سننه!

ولعله لذلك أشار المنذري في "الترغيب" (1/ 166) إلى تضعيف حديثه هذا.

والمعروف في أحاديث الجلوس بعد الصلاة الغداة والصلاة بعد طلوع الشمس: أن له أجر حجة وعمرة، فقوله:

 

(11/74)

 

 

"خرج من ذنوبه ... " إلخ؛ منكر عندي، والله أعلم.

(تنبيه) : الطيب بن سليمان؛ كذا وقع في "المسند": (سليمان) ، وهو كذلك في "الميزان" و "اللسان".

وفي نسخة من "الميزان": (سلمان) ؛ وهو الصواب - والله أعلم -؛ لمطابقته لما في "الجرح"؛ و "ثقات ابن حبان" (6/ 493) ، و "سؤالات البرقاني للإمام الدارقطني"؛ كما حققته في ترجمته من كتابي الجديد: "تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان" يسر الله لي إتمامه بمنه وكرمه.

والحديث؛ قال المعلقون الثلاثة على "الترغيب" (1/ 370) :

"حسن، قال الهيثمي ... "!

5044 - (من أم قوماً؛ فليتق الله، وليعلم أنه ضامن مسؤول لما ضمن، وإن أحسن؛ كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينتقص من أجورهم شيئاً، وما كان من نقص؛ فهو عليه) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 30/ 1) من طريق أبي الأشعث أحمد بن المقدام: حدثنا يوسف بن الحجاج - هو البلدي - عن المعارك بن عباد عن يحيى بن أبي الفضل عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمر مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن أبي الجوزاء إلا يحيى، ولا عنه إلا المعارك، تفرد به يوسف".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علل:

الأولى: يحيى بن أبي الفضل؛ لم أجد له ترجمة، وقد أورده ابن حجر في "التهذيب" في شيوخ معارك بن عباد، وكذا المزي في "تهذيبه"؛ لكن وقع فيه:

 

(11/75)

 

 

(يحيى بن الفضل) .

الثانية: المعارك بن عباد؛ أورده الذهبي في "الضعفاء والمتروكين"، وقال:

"ضعفه الدارقطني وغيره".

ولذلك؛ جزم الحافظ في "التقريب" بأنه ضعيف.

الثالثة: يوسف بن الحجاج؛ لم أجد له ترجمة أيضاً، وقد ذكره المزي في الرواة عن المعارك ونسبه: "البلدي"، ولم يورده السمعاني في هذه النسبة، ولا ياقوت في "معجم البلدان"، مما يشعر بأنه غير مشهور ولا معروف. والله تعالى أعلم.

والحديث؛ قال في "مجمع الزوائد" (2/ 66) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه معارك بن عباد؛ ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة والدارقطني وغيره، وذكره ابن حبان في "الثقات"".

قلت: وقال ابن حبان:

"يخطىء ويهم".

فلو نقله الهيثمي عنه لأصاب؛ فإنه يلتقي حينئذ قوله مع أقوال المضعفين؛ كما لا يخفى.

نعم؛ قد صح من الحديث قوله: "الإمام ضامن" وقوله: "إن أحسن فله؛ وإلا فعليه"؛ ثبت ذلك من حديث أبي هريرة، وعقبة بن عامر، وهما مخرجان في "صحيح أبي داود" (530،593) .

 

(11/76)

 

 

5045 - (تزاحموا تراحموا) .

لا أعرف له أصلاً

وقد اشتهر عند بعض أئمة مساجد دمشق اليوم!

ولعل أصله ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 32/ 2) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (10/ 114) من طريق مجالد عن الشعبي عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"استووا تستوي قلوبكم، وتماسوا تراحموا". قال سريج (ابن يونس، أحد رواته) :

"تماسوا"؛ يعني: ازدحموا في الصلاة.

وقال غيره " "تماسوا": تواصلوا.

وقال الطبراني:

"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به سريج".

قلت: وهو ثقة؛ لكن مجالداً ليس بالقوي.

وأضعف منه الحارث - وهو الأعور -، وبه أعله الهيثمي فقال (2/ 90) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحارث، وهو ضعيف".

 

(11/77)

 

 

5046 - (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي أحداً؛ أضعف الله له أجر الصف الأول) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 33/ 1) من طريق الوليد

 

(11/77)

 

 

ابن الفضيل العنزي: حدثنا نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به الوليد".

قلت: وهو متهم بالوضع؛ قال ابن حبان:

"يروي الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به بحال". وقال الحاكم، وأبو نعيم، وأبو سعيد النقاش:

"روى عن الكوفيين الموضوعات".

قلت: ولم يعرفه أبو حاتم؛ فقال ابنه (4/ 2/ 13) عنه:

"وهو مجهول"!

وشيخه نوح بن أبي مريم أشهر منه بالوضع، وبه أعله الهيثمي؛ لكنه قال (2/ 95-96) :

"وهو ضعيف"!!

وزيد العمي ضعيف.

والحديث أشار المنذري (1/ 174) إلى تضعيفه؛ فقصر!!

والحديث سرقه بعض الضعفاء؛ فقال الحكيم الترمذي في "الرياضة" (367-368) : حدثنا الفضل بن محمد: حدثنا زريق بن الورد الرقي: حدثنا سلم بن سالم بن (كذا) عبد الغفار بن ميمون عن عبد الملك الجزري به مرفوعاً.

 

(11/78)

 

 

قلت: والفضل بن محمد هذا؛ الظاهر أنه الباهلي الأنطاكي الأحدب العطار؛ قال ابن عدي:

"كتبنا عنه بأنطاكية، حدثنا بأحاديث لم نكتبها عن غيره، ووصل أحاديث، وسرق أحاديث، وزاد في المتون"، وقال:

"له أحاديث لا يتابعه الثقات عليها". وقال الدارقطني وابن عدي:

"كذاب".

ومن فوقه لم أعرفهم.

ويحتمل أن سلم بن سالم بن عبد الغفار ... إلخ؛ خطأ من الناسخ، والصواب: سلم بن سالم عن عبد الغفار بن ميمون، فإن يكن كذلك؛ فسلم بن سالم معروف؛ وهو البلخي الزاهد؛ ضعفه ابن معين وغيره.

5047 - (من سد فرجة في الصف غفر له) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 58 - زوائده) : حدثنا عبد الرحمن ابن الأسود بن مأمول الوراق: حدثنا يحيى بن السكن: حدثنا أبو العوام - وأظنه صدقة ابن أبي سهل - عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه مرفوعاً. وقال:

"لم نسمعه إلا من عبد الرحمن، وكان من أفاضل الناس".

قلت: هو من شيوخ الترمذي والنسائي وغيرهما؛ مات بعد الأربعين ومئتين، وجزم الحافظ في "التقريب" بأنه ثقة؛ مع أنه لم يحك توثيقه في "التهذيب" عن أحد!

 

(11/79)

 

 

وشيخه يحيى بن السكن؛ قال الذهبي:

"ليس بالقوي، وضعفه صالح جزرة"!

قلت: كلام صالح فيه يدل على أنه أسوأ من ذلك؛ فقد روى الخطيب في ترجمة يحيى من "التاريخ" (14/ 146) عنه أنه قال فيه:

"بصري، كان يكون بالرقة، وكان أبو الوليد يقول: هو يكذب، وهو شيخ مقارب، كان يكون بالرقة وببغداد".

ثم روى الخطيب أيضاً عنه - أعني: صالحاً - أنه قال:

"لا يسوى فلساً".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"! ولعله عمدة المنذري (1/ 175) في قوله - وإن تبعه الهيثمي (2/ 91) -:

"رواه البزار بإسناد حسن"!

وأما أبو العوام؛ فليس هو صدقة بن أبي سهل؛ كما ظنه الظان - وأظنه البزار نفسه -! وإنما هو عمران القطان؛ فقد ذكره الخطيب في شيوخ يحيى بن السكن، وهو صدوق يهم.

ومما تقدم بيانه؛ تعلم تساهل المنذري وكذا الهيثمي في قولهما السابق آنفاً.

وفي فضل سد الفرج حديث آخر من رواية عائشة رضي الله عنها، بعض أسانيده صحيحة، وقد خرجته في "الصحيحة" (1892،2532) .

 

(11/80)

 

 

5048 - (إن اليهود قوم سئموا دينهم، وهم قوم حسد، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: على رد السلام، وإقامة الصفوف، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة: آمين) .

ضعيف بهذا التمام

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 38/ 1) : حدثنا عمرو بن إسحاق: حدثنا أبي: حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي: حدثنا عيسى بن يزيد أن طاوساً أبا عبد الرحمن حدثه أن منبهاً أبا وهب حدثه يرده إلى معاذ:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس في بيت من بيوت أزواجه، وعنده عائشة، فدخل عليه نفر من اليهود فقالوا: السام عليك يا محمد! قال:

"وعليكم". فجلسوا فتحدثوا، وقد فهمت عائشة تحيتهم التي حيوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاستجمعت غضباً وتصبرت، فلم تملك غيظها فقالت: بل السام عليكم وغضب الله ولعنته، بهذا تحيون نبي الله - صلى الله عليه وسلم -! ثم خرجوا، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"ما حملك على ما قلت؟! ". قالت: أو لم تسمع كيف حيوك يا رسول الله؟! والله ما ملكت نفسي حين سمعت تحيتهم إياك، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"كيف رأيت رددت عليهم؟ إن اليهود قوم ... " الحديث. وقال:

"لا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد، ولا تعلم منبهاً أبا وهب أسند غير هذا الحديث".

قلت: وهو حديث غريب بهذا السياق، وله علل:

 

(11/81)

 

 

الأولى: منبه هذا؛ فإنه غير معروف، وقد أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 418) من رواية طاوس هذه، وأشار إلى أنه لا يعلم أحداً روى عنه؛ فهو مجهول العين.

الثانية: عيسى بن يزيد مجهول أيضاً؛ أورده ابن أبي حاتم (3/ 1/ 291) ، وقال:

" ... الشامي، سمع طاوساً. روى عنه محمد بن الوليد الزبيدي".

الثالثة: عمرو بن الحارث - وهو الزبيدي الحمصي -؛ قال الذهبي:

"تفرد بالرواية عنه إسحاق بن إبراهيم: زبريق، ومولاة له اسمها علوة؛ فهو غير معروف العدالة، وزبريق ضعيف".

الرابعة: إسحاق والد عمرو - وهو إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، بن زبريق -؛ ضعفه الذهبي كما رأيت آنفاً، وقال الحافظ:

"صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب".

الخامسة: ولده عمرو؛ فلم أجد له ترجمة.

قلت: ومن هذا التخريج؛ يتبين للقارىء الكريم مبلغ تساهل الحافظ المنذري (1/ 178) - وإن تبعه الهيثمي (2/ 112-113) - في قوله:

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن"!! وقلده الثلاثة (1/ 397) !!

ثم إن المنذري وهم فيه وهماً آخر؛ حيث جعله من حديث عائشة؛ فإنه - بعد أن ساق حديثها من رواية ابن ماجه ورواية أحمد - قال:

 

(11/82)

 

 

"ورواه الطبراني ... " إلخ كلامه المتقدم! وإنما هو من حديث معاذ كما رأيت، وكذلك ذكره الهيثمي.

وحديث عائشة المشار إليه؛ قد رواه ابن خزيمة بنحو حديث معاذ، لكن ليس فيه ذكر إقامة الصفوف. وكذلك رواه أنس بن مالك، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (691،692) .

لكني وجدت لحديثها طريقاً أخرى فيه الزيادة المذكورة، أخرجه أبو بكر المعدل في "اثنا عشر مجلساً" (8/ 2) من طريق سليمان بن عبد الجبار: حدثنا منصور ابن أبي نويرة: حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً بلفظ:

"إن اليهود يحسدون أمتي على ثلاث خصال: تحية أهل الجنة، والصلاة في الصف كما تصف الملائكة، وآمين جعلها الله على ألسنتهم".

وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير منصور بن أبي نويرة؛ فقد أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 179) ، وقال:

" ... العلاف، روى عن أبي بكر بن عياش، أدركه أبي".

فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول عنده.

وقال البخاري في "التاريخ" (7/ 349) :

"روى عنه أبو الأزهر، سمع القاسم بن محمد"!

كذا وقع فيه! وقد نظر فيه محققه؛ فراجعه؛ وذكر أن ابن حبان أورده في الطبقة الرابعة بروايته عن الحسن بن صالح وأبي بكر بن عياش، روى عنه محمد

 

(11/83)

 

 

ابن سفيان بن أبي الزرد.

وأما سليمان بن عبد الجبار؛ فهو سامرائي، كتب عنه أبو حاتم بها، وقال أحمد فيه:

"صدوق".

وبالجملة؛ فالحديث ضعيف بهذا السياق والتمام، وجله صحيح، ويحتمل أن يكون منه الزيادة المذكورة؛ والله أعلم.

لا سيما ولها شاهد من حديث أنس، تقدم تخريجه برقم (1516) .

5049 - (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس كلب؟!) .

ضعيف شاذ بهذا اللفظ

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (504- موارد و 2280 - الإحسان) ، والطبراني في "الأوسط" (5/ 132/ 4251) من طريق الربيع بن ثعلب: حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن محمد بن ميسرة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. وقال الطبراني:

"تفرد به الربيع".

قلت: والربيع بن ثعلب ثقة صالح؛ له ترجمة في "الجرح والتعديل" (3/ 456/ 2060) ، وفي "تاريخ بغداد" (8/ 418) .

وأبو إسماعيل المؤدب اسمه إبراهيم بن سليمان بن رزين الأردني؛ مختلف فيه؛ قال الذهبي:

 

(11/84)

 

 

"وهو مشهور بكنيته، ضعفه يحيى بن معين مرة، وقال أخرى: ليس بذاك. وقال هو وأحمد: ليس به بأس، ووثقه الدارقطني". وقال الحافظ:

"صدوق يغرب".

ومحمد بن ميسرة: هو محمد بن أبي حفصة البصري؛ مختلف فيه أيضاً؛ فوثقه ابن معين وأبو داود. وقال ابن معين في رواية:

"صويلح، ليس بالقوي". وقال النسائي:

"ضعيف". وقال ابن حبان في "الثقات":

"يخطىء". وقال ابن المديني:

"ليس به بأس". وقال ابن عدي في "الضعفاء" (ق 372/ 1) :

"وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم". وقال الحافظ:

"صدوق يخطىء".

قلت: وقد خالفه جمع من الثقات - كشعبة والحمادين وغيرهم -، فرووه بلفظ: " ... رأس الحمار". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (634) ، و "الإرواء" (510) .

فهذا هو المحفوظ، ولفظ الترجمة شاذ أو منكر؛ أخطأ فيه محمد بن ميسرة هذا، أو الراوي عنه.

ومن هذا التحقيق؛ تعلم خطأ قول المنذري (1/ 180) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد"! ونحوه قول الهيثمي (2/ 78) :

 

(11/85)

 

 

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات؛ خلا شيخ الطبراني العباس ابن الربيع بن ثعلب؛ فإني لم أجد من ترجمه".

قلت: ترجمه الخطيب (12/ 149-150) ، وذكر وفاته سنة (291) ، ولم يحك فيه جرحاً ولا تعديلاً.

لكن تابعه - عند ابن حبان - الهيثم بن خلف الدوري؛ ترجمه الخطيب أيضاً (14/ 63) ، وروى عن الإسماعيلي أنه أحد الأثبات.

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى؛ أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 225) من طريق يوسف بن عدي: حدثنا معمر بن سليمان عن زيد بن حبان عن مسعر عن محمد بن زياد به. وقال:

"هذا من غرائب حديث مسعر، ذاكر به القدماء قديماً؛ من حديث يوسف ابن عدي، وأنه من مفاريده، رواه غير واحد من المتأخرين عن جماعة عن مسعر، فروي من حديث وكيع، ومحمد بن عبد الوهاب القتات، وعبد الرحمن بن مصعب الكوفي بأسانيد لا قوام لها مما وهمت فيه الضعاف عن قريب".

قلت: ومن هؤلاء الضعاف: زيد بن حبان في الطريق الأولى؛ فقال الدارقطني:

"ضعيف الحديث، لا يثبت حديثه عن مسعر". وقال العقيلي:

"حدث عن مسعر بحديث لا يتابع عليه". وقال الحافظ:

"صدوق كثير الخطأ، تغير بآخره".

قلت: فمثله لا يحتج بحديثه، لا سيما مع المخالفة لأحاديث الثقات.

 

(11/86)

 

 

نعم؛ قد صح الحديث موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه قال:

ما يؤمن أحدكم - إذا رفع رأسه في الصلاة قبل الإمام - أن يعود رأسه رأس كلب؟!

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2/ 373/ 3752) ، والطبراني في "الكبير" (9/ 274/ 9174-9175) من طريقين عن زياد بن فياض عن تميم ابن سلمة عنه.

وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

ثم استدركت فقلت: إنه منقطع؛ فإن تميماً هذا لم يدرك ابن مسعود؛ بين وفاتيهما نحو سبعين سنة، فلعل هذا الحديث الموقوف هو أصل هذا الحديث المرفوع، اختلط على بعض رواته الضعفاء، فتوهم أن المرفوع لفظه لفظ هذا الموقوف، فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - توهماً، وإنما المحفوظ عنه - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً بلفظ:

" ... رأس الحمار"، كما تقدم، وهو رواية لابن حبان (2279) .

ولعل الحافظ ابن حجر يشير إليها بقوله الآتي - والله أعلم -؛ فقد جاء في حاشية "الموارد" ما نصه:

"بهامش الأصل: من خط شيخ الإسلام ابن حجر: بل بلفظ: ... رأس حمار".

وبهذا اللفظ الصحيح: أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 185،358،

 

(11/87)

 

 

457 و 6/ 447 و 8/ 96 و 9/ 118) من طرق كثيرة عن محمد بن زياد؛ وبعضها عن مسعر بن كدام عنه.

5050 - (ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله؛ فلا يدرون ما يتلى مما ترك؟! هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل؛ فشهدت أبدانهم، وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله من عبد عملاً حتى يشهد بقلبه مع بدنه) .

ضعيف

أخرجه ابن نصر في "كتاب الصلاة" (ق 28/ 2-29/ 1) : حدثنا يحيى بن يحيى: أخبرنا يحيى بن سليم عن عثمان بن أبي دهرش قال:

بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما فرغ من صلاته قال:

"يا فلان! هل أسقطت من هذه السورة شيئاً؟ " قال: لا أدري يا رسول الله! قال: فسأل آخر؟ فقال: لا أدري يا رسول الله! قال:

"هل فيكم أبي؟ ". قالوا: نعم يا رسول الله! قال:

"يا أبي! هل أسقطت من هذه السورة من شيء؟ ". قال: نعم يا رسول الله! آية كذا وكذا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عثمان بن أبي دهرش؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 1/ 149) :

"روى عنه ابن عيينة، ويحيى بن سليم الطائفي، وابن المبارك".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو مجهول الحال.

 

(11/88)

 

 

ويحيى بن سليم - وهو الطائفي - سيىء الحفظ، وقد خولف في إسناده؛ فقال ابن نصر عقبه: حدثنا صدقة بن الفضل قال: أخبرنا ابن عيينة عن عثمان بن أبي دهرش عن رجل من آل الحكم بن أبي العاص قال:

صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة جهر فيها ... فذكر الحديث.

قلت: وابن عيينة ثقة حافظ؛ فروايته أصح، وفيها أن ابن أبي دهرش تلقاه عن رجل من آل الحكم لم يسمه، والظاهر أنه لم يعرفه.

فهو علة الحديث؛ الظاهر أنه تابعي؛ فهو - مع الجهالة - مرسل.

والحديث؛ أورده المنذري (1/ 185) من الطريق الأولى، وقال:

"رواه محمد بن نصر المروزي في "كتاب الصلاة" هكذا مرسلاً، ووصله أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" بأبي بن كعب، والمرسل أصح"!

قلت: أخرجه الديلمي (3/ 54/ 1) من طريق [أحمد بن محمد النسوي: حدثنا أحمد بن إبراهيم الصيدلاني: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ... عن أبي بن كعب] .

5051 - (هاتان الركعتان فيهما رغب الدهر؛ يعني: سنة الفجر) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 203/ 2) عن يحيى ابن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ:

 

(11/89)

 

 

" (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، و (قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن"؛ وكان يقرأ بهما في ركعتي الفجر، وقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ ليث بن أبي سليم ضعيف؛ وكان اختلط.

وعبيد الله بن زحر ضعيف. وخالفه عبد الواحد بن زياد فقال: عن ليث قال: حدثني أبو محمد قال:

رافقت ابن عمر شهراً، فسمعته في الركعتين قبل صلاة الصبح يقرأ ... الحديث نحوه مرفوعاً دون حديث الترجمة.

أخرجه أبو يعلى (10/ 83/ 5720) .

وقد عرفت أن مدار الحديث على ليث، وهو ضعيف، وأن إسناد الطبراني أشد ضعفاً. وقد وهم فيه المنذري والهيثمي، فقال الأول منهما (1/ 202) :

"رواه أبو يعلى بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير" - واللفظ له -"!

وقال الهيثمي (2/ 218) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى بنحوه؛ وقال: عن أبي محمد عن ابن عمر. وقال الطبراني: عن مجاهد عن ابن عمر، ورجال أبي يعلى ثقات"!

قلت: كيف ذلك؛ وفيه - كالطبراني - ليث بن أبي سليم كما عرفت؟!

نعم؛ الحديث باستثناء حديث الترجمة حديث صحيح؛ لشواهده الكثيرة، وقد خرجت منه: " (قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن" في "الصحيحة" (586) ، وخرجت هناك بعض شواهده، فراجعه.

 

(11/90)

 

 

5052 - (كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار، فقالت عائشة: يا رسول الله! أراك تستحب الصلاة هذه الساعة؟! قال: تفتح فيها أبواب السماء، وينظر الله تبارك وتعالى بالرحمة إلى خلقه، وهي صلاة كان يحافظ عليها آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى) .

ضعيف جداً

أخرجه البزار (ص 76 - زوائده) عن عتبة بن السكن الحمصي: حدثنا الأوزاعي: أخبرني صالح بن جبير: حدثني أبو أسماء الرحبي: حدثني ثوبان مرفوعاً به. وقال:

"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن ثوبان بهذا الإسناد".

قلت: وهو واه جداً؛ وعلته هذا؛ قال الدارقطني:

"متروك الحديث". وقال البيهقي:

"واه، منسوب إلى الوضع". وقال القراب:

"روى عن الأوزاعي أحاديث لم يتابع عليها". وقال ابن حبان:

"يخطىء ويخالف".

 

(11/91)

 

 

5053 - (من صلى قبل الظهر أربع ركعات؛ كأنما تهجد بهن من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء؛ كن كمثلهن من ليلة القدر) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 56/ 2) عن ناهض بن سالم الباهلي: حدثنا عمار أبو هاشم عن الربيع بن لوط عن عمه البراء بن عازب مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن الربيع إلا عمار".

 

(11/91)

 

 

قلت: وعمار: هو ابن عمارة أبو هاشم الزعفراني؛ وهو ثقة. وكذا الربيع بن لوط؛ لكن ذكر الحافظ في ترجمة عمار أن بينه وبين ابن لوط رجلاً سماه؛ لكن في النسخة سقط، فيراجع له أصله "تهذيب الكمال" للمزي.

وناهض بن سالم الباهلي؛ لم أجد له ترجمة.

والحديث؛ قال الهيثمي (2/ 221) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه ناهض بن سالم الباهلي وغيره، ولم أجد من ذكرهم"!!

وغير الباهلي لم أدر المعني به؛ إلا أن يكون شيخ الطبراني؛ فقد قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ: حدثنا سعيد بن منصور: حدثنا ناهض بن سالم الباهلي ...

لكن الهيثمي ليس من عادته الكلام على شيوخ الطبراني المجهولين أو المستورين الذين لم يرد لهم ذكر في "الميزان" مثلاً. والله أعلم.

وقد روي الحديث بإسناد أسوأ حالاً من هذا، ويأتي قريباً إن شاء الله تعالى برقم (5058) .

والجملة الأولى من الحديث قد رويت عن ابن مسعود موقوفاً عليه قال:

ليس بشيء يعدل صلاة الليل من صلاة النهار؛ إلا أربعاً قبل الظهر، وفضلهن على صلاة النهار؛ كفضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد.

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 35/ 1) عن بشر بن الوليد الكندي: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود ومرة ومسروق قالوا: قال عبد الله: ... فذكره.

 

(11/92)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو إسحاق: هو السبيعي، وكان اختلط، وهو مدلس.

وشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيىء الحفظ.

والكندي فقيه مشهور، ولكنه متكلم فيه؛ كما تراه مبسوطاً في "اللسان".

وقال المنذري (1/ 203) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وهو موقوف لا بأس به"!!

كذا قال! ونحوه قول الهيثمي (2/ 221) :

" ... وفيه بشر بن الوليد الكندي، وثقه جماعة، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!!

كذا قال! وشريك - مع ضعفه - لم يحتج به في "الصحيح"، وإنما أخرج له مسلم متابعة؛ كما في "الميزان"؛ فتنبه.

وروى النسائي في "سننه" (4954-4955) من طريق أيمن مولى ابن الزبير (وفي الموضع الثاني: ابن عمر) عن تبيع عن كعب قال:

من توضأ فأحسن وضوءه، ثم شهد صلاة العتمة في جماعة، ثم صلى إليها أربعاً مثلها، يقرأ فيها، ويتم ركوعها وسجودها؛ كان له من الأجر مثل ليلة القدر.

قلت: وهذا إسناد لا بأس به؛ إن كان أيمن هذا هو ابن عبيد الحبشي.

ولكنه مقطوع موقوف على كعب - وهو كعب الأحبار -، ولو أنه رفع الحديث لم يكن حجة؛ لأنه في هذه الحالة يكون مرسلاً، فكيف وقد أوقفه؟!

 

(11/93)

 

 

5054 - (صلاة الهجير مثل صلاة الليل) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 16/ 2) : حدثنا المقدام بن داود: أخبرنا ذؤيب: أخبرنا سليمان بن سالم عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن جده مرفوعاً.

فسألت عبد الرحمن بن حميد عن (الهجير) ؟ فقال: إذا زالت الشمس.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه ثلاث علل:

الأولى: سليمان بن سالم هذا - وهو أبو أيوب المدني مولى عبد الرحمن بن حميد -؛ كذا ترجمه البخاري في "التاريخ" (7/ 18) ؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وابن أبي حاتم (2/ 1/ 119) ، وقال:

"سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ".

وذكره ابن حبان في "الثقات".

قلت: وقد روى عنه جمع، فالعلة ممن دونه.

الثانية: ذؤيب - وهو ابن عمامة السهمي - قال الذهبي:

"ضعفه الدارقطني، ولم يهدر". وقال في ترجمة المقدام الآتي:

"وذؤيب ضعيف". لكن قال أبو زرعة:

"هو صدوق".

وذكره ابن حبان في "الثقات".

 

(11/94)

 

 

الثالثة: المقدام بن داود؛ قال النسائي:

"ليس بثقة". وقال ابن يونس وغيره:

"تكلموا فيه".

وضعفه الدارقطني. وقال مسلمة بن قاسم:

"رواياته لا بأس بها".

ومن هذا التحقيق؛ يتبين تساهل الهيثمي في قوله (2/ 221) :

"رواه الطبراني في "الكبير"؛ ورجاله موثقون"!

فإن المقدام هذا لم يوثقه أحد! وقول مسلمة: "رواياته لا بأس بها"؛ ليس صريحاً في التوثيق مع تصريح غيره بتضعيفه.

على أن قول الهيثمي: ".. موثقون"؛ فيه إشعار منه بأن توثيق من وثقهم ليس قوياً. فتأمل!

وقال المنذري (1/ 203) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفي سنده لين".

5055 - (من حافظ على أربع ركعات قبل العصر؛ بنى الله عز وجل له بيتاً في الجنة) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 1702) عن يحيى بن سليم قال: سمعت محمد بن سعد المؤذن عن عبد الله بن عنبسة قال: سمعت أم

 

(11/95)

 

 

حبيبة بنت أبي سفيان تقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الله بن عنبسة، ومحمد بن سعد المؤذن؛ لم أعرفهما.

ويحيى بن سليم - وهو الطائفي - فيه ضعف من قبل حفظه.

والحديث؛ أعله المنذري (1/ 204) - ثم الهيثمي (2/ 222) - بالمؤذن، فقال فيه الأول منهما:

"لا يدرى من هو؟ ". وقال الآخر:

"لم أعرفه".

5056 - (من صلى أربع ركعات قبل العصر؛ لم تمسه النار) .

ضعيف

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 470) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 57/ 1) - والسياق له - من طريق حجاج بن نصير: حدثنا اليمان ابن المغيرة العبدي عن عبد الكريم بن أبي أمية عن مجاهد أخبره عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:

جئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في أناس من أصحابه؛ منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأدركت آخر الحديث ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لا يروى عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد، تفرد به حجاج".

قلت: وهو ضعيف كان يقبل التلقين.

 

(11/96)

 

 

وشيخه اليمان بن المغيرة ضعيف أيضاً.

ومثله عبد الكريم بن أبي أمية.

فهو إسناد مسلسل بالضعفاء. فالعجب من الهيثمي حيث أعله بضعف ابن أبي أمية فقط! وأفاد أنه في "كبير الطبراني" مختصراً بلفظ:

" ... حرمه الله على النار"!!

قلت: وكذلك رواه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 305) مختصراً من طريقين آخرين عن اليمان بن مغيرة به؛ إلا أنه وقع فيه: "عبد الله بن عمر"، وقال:

"تفرد به اليمان عن عبد الكريم".

وكذلك أخرجه الطبراني في "الكبير" من حديث أم سلمة مرفوعاً بزيادة:

قلت: يا رسول الله! قد رأيتك تصلي وتدع؟! قال:

"لست كأحدكم". قال الهيثمي:

"وفيه نافع بن مهران وغيره، ولم أجد من ذكرهم".

قلت: ولذلك أشار إلى تضعيفه.

5057 - (لا تزال أمتي يصلون هذه الأربع ركعات قبل العصر؛ حتى تمشي على الأرض مغفوراً حتماً) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 57/ 1) من طريق عبد الوهاب بن عبد الله بن يحيى الأسدي: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة

 

(11/97)

 

 

عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو موضوع؛ آفته عبد الملك بن هارون؛ فقد كذبه يحيى والسعدي وغيرهما. وقال ابن حبان:

"يضع الحديث". وقال صالح بن محمد:

"عامة حديثه كذب". وقال الحاكم في "المدخل":

"روى عن أبيه أحاديث موضوعة".

قلت: والراوي عنه عبد الوهاب بن عبد الله بن يحيى الأسدي؛ لم أعرفه.

واقتصر الهيثمي (2/ 222) على إعلال الحديث بعبد الملك وقال:

"وهو متروك". وقال المنذري (1/ 204) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وهو غريب".

قلت: ورواه الخطيب (14/ 308) من طريق يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن كركا الخياط: حدثنا أحمد بن يعقوب البصري: حدثنا هشيم - في رحبة عبيد الله بن المهدي -: حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:

"من صلى أربع ركعات قبل صلاة العصر؛ غفر الله له مغفرة عزماً".

أورده في ترجمة يوسف هذا؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو آفته، أو شيخه أحمد بن يعقوب البصري؛ فإني لم أجد من ذكره.

 

(11/98)

 

 

ومن فوقه ثقات من رجال "الصحيحين".

ثم رأيت لعبد الوهاب - الذي في إسناد الطبراني - متابعاً، أخرجه السلفي في "آخر مجلس من أمالي أبي مطيع المصري" (ق 64/ 2) عن محمد بن يوسف العائدي: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة به نحوه بلفظ:

" ... دخل الجنة ألبتة".

5058 - (أربع قبل الظهر: كعدلهن بعد العشاء، وأربع بعد العشاء: كعدلهن من ليلة القدر) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 58/ 2) عن يحيى ابن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن أنس مرفوعاً به. وقال:

"لم يروه عن ابن جحادة إلا يحيى".

قلت: وهو متهم بالوضع؛ قال ابن أبي حاتم:

"يفتعل الحديث". وقال البخاري:

"منكر الحديث".

وضعفه سائر الأئمة. وشذ عنهم أبو علي بن السكن فقال:

"صالح الحديث"!

والحديث أعله الهيثمي (2/ 230) بـ (يحيى) هذا، فقال:

"وهو ضعيف جداً".

 

(11/99)

 

 

وأشار المنذري إلى تضعيف الحديث (1/ 205) .

وقد روي الحديث بإسناد خير من هذا من حديث البراء بن عازب؛ وقد مضى برقم (5053) .

5059 - (من صلى صلاة الغداة، فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس؛ كان له حجاباً من النار - أو قال: ستراً من النار -) .

موضوع

أخرجه الحافظ أبو محمد القاري في "حديثه" (1/ 196/ 2) ، وابن عدي (ق 173/ 1) عن خالد العمري: حدثنا سفيان الثوري عن سعد بن طريف عن عمير بن مأمون قال: سمعت الحسن بن علي يقول: ... فذكره. وقال:

"غريب، تفرد بروايته خالد بن يزيد العمري عن الثوري".

قلت: العمري كذبه أبو حاتم ويحيى. وقال ابن حبان:

"يروي الموضوعات عن الأثبات".

وساق له في "الميزان" و "اللسان" بعض موضوعاته.

لكن فوقه سعد بن طريف؛ وهو قريب منه؛ فقد اتفقوا على تضعيفه. وقال ابن معين:

"لا يحل لأحد أن يروي عنه". وقال النسائي والدارقطني:

"متروك الحديث". وقال ابن عدي:

 

(11/100)

 

 

"وهو بين الضعف جداً". وقال ابن حبان:

"كان يضع الحديث".

قلت: فهو علة الحديث؛ لأن العمري قد تابعه أبو معاوية عن سعد به.

أخرجه ابن عدي.

ولذلك؛ أخرج الحديث في ترجمة سعد.

وأشار إلى ما ذكرته قول الحافظ أبي محمد عقبه:

"ورواه العلاء بن راشد عن سعد بن طريف به".

ثم إن عمير بن مأمون؛ قال الدارقطني:

"لا شيء".

والحديث؛ أورده المنذري في "الترغيب" (1/ 165) من رواية البيهقي عن الحسن بن علي نحوه. وقال في آخره:

"وأخذ الحسن بجلده فمده. رواه البيهقي"؛ وصدره بقوله: "روي"؛ مشيراً به إلى ضعفه.

5060 - (من صلى العشاء في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد؛ كان كعدل ليلة القدر) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 22/ 1) : حدثنا محمد ابن الفضل السقطي: حدثنا مهدي بن حفص: حدثنا إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعاً. وقال:

 

(11/101)

 

 

"لم يروه عن ابن عمر إلا محارب، ولا عنه إلا أبو حنيفة؛ تفرد به إسحاق".

قلت: وهو ابن يوسف الواسطي؛ وهو ثقة، وكذلك سائر رجال الإسناد؛ غير أبي حنيفة رحمه الله؛ فإن الأئمة قد ضعفوه، كما تقدم بيان ذلك مبسوطاً بما لا تراه في كتاب تحت الحديث (458) . ولذلك؛ قال الحافظ العراقي:

"لم يصح"؛ كما نقله الشوكاني (3/ 16) .

وقد أشار إلى تضعيف أبي حنيفة الحافظ الهيثمي بقوله عقب الحديث:

"رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفيه من ضعف [في] الحديث".

وكأنه لم يتجرأ على الإفصاح باسمه؛ اتقاء منه لشر متعصبة الحنيفة في زمانه، كفانا الله شر التعصب وأهله!!

وسائر رجال الحديث مترجمون في "التهذيب"؛ غير السقطي، فترجمته في "تاريخ بغداد" (3/ 153) ؛ قال الخطيب:

"وكان ثقة، وذكره الدارقطني فقال: "صدوق". مات سنة ثمان وثمانين ومئتين".

وروي الحديث بلفظ:

"من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة، قرأ في الركعتين الأوليين: (قل يا أيها الكافرون) ، و (قل هو الله أحد) ، وفي الأخريين: (تبارك الذي بيده الملك) و (آلم تنزيل) ؛ كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر".

أخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 60 - المكتبة الأثرية) من طريق أبي

 

(11/102)

 

 

فروة عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: أبو فروة؛ اسمه يزيد بن سنان بن يزيد الجزري الرهاوي.

وهو ضعيف، وتركه النسائي.

ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الكبير".

لكن الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة؛ دون قوله: "قبل أن يخرج من المسجد"؛ فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 72/ 1) ، وابن نصر أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال:

من صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات؛ كن كعدلهن من ليلة القدر.

قلت: وإسناده صحيح.

ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن عائشة، وابن مسعود، وكعب بن ماتع، ومجاهد، وعبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم.

والأسانيد إليهم كلهم صحيحة - باستثناء كعب -، وهي وإن كانت موقوفة؛ فلها حكم الرفع؛ لأنها لا تقال بالرأي؛ كما هو ظاهر.

5061 - (كان إذا صلى العشاء؛ ركع أربع ركعات، وأوتر بسجدة، ثم نام حتى يصلي - بعد - صلاته بالليل) .

منكر

أخرجه أحمد (4/ 4) ، وابن نصر في "قيام الليل" (ص 203-204) من طريق منصور بن سلمة أبي سلمة الخزاعي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي

 

(11/103)

 

 

الموالي قال: أخبرني نافع بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات رجال البخاري؛ غير نافع بن ثابت، وهو حفيد عبد الله بن الزبير، ترجمه ابن أبي حاتم (4/ 1/ 457) برواية آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال:

"مات في المدينة سنة خمس وخمسين ومئة، وهو ابن ثلاث وسبعين".

قلت: فأفاد أن ولادته كانت سنة (82) ، وعليه؛ فهو لم يدرك جده عبد الله بن الزبير؛ فإنه مات قبله بثمان سنين، فهو منقطع،. وبه أعله الهيثمي فقال (2/ 272) :

"رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"؛ وفيه نافع بن ثابت، وثابت: هو ابن عبد الله بن الزبير، ولم يدركه، وإنما روى عن أبيه ثابت".

قلت: والحديث - مع ضعفه وانقطاعه -؛ فإنه منكر عندي؛ لأن المعروف من حديث عائشة وابن عباس وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما هو إيتاره بعد صلاة الليل. وفي هذا خلافه، فهو منكر.

5062 - (إذا وضعت جنبك على الفراش، وقرأت فاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد) ؛ فقد أمنت من كل شيء إلا الموت) .

ضعيف

أخرجه البزار من حديث أنس مرفوعاً. وقال المنذري (3/ 139/ 1) :

"ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا غسان بن عبيد"!

قلت: وكذا قال الهيثمي (10/ 121) ؛ إلا أنه بين حال غسان هذا؛ فقال:

 

(11/104)

 

 

"وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان".

وإليه أشار الحافظ ابن حجر بقوله في "بذل الماعون في فضل الطاعون" (ق 36/ 1) :

"وفي مسنده راو ضعيف".

5063 - (من بات ليلة في خفة من الطعام والشراب يصلي؛ تدالت حوله الحور العين حتى يصبح) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 139/ 1) عن أصرم بن حوشب: أخبرنا عبد الله بن إبراهيم عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ مسلسل بالضعفاء والمتروكين:

أولاً: عباد بن منصور؛ قال الحافظ:

"صدوق، رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بأخرة".

ثانياً: عبد الله بن إبراهيم؛ الظاهر أنه أبو محمد الغفاري المدني، وهو متروك، ونسبه ابن حبان إلى الوضع؛ كما في "التقريب".

قلت: وقال الحاكم:

"روى عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة لا يرويها غيره".

ثالثاً: أصرم بن حوشب؛ قال يحيى:

"كذاب خبيث". وقال البخاري ومسلم والنسائي وأبو حاتم:

 

(11/105)

 

 

"متروك الحديث". وقال ابن حبان:

"كان يضع الحديث". وقال الحاكم والنقاش:

"يروي الموضوعات".

قلت: إن سلم من شيخه؛ فهو آفة هذا الحديث، وبه أعله الهيثمي (2/ 255) ، وقال:

"وهو متروك".

وأشار المنذري (1/ 219) إلى تضعيف الحديث، ولو أنه حذفه من كتابه لأصاب.

5064 - (ما خيب الله امرأ قام في جوف الليل، فافتتح سورة البقرة وآل عمران) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 61/ 2) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 129-130) عن بشر بن يحيى المروزي: حدثنا فضيل بن عياض عن ليث بن أبي سليم عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود مرفوعاً. وقالا:

"لم يروه عن الشعبي إلا ليث، ولا عنه إلا فضيل، تفرد به بشر".

قلت: وهو مجهول الحال؛ قال ابن أبي حاتم (1/ 1/ 370) :

"سمع منه أبي بالري وهو حاج، وسمعته يقول: كان صاحب رأي".

وليث بن أبي سليم ضعيف، كما تقدم مراراً. وبه أعله الهيثمي فقال (2/ 254) :

 

(11/106)

 

 

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه ليث بن أبي سليم، وفيه كلام، وهو ثقة مدلس"!

أقول: ووصفه إياه بأنه ثقة مدلس وهم ظاهر مزدوج؛ فإن أحداً من الأئمة لم يطلق عليه أنه ثقة، ولا وصفه أحد بالتدليس، بل هو مجمع على تضعيفه؛ لولا ما روى أبو داود قال: سألت يحيى عن ليث؛ فقال:

"لا بأس به"! وهو مخالف لما رواه غيره عن ابن معين من التضعيف، وهو المعتمد؛ لموافقته لسائر أقوال الأئمة المضعفة له.

ومن الوهم أيضاً؛ قول المنذري (1/ 219) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفي إسناده بقية"!

فإن بقية لا علاقة له بهذا الحديث ألبتة.

5065 - (إن في الجنة باباً يقال له: الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم، فادخلوه برحمة الله) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 59/ 1) من طريق سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن يحيى إلا سليمان".

قلت: وهو متروك؛ كما قال الهيثمي (2/ 239) .

 

(11/107)

 

 

والحديث؛ أشار المنذري إلى تضعيفه (1/ 237) !

5066 - (ألا أهب لك؟! ألا أبشرك؟! ألا أمنحك؟! ألا أتحفك؟! قال: نعم يا رسول الله! قال: تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بـ (الحمد) وسورة، ثم تقول بعد القراءة - وأنت قائم قبل الركوع -:

سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، خمس عشرة مرة، ثم تركع، فتقولهن عشراً تمام هذه الركعة قبل أن تبتدىء بالركعة الثانية، تفعل في الثلاث ركعات كما وصفت لك؛ حتى تتم أربع ركعات) .

موضوع بهذا السياق

أخرجه الحاكم (1/ 319) : حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ - إملاء من أصل كتابه -: حدثنا أحمد بن داود بن عبد الغفار - بمصر -: حدثنا إسحاق بن كامل: حدثنا إدريس بن يحيى عن حيوة بن شريح عن يزيد ابن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر قال:

وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه وقبل بين عينيه، ثم قال: ... فذكره. وقال:

"هذا إسناد صحيح لا غبار عليه"!!

كذا قال! ووافقه الذهبي! وهذا عجيب؛ فإن أحمد بن داود هذا أورده الذهبي نفسه في "الميزان" وقال:

"كذبه الدارقطني وغيره، ومن أكاذيبه ... ". ثم ساق له حديثين موضوعين غير هذا. وقال ابن حبان وابن طاهر:

 

(11/108)

 

 

"كان يضع الحديث"!

ولذلك؛ تعقب الحاكم المنذري بقوله في "الترغيب" (1/ 238) :

"وشيخه أحمد بن داود بن عبد الغفار أبو صالح الحراني ثم المصري؛ تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وكذبه الدارقطني".

قلت: وقوله: "وشيخه أحمد ... " وهم؛ كما نبه عليه الحافظ الناجي، وحكيته عنه في "التعليق الرغيب"؛ فإنما هو شيخ شيخه أبي علي الحافظ؛ كما تقدم.

والحديث قد روي عن جمع من الصحابة؛ أشهرهم ابن عباس، وأبو رافع، وابن عمرو، بأتم من هذا، وليس فيها: "ولا قوة إلا بالله"، فهي زيادة منكرة.

وفيها: أن في كل ركعة خمساً وسبعين تسبيحة وتحميدة وتهليلة وتكبيرة، خلافاً لهذا، ففيه خمس وعشرون فقط؛ وقد خرجت الأحاديث المشار إليها في "صحيح أبي داود" (1173،1174) .

وفيها أيضاً: أن المخاطب بهذا الحديث إنما هو العباس بن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -. نعم؛ في رواية لأبي داود (1175) من طريق عروة بن رويم: حدثني الأنصاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر ... بهذا الحديث، فذكر نحوه؛ أي: نحو حديث ابن عمرو الذي في "السنن" قبله. وفي سنده جهالة كما بينته في "صحيح أبي داود" (1175) .

فإذا ثبت هذا؛ ففيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - خاطب جعفراً بمثل ما خاطب به عمه العباس. والله أعلم.

 

(11/109)

 

 

ونحو حديث الترجمة في النكارة: ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 64/ 1) من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عبد القدوس بن حبيب عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له:

"يا غلام! ألا أحبوك؟! ألا أنحلك؟! ألا أعطيك؟! ". قال: قلت: بلى - بأبي أنت وأمي - يا رسول الله! قال: فظننت أنه سيقطع لي قطعة من مال، فقال:

"أربع ركعات تصليهن ... " فذكره مثل حديث أبي رافع وغيره؛ لكنه زاد في آخره:

"فإذا فرغت؛ قلت بعد التشهد وقبل التسليم: اللهم! إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين ... " إلخ الدعاء، وفي آخره:

"فإذا فعلت ذلك يا ابن عباس! غفر الله لك ذنوبك؛ صغيرها وكبيرها، وقديمها وحديثها، وسرها وعلانيتها، وعمدها وخطأها".

قلت: وإسناده ضعيف جداً؛ عبد القدوس بن حبيب متروك متهم بالوضع.

وموسى بن جعفر: هو الأنصاري، لا يعرف؛ كما قال الذهبي، وأقره الحافظ.

وأعله الهيثمي (2/ 282) بابن حبيب، فقال:

"وهو متروك".

ثم أخرجه الطبراني من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء قال:

قال لي ابن عباس: يا أبا الجوزاء! ألا أحبوك؟! ألا أتحفك؟! ألا أعطيك؟! قلت: بلى. فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

 

(11/110)

 

 

"من صلى أربع ركعات ... " فذكر نحوه، وزاد فيه:

"من صلاهن؛ غفر له كل ذنب كان أو هو كائن". وقال الطبراني:

"لم يروه عن محمد بن جحادة إلا يحيى".

قلت: وهو ضعيف جداً. بل قال ابن أبي حاتم:

"يفتعل الحديث". وقال ابن معين:

"كذاب خبيث عدو الله". وقول الهيثمي فيه:

"وهو ضعيف"!

فيه تساهل كبير.

5067 - (إن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربع وعشرون ساعة؛ ليس فيها ساعة إلا ولله فيها ست مئة عتيق من النار) .

ضعيف جداً

أخرجه أبو يعلى (2/ 882) من طريق عوام البصري عن عبد الواحد بن زيد عن ثابت عن أنس مرفوعاً. قال:

ثم خرجنا من عنده فدخلنا على الحسن، فذكرنا له حديث ثابت، فقال: سمعته، وزاد فيه:

"كلهم قد استوجب النار".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عبد الواحد بن زيد - وهو البصري الزاهد -؛ قال البخاري:

 

(11/111)

 

 

"عبد الواحد صاحب الحسن؛ تركوه".

وعوام البصري؛ أظنه الذي في "الجرح والتعديل" (3/ 2/ 23) :

"عوام بن المقطع؛ رجل من كلب، يعد في البصريين، سمع أباه، روى عنه بكر بن معبد، سمعت أبي يقول ذلك: ويقول: هما مجهولان".

واعلم أنه وقع في نسختنا من "أبي يعلى" تحريف في بعض الرواة الذين تحت عوام البصري، وصورته هكذا: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد ثابت (!) عبد الصمد بن علي عن عوام البصري ...

وعبد الله بن عبد الصمد شيخ أبي يعلى: هو عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش - واسمه علي الموصلي الأسدي -، وهو ثقة مات سنة (255) ، وقد روى عن جمع منهم أبوه، وعليه؛ فمن المحتمل احتمالاً قوياً أن قوله في النسخة: "ثابت" محرف، وصوابه: "حدثنا أبي" أو نحوه. ويؤيده قول الهيثمي (2/ 165) :

"رواه أبو يعلى من رواية عبد الصمد بن أبي خداش عن أم (!) عوام البصري، ولم أجد من ترجمها"!!

وعبد الصمد بن أبي خداش: هو والد عبد الله بن عبد الصمد كما علمت، ولم أجد له ترجمة.

 

(11/112)

 

 

وأم عوام؛ كذا وقع في "المجمع"! وأظن أن أداة الكنية (أم) مقحمة من بعض النساخ. والله أعلم.

ثم إن الهيثمي ذهل عن العلة القادحة فيمن فوق من لم يعرفها؛ وهو عبد الواحد بن زيد المتروك!

وأشار المنذري (1/ 250) إلى تضعيف الحديث، وقال:

"ورواه البيهقي باختصار، ولفظه: "لله في كل جمعة ست مئة ألف عتيق من النار" ... ".

5068 - (الزكاة قنطرة الإسلام) .

ضعيف

أخرجه ابن شاهين في (الخامس) من "الأفراد" (ق 34/ 2) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 84/ 2) وابن عدي في "الكامل" (204/ 1) ، والقضاعي في "مسند شهاب" (ق 17/ 2) ، وعبد الغني المقدسي في "السنن" من طريق الطبراني؛ كلهم عن بقية بن الوليد عن الضحاك بن حمرة عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي الدرداء مرفوعاً. وقال ابن شاهين:

"حديث غريب، لا أعلم حدث به عن الضحاك بن حمرة إلا بقية". ونحوه قول الطبراني:

"لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به بقية".

قلت: وهو ثقة؛ ولكنه مدلس وقد عنعنه.

لكن شيخه الضحاك بن حمرة - بضم المهملة - ضعيف؛ كما جزم به في

 

(11/113)

 

 

"التقريب"؛ فإعلاله به أولى، وفيه توثيق لين؛ أشار إليه الهيثمي بقوله (3/ 62) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، و "الأوسط"، ورجاله موثقون؛ إلا أن بقية مدلس، وهو ثقة".

وأما قول المنذري (1/ 263) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، و "الكبير"، وفيه ابن لهيعة، والبيهقي؛ وفيه بقية بن الوليد"!

ففيه ما هو مخالف لحال إسناده عند جميع مخرجيه، فلعل قوله: "وفيه ابن لهيعة" مقحم من بعض النساخ؛ فإنه لا ذكر لابن لهيعة عند أحدهم، لا سيما وقد صرحوا بأن بقية تفرد به.

والحديث؛ قال الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على "تفسير البيضاوي" (ق 19/ 2) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان" مرفوعاً، وسنده ضعيف".

ثم رأيت الحافظ ابن حجر أعله في أول كتابه "تخريج أحاديث الكشاف" بابن حمرة؛ وجزم بضعفه.

5069 - (ما خالطت الصدقة - أو قال: الزكاة - مالاً؛ إلا أفسدته) .

ضعيف

أخرجه البزار (ص 94 - زوائده) عن عثمان بن عبد الرحمن

 

(11/114)

 

 

الجمحي: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الجمحي هذا، وهو متفق على تضعيفه، ولذلك؛ قال الهيثمي في "زوائد البزار" - أو الحافظ -:

"قلت: إسناده لين".

قلت: وأشار إلى ذلك المنذري في "الترغيب" (1/ 270) .

وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 64) :

"رواه البزار، وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي؛ قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به".

قلت: وقد انكشفت لي علة أخرى، وهي أن أحد رواته أخطأ في اسم الجمحي هذا، وإنما هو محمد بن عثمان، فقال الحميدي: حدثنا محمد بن عثمان ابن صفوان الجمحي قال: حدثنا هشام بن عروة به.

وكذلك رواه جمع؛ منهم الإمام أحمد كما في "شعب البيهقي" (22 باب ق 184/ 1) ؛ وابن عدي، وقال:

"ومحمد بن عثمان يعرف بهذا الحديث، ولا أعلم أنه رواه عن هشام بن عروة غيره".

قلت: فإذا كان تفرد به محمد بن عثمان عن هشام؛ فمن رواه عن عثمان بن عبد الرحمن فقد وهم، وأظنه من مخرجه البزار نفسه؛ فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه كما هو معلوم؛ وقد خرجت رواية الحميدي وغيره في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" (رقم 63) .

 

(11/115)

 

 

5070 - (ظهرت لهم الصلاة فقبلوها، وخفيت لهم الزكاة فأكلوها، أولئك هم المنافقون) .

موضوع

أخرجه البزار (ص 94) : حدثنا قتيبة: حدثنا عبد الله - هو ابن إبراهيم الغفاري -: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعاً. وقال:

"لم يتابع عليه عبد الله بن إبراهيم، وهو ضعيف"!

قلت: كذا قال! وتبعه الهيثمي فقال (3/ 64) أيضاً:

"وهو ضعيف"!

قلت: وهو شر من ذلك بكثير؛ فقد اتهمه ابن حبان وغيره بوضع الحديث، كما تقدم مراراً تحت أحاديث كثيرة منها الحديث (92) .

ونحوه شيخه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فانظر الحديث (25،333) .

 

(11/116)

 

 

5071 - (إن في النار حجراً يقال له: (ويل) ؛ يصعد عليه العرفاء وينزلون فيه) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 96 - زوائده) من طريق أسد ابن موسى: حدثنا خالد بن سليمان الزيات - رجل من أهل العراق -: حدثنا هاشم ابن موسى: حدثنا بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً. وقال:

"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن سعد". وقال الحافظ العسقلاني:

 

(11/116)

 

 

"إسناده ضعيف".

قلت: وهو كما قال؛ فإن هاشم بن موسى وخالد بن سليمان؛ لم أر من ترجمهما. ولذلك؛ أشار المنذري (1/ 280) إلى تضعيف الحديث. وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 89) :

"رواه أبو يعلى، وفيه جماعة لم أجد من ذكرهم"!

وعزوه إياه لأبي يعلى سبق قلم، أو سهو من الناسخ؛ فليس الحديث في "مسند أبي يعلى"، ولم يعزه المنذري إلا للبزار.

5072 - (طوبى له إن لم يكن عريفاً) .

ضعيف جداً

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/ 982) : حدثنا محمد: أخبرنا مبارك: أخبرنا عبد العزيز عن أنس:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرت به جنازة، فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مبارك - وهو ابن سحيم البصري مولى عبد العزيز بن صهيب -، وهو متروك بإجماعهم.

والظاهر أنه التبس على المنذري بغيره، فقال (1/ 280) :

"رواه أبو يعلى، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى"!

وكذا التبس أمره على الهيثمي فقال (3/ 89) :

"رواه أبو يعلى عن محمد؛ ولم ينسبه فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!

قلت: وكأنهما ظنا أنه مبارك بن حسان السلمي، أو مبارك بن فضالة مولى

 

(11/117)

 

 

زيد بن الخطاب، وكلاهما بصري من هذه الطبقة، يرويان عن الحسن البصري وغيره! وليس كذلك؛ فقد نسبه أبو يعلى في حديث قبل هذا الحديث فقال: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي: أخبرنا مبارك مولى عبد العزيز بن صهيب: أخبرنا عبد العزيز: أخبرنا أنس ... ثم ساق بهذا الإسناد حديثاً ثانياً، ونسب فيه شيخه محمداً كما نسبه في الأول. ثم ساق به هذا الحديث الثالث، ولكنه لم ينسبه كما رأيت، وهو هو كما هي عادة أصحاب "المسانيد"؛ مما هو معروف عند العارفين بهذا العلم الشريف، فلا أدري كيف لم يتنبه الهيثمي لذلك، كما لم يتنبه هو والمنذري لكون المبارك في إسناد هذا الحديث هو مولى عبد العزيز الذي في الإسناد الأول!

5073 - (ما الذي يعطي من سعة بأعظم أجراً من الذي يقبل من حاجة) .

ضعيف

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 245) عن يوسف بن أسباط عن عائذ بن شريح عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عائذ هذا؛ قال أبو حاتم:

"في حديثه ضعف". وقال ابن طاهر:

"ليس بشيء".

ويوسف بن أسباط؛ ضعيف أيضاً.

والحديث؛ قال الهيثمي (3/ 101) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عائذ بن شريح؛ وهو ضعيف".

 

(11/118)

 

 

وذكره بنحوه من حديث ابن عمر، وقال:

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه مصعب بن سعيد، وهو ضعيف".

قلت: هو أبو خيثمة المصيصي؛ قال ابن عدي:

"يحدث عن الثقات بالمناكير، والضعف على رواياته بين".

قلت: وساق له الذهبي أحاديث منها، ثم قال:

"قلت: ما هذه إلا مناكير وبلايا".

5074 - (ما نقصت صدقة من مال قط، وما مد عبد يده بصدقة؛ إلا ألقيت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، ولا فتح عبد باب مسألة له عنها غنى؛ إلا فتح الله عليه باب فقر) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 149/ 2) : حدثنا محمد بن أبان الأصبهاني: أخبرنا الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي: أخبرنا يزيد بن هارون: أنبأنا شريك عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس رفعه قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير يزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي مولاهم -؛ قال الحافظ:

"ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن".

ومثله شريك - وهو ابن عبد الله القاضي -، قال الحافظ:

"صدوق، يخطىء كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً

 

(11/119)

 

 

فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع".

فهو أو شيخه علة الحديث. وأما قول الهيثمي (3/ 110) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه من لم أعرفه"!!

قلت: فلا أدري وجهه؛ فكلهم من رجال "التهذيب"؛ غير محمد بن أبان الأصبهاني؛ فلعله الذي عناه بقوله: "لم أعرفه"؛ وحق له ذلك؛ فإن ترجمته عزيزة؛ فقد ترجمه أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين"، ثم أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 224) ، وهو ثقة كثير الحديث؛ مات سنة ثنتين - وقال أبو نعيم: ثلاث - وتسعين ومئتين.

والحديث؛ أشار المنذري (2/ 20) إلى تضعيفه.

ثم إنني إنما خرجته من أجل الجملة الوسطى منه، وإلا؛ فسائره ثابت في أحاديث صحيحة: فالجملة الأولى في حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:

"ما نقصت صدقة من مال ... " الحديث، وهو مخرج في "الصحيحة" (2328) ، و "الإرواء" (2200) .

والجملة الأخيرة؛ جاءت في حديث لابن عباس، قواه المنذري في "الترغيب" (2/ 3) .

وله شاهد من حديث أبي هريرة خرجته هناك برقم (2231،2543) .

 

(11/120)

 

 

5075 - (من صام الأيام في الحج، ولم يجد هدياً إذا استمتع؛ فهو ما بين إحرام أحدكم إلى يوم عرفة؛ فهو آخرهن) .

منكر

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 194/ 2) : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثنا أبي عن أبيه: حدثني النعمان بن المنذر قال: زعم سالم بن عبد الله عن أبيه، وزعم عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أحمد هذا - وهو البتلهي الدمشقي -؛ قال الذهبي:

"عن أبيه، له مناكير، قال أحمد الحاكم: فيه نظر، وحدث عنه أبو الجهم الشعراني ببواطيل"؛ ثم ساق له حديثين باطلين.

قلت: وقد غمز منه ابن حبان كما يأتي قريباً.

وقال أبو عوانة في "صحيحه" - بعد أن روى عنه -:

"سألني أبو حاتم: ما كتبت بالشام - قدمتي الثالثة -؟ فأخبرته بكتبي مئة حديث لأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، كلها عن أبيه. فساءه ذلك؛ وقال: سمعت أن أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئاً. فقلت: لا يقول: حدثني أبي، وإنما يقول: عن أبيه إجازة".

أقول: قد قال في هذا الحديث: "حدثني أبي"، وكذلك قال في حديثين آخرين قبله في "المعجم الكبير"؛ فهذا قد يدل على كذبه؛ لأن الإمام الطبراني حافظ ثقة، وقد صرح عنه بالتحديث، ولا ينافيه قول الإسفراييني: "إنما كان

 

(11/121)

 

 

يقول: عن أبيه إجازة"؛ فإنه يروي ما وقع له - وهو حافظ ثقة أيضاً -؛ فالظاهر أنه كان يحدث تارة هكذا، وتارة هكذا! ولعل تصريحه بالتحديث لم يكن كذباً مقصوداً منه؛ فقد قال أبو أحمد الحاكم:

"الغالب علي أنني سمعت أبا الجهم - وسألته عن حال بن محمد -؛ فقال: قد كان كبر؛ فكان يلقن ما ليس من حديثه فيتلقن".

أي: أنه اختلط في آخره؛ فلعله في هذه الحالة صرح بالتحديث. والله أعلم.

وأبوه محمد بن يحيى بن حمزة؛ قال ابن حبان:

"هو ثقة في نفسه، يتقى من حديثه ما رواه عنه أحمد بن محمد بن يحيى ابن حمزة وأخوه عبيد؛ فإنهما كانا يدخلان عليه كل شيء".

قال الحافظ في "اللسان" عقبه:

"قلت: وقد تقدم في ترجمة أحمد أن محمداً هذا كان قد اختلط"!

قلت: وهذا وهم من الحافظ رحمه الله! فالذي اختلط إنما هو أحمد كما رأيت.

ومثل هذا؛ قول الهيثمي في تخريجه لهذا الحديث في "المجمع" (3/ 237) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه حمزة بن واقد، ولم أجد من ترجمه"!

قلت: ليس له ذكر في رواة الحديث، ولا علاقة له بهذا الحديث، وإنما هو من رواية ابنه يحيى بن حمزة: حدثني النعمان؛ فإنه من رواية أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي (يعني: محمد بن يحيى بن حمزة) عن أبيه (يعني: يحيى بن حمزة) : حدثني النعمان بن المنذر ...

 

(11/122)

 

 

وليحيى بن حمزة حديث آخر، يرويه عن النعمان بن المنذر: عند الطبراني في "معجمه" (3/ 201/ 2) .

فالحديث حديثه وليس حديث أبيه.

5076 - (أحذركم الدجالين الثلاث. فقال ابن مسعود: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قد أخبرتنا عن الدجال الأعور، وعن أكذب الكذابين؛ فمن الثالث؟ فقال: رجل يخرج في قوم؛ أولهم مثبور، وآخرهم مثبور، عليهم اللعنة دائبة في فتنة الجارفة، وهو الدجال الأليس؛ يأكل عباد الله) .

منكر بمرة

أخرجه الحاكم (4/ 513) عن صالح بن عمر بن شعيب قال: سمعت جدي شعيب بن عمر الأزرق قال:

حججنا فمررنا بطريق المنكدر، وكان الناس إذ ذاك يأخذون فيه، فضللنا الطريق، قال: فبينا نحن كذلك؛ إذ نحن بأعرابي كأنما نبع علينا من الأرض، فقال: يا شيخ! تدري أين أنت؟ قلت: لا. قال: أنت بالربائب، وهذا التل الأبيض الذي تراه عظام بكر بن وائل وتغلب، وهذا قبر كليب وأخيه مهلهل. قال: فدلنا على الطريق، ثم قال: ها هنا رجل له من النبي - صلى الله عليه وسلم - صحبة، هل لكم فيه؟ قال: فقلت: نعم، قال: فذهب بنا إلى شيخ معصوب الحاجبين بعصابة في قبة أدم. فقلنا له: من أنت؟ قال: أنا العداء بن خالد، فارس الصحبا (!) في الجاهلية، قال: فقلنا له: حدثنا رحمك الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث؟ قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ قام قومة له كأنه مفزع، ثم رجع؛ فقال: ... فذكره. وقال:

 

(11/123)

 

 

"قال محمد: وهو أبعد الناس من شيبة". وقال الحاكم:

"رواه الإمام ابن خزيمة ولم يضعفه"!

وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: شعيب مجهول، والحديث منكر بمرة".

قلت: أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 350) ، وقال:

"روى عن جدته أم صالح عن عائشة، روى عنه معلى بن أسد".

وكذا في "تاريخ البخاري" (2/ 2/ 224) ، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

قلت: ومن العجائب أن الذهبي - مع حكمه عليه بالجهالة هنا في "التلخيص" - لم يورده في "الميزان" مطلقاً، ولم يستدركه عليه الحافظ في "اللسان"!!

ومثله صالح بن عمر بن شعيب لم يورداه أيضاً، لا هما ولا اللذان قلبهما.

والحديث؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 334) مع اختلاف في بعض الأحرف؛ وقال:

"رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم".

5077 - (أظل الله عبداً - في ظله يوم لا ظل إلا ظله - أنظر معسراً، أو ترك لغارم) .

ضعيف جداً

أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 73)

 

(11/124)

 

 

عن العباس بن الفضل الأنصاري عن هشام بن زياد القرشي عن أبيه عن محجن مولى عثمان عن عثمان مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً مسلسل بالعلل:

الأولى: محجن مولى عثمان؛ قال الذهبي:

"قال البخاري: لم يصح حديثه". وتبعه ابن عدي.

قلت: وهو في عداد المجهولين، وإن أورده ابن حبان في "الثقات"، وقال:

"روى عنه أهل المدينة"! فقد تعقبه الحافظ بقوله في "التعجيل" (ص 395) :

"قلت: الراوي عنه ضعيف، ولم يذكروا عنه راوياً غيره".

الثانية: زياد القرشي؛ قال أبو حاتم:

"حديثه ليس بالمرضي". قال الحافظ في "التعجيل" (ص 141-142) :

"قلت: أظنه والد أبي المقدام هشام بن زياد، وقد لينه البخاري. وقال العقيلي: ليس بالمرضي. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ابنه ضعيف".

الثالثة: ابنه هشام بن زياد القرشي - وهو أبو المقدام المدني -؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك".

الرابعة: العباس بن الفضل الأنصاري؛ قال الحافظ:

"متروك، واتهمه أبو زرعة".

 

(11/125)

 

 

قلت: ونحوه قول أحمد - فيما رواه ابنه عبد الله - قال:

"لم يسمع منه أبي، ونهاني أن أكتب عن رجل عنه".

قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى -:

"فالعجب لعبد الله أن يخرج حديثه في "زيادات المسند" بعد نهي أبيه".

قلت: لعله نسي!

5078 - (اذهب بضعفائنا ونسائنا؛ فليصلوا الصبح بمنى؛ وليرموا جمرة العقبة قبل أن يصيبهم دفعة الناس؛ قاله للعباس) .

منكر

أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 412) عن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير عن عطاء قال: أخبرني ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس ليلة المزدلفة: ... فذكره. قال:

فكان عطاء يفعله بعدما كبر وضعف.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته ابن أبي الصفير هذا، أورده ابن حبان في "المجروحين" (1/ 110) ، وقال:

"تركه ابن مهدي، وضعفه ابن معين، سيىء الحفظ، رديء العزم، يقلب ما يروي". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق كثير الوهم".

قلت: ومع ذلك سكت الحافظ في "الفتح" (3/ 415) على هذا الحديث مع ما فيه من الضعف الظاهر، فدل هذا وأمثاله على أنه ينبغي أن ينظر إلى ما

 

(11/126)

 

 

سكت عنه فيه بتحفظ، ولا يبادر إلى القول بتحسينه؛ كما اشتهر عنه؛ أن ما سكت عليه في "الفتح" فهو حسن؛ فتأمل!

ومثل هذا الحديث في النكارة: ما رواه شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال:

كنت فيمن بعث به النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، فرمينا الجمرة مع الفجر.

أخرجه الطحاوي أيضاً.

قلت: وشعبة هذا؛ قال فيه الحافظ:

"صدوق سيىء الحفظ". وقال ابن حبان (1/ 357) :

"يروي عن ابن عباس ما لا أصل له، كأنه ابن عباس آخر، قال مالك: لم يكن بثقة".

قلت: ومما يدل على نكارة هذين الحديثين: أن المحفوظ عن ابن عباس من طرق عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لغلمان عبد المطلب:

"لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس".

وهو حديث صحيح، وقد حسنه الحافظ، وقد خرجته في "الإرواء" (1076) .

على أن حديث الترجمة ليس صريحاً في الرمي قبل طلوع الشمس كما هو ظاهر، وبنحوه أجاب عنه الطحاوي فراجعه.

 

(11/127)

 

 

5079 - (من كذب على والديه أو علي؛ لم يرح رائحة الجنة) .

منكر

أخرجه البخاري في "التاريخ" (3/ 1/ 314) عن إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز عن أبيه عن أوس بن أوس رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أورده في ترجمة عبد الرحمن هذا - وهو الجمحي القرشي -؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ويظهر أنه مجهول؛ فإن أباه عبد الله ابن محيريز - مع ثقته وفضله - لم يذكروا ابنه هذا في الرواة عنه! وهو مكي نزل الشام وسكن بيت المقدس؛ ولا وجدت أحداً غير البخاري ذكر عبد الرحمن هذا.

وإسماعيل بن عياش ثقة في الشاميين، ولعل روايته لهذا الحديث من هذا القبيل. والله أعلم.

والحديث؛ أخرجه ابن عساكر أيضاً في "تاريخ دمشق" (10/ 15/ 2) من الوجه المذكور بلفظ:

" ... على نبيه أو على عينيه أو على والديه ... " والباقي مثله.

 

(11/128)

 

 

5080 - (من كذب علي؛ وقي الشفاعة) .

منكر

أخرجه البخاري في "التاريخ" (3/ 1/ 371) من طريق معرف ابن واصل: حدثنا يعقوب بن أبي سارة عن عبد الرحمن عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أورده في ترجمة عبد الرحمن هذا، ولم ينسبه؛ مما يشعر أنه مجهول.

وفي "الجرح والتعديل" (2/ 2/ 305-306) رواة آخرون بهذا الاسم؛ لم

 

(11/128)

 

 

ينسبوا، رووا كلهم عن أنس فيهم موثق.

ويعقوب بن أبي سارة لم أعرفه. وفي شيوخ معرف بن واصل من "التهذيب" (10/ 229) : يعقوب بن أبي نباتة، ولم أعرفه أيضاً.

5081 - (أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً، لم يعطهن نبي قبلي:

أما واحدة؛ فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان؛ نظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه؛ لم يعذبه أبداً.

وأما الثانية؛ فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك.

وأما الثالثة؛ فإن الملائكة تستغفر لهم في ليلهم ونهارهم.

وأما الرابعة؛ فإن الله يأمر جنته: أن استعدي وتزيني لعبادي، فيوشك أن يذهب عنهم نصب الدنيا وأذاها، ويصيرون إلى رحمتي وكرامتي.

وأما الخامسة؛ فإذا كان آخر ليلة؛ غفر الله لهم جميعاً.

فقال قائل: هي ليلة القدر يا رسول الله؟ قال: لا، ألم تر إلى العمال إذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم؟!) .

ضعيف

أخرجه الحسن بن سفيان في "الأربعين" (ق 70/ 1) ، وكذا عبد الخالق الشحامي في "أربعينه" (ق 31/ 2) ، وابن عساكر في "فضل

 

(11/129)

 

 

رمضان" (ق 3/ 1) ، والواحدي في "الوسيط" (1/ 65/ 1) عن الهيثم بن أبي الحواري عن زيد العمي عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ زيد العمي - وهو ابن الحواري أبو الحواري، العمي - ضعيف؛ كما قال الحافظ في "التقريب". وقال ابن عدي:

"عامة ما يرويه ضعيف، على أن شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن أضعف منه". واتهمه ابن حبان، فقال:

"يروي عن أنس أشياء موضوعة لا أصول لها، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها، وكان يحيى يمرض القول فيه، وهو عندي لا يجوز الاحتجاج بخبره، ولا أكتبه إلا للاعتبار".

قلت: والهيثم بن أبي الحواري؛ لم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال التي عندي.

والحديث؛ قال المنذري (2/ 65-66) :

"رواه البيهقي، وإسناده مقارب، أصلح مما قبله"!

قلت: ويشير إلى ما ذكره من رواية أحمد، والبزار، والبيهقي، وأبي الشيخ في "كتاب الثواب" عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه؛ ولم يذكر الخصلة الأولى، وذكر بديلها:

"وتصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره".

قلت: وأشار المنذري إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله: "روي".

 

(11/130)

 

 

وعلته: أنه من رواية هشام بن أبي هشام عن محمد بن الأسود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

هكذا أخرجه أحمد (2/ 292) ، والبزار (963 - كشف) ، وكذا ابن نصر في "قيام الليل" (ص 187 - هند - المكتبة الأثرية) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 142) ، والباطرقاني في "أماليه" (رقم 8 - نسختي) ، وأبو نعيم في "حديث محمد بن يونس الكديمي" (ق 27/ 1) ، والمخلص في "الفوائد المنتقاة" (4/ 176) ، والدينوري كما في "المنتقى من المجالسة" (ق 260/ 1-2) ، وابن عساكر في "فضل رمضان" (ق 3/ 1) ، وأبو اليمن ابن عساكر في "أحاديث رمضان" (ق 37/ 1) .

وكتب الحافظ محمد بن عبد الله بن المحب على هامش "فضل رمضان":

"هو في تاسع "أمالي زرقويه"، والثالث من "مسند الحارث بن أبي أسامة" ... ".

قلت: هو في "زوائده" (ق 40/ 1) .

وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته هشام هذا - وهو ابن زياد بن أبي يزيد القرشي أبو المقدام - ضعفوه، واتهمه ابن حبان، وقال الحافظ:

"متروك".

ومحمد بن الأسود: هو محمد بن محمد بن الأسود؛ كذلك وقع عند بعض مخرجي الحديث، وهو من بني زهرة، وأمه من ولد سعد، قال ابن أبي حاتم (4/ 1/ 87) :

 

(11/131)

 

 

"روى عن خاله عامر بن سعد، روى عنه عبد الله بن عون".

قلت: فهو عندي مجهول. وقال الحافظ:

"مستور".

5082 - (أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما مر بالمؤمنين شهر خير لهم منه، ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه، إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يدخله، ويكتب إصره وشقاءه من قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة للعبادة من النفقة، ويعد المنافق اتباع غفلة الناس واتباع عوراتهم، فهو غنم للمؤمن، يغتنمه الفاجر) .

ضعيف

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1884) ، وأحمد (2/ 330،374،524) ، عن كثير بن زيد: حدثني عمرو بن تميم عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال ابن خزيمة:

"عمرو بن تميم؛ هذا يقال له: مولى بني رمانة، مدني"!

قلت: كذا وقع: "رمانة" بالراء المهملة. وفي "تاريخ البخاري" (3/ 2/ 318) : "زمانة"، وكذا في "التعجيل" (ص 305) نقلاً عن البخاري. وقال ابن أبي حاتم (3/ 1/ 222) :

"مولى بني مازن".

ولعل الصواب ما في "التاريخ"؛ وإليه جنح الحافظ.

ثم إن الرجل مجهول، ونقل الذهبي عن البخاري أنه قال:

 

(11/132)

 

 

"في حديثه نظر". وفي نقل "التعجيل" عنه:

"فيه نظر".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"!

وأما أبوه تميم؛ فلم أجد له ترجمة. نعم؛ في "التعجيل":

"تميم بن يزيد مولى بني زمعة عن رجل، له صحبة. وعنه عثمان بن حكيم. مجهول. قلت: أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه" حديثاً في فضل رمضان ... ".

قلت: تميم بن يزيد؛ أورده البخاري، ثم ابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأستبعد أن يكون هو والد عمرو هذا؛ لأنهما قد ترجما لعمرو، فلو كان هو؛ لذكرا أنه روى عنه ابنه عمرو أيضاً. والله أعلم.

وفي "اللسان":

"تميم بن عويم الهذلي. روى محمد بن سليمان بن مشمول عن عمرو بن تميم ابن عويم عن أبيه عن جده ... (فذكر حديثاً) قال شيخ شيخنا العلائي: لا أعرف عمراً ولا تميماً ... ومحمد بن سليمان ضعفوه. انتهى.

وفي الرواة: عمرو بن تميم مدني؛ روى عن أبيه عن أبي هريرة. روى عنه كثير ابن زيد؛ فإن يكن هو؛ فقد ارتفعت جهالة عينه".

والحديث؛ أورده الهيثمي (3/ 140-141) باختصار من أوله، ثم قال:

"رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط" عن تميم مولى ابن (كذا) رمانة،

 

(11/133)

 

 

ولم أجد من ترجمه"!

5083 - (من قام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) .

شاذ بزيادة: "وما تأخر"

أخرجه النسائي في "الكبرى" (ق 73/ 2 - مخطوطة الظاهرية) : أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن يزيد هذا - وهو القرشي العدوي مولى آل عمر بن أبي عبد الرحمن المقرىء المكي -، وهو ثقة بلا خلاف نعلمه؛ وإنما حكمت على هذه الزيادة بالشذوذ للأسباب الآتية:

أولاً: مخالفة ابن يزيد لكل من روى الحديث من الثقات الحفاظ المشهورين عن سفيان - وهو ابن عيينة -؛ فإن أحداً منهم لم يأت بها عنه، وهم جمع:

1- الإمام أحمد؛ فإنه في "المسند" (2/ 341) : حدثنا سفيان عن الزهري به دون الزيادة. وقال: سمعته أربع مرات من سفيان، وقال مرة:

"من صام رمضان".

قلت: يعني: مكان: "من قام رمضان"؛ وهي رواية كثيرين ممن يأتي ذكره.

2- الإمام الشافعي؛ قال (رقم 664 - ترتيبه) : حدثنا سفيان بن عيينة به دون الشطر الثاني. ومن طريق الشافعي: أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 121) .

 

(11/134)

 

 

3- الإمام الحميدي؛ فقال في "مسنده" (950،1007) : حدثنا سفيان به.

4- علي بن المديني؛ فقال البخاري (1/ 500) : حدثني علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: حفظناه - وأيما حفظ - من الزهري به.

5-6- مخلد بن خالد، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف؛ أخرجه عنهما أبو داود؛ فقال (1372) : حدثنا مخلد بن خالد وابن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان به.

7- عمرو بن علي الفلاس الحافظ؛ فقال ابن خزيمة في "صحيحه" (1894) : حدثنا عمرو بن علي: أخبرنا سفيان به دون الشطر الثاني. لكنه أخرج هذا القدر بالإسناد نفسه في مكان آخر برقم (2202) .

8- إسحاق بن راهويه الإمام؛ قال ابن نصر في "قيام الليل" (ص 181 - الأثرية) : حدثنا إسحاق: أخبرنا سفيان به دون الشطر الأول. وقد أخرجه بتمامه من طريق يحيى عن أبي سلمة؛ كما يأتي.

وأخرجه النسائي في "الصغرى" (1/ 308) و "الكبرى" (ق 73/ 2) عن إسحاق أيضاً بالشطر الأول دون الثاني.

9- قتيبة بن سعيد؛ فقال النسائي في "الكبرى": أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان به؛ إلا أنه قال: "من صام ومضان ... "، وهكذا هو في "الصغرى"؛ لكن ليس فيه الشطر الثاني، وقال فيه: أخبرنا قتيبة ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان به؛ إلا أنه قال:

"من صام رمضان - وفي حديث قتيبة: من قام شهر رمضان - ... " والباقي مثله سواء.

 

(11/135)

 

 

وإني لألاحظ فرقاً واختلافاً بيناً بين رواية قتيبة في "الكبرى" و "الصغرى" وبين روايته في "الصغرى" المقرونة مع رواية ابن يزيد؛ ففي هذه التصريح بأن لفظ حديث قتيبة: "من قام شهر رمضان"، وفي تلك أنه قال: "من صام رمضان"!

والصواب عندي من هذا الاختلاف هو أن لفظ قتيبة: "من صام ... " لاتفاق "الصغرى" و "الكبرى" عليه من جهة، ولأن رواية ابن يزيد قد أفردها في "الكبرى"، وهي بلفظ: "من قام ... " من جهة أخرى، وهو لفظ حديث الترجمة، وإنما سبب هذا الوهم أنه جمع رواية ابن قتيبة وابن يزيد في "الصغرى" في سياق واحد، وأراد أن يبين الفرق بين لفظيهما؛ وهم، فأعطى لفظ هذا لهذا، وبالعكس.

لكن؛ يشكل على هذا: أن ابن الجارود أخرجه أيضاً في "المنتقى" (404) عن ابن يزيد المقرىء بلفظ قتيبة بن سعيد فقال: حدثنا ابن المقرىء قال: حدثنا سفيان بلفظ: "من صام رمضان ... " الحديث بتمامه!

فلعل ابن يزيد لم يضبط هذا اللفظ، فكان يرويه تارة هكذا، وتارة هكذا، أو أن كلاً من اللفظين صحيح، فكان يروي هذا تارة، وهذا تارة. والله أعلم.

وهنا مشكلة أخرى، وهي أن الحافظ المنذري قال في "الترغيب" (2/ 64) - بعد أن عزا الحديث للشيخين وغيرهما، ومنهم النسائي - قال:

"قال النسائي: وفي حديث قتيبة: "وما تأخر" ... "!

فأقول: ليست هذه الزيادة في "صغرى النسائي" مطلقاً، لا عن قتيبة ولا عن غيره! نعم؛ هي في "كبراه"، مضروباً عليها في حديث قتيبة، ومثبتة في

 

(11/136)

 

 

رواية ابن يزيد المقرىء كما تراه في حديث الترجمة؛ ولكن فيها فوقها إشارة التضبيب (صـ) ؛ وهي تعني - في الاصطلاح - أن الكلمة ثابتة في رواية الكتاب، وأن فيها شيئاً من الفساد لفظاً أو معنى. قال السيوطي في "التدريب" (ص 299) :

"فيشار بذلك إلى الخلل الحاصل، وأن الرواية ثابتة به؛ لاحتمال أن يأتي من يظهر له فيه وجه صحيح".

والذي يظهر لي: أن المقصود بها هنا الإشارة إلى شذوذ هذه الزيادة؛ لعدم ورودها في رواية أولئك الحفاظ الذين ذكرناهم، وقد يتيسر لنا الوقوف على غيرهم فيما بعد.

ولا فرق عندي في ذلك بين أن تكون الزيادة من قتيبة بن سعيد كما ذكر المنذري وغيره كما يأتي، أو من محمد بن عبد الله بن يزيد المقرىء؛ فإن الخطأ ليس لازماً لأحدهما دون الآخر، أو دون غيرهما؛ فقد قال المنذري بعد كلامه السابق:

"انفرد بهذه الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان، وهو ثقة ثبت، وإسناده على شرط (الصحيح) "!

وقد أشار الحافظ إلى الرد عليه في دعواه التفرد؛ فقال - بعد أن ذكر الزيادة من رواية النسائي عن قتيبة - (4/ 99) :

"وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان. أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" واستنكره؛ وليس بمنكر؛ فقد تابعه قتيبة كما ترى، وهشام بن عمار؛ وهو في الجزء الثاني عشر من "فوائده"، والحسين بن الحسن المروزي؛ أخرجه في "كتاب

 

(11/137)

 

 

الصيام" له، ويوسف بن يعقوب النجاحي؛ أخرجه أبو بكر بن المقرىء في "فوائده"؛ كلهم عن سفيان. والمشهور عن الزهري بدونها".

قلت: الذين لم يذكروها عن سفيان أكثر عدداً، وأقوى ضبطاً وحفظاً، فلا جرم أن أعرض عن إخراجها الشيخان وغيرهما ممن ألف في "الصحيح"؛ فهذا وحده يكفي لعدم اطمئنان النفس لثبوتها عن سفيان؛ فضلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف إذا انضم إلى ذلك الأسباب الآتية:

ثانياً: لقد تابع سفيان في الشطر الأول جماعة من الثقات الحفاظ في روايته عن الزهري، فلم يأت أحد منهم عنه بهذه الزيادة، وإليك ذكر من وقفنا عليه منهم:

1- مالك عن ابن شهاب به دون الزيادة.

أخرجه في "الموطأ" (1/ 113/ 2) ، وعنه أبو داود (1371) ، والنسائي في "الصغرى" (1/ 308) ، و"الكبرى" (ق 73/ 2) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (4/ 258/ 7719) .

2- معمر بن راشد الأزدي عن الزهري به دونها.

أخرجه عبد الرزاق (7719) ، وعنه مسلم (2/ 177) ، والنسائي في "كتابيه"، وكذا أبو داود (1371) ، والترمذي (1/ 154) - وقال: "حسن صحيح" -، وأحمد (2/ 281) ؛ كلهم عن عبد الرزاق.

وتابعه عبد الأعلى عند أحمد.

3- عقيل بن خالد الأيلي عن ابن شهاب به.

 

(11/138)

 

 

أخرجه البخاري (1/ 499 - أوربا) .

4- يونس الأيلي عن ابن شهاب به.

أخرجه النسائي في "كتابيه".

5- صالح بن كيسان عن ابن شهاب به.

أخرجه أيضاً في "كتابيه".

6- شعيب بن أبي حمزة عن الزهري به.

أخرجه أيضاً فيهما.

7- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن ابن شهاب به.

أخرجه الإمام أحمد (2/ 289) .

8- سليمان بن كثير عن الزهري به.

علقه البخاري، ووصله الذهلي في "الزهريات".

9- الأوزاعي عن الزهري به.

أخرجه النسائي في "الكبرى" (ق 74/ 1) .

قلت: فهؤلاء تسعة من الثقات الحفاظ لم يأت أحد منهم بتلك الزيادة، فدل على شذوذ من خالفهم بذكرها، وقد وافقهم سفيان بن عيينة في رواية الثمانية الأولين من الثقات الحفاظ، فالأخذ بروايته الموافقة لهؤلاء التسعة أولى من الأخذ برواية من شذ عنهم. ويزداد هذا الترجيح قوة بالسبب الآتي:

 

(11/139)

 

 

ثالثاً: لقد تابع الزهري عن أبي سلمة ثلاثة من الثقات، كلهم لم يذكروا الزيادة - إلا أحدهم فقد اختلف عليه فيها، والمحفوظ عنه عدم ذكرها - وهم:

1- يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة به.

أخرجه البخاري (1/ 17،474) ، ومسلم (2/ 177) ، والنسائي في "الكبرى" (73/ 1،74/ 1) ، والدارمي (2/ 26) ، والطيالسي (2360) ، وأحمد (2/ 408،423) ، وابن نصر في "قيام الليل" (ص 152) والبيهقي (4/ 306) .

2- يحيى بن سعيد عن أبي سلمة به.

أخرجه النسائي (1/ 308) ، وابن ماجه (1641) ، وأحمد (2/ 232،473) .

3- محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة به.

أخرجه ابن ماجه (1326) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 121) ، وأحمد (2/ 503) من طرق عنه.

وخالفهم حماد بن سلمة فقال: أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قال حماد وثابت عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - - قال: ... فذكر الشطر الأول منه بلفظ: "من صام.."، وزاد: ".. وما تأخر"!

أخرجه أحمد (2/ 385) .

قلت: وهذه زيادة شاذة بل منكرة؛ لمخالفة حماد لرواية الجماعة عن محمد بن عمرو، ولكل من روى الحديث في كل الطبقات مما سبق ويأتي، لا سيما وحماد

 

(11/140)

 

 

ابن سلمة فيه كلام في روايته عن غير ثابت. وروايته عنه هنا مرسلة؛ لأنه رواها عن الحسن - وهو البصري -؛ فلا تقوم بها حجة؛ لاسيما مع المخالفة.

قلت: فلحماد بن سلمة فيه إسنادان:

أ- عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.

ب- عن ثابت عن الحسن مرسلاً. وهكذا ذكره في "الفتح" (4/ 218) .

هذه هي الحقيقة؛ خلافاً لقول المنذري - عقب كلامه السابق -:

"ورواه أحمد بالزيادة بعد ذكر الصوم بإسناد حسن؛ إلا أن حماداً شك في وصله أو إرساله"!

قلت: فلم يشك حماد، وإنما انتقل من إسناد موصول إلى إسناد آخر مرسل. أقول هذا بياناً للحقيقة، وإن كان لا حجة في شيء من ذلك؛ لما ذكرته قريباً.

ومنه؛ تعلم أن تحسين المنذري لإسناده - وإن تبعه عليه الحافظ العراقي في "التقريب - بشرحه طرح التثريب" (4/ 160) ، وسكت عليه الحافظ في "الفتح" -؛ كل ذلك ليس بحسن؛ لأنهم نظروا إلى الإسناد نظرة مجردة عن النظر في الأسانيد الأخرى التي بها يمكن الكشف عن العلل؛ لا سيما ما كان منها خفياً، كما فعلنا هنا. والله الموفق.

رابعاً: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قد تابعه جماعة أيضاً على روايته عن أبي هريرة بدون الزيادة؛ وهم:

1- حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ... بالشطر الأول منه.

 

(11/141)

 

 

أخرجه البخاري (1/ 17،499) ، ومسلم (2/ 176) ، والنسائي في "كتابيه"، وابن خزيمة في "صحيحه" (2203) ، وعبد الرزاق في "مصنفه" (7720) ، وابن نصر (ص 151) ، وأحمد (2/ 486) ؛ كلهم عن مالك عن ابن شهاب عنه.

2- الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه بالشطر الثاني دون الزيادة.

أخرجه مسلم (2/ 177) ، والنسائي في "الكبرى"، والبيهقي (4/ 307) - وعزاه للبخاري أيضاً! ولم أره فيه، ولا عزاه إليه الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/ 161) ، ومن قبله المنذري في "الترغيب" (2/ 72) -.

3- إسحاق بن عبد الله مولى زائدة قال:

لقي أبو هريرة كعب الأحبار فقال: كيف تجدون رمضان في كتاب الله؟ قال كعب: بل كيف سمعت صاحبك يقول فيه؟ قال: سمعته يقول فيه: ... فذكر الشطر الأول منه دون الزيادة.

أخرجه الطحاوي في "المشكل" (2/ 120-121) ، وإسناده حسن.

خامساً: أن أبا هريرة رضي الله عنه قد تابعه جمع من الصحابة بدون الزيادة أيضاً، وهم:

1- عائشة رضي الله عنها مرفوعاً بالشطرين.

أخرجه النسائي في "كتابيه" من طريقين عن الزهري: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته بالشطر الأول، ومن أحدهما بالشطر الآخر.

 

(11/142)

 

 

وإسناده صحيح.

2- عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً بهما نحوه.

أخرجه النسائي، وابن نصر (ص 151) ، وابن ماجه (1328) ، والطيالسي (224) ، وأحمد (1/ 191،194-195) من طريق النضر بن شيبان قال: لقيت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقلت: حدثني بحديث سمعته من أبيك يذكره في شهر رمضان. قال: نعم: حدثني أبي ... وقال النسائي:

"هذا خطأ، والصواب: أبو سلمة عن أبي هريرة".

قلت: ورجاله ثقات؛ غير النضر هذا؛ فإنه لين الحديث، وقد صرح بسماع أبي سلمة من أبيه، وذلك مما اتفقوا - أو كادوا - على نفيه؛ فقال أحمد وابن المديني وجماعة:

"حديثه عن أبيه مرسل".

قلت: وقد خالفه يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن بن عوف به.

أخرجه الطحاوي؛ وقال:

"هكذا روى هذا الحديث: مالك بن أنس ويونس عن الزهري، وأما ابن عيينة فرواه عن الزهري بخلاف ذلك".

ثم ساقه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، كما تقدم من طرق كثيرة؛ منها: مالك ويونس.

فالظاهر أنه روي عن مالك كرواية يونس هذه، وأنا لا أستبعد أن تكون هاتان

 

(11/143)

 

 

الروايتان ثابتتين عن الزهري، فقد لاحظت - فيما تقدم - أن له أسانيد عدة في هذا الحديث؛ ألخصها لك الآن:

أ- عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

ب- عن حميد بن عبد الرحمن عنه.

ج- عن عروة عن عائشة.

د- عن أبي سلمة أيضاً عن أبيه عبد الرحمن بن عوف.

مثل هذه الأسانيد في الحديث الواحد للزهري تحتمل منه؛ نظراً لحفظه وإتقانه، إذا كان الراوي عنه ثقة حافظاً.

3- أبو سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:

"من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ؛ كفر ما قبله".

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (879 - موارد) ، والبيهقي في "السنن" (4/ 304) ، وأحمد (3/ 55) ، وأبو يعلى (1058) ، والخطيب في "التاريخ" (8/ 392) من طريق عبد الله بن قريط عن عطاء بن يسار عنه.

وابن قريط هذا؛ فيه جهالة؛ كما بينته في "التعليق الرغيب" (2/ 65) .

وسائر رجاله ثقات.

4- عبادة بن الصامت مرفوعاً بالشطر الثاني دون الزيادة.

 

(11/144)

 

 

أخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 182) : حدثنا إسحاق: أخبرنا بقية ابن الوليد: حدثني بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، وإسحاق: هو ابن راهويه الإمام.

لكن خالفه من هو مثله في الحفظ والضبط، فقال أحمد (5/ 324) : حدثنا حيوة بن شريح: حدثنا بقية ... به، فزاد في آخره:

"وما تأخر". وقال ابن كثير في "التفسير" (4/ 531) :

"إسناده حسن"!

قلت: كلا؛ فإنه منقطع؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه:

"لم يصح سماع خالد من عبادة بن الصامت".

ولعل الإمام أحمد رحمه الله قد أشار إلى هذا؛ بإيراده الحديث عقب حديث آخر من طريق حيوة بن شريح وغيره بسنده المذكور، لكنه قال: عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت؛ فبين خالد وعبادة شخصان!

وللحديث طريق أخرى، وقد وقع فيها من الاختلاف ما وقع في الأولى، فأخرجه أحمد (5/ 324) من طريق عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن عمر بن عبد الرحمن عن عبادة بن الصامت به دون الزيادة.

ثم أخرجه (5/ 318) من طريق سعيد بن سلمة - يعني: ابن أبي الحسام - و (5/ 321) من طريق زهير بن محمد؛ كلاهما عن عبد الله بن محمد بن عقيل بها.

 

(11/145)

 

 

وابن سلمة وزهير - وإن كان فيهما كلام -؛ فإن مما لا شك فيه أن أحدهما يشد من عضد الآخر؛ فالنفس تطمئن للأخذ بما زادا على عبيد الله بن عمرو - وهو الرقي الثقة -.

ولكن ابن عقيل نفسه فيه ضعف من قبل حفظه، فالظاهر أن هذا الاختلاف منه، فهو الذي كان يذكر هذه الزيادة تارة، ولا يذكرها أخرى، وكل من أولئك الثلاثة حدث بما سمع منه، وفي هذه الحالة لا يحتج به؛ لاضطرابه في هذه الزيادة، ولمخالفته بها جميع روايات الحديث المحفوظة على ما سبق بيانه مفصلاً.

على أن شيخه عمر بن عبد الرحمن غير معروف؛ فقد أورده البخاري في "التاريخ" (3/ 2/ 171) ، وابن أبي حاتم (3/ 1/ 120) برواية ابن عقيل هذه عنه عن عبادة؛ ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وجملة القول: أن حديث عبادة هذا ليس له إسناد ثابت، فالأول منقطع، والآخر فيه ذاك المجهول. وقد غفل عن هذه الحقيقة الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/ 163) ؛ حين وقف عند ابن عقيل قائلاً:

"وحديثه حسن"! دون أن ينظر إلى ما بيناه من الانقطاع والجهالة. ومثل ذلك صنيع الهيثمي (3/ 185) ، ونحوه قول الحافظ ابن حجر (4/ 99) :

"حديث عبادة عند الإمام أحمد من وجهين، وإسناده حسن"!

ومثل هذه الأقوال من هؤلاء الأئمة كان حملني برهة من الزمن على تحسين هذه الزيادة في حديث عبادة، وتصحيحها في حديث أبي هريرة، ورمزت بذلك لها على نسختي من "الترغيب" التي كنت أدرس منها على الإخوان ما كان من الأحاديث الثابتة، والآن - وقد يسر الله لي جمع طرق الحديث وسردها على وجه

 

(11/146)

 

 

يكشف لكل طالب علم بصير أن الزيادة المذكورة لا تصح بوجه من الوجوه -؛ فقد رجعت عن الرمز المذكور إلى التضعيف. والله ولي التوفيق، هو حسبي، عليه توكلت، وإليه أنيب!

5084 - (من زوج كريمته من فاسق؛ فقد قطع رحمها) .

موضوع

أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 233) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 260) من طريق الحسن بن محمد البلخي عن حميد عن أنس مرفوعاً. وقالا:

"حديث باطل، وإنما هو من كلام الشعبي، والبلخي يروي عن الثقات الأشياء الموضوعة والأحاديث المقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال".

وكذا قال الذهبي، وتبعه السيوطي في "اللآلي" (2/ 163) .

وقد مضى له حديث آخر برقم (830) ، ويأتي له ثالث بعده.

 

(11/147)

 

 

5085 - (إذا حملت المرأة؛ فلها أجر الصائم القائم القانت المخبت المجاهد في سبيل الله عز وجل، فإذا ضربها الطلق؛ فلا يدري أحد من الخلائق ما لها من الأجر، فإذا وضعت؛ فلها بكل وضعة عتق نسمة) .

موضوع

أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 233) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 274) من طريق ابن عدي، وهذا في "كامله" (ق 90/ 1) ؛ كلاهما عن الحسن بن محمد البلخي: حدثنا عوف الأعرابي عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال ابن حبان:

 

(11/147)

 

 

"هذا الحديث لا أصل له"؛ واتهم به البلخي هذا وسبق كلامه فيه آنفاً. وقال ابن عدي:

"هذا منكر، والحسن ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات".

ولم يتكلم السيوطي في "اللآلي" (2/ 175) على الحديث بشيء، فلا أدري؛ أسقط كلامه عليه من الناسخ، أم أنه أقر ابن الجوزي على وضعه؟ والأول هو الأقرب عندي. والله أعلم.

5086 - (كان يصوم شعبان كله. قالت عائشة: يا رسول الله! أحب الشهور إليك أن تصوم شعبان؟ قال:

إن الله يكتب على كل نفس منيته تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم) .

منكر

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/ 1201) : حدثنا سويد بن سعيد: أخبرنا مسلم بن خالد بن طريف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عائشة حدثتهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ...

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: مسلم بن خالد - وهو الزنجي -؛ كما جزم به الهيثمي (3/ 192) ، وقال:

"وفيه كلام، وقد وثق".

قلت: ساق له الذهبي أحاديث أنكرت عليه في "الميزان"، وختم ترجمته

 

(11/148)

 

 

بقوله:

"فهذه الأحاديث وأمثالها يرد بها قوة الرجل ويضعف".

فلا جرم قال فيه الإمام البخاري في "تاريخه" (4/ 1/ 260) :

"منكر الحديث".

والأخرى: سويد بن سعيد؛ قال الحافظ:

"صدوق في نفسه؛ إلا أنه عمي، فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول".

ومع هذا كله؛ حسن إسناده المنذري، فقال (2/ 79) :

"رواه أبو يعلى، وهو غريب، وإسناده حسن"!

وسكت عنه الحافظ في "الفتح" (4/ 187) !

(تنبيه) : "ابن طريف"، هكذا وقع في "المسند"! وفي "تهذيب التهذيب":

"مسلم بن خالد بن فروة، ويقال: ابن المخزومي " كذا في الأصل بياض قدر كلمة، فلعل الأصل: "طريف". لكن قال ابن أبي حاتم (4/ 1/ 183) :

"وهو ابن خالد بن سعيد بن جرجة ... "! فالله أعلم.

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى، ولكنها لا تساوي شيئاً؛ يرويه إسماعيل ابن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.

 

(11/149)

 

 

أخرجه المحاملي في "الثاني من الأمالي" (ق 201/ 2) .

وإسماعيل هذا ضعيف جداً؛ قال البخاري وأبو حاتم والدارقطني:

"منكر الحديث".

لكن الجملة الأولى من حديث الترجمة صحيحة من حديث يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثتني عائشة قالت:

ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من أشهر السنة أكثر من صيامه من شعبان، كان يصومه كله.

أخرجه ابن خزيمة (2078) ، وأحمد (6/ 84،128،189،233،249) من طرق عن يحيى به.

وأخرجه البخاري (3/ 186 - فتح) ؛ لكن دون قوله: كان يصومه كله. وكذا رواه مسلم (3/ 161) .

قلت: وهي زيادة محفوظة عن يحيى. وقد تابعه محمد بن عمرو: حدثنا أبو سلمة به بلفظ:

كان يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله.

أخرجه أحمد (6/ 143،165) .

ويشهد لها رواية عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة تقول:

كان أحب الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصومه: شعبان، ثم يصله برمضان.

أخرجه ابن خزيمة (2077) ، وأحمد (6/ 188) ، وغيرهما بإسناد

 

(11/150)

 

 

صحيح.

(تنبيه) : عزا الزيادة المذكورة: المنذري في "الترغيب" (2/ 80) لرواية البخاري ومسلم! وذلك من أوهامه رحمه الله.

ويقابله أن الحافظ لما ذكرها في "الفتح"؛ لم يخرجها مطلقاً! وتبعه على ذلك البدر العيني في "عمدة القاري" (5/ 311) !

5087 - (من قال: الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته، والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته؛ فقالها يطلب بها ما عنده؛ كتب الله له بها ألف حسنة، ورفع له بها ألف درجة، ووكل به سبعين ألف ملك، يستغفرون له إلى يوم القيامة) .

منكر

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 206/ 1) عن يحيى بن عبد الله البابلتي: أخبرنا أيوب بن نهيك قال: سمعت مجاهداً يقول: سمعت ابن عمر يقول: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: أيوب بن نهيك؛ قال ابن أبي حاتم (1/ 1/ 259) :

"سمعت أبي يقول: هو ضعيف الحديث. وسمعت أبا زرعة يقول: لا أحدث عنه؛ ولم يقرأ علينا حديثه، وقال: هو منكر الحديث". وقال الأزدي:

"متروك".

وأما ابن حبان فذكره في "الثقات"؛ ولكنه قال:

 

(11/151)

 

 

"يخطىء"! قال الحافظ في "اللسان":

"ومن مناكيره عن مجاهد ... " فساق هذا الحديث من رواية ابن عساكر في "تاريخه"! وفاته أنه في "المعجم"، ثم قال:

"ويحيى ضعيف؛ لكنه لا يحتمل هذا".

قلت: يشير إلى أن ابن نهيك أشد ضعفاً من يحيى البابلتي؛ وهذا من رجال "التهذيب"؛ وجزم الحافظ بضعفه في "التقريب". وأما الذهبي فقال في "المغني":

"تركوه".

وهو العلة الثانية.

5088 - (من صام يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، ثم تصدق يوم الجمعة بما قل من ماله أو كثر؛ غفر له كل ذنب عمله، حتى يصير كيوم ولدته أمه من الخطايا) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 197/ 1) : حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني: أخبرنا يحيى بن عبد الله البابلتي: أخبرنا أيوب بن نهيك قال: سمعت محمد بن قيس المدني أبا حازم يقول: سمعت ابن عمر يقول: ... فذكره مرفوعاً.

وأخرجه الحافظ عبد الغني المقدسي في جزء له عنوانه "الجزء الثالث والسبعون" (ق 1/ 2 - بخطه) من طريق أخرى عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني به؛ إلا أنه قال: ... سمعت محمد بن قيس المدني: حدثنا أبو حازم

 

(11/152)

 

 

قال: سمعت ابن عمر ...

قلت: فهذا خلاف ما في "الطبراني"، وليس هو خطأ من الناسخ، بل هكذا الرواية عنده، وقد أشار إلى ذلك الناسخ بكتبه لفظة: "صح" بين: "المدني" و: "أبا حازم". ويؤكده أن الطبراني ساق عقبه ثلاثة أحاديث أخرى بإسناده المذكور بلفظ: ... سمعت محمد بن قيس المدني يقول: سمعت ابن عمر يقول ... فأسقط منه: "أبا حازم".

ولم نجد في الرواة من يسمى محمد بن قيس المدني أبا حازم، سمع ابن عمر! ولذلك؛ قال الهيثمي (3/ 199) :

"رواه الطبراني، وفيه محمد بن قيس المدني أبو حازم؛ ولم أجد من ترجمه"!

قلت: وأنا أظن أن الصواب رواية المقدسي: سمعت محمد بن قيس المدني: حدثنا أبو حازم قال: سمعت ابن عمر ...

فإن محمد بن قيس المدني معروف من أتباع التابعين، وهو قاص عمر بن عبد العزيز؛ وهو ثقة من رجال مسلم.

وأبو حازم - من هذه الطبقة - جماعة، والذي يروي منهم عن ابن عمر - سماعاً -: سلمان الأشجعي الكوفي، وهو ثقة من رجال الشيخين.

وقد يتبادر إلى الذهن أنه سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج المدني القاص؛ مولى الأسود بن سفيان المخزومي، وله رواية عن ابن عمر! ولكنهم صرحوا أنه لم يسمع منه، وهنا قد صرح بالسماع منه، فليس به.

فإن قيل: فهذا الاختلاف بين رواية الطبراني ورواية المقدسي في تابعي

 

(11/153)

 

 

الحديث؛ ممن هو؟

قلت: لا يتعدى ذلك أيوب بن نهيك أو البابلتي.

لكن من المحتمل أن يكون من أبي شعيب الحراني؛ فإنه - مع كونه ثقة، وله ترجمة حسنة في "تاريخ بغداد" (9/ 435) -؛ فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"؛ وقال:

"يخطىء ويهم".

قلت: فمن المحتمل أن يكون هو الذي اضطرب في إسناده، فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا. والله أعلم.

وجملة القول: أن آفة هذا الحديث؛ إنما هو أيوب بن نهيك، وقد عرفت حاله من الحديث الذي قبله.

ثم رأيت الحديث قد روي عنه على وجه آخر من طريق عبد الله بن واقد قال: حدثني أيوب بن نهيك - مولى سعد بن أبي وقاص - عن عطاء عن ابن عمر به.

أخرجه البيهقي في "السنن" (4/ 295) وقال:

"عبد الله بن واقد غير قوي، وثقه بعض الحفاظ، وضعفه بعضهم. ورواه يحيى البابلتي عن أيوب بن نهيك عن محمد بن قيس عن أبي حازم عن ابن عمر. والبابلتي ضعيف. وروي في صوم الأربعاء والخميس والجمعة من أوجه أخر أضعف من هذا عن أنس".

قلت: حديث أنس سيأتي - بإذن الله تعالى - برقم (5193،5194) .

 

(11/154)

 

 

5089 - (من مثل بذي روح ثم لم يتب؛ مثل الله به يوم القيامة) .

ضعيف

أخرجه أحمد (2/ 92،115) من ثلاث طرق عن شريك عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن (وفي الطريقين: أراه) ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير شريك بن عبد الله القاضي؛ فإنه وإن كان من رجال مسلم؛ فإنه لم يحتج به، وإنما روى له متابعة؛ كما نص عليه الحافظ الذهبي في آخر ترجمته من "الميزان"، ومن قبله الحافظ المنذري في آخر كتابه "الترغيب" وحكى اختلاف العلماء فيه. ولخص أقوالهم الحافظ ابن حجر في "التقريب"، فقال:

"صدوق يخطىء كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة".

ومن ذلك؛ تعلم تساهل المنذري - في تخريجه الحديث - بقوله (2/ 6) :

"رواه أحمد؛ ورواته ثقات مشهورون"! ونحوه قول الهيثمي (3/ 32) - وتبعه الشيخ الساعاتي في "الفتح الرباني" (16/ 29) -:

"رواه أحمد، ورجاله ثقات"!

والمحفوظ عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ:

"لعن الله من مثل بالحيوان".

أخرجه الشيخان، وأحمد (2/ 13،43،60،86،103،141) ، وغيرهم.

 

(11/155)

 

 

5090 - (العمرتان تكفران ما بينهما، والحج المبرور ليس له ثواب - أو قال: جزاء - إلا الجنة، وما سبح الحاج من تسبيحة، ولا هلل من تهليلة، ولا كبر من تكبيرة؛ إلا بشر بها تبشيرة) .

منكر بالشطر الثاني

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ق 134/ 1) عن أبي مروان عبد الملك بن محمد القاضي: أخبرنا عبد الله بن زيدان البلجي: أخبرنا الحسن بن علي: أخبرنا سليمان بن حرب: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عبيد الله بن عمر - قال: ثم لقيت عبيد الله بن عمر فحدثني - عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد رجاله من الحسن بن علي - وهو الخلال الحلواني - فمن فوقه؛ كلهم ثقات رجال الشيخين.

أما من دونهم؛ فلم أعرفهما، ولعل المناوي أشار إليهما حين قال - وقد عزاه السيوطي للبيهقي في "شعب الإيمان" -:

"فيه من لم أعرفهم، ولم أرهم في كتب الرجال".

قلت: فأحد المشار إليهما: هو آفة الشطر المذكور، وإلا؛ فالشطر الأول منه صحيح، رواه جماعة من الثقات عن سمي به؛ ومنهم عبيد الله بن عمر المذكور في إسناد الحديث - وهو العمري المصغر -:

فقال الطيالسي في "مسنده" (2425) : حدثنا العمري عن سمي به؛ دون الشطر الثاني. وكذلك أخرجه مسلم (4/ 107) : حدثنا ابن نمير: حدثنا أبي: حدثنا عبيد الله به، وتابعه:

 

(11/156)

 

 

1- مالك عن سمي به.

أخرجه في "الموطأ" (1/ 346/ 65) ، وعنه البخاري (4/ 476 - فتح) ، ومسلم أيضاً، والنسائي (2/ 4) ، وابن ماجه (2888) ، والبيهقي (5/ 261) ، وأحمد (2/ 462) كلهم عن مالك به.

2- وتابعه سهيل عن سمي به.

أخرجه مسلم، والنسائي، والطيالسي (2423) .

3- وسفيان الثوري عنه.

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (5/ 3/ 8798) ، ومسلم، وأحمد (2/ 461) ، والترمذي (1/ 175-176) . وقال:

"حديث حسن صحيح".

4- وسفيان بن عيينة عنه.

فقال أحمد (2/ 246) ، والحميدي (1003) : حدثنا سفيان: حدثنا سمي به.

وأخرجه مسلم، وابن الجارود في "المنتقى" (502) من طرق عن ابن عيينة به.

5- ومحمد بن عجلان عن سمي به.

أخرجه البيهقي.

قلت: فهؤلاء خمسة متابعون ثقات لعبيد الله العمري، كلهم لم يذكروا الشطر الثاني من حديث الترجمة. وكذلك الطيالسي وابن نمير في روايتيهما عن العمري لم يذكروها كما رأيت؛ فلا شك في نكارته وعدم ثبوته.

 

(11/157)

 

 

فالعجب من المنذري؛ كيف ذكر في "الترغيب" (2/ 106) هذه الزيادة من رواية الأصبهاني ساكتاً عليها؟! فذلك هو الذي حملني على تحقيق القول فيها وإثبات نكارتها وأنا في صدد المرحلة التي قبل الأخيرة من إنجاز مشروعي: "صحيح الترغيب والترهيب"، و "ضعيف الترغيب والترهيب".

5091 - (الحاج يشفع في أربع مئة أهل بيت - أو قال: من أهل بيته -، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .

منكر بهذا التمام

أخرجه البزار في "مسنده" (1154 - كشف) عن عبد الله بن عيسى - رجل من أهل اليمن - عن سلمة بن وهرام عن رجل عن أبي موسى رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:

الأولى: الرجل الذي لم يسم. وبه أعله المنذري (2/ 108) ، والهيثمي (3/ 211) .

الثانية: سلمة بن وهرام؛ مختلف فيه، فوثقه بعضهم، وضعفه آخرون.

الثالثة: عبد الله بن عيسى - وهو الجندي اليمني -؛ ذكره العقيلي في "الضعفاء"؛ وساق له حديثاً آخر في الحج، مضى برقم (543) ، وقال:

"إسناد مجهول، فيه نظر".

وأما الشطر الثاني؛ فقد صح من حديث أبي هريرة بلفظ:

"من حج الله فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه".

 

(11/158)

 

 

أخرجه الشيخان وغيرهما؛ وهو في "مختصر البخاري" برقم (756) .

5092 - (إن آدم أتى البيت ألف أتية - لم يركب قط فيهن - من الهند على رجليه) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (ق 176/ 1، ورقم 2792 - المطبوعة) عن القاسم بن عبد الرحمن: حدثنا أبو حازم - وهو نبتل مولى ابن عباس - عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

"في القلب من القاسم بن عبد الرحمن شيء".

قلت: وهو الأنصاري؛ قال ابن معين:

"ضعيف جداً"؛ كما في "الميزان" وساق له في "اللسان" هذا الحديث ونقل كلام ابن خزيمة المذكور فيه وأقره. وقال المنذري (2/ 108) :

"القاسم هذا واه".

وأما أبو حازم نبتل؛ فهو ثقة؛ كما رواه ابن أبي حاتم (4/ 1/ 508) عن أحمد.

ومن هذا التخريج؛ يتبين جهل المعلقين الثلاثة على "ترغيب المنذري"، بل وتظاهرهم بالتحقيق والعلم! فإنهم قالوا في تخريج الحديث (2/ 113) :

"ضعيف، رواه ابن خزيمة في "صحيحه"؛ وانظر: "ميزان الاعتدال" (3/ 374) - ترجمة القاسم بن عبد الرحمن"!

كذا قالوا! هداهم الله وعرفهم أنفسهم. وفيه جهالات:

أولاً: اقتصارهم على قولهم: "ضعيف"! والصواب: "ضعيف جداً"؛ لقول

 

(11/159)

 

 

ابن معين الصريح بذلك.

ثانياً: أعادوا قول المنذري: "رواه ابن خزيمة في "صحيحه" ... " دون بيان منهم لمكان الحديث منه بالجزء والصفحة؛ كما يقتضيه أصول التخريج.

ثالثاً: لم يعبأوا بقول المنذري في الراوي: "هذا واه"؛ الذي يستلزم شدة ضعف الحديث.

رابعاً: أحالوا في ترجمة الراوي على "الميزان"؛ وفي الصفحة التي أشاروا إليها أربع تراجم باسم (القاسم بن عبد الرحمن) ؛ أحدهم ثقة، والثاني ضعيف، والثالث ضعيف جداً - وهو هذا -، والربع مجهول! ولجهلهم بالمراد منهم في هذا الحديث؛ أطلقوا ولم ينسبوه! فماذا أفادوا القراء بتعليقهم هذا؟!

نعم لقد كشفوا به - وبأمثاله - عن جهلهم وظلمهم وتعديهم على هذا العلم. هداهم الله تعالى!

5093 - (إن للكعبة لساناً وشفتين، ولقد اشتكت إلى الله فقالت: يا رب! قل عوادي، وقل زواري! فأوحى الله عز وجل: إني خالق بشراً خشعاً سجداً، يحنون إليك كما تحن الحمامة إلى بيضها) .

باطل

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 110/ 2) ، وابن عدي من طريق سهل بن قرين: حدثني أبي: حدثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا سهل".

 

(11/160)

 

 

كذا في مسودتي، ولعله سقط منها أو من الأصل: "عن أبيه" أو نحو ذلك!

وسهل هذا؛ قال الذهبي:

"وهو بصري؛ غمزه ابن حبان وابن عدي، وكذبه الأزدي". وقال ابن عدي:

"منكر الحديث".

وساق له بهذا الإسناد حديثين آخرين؛ وقال:

"ليس له غيرها، وهي باطلة؛ متونها وأسانيدها إلا الثالث ... ".

وأبوه قرين؛ لم أجد له ترجمة.

والحديث؛ قال الهيثمي (3/ 208) .

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفيه سهل بن قرين؛ وهو ضعيف".

5094 - (إن داود النبي قال: إلهي! ما لعبادك عليك إذا هم زاروك في بيتك؟ قال: إن لكل زائر على المزور حقاً؛ يا داود! إن لهم علي أن عافيهم في الدنيا، وأغفر لهم إذا لقيتهم) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 110/ 2) عن محمد بن حمزة الرقي عن الخليل بن مرة عن الوضين بن عطاء عن ابن أبي عن أبي ذر مرفوعاً.

 

(11/161)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء:

الأول: الوضين بن عطاء؛ قال الحافظ:

"صدوق سيىء الحفظ".

الثاني: الخليل بن مرة؛ ضعفه الجمهور، بل قال البخاري:

"منكر الحديث"، ولذلك؛ جزم الحافظ بضعفه في "التقريب".

الثالث: محمد بن حمزة الرقي؛ قال الذهبي:

"منكر الحديث". وقال الحافظ في "اللسان":

"وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يروي عن الخليل؛ وهو ضعيف".

قلت: وبه أعله الهيثمي، فقال (3/ 208) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن حمزة الرقي؛ وهو ضعيف".

5095 - (ما راح مسلم في سبيل الله مجاهداً، أو حاجاً مهلاً أو ملبياً؛ إلا غربت الشمس بذنوبه، وخرج منها) .

منكر

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/ 96/ 6161) : حدثنا محمد بن حنيفة الواسطي قال: حدثنا أحمد بن الفرج الجوري قال: حدثنا حفص بن أبي داود عن الهيثم بن حبيب عن محمد بن المنكدر عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً. وقال:

 

(11/162)

 

 

"لم يروه عن الهيثم بن حبيب إلا حفص بن أبي داود، تفرد به أحمد بن الفرج".

قلت: وهو الجشمي المقرىء؛ كما في إسناد حديث قبله في "الأوسط"، وكذا ترجمه الخطيب في "التاريخ" (4/ 341) ، وساق له حديثاً آخر عن أبي أمامة، فيه كذاب، وقد تقدم برقم (345) ، ثم روى عن ابن بكير الحافظ أنه قال:

"أحمد بن الفرج الجشمي ضعيف".

وأقره الذهبي في "الميزان"، والحافظ في "اللسان".

لكن شيخه حفص بن أبي داود مثله، أو أسوأ حالاً منه، وهو (حفص بن سليمان الأسدي أبو عمرو البزار الكوفي الغاضري) صاحب عاصم بن أبي النجود؛ فقد ذكروه في الرواة عن الهيثم بن حبيب، وذكر الحافظ في ترجمة (الجوري) من "التبصير" (1/ 369) أنه روى عن حفص الغاضري؛ وهو متروك الحديث - مع إمامته في القراءة -؛ كما قال في "التقريب".

ولم يعرفه الهيثمي - وربما معه غيره - فقال في "المجمع" (3/ 209) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفيه من لم أعرفه"!

وأقره الثلاثة الجهلة (2/ 118) !!

ويمكن أن يكون الهيثمي عنى بقوله المذكور (أحمد بن الفرج الجوري) أيضاً؛ فإن ترجمته عزيزة كما رأيت.

وأما شيخ الطبراني محمد بن حنيفة الواسطي؛ فليس من عادته أن يتكلم

 

(11/163)

 

 

فيهم إلا نادراً. وقال فيه الدارقطني:

"ليس بالقوي"؛ كما في "التاريخ" (2/ 296) ، و "الميزان"، و "اللسان".

لكنه قد توبع من قبل أحمد بن محمد بن تميم الواسطي: أخبرنا أحمد - يعني: ابن الفرج الفارسي -: حدثنا حفص بن أبي داود به.

أخرجه الخطيب (4/ 402) في ترجمة (الواسطي) هذا، وذكر أنه روى عنه المعافى بن زكريا الجريري، وأبو القاسم بن الثلاج، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

(تنبيه) : الهيثم بن حبيب المذكور في إسناد الحديث: هو الصيرفي الكوفي، وهو ثقة من أتباع التابعين، وهو غير (الهيثم بن حبيب) الذي اتهمه الذهبي بخبر باطل في المهدي، هذا متأخر عن الأول، وهو متروك، وقد ميز بينهما الحافظ في "التهذيب" - تبعاً لأصله -، وفي "التقريب"، ثم نسي فجعلهما واحداً في "اللسان"! كما بينته في "تيسير الانتفاع".

5096 - (من خرج في هذا الوجه - لحج أو عمرة - فمات؛ لم يعرض ولم يحاسب، وقيل له: ادخل الجنة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 111/ 2) : حدثنا محمد ابن أحمد: حدثنا محمد بن صالح العدوي: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن جعفر بن برقان: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن الزهري إلا جعفر، تفرد به حسين".

 

(11/164)

 

 

قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين - وكذا من فوقه؛ إلا ابن برقان؛ فإن البخاري لم يخرج له، ثم هو متكلم فيه روايته عن الزهري، وهذه منها؛ فقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق، يهم في حديث الزهري".

وقد جاء في حاشية "مجمع الزوائد" (3/ 208) ما نصه:

"فائدة: هو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري، وهو ضعيف في الزهري خاصة، وذكر الطبراني أن جعفراً انفرد به".

قلت: وأظنه من تعليقات الحافظ ابن حجر على "المجمع".

ويحتمل عندي أن يكون الوهم ليس من جعفر، وإنما ممن دونه، فإني لم أعرف محمد بن أحمد هذا شيخ الطبراني، ولا شيخه محمد بن صالح العدوي؛ بل وجدت الثقة قد خالفه في إسناده؛ فقال أبو يعلى في "مسنده" (3/ 1133) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 215-216) : حدثنا الحسن بن حماد: أخبرنا حسين - يعني: الجعفي - عن ابن السماك عن عائذ عن عطاء عن عائشة به. وزاد:

قالت: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن الله يباهي بالطائفين".

والحسن بن حماد: هو الحضرمي البغدادي، أو الضبي الكوفي الصيرفي، وكلاهما روى عنه أبو يعلى، وكلاهما ثقة.

 

(11/165)

 

 

وقد تابعه الحسن بن أبي الربيع: حدثنا حسين بن علي الجعفي به.

أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 262) .

وابن أبي الربيع: هو ابن يحيى بن الجعد الجرجاني، وهو ثقة أيضاً.

فهذان ثقتان خالفا العدوي في إسناده، فلم يذكرا فيه: جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة. فالوهم ليس من جعفر؛ إذ لم يثبت أن هذا مما حدث به، وإنما هو من العدوي أو الراوي عنه، والحديث إنما هو عن الجعفي عن ابن السماك عن عائذ عن عطاء عنها.

وقد تابعه عبد الحميد بن صالح: عند ابن الأعرابي في "معجمه" (ق 172/ 2) ، ويحيى بن أيوب العابد: عند الخطيب في "التاريخ" (5/ 369) ؛ كلاهما عن محمد بن صبيح بن السماك به.

فالحديث - إذن - حديث ابن السماك عن عائذ.

وابن السماك صدوق متكلم فيه؛ لكنه لم يتفرد به، فتابعه يحيى بن يمان: عند العقيلي (342) ، وابن عدي (ق 255/ 2) ، وتمام في "الفوائد" (ق 205/ 1) .

وتابعه محمد بن الحسن الهمداني: عند الدارقطني في "سننه" (ص 288) ؛ كلاهما عن عائذ بن نسير به.

فالحديث قد دارت طرقه على عائذ، وقد صرح أبو نعيم (8/ 216) أنه لم يروه عن عطاء إلا عائذ. وبه صرح ابن عدي قبله، فقال:

 

(11/166)

 

 

"لا يرويه غير عائذ، وهو غير محفوظ". وقال العقيلي:

"هو منكر الحديث، قال ابن معين: ليس به بأس، ولكن روى أحاديث مناكير. وفي رواية عنه قال: حديثه ضعيف".

والحديث؛ أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 417) ، وأعله بعائذ هذا.

وتعقبه السيوطي وغيره بأنه لم يتهم بكذب، وساق له بعض الشواهد التي لا تساوي شيئاً لشدة ضعفها! فيبقى الحديث في مرتبة الضعف.

وقد أشار إلى تضعيفه: المنذري في "الترغيب" (2/ 112) . وقال الهيثمي (3/ 208) :

"رواه أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"؛ وفي إسناد الطبراني محمد بن صالح العدوي، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال "الصحيح" (!) ، وإسناد أبي يعلى فيه عائذ بن نسير، وهو ضعيف"!

قلت: والزيادة المتقدمة: "إن الله يباهي بالطائفين"؛ رواها غير أبي يعلى، وقد سبق تخريجها برقم (3114) ؛ ونبهت هناك على أن (نسير) ضبطه بالنون والسين المهملة؛ خلافاً لمن وهم.

وقد روي الحديث عن ابن السماك بلفظ آخر وهو:............ (1)

ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث عائشة من رواية مدرك بن قزعة عن

__________

(1) سقط مص الحديث من قلم الشيخ - رحمه الله -. (الناشر)

 

(11/167)

 

 

محمد بن مسلم عنها.

أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (198/ 2) .

ومدرك هذا لم أجده.

ومحمد بن مسلم؛ الظاهر أنه أبو الزبير؛ فقد ذكروا له رواية عن عائشة، ولكنه مدلس.

والحديث؛ صححه الدكتور القلعجي في فهرس الأحاديث الصحيحة الذي وضعه في آخر "ضعفاء العقيلي" (ص 522) ! وذلك؛ لأن العقيلي ذكره عقب حديث عائشة من طريق أخرى ضعيفة عن عطاء مرسلاً، وقال:

"هذا أولى"! فما أجهله بهذا العلم!! وما أجرأه على الخوض فيما لا يعلم!!

5097 - (من بلغ الثمانين من هذه الأمة؛ لم يعرض ولم يحاسب، وقيل: ادخل الجنة) .

ضعيف

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 215) : حدثنا أبو عبد الله محمد بن سلمة العامري الفقيه: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله محمد بن المقري: حدثنا علي بن حرب: حدثنا حسين الجعفي عن محمد بن السماك عن عائذ ابن نسير عن عطاء عن عائشة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن عطاء إلا عائذ، ولا عنه إلا ابن السماك".

قلت: وفيه ضعف.

 

(11/168)

 

 

وعائذ أسوأ منه؛ كما تقدم في الحديث الذي قبله.

وقد رواه جمع عن ابن السماك باللفظ السابق، فهو اللفظ منكر؛ لتفرد هذه الطريق به.

وعلي بن حرب - وهو الطائي الموصلي؛ وإن كان ثقة -؛ فاللذان دونه لم أعرفهما.

5098 - (يا عكراش! كل من حيث شئت؛ فإنه من غير لون واحد) .

ضعيف

رواه أبو بكر الشافعي في "الفوائد" (97-98) : حدثنا إسماعيل القاضي: أخبرنا أبو الهذيل العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية المنقري: حدثني عبيد الله بن عكراش: حدثني أبي قال:

بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدمت عليه المدينة، فوجدته جالساً مع المهاجرين والأنصار، فأتيته بإبل كأنها عروق الأرطى، فقال:

"من الرجل؟ "، فقلت: عكراش بن ذؤيب، قال:

"ارفع في النسب"، فقلت: ابن حرقوص بن جعدة بن عمرو بن النزال بن مرة بن عبيد، وهذه صدقات بني مرة بن عبيد، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال:

"هذه إبل قومي؛ هذه صدقات قومي". ثم أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها، ثم أخذ بيدي، فانطلق بي إلى منزل أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:

 

(11/169)

 

 

"هل من طعام؟ "، فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر فأقبلنا نأكل منها، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما بين يديه، وجعلت أخبط في نواحيها، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال:

"يا عكراش! كل من موضع واحد؛ فإنه طعام واحد"، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من رطب أو تمر - شك عبيد الله بن عكراش رطباً كان تمراً -، فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطبق، ثم قال: ... (فذكر الحديث) ، ثم أتينا بماء فغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، ثم مسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ثم قال:

"يا عكراش! هكذا الوضوء، مما غيرت النار".

وكذا رواه ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 183-184) ، والترمذي - مختصراً - (1949) ، وكذا ابن ماجه (3274) . وقال الترمذي:

"حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل".

قلت: وفي ترجمته أورده ابن حبان، وقال فيه:

"كان ينفرد بأشياء مناكير عن أقوام مشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بأخباره التي انفرد بها". وقال في عبيد الله بن عكراش (2/ 64) :

"منكر الحديث جداً، فلا أدري المناكير في حديثه وقعت من جهته أو من العلاء بن الفضل؟ ومن أيهما كان؛ فهو غير محتج به على الأحوال".

والحديث قد تقدم تخريجه - مختصراً - تحت الحديث (1127) من هذه "السلسلة".

 

(11/170)

 

 

5099 - (ليدركن الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم (ثلاث مرات) ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها، وعيسى ابن مريم آخرها) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (3/ 41) عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال:

لما اشتد جزع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من قتل يوم مؤتة؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"صحيح على شرط الشيخين"!

قلت: وكأنه توهم أن جبير بن نفير صحابي، ولعل السبب أنه أدرك زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه وعن أبي بكر الصديق؛ ولكن مرسلاً؛ كما في "التهذيب". وقال أبو حاتم:

"ثقة، من كبار تابعي أهل الشام القدماء".

وإنما الصحبة لأبيه، ولذلك تعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: ذا مرسل، وهو خبر منكر".

 

(11/171)

 

 

5100 - (زني شعر الحسين، وتصدقي بوزنه فضة، وأعطي القابلة رجل العقيقة) .

منكر

أخرجه الحاكم (3/ 179) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 304) من طريق سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: حدثنا حسين بن زيد العلوي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه:

 

(11/171)

 

 

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة رضي الله عنها، فقال: ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

قلت: ورده الذهبي بقوله:

"قلت: لا".

وأقول: وله علتان:

الأولى: ضعف حسين بن زيد؛ فقد أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال:

"قال أبو حاتم: تعرف وتنكر".

والأخرى: المخالفة في السند والمتن؛ وقد أشار إليها البيهقي بقوله عقب الحديث:

"كذا قال، وروى الحميدي عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى القابلة رجل العقيقة. ورواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً؛ في أن يبعثوا إلى القابلة منها برجل".

قلت: فقد خالف الحميدي سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في الإسناد والمتن.

أما الإسناد؛ فإنه لم يذكر فيه: عن جده عن علي؛ فهو مرسل، بل معضل.

وأما المتن؛ فإنه أوقفه على علي وجعله من فعله، ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

(11/172)

 

 

ولعل هذا الاختلاف إنما هو من العلوي نفسه - وهو مما يدل على ضعفه -؛ فقد تابعه على إرساله حفص بن غياث؛ كما رأيت فيما علقه البيهقي، وقد وصله في مكان آخر (9/ 302) من طريق أبي داود في "المراسيل" عن محمد بن العلاء عن حفص به مرسلاً؛ ولفظه:

"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين عليهما السلام: أن يبعثوا إلى القابلة منها برجل، وكلوا وأطعموا، ولا تكسروا منها عظماً".

وكذلك رواه الخلال من طريق أخرى عن حفص به مرسلاً؛ كما نقله ابن القيم في "تحفة المودود في أحكام المولود" (ص 27 - هندية) ، ولم يسق منه إلا الشطر الأخير المتعلق برجل العقيقة.

والواقع أنني ما أخرجت الحديث هنا إلا من أجل الشطر المذكور وإلا، فطرفه الأول ثابت؛ لوروده في عدة أحاديث يقوي بعضها بعضاً، أقواها حديث عبد الله ابن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبي رافع قال:

لما ولدت فاطمة حسناً رضي الله عنهما قالت ... قال - صلى الله عليه وسلم -:

"احلقي شعره، وتصدقي بوزنه من الورق على الأوفاض أو على المساكين" - يعني: أهل الصفة -؛ ففعلت ذلك، فلما ولدت حسيناً؛ فعلت مثل ذلك.

أخرجه البيهقي؛ وأحمد (6/ 390،392) .

قلت: وإسناده حسن. وقال الهيثمي (4/ 57) :

"رواه أحمد؛ والطبراني في "الكبير"، وهو حديث حسن".

 

(11/173)

 

 

وفي الباب عن أنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب؛ وهي مخرجة في "المجمع" (4/ 57،59) .

وقد روى مالك في "الموطأ" (2/ 45) عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال:

وزنت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزنة ذلك فضة.

وعن محمد بن علي بن الحسين أنه قال: ... فذكره؛ دون ذكر زينب وأم كلثوم.

5101 - (الحمد لله الذي أطعمني الخمير، وألبسني الحرير، وزوجني خديجة، وكنت لها عاشقاً) .

موضوع

أخرجه الحاكم (3/ 182) عن سهل بن سليمان النبلي - بواسط -: حدثنا منصور بن المهاجر: حدثنا محمد بن الحجاج: حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: سكت عنه الحاكم، وتبعه الذهبي! فأخطآ خطأً فاحشاً؛ فإنه - مع إرساله - موضوع؛ آفته محمد بن الحجاج هذا؛ وهو اللخمي الواسطي، المترجم في "الميزان" وغيره بأنه كذاب خبيث، وضع حديث الهريسة المتقدم برقم (690) ، ولا أدري كيف خفي حاله على الذهبي مع شهرة هذا الكذاب، وكونه واسيطاً، وشيخه ومن دونه كلهم واسطيون؟! ففي ذلك ما يكفي لدلالة الحافظ مثله على تحديد شخصيته، وأنه ليس غيره ممن شاركه في اسمه واسم أبيه!

 

(11/174)

 

 

وسفيان بن حسين ثقة من رجال الشيخين؛ لكنهم ضعفوه في روايته عن الزهري، ولذلك؛ لم يخرجا له عنه شيئاً.

على أن متن الحديث باطل عندي؛ فإني أكاد أقطع بأنه يستحيل أن يحمد النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه على أن ألبسه الحرير، وهو القائل:

"من لبس الحرير في الدنيا؛ فلن يلبسه في الآخرة". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة" (384) ، وغيره من الأحاديث الصحيحة المحرمة لبس الحرير على الرجال.

5102 - (من طاف بالبيت خمسين مرة؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .

ضعيف

أخرجه الترمذي (1/ 164) ، والمخلص في "الفوائد" (ق 184/ 2) ، وعنه ابن الجوزي في "منهاج القاصدين" (1/ 56/ 1) ، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" (ق 132/ 1) عن سفيان بن وكيع: حدثنا يحيى ابن يمان عن شريك عن أبي إسحاق عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس مرفوعاً. وقال الترمذي - مضعفاً -:

"حديث غريب؛ سألت محمداً - يعني: البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: إنما يروى هذا عن ابن عباس قوله".

قلت: وهو مسلسل بالعلل:

الأولى: أبو إسحاق - وهو السبيعي -، وهو مدلس، وكان اختلط.

الثانية: شريك - وهو ابن عبد الله القاضي -؛ قال الحافظ:

 

(11/175)

 

 

"صدوق يخطىء كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة".

الثالثة: يحيى بن يمان؛ قال الحافظ:

"صدوق عابد، يخطىء كثيراً، وقد تغير".

الرابعة: سفيان بن وكيع؛ قال الحافظ:

"كان صدوقاً؛ إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح، فلم يقبل، فسقط حديثه".

(تنبيه) : حكى الناجي في "العجالة" (ق 132/ 2) عن المحب الطبري أن الحديث رواه الطبراني بلفظ:

"خمسين أسبوعاً"! وقد راجعته في "مسند ابن عباس" من "المعجم الكبير" للطبراني (ج 3 ق 74-187) ؛ فلم أعثر عليه! فالله أعلم.

أما الموقوف الذي أشار إليه البخاري؛ فلم أره الآن، وما أراه يصح أيضاً.

5103 - (ما وسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن، النقي التقي الوادع اللين) .

لا أصل له!

وإنما هو من الإسرائيليات؛ كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه؛ ففي "مجموعة الفتاوى" (18/ 122،376) :

"هذا مذكور في الإسرئيليات، ليس له إسناد معروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعناه: وسع قلبه الإيمان بي ومحبتي ومعرفتي.

وإلا؛ فمن قال: إن ذات الله تحل في قلوب الناس؛ فهو أكفر من النصارى

 

(11/176)

 

 

الذين خصوا ذلك بالمسيح وحده".

وأقره الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص 373) ، ومن قبله الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (3/ 13) ؛ فقال - وقد ذكره الغزالي بقوله: "وفي الخبر....." -:

"لم أر له أصلاً".

وإذا عرفت هذا؛ فقول شيخ الإسلام في مكان آخر (2/ 384) :

"وفي حديث مأثور: "ما وسعني أرضي ولا سمائي ... "" فذكره بتمامه؛ فهو مما ينبغي أن لا يؤخذ على ظاهره، ولعل ذلك كان منه قبل أن يتحقق من أنه لا أصل له. والله أعلم.

ويغني عن حديث الترجمة - في معناه الذي فسره به ابن تيمية - قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها".

أخرجه الطبراني وغيره بسند حسن؛ كما بينته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1691) .

5104 - (ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف، فيستقبل القبلة بوجهه، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير (مئة مرة) ، ثم يقول: (قل هو الله أحد) (مئة مرة) ، ثم يقول: اللهم! صل على محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وإنك حميد مجيد، وعلى سامعهم (مئة مرة) ؛

 

(11/177)

 

 

إلا قال الله تعالى: يا ملائكتي! ما جزاء عبدي هذا؟ سبحني وهللني، وكبرني وعظمني، وعرفني، وأثنى علي، وصلى على نبيي؟! اشهدوا ملائكتي! أني قد غفرت له، وشفعته في نفسه، ولو سألني عبدي هذا؛ لشفعته في أهل الموقف كلهم) .

ضعيف

أخرجه ابن عساكر في "جزء فضل عرفةط (4/ 2-5/ 1) من طريق البيهقي، بسنده عن عبد الرحمن بن محمد الطلحي: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعاً. وقال البيهقي:

"هذا متن غريب، وليس في إسناده من ينسب إلى الوضع". وقال الحافظ ابن حجر في "أماليه"؛ كما في "اللآلي" (2/ 70) :

"رواته كلهم موثقون؛ إلا الطلحي؛ فإنه مجهول"!

قلت: لم أر من وصفه بالجهالة، وأنا أظنه الذي في "الجرح والتعديل" (2/ 2/ 281) :

"عبد الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف. روى عن أبيه. روى عنه يحيى بن آدم. سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي".

ونقله عنه - باختصار - الذهبي في "الميزان"، والحافظ في "اللسان".

وقد تابعه أحمد بن ناصح: حدثنا المحاربي به نحوه.

أخرجه الديلمي، وابن النجار من طريقين عنه به.

وأحمد بن ناصح - وهو المصيصي - صدوق، فبرئت ذمة الطلحي منه. وقد

 

(11/178)

 

 

أشار إلى ذلك أحد رواته عند ابن النجار - وهو أبو بكر محمد بن أحمد بن مهران البغدادي الحافظ -، فقال عقبه:

"تفرد به المحاربي عن محمد بن سوقة".

قلت: والمحاربي - وإن كان أخرج له الشيخان -؛ فقد قال أحمد:

"كان يدلس". وقد عنعنه في رواية البيهقي عن الطلحي، وكذا في رواية ابن النجار عن بن ناصح، بخلاف رواية الديلمي عنه؛ فقد صرح فيها بالتحديث، وكذلك في نقل السيوطي للحديث عن البيهقي.

فإن كان محفوظاً؛ فالحديث ثابت. والله أعلم.

ثم رأيت الحديث في "الشعب" (3/ 463/ 4074) من طريق الطلحي عن المحاربي معنعناً؛ فهي العلة.

5105 - (يا مالك يوم الدين! إياك نغبد وإياك نستعين) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8163) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (329) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 164) عن عبد السلام بن هاشم قال: حدثنا حنبل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال:

كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فلقي العدو، فسمعته يقول: ... (فذكره) . فلقد رأيت الرجال تصرع؛ تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ حنبل هذا - وهو ابن عبد الله - مجهول؛ كما قال ابن أبي حاتم (1/ 2/ 304) عن أبيه؛ وتبعه الذهبي.

 

(11/179)

 

 

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات" (3/ 53) !

وعبد السلام بن هاشم؛ أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال:

"قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال الفلاس: لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه".

وبه أعله الهيثمي، فقال في "المجمع" (5/ 378) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عبد السلام بن هاشم؛ وهو ضعيف".

والحديث؛ أورده شيخ الإسلام في بعض رسائله مشيراً لضعفه دون أن يعزوه لأحد، ولذلك؛ بادرت إلى تخريجه، وبيان علته المؤكدة لضعفه. والحمد لله على توفيقه.

5106 - (لو يعلم أهل الجمع بمن حلوا؛ لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (ق 82/ 2 و 314/ 2 و 2/ 288 - ط) ، وابن دوست في "الأمالي" (ق 117/ 1) ، والبيهقي في "الشعب" (3/ 477/ 4113) عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى يقول: ... فذكره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 106/ 2 و 11/ 53/ 11022 - ط) من طريق يزيد بن قبيس، والرئيس أبو القاسم بن الجراح في "ستة مجالس من الأمالي" (ق 186/ 2) من طريق إسحاق بن حاتم العلاف قالا: أخبرنا عبد المجيد

 

(11/180)

 

 

ابن عبد العزيز بن أبي رواد به؛ إلا أنهما لم يذكرا في إسناده: الحسن بن عمارة.

قلت: ولعل ذلك من عبد المجيد؛ فإن يزيد بن قبيس ثقة من رجال "التهذيب".

وكذلك العلاف ثقة؛ كما في "تاريخ بغداد" (6/ 315) .

وأما عبد المجيد؛ ففيه كلام كثير، وقد قال الحافظ:

"صدوق يخطىء، أفرط ابن حبان فقال: متروك".

قلت: فالظاهر أنه - لسوء حفظه - كان يضطرب في إسناده، فتارة يثبت فيه الحسن بن عمارة، وتارة يسقطه.

والحديث حديث ابن عمارة، ويدل عليه أمران:

الأول: أنه تابعه على إثباته: أبو مطيع البلخي؛ فقال الطبراني (11021) : حدثنا العباس بن محمد المجاشعي الأصبهاني: أخبرنا محمد بن أبي يعقوب الكرماني: أخبرنا أبو مطيع قاضي بلخ عن الحسن - يعني: ابن عمارة - عن الحكم به.

وأبو مطيع: هو الحكم بن عبد الله الخراساني الفقيه الحنفي، وهو - وإن كان ضعيفاً -؛ فيشهد له الأمر الآتي:

الثاني: أن ابن عدي ساق الحديث في ترجمة الحسن بن عمارة، وقد أطال فيها جداً، وختمها بقوله:

"هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق". وقال الحافظ:

"متروك".

قلت: فهو علة الحديث.

 

(11/181)

 

 

ولا أدري كيف خفي هذا على الحافظ الهيثمي؛ فقال (3/ 277) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده من لم أعرفه"!!

5107 - (إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل، وإن لم تستطع؛ فإن في الصبر على ما يكره خيراً كثيراً) .

ضعيف

أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في "رسالة التوبة" (ص 250 - جامع الرسائل) مشيراً لضعفه بتصديره إياه بقوله: "روي ... "؛ وعلق عليه محققه صديقنا الدكتور محمد رشاد سالم بقوله:

"قال العراقي عن هذا الحديث في تعليقه على "الإحياء" (12/ 34) : "الترمذي من حديث ابن عباس"، ولم أستطع معرفة مكان الحديث"!!

قلت: أورده الغزالي في "الإحياء" في موضعين:

الأول: في "رياضة النفس" (3/ 51) بلفظ:

"اعبد الله في الرضا، فإن لم تستطع؛ ففي الصبر على ما تكره خير كثير".

فقال الحافظ العراقي في "تخريجه" (3/ 51 - طبع الحلبي،ق 109/ 1 - مخطوطة الظاهرية) :

"الطبراني في "الكبير""!!

والآخر: في "الصبر والشكر" (4/ 54) بلفظ:

"في الصبر على ما تكره خير كثير".

فقال الحافظ العراقي (4/ 54 - ط،ق 144/ 1 - مخطوطة) :

 

(11/182)

 

 

"الترمذي من حديث ابن عباس، وقد تقدم"!!

فأقول - وبالله التوفيق -:

حديث الترجمة واللفظان اللذان ذكرهما الغزالي؛ كل ذلك طرف من حديث ابن عباس المعروف الذي أوله:

"يا غلام! احفظ الله يحفظك ... " الحديث؛ أخرجه أحمد، والترمذي، وأبو يعلى، والطبراني في "الكبير" وغيرهم من طرق عن ابن عباس مرفوعاً - يزيد بعضهم على بعض -، وقد ذكرها الحافظ ابن رجب في شرحه للحديث في "جامع العلوم والحكم" (ص 132-140) دون أن يخرجها، وقد خرجت أنبأنا طائفة منها في "تخريج السنة لابن أبي عاصم" (316-318) .

وقد ذكر ابن رجب (ص 140) أن حديث الترجمة في رواية عمر مولى غفرة وغيره عن بن عباس.

قلت: ورواية عمر هذا؛ أخرجها هناد في "الزهد" (1/ 304/ 536) ، والبيهقي في "الشعب" (7/ 203/ 10000) ، وهي عند الطبراني في "الكبير" (3/ 126/ 2) أيضاً عن عكرمة عن ابن عباس، لكن ليس فيها عند الطبراني حديث الترجمة. وإنما وجدته في رواية أخرى عن ابن عباس؛ أخرجها الحاكم (3/ 541) بإسناد منقطع، وفيه إلى ذلك راو متروك، وآخر مختلف فيه؛ كما قال الذهبي.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 314) من طريق الحجاج بن فرافضة عن رجلين سماهما عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس به، وفيه:

 

(11/183)

 

 

"فاعمل لله تعالى بالرضا واليقين، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً".

والحجاج بن فرافصة؛ ضعيف؛ قال الحافظ:

"صدوق عابد يهم".

ومن طريقه: أخرجه أحمد (1/ 307) ؛ ولكنه أعضله؛ فقال: عنه، رفعه إلى ابن عباس ... فذكره مقتصراً على الشطر الثاني من حديث الترجمة.

والحديث له شاهد؛ أخرجه الخطيب في "التاريخ" (14/ 125) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً وفيه:

"اعبد الله بالصبر مع اليقين".

وإسناده ضعيف جداً؛ كما بينته في "تخريج السنة" (318) .

وجملة القول: أن حديث الترجمة من حديث ابن عباس ضعيف؛ كما أشار إليه ابن تيمية رحمة الله عليه؛ لأن طرقه كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفاً من بعض، ولشدة ضعف شاهده.

وأن عزوه لرواية الترمذي وهم، وإنما روى أصله، وليس فيه حديث الترجمة.

وكذلك عزوه لرواية الطبراني؛ إلا أن يعني أنه رواه من غير طريق ابن عباس، كأبي سعيد الخدري مثلاً، فذلك من الممكن. والله أعلم.

وقد روي من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله ابن عباس:

"يا غلام! ألا أعلمك ... " الحديث؛ وفيه حديث الترجمة.

 

(11/184)

 

 

ذكره أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (ص 406 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو سعد المدني: أخبرنا أبو بكر ابن شيبة الحزامي: أخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن المطلب: أخبرنا زهرة بن عمرو عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ زهرة بن عمرو؛ أورده ابن أبي حاتم (1/ 2/ 615) من رواية ثقتين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأبو سعيد بن المطلب؛ مقبول عند الحافظ.

وأبو بكر بن شيبة الحزامي؛ صدوق يخطىء.

وأبو سعد المدني؛ لم أعرفه.

5108 - (من سرق وأخاف السبيل؛ فاقطع يده بسرقته، ورجله بإخافته، ومن قتل؛ فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام؛ فاصلبه) .

منكر

أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (10/ 276/ 11854) عن الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة، قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج

 

(11/185)

 

 

الحرام. قال أنس: فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل عليه السلام عن القضاء فيمن حارب؛ فقال: ... فذكره. وقال:

"في إسناده نظر". ونحوه قول ابن كثير (2/ 51) :

"إن صح سنده".

وتبعه صديق حسن خان، فقال في "نيل المرام من تفسير آيات الأحكام" (ص 210) - تبعاً للشوكاني في "فتح القدير" (2/ 34) -:

"وهذا - مع ما فيه من النكارة الشديدة - لا يدرى كيف صحته".

قلت: وهو ظاهر الضعف، وله علتان:

الأولى: ضعف ابن لهيعة؛ فإنه سيىء الحفظ؛ إلا فيما رواه عنه العبادلة.

واحتجاج الشيخ أحمد شاكر به مطلقاً؛ مما لا وجه له عندي، بل مخالف لما عليه الأئمة النقاد من قبلنا كابن حجر وغيره.

والأخرى: تدليس الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن في الإسناد كله كما ترى.

وأما قول صديقنا الأستاذ محمود شاكر في تعليقه على "التفسير":

"ثم إن يزيد بن أبي حبيب لم يدرك أن يسمع من أنس، ولم يذكر أنه سمع منه"!

قلت: فهو إعلال عجيب غريب؛ فإنه إذا كان لم يدرك أن يسمع من أنس، فما فائدة قوله: "ولم يذكر أنه سمع منه"؛ فإن هذا إنما يقال إذا أدركه، وكان

 

(11/186)

 

 

يمكنه السماع منه وكان موصوفاً بالتدليس! وهذا وذاك من النفي منفي بالنسبة ليزيد بن أبي حبيب؛ فإنه مات سنة ثمان وعشرين ومئة، وقد قارب الثمانين؛ كما قال الحافظ في "التقريب"، وابن حبان نحوه في "الثقات" (3/ 295) ، وقد توفي أنس رضي الله عنه سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين، ومعنى هذا أنه أدرك من حياة أنس نحو خمس وثلاثين سنة، فكيف يقال:

"لم يدرك أن يسمع من أنس"؟! ثم هو لم يوصف بالتدليس؛ فما معنى أن يقال فيه:

"ولم يذكر أنه سمع منه"؟! فالمعاصرة كافية في مثله لإثبات الاتصال عند الجمهور، كما هو معلوم.

وجملة القول: أن الحديث ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، وعنعنة الوليد.

ولذلك؛ فلا يصح الاستدلال به على ما ذهب إليه الجمهور من أن آية المحاربة منزلة على أحوال؛ نحو ما في هذا الحديث من التفصيل.

وذهب آخرون إلى أن (أو) فيها للتخيير؛ كما في قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) ونحوها من الآيات؛ وهو الظاهر.

وقد ذهب إليه الشوكاني وصديق حسن خان، وهو قول ابن عباس - في رواية -، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وغيرهم؛ وحكي عن الإمام مالك. والله أعلم.

ثم رأيت الإمام الشافعي قد أخرج الحديث في "مسنده" (ص 111 - طبع المطبوعات العلمية) : أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس

 

(11/187)

 

 

موقوفاً عليه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ إبراهيم - وهو ابن أبي يحيى الأسلمي - متروك.

وصالح مولى التوأمة ضعيف.

5109 - (من قال: جزى الله عنا محمداً بما هو أهله؛ أتعب سبعين كاتباً ألف صباح) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 449 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال: حدثنا ابن رشدين: حدثنا هانىء بن المتوكل: حدثنا معاوية بن صالح عن جعفر بن محمد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن عكرمة إلا جعفر، ولا عنه إلا معاوية، تفرد به هانىء".

قلت: قال ابن حبان:

"كان تدخل عليه المناكير، وكثرت، فلا يجوز الاحتجاج به بحال، فمن مناكيره ... ".

قلت: فساق له أحاديث، هذا أحدها.

ومن طريقه: أخرجه الطبراني في "الكبير" أيضاً (3/ 124/ 2) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 230) .

وأشار المنذري في "الترغيب" (2/ 282) إلى تضعيف الحديث. وقال

 

(11/188)

 

 

الهيثمي (10/ 163) :

"هانىء ضعيف".

5110 - (من صلى علي في يوم [الجمعة] ألف مرة؛ لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة) .

ضعيف جداً

رواه ابن سمعون في "الأمالي" (172/ 1) عن محمد ابن عبد العزيز الدينوري: أخبرنا قرة بن حبيب القشيري: أخبرنا الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعاً.

ومن هذا الوجه: أخرجه ابن شاهين في "الترغيب والترهيب" (ق 261/ 2) ؛ وإليه عزاه المنذري (2/ 281) مشيراً إلى تضعيفه.

قلت: وعلته: الحكم بن عطية؛ فإنه ضعيف؛ كما في "التقريب".

والدينوري شر منه؛ قال الذهبي:

"ليس بثقة؛ أتى ببلايا".

لكن رواه الأصبهاني في "ترغيبه" (ص 234 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد بن عبد الله بن محمد بن سنان القزاز البصري: أخبرنا قرة بن حبيب به.

ومحمد بن عبد الله بن محمد؛ لم أعرفه، ولعل الأصل: " ... عن محمد بن سنان"؛ فإن محمد بن سنان القزاز البصري معروف، وهو ضعيف. والله أعلم.

 

(11/189)

 

 

وقال السخاوي في "القول البديع" (ص 95) :

"رواه ابن شاهين في "ترغيبه" وغيره، وابن بشكوال من طريقه، وابن سمعون في "أماليه"؛ وهو عند الديلمي من طريق أبي الشيخ الحافظ، وأخرجه الضياء في "المختارة" وقال:

"لا أعرفه من حديث الحكم بن عطية، قال الدارقطني: حدث عن ثابت أحاديث لا يتابع عليها. وقال أحمد: لا بأس به؛ إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة. قال: وروي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة".

قلت (السخاوي) : وقد رواه غير الحكم، وأخرجه أبو الشيخ من طريق حاتم ابن ميمون عن ثابت؛ ولفظه:

"لم يمت حتى يبشر بالجنة".

وبالجملة؛ فهو حديث منكر: كما قاله شيخنا".

يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.

وقال في مكان آخر (145) :

"أخرجه ابن شاهين بسند ضعيف".

قلت: وسقط الحديث من مطبوعة "المختارة"، وليس فيه ترجمة لـ (الحكم ابن عطية) عن ثابت عن أنس. فالظاهر أنها كانت قصاصة من القصاصات التي كان يلحقها بمكانها، وقد شاهدت منها الشيء الكثير في نسخة الظاهرية، وهي بخط المؤلف رحمه الله، وهذه ربما ضاعت أو لم تصور.

 

(11/190)

 

 

5111 - (من قرأ سورة (يس) في ليلة الجمعة؛ غفر له) .

ضعيف جداً

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (ص 244 - مصورة الجامعة) من طريق زيد بن الحريش: أخبرنا الأغلب بن تميم: أخبرنا أيوب ويونس عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، آفته الأغلب بن تميم قال ابن حبان (1/ 166) :

"منكر الحديث، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، حتى خرج عن حد الاحتجاج به لكثرة خطئه".

وضعفه آخرون.

وزيد بن الحريش قال ابن حبان في "الثقات":

"ربما أخطأ". وقال ابن القطان:

"مجهول الحال".

قلت: ومن طريقه أخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" (رقم 668) وابن عدي في "الكامل" (1/ 416) دون ذكر ليلة الجمعة وقالا:

"في يوم وليلة ابتغاء وجه الله غفر له".

وهو مخرج في "الروض النضير" (1146) .

 

(11/191)

 

 

5112 - (من قرأ (حم) الدخان في ليلة الجمعة، أو يوم الجمعة؛ بنى الله له بيتاً في الجنة) .

ضعيف جداً

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (ص 244 -

 

(11/191)

 

 

مصورة الجامعة الإسلامية) عن حفص بن عمر المازني: أخبرنا فضال بن جبير عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ فضال بن جبير؛ قال ابن حبان:

"لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها".

وبه أعله الهيثمي؛ فقال (2/ 168) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف جداً".

وحفص بن عمر المازني لا يعرف؛ كما في "اللسان".

5113 - (أتحبون أن يستظل نبيكم بظل من نار يوم القيامة؟!) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 235 - مصورة الجامعة الإسلامية) عن أحمد بن عبدة الضبي: حدثنا الحسن بن صالح بن أبي الأسود: حدثنا عمي منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن شمر بن عطية عن أبي حازم الأنصاري قال:

أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر بنطع من الغنيمة، فقيل: استظل به يا رسول الله! فقال: ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن الأعمش إلا منصور، ولا عنه إلا ابن أخيه الحسن، تفرد به أحمد".

قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم؛ لكن العلة من شيخه الحسن بن صالح بن أبي الأسود؛ فإنه غير معروف؛ قال الذهبي:

 

(11/192)

 

 

"زائغ حائد عن الحق؛ قاله الأزدي".

وأما ابن حبان؛ فذكره على قاعدته في "الثقات"، وقال:

"روى عنه أحمد بن عبدة الضبي"!

ومن فوقه ثقات؛ غير أبي حازم الأنصاري؛ فإنه مختلف في صحبته، وقد أخرج حديثه هذا أبو داود في "المراسيل"، كأنه يشير إلى أنه لم يثبت عنده صحبته، ولم أره ذكر في حديث آخر إلا الحديث الآتي، وهو في كل منهما لم يصرح بما يدل على صحبته، ولا الراوي عنه ذكر ذلك، على أن الإسناد إليه غير ثابت؛ كما رأيت.

وروي عنه بالسند المتقدم قال:

5114 - (كان [- صلى الله عليه وسلم -] يوم بدر في الظل، وأصحابه يقاتلون في الشمس، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: أنت في الظل، وأصحابك يقاتلون في الشمس؟! فتحول إلى الشمس) .

منكر

أخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" (5/ 166) من طريق الحسن ابن سفيان: أخبرنا أحمد بن عبدة: أخبرنا الحسن بن صالح بن أبي الأسود بإسناده المتقدم في الحديث الذي قبله. وقال:

"أخرجه أبو نعيم، وأبو موسى".

 

(11/193)

 

 

5115 - (الشهداء ثلاثة: رجل خرج بنفسه وماله محتسباً في سبيل الله، لا يريد أن يقاتل، ولا يقتل، يكثر سواد المسلمين، فإن مات أو قتل

 

(11/193)

 

 

غفرت له ذنوبه كلها، وأجير من عذاب القبر، ويؤمن من الفزع، ويزوج من الحور العين، وحلت عليه حلة الكرامة، ويوضع على رأسه تاج الوقار والخلد.

والثاني: خرج بنفسه وماله محتسباً يريد أن يقتل ولا يقتل، فإن مات أو قتل؛ كانت ركبته مع إبراهيم خليل الرحمن بيد يدي الله تبارك وتعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

والثالث: خرج بنفسه وماله محتسباً يريد أن يقتل ويقتل، فإن مات أو قتل؛ جاء يوم القيامة شاهراً سيفه واضعه على عاتقه، والناس جاثون على الركب يقولون: ألا افسحوا لنا؛ فإنا قد بذلنا دماءنا لله تبارك وتعالى. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

والذي نفسي بيده! لو قال ذلك لإبراهيم خليل الرحمن أو لنبي من الأنبياء؛ لزحل لهم عن الطريق؛ لما يرى من واجب حقهم، حتى يؤتوا منابر من نور تحت العرش، فيجلسون عليها، ينظرون كيف يقضى بين الناس، لا يجدون غم الموت، ولا يقيمون في البرزخ، ولا تفزعهم الصيحة، ولا يهمهم الحساب؛ ولا الميزان، ولا الصراط، ينظرون كيف قضى بين الناس، ولا يسألون شيئاً إلا أعطوه، ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا فيه، ويعطون من الجنة ما أحبوا، ويتبوؤن من الجنة حيث أحبوا) .

موضوع

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 185-186 - زوائده) : حدثنا سلمة بن شبيب - فيما أحسب -: حدثنا محمد بن معاوية: حدثنا مسلم بن خالد عن

 

(11/194)

 

 

شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:

"لا نعلمه عن نس إلا من هذا الطريق، ومحمد بن معاوية حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وأحسب هذا أتي منه".

قال العسقلاني - عقبه -:

"قال الشيخ (يعني: الهيثمي) : وإن كان هو النيسابوري؛ فهو متروك. قلت: هو هو".

وأقول: صدق الحافظ - رحمه الله -. وقد تردد فيه الهيثمي في "مجمع الزوائد" أيضاً، ولكنه وقع في وهم آخر؛ فإنه قال (5/ 292) :

"رواه البزار، وضعفه بشيخه محمد بن معاوية، فإن كان النيسابوري؛ فهو متروك. وفيه أيضاً مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف وقد وثق"!

قلت: محمد بن معاوية؛ إنما هو شيخ شيخ البزار - وهو سلمة بن شبيب -، وكان هذا مستملي شيخه محمد بن معاوية، وهذا من القرائن التي حملت الحافظ ابن حجر على الجزم بأنه هو صاحب الحديث.

ومنها عندي قول البزار فيه:

"حدث بأحاديث لم يتابع عليها"؛ وقد قال هذا في - ابن معاوية - جماعة من الأئمة، منهم: البخاري وابن أبي حاتم وأبو أحمد الحاكم، ولم يقل ذلك أحد من الأئمة في غيره من الرواة ممن يسمى محمد بن معاوية.

ثم إنه متهم بالكذب؛ فقد قال فيه ابن معين:

 

(11/195)

 

 

"كذاب". وكذا قال الدارقطني وأبو الطاهر المدني، وزادا:

"يضع الحديث".

قلت: ولوائح الوضع عندي ظاهرة على حديثه هذا؛ بل قوله في الرجل الأول:

"غفرت له ذنوبه كلها" باطل؛ لمخالفته للحديث الصحيح:

"يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج عندي في أماكن؛ فراجع "صحيح الجامع" (7975) . ولهذا؛ فاقتصار المنذري (2/ 193) على الإشارة لتضعيفه مع استغرابه غريب؛ فإنه قال:

"رواه البزار والبيهقي والأصبهاني، وهو حديث غريب"!

5116 - (إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعرفه إلا العلماء بالله، فإذا نطقوا به؛ لم ينكره إلا أهل الغرة بالله عز وجل) .

منكر

أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في "الأربعين في أخلاق الصوفية" (ق 8/ 2) : أنبأنا حامد بن عبد الله الهروي: أخبرنا نصر بن محمد بن الحارث البوزجاني: أخبرنا عبد السلام بن صالح: أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً أو موضوع؛ آفته عبد السلام بن صالح - وهو أبو الصلت الهروي -، وقد كذبه العقيلي وابن طاهر، واتهم بوضع أحاديث، منها: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"؛ وقد تقدم برقم (2955) .

 

(11/196)

 

 

وذكرنا هناك شيئاً من أقوال الأئمة فيه، وأقوال ابن معين المتناقضة حوله، والجمع بينها؛ فراجعها إن شئت.

ومن دونه لم أعرفهما.

وأما أبو عبد الرحمن السلمي شيخ الصوفية في زمانه؛ فهو متهم أيضاً؛ قال الذهبي:

"تكلموا فيه، وليس بعمدة، قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: " [كان غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئاً يسيراً، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع؛ حدث عن الأصم بـ "تاريخ يحيى بن معين" وبأشياء كثيرة سواه. قال: و] كان يضع الأحاديث للصوفية"، وفي القلب مما ينفرد به".

والحديث؛ أورده السيوطي في رسالته: "تأييد الحقيقة العلية" (ق 3/ 1) من رواية الطبسي في "ترغيبه" من طريق نصر بن أحمد البوزجاني به.

وقال السيوطي:

"هذا إسناد ضعيف، عبد السلام بن صالح: هو أبو الصلت الهروي، من رجال ابن ماجه، كان رجلاً صالحاً؛ لكنه شيعي ... فالحاصل أن حديثه في مرتبة الضعيف الذي ليس بالموضوع".

قلت: وكذلك جزم بضعف إسناده: الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"

 

(11/197)

 

 

(1/ 19) ، بعد أن عزاه لـ "أربعين السلمي". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" (13/ 259-260) :

"ليس إسناده ثابتاً باتفاق أهل المعرفة".

5117 - (أربعة من كن فيه؛ بنى الله له بيتاً في الجنة، وكان في نور الله الأعظم، من كانت عصمته: لا إله إلا الله، وإذا أصاب حسنة قال: الحمد لله، وإذا أصاب ذنباً قال: أستغفر الله، وإذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون) .

موضوع

رواه الديلمي (1/ 1/ 171) عن هارون بن مسلم عن أبي علي اللهبي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو علي اللهبي - واسمه علي بن أبي علي -؛ قال السمعاني (487/ 1) - وكأنه نقله عن ابن حبان -:

"عداده في أهل المدينة، يروي عن الثقات الموضوعات، وعن الأثبات المقلوبات؛ لا يجوز الاحتجاج به. روى عنه أبو مصعب". وفي "اللسان" عن الحاكم:

"يروي عن ابن المنكدر أحاديث موضوعة، يرويها عنه الثقات". وقال البخاري:

"منكر الحديث".

وهارون بن مسلم؛ لم أعرفه.

والحديث؛ تقدم بنحوه في هذا الكتاب (2736) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

(11/198)

 

 

5118 - (من قرأ القرآن؛ فقد استدرج النبوة بين جنبيه؛ غير أنه لا يوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله تعالى) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (1/ 552) ، وعنه البيهقي في "الأسماء" (263-264) وفي "الشعب" (2/ 522/ 2591) عن يحيى بن عثمان بن صالح السهمي: حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق: حدثنا يحيى بن أيوب: حدثنا خالد بن يزيد عن ثعلبة بن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

قلت: وفيه نظر عندي، ذلك؛ لأن ثعلبة هذا - الذي روى عن ابن عمرو -: هو ثعلبة أبو الكنود الحمراوي؛ فقد أورده هكذا ابن أبي حاتم (1/ 1/ 463) من روايته عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وأبي موسى الغافقي. وعنه خالد بن يزيد، وسليمان بن أبي زينب. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ إلا أنه وقع عنده:

"ثعلبة بن أبي الكنود"!! والصواب إسقاط لفظة: (ابن) ؛ فإنه هكذا في "تاريخ البخاري" (1/ 2/ 175) ، و "كنى الدولابي" (2/ 91) ، و "ثقات ابن حبان" (3/ 27) . ووقع في ترجمة (خالد بن يزيد المصري) من "تهذيب المزي":

"روى عن أبي الكنود ثعلبة بن أبي حكيم الحمراوي".

قلت: فلعل (أبو حكيم) هو كنية والد ثعلبة، واسمه: (يزيد) ؛ كما وقع في إسناد هذا الحديث - إن كان محفوظاً -؛ فإن (يحيى بن عثمان بن صالح السهمي) فيه كلام.

 

(11/199)

 

 

فإن صح ذلك؛ فهو غير (ثعلبة بن يزيد الحماني الكوفي) الذي روى عن علي، وعنه حبيب بن أبي ثابت وجمع، وهو من رجال "التهذيب"؛ فقد فرق بينهما: البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان.

والحمراوي دون الحماني في الشهرة، ولم أر من وثقه غير ابن حبان (4/ 99) . نعم؛ روى عنه ثقتان - مع تابعيه -؛ فهو مجهول الحال عندي، وهو علة الحديث إن سلم من ابن صالح. والله أعلم.

على أنه قد روي الحديث موقوفاً على ابن عمرو: أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (7-8) بإسناد رجاله ثقات رجال الشيخين عن ثعلبة هذا به.

قلت: ولعل هذا الموقوف هو الصواب؛ فقد أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (275-276) ، وابن أبي شيبة (10/ 467/ 1002) - مختصراً - عن إسماعيل بن رافع عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن عبد الله بن عمرو موقوفاً نحوه.

وخالفهما: ابن نصر في "قيام الليل" (72) ، والطبراني، ومن طريقه يوسف بن عبد الهادي في "هداية الإنسان" (ق 135/ 2) ؛ فروه عن إسماعيل بن رافع به مرفوعاً. وقال الهيثمي:

"رواه الطبراني، وفيه إسماعيل بن رافع، وهو متروك".

قلت: ومن طريقه أخرج الجملة الأولى منه: الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (ق 33/ 1) ؛ لكنه قال: عن رجل عن عبد الله بن عمرو موقوفاً!

والصواب رواية الوقف؛ فقد وجدت له طريقاً آخر موقوفاً؛ فقال أبو عبيد في

 

(11/200)

 

 

"فضائل القرآن" (53/ 8-9) : حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال: ... فذكره نحوه.

وهذا إسناد حسن؛ على الخلاف المعروف في (عبد الله بن صالح) ؛ وهو أبو صالح كاتب الليث.

وأبو يحيى: هو مصدع الأعرج المعرقب، وهو صدوق؛ كما قال الذهبي، ومن رجال مسلم.

وسكت عنه المعلق على "الفضائل" فأحسن؛ لأنه ليس من فرسان هذا المجال، ولقد صدق من قال: (من عرف نفسه عرف ربه) ! بخلاف غيره من المعتدين على هذا العلم، كأمثال المعلقين الثلاثة على الطبعة الجديدة لكتاب المنذري "الترغيب والترهيب" تصحيحاً وتضعيفاً! والله المستعان.

5119 - (اهجري المعاصي؛ فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض؛ فإنها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله؛ فإنك لا تأتين بشيء أحب إليه من كثرة ذكره) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/ 129/ 313) و "الأوسط" (7/ 376 و 421/ 6731 و 6818) من طرق عن هشام بن عمار: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس المدني: حدثني مرقع عن أم سليم أم أنس ابن مالك:

أنها قالت: يا رسول الله! أوصني؟ قال: ... فذكره. وقال:

"لا يروى عن أم سليم إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشام".

 

(11/201)

 

 

قلت: وهو صدوق؛ ولكنه كبر فصار يتلقن.

وإسحاق بن إبراهيم بن نسطاس؛ ضعفه الجمهور. وقال البخاري:

"فيه نظر". وأما الطبراني فقال:

"من ثقات المدنيين"!!

قلت: فكأنه لم يتبين له حاله! ولذلك؛ جزم بتضعيفه الهيثمي، فقال (10/ 75) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس؛ وهو ضعيف".

ومن ذلك؛ تعلم خطأ قول المنذري (2/ 231) :

"رواه الطبراني بإسناد جيد"!

وفي رواية عنها نحوه بلفظ:

" ... واذكري الله كثيراً؛ فإنه أحب الأعمال إلى الله أن تلقينه به".

رواه الطبراني في "الكبير" (25/ 149/ 259) من طريق محمد بن إسماعيل الأنصاري عن يونس بن عمران بن أبي أنس ... وكلاهما ذكرهما ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً. ويونس لم يرو عنه غير الأنصاري؛ فهو مجهول.

وبقية رجاله ثقات؛ كما قال الهيثمي.

وأم أنس في هذا الطريق: هي غير أم أنس بن مالك؛ كما استظهره الحافظ في

 

(11/202)

 

 

"الإصابة"، وسبقه إلى ذلك الطبراني؛ فإنه قال تحت ترجمة (أم أنس الأنصارية) :

"وليست بأم أنس بن مالك"!

ومن الغريب أنه قال مثله في الموضع الثاني (6818) من الطريق الأولى؛ طريق (ابن نسطاس) ، فقال:

"لا يروى عن أم أنس الأنصارية - وليست بأم سليم أم أنس بن مالك؛ هذه امرأة أخرى - إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشام بن عمار"!

وهو أورده في "مسند أم سليم أم أنس" من "معجمه الكبير" كما تقدم، وقد وقع التصريح بذلك في الموضع الأول من "الأوسط" (6731) !!

ولم يظهر لي ما استظهره الحافظ تبعاً للطبراني من التعدد، لا سيما وشيخه الهيثمي مال في كتابه "مجمع البحرين" (7/ 320) إلى أنها أم سليم أم أنس! والله أعلم.

5120 - (من أكثر ذكر الله؛ فقد برىء من النفاق) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/ 471/ 6927) و "الصغير" (ص 203 - هندية) ، وابن شاهين في "الترغيب" (ق 285/ 1) ، وأبو محمد المخلدي في "الفوائد المنتخبة" (ق 3/ 1/ 2) ، والأزدي محمد بن الحسين في "أحاديث منتقاة" (ق 2/ 1-2) ، وأبو موسى المديني في "اللطائف" (ق 81/ 2) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 415/ 576) ، والأصبهاني في "الترغيب" (1/ 321/ 731) من طرق عن مؤمل بن

 

(11/203)

 

 

إسماعيل: حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال الطبراني:

"لم يروه عن سهيل إلا حماد، تفرد به مؤمل".

قلت: وهو ضعيف؛ لسوء حفظه وكثرة خطئه.

وقام الدليل على خطئه في إسناده ورفعه؛ فقال علي بن الجعد: حدثني حماد ابن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن كعب قال: ... فذكره موقوفاً عليه.

أخرجه البيهقي (577) ، وقال:

"وهو أصح من رواية مؤمل".

وغفل عن هذا كله: السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 754) ؛ فقال:

"رواه ابن شاهين في "الترغيب في الذكر"، ورجاله ثقات"!

(تنبيه) : لقد وهم في هذا الحديث رجال:

1- الحافظ المنذري؛ فإنه أورده في كتابه "الترغيب" (2/ 231/ 27) بلفظ:

"من لم يكثر ذكر الله؛ فقد برىء من الإيمان". وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الصغير"، وهو حديث غريب"!!

قلت: ولا أصل له فيهما بهذا اللفظ، ولا عند أحد ممن ذكرنا.

 

(11/204)

 

 

2- الحافظ الهيثمي؛ فإنه قلده في "مجمع الزوائد" (10/ 79) في عزوه ولفظه! وكذلك فعل في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" (ق 134/ 1 - المصورة و 7/ 319/ 4521 - ط) ؛ لكن وقع في المطبوعة:

"من لا يكثر.."!

3- وقلدهما السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 205) ؛ لكنه عزاه لـ "الأوسط" فقط.

4- غفل المعلق على مطبوعة "مجمع البحرين" في تعليقه عليه - وقد عزاه لمصورة "الأوسط" -؛ أن لفظه فيه مخالف للفظ "المجمع"! وكأنه أخذ بخطأ من ذكرنا!

وقد كنت أوردت هذا اللفظ قديماً في "المجلد الثاني" برقم (890) ، وحكمت عليه بالوضع؛ تبعاً للحافظ ابن حجر، ونقلت هناك كلام المنذري المتقدم، وأتبعته بتخريج الهيثمي إياه، وإعلاله بشيخ الطبراني (محمد بن سهل ابن المهاجر) ، وتعقب الحافظ إياه، وجزمه بأنه مجهول، وحديثه موضوع؛ فراجعه إن شئت.

وكان ذلك قبل طبع "المعجم الأوسط"، أما وقد طبع، ووقفنا فيه على لفظه المذكور أعلاه، والذي رواه الجماعة مع الطبراني؛ فقد تبين أن اللفظ الآخر موضوع لا أصل له، وأنه لا وجه لإعلاله بابن المهاجر؛ لأن لفظه متابع عليه من الطرق التي سبقت الإشارة إليها.

5- ومن الطبيعي جداً أن يغفل أيضاً عما تقدم المعلقون الثلاثة؛ بل وأن يتخبطوا في نقل كلام العلماء، فقالوا في تعليقهم على "الترغيب" (2/ 375-376) :

 

(11/205)

 

 

"ضعيف، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4 (كذا) / 79) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الصغير" عن شيخه محمد بن سهل بن المهاجر عن مؤمل بن إسماعيل، وفي "الميزان" (3/ 576) : محمد بن سهل عن مؤمل بن إسماعيل، يروي الموضوعات. فإن كان هو ابن المهاجر؛ فهو ضعيف، وإن كان غيره؛ فالحديث حسن. وانظر: "لسان الميزان" (5/ 195) "!!

فتأمل أيها القارىء! فيما نقلوه عن الهيثمي؛ فلجهلهم حتى بالكتابة؛ خلطوا معه كلام الذهبي بما قرنوا به من الإشارة إلى الجزء والصفحة في أثناء كلام الهيثمي، ولم يميزوا بينهما صراحة أو إشارة! بحيث لم يعد القارىء يمكنه أن يعرف أن قوله: "فالحديث حسن"؛ قول الهيثمي إلا إذا رجع إلى كلامه في "المجمع"! وإذا رجع إلى المجلد (4) الذي أشاروا إليه؛ فلا يجد الحديث فيه؛ لأنه خطأ، صوابه (10) ! وتصحيح ما صنعوا حذف ما قرنوا من إشارة الجزء والصفحة.

ثم إنهم كتموا عن القراء تعليق الحافظ ابن حجر على كلام الهيثمي بأن الحديث موضوع؛ لكي لا يتعارض مع قولهم بأنه: "ضعيف"! وهكذا؛ فليكن التحقيق!!

وقد كنت نقلت تعقيب الحافظ في المكان الذي سبقت الإشارة إليه من المجلد الثاني.

5121 - (إن الله يقول: يا ابن آدم! إنك إذا ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني كفرتني) .

ضعيف جداً

رواه الطبراني في "الأوسط" (مصورة الجامعة الإسلامية 4/

 

(11/206)

 

 

433) من طريق حجاج بن محمد عن أبي بكر الهذلي عن عامر الشعبي أن أبا هريرة حدثه مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن الشعبي إلا أبو بكر، تفرد به حجاج".

قلت: وهو المصيصي؛ ثقة من رجال الشيخين؛ لكنه اختلط في آخر عمره.

وشيخه أبو بكر الهذلي متروك الحديث؛ كما في "التقريب".

5122 - (من قال إحدى عشرة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحداً صمداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد؛ كتب الله له ألفي ألف حسنة، ومن زاد زاده الله عز وجل) .

موضوع

أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (ق 76/ 1) ، والمحاملي في "الأمالي" (440/ 523) ، وابن البنا في "فضل التهليل" (ق 198/ 1) عن أبي الورقاء عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعاً.

قلت: وهكذا أخرجه ابن عدي في "الكامل" (ق 264/ 2) ؛ إلا أنه أدخل بين أبي الورقاء وابن أبي أوفى: ابن المنكدر. وقال:

"أبو الورقاء - مع ضعفه - يكتب حديثه"!

كذا قال! وهو أسوأ من ذلك؛ فقد ضعفه أحمد وغيره جداً، وقال ابن أبي حاتم (3/ 2/ 84) عن أبيه:

"أحاديثه عن ابن أبي أوفى بواطيل، لا تكاد ترى لها أصلاً، كأنه لا يشبه حديث ابن أبي أوفى، ولو أن رجلاً حلف أن عامة حديثه كذب؛ لم يحنث".

 

(11/207)

 

 

ولذلك؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك؛ اتهموه".

والحديث؛ أورده الهيثمي (10/ 85) - من رواية الطبراني؛ دون قوله: "إحدى عشرة مرة"، ودون قوله: "ومن زاد ... " إلخ -، وقال:

"وفيه فائد أبو الورقاء، وهو متروك".

وكذلك أورده المنذري (2/ 242) ، وأشار لضعفه.

وقال الناجي - بعدما أشار إلى رواية الطبراني -:

"ورواه ابن جرير الطبري في "كتاب آداب النفوس" من حديث جابر نحوه غير مقيد بعدد، وزاد في آخره: "ومن زاد زاده الله" ... ".

قلت: ثم وقفت على حديث جابر في "تاريخ ابن عساكر" (11/ 64) ؛ أخرجه من طريق عبيس بن ميمون عن مطر الوراق عن أبي نضرة عن جابر مرفوعاً بتمامه؛ وفيه الزيادة والعدد أيضاً؛ إلا أنه جعله قبيل الزيادة.

قلت: ومطر الوراق ضعيف.

لكن عبيس بن ميمون ضعيف جداً؛ قال البخاري وغيره:

"منكر الحديث".

وقد روي الحديث بلفظ: ".. أربعون ألف حسنة"؛ سيأتي برقم (6313) .

ورواه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 157) من طريق أخرى عن فائد عن جابر؛ دون الزيادة والعدد.

 

(11/208)

 

 

5123 - (كفارة المجلس؛ أن لا يقوم حتى يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، تب علي، واغفر لي (يقولها ثلاث مرات) ! فإن كان مجلس لغط؛ كانت كفارة له، وإن كان مجلس ذكر؛ كان طابعاً له) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 79/ 2) من طريق خالد بن يزيد العمري: أخبرنا داود بن قيس عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته العمري؛ كذبه أبو حاتم ويحيى. وقال ابن حبان:

"يروي الموضوعات عن الأثبات".

قلت: وقد خالفه عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وأحمد بن الحسين اللهبي قالا: حدثنا داود بن قيس الفراء به نحوه؛ دون قوله: "ثلاث مرات".

أخرجه الحاكم (1/ 537) ، وقال:

"صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

وتابعهما مسلم بن أبي مريم عن نافع بن جبير به؛ دون الزيادة.

أخرجه الطبراني من طريق ابن عجلان عن مسلم بن أبي مريم به.

قلت: وإسناده حسن.

فالزيادة المذكورة باطلة في حديث جبير هذا. وقد أورده المنذري في "الترغيب"

 

(11/209)

 

 

(2/ 236) من رواية ابن أبي الدنيا بلفظ:

"إذا جلس أحدكم في مجلس؛ فلا يبرحن منه حتى يقول ثلاث مرات ... " فذكره.

أورده عقب رواية الحاكم المتقدمة الصحيحة، وسكت عنه! وما أظنه يصح إسناده، بل لعله من طريق العمري المتقدم.

وقد جاءت أحاديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله في كفارة المجلس عن جمع من الصحابة؛ منهم: أبو هريرة، وأبو برزة، وعائشة، ورافع بن خديج، وعبد الله بن جعفر، والسائب بن يزيد، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، والزبير بن العوام، وعبد الله بن عمرو، وأحاديثهم مخرجة في "الترغيب"، و "المجمع" (10/ 141-142) ؛ وليس في شيء منها تلك الزيادة "ثلاث مرات"؛ اللهم إلا في رواية أبي داود (4857) ، وابن حبان (2367) عن ابن عمرو به موقوفاً عليه، وفي إسناده سعيد بن أبي هلال؛ وهو وإن كان ثقة؛ فقد كان اختلط. والله أعلم.

5124 - (ما من عبد قال: لا إله إلا الله في ساعة من ليل أو نهار؛ إلا طمست ما في الصحيفة من السيئات؛ حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات) .

موضوع

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/ 910-911) ، وابن أبي شريح الأنصاري في "جزء بيبي" (ق 163/ 1) ، وابن شاهين في "الترغيب" (ق 259/ 1) ، وابن البنا في "فضل التهليل" (ق 197/ 1-2) عن الهذيل

 

(11/210)

 

 

ابن إبراهيم الحماني: أخبرنا عثمان بن عبد الرحمن الزهري - من ولد سعد بن أبي وقاص - عن الزهري عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عثمان هذا؛ قال الحافظ:

"متروك، وكذبه ابن معين". وقال الهيثمي (10/ 82) :

"رواه أبو يعلى، وفيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري، وهو متروك".

وأشار المنذري (2/ 239) إلى تضعيف الحديث؛ فقصر.

والهذيل بن إبراهيم الحماني - وفي "اللسان": "الحمامي"؛ ولعله تصحيف -؛ قال ابن حبان في "الثقات":

"حدثنا عنه أبو يعلى، يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات؛ فإنه يروي عن عثمان بن عبد الرحمن، ومجاشع بن يوسف، وصالح بن بيان الساحلي".

5125 - (إن لله تعالى عموداً تحت العرش؛ فإذا قال العبد: لا إله إلا الله؛ اهتز ذلك العمود، فيقول الله عز وجل: اسكن. فيقول: يا رب! وكيف أسكن ولم تغفر لقائلها؟! قال: فيقول: فإني قد غفرت له، قال: فيسكن عند ذاك) .

موضوع

أخرجه البزار (ص 296) ، وابن شاهين في "الترغيب والترهيب" (ق 258/ 2) ، وابن البنا في "فضل التهليل" (ق 202/ 2) ، وابن عساكر في "التاريخ" (2/ 122/ 2) ، والضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 10/ 1) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري: حدثنا عبد الله بن

 

(11/211)

 

 

أبي بكر عن صفوان بن سليم عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الغفاري هذا؛ قال الحافظ:

"متروك، ونسبه ابن حبان إلى الوضع". وقال الهيثمي (10/ 82) :

"رواه البزار، وفيه عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو، وهو ضعيف جداً".

وساق له الذهبي أحاديث مما أنكر عليه، هذا أحدها، وقال في حديثين منها:

"وهما باطلان". وفي آخر:

"فهذا غير صحيح".

وأخرجه ابن شاهين - أيضاً - من طريق عمر بن صبيح عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعاً نحوه، وزاد في آخره:

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"أكثروا من هز ذلك العمود"!

قلت: وهذا موضوع أيضاً؛ آفته عمر بن صبيح؛ قال الحافظ:

"متروك؛ كذبه ابن راهويه".

5126 - (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - عشر مرات -؛ كن له كعدل عتق عشر رقاب، أو رقبة) .

شاذ

أخرجه أحمد (5/ 418) ، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ"

 

(11/212)

 

 

(3/ 129) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 201/ 1) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 344) من طريق داود عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعاً به.

قلت: وهو إسناد صحيح على شرط مسلم؛ لولا الشك الذي في آخره.

ونحوه: ما رواه حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند به؛ إلا أنه قال:

"كانت له كعدل محرر أو محررين".

أخرجه الطبراني (4/ 196/ 4017) ، والبيهقي.

والرواية الأولى أصح؛ لأن حماد بن سلمة في روايته عن غير ثابت البناني غيره أقوى منه!

وأوهى مما مضى: ما روى حجاج بن نصير: أخبرنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي به؛ إلا أنه قال:

" ... كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل عليه السلام".

أخرجه الطبراني.

قلت: وحجاج بن نصير؛ قال الحافظ:

"ضعيف، كان يقبل التلقين".

والصحيح المحفوظ في هذا الحديث؛ إنما هو بلفظ:

" ... كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل".

 

(11/213)

 

 

كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون قال: ... فذكره موقوفاً.

وعبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن ربيع بن خثيم ... بمثل ذلك.

قال: فقلت للربيع: ممن سمعته؟ قال: من عمرو بن ميمون. قال: فأتيت عمرو بن ميمون فقلت: ممن سمعته؟ قال: من ابن أبي ليلى. قال: فأتيت ابن أبي ليلى فقلت: ممن سمعته؟ قال: من أبي أيوب الأنصاري يحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

أخرجه البخاري (11/ 169-172- فتح) ، ومسلم (8/ 69-70) ، وأحمد (5/ 422) ، وكذا الطبراني (1/ 201/ 2) إلا أنه وصل رواية أبي إسحاق أيضاً من طريق حديج بن معاوية (وهو صدوق يخطىء) عنه عن عمرو بن ميمون عن الربيع بن خثيم عن ابن أبي ليلى عن أيوب.

وقد أشار الحافظ إلى حديث الترجمة؛ وأعله بقوله (11/ 172) :

"وأما ذكر: "رقبة" بالإفراد في حديث أبي أيوب، فشاذ؛ والمحفوظ: "أربعة"".

قلت: وكذلك رواية: "محرر أو محررين"، ورواية: "عشر رقاب"؛ كما بينته آنفاً.

وإنما يصح عندي الرواية الأخيرة: "عشر رقاب" في حديث آخر لأبي أيوب رضي الله عنه، مقيداً بالصبح والمساء، وهو مخرج عندي في الكتاب الآخر (2563) .

وحديث الربيع بن خثيم؛ أخرجه أيضاً يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 128-129) من طرق عنه، وفي أحدها زيادة بلفظ:

 

(11/214)

 

 

"بعد الصبح".

وسندها صحيح؛ لكنه لم يصرح برفعه؛ إلا أنه في حكم المرفوع.

5127 - (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير؛ لم يسبقها عمل، ولم تبق معها سيئة) .

ضعيف جداً

رواه الدولابي في "الكنى" (2/ 28) عن أبي عثمان سليم بن عثمان قال: حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أبو عثمان هذا؛ قال أبو حاتم:

"عنده عجائب، وهو مجهول". وقال الذهبي:

"ليس بثقة". وقال الحافظ في "اللسان":

"تعين توهينه".

قلت: ولم يعرفه المنذري، فقال (2/ 242) :

"رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وسليم بن عثمان الطائي ثم الفوزي؛ يكشف حاله"!

فأقول: قد فعلنا، فتبين أنه ليس بثقة. والله أعلم.

وقال الهيثمي (10/ 85) :

 

(11/215)

 

 

"رواه الطبراني، وفيه سليم بن عثمان الطائي ثم الفوزي، وقد ضعفه غير واحد من قبل حفظه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "لم يرو عنه غير سليمان بن سلمة الخبائري، وهو ضعيف" (1) ، فإن وجد له راو غيره اعتبر حديثه، ويلزق به ما يستأهل من جرح أو تعديل، وذكره ابن أبي حاتم، وقال عن أبيه: "روى عنه محمد بن عوف، وأبو عتبة أحمد بن الفرج، وهو مجهول، وعنده عجائب". وقد روى عنه ثلاثة، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".

قلت: لم يرو عنه كبير أحد؛ سوى محمد بن عوف الحمصي الحافظ.

وأما أبو عتبة؛ فقد ضعفه ابن عوف المذكور، وهو بلديه.

وأما الخبائزي؛ فمتروك، وحسبك قول ابن حبان فيه:

"ليس بشيء".

وسيأتي له حديث آخر منكر، برقم (6619) .

5128 - (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو الحي الذي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا يريد بها إلا وجهه؛ أدخله الله بها جنات النعيم) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 197/ 1) ، (12/ 349/ 13311) عن يحيى بن عبد الله البابلتي: أخبرنا أيوب بن نهيك قال: سمعت محمد بن قيس يقول: سمعت ابن عمر يقول: ... فذكره مرفوعاً.

__________

(1) الذي في " الثقات " (6 / 415) : " ليس بشيء ". (الناشر)

 

(11/216)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وقد تقدم الكشف عن علته تحت الحديث (5087) ؛ فراجعه. وقال الهيثمي في "المجمع" (10/ 85) :

"رواه الطبراني، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف".

وقلده المعلقون على "الترغيب" (2/ 401) ، وقالوا عقبه:

"وقال الناجي في "عجالة الإملاء" (ق 149) : والذي رأيته في "مجمع الهيثمي": "وهو حي لا يموت" وهو الأشبه. والله أعلم"!!

قلت: ونقلهم هذا عن الناجي مما لا فائدة فيه؛ سوى تسويد البياض وتكثير السواد؛ إلا لو أرادوا التحقيق والرد، وهو لا يحسنون شيئاً من ذلك، وإلا؛ لبادروا لبيان أن الموجود في "المجمع" المطبوع وفي المكان الذي أشاروا إليه مطابق لما في "الترغيب"، ولو أرادوا زيادة في التحقيق لرجعوا إلى الأصل؛ أعني "معجم الطبراني الكبير" (12/ 349/ 1331) ؛ ليجدوه كذلك! ولو كانوا أهلاً للتحقيق لقالوا أخيراً:

ما دام أن الحديث ضعيف عندهم؛ فلا داعي للتدقيق في التحقيق، على حد المثل المعروف في بعض البلاد: "هذا الميت لا يستحق هذا العزاء"!!

5129 - (من قال: سبحان الله وبحمده؛ كتب له مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة، ومن قال: لا إله إلا الله؛ كان له بها عهد عند الله يوم القيامة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 207/ 2) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 267/ 1) عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني: أخبرنا عامر بن

 

(11/217)

 

 

يساف عن النضر بن عبيد عن الحسن بن ذكوان عن عطاء عن ابن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا حديث ضعيف؛ النضر بن عبيد؛ قال الذهبي:

"شيخ ليس بعمدة، تفرد عنه عامر بن إبراهيم الأصبهاني، وهو النضر بن عبد الله؛ وقد مر". وقال هناك:

"قال أبو نعيم: لم يحدث عنه غير عامر بن إبراهيم الأصبهاني".

قلت: ذكره في "أخبار أصبهان" (2/ 329-330) ، وقال:

" ... أبو غالب، كوفي قدم أصبهان".

ثم ساق له ثلاثة أحاديث أخرى من رواية عامر بن إبراهيم عنه، وهذا من رواية عامر بن يساف عنه كما ترى، فإما أن يكون النضر بن عبيد هو غير النضر ابن عبد الله، خلافاً لما جرى عليه الذهبي ثم العسقلاني، وإما أن يكون قولهم: "تفرد عنه عامر بن إبراهيم" خطأ؛ فقد روى عنه عامر بن يساف أيضاً كما ترى.

وابن يساف هو عامر بن عبد الله بن يساف اليمامي؛ كما في "الكامل"، وقال:

"منكر الحديث عن الثقات".

ثم ساق له أحاديث هذا أحدها، ثم قال:

"وهذه الأحاديث غير محفوظة، إنما يرويها عامر بن يساف، ومع ضعفه؛ يكتب حديثه".

 

(11/218)

 

 

والحسن بن ذكوان من رجال البخاري؛ لكن فيه كلام من قبل حفظه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله:

"صدوق يخطىء".

وقد تابعه من هو أسوأ حالاً منه، وهو أيوب بن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال:

"جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"سل واستفهم". فقال: يا رسول الله! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به، وعملت مثلما عملت به؛ إني لكائن معك في الجنة؟ قال:

"نعم". ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"والذي نفسي بيده! إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام".

ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث بتقديم وتأخير، فقال رجل: كيف يهلك بعد هذا يا رسول الله؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل؛ لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النعمة من نعم الله، فيكاد أن يستنفد ذلك كله؛ إلا أن يتطاول الله برحمته".

ونزلت هذه السورة: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) إلى قوله: (نعيماً وملكاً كبيراً) . قال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

 

(11/219)

 

 

"نعم". فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدليه في حفرته بيده.

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1581) .

قلت: وأيوب هذا؛ ضعفه الجمهور. ولذلك؛ جزم بضعفه الحافظ في "التقريب". وساق له الذهبي حديثين، أحدهما قال فيه:

"وهذا باطل". والآخر؛ هذا؛ لكنه جعل مكان ابن عمر: ابن عباس؛ ثم قال:

"هذا منكر غير صحيح".

لكن يبدو أنه لم يتفرد بهذا السياق؛ فقد رواه سويد بن عبد العزيز: حدثني أبو عبد الله النجراني عن الحسن بن ذكوان به.

أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/ 396/ 2 و 18/ 164/ 1) .

وسويد بن عبد العزيز لين الحديث؛ كما في "التقريب". وقال الذهبي:

"بل هو واه جداً".

5130 - (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله وأتوب إليه؛ من قالها كتبت كما قالها، ثم علقت بالعرش، لا يمحوها ذنب عمله صاحبها، حتى يلقى الله يوم القيامة وهي مختومة كما قالها) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (298 - زوائده) عن يحيى بن عمرو

 

(11/220)

 

 

ابن مالك عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ يحيى؛ قال الذهبي:

"ضعفه أبو داود وغيره، ورماه حماد بن زيد بالكذب".

ثم ساق له بهذا الإسناد ثلاثة أحاديث؛ صرح بأنها من مناكيره.

وبه أعله المنذري (2/ 244) ، ثم الهيثمي (10/ 94) .

5131 - (إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه: قبر أمي آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها، فأذن لي، فستأذنته في الاستغفار لها؛ فلم يأذن لي، ونزل علي: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) حتى ختم الآية، (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) ؛ فأخذني ما يأخذ الولد لوالده من الرقة، فذلك الذي أبكاني) .

ضعيف

أخرجه ابن حبان (792 - موارد) ، والحاكم (2/ 336) عن ابن جريج عن أيوب بن هانىء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر في المقابر، وخرجنا معه، فأمرنا، فجلسنا، ثم تخطى القبور، حتى انتهى إلى قبر منها، فناجاه طويلاً، ثم ارتفع نحيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باكياً، فبكينا لبكائه، ثم أقبل إلينا، فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! ما الذي أبكاك؛ فقد بكانا وأفزعنا؟! فجاء فجلس إلينا، فقال:

"أفزعكم بكائي؟ "، فقلنا: نعم يا رسول الله! فقال: ... فذكره.

 

(11/221)

 

 

وقال الحاكم:

"صحيح على شرطهما"!!

قلت: ورده الذهبي بقوله:

"قلت: أيوب بن هانىء ضعفه ابن معين". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق فيه لين".

قلت: لم يرو عنه غير ابن جريج. وكأنه لذلك قال ابن عدي في "الكامل" (ق 19/ 2) :

"لا أعرفه".

قلت: وفي الحديث نكارة ظاهرة، وهي نزول الآيتين: (ما كان للنبي والذين آمنوا ... ) إلى آخرهما في زيارته - صلى الله عليه وسلم - لقبر أمه! والمحفوظ أنهما نزلتا في موت عمه أبي طالب مشركاً، وفي ذلك أحاديث كثيرة سردها السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 282-284) ، وأحدها في "صحيح البخاري" (3/ 255،305-306) ، و "صحيح مسلم" (1/ 40) وغيرهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه.

نعم؛ قد رويت القصة من حديث إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً نحوه؛ وفيه:

"ولكن نزلت على قبر أمي، فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة؛ فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها، وهي أمي، فبكيت، ثم جاءني جبريل عليه السلام فقال: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة إياه فلما تبين

 

(11/222)

 

 

له أنه عدو لله تبرأ منه) ؛ فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي أمي ... ".

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 145/ 1-2) ، وابن مردويه أيضاً؛ كما في "الدر" للسيوطي - وسكت عنه -، وهو من عجائبه! فإنه ساق قبله من رواية ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس قال:

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر لأبيه، فنهاه الله عن ذلك، قال:

"فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه؟! "، فنزلت ... فذكر الآية. فقال السيوطي:

"قلت: إن هذا الأثر ضعيف معلول؛ فإن عطية ضعيف".

قلت: فهلا بادرت إلى تضعيف الذي قبله؟! وهو أولى بذلك؛ لأن إسحاق ابن عبد الله بن كيسان ضعيف جداً، وأباه ضعيف!

فتأمل الفرق بينه وبين الحافظ ابن كثير وقد عقب عليه بقوله:

"وهذا حديث غريب، وسياق عجيب، وأغرب منه وأشد نكارة: ما رواه الخطيب البغدادي في "كتاب السابق واللاحق" بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة: أن الله أحيا أمه فآمنت، ثم عادت، وكذلك ما رواه السهيلي في "الروض" بسند فيه جماعة مجهولون: أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية: هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع؛ قال الله تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفار) ... ".

وأما قوله في حديث الترجمة:

"وإني أستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، فاستأذنته في الاستغفار لها فلم

 

(11/223)

 

 

يأذن لي".

فهو صحيح ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من رواية جمع من الصحابة رضي الله عنهم، وقد خرجته من حديث أبي هريرة وبريدة في "أحكام الجنائز وبدعها" (ص 187-188) .

5132 - (يا أبا المنذر! قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك،وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، مئة مرة في كل يوم؛ فإنك يومئذ أفضل الناس عملاً؛ إلا من قال مثل ما قلت، وأكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها سيد الاستغفار، وإنها ممحاة للخطايا - أحسبه قال - موجبة للجنة) .

ضعيف جداً

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 296 - زوائده) : حدثنا عباد بن أحمد العرزمي: حدثنا عمي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن جابر عن أبي مجالد عن زيد بن وهب عن أبي المنذر الجهني قال:

قلت: يا نبي الله! علمني أفضل الكلام؟ قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالمتروكين:

الأول: جابر - وهو ابن يزيد الجعفي -، فقد كذب؛ كما تقدم مراراً.

الثاني: عبد الرحمن - وهو ابن محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي -؛ قال الذهبي:

"ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: ليس بقوي".

 

(11/224)

 

 

قلت: الدارقطني صرح بأنه متروك كما يأتي قريباً.

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات" وقال:

"يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه"!

الثالث: ولده محمد بن عبد الرحمن؛ قال الذهبي:

"قال الدارقطني: متروك الحديث؛ هو وأبوه وجده".

قلت: وقرأت في "جزء مسائل أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه" (ق 3/ 1) (1) :

"سمعت أبي يقول: ذكرت لأبي نعيم (يعني: الفضل بن دكين) عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي؟ فقال:

كان هؤلاء أهل بيت يتوارثون الضعف قرناً بعد قرن".

الرابع: ابن أخيه: عباد بن أحمد العرزمي؛ قال الذهبي:

"قال الدارقطني: متروك".

قلت: وأما أبو مجالد شيخ جابر بن يزيد؛ فلم أعرفه، وكذا وقع في "أسد الغابة" (5/ 306) ! لكن وقع في "الإصابة" (8/ 182) :

"ابن أبي المجالد"، ولعله الصواب؛ ففي الرواة: عبد الله بن أبي المجالد الكوفي، وهو ثقة مترجم في "التهذيب".

__________

(1) مخطوط بخط الحافظ ابن عساكر وروايته. (الناشر)

 

(11/225)

 

 

قلت: ومن هذا التحقيق؛ يتبين لك تساهل المنذري (2/ 250) ، ثم الهيثمي (10/ 86 و 88) ؛ بإعلالها الحديث بجابر الجعفي من رواية البزار ذاته!

وأما قول ابن عبد البر في ترجمة أبي المنذر الجهني - بعد أن ذكر طرفاً من أول الحديث في "الاستيعاب" (4/ 1761) -:

"فذكر حديثاً حسناً في فضل الذكر"!

فهو إنما يعني حسناً في المعنى، لا إسناداً، وله مثل هذا غير قليل من الأمثلة؛ ولا مجال الآن لذكرها.

5133 - (من قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ كتب له بكل حرف عشر حسنات) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 201/ 2) و "الأوسط" (7/ 253-254) : حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة البصري: أخبرنا محمد بن منصور الطوسي: أخبرنا أبو الجواب: أخبرنا عمار بن رزيق عن فطر بن خليفة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الخراساني عن حمران قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أن عطاء الخراساني - وهو ابن أبي مسلم -؛ ضعفه البخاري وغيره. وقال شعبة:

"كان نسياً". ولذلك قال الحافظ:

"صدوق، يهم كثيراً، ويرسل، ويدلس".

وأما الطوسي؛ فليس من رجال مسلم، ولكنه ثقة.

 

(11/226)

 

 

وأما ابن شيبة البصري؛ فكذلك، ولكنه لم يوثقه أحد، وقد روى عنه النسائي أيضاً في "حديث مالك". وقال الحافظ فيه:

"مقبول".

قلت: ولعله قد توبع؛ فقد قال المنذري في "الترغيب" (2/ 250) :

"رواه ابن أبي الدنيا بإسناد لا بأس به"!

قلت: فإن ابن أبي الدنيا من طبقة من يروي عن الطوسي. والله أعلم.

وأما قوله: "بإسناد لا بأس به"؛ فقد تبين لك مما سبق أن الأمر ليس كذلك، وهذت إذا كان إسناد ابن أبي الدنيا من طريق الخراساني، وهو ما أرجحه. والله أعلم.

ونحو قول المنذري ما في "المجمع" (10/ 91) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، ورجالهما رجال "الصحيح"؛ غير محمد بن منصور الطوسي؛ وهو ثقة"!

ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (10/ 219) .

5134 - (من قرأ في ليلة: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) ؛ كان له نوراً من (أبين) إلى (مكة) ، حشوة الملائكة) .

ضعيف

أخرجه البزار (ص 303 - زوائده) ، والحاكم (2/ 371) عن النضر بن شميل: حدثني أبو قرة الأسدي قال: سمعت سعيد بن المسيب

 

(11/227)

 

 

يحدث عن عمر بن الخطاب مرفوعاً به. وقال البزار:

"لا نعلمه مرفوعً إلا عن عمر بهذا الإسناد". وقال الهيثمي - عقبه -:

"وأبو قرة؛ تفرد عنه النضر". وقال الحافظ - عقبه -:

"قلت: قد وثق، وصح سماع سعيد من عمر"!

وأقول: لم أدر أحداً وثقه، وقد ترجمه الحافظ في "التهذيب"، ولم يحك عن أحد توثيقه، بل قال:

"قلت: وأخرج ابن خزيمة حديثه في "صحيحه"، وقال: لا أعرفه بعدالة ولا جرح".

فإن كان هناك من وثقه؛ فهو من المتساهلين كابن حبان، فلا جرم أن الحافظ نفسه لم يقم وزناً لمثل هذا التوثيق؛ فإنه قال في ترجمته من "التقريب":

"من أهل البادية، مجهول".

وسبقه إلى ذلك الذهبي في "الميزان"، وقال - تبعاً للمنذري في "الترغيب" (2/ 258) -:

"تفرد عنه النضر بن شميل".

وأما الحاكم؛ فقال عقبه:

"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: أبو قرة فيه جهالة، ولم يضعف". وقال الحافظ ابن كثير - بعدما عزاه

 

(11/228)

 

 

للبزار بإسناده -:

"غريب جداً".

5135 - (من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة؛ كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 131-132) : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي: أخبرنا كثير بن يحيى: أخبرنا حفص بن عمر الرقاشي: أخبرنا عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده مرفوعاً.

قلت: وهو إسناد ضعيف عندي، وإن حسنه المنذري (2/ 261) ، وتبعه الهيثمي (10/ 102) ؛ فإن حفص بن عمر الرقاشي لم أجد من ترجمه (1) ، وقد ذكره الحافظ في الرواة عن عبد الله بن حسن بن حسن، وذكر أنه مولاه، ولم ينسبه، ولم يورده السمعاني في "الأنساب".

ويحتمل - على بعد - أن يكون الذي في "تاريخ البخاري" (1/ 2/ 365) ، و "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 177) :

"حفص بن عمر مولى علي بن أبي طالب الهاشمي. سمع علي بن حسين. روى عنه أبو علقمة الفروي".

قلت: فإن يكن هو؛ فهو مجهول الحال.

وكثير بن يحيى؛ هو أبو مالك البصري؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 2/ 158) :

__________

(1) ذكره الشيخ المؤلف - رحمه الله - في " الإرواء " (3 / 243) . (الناشر)

 

(11/229)

 

 

"روى عنه أبي وأبو زرعة، سألت أبي عنه؟ فقال: محله الصدق، وكان يتشيع، وقال أبو زرعة: صدوق". لكن قال الذهبي:

"نهى عباس العنبري الناس عن الأخذ عنه"!

قلت: ولعل ذلك لتشيعه. والله أعلم.

والحديث؛ قال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/ 154/ 2) - بعدما ساق إسناده من طريق الطبراني -:

"حديث غريب، وفي سنده ضعف".

لكنه قال: عن الطبراني عن محمد بن حيان بن علي المازني: حدثنا كثير بن يحيى به!!

وهو في "المعجم" - كما رأيت - من روايته عن إبراهيم بن هاشم البغوي: أخبرنا كثير بن يحيى ... فلعل في نسخة "النتائج" خطأ، أو هو في مسودتي، وليست نسخة "النتائج" في متناول يدي الآن؛ فإنها من مخطوطات المكتبة المحمودية في المدينةالمنورة.

ثم رأيت الحديث في كتاب "الدعاء" للطبراني (2/ 674) : حدثنا إبراهيم ابن هاشم البغوي ومحمد بن حيان المازني: حدثنا كثير بن يحيى صاحب البصري ... إلخ.

فهذا يبين أن الحافظ نقله عن كتاب الطبراني هذا، وليس عن "المعجم الكبير".

والحديث؛ حسن إسناده المنذري في "الترغيب" (2/ 261) ، والهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 102) .

 

(11/230)

 

 

وقلدهما المعلق على كتاب "الدعاء"؛ وتعقب تضعيف الحافظ المذكور بقوله:

"لم أقف على ضعف في إسناده؛ سوى كثير بن يحيى ... "!!

قلت: وفاته جهالة حال حفص بن عمر الرقاشي. والله أعلم.

لكن الحديث صحيح بلفظ:

" ... لم يحل بيه وبين دخول الجنة إلا الموت".

وقد تقدم تخريجه في "الصحيحة" (972) . فلا تغتر ببعض من يصرح بضعفه من المعاصرين، ولا بالشيخ الغماري الذي أورد حديث الترجمة في كتابه الذي أسماه "الكنز الثمين" (رقم 3868) ؛ فإنه مقلد متجمهد! بل ويزعم أنه مجدد القرن الرابع عشر!

5136 - (من قال في دبر الصلاة: سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ قام مغفوراً له) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 299 - زوائده) : حدثنا نصر بن علي: حدثنا خلف بن عقبة: حدثنا أبو الزهراء عن أنس مرفوعاً. وقال - هو أو الهيثمي -:

"أبو الزهراء غير معروف".

ونحوه في "المجمع" (10/ 103) ؛ وزاد:

"وبقية رجاله ثقات". وقال المنذري (2/ 262) :

" ... وسده إلى أبي الزهراء جيد، وأبو الزهراء لا أعرفه".

 

(11/231)

 

 

قلت: أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 375) بهذا الحديث ووصفه بأه خادم أنس، وقال:

"روى عنه خلف (1) بن عقبة القشيري"، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأورد خلفاً هذا (1/ 2/ 371) بهذه الرواية، ولم يذكر فيه أيضاً جرحاً ولا تعديلاً. ولعله في "ثقات ابن حبان"؛ لتوثيق الهيثمي وتجويد المنذري المتقدمين. والله أعلم.

ومن الوجه المتقدم: أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص 35 رقم 129) .

5137 - (نزل عليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إن سرك أن تعبد الله ليلة حق عبادته؛ فقل: اللهم! لك الحمد حمداً خالداً مع خلودك، ولك الحمد دائماً لا منتهى له دون مشيئتك، وعند كل طرفة عين وتنفس) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 437 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 95/ 4389) من طريقي عن منجاب بن الحارث: حدثنا علي بن الصلت العامري عن عبد الله بن شريك عن بشر ابن غالب عن علي مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به منجاب".

قلت: هو ثقة من رجال مسلم. وإنما العلة من شيخه علي بن الصلت

__________

(1) الأصل (خالد) ! وهو خطأ مطبعي

 

(11/232)

 

 

العامري؛ فإنه غير معروف، فقال الهيثمي (10/ 97) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفيه علي بن الصلت، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

وعزاه المنذري (2/ 259) لأبي الشيخ بن حيان - أيضاً - نحوه؛ وقال:

"وفي إسنادهما علي بن الصلت العامري، لا يحضرني حاله".

قلت: ويحتمل - على بعد - أنه الذي في "الجرح والتعديل" (3/ 190) :

"علي بن الصلت. روى عن أبي أيوب. روى عنه المسيب بن رافع".

قلت: المسيب تابعي معروف، روى عن بعض الصحابة وكبار التابعين، فمن المستبعد أن يكون هو هذا الذي روى عنه منجاب بن الحارث، ومنجاب من الطبقة العاشرة مات سنة (231) .

وقال الناجي في "عجالته" - تعليقاً على قول المنذري السابق -:

"ذكره ابن حبان في "الثقات". وأما ابن خزيمة فقال في "صحيحه": لا أعرفه، ولا أدري لقي أبا أيوب أو لا؟! .. قال: ولا يحتج بمثل هذه الأسانيد إلا معاند أو جاهل"!

قلت: ذكر هذا ابن خزيمة في حديث آخر معلق في "صحيحه" (2/ 222) من روايته عن أبي أيوب الأنصاري.

وإنما استبعدت أن يكون هو هذا؛ لأنه دون هذا في الطبقة، وتأكدت من ذلك حينما رأيت ابن حباب ذكره في طبقة التابعين من "ثقاته" (5/ 163) ولم

 

(11/233)

 

 

ينسبه عامرياً، وكذا هو في "تاريخ البخاري"، و "الجرح والتعديل".

ثم إن حديث ابن خزيمة وصله جماعة خرجتهم في "صحيح أبي داود" (1161) .

5138 - (نزل علي جبريل فقال: إن خير الدعاء أن تقول في صلاتك: اللهم! لك الحمد كله، ولك الملك كله، ولك الخلق كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله) .

موضوع

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 97/ 4000) ، وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني" (7/ 2 رقم الحديث: 7) من طريق خالد ابن يزيد العمري عن ابن أبي ذئب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري:

أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله! أي الدعاء خير؛ أدعو به في صلاتي؟ قال عليه السلام: ... فذكره. وقال البيهقي:

"تفرد به خالد العمري".

قلت: وهذا موضوع، آفته العمري؛ كذبه أبو حاتم. وقال ابن حبان:

"يروي الموضوعات عن الأثبات".

والحديث؛ عزاه المنذري (2/ 254) للبيهقي، وأشار لضعفه!

وتبعه المعلقون الثلاثة؛ لجهلهم بحال خالد العمري؛ مع أنهم قلوا عن البيهقي قوله بتفرد العمري به، وسكتوا عنه!!

 

(11/234)

 

 

5139 - (يا خالد بن الوليد! ألا أعلمك كلمات تقولهن، [لا تقولهن] ثلاث مرات حتى يذهب الله ذلك عنك؟! قال: بلى يا رسول الله! بأبي أنت وأمي؛ فإنما شكوت ذلك إليك رجاء هذا منك. قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) .

موضوع

رواه الطبراني في "الأوسط" (4/ 441 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة:

حدث خالد بن الوليد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهاويل يراها بالليل، حالت بينه وبين صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ... فذكره. قالت عائشة: فلم ألبث إلا ليالي حتى جاء خالد بن الوليد فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي؛ والذي بعثك بالحق! ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات؛ حتى أذهب الله عني ما كنت أجد، ما أبالي لو دخلت على أسد في حبسه بليل.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته الحكم بن عبد الله الأيلي؛ قال أحمد:

"أحاديثه موضوعة". وقال أبو حاتم، وابن أبي الحواري:

"كذاب".

وتركه جماعة، وضعفه آخرون؛ فلا جرم أن أشار المنذري (2/ 263) إلى تضعيف الحديث. وأعله به الهيثمي فقال (10/ 127) :

"وفيه الحكم بن عبد الله الأيلي، وهو متروك".

 

(11/235)

 

 

والدعاء المذكور في حديث الترجمة؛ قد روي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومن حديث غيره، فهو ثابت.

5140 - (ما من عبد يقول: لا إله إلا الله والله أكبر؛ إلا أعتق الله ربعه من النار، فإن قالها مرتين؛ أعتق نصفه من النار، فإن قالها ثلاثاً؛ أعتق ثلاثة أرباعه من النار، فإن قالها أربعاً؛ أعتقه الله من النار) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 435 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال: حدثنا مقدام بن داود: حدثنا أسد بن موسى: حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن زيد بن أرطأة عن أبي الدرداء مرفوعاً، وقال:

"لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بكر".

قلت: وهو ضعيف مختلط. ولذلك؛ أشار المنذري في "الترغيب" (2/ 250) إلى تضعيفه. وبه أعله الهيثمي فقال (10/ 87) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيهما أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف".

قلت: والمقدام بن داود؛ قال النسائي:

"ليس بثقة". وقال ابن يونس وغيره:

"تكلموا فيه".

 

(11/236)

 

 

5141 - (من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه؛ صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر

 

(11/236)

 

 

حسنات، ومحا عنه عشر سيئات) .

ضعيف بهذا التمام

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 307 - زوائده) ، وكذا النسائي في "عمل اليوم والليلة" (65) ، والطبراني في "الكبير" [22/ 195/ 513] من طريق سعيد بن أبي جعفر أبي الصباح عن سعيد بن عمير عن أبي بردة بن نيار مرفوعاً به. واللفظ للنسائي.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة سعيد بن عمير والراوي عنه سعيد بن أبي جعفر أبي الصباح (1) ، وأبو جعفر والد سعيد اسمه سعيد أيضاً، وهو ثعلبي، وقيل: تغلبي؛ قال الذهبي:

"ضعفه الأزدي، وقال ابن حبان (يعني في "الثقات") :

أخذ عنه وكيع". وقال الحافظ:

"مقبول"؛ يعني: عند المتابعة، وكذا قال في شيخه سعيد بن عمير، ووثقه ابن حبان أيضاً ‍‍‍!

وروى ابن عدي في "الكامل" (ق 182/ 2) عن ابن معين أنه قال:

"لا أعرفه". وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان":

"انفرد سعيد بن سعيد التغلبي عن سعيد بن عمير عن ابن عمر بحديث: يا علي! أنا أخوك في الدنيا والآخرة. وهذا موضوع".

قلت: يشير إلى أحدهما هو المتهم بوضعه، فحري بإسناد يدور عليهما أن

__________

(1) قد وثقهما الشيخ - رحمه الله - في " الصحيحة " (3360) ، بل ونقل حديثهما هذا هناك. فلعل الشيخ أراد حذفه من هنا ونسي، ويؤيد هذا أن رقم هذا الحديث مكرر. والله أعلم. (الناشر)

 

(11/237)

 

 

لا يوثق به.

فمن تساهل المنذري في "الترغيب" (2/ 278) : أن لا يشير إلى تضعيف الحديث! وأسوأ من ذلك قول الهيثمي (10/ 162) :

"رواه البزار، ورجاله ثقات"!

وإنما يصح من الحديث قوله:

"من صلى علي واحدة؛ صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات".

وهو مخرج في "المشكاة" (902) ؛ وانظر "الترغيب" (2/ 277،279) .

5141/ م - (من صلى علي؛ بلغتني صلاته، وصليت عليه، وكتب له سوى ذلك عشر حسنات) (1) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 448 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال: حدثنا أحمد: حدثنا إسحاق: حدثنا محمد بن سليمان بن أبي داود: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن أبي جعفر إلا محمد بن سليمان".

قلت: وهو صدوق؛ كما في "التقريب".

لكن العلة من شيخه أبي جعفر الرازي؛ فإنه صدوق سيىء الحفظ.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا متن هذا الحديث: " راجع ترجمة إسحاق بن راهويه في (المزي) ". (الناشر)

 

(11/238)

 

 

وقول الهيثمي (10/ 162-163) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه راو لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!!

فأقول: فيه أمران:

الأول: أن أبا جعفر الرازي لا يصح أن يطلق عليه أنه ثقة؛ لأنه مختلف فيه من جهة، ولأن الراجح فيه ما ذكرته آنفاً من جهة أخرى، وهو قول الحافظ الفسوي قديماً، والعسقلاني حديثاً.

والآخر: أن الراوي الذي لم يعرفه - وهو إسحاق -؛ إنما هو إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه، أو إسحاق بن زيد الخطابي؛ فقد ذكرهما ابن أبي حاتم (3/ 2/ 267) في الرواة عن محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني.

فإن كان الأول؛ فهو ثقة إمام، وهو من شيوخ الشيخين.

وإن كان الآخر؛ فقد ترجمه ابن أبي حاتم (1/ 1/ 220) برواية أبيه عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

5142 - (من صلى على محمد وقال: اللهم! أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة؛ وجبت له شفاعتي) .

ضعيف

أخرجه أحمد (4/ 108) ، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (رقم: 53) ، وكذا ابن أبي عاصم (59/ 78) ، والبزار (4/ 45/ 3157) ، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 280) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ 13-14/ 4480،4481) و "الأوسط" (1/ 187/ 1/ 3428 - بترقيمي) من طرق عن ابن لهيعة قال:

 

(11/239)

 

 

حدثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء [بن شريح] الحضرمي عن رويفع ابن ثابت الأنصاري مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لا يروى عن رويفع إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة".

قلت: هو سيىء الحفظ؛ إلا فيما رواه عنه أحد العبادلة، ومنهم أبو عبد الرحمن المقري عبد الله بن يزيد: عند الطبراني في "الكبير" بالرقم الثاني بسند صحيح عنه؛ لكن ذكر فيه (ابن هبيرة) مكان (بكر بن سوادة) ، ولا يضر؛ فإنه ثقة من رجال مسلم مثل (بكر) ، واسمه (عبد الله بن هبيرة) .

وكذلك شيخهما (زياد بن نعيم) ثقة أيضاً، وهو (زياد بن ربيعة بن نعيم الحضرمي) .

فالعلة: (وفاء بن شريح الحضرمي) ؛ بيض له الذهبي في "الكاشف". وقال الحافظ في "التقريب":

"مقبول".

قلت: وذلك؛ لأنه لم يوثقه غير ابن حبان (5/ 497) ، ولم يذكر البخاري راوياً عنه غير زياد بن نعيم هذا، وقرن معه ابن أبي حاتم وابن حبان: (بكر بن سوادة) ، وساق له حديثاً من رواية عمرو بن الحارث عن بكر عن وفاء عن سهل ابن سعد.

وهو مخرج في "الصحيحة" شاهداً تحت الحديث (259) ، وقد سقط (بكر) هذا من إسناد "الثقات"، وهو ثابت في "صحيح ابن حبان" (1786) .

 

(11/240)

 

 

وأنت ترى أن بكراً إنما روى في حديث الترجمة عن (وفاء) بواسطة (زياد بن نعيم) ؛ فأخشى أن يكون سقط أيضاً (زياد) هذا من إسناد حديث (سهل بن سعد) ، فإن كان كذلك؛ فيكون (وفاء) مجهول العين، وإلا؛ فهو مجهول الحال. وهو - على كل الأحوال - علة هذا الحديث. والله أعلم.

تنبيهات:

1- قال المنذري في "الترغيب" (2/ 282) :

"رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وبعض أسانيدهم حسن"! يشير إلى رواية عبد الله بن يزيد المقرىء.

ونحوه في "مجمع الزوائد" للهيثمي (10/ 163) !

قلت: وهذا منهما اعتداد بتوثيق ابن حبان لـ (وفاء) ! وقد عرفت ما فيه.

2- وغفل الحافظ الناجي عن اعتداد المنذري المذكور، فتعقبه بقوله في "عجالته" (ق 127/ 2) :

"كيف يكون السند حسناً ومداره على (ابن لهيعة) ؛ وحاله مشهور؟! "!!

فكان عليه أن يتنبه للاستثناء المذكور، وأن ينبه على جهالة (وفاء) المزبور!

3- وتبع الهيثمي على التحسين والاعتداد المذكور: المعلق على "مجمع البحرين" (8/ 26) ؛ فإنه أقره عليه، بل وأيده؛ فإنه - بعد أن ذكر أن ابن لهيعة مختلط - استدرك بأن رواية (المقرىء) عنه قبل الاختلاط، وعليه قال:

"فالحديث حسن"!

 

(11/241)

 

 

فغفل أيضاً عن جهالة (وفاء) !

4- (وفاء) : هذا هو الصواب بالفاء، وكذلك هو في أكثر كتب التراجم والروايات. ووقع في "الجرح" و "الثقات": (وقاء) بالقاف! وهو خطأ؛ كما حققته في "تيسير الانتفاع".

ووقع في مصورة "الأوسط": (رقا) ! وفي مطبوعته (4/ 174/ 3309) : (ورقاء) !

5- سقط رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب "فضل الصلاة" لابن أبي عاصم؛ خلافاً لكل الطرق عن ابن لهيعة، واستظهر محققه الفاضل الأخ حمدي السلفي أنه من الناسخ. ويؤيده أنه فيه من رواية (عبد الغفار بن داود) عنه، وهي عند البزار مرفوعة مع غيره من المتابعين له، ولذلك كنت أود لو أنه جعل قوله الصريح في الرفع: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" بين معكوفتين [] ؛ مع التنبيه على ذلك في الحاشية.

5142/ م - (ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة؛ يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر) .

ضعيف بهذا التمام

أخرجه الترمذي (1/ 146) ، وابن ماجه (1728) ، وابن مخلد في "المنتقى من أحاديثه" (2/ 83/ 1) ، وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه" (92/ 1) ، والبغوي في "شرح السنة" (ق 129/ 1) ، والقاضي أبو يعلى في "المجالس الستة" (ق 116/ 2،128/ 1) من طريق مسعود بن واصل عن نهاس بن قهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي

 

(11/242)

 

 

هريرة مرفوعاً به. وقال الترمذي - مضعفاً -:

"هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس. وسألت محمداً (يعني: الإمام البخاري) عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم".

قلت: وقد اتفقوا على تضعيفه.

ونحوه مسعود بن واصل؛ إلا أن ابن حبان أورده في "الثقات"؛ لكنه قال:

"ربما أغرب". ولذلك؛ قال البغوي عقب الحديث:

"وإسناده ضعيف".

ثم ذكر الترمذي عن البخاري أنه قال:

"قد روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً شيئاً من هذا".

قلت: بل قد روي موصولاً، أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ص 100-101/ مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق إسماعيل بن بشر: أخبرنا مقاتل بن إبراهيم: أخبرنا عثمان بن عبد الله عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به.

لكن مقاتلاً هذا وعثمان بن عبد الله لم أعرفهما.

ثم روى الأصبهاني من طريق حرمي بن عمارة: حدثني هارون بن موسى قال: سمعت الحسن يحدث عن أنس قال:

كان يقال في أيام العشر: لكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم. قال:

 

(11/243)

 

 

يعني: في الفضل.

قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون؛ لكن الحسن - وهو البصري - مدلس؛ وقد عنعنه.

نعم؛ قد قال المنذري في "الترغيب" (2/ 125) :

"رواه البيهقي والأصبهاني، وإسناد البيهقي لا بأس به".

فهذا صريح في المغايرة بين إسناد البيهقي وإسناد الأصبهاني؛ فإن كان يعني أنها من غير طريق الحسن البصري؛ فممكن، وإلا؛ فالإسناد لا يخلو من بأس.

واعلم أنني خرجت الحديث هنا من أجل الشطر الثاني منه، وإلا؛ فشطره الأول صحيح؛ جاء من حديث ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمرو، وهو مخرج في "إرواء الغليل" (890) .

5143 - (ذروة سنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله، لا يناله إلا أفضلهم) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (ق 75/ 2) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: علي بن يزيد: هو الدمشقي الألهاني، وهو ضعيف.

والأخرى: عثمان بن أبي العاتكة؛ قال الحافظ:

"ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني".

 

(11/244)

 

 

ولذلك؛ أشار المنذري في "الترغيب" (2/ 176) إلى تضعيف الحديث. وقال الهيثمي (5/ 274) :

"رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد، وهو ضعيف".

قلت: والحديث صحيح؛ دون قوله: "لا يناله إلا أفضلهم"؛ فقد أخرجه أحمد (5/ 231،234،235،237،245-246) من طرق عن معاذ بن جبل مرفوعاً به.

وهو عند الترمذي وغيره في قصة مسير معاذ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله - صلى الله عليه وسلم - له: "لقد سألتني عن عظيم ... " الحديث بطوله، وصححه الترمذي وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (412) وغيره.

5144 - (كل عين باكية يوم القيامة؛ إلا عين غضت عن محارم الله، وعين سهرت في سبيل الله، وعين خرج منها رأس الذباب من خشية الله عز وجل) (1) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ص 130 - مصورة الجامعة) من طريق داود بن عطاء المديني: حدثني عمر بن صهبان: حدثني صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: عمر بن صبهان - وهو أبو جعفر المدني -؛ قال الحافظ:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق متن هذا الحديث: " تقدم برقم (1562) ". (الناشر)

 

(11/245)

 

 

"ضعيف".

والأخرى: داود بن عطاء المدني؛ ضعيف أيضاً.

لكنه قد توبع؛ فقال ابن أبي عاصم في "الجهاد" (ق 86/ 2) ، والبزار (1659 - الكشف) : حدثنا صاحب لنا كان ينسب إلى حفظ الحديث (1) : حدثنا عمر بن سهل المازني عن عمر بن صبهان به.

قلت: وعمر بن سهل المازني فيه ضعف؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء".

والحديث له طرق ليس فيها: "مثل رأس الذباب.."، ولذلك؛ خرجته بدونها في "الصحيحة"، مخرجاً طرقه هناك (2673) .

5145 - (إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله؛ تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عذق النخلة) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الكبير" (6/ 288-289) ؛ و "الأوسط" (2/ 224 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 367) عن عمرو بن حصين العقيلي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الأعمش عن أبي وائل عن سلما مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن الأعمش إلا عبد العزيز، تفرد به عمرو".

قلت: وهو متروك، كذبه الخطيب؛ كما تقدم مراراً تحت الأرقام (41، 382،425) .

__________

(1) سمى البزار شيخه (عبد الله بن شبيب) ، ولعله الذي أبهمه ابن أبي عاصم. (الناشر)

 

(11/246)

 

 

وقد روي موقوفاً: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 286، 303) بسند صحيح عن أبي وائل عن سلمة بن سبرة عن سلمان قال: ... فذكره موقوفاً عليه.

لكن سلمة بن سبرة لا يعرف إلا بهذه الرواية؛ فهو مجهول، وإن وثقه ابن حبان.

5146 - (الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة: آخر ساعة من يوم الجمعة يوم غروب الشمس أغفل ما يكون الناس) .

موضوع

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (233 - 234/ مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد بن أحمد بن راشد: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله المصيصي: أخبرنا حجاج بن محمد: أخبرنا أبو غسان محمد بن مطرف عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته المصيصي هذا؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 116 - دار الوعي) :

"يسوي الحديث، ويسرقه، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، يقلب حديث الزبيدي عن الزهري على الأوزاعي، وحديث الأوزاعي على مالك، وحديث زياد بن سعد على يعقوب بن عطاء، وما يشبه هذا". وقال الذهبي في أول ترجمته:

"أحد المتروكين".

 

(11/247)

 

 

ثم ساق له أحاديث منكرة، رواها له ابن حبان، ثم قال في آخرها:

"قلت: هذا رجل كذاب، قال الحاكم: أحاديثه موضوعة".

(فائدة) : قال الحافظ - عقب ما نقلته عن ابن حبان آنفاً -:

"ومعنى تسوية الحديث: أنه يحذف من الإسناد من فيه مقال، وهذا يطلق عليه تدليس التسوية".

5147 - (من طلب الدنيا بعمل الآخرة؛ طمس وجهه، ومحق ذكره، وأثبت اسمه في النار) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (2/ 268/ 2128) عن نصر بن خالد النحوي: أخبرنا همام بن الضريس عن الهيثم عن الجارود مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالمجهولين؛ الهيثم فمن دونه لم أعرفهم. وقال الهيثمي (10/ 220) :

"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم".

 

(11/248)

 

 

5148 - (من قال: لا إله إلا الله [مخلصاً] ؛ دخل الجنة. قيل: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 3 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن غزوان: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن زيد ابن أرقم مرفوعاً، وقال:

"تفرد به محمد".

 

(11/248)

 

 

قلت: وهو كذاب وضاع؛ قال الذهبي:

"قال الدارقطني وغيره: كان يضع الحديث. وقال ابن عدي: له عن ثقات الناس بواطيل". وقال ابن عدي أيضاً:

"روى عن شريك وحماد بن زيد أحاديث أنكرت عليه، وهو ممن يضع الحديث". وقال الحاكم:

"روى عن مالك وإبراهيم بن سعد أحاديث موضوعة".

ولذلك؛ قال الهيثمي (1/ 18) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، وهو وضاع".

قلت: ولذلك؛ فقد أساء الحافظ المنذري بإيراده هذا الحديث في "الترغيب" (2/ 238) من رواية الطبراني مقتصراً على تصديره إياه بقوله: "روي"؛ الدال على ضعفه فقط! وإن كان ذلك يتفق مع اصطلاحه الذي وضعه في مقدمة الكتاب، ولكنه اصطلاح غير دقيق؛ حيث يشمل الضعيف والموضوع، والتفريق بينهما واجب؛ لا سيما عند الجمهور الذي يرى العمل بالحديث الضعيف - في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب - دون الموضوع، فتأمل!

5149 - (إن صلاة المرابط تعدل خمس مئة صلاة، ونفقة الدينار والدرهم أفضل من سبع مئة دينار في غيره) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (ق 101/ 2) : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة: حدثنا يحيى بن صالح عن جميع بن ثوب عن خالد

 

(11/249)

 

 

ابن معدان عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ رجاله ثقات؛ غير جميع بن ثوب، فهو الآفة؛ قال البخاري والدارقطني وغيرهما:

"منكر الحديث". وقال النسائي:

"متروك الحديث". وقال ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1/ 218) :

"كان يخطىء كثيراً، لا يحتج به إذا انفرد".

والحديث؛ أورده المنذري في "الترغيب" (2/ 164) من رواية البيهقي؛ دون أن يشير إلى تضعيفه!

5150 - (من ترك صلاة متعمداً؛ أحبط الله عمله وبرئت منه ذمة الله؛ حتى يراجع لله توبة) .

ضعيف جداً بتمامه

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب" (ص 477 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق عمرو بن عبد الغفار الفقيمي عن حسن ابن عمرو الفقيمي: حدثنا سعد بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن معمر أبي طوالة الأنصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عمرو بن عبد الغفار؛ قال الذهبي:

"قال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن عدي: اتهم بوضع الحديث".

وذكره العقيلي والساجي والعجلي في "الضعفاء".

 

(11/250)

 

 

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"! وأخرج له الحاكم في "المستدرك"!

وسعد بن سعيد الأنصاري؛ قال الحافظ:

"صدوق سيىء الحفظ".

قلت: وإنما أخرجت الحديث هنا؛ من أجل الزيادة التي في آخره:

"حتى يراجع لله توبة"، وإلا؛ فهو بدونها صحيح؛ له شواهد كثيرة، خرجت بعضها في "الإرواء" (2026) .

5151 - (من سل سخيمته على طريق من طرق المسلمين؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (1) .

ضعيف

رواه الطبراني في "الصغير" (167) و "الأوسط" (1/ 33 مصورة الجامعة) ، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2230) من طريق محمد بن عمرو الأنصاري عن محمد بن سيرين قال:

قال رجل لأبي هريرة أفتيتنا في كل شيء؛ يوشك أن تفتينا في الخراء! فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن ابن سيرين إلا محمد بن عمرو، تفرد به كامل".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات؛ غير الأنصاري هذا؛ وكنيته أبو سهل؛ فإنه ضعيف.

ومن طريقه: أخرجه الحاكم (1/ 186) وصححه، ووافقه الذهبي! فوهما

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " الروض (1142) ". (الناشر)

 

(11/251)

 

 

فقد ضعفه الجمهور، وقال الذهبي نفسه في "الميزان":

"ضعفه يحيى القطان، وابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وضعفه ابن عدي أيضاً. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: ليس يساوي شيئاً".

ونص ابن عدي عقب الحديث:

"وله غير ما ذكرت، وأحاديثه إفرادات، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء".

ولذلك؛ قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 105) :

"وإسناده ضعيف".

لكن قد جاء الحديث مختصراً بلفظ:

"من آذى المسلمين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم".

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 200/ 3050) من طريقين عن شعيب بن بيان: حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن؛ كما قال المنذري في "الترغيب" (1/ 83) ، والهيثمي في "المجمع" (1/ 204) .

وشعيب وعمران؛ فيهما كلام من قبل حفظهما، لا ينزل حديثهما من مرتبة الحسن؛ لا سيما وفي معناه أحاديث أخرى، فانظر "الإرواء" (62) .

(تنبيه) : وقع الحديث في مطبوعة "الكامل" بلفظ: "من تميل بسخينة"!

 

(11/252)

 

 

وهو من التصحيفات والأخطاء الكثيرة التي وقعت فيه من اللجنة المتخصصة!

وبإشراف الناشر! لو أن أحداً ممن لا قيمة لوقته تفرد لتتبعها؛ لكان من ذلك مجلد. والله المستعان!

5152 - (تعوذوا بالله من جب الحزن! قالوا: يا رسول الله! وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم، إن جهنم تتعوذ بالله من شر ذلك الوادي في كل يوم أربع مئة مرة، يلقى فيه الغرارون. قيل: وما الغرارون؟ قال: المراؤون بأعمالهم في الدنيا) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (مصورة الجامعة الإسلامية 4/ 472) من طريق محمد بن ماهان: حدثنا محمد بن الفضل بن عطية عن سليمان التيمي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً، وقال:

"لم يروه عن سليمان إلا محمد بن الفضل، تفرد به محمد بن ماهان".

قلت: وثقه ابن حبان والدارقطني، وإنما الآفة من شيخه محمد بن الفضل بن عطية؛ فإنه متروك متهم؛ كما تقدم مراراً. وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (10/ 389) ، فقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو مجمع على ضعفه".

وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أخرى عن ابن سيرين به نحوه، وقد خرجته وبينت علته فيما مضى برقم (5023) .

 

(11/253)

 

 

5153 - (إذا كان يوم القيامة؛ صارت أمتي ثلاث فرق: فرقة يعبدون الله خالصاً، وفرقة يعبدون الله رياء، وفرقة يعبدون الله ليستأكلوا به الناس.

فإذا جمعهم قال للذي يستأكل الناس: بعزتي وجلالي! ما أردت بعبادتي؟! قال: بعزتك وجلالك! أستأكل به الناس. قال: لم ينفعك ما جمعت شيئاً؛ انطلقوا به إلى النار!

ثم يقول للذي كان يعبده رياءً: بعزتي وجلالي! ما أردت بعبادتي؟! قال: بعزتك وجلالك! أردت به رياء الناس. قال: لم يصعد إلي منه شيء؛ انطلقوا به إلى النار!

ثم يقول للذي كان يعبده خالصاً: بعزتي وجلالي! ما أردت بعبادتي؟! قال: بعزتك وجلالك! أنت أعلم بذلك مني؛ أردت به وجهك وذكرك! قال: صدق عبدي! انطلقوا به إلى الجنة) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 465) ، والأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (ص 29) من طريق عبيد بن إسحاق العطار: حدثنا قطري الخشاب عن عبد الوارث عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وله علتان:

الأولى: عبد الوارث هذا - وهو مولى أنس -؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 74) عن أبيه:

"شيخ". وفي "الميزان":

 

(11/254)

 

 

"ضعفه الدارقطني. وقال الترمذي عن البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: مجهول".

والأخرى: عبيد بن إسحاق العطار؛ قال ابن أبي حاتم (2/ 2/ 401) :

"قال ابن معين: لا شيء. وقال أبي: ما رأينا إلا خيراً، وما كان بذاك الثبت، في حديثه بعض الإنكار". وفي "الميزان" و "اللسان":

"وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن الجارود: يعرف بعطار المطلقات، والأحاديث التي يحدث بها باطلة، وقال البخاري: منكر الحديث".

قلت: ولذلك؛ قال الهيثمي (10/ 222) - بعدما عزاه للطبراني -:

"وفيه عبيد بن إسحاق العطار وهو متروك".

ومع كل ما تقدم من الضعف الشديد في الراويين؛ صدره المنذري (1/ 37) بقوله:

"وعن أنس بن مالك ... "!

5154 - (يؤتى يوم القيامة بصحف مختمة، فتنصب بين يدي الله تعالى، فيقول الله تبارك وتعالى: ألقوا هذا واقبلوا هذا! فتقول الملائكة: وعزتك! ما رأينا إلا خيراً! فيقول الله تعالى: إن هذا كان لغير وجهي، وإني لا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 465 مصورة الجامعة

 

(11/255)

 

 

الإسلامية) ، والأصبهاني في "الترغيب" (ص 35 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي: حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لم يروه عن أبي عمران إلا الحارث".

قلت: قال ابن ابي حاتم (1/ 2/ 81) :

"قال عبد الرحمن بن مهدي: كان من شيوخنا، وما رأيت إلا خيراً. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبي: يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 224) :

"كان شيخاً صالحاً ممن كثر وهمه، حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا".

قلت: وضعفه آخرون، سماهم في "التهذيب"، وقال:

"استشهد به البخاري متابعة في موضعين".

ورمز له أنه من رجال مسلم! فلا أدري أخرج له محتجاً به، أم مقروناً بغيره؟

وأيا ما كان؛ فالرجل ليس في موضع الحجة؛ لسود حفظه. وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في "التقريب":

"صدوق يخطىء".

ومن هذا التحقيق؛ يتبين لك ما في قول المنذري في "الترغيب" (1/ 37) من الإغماض؛ حيث قال - وتبعه الهيثمي (10/ 350) -:

 

(11/256)

 

 

"رواه البزار، والطبراني بإسنادين - رواة أحدهما رواة "الصحيح" -، والبيهقي"!

ثم تبين لي أن في رواية الطبراني خطأ من بعض الناسخين، وأن الراوي هو (الحارث بن غسان) ، كما في رواية الأصبهاني.

وهكذا رواه البزار وغيره؛ كما حققته فيما يأتي برقم (6638) ، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

5155 - (قليل الفقه خير من كثيرالعبادة، وكفى بالمرء فقهاً إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه، إنما الناس رجلان: مؤمن وجاهل، فلا يؤذى المؤمن، ولا يجاور الجاهل) .

ضعيف

أخرجه البخاري في "التاريخ" (1/ 1/ 381/ 1216) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 20 - مصورة الجامعة الإسلامية) و (9/ 318/ 8693) ، وتمام في "الفوائد" (ق 236/ 2) ، وأبو الطيب الحوراني في "جزئه" (ق 70/ 1) ، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 173-174) ، والخطيب في "الموضح" (1/ 239) ، وابن جميع في "معجم الشيوخ" (ص 368) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن إسحاق بن أسيد عن ابن رجاء بن حيوة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن [ابن] رجاء إلا إسحاق، انفرد به الليث". وقال أبو نعيم:

"غريب من حديث رجاء، تفرد به إسحاق بن أسيد، ولم يروه عن رجاء إلا ابنه".

قلت: واسمه: عاصم بن رجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني، وهو حسن

 

(11/257)

 

 

الحديث عندي؛ فإنه لم يجرح بجرح بين؛ بل قال فيه ابن معين:

"صويلح". وقال أبو زرعة:

"لا بأس به". وذكره ابن حبان في "الثقات".

وليس فيه إلا قول الذهبي - بعد أن ساق فيه قول أبي زرعة وابن معين فيه -:

"ويقال: تكلم فيه قتيبة".

قلت: وهذا لو ثبت عن قتيبة؛ لم يكن جرحاً؛ لأنه لم يذكر سببه. ولولا ما أشار إليه ابن معين بقوله: "صويلح" من ضعف يسير؛ لصححت حديثه.

ولعل هذا الذي اخترته رمى إليه الحافظ بقوله في "التقريب":

"صدوق يهم".

لكن الراوي عنه إسحاق بن أسيد ليس فيه توثيق معتبر، وقد قال فيه ابن عدي والحاكم:

"مجهول".

قلت: لكنه مجهول الحال؛ فقد روى عنه جماعة، ذكرهم ابن أبي حاتم (1/ 1/ 213) ، وقال عن أبيه:

"شيخ خراساني، ليس بالمشهور، ولا يشتغل به". وقال الذهبي عقبه:

"قلت: حدث عنه يحيى بن أيوب والليث، وهو جائز الحديث، يكنى أبا عبد الرحمن". وقال الحافظ:

 

(11/258)

 

 

"فيه ضعف".

ولهذا؛ قال المنذري في "الترغيب" (1/ 51) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده إسحاق بن أسيد، وفيه توثيق لين، ورفع هذا الحديث غريب. قال البيهقي (1) : ورويناه صحيحً من قول مطرف ابن عبد الله بن الشخير ... " ثم ذكره.

وأعله الهيثمي بقول أبي حاتم المتقدم في ابن أسيد.

والحديث؛ أخرجه ابن وهب في "مسنده" (8/ 167/ 1) ، - ومن طريقه الخطيب -: أخبرني الليث عن أبي عبد الرحمن الخراساني عن رجاء بن حيوة عن أبيه به.

كذا قال: عن رجاء بن حيوة ... ، فقال عقبه:

"كذا كان في الأصل، والصواب عن ابن رجاء بن حيوة".

قلت: وكذا في "التاريخ".

(تنبيه) : وقع في "الترغيب"، و "المجمع": "عبد الله بن عمر"، والصواب: "عبد الله بن عمرو"؛ كذلك هو في جميع المصادر التي ذكرنا.

5156 - (من جاءه أجله وهو يطلب العلم؛ لقي الله ولم يكن بينه وبين النبيين إلا درجة النبوة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 19 مصورة الجامعة

__________

(1) في " شعب الإيمان " (2 / 264 / 1704) . (الناشر)

 

(11/259)

 

 

الإسلامية) ، وابن عبد البر في "الجامع" (1/ 95) ، والخطيب في "التاريخ" (3/ 78) من طريق العباس بن بكار الضبي: حدثنا محمد بن الجعد القرشي عن الزهري عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن الزهري إلا محمد بن الجعد، تفرد به العباس".

قلت: وهو كذاب؛ كما قال الدارقطني. وساق له الذهبي أباطيل. وساق له العسقلاني خبراً آخر، وقال:

"هذا من وضع العباس".

قلت: هذه هي علة الحديث. وأما الهيثمي؛ فأعله بشيخه؛ فقال في "مجمع الزوائد" (1/ 123) :

"وفيه محمد بن الجعد، وهو متروك"!

قلت: محمد بن الجعد الذي في إسناد هذا الحديث: هو القرشي؛ كما جاء مصرحاً به في الإسناد، وهذا غير محمد بن الجعد الذي يسمى حماداً؛ وهو الهذلي البصري.

والأول؛ قال فيه ابن أبي حاتم (3/ 2/ 223) عن أبيه:

"هو شيخ بصري، ليس بمشهور". وأورده الذهبي في "الميزان"، وقال:

"قال الأزدي: متروك". ثم ساق له هذا الحديث.

وأما حماد بن الجعد؛ فهو معروف، ولكن بالضعف، وهو من رجال "التهذيب".

 

(11/260)

 

 

وللحديث علة أخرى؛ وهي الاضطراب في إسناده؛ فقد علقه ابن عبد البر (1/ 31/ 46) من حديث أبي هريرة وغيره بنحوه، ثم قال:

"وهو مضطرب الإسناد جداً؛ لأن منهم من يجعله عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس، ومنهم من يجعله عن سعيد عن أبي هريرة وأبي ذر، ومنهم من يرسله عن سعيد".

قلت: وفي إسناد مرسل سعيد: علي بن زيد - وهو ابن جدعان -، وهو ضعيف.

وروي من حديث الحسن البصري مرسلاً نحوه.

أخرجه الدارمي (1/ 100) من طريق نصر بن القاسم عن محمد بن إسماعيل عن عمرو بن كثير عنه.

قلت: وهذا - مع إرساله - ضعيف الإسناد؛ نصر بن القاسم؛ قال الذهبي:

"لا يكاد يعرف، وعنه بشر بن ثابت فقط، وقيل: بينهما رجل". وقال الحافظ:

"مجهول".

5157 - (علماء هذه الأمة رجلان: رجل آتاه الله علماً، فبذله للناس، ولم يأخذ عليه طمعاً، ولم يشتر به ثمناً؛ فذلك تستغفر له حيتان البحر ودواب البر والطير في جو السماء، ويقدم على الله سيداً شريفاً، حتى يرافق المرسلين، ورجل آتاه الله علماً، فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، وشرى به ثمناً؛ فذاك يلجم بلجام من نار يوم

 

(11/261)

 

 

القيامة، ويناد مناد: هذا الذي آتاه الله علماً، فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طنعاً، واشترى به ثمناً، وكذلك حتى يفرغ من الحساب) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 7329 - بترقيمي) من طريق عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس به مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد".

قلت: وإسناده ضعيف، وله علتان:

الأولى: شهر بن حوشب؛ فإنه ضعيف؛ لسوء حفظه.

والأخرى: عبد الله بن خراش، وبه أعله المنذري؛ وقال:

"وثقه ابن حبان وحده فيما أعلم".

وبه أعله الهيثمي أيضاً، وزاد عليه فقال (1/ 124) :

"ضعفه البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن عدي".

قلت: وتوثيق ابن حبان إياه - مع تفرده به -؛ فقد أشار إلى أن فيه شيئاً بقوله: "ربما أخطأ". وبالغ فيه الساجي؛ فقال:

"ضعيف الحديث جداً، كان يضع الحديث". وقال محمد بن عمار الموصلي:

"كذاب".

قلت: وجدت له طريقاً أخرى: أخرجها ابن عبد البر في "جامعه" (1/ 38) ؛

 

(11/262)

 

 

وفيه خالد بن عبد الأعلى؛ ولم أعرفه، وفيها انقطاع أيضاً.

ثم وجدت الحافظ العراقي جزم بضعف إسناد الحديث في "تخريج الإحياء" (1/ 55) .

5158 - (القلوب أربعة: قلب أجرد، فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح: فأما القلب الأجرد؛ فقلب المؤمن؛ سراجه فيه نوره. وأما القلب الأغلف؛ فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس؛ فقلب المنافق؛ عرف ثم أنكر. وأما القلب المصفح؛ فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة، يمدها القيح والدم، فأي المدتين غلبت الأخرى؛ غلبت عليه) .

ضعيف

أخرجه أحمد (3/ 17) ، والطبراني في "المعجم الصغير" (ص 223 - هند) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 385) من طريق ليث بن أبي سليم عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد". وقال أبو نعيم:

"ورواه جرير عن الأعمش، فخالف ليثاً فقال: عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة؛ وأرسله"!

قلت: كذا قال: "وأرسله"! والظاهر أنه يعني: "فأوقفه"؛ لأنه هكذا وصله جمع عن الأعمش عن عمرو به موقوفاً.

 

(11/263)

 

 

أخرجه ابن أبي شيبة في "الإيمان" (رقم 54 - بتحقيقي) ، وأحمد في "السنة" (1/ 377/ 820 - دار ابن القيم) ، والطبري في "التفسير" (1/ 322) :

ورجاله كلهم ثقات، ولذلك؛ كنت قلت في التعليق على "الإيمان":

"حديث موقوف صحيح".

فتعقبني المعلق على "إغاثة اللهفان" بأنه منقطع بين أبي البخيري - واسمه سعيد بن فيروز؛ - لأنه لم يسمع من حذيفة، كما قال أبو حاتم وغيره!

فأقول: هذا لا يرد علي؛ لأني لم أصحح إسناده، وإنما صححت وقفه بالنسبة للمرفوع. على أن نسبة القول المذكور لأبي حاتم غير صحيح؛ لأنه لم يذكر في كتابه "المراسيل" في ترجمة (أبي البختري) (ص 51،52) حذيفة في جملة الصحابة الذين لم يسمع منهم (أبو البختري) ، وإنما ذكر فيهم: (أبا سعيد الخدري) ، وكذا نقله عنه الحافظ في "التهذيب".

نعم؛ ذكره هذا تبعاً لأصله " تهذيب المزي" فيهم، فيكون الإسناد منقطعاً موقوفاً ومرفوعاً، وفي هذا علة أخرى؛ وهي ضعف ليث بن أبي سليم، مع مخالفته للأعمش. وبه أعله الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 123) . فمن الغرائب - بعد هذا - قول الحافظ ابن كثير في "التفسير" (1/ 56 و 3/ 293) - بعدما ساق إسناد أحمد -:

"وهذا إسناد جيد حسن"!!

فغفل عن ضعف ليث، ومخالفته للأعمش، وعن الانقطاع بين أبي البختري وأبي سعيد!

 

(11/264)

 

 

5159 - (ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 20 مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن صفوان إلا يزيد".

قلت: وهو كذاب؛ كما قال الهيثمي (1/ 121) . وقصر الحافظ العراقي؛ فقال في "المغني" (1/ 7) :

"إسناده ضعيف". وكذلك اقتصر الحافظ المنذري في "الترغيب" (1/ 61) على الإشارة إلى تضعيفه، وقال:

"رواه الدارقطني، والبيهقي، وقال: المحفوظ [أن] هذا اللفظ من قول الزهري" (1) .

__________

(1) وروي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ولا يصح ألبتة؛ كما بينه الشيخ - رحمه الله - في " تخريج المشكاة " (217) . (الناشر)

 

(11/265)

 

 

5160 - (تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تعلمون منه) (2) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 18 مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق أحمد بن محمد بن ماهان: حدثنا أبي: حدثنا عباد بن كثير عن

__________

(2) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " مضى برقم (1610) ". (الناشر)

 

(11/265)

 

 

أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عباد بن كثير؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 129-130) :

"متروك الحديث".

5161 - (تقعد الملائكة على أبواب المسجد يوم الجمعة، يكتبون مجيء الناس حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام؛ طويت الصحف ورفعت الأقلام؛ فيقول الملائكة بعضها لبعض: ما حبس فلاناً وحبس فلاناً؟ فتقول الملائكة بعضهم لبعض: اللهم! إن كان مريضاً فاشفه، وإن كان ضالاً فاهده، وإن كان عائلاً فأغنه) .

ضعيف

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1771) ، والأصبهاني في "الترغيب" (ص 232 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مطر الوراق؛ قال الحافظ:

"صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف".

قلت: ولذلك؛ لم يحتج به الشيخان، وإنما أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم مقروناً.

وقد روي الحديث بأتم منه من حديث ابن عباس، ولكنه ضعيف جداً، وهو:

 

(11/266)

 

 

5162 - (إذا كان يوم الجمعة؛ دفع إلى الملائكة ألوية الحمد إلى كل مسجد يجمع فيه، ويحضر جبريل المسجد الحرام، مع كل ملك كتاب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، معهم أقلام من فضة وقراطيس فضة، يكتبون الناس على منازلهم؛ فمن جاء قبل الإمام؛ كتب: من السابقين، ومن جاء بعد خروج الإمام؛ كتب: شهد الخطبة، ومن جاء حتى تقام الصلاة، كتب: شهد الجمعة، فإذا سلم الإمام؛ تصفح الملك وجوه القوم، فإذا فقد الملك منهم رجلاً كان فيما خلا من السابقين؛ قال: يا رب! إنا فقدنا فلاناً ولسنا ندري ما خلفه اليوم؛ فإن كنت قبضته فارحمه، وإن كان مريضاً فاشفه، وإن كان مسافراً فأحسن صحابته. ويؤمن من معه من الكتاب) .

ضعيف جداً

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (ص 232) من طريق إسحاق بن المنذر: أخبرنا فرات بن السائب الجزري عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته فرات بن السائب هذا؛ قال البخاري:

"منكر الحديث". وقال النسائي والدارقطني:

"متروك". وقال ابن حبان (2/ 207) :

"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي بالمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه، ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاختبار".

قلت: وإسحاق بن المنذر؛ لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (1/ 1/ 235) جرحاً ولا تعديلاً.

 

(11/267)

 

 

5163 - (من أحيا ليلتي العيدين إيماناً واحتساباً؛ لم يمت قلبه حين تموت القلوب) .

موضوع

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب" (ص 101 - مصورة الجامعة) من طريق عمر بن هارون البلخي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته البلخي هذا؛ فإنه كذاب؛ كما تقدم مراراً، فانظر الحديث (288) .

وقد رواه بقية عن ثور بن يزيد، وقد سبق تخريجه برقم (521) ، وكنت ذكرت هناك أن بقية مدلس، وأنه لا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه من أولئك الكذابين.

فأقول الآن: فقد تعين الآن الكذاب الذي يمكن أن يكون بقية تلقاه عنه ثم دلسه، ألا وهو البلخي هذا.

وخالفهما إبراهيم بن محمد؛ فقال: قال ثور بن يزيد: عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء موقوفاً به.

أخرجه البيهقي في "الشعب" (3/ 341/ 3711) .

وإبراهيم هذا متهم.

 

(11/268)

 

 

5164 - (أوحى الله تعالى إلى آدم عليه السلام؛ أن يا آدم! حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموت. قال: وما حدث علي يا ربي؟! قال: ما لا تدري، وهو الموت. قال: وما الموت؟ قال: سوف

 

(11/268)

 

 

تذوقه. قال: من أستخلف (1) في أهلي؟ قال: اعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال؛ فعرض على السماوات فأبت، وعرض على الأرض فأبت، وعرض على الجبال فأبت، وقبله ابنه؛ قاتل أخيه، فخرج آدم عليه السلام من أرض الهند حاجاً، فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب؛ إلا صار عمراناً بعده وقرى، حتى قدم مكة؛ فاستقبلته الملائكة بالبطحاء، فقالوا: السلام عليك يا آدم! بر حجك، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.

- قال أنس رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والبيت يؤمئذ ياقوتة حمراء جوفاء، لها بابان، من يطوف يرى من في جوف البيت، ومن في جوف البيت يرى من يطوف -؛ فقضى آدم نسكه؛ فأوحى الله إليه: يا آدم! قضيت نسكك؟ قال: نعم يا رب! قال: فسل حاجتك تعط. قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي. قال: أما ذنبك يا آدم؛ فقد غفرناه حين وقعت بذنبك، وأما ذنب ولدك؛ فمن عرفني، وآمن بي، وصدق رسلي وكتابي؛ غفرنا له ذنبه) .

موضوع

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (1/ 434-435/ 1021) من طريق عمران بن عبد الرحيم: أخبرنا عبد السلام بن مطهر: أخبرنا أبو هرمز عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو هرمز هذا - واسمه نافع -، وهو كذاب عند ابن معين؛ كما تقدم في حديث آخر له موضوع برقم (446) ، واتهمه ابن حبان

__________

(1) الأصل: (استخلفت) ؛ وعليها ضبة! والمثبت من " الترغيب ". (الناشر)

 

(11/269)

 

 

أيضاً؛ فقال في "الضعفاء والمتروكين" (2/ 58 - حلب) :

"كان ممن يروي عن أنس ما ليس من حديثه، كأنه أنس آخر، ولا أعلم له سماعاً، لا يجوز الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار".

ثم ساق له أحاديث كثيرة، لوائح الوضع على بعضها ظاهرة.

وعمران بن عبد الرحيم؛ قال السليماني:

"فيه نظر، هو الذي وضع حديث أبي حنيفة عن مالك رحمهما الله تعالى".

والحديث أشار المنذري في "الترغيب" (2/ 109) إلى تضعيفه، فقصر! ذلك؛ لما عرفت من حال نافع وعمران، مع أن آثار الوضع عليه بينة!

5165 - (ما من عبد ولا أمة يضن بنفقة ينفقها فيما يرضي الله؛ إلا أنفق أضعافها فيما يسخط الله، وما من عبد يدع الحج لحاجة عرضت له من حوائج الدنيا؛ إلا رأى محقه قبل أن يقضي الله له تلك الحاجة - يعني: حجة الإسلام -، وما من عبد يدع المشي في حاجة أخيه المسلم - قضيت أو لم تقض -؛ إلا ابتلي بمعونة من مأثم عليه، ولا يؤجر فيه) .

منكر

أخرجه الأصفهاني في "الترغيب والترهيب" (1/ 446/ 1052 - ط) من طريق الحكم بن سليمان بن أبي يزيد الهمذاني عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو حمزة الثمالي متفق على ضعفه، بل تركه الدارقطني وغيره. وقال النسائي:

 

(11/270)

 

 

"ليس بثقة". وقال ابن حبان (1/ 206) :

"كثير الوهم في الأخبار، حتى خرج عن حد الاحتجاج به، مع غلوه في تشيعه".

والحديث؛ قال المنذري (2/ 110) - بعدما عزاه للأصبهاني -:

"وفيه نكارة".

5166 - (المقام المحمود، ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه، يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، فيجاء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين من رباط الجنة، ثم أكسى على إثره، ثم أقوم على يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون) .

منكر بهذا التمام

أخرجه الدارمي (2/ 325) : حدثنا محمد بن الفضل: حدثنا الصعق بن حزن عن علي بن الحكم عن عثمان بن عمير عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قيل له:

ما المقام المحمود؟ قال: "ذاك ... " الحديث.

وأخرجه أحمد أيضاً (1/ 398) : حدثنا عارم بن الفضل: حدثنا أبو سعيد: حدثنا ابن زيد: حدثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود به نحوه؛ دون ذكر النزول والكرسي والأطيط والسعة.

قلت: ومع هذا الاختلاف في الإسناد والمتن؛ فمداره - كما ترى - على محمد ابن الفضل - ولقبه عارم -، وهو ثقة من رجال الشيخين؛ لكنه كان اختلط، فمن الممكن أن يكون هذا الاختلاف منه.

 

(11/271)

 

 

ويمكن أن يكون من عثمان بن عمير؛ فإنه - مع ضعفه - مختلط مدلس؛ قال الحافظ:

"ضعيف، واختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع". قال ابن حبان (2/ 95) :

"كان ممن اختلط؛ حتى لا يدري ما يحدث به، ولا يجوز الاحتجاج بخبره".

قلت: وقد كنت خرجت حديثين آخرين في الأطيط تحت الحديث (866) ، وذكرت عن الحافظ الذهبي أنه لا يصح فيه شيء، أحدهما من حديث ابن مسعود من طريق منقطعة، وذكرت بأني وجدته من طريق موصولة، فهي هذه. وبينت هناك أنه مما يؤكد بطلان هذا الحديث: أنه صح تفسير المقام المحمود بالشفاعة العظمى، فراجعه.

وإنما يصح من حديث الترجمة قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"يحشر الناس حفاة عراة غرلاً، فأول من يكسى إبراهيم عليه السلام"، ثم قرأ: (كما بدأنا أول خلق نعيده) .

أخرجه أحمد (1/ 223،235،253) ، والبخاري (8/ 353 - فتح) ، ومسلم (8/ 157) ، والترمذي (3167) - وصححه -، والنسائي (1/ 295) ، وابن حبان (7273،7303) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

5167 - (أشهدوا هذا الحجر خيراً؛ فإنه يوم القيامة شافع مشفع، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه) .

منكر بهذا اللفظ

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 118/ 1 -

 

(11/272)

 

 

زوائده) : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن العلاء الحمصي: حدثنا إسماعيل ابن عياش: أخبرنا الوليد بن عباد عن خالد الحذاء عن عطاء عن عائشة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن خالد إلا الوليد".

قلت: وهو مجهول العين؛ قال ابن عدي (ق 410/ 1) :

"ليس بمستقيم، ولا يروي عنه غير إسماعيل بن عياش، والوليد ليس بمعروف".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات" على قاعدته المعروفة!

وإسماعيل بن عياش ثقة في الشاميين، ولا يدرى إذا كان الوليد بن عباد منهم أم لا؟! وقال المنذري (2/ 123) - وتبعه الهيثمي (3/ 242) -:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات؛ إلا أن الوليد بن عباد مجهول"!

قلت: وفي إطلاق التوثيق نظر من وجهين:

الأول: ما سبقت الإشارة إليه في ابن عياش.

والآخر: أن شيخ الطبراني لم أجد من وثقه؛ بل الظاهر أنه من شيوخه المقلين المجهولين؛ فإنه لم يخرج له في "المعجم الصغير"، ولم يترجم له ابن عساكر في "تاريخ دمشق". والله أعلم.

واعلم أن في فضل الحجر الأسود أحاديث صحيحة؛ لكن ليس فيها: أنه شافع مشفع، ولا قوله: "أشهدوا هذا الحجر خيراً"، ومن أجل ذلك خرجته هنا.

 

(11/273)

 

 

5168 - (إن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهله معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يديه بالصدقة، وأبوالها وأرواثها لأهلها عند الله يوم القيامة من مسك الجنة) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 229-230) ، وابن قانع في "المعجم" من طريق سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد".

قلت: وهو أبو مهدي الحمصي؛ قال الحافظ:

"متروك، رماه الدارقطني وغيره بالوضع".

ومن فوقه فيهم جهالة؛ كما أفاده الحافظ في "اللسان" عن الحافظ العلائي. وإليهم أشار الهيثمي بقوله (5/ 259) :

"وفيه من لم أعرفه". وقال المنذري (2/ 161) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، و "الأوسط"، وفيه نكارة".

قلت: وهي في قوله: "وأبوالها ... " إلخ.

وأما ما قبله؛ فصحيح ثابت من حديث أبي هريرة وأبي كبشة وغيرهما، أخرجها أبو عوانة في "مستخرجه" (5/ 15،19) وغيره، وانظر "التعليق الرغيب" (2/ 160،161) .

(فائدة) : قال ابن حجر في "الإصابة":

 

(11/274)

 

 

"و (عريب) بمهملة، بوزن عظيم".

قلت: وساق له - هو وابن عبد البر من قبله - حديثاً آخر في الخيل من رواية ابنه عبد الله عنه. وقال ابن عبد البر (3/ 1239) :

"ليس حديثه بالقائم".

5169 - (إن لم تغل أمتي؛ لم يقم لهم عدو أبداً) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 235) قال: حدثنا موسى ابن هارون: حدثنا إسحاق بن راهويه: أنبأنا بقية بن الوليد: حدثني محمد بن عبد الرحمن اليحصبي: حدثني أبي عن حبيب بن مسلمة قال: سمعت أبا ذر يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قال أبو ذر لحبيب بن مسلمة: هل يثبت لكم العدو حلب شاة؟ قال: نعم، وثلاث شياه غزر، قال أبو ذر: غللتم ورب الكعبة! وقال:

"لا يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد، تفرد به بقية".

وهو ثقة إذا صرح بالتحديث كما فعل هنا.

لكن عبد الرحمن اليحصبي - وهو ابن عرق الحمصي -؛ لم يوثقه غير ابن حبان، ولا روى عنه غير ابنه محمد؛ كما في "الميزان"، فهو في عداد المجهولين، فهو علة هذا الحديث.

فقول المنذربي في "الترغيب" (2/ 186) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد، ليس فيه ما يقال؛ إلا تدليس

 

(11/275)

 

 

بقية بن الوليد؛ فقد صرح بالتحديث"!

ونحوه في "المجمع" (5/ 338) !

أقول: فهو مردود، وهو أثر من آثار اعتدادهما بتوثيق ابن حبان، الذي نبهنا على تساهله في التوثيق مراراً. ولذلك؛ لم يعتد الحافظ ابن حجر بتوثيقه لابن عرق هذا؛ فقال فيه:

"مقبول"؛ يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فهو لين الحديث إذا تفرد؛ كما نبه عليه في المقدمة.

وقد أشار الذهبي إلى جهالته؛ فقال في "الميزان":

"وعنه ابنه محمد وحده". كما أشار إلى تليين توثيق ابن حبان إياه بقوله في "المغني":

"وثق".

5170 - (يا بنية! قومي، فاشهدي رزق ربك عز وجل، ولا تكوني من الغافلين؛ فإن الله عز وجل يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) .

موضوع

أخرجه ابن بشران في "الأمالي" (ق 39/ 1) ، والبيهقي في "الشعب" (2/ 35/ 1-2) كلاهما من طريق المشمعل بن ملحان القيسي: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن فاطمة بنت محمد رضي الله عنها قالت:

مر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجعة متصبحة، فحركني برجله، ثم قال: ...

 

(11/276)

 

 

فذكره. وقال البيهقي:

"إسناده ضعيف"!

قلت: كيف هذا؛ وعبد الملك بن هارون متهم بالكذب؟! فقال يحيى:

"كذاب". وقال البخاري:

"منكر الحديث". وقال ابن حبان (2/ 133) :

"كان ممن يضع الحديث، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار".

والمشمعل بن ملحان؛ صدوق يخطىء؛ كما في "التقريب".

قلت: وقد خالفه في إسناده إسماعيل بن مبشر بن عبد الله الجوهري عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي قال:

دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة بعد أن صلى الصبح وهي نائمة ... فذكر معناه.

رواه البيهقي.

قلت: وإسماعيل هذا؛ لم أجد له ترجمة الآن.

والحديث؛ أشار المنذري في "الترغيب" (3/ 5) لضعفه؛ وعزاه للبيهقي وحده.

5171 - (من قال حين يدخل السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا

 

(11/277)

 

 

قوة إلا بالله؛ كتب الله له ألفي ألف حسنة، ومحا عنه ألفي ألف سيئة، ورفع له ألفي ألف درجة) .

موضوع

أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم 183) من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته نهشل هذا؛ قال ابن حبان (3/ 52) :

"كان يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يحل كتابه حديثه إلا على جهة التعجب، كان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يرميه بالكذب".

قلت: وقد صح الحديث من رواية ابن عمر وأبيه عمر دون الزيادة في الذكر بعد قوله: " وهو على كل شيء قدير"، وبلفظ: "ألف ألف ... " في كل الجمل الثلاث، لكن في حديث ابن عمر: "بنى له بيتاً في الجنة" بدل قوله: "ورفع له ألف ألف درجة"، وهو رواية في حديث عمر؛ كما حققته في "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب" (3/ 5) (1) .

5172 - (لأن يجعل أحدكم في فيه تراباً؛ خير له من أن يجعل في فيه ما حرم الله عليه) .

ضعيف

أخرجه أحمد (2/ 257) ، وابن أبي الدنيا في "الورع" (ق 167/ 2 و 84/ 117 ط) ، وعنه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 57/ 5763) من طريق محمد بن إسحاق عن سعيد بن يسار مولى الحسن بن علي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. وقال البيهقي:

__________

(1) والضحاك لم يسمع من ابن عباس؛ كما ذكر الشيخ في " الضعيفة " (7 / 400) . (الناشر)

 

(11/278)

 

 

"وروى حفص بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة، والأول أولى".

قلت: في الإسناد الأول محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد عنعنه.

وفي الإسناد الآخر حفص بن عبد الرحمن، ولم أعرفه، ولا رأيت من وصله عنه.

وقوله: "عن أبي إسحاق"؛ لعله وهم منه [أو من بعض النساخ] ؛ فإنهم لم يذكروه في الرواة عن (سعيد بن يسار) ؛ والصواب: "ابن إسحاق".

إذا عرفت هذا؛ فقد أخطأ - أو تساهل - في هذا الحديث جماعة، فلا بأس من بيان ذلك، فأقول:

1- المنذري؛ فإنه قال في "الترغيب" (3/ 13/ 12) :

"رواه أحمد بإسناد جيد"!

2- الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (10/ 293) :

"رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير محمد بن إسحاق؛ وقد وثق"!

قلت: فسكت عن عنعنته، فاغتر به الجهلة الثلاثة؛ فحسنوه في تعليقهم على "الترغيب" (2/ 536) .

3- السيوطي في "الجامع الصغير" و "الكبير" (2/ 636) ؛ فإنه غفل عن عزوه لأحمد، فعزاه للبيهقي فقط، فكان ذلك مدعاة لوقوع شارحه وغيره في الخطأ كما يأتي.

 

(11/279)

 

 

4- المناوي في "فيض القدير"؛ فإنه أعله بما ليس بعلة، فقال - معللاً رواية البيهقي -:

"وفيه إبراهيم بن سعيد، قال الذهبي: مجهول، منكر الحديث. ورواه عنه أيضاً أحمد، وابن منيع، والديلمي"!

قلت: فيه ما يأتي:

أولاً: إبراهيم بن سعيد ليس هو الذي ضعفه الذهبي؛ فإن هذا مدني متقدم الطبقة. وأما صاحب هذا الحديث؛ فهو (إبراهيم بن سعيد الجوهري البغدادي) ، وهو شيخ ابن أبي الدنيا فيه، يرويه عن يزيد بن هارون: حدثنا محمد بن إسحاق؛ وهو ثقة من شيوخ مسلم، وذكروه في شيوخ ابن أبي الدنيا أيضاً. وقال الحافظ فيه:

"من العاشرة"، وفي الذي قبله:

"من السابعة". فأين هذا من هذا؟!

ثانياً: ظاهر كلامه يشعر بأن أحمد رواه عن هذا المجهول! وهو وهم فاحش أيضاً، والظاهر أيضاً أنه نقل عزوه لأحمد عن غيره، ولم يقف هو عليه في "مسنده"، وإلا؛ لما وقع منه هذا الخبط والخلط؛ فإنه رواه فيه عن (يزيد) مباشرة - وهو ابن هارون - شيخه.

ثالثاً: لو كان إبراهيم بن سعيد مجهولاً أو تضعيفاً؛ فلا يضر؛ فإنه متابع من الإمام أحمد كما رأيت، وإنما العلة عنعنة ابن إسحاق كما سبق.

5- أحمد شاكر رحمه الله؛ فإنه قال في تعليقه على "المسند" (13/ 237) :

 

(11/280)

 

 

"إسناده صحيح"!

وهذا على ما اختاره من الإعراض عن كلام الطاعنين فيه، وعدم الاعتداد بقاعدة: "الجرح المفسر مقدم على التعديل"؛ وذلك بسبب أخطائه وإن قلت، وتدليسه الذي رماه به الإمام أحمد وغيره. فقال الإمام:

"هو كثير التدليس جداً، قيل له: فإذا قال: "أخبرني" و "حدثني"؛ فهو ثقة؟ قال: هو يقول: "أخبرني" ويخالف. فقيل له: أروى عنه يحيى بن سعيد؟ قال: لا".

وهذا جرح مفسر، لا يجوز هدره والإعراض عنه. ولذلك؛ كان من المقرر عند المتأخرين أن حديثه حسن بشرط التحديث؛ فتنبه!

هذا أولاً.

ثم قال الشيخ رحمه الله:

"ذكره السيوطي في "الجامع الصغير"، ونسبه للبيهقي في "الشعب" فقط. وأعله المناوي براو ضعيف، فهو من وجه آخر، غير الذي في (المسند) "!

قلت: وهذا خطأ مبني على خطأ. والمعصوم من عصمه الله!

5173 - (إني لأعلم أرضاً يقال لها: عمان؛ ينضح بجانبها - وفي رواية: بناحيتها - البحر؛ الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها) .

ضعيف

أخرجه أحمد (2/ 30) قال: حدثنا يزيد: أخبرنا جرير بن حازم، وإسحاق بن عيسى قال: حدثنا جرير بن حازم عن الزبير عن الخريت عن الحسن بن هادية قال:

 

(11/281)

 

 

لقيت ابن عمر - قال إسحاق: - فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل عمان. قال: من أهل عمان؟ قلت: نعم، قال: أفلا أحدثك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قلت: بلى! فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله كلهم ثقات؛ غير الحسن بن هادية، وقد أورده الحافظ في "التعجيل" لهذا الحديث، وقال:

"وعنه الزبير بن الخريت (وفي الأصل: الحريث، وهو تصحيف) ؛ ذكره ابن حبان في (الثقات) ".

وأورده أيضاً في "لسان الميزان"، وقال:

"قال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا أعرفه".

وأما قول العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث من "المسند":

"إسناده صحيح"! فغير صحيح؛ لأنه جرى على الاعتداد بتوثيق ابن حبان، وقد عرف عند العلماء أن توثيق ابن حبان مجروح؛ لأنه بناه على قاعدة له وحده، وهي:

أن الرجل إذا روى عنه ثقة، ولم يعرف عنه جرح؛ فهو ثقة عنده!

وعلى ذلك بنى كتابه المعروف بـ "الثقات"، وكذلك تجد فيه كثيراً من المجاهيل عند الجمهور؛ إنما أورده ابن حبان فيه لرواية ثقة عنده، ومن العجائب أنه يقول في بعضهم: "روى عنه مهدي بن ميمون؛ لا أدري من هو ولا ابن من هو؟! "!! انظر ترجمة أيوب عن أبيه عن كعب بن سور من "اللسان"، وانظر مقدمته أيضاً (1/ 14) .

 

(11/282)

 

 

وقد وقع الشيخ أحمد شاكر في كثير من الخطيئات في تصحيح أحاديث من "المسند" وغيره؛ بسبب تقليده لابن حبان في هذه القاعدة الباطلة؛ كما حققه الحافظ في المقدمة المشار إليها، وقد حاولت إقناعه بالرجوع عن ذلك حين اجتمعت به في "المدينة الطيبة" على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم بعد أداء فريضة الحج سنة 1368، وأوردت له خلاصة كلام الحافظ، والمثال الذي نقلته عنه آنفاً، فلم يعتد ذلك، وصرح بأنه لا ينظر إلى نقله عن ابن حبان بعين الاعتبار؛ لأنه وقف على خطيئات له فيما ينقله عن بعض الأئمة، فأردت التبسط معه في الموضوع؛ فرأيته يضيق صدره بذلك، فلا أدري أهو من طبعه؛ أم هو أمر عارض له لمرضه؛ فإنه كان ملازماً فراشه في الفندق؟! فأمسكت عن الكلام معه في هذه المسألة؛ وفي نفسي حسرات من قلة الاستفادة من مثل هذا الفاضل!

ومن المؤسف حقاً؛ أن ترى جل العلماء الذين لقيتهم في مكة والمدينة ليس عندهم رحابة صدر في البحث، بل هم يريدون أن يفرضوا آراءهم على من يباحثهم فرضاً، سواء اقتنعوا بذلك أم لا، ثم هم يقولون عن أنفسهم: إنهم سلفيون أو سنيون أو من أهل الحديث!

هذا؛ وقد روي الحديث بلفظ آخر، ومن الطريق نفسه؛ إلا أنه عن الخريت عن تابعي آخر، فوجب سوقه وبيان علته، وهو:

5174 - (إني لأعلم أرضاً يقال لها: عمان؛ ينضح بناجيتها البحر، بها حي من العرب، لو أتاهم رسولي؛ ما رموه بسهم ولا حجر) .

ضعيف

أخرجه أحمد (1/ 44) ، والحارث في "مسنده" (124/ 1 - زوائده) ، وأبو يعلى (1/ 35) ، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (رقم 4،5 - بتحقيقي) - من طريق أبي يعلى وغيره -، والعقيلي في "الضعفاء"

 

(11/283)

 

 

(ص 369) عن جرير بن حازم: أنبأنا الزبير بن الخريت عن أبي لبيد قال:

خرج رجل من (طاحية) مهاجراً يقال له: (بيرح بن أسد) ، فقدم المدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأيام، فرآه عمر رضي الله عنه، فعلم أنه غريب، فقال له: من أنت؟ قال: من أهل (عمان) ؟ قال: نعم، فأخذ بيده، فأدخله على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: هذا من الأرض التي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

والسياق لأحمد. وقال الضياء:

"قال أحمد: إنما هو "سمعت -". وقال يزيد (يعني: ابن هارون) : "سمعت" بالرفع".

قلت: ولعل النصب أقرب إلى الصواب. ولفظ العقيلي صريح في ذلك؛ فإنه قال:

فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في أهل عمان؟ فقال أبو بكر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

ولفظ أبي يعلى نحوه. ولذلك؛ أورده هو والإمام أحمد في (مسند أبي بكر رضي الله عنه) .

وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي لبيد - واسمه لمازة بن زبار الأزدي البصري -، وهو ثقة؛ لكنه لم يلق أبا بكر؛ كما قال ابن المديني؛ بل قال ابن حبان في "الثقات" (1/ 198) :

"يروي عن علي بن أبي طالب؛ إن كان سمع منه".

 

(11/284)

 

 

قلت: فعلة الإسناد الانقطاع، ولعل أبا لبيد تلقاه من طريق (بيرح) صاحب القصة؛ ولا أعرفه بجرح أو التعديل؛ فقد أورده الحافظ في فصل: "من أدرك النبي صلي الله عليه ويلم ولم يجتمع به؛ سواء أسلم في حياته أم بعده".

ثم ساق له هذا الحديث؛ وقال:

"قال الرشاطي: قدم المدينة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأيام، وكان قد رآه. كذا قال".

وبالجملة؛ فلم تطمئن النفس لتصحيح هذا الحديث؛ للانقطاع المذكور. والله سبحانه وتعالى أعلم.

نعم؛ قد صح الشطر الثاني من الحديث، رواه مسلم وغيره من طريق أخرى عن أبي برزة الأسلمي مرفوعاً بلفظ:

"لو أنك أتيت أهل عمان؛ ما سبوك ولا ضربوك".

وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (2730) .

5175 - (المؤمنون بعضهم لبعض نصحة وادون؛ وإن بعدت منازلهم وأبدانهم، والفجرة بعضهم لبعض غششة متخاونون؛ وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم) .

موضوع

أخرجه أبو بكر المعدل في "اثنا عشر مجلساً من الأمالي" (2/ 1) : حدثنا أبو محمد بن حيان: حدثنا إبراهيم بن داود: حدثنا النوفلي بحلب: حدثنا عبيد بن الصلت الحلبي: حدثنا علي بن الحسن الشامي: حدثنا سعيد بن أبي عروبة وخليد بن دعلج عن قتادة عن أنس مرفوعاً.

 

(11/285)

 

 

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته الشامي هذا؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 114) :

"يروي عن مالك وسليمان بن بلال ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب". وقال الدارقطني:

"يكذب، يروي عن الثقات بواطيل: مالك، والثوري، وابن أبي ذئب، وغيرهم".

وأبو محمد بن حيان: هو الحافظ المعروف بأبي الشيخ؛ صاحب كتاب "طبقات الأصبهانيين" وغيره، وقد أخرج هذا الحديث في "كتاب التوبيخ"؛ كما في "الترغيب" (3/ 24) ؛ وأشار لضعفه.

وأخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (2/ 990/ 2425) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 448/ 1 و 6/ 114/ 7648 - ط) من طريق أخرى عن علي بن الحسن به. وقال البيهقي:

"في هذا الإسناد ضعف"!

قلت: وهذا تساهله وتسامحه في النقد! وقلده الثلاثة المعلقون على "ترغيب المنذري" (2/ 563) !

5176 - (من قال: لا إله إلا الله قبل كل شيء، ولا إله إلا الله بعد كل شيء، [ولا إله إلا الله يبقى ربنا ويفنى كل شيء] ؛ عوفي من الهم والحزن) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 93) : حدثنا محمد

 

(11/286)

 

 

ابن زكريا: أخبرنا العباس: أخبرنا أبو هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن زكريا هذا - وهو الغلابي -؛ كما صرح به الطبراني في حديث آخر قبله؛ قال الدارقطني:

"يضع الحديث". وساق له الذهبي حديثاً ظاهر الوضع؛ وقال:

"فهذا من كذب الغلابي".

قلت: فهو الآفة. ولقد أبعد الهيثمي النجعة؛ فأعله بمن فوقه، فقال (10/ 137) :

"رواه الطبراني، وفيه العباس بن بكار، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان"!

5177 - (مسكين مسكين: رجل ليس له امرأة؛ وإن كان كثير المال، ومسكينة مسكينة: امرأة ليس لها زوج؛ وإن كانت كثيرة المال) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 162/ 1-2 - زوائده) ، والواحدي في "الوسيط" (3/ 114/ 2) عن خالد بن خداش: أخبرنا محمد بن ثابت العبدي عن هارون بن رئاب عن أبي نجيح مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن هارون إلا محمد".

قلت: وهو ضعيف؛ لسوء حفظه، وقد ترجمه ابن عدي في "الكامل" (ق 329/ 1) ، وساق له أحاديث مما أنكر عليه؛ ثم ختم ترجمته بقوله:

"وعامة أحاديثه مما لا يتابع عليه".

 

(11/287)

 

 

وله ترجمة في "التهذيب"، وجمهور من تكلم فيه ضعفه، وقد لخص ذلك الحافظ في "التقريب" فقال:

"صدوق، لين الحديث".

قلت: فعلى هذا؛ فالحديث لين ضعيف، مع أنه مرسل؛ لأن أبا نجيح تابعي؛ اسمه يسار.

ومن ذلك تعلم تساهل الهيثمي في قوله (4/ 252) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات (!) ؛ إلا أن أبا نجيح لا صحبة له".

ثم رأيت البيهقي قد أخرج الحديث في "الشعب" (2/ 134/ 2) من طريق أخرى عن محمد بن ثابت به. وقال:

"أبو نجيح اسمه يسار، وهو والد عبد الله بن أبي نجيح، وهو من التابعين، والحديث مرسل".

وأورده المنذري في "الترغيب" (3/ 67) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ:

"الدنيا متاع، ومن خير متاعها امرأة تعين زوجها على الآخرة، مسكين مسكين ... " الحديث. وقال:

"ذكره رزين، ولم أره في شيء من أصوله، وشطره الأخير منكر".

قلت: شطره الأخير قد عرفت أصله، وأنه ضعيف.

 

(11/288)

 

 

وأما الشطر الأول؛ فله أصل صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا: المرأة الصالحة".

أخرجه مسلم (4/ 178) ، والنسائي (2/ 72-73) ، وابن حبان (4020) ، والبيهقي (7/ 80) ، وأحمد (2/ 168) من طريق شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو به.

وأخرجه ابن ماجه (1855) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو نحوه.

وابن أنعم؛ ضعيف من قبل حفظه.

5179 (1) - (أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 179/ 2 - زوائده) عن عمر ابن يحيى الأبلي: أخبرنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن ابن المنكدر إلا عبد الحميد".

قلت: وهو ضعيف عند الجمهور؛ كما تقدم تحت الحديث (898) .

وعمر بن يحيى الأبلي؛ اتهمه ابن عدي بسرقة الحديث.

وقد رواه غيره عن عبد الحميد بلفظ آخر؛ سبق ذكره وتخريجه هناك.

__________

(1) كذا الأصل الخطي للشيخ - رحمه الله - لم يذكر حديثاً برقم (5178) . (الناشر)

 

(11/289)

 

 

وقصر الحافظ الهيثمي في الكشف عن علته؛ فقال (4/ 325) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفه"!

وأشار المنذري في "الترغيب" (3/ 82) إلى تضعيف الحديث.

5180 - (من ترك الصلاة متعمداً؛ فقد كفر جهاراً) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 14/ 1 - زوائده) عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن أبي جعفر إلا هاشم".

قلت: وأبو جعفر الرازي - واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان -؛ ضعيف لسوء حفظه؛ قال الحافظ:

"صدوق، سيىء الحفظ، خصوصاً عن مغيرة". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 120) :

"كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات، ولا يجوز الاعتبار بروايته إلا فيما لم يخالف الأثبات".

قلت: وقد روى جماعة من الثقات عنه عن الربيع عن أبي العالية عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً طويلاً في المعراج؛ فيه ألفاظ منكرة جداً؛ كما قال الذهبي، وذكر نحوه ابن كثير. انظر تعليقي على "الترغيب" (1/ 199) .

وأقول: وهذا الحديث من مناكيره عندي؛ فإن في الترهيب من ترك الصلاة أحاديث كثيرة صحيحة، وفي بعضها: "فقد كفر"؛ فزاد أبو جعفر:

 

(11/290)

 

 

"جهاراً"؛ فهو منكر بهذه الزيادة. والله أعلم.

ومما يؤكد ذلك: أن يزيد الرقاشي قد رواه عن أنس مرفوعاً به نحوه، دون الزيادة المنكرة، ولفظه:

"ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة؛ فإذا تركها فقد كفر".

أخرجه ابن ماجه (1080) ، وابن نصر في "كتاب الصلاة" (238/ 1-2) من طرق عنه.

والرقاشي - وإن كان مضعفاً -؛ فإنه يشهد لحديثه أحاديث تراها في "الترغيب" (1/ 194) ، ولذلك؛ أوردته في "صحيح الجامع" (5264) .

ومن ذلك؛ تعلم تساهل المنذري في قوله (1/ 195) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد لا بأس به"!

ونحوه في "مجمع الزوائد" (1/ 295) !

5181 - (كان إذا سمع النداء قال: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قال هذا عند النداء؛ جعله الله في شفاعتي يوم القيامة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/ 999/ 432) و "الأوسط" (1/ 26/ 2) عن محمد بن أبي السري: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة ابن عبد الله عن سليمان بن أبي كريمة عن أبي قرة عطاء بن قرة عن عبد الله

 

(11/291)

 

 

ابن ضمرة السلولي: سمعت أبا الدرداء يقول: ... فذكره. وقال:

"لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو".

قلت: وهو التنيسي؛ ثقة من رجال الشيخين؛ لكن فوقه علل:

الأولى: عطاء بن قرة؛ لم يوثقه غير ابن حبان. وقال علي بن المديني:

"شامي، لا أعرفه".

الثانية: سليمان بن أبي كريمة؛ قال ابن أبي حاتم (2/ 1/ 138) عن أبيه:

"ضعيف الحديث". وقال ابن عدي (ق 156/ 1) - وقد ساق له عدة أحاديث منكرة -:

"وله غير ما ذكرت، وليس بالكثير، وعامة أحاديثه مناكير، ويرويها عنه عمرو، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وقد تكلموا فيمن هو أمثل منه بكثير، ولم يتكلموا في سليمان هذا؛ لأنهم لم يخبروا حديثه".

الثالثة: صدقة بن عبد الله - وهو السمين - أبو معاوية، وهو ضعيف؛ كما جزم به الحافظ في "التقريب". وبه فقط أعله الهيثمي، فقال في "المجمع" (1/ 333) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه صدقة بن عبد الله السمين؛ ضعفه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، ووثقه دحيم وأبو حاتم وأحمد بن صالح المصري"!

قلت: وما دام أنهم اختلفوا فيه - وإن كان الراجح قول الأئمة المضعفين له -؛ فكان الأولى بالهيثمي أن يعله بشيخه سليمان بن أبي كريمة.

 

(11/292)

 

 

والحديث؛ أخرجه الطبراني في "الكبير" بالإسناد المذكور بنحوه؛ كما في "الترغيب" (1/ 114) - وأعله بصدقة -. وكذا الهيثمي.

وقد صح الحديث من رواية جابر مرفوعاً بلفظ:

"من قال حين يسمع النداء: اللهم! رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة! آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة".

رواه البخاري، وأصحاب "السنن"، وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (540) وغيره. وزيادة:

"إنك لا تخلف الميعاد" فيه؛ شاذة لا تصح كما بينته هناك.

وقد رويت في حديث آخر في إجابة المؤذن فيه زيادات منكرة، منها هذه، وهو مخرج برقم (6714) .

5182 - (ما من مسلم يقول إذا أصبح: الحمد لله، ربي الله، لا أشرك به شيئاً، أشهد أن لا إله إلا الله؛ إلا ظل يغفر له ذنوبه حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى؛ بات يغفر له ذنوبه حتى يصبح) .

ضعيف جداً

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 302 - زوائده) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم 59) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 33/ 1) كلهم عن سعيد بن عامر عن أبان بن أبي عياش عن الحكم بن حيان المحاربي عن أبان المحاربي - وكان من الوفد الذين وفدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عبد القيس - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

 

(11/293)

 

 

وخالفه الربيع بن بدر فقال: عن أبان عن عمرو بن الحكم عن عمرو بن معدي كرب قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

أخرجه ابن السني (60) .

قلت: وأبان بن أبي عياش متروك.

ومثله الربيع بن بدر.

لكن سعيد بن عامر ثقة، فالآفة من أبان.

(تنبيه) : لقد ساق الهيثمي في "المجمع" (10/ 116) الحديث عن أبان المحاربي - وكان أحد الوفد ... فذكره كما تقدم، وقال:

"رواه البزار، وفيه أبان بن أبي عياش؛ وهو متروك". ثم قال - عقبه مباشرة -:

"وعن الحكم بن حيان المحاربي - وكان من الوفد ... " إلخ، وقال:

"رواه الطبراني، وفيه أبان بن أبي عياش؛ وهو متروك"!!

قلت: فقد وهم وهماً فاحشاً، لزم منه جعل الحكم بن حيان المحاربي من الصحابة الذين وفدوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -! وهذا ما لم يقله أحد من قبله، والحديث عند الطبراني كما هو عند الآخرين من رواية الحكم عن أبان المحاربي، وفي ترجمة (أبان) أورده الطبراني، فالظاهر أنه سقط من قلمه: "أبان المحاربي" حين نقل الحديث من أصله، فكان هذا الخطأ، والمعصوم من عصمه الله تعالى!

 

(11/294)

 

 

5183 - (من اغتسل يوم الجمعة غفرت له ذنوبه وخطاياه، وإذا أخذ في المشي إلى الجمعة؛ كان له بكل خطوة عمل عشرين سنة، فإذا فرغ من صلاة الجمعة؛ أجيز بعمل مئتي سنة) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 50/ 1) : حدثنا جبرون ابن عيسى المقرىء المصري: حدثنا يحيى بن سليمان الحفري المغربي: حدثنا عباد بن عبد الصمد أبو معمر عن أنس بن مالك: سمعت أبا بكر الصديق يقول: ... فذكره مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، تفرد به يحيى".

قلت: وهو ضعيف؛ كما تقدم تحت الحديث (316،317) .

وجبرون غير معروف عندي؛ كما تقدم هناك.

لكن الآفة من عباد بن عبد الصمد؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 170-171) :

"منكر الحديث جداً، يروي عن أنس ما ليس من حديثه، وما أراه سمع منه شيئاً، فلا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات؛ فكيف إذا انفرد بأوابد؟! وهو الذي روى عن أنس مرفوعاً: (أمتي على خمس طبقات ... ) "؛ فذكره بتمامه وقد مضى تخريجه والكلام على طرقه برقم (2940) .

والحديث؛ قال الهيثمي (2/ 174) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عباد بن عبد الصمد أبو معمر؛ ضعفه البخاري وابن حبان".

 

(11/295)

 

 

قلت: والأقرب إلى الصواب أن يقال: ضعفه جداً ... بل إن ابن حبان اتهمه بالوضع، وقد ذكرت نص عبارته آنفاً. وأما البخاري فقد قال فيه:

"منكر الحديث". وهذا جرح شديد منه؛ كما سبق التنبيه عليه مراراً.

ثم إن الحديث رواه الطبراني في "الأوسط" (1/ 50/ 1-2) من طريق إبراهيم بن محمد بن عبيدة: حدثنا أبي: حدثنا الجراح بن مليح: حدثني إبراهيم ابن عبد الحميد عن الضحاك بن حمرة عن أبي نصيرة عن أبي رجاء العطاردي عن عتيق أبي بكر وعن عمران بن حصين الخزاعي مرفوعاً به؛ إلا أنه قال:

"بكل خطوة عشرون حسنة" مكان:

"بكل خطوة عمل عشرون سنة"؛ والباقي مثله.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علل:

الأولى: الضحاك بن حمرة؛ مختلف فيه، وقد ضعفه البخاري جداً؛ فقال:

"منكر الحديث". وقال الحافظ في "التقريب":

"ضعيف".

الثانية: إبراهيم بن عبد الحميد؛ لم أعرفه.

وفي "اللسان" ثلاثة من الرواة بهذا الاسم والنسبة فلعله أحدهم؛ وثلاثتهم مجهولون (1) .

__________

(1) هو ابن ذي حماية؛ كما في الإسناد الذي يليه في " الأوسط "، بل هو في طريق " الطريق " (18 / 139 / 292) جاء مصرحا به كذلك، وهو ثقة عند الشيخ - رحمه الله -؛ كما تراه في " الإرواء " (3 / 326) . (الناشر)

 

(11/296)

 

 

الثالثة والرابعة: إبراهيم بن محمد بن عبيدة وأبوه؛ لم أعرفهما.

وقد اقتصر الهيثمي في إعلاله بالأولى؛ فقال:

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه الضحاك بن حمرة، ضعفه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في (الثقات) "!!

وقد أخرجه أيضاً البخاري في "الضعفاء" تعليقاً من رواية إسحاق بن راهويه عن بقية: حدثني الضحاك بن حمرة به؛ إلا أنه ذكره باللفظ الأول:

".. عمل عشرين سنة".

وكذلك أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 193) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 204/ 1) من طريقين آخرين عن بقية به؛ إلا أن ابن عدي قال: عن أبي بكر ... لم يذكر عتيقاً.

قلت: فدلت رواية بقية على أن المحفوظ عن الضحاك هو اللفظ الأول:

"عمل عشرين سنة". واللفظ الآخر عنه:

"عشرون حسنة"، خطأ عليه من إبراهيم بن عبد الحميد؛ أو ممن دونه من المجهولين.

5184 - (كل مال - وإن كان تحت سبع أرضين -؛ تؤدى زكاته؛ فليس بكنز، وكل مال لا تؤدى زكاته - وإن كان طاهراً -؛ فهو كنز) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 85/ 1) ، والبيهقي (4/ 82-83) عن سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر

 

(11/297)

 

 

مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن عبيد الله إلا سويد".

قلت: وهو لين الحديث.

وقد خالفه جماعة من الثقات؛ فرووه عن عبيد الله به موقوفاً على ابن عمر.

أخرجه البيهقي من طريق ابن نمير عن عبيد الله به. وقال:

"هذا هو الصحيح؛ موقوف، وكذلك رواه جماعة عن نافع، وجماعة عن عبيد الله ابن عمر، وقد رواه سويد بن عبد العزيز - وليس بالقوي - عن ابن عمر مرفوعاً". ثم ساقه عن سويد كما سبق.

ثم رواه من طريق هارون بن زياد المصيصي: حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً به.

قلت: وهارون هذا شبه مجهول، لم يوثقه غير ابن حبان؛ كما في "اللسان". وأشار البيهقي إلى تليينه بقوله عقبه:

"ليس هذا بمحفوظ، وإنما المشهور: عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفاً".

قلت: وهو الصحيح أيضاً عن ابن دينار؛ فقال مالك في "الموطأ" (1/ 249) ، ومن طريقه البيهقي: عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة.

وأما ما أخرجه الخطيب في "التاريخ" (8/ 12) من طريق عبد العزيز بن

 

(11/298)

 

 

عبد الرحمن البالسي: حدثنا خصيف بن عبد الرحمن عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً بلفظ:

"أيما مال أديت زكاته؛ فليس بكنز".

فأقول: هذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته البالسي هذا؛ اتهمه الإمام أحمد. وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 138) :

"يأتي بالمقلوبات عن الثقات فيكثر؛ والملزقات بالأثبات فيفحش".

5185 - (من أنظر معسراً إلى ميسرته؛ أنظره الله بذنبه إلى توبته) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 144/ 1) عن الحسين بن علي الصدائي: حدثنا الحكم بن الجارود: حدثنا ابن ابي المتئد - خال ابن عيينة - عن أبيه عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

"لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به الصدائي".

قلت: وهو صدوق. لكن العلة ممن فوقه؛ فالحكم بن الجارود؛ قال أبو حاتم:

"مجهول".

وابن أبي المتئد وأبوه؛ لم أعرفهما. وفي "الكنى" للدولابي (2/ 105) :

"وأبو المتئد: نعيم". ثم روى بإسناده عن يحيى قال:

كان أبو المتئد لا يماكس في شيء يشتريه في الحج؛ ويقول: أنا في سبيل من سبل الله!

 

(11/299)

 

 

5186 - (سلك رجلان مفازة: عابد، والآخر به رهق، فعطش العابد حتى سقط؛ فجعل صاحبه ينظر إليه؛ ومعه ميضأة فيها شيء من ماء، فجعل ينظر إليه وهو صريع، فقال: والله! لئن مات هذا العبد الصالح عطشاً ومعي ماء؛ لا أصيب من الله خيراً أبداً، ولئن سقيته مائي لأموتن، فتوكل على الله وعزم، فرش عليه من مائه وسقاه فضله، فقام، فقطعا المفازة. فيوقف الذي به رهق للحساب، فيؤمر به إلى النار، فتسوقه الملائكة، فيرى العابد، فيقول: يا فلان! أما تعرفني؟ فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا فلان الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة. فيقول: بلى أعرفك. فيقول للملائكة: قفوا. فيقفون، فيجيء حتى يقف فيدعو ربه عز وجل، فيقول: يا رب! قد عرفت يده عندي، وكيف آثرني على نفسه، يا رب! هبه لي، فيقول: هو لك، فيجيء فيأخذ بيد أخيه، فيدخله الجنة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 93/ 2) عن الصلت بن مسعود: حدثنا جعفر بن سليمان: حدثنا أبو ظلال: حدثنا أنس بن مالك مرفوعاً به.

قال: فقلت لأبي ظلال: أحدثك أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. وقال الطبراني:

"لم يروه عن أبي ظلال إلا جعفر، تفرد به الصلت".

قلت: وهما ثقتان من رجال مسلم. وإنما العلة من أبي ظلال - واسمه هلال القسملي -؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 85) :

 

(11/300)

 

 

"كان شيخاً مغفلاً، يروي عن أنس ما ليس من حديثه. لا يجوز الاحتجاج به بحال".

وكلمات سائر الأئمة تدور على تضعيفه، اللهم! إلا ما ذكره الحافظ في "التهذيب" عن البخاري أنه قال فيه:

"مقارب الحديث"! وهذا ليس نصاً في التوثيق، ولا سيما وقد قال فيما ذكره الحافظ أيضاً:

"عنده مناكير". ورواه العقيلي في "الضعفاء" عن البخاري (ص 450) .

إذا عرفت هذا؛ فلا أدري ما هو عمدة الحافظ المنذري في قوله في "الترغيب" (3/ 50) :

"وأبو ظلال؛ اسمه: هلال بن سويد - أو ابن أبي سويد -؛ وثقه البخاري وابن حبان لا غير".

أما توثيق ابن حبان؛ فمعدته أن ابن حبان قال في "ثقات التابعين" (1/ 249 - الظاهرية) :

"هلال بن أبي هلال، يروي عن أنس، روى عنه يحيى بن المتوكل".

فهذا ليس فيه أنه أبو ظلال، فيحتمل أنه غيره عنده على الأقل. ويؤيده أنه أورد أبا ظلال في "الضعفاء"؛ فقال (3/ 85) :

"هلال بن أبي مالك أبو ظلال القسملي. من أهل البصرة، واسم أبيه سويد الأزدي الأحمري، وقد قيل: إنه هلال بن أبي هلال. يروي عن أنس بن مالك. روى عنه جعفر بن سليمان الضبعي ومروان بن معاوية، كان شيخاً مغفلاً. يروي

 

(11/301)

 

 

عن أنس ما ليس من حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال".

قلت: فهذا نص من ابن حبان أن أبا ظلال هو عنده غير هلال بن أبي هلال.

وكذلك فرق بينهما البخاري فيما ذكره الحافظ، ولم يتبين لي ذلك، والأقرب أنهما واحد؛ وهو مقتضى كلام الحافظ المزي. وما رواه يحيى بن المتوكل ليس صريحاً في المغايرة، وهذا لو كان ابن المتوكل - وهوأبو عقيل - ثقة، فكيف وهو ضعيف؟!

وأما توثيق البخاري الذي حكاه المنذري؛ فلا أعرف له وجهاً؛ إلا أحد أمرين:

الأول: أن يكون المنذري يرى ما يراه بعض المعاصرين أن سكوت البخاري عن الراوي في "التاريخ الكبير" توثيق له، وقد ترجم لهلال أبي ظلال في "التاريخ" (4/ 2/ 205) وسكت عنه!

فأقول: وهذا مردود؛ لأنه من الممكن أن يكون سكوت البخاري عنه لا لكونه ثقة عنده؛ بل لأمر آخر؛ كأن يكون غير مستحضر حين كتابته حاله، وإلا؛ تناقض توثيقه المظنون مع جرحه المقطوع؛ فقد وجدت عديداً من الرواة جرحهم في كتابه "الضعفاء الصغير"؛ ومع ذلك سكت عنهم في "التاريخ الكبير"، فهذا مثلاً في المجلد الذي بين يدي، أورد فيه (4/ 2/ 106) :

"نصر بن حماد الوراق، أبو الحارث البجلي، عن الربيع بن صبيح"؛ وسكت عنه، مع أنه أورده في "الضعفاء" وقال (ص 35) :

"يتكلمون فيه".

والآخر: أن يكون قول البخاري: "مقارب الحديث" عند المنذري هو بمعنى:

 

(11/302)

 

 

ثقة، وهذا هو الوجه؛ فقد نقل الترمذي في "سننه" عن البخاري أنه قال في بعض الرواة: "ثقة مقارب الحديث". ولكنه على كل حال ليس هو كقوله في الراوي: "ثقة"، بل هو دونه في المرتبة، ولذلك؛ نصوا في علم المصطلح على أن قولهم: "مقارب الحديث" كقولهم: "صالح الحديث" و: "شيخ وسط"، ونحو ذلك، وذلك في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل والتوثيق عندهم (1) .

فإذا كان هذا المعنى هو عمدة المنذري فيما نسبه للبخاري من التوثيق؛ فلا يخلو الأمر من تساهل. والله أعلم.

وجملة القول: أن أبا ظلال متفق على تضعيفه؛ إلا البخاري.

ولا يقوي حديثه قول البيهقي بعد إخراجه إياه:

"وهذا الإسناد وإن كان غير قوي؛ فله شاهد من حديث أنس".

ذكره المنذري؛ ثم قال:

"ثم روى بإسناده من طريق علي بن أبي سارة - وهو متروك - عن ثابت البناني عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ".

قلت: فذكره.

قلنا: لا يقويه لشدة ضعف ابن أبي سارة؛ كما أشار إلى ذلك المنذري بقوله:

"وهو متروك".

وقد أخرجه من طريقه: ابن عدي أيضاً (ق 287/ 2) في جملة أحاديث ساقها له؛ ثم قال:

__________

(1) انظر " فتح المغيث " للحافظ السخاوي (2 / 335 - 340) . (الناشر)

 

(11/303)

 

 

"وهذه الأحاديث التي ذكرتها له عن ثابت؛ كلها غير محفوظة، وله غير ذلك عن ثابت مناكير أيضاً".

قلت: وقد مضى له حديث آخر (1891) .

ثم إن لحديث الترجمة طريقاً أخرى عن أنس نحوه، وقد مر برقم (93) .

5187 - (الأعمال سبعة: عملان موجبان، وعملان بأمثالهما، وعمل بعشرة أمثاله، وعمل بسبع مئة ضعف، وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله:

فأما الموجبان؛ فمن لقي الله عز وجل [يعبده] لا يشرك به شيئاً؛ وجبت له الجنة، ومن لقي الله يشرك به شيئاً وجبت له النار.

ومن عمل سيئة؛ جزي بها، ومن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها؛ جزي مثلها.

ومن عمل حسنة؛ جزي عشراً.

ومن أنفق ماله في سبيل الله؛ ضعفت له نفقته: الدرهم بسبع مئة، والدينار بسبع مئة.

والصيام لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 477/ 869) ، والبيهقي في "الشعب" (3/ 295/ 3589) عن أبي عقيل: أنبأنا عمر بن محمد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً. وقال الطبراني:

 

(11/304)

 

 

"لم يروه عن عبد الله بن دينار إلا عمر، تفرد به أبو عقيل".

قلت: واسمه يحيى بن المتوكل العمري المديني، وهو ضعيف اتفاقاً. وقال فيه عمرو بن علي:

"فيه ضعف شديد". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 116) :

"منكر الحديث، ينفرد بأشياء ليس لها أصول من حديث النبي عليه الصلاة والسلام؛ لا يسمعها الممعن في الصناعة إلا لم يرتب أنها معمولة".

أقول: ولعل هذا القول من ابن حبان هو عمدة الحافظ الهيثمي في قوله فيه:

"وهو كذاب"، كما كنت نقلته عنه في أول الكتاب، تحت الحديث (8) ، وإلا؛ فإني لم أر أحداً أطلق عليه الكذب!

وعمر بن محمد: هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني، وهو ثقة من رجال الشيخين.

وقد رواه ابن وهب عنه: أن زيداً حدثه قال: لا أعلم إلا أنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

أخرجه البيهقي (3588) هكذا معضلاً.

5188 - (اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا) .

منكر بهذا السياق

روي عن أبي هريرة، وله عنه طريقان:

الأولى: عن زهير بن محمد أبي المنذر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه

 

(11/305)

 

 

عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/ 92) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (9/ 144/ 4308) من طريق محمد بن سليمان بن أبي داود قال: حدثنا زهير ابن محمد به. وقال الطبراني:

"لم يروه عن سهيل بهذا اللفظ إلا زهير بن محمد".

قلت: وهو مختلف فيه، وفصل فيه بعضهم؛ فوثقه في رواية العراقيين عنه، وضعفه في رواية الشاميين. وإلى هذا جنح الحافظ في "التقريب"؛ فقال:

"رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيراً الذي روى عنه الشاميون آخر! وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه؛ فكثر غلطه". وقال العقيلي:

"لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين".

إذا عرفت هذا؛ فقول المنذري في "الترغيب" (2/ 60) - وتبعه الهيثمي في "المجمع" (3/ 179) -:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات"!

فهو مما لا يخفى ما فيه من تساهل حين أطلقا التوثيق. واغتر بهما المعلقون الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب "الترغيب"؛ فقالوا (2/ 9/ 1431) :

"حسن، قال الهيثمي ... " إلخ!!

قلت: ولهم من مثل هذا التحسين - بل التصحيح - الارتجالي الشيء الكثير؛

 

(11/306)

 

 

وقد نبهت على بعضه فيما تقدم من هذه "السلسلة" أو الأخرى.

ومحمد بن سليمان بن أبي داود: هو حراني شامي؛ صدوق.

والطريق الأخرى عن أبي هريرة؛ إسنادها حسن، وفي بعضهم خلاف، وليس فيها الجملة الوسطى، ولفظه:

"سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا".

ولذلك؛ خرجته في "الصحيحة" (3352) .

وقد رويت جملة الصوم عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده علي مرفوعاً.

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 357) في ترجمة ابن ضميرة؛ وقال:

"وهو ضعيف، منكر الحديث، وضعفه بين على حديثه".

وروى عن أحمد أنه: متروك الحديث.

5189 - (من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعةً؛ فكأنما صام السنة) .

منكر بهذا اللفظ

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 103/ 1) : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان: حدثنا أبي: حدثنا سعيد بن الصلت: حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي عن يزيد بن خصيفة عن ثوبان عن أبي هريرة مرفوعاً، وقال:

"لم يروه عن الحسن إلا سعيد، تفرد به شاذان، وقال: عن يزيد عن ثوبان! وإنما هو عن يزيد - يعني: ابن خصيفة - عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان".

 

(11/307)

 

 

قلت: ولست أدري إذا كان الطبراني يعني أنه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلاً، أم عنه عن أبي هريرة مرفوعاً؟

فإذا كان الأول فالحديث مرسل، وإذا كان الآخر فهو موصول؛ ولكن الطبراني لم يذكر إسناده إلى يزيد بن خصيفة بذلك لينظر فيه، ولا ساق متنه لنعتبره بغيره؛ فإن قوله فيه: "متابعة"؛ منكر عندي لأمرين:

الأول: تفرد سعيد بن الصلت به؛ فإني لم أعرفه، وكذا اللذان دونه.

نعم؛ أورد ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 34) سعيد بن الصلت؛ فقال:

"مصري، روى عن سهيل بن بيضاء؛ مرسل، وروى عن ابن عباس - يعني: متصلاً -. روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي وبكر بن سوادة".

ولكن هذا ليس صاحب هذا الحديث؛ لأنه تابعي متقدم على سعيد بن الصلت راوي هذا الحديث.

والآخر: أن الحديث أخرجه البزار في "مسنده" (ص 103 - زوائده) بإسنادين له عن زهير، قال أحدهما: عنه عن العلاء، وقال الآخر: عنه عن سهيل، ثم اتفقا فقالا: عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به دون زيادة: "متتابعة".

وكذلك جاء الحديث عن أبي أيوب الأنصاري وغيره من الصحابة، وقد خرجت أحاديثهم في "الروض النضير" رقم (911) ، وفي "إرواء الغليل" (950) .

5190 - (من صام رمضان، وأتبعه ستاً من شوال؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 103/ 1) من طريق عمران ابن هارون: حدثنا مسلمة بن علي: حدثنا أبو عبد الله الحمصي عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. وقال:

"لم يروه إلا أبو عبد الله، تفرد به مسلمة".

قلت: وهو متهم، وسبقت له أحاديث أخرى موضوعة برقم (141،145،151) .

وأبو عبد الله الحمصي؛ يغلب على ظني أنه محمد بن سعيد الأسدي المصلوب الكذاب الوضاع؛ فقد غيروا اسمه على نحو مئة اسم؛ تعمية له؛ فقيل في كنيته: أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله، وأبو قيس، وقيل في نسبته: الدمشقي، والأردني، والطبري. فلا أستبعد أن يقول فيه ذاك المتهم مسلمة: أبو عبد الله الحمصي!

ويحتمل أنه أبو عبد الله الحمصي المسمى: مرزوقاً؛ فقد أورده الدولابي في "الكنى" هكذا، وهو من رجال الترمذي؛ لكنهم لم يذكروا له رواية عن نافع، بخلاف المصلوب. والله أعلم.

والحديث؛ أشار إلى تضعيفه المنذري (2/ 75) .

وأعله الهيثمي (3/ 184) بمسلمة الخشني.

5191 - (كان يعدل صومه بصوم ألف يوم، يعني: يوم عرفة) .

منكر

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 164) ، والطبراني في "الأوسط" (2/ 124/ 2/ 6945 - بترقيمي) عن الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو داود سليمان بن موسى الكوفي: حدثنا دلهم بن صالح عن أبي إسحاق عن مسروق:

أنه دخل على عائشة يوم عرفة، فقال: اسقوني. فقالت عائشة: يا غلام! اسقه عسلاً. ثم قالت: وما أنت يا مسروق! بصائم؟! قال: لا؛ إني أخاف أن يكون يوم الأضحى. فقالت عائشة: ليس ذاك، إنما يوم عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق! أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكرته.

والسياق للطبراني؛ إلا لفظ الترجمة؛ فللعقيلي. وقال الطبراني:

"لم يروه عن أبي إسحاق إلا دلهم، ولا عنه إلا سليمان. تفرد به الوليد".

قلت: وهذا إسناد ضعيف ومتن منكر، وهو مسلسل بالعلل:

الأولى: عنعنة أبي إسحاق؛ فإنه مدلس، وهو عمرو بن عبد الله السبيعي، على أنه كان اختلط.

الثانية: دلهم بن صالح ضعيف؛ كما في "التقريب" وغيره.

وبه أعله الهيثمي؛ فقال (3/ 190) :

"ضعفه ابن معين وابن حبان".

ونص كلامه في "الضعفاء" (1/ 294-295) :

"منكر الحديث جداً، ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات".

الثالثة: سليمان بن موسى الكوفي؛ مختلف فيه. وفي ترجمته ساق الحديث العقيلي؛ وقال:

"لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به". وقال الحافظ:

"فيه لين".

الرابعة: عنعنة الوليد بن مسلم؛ فإنه مدلس أيضاً؛ ولكنه كان يدلس تدليس التسوية. ثم قال العقيلي عقب الحديث:

"والمعروف في هذا حديث أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يعدل صوم عرفة كفارة سنتين".

قلت: أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (952) وغيره.

قلت: فقد أشار العقيلي بحديث أبي قتادة إلى نكارة متن حديث الترجمة.

وكأن المنذري لم يتنبه لهذا، ولا للعلل التي ذكرنا؛ فقال في "الترغيب" (2/ 76) - محسناً! -:

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، والبيهقي، وفي رواية للبيهقي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم"!!

قلت: فالصواب تعديله بصوم سنتين، وهو المروي عن ابن عمر من طريقين:

الأولى: عن الفضيل بن ميسرة: حدثني أبو حريز أنه سمع سعيد بن جبير يقول:

سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: كنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعدله صوم سنتين.

قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، ورجاله ثقات؛ غير أبي حريز - وهو عبد الله بن الحسين الأزدي -؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء".

ومن طريقه أخرجه النسائي في "الكبرى"؛ لكنه قال: سنة.

وكأنه لذلك قال المزي في "التحفة" (5/ 428) :

"وحديثه هذا منكر".

قلت: وقد وجدت له طريقاً أخرى - وهي الطريق الثانية -، تؤكد نكارة هذا: أخرجه تمام الرازي في "الفوائد" (ق 241/ 2) من طريق قطبة بن العلاء الغنوي: حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعاً بلفظ:

"صوم يوم عرفة يعدل سنتين: سنة مقبلة، وسنة متأخرة".

وقطبة بن العلاء ضعيف. لكن يشهد لحديثه حديث أبي قتادة المتقدم وما في معناه، وهو مخرج في "إرواء الغليل" (4/ 108-110) .

ثم رأيت الحديث قد أخرجه البيهقي في "الشعب" (3/ 357-358) باللفظين: لفظ حديث الترجمة، ولفظه المختصر:

"صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم".

رواه من طريق سليمان بن أحمد الواسطي: أخبرنا الوليد بن مسلم بإسناده المتقدم.

وسليمان هذا؛ كذبه يحيى، وضعفه النسائي وغيره. وبه أعله المناوي!

وفاته أنه قد توبع باللفظ الأول، فالعلة ممن فوقه.

(تنبيه) : وقع الحديث في عدة نسخ من "الجامع الصغير" باللفظ الثاني معزواً لـ (حب) ، وعليه نسخة "فيض القدير"؛ خلافاً لنسخة "التيسير"؛ ففيه (هب) وهذا هو الصواب؛ وهو الموافق لما في "الجامع الكبير"؛ فإن (حب) يرمز إلى ابن حبان في "صحيحه"؛ ولم يخرجه فيه، و (هب) يرمز إلى البيهقي في "الشعب"، وقد عرفت أنه أخرجه فيه.

5192 - (عليك بالبيض: ثلاثة أيام من كل شهر) .

موضوع بهذا اللفظ

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 107/ 1) من طريق سليمان بن داود الشاذكوني: حدثنا عيسى بن يونس عن بدر بن الخليل عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عمر:

أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصيام؟ فقال: ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن بدر إلا عيسى، تفرد به سليمان".

قلت: وهو متروك، بل صرح ابن معين وغيره بأنه كان يضع الحديث.

وله ترجمة مطولة في "اللسان"؛ فلا أدري بعد هذا كيف ساغ للمنذري أن يوثقه في "الترغيب" بقوله (2/ 84) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات"؟!

وكذا قال الهيثمي أيضاً (3/ 196) ! إلا أنه عزاه لـ "كبير الطبراني" أيضاً،

ولم أره فيه من نسخة الظاهرية! فإن كان فيه؛ فإني أستبعد أن يكون ليس فيه الشاذكوني؛ لأن الطبراني نفسه قال: إنه تفرد به.

وفي الحض على صوم ثلاثة أيام من كل شهر أحاديث كثيرة، ولكن لا يوجد فيما هذا الحض!

5193 - (من صام الأربعاء والخميس والجمعة؛ بنى الله له بيتاً في الجنة، يرى ظاهره من باطنه، وباطنه من ظاهره) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 187/ 255) عن شهاب ابن خراش عن صالح بن جبلة عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن ميمون إلا صالح، تفرد به شهاب".

قلت: وهو مختلف فيه؛ فوثقه جماعة، وضعفه آخرون. وقد لخص ذلك الحافظ؛ فقال في "التقريب":

"صدوق يخطىء". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 362) :

"كان رجلاً صالحاً، وكان ممن يخطىء كثيراً، حتى خرج عن حد الاحتجاج به إلا عند الاعتبار".

ولعل إعلاله بشيخه صالح بن جبلة أولى؛ فإنه ليس بالمشهور.

أورده ابن حبان في "الثقات"، وقال الأزدي:

"ضعيف".

وقد وقفت للحديث على طريق أخرى، أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان" (137) عن محمد بن خالد الحنظلي عن سلم بن سالم عن سعيد عن عبد الجبار عن أبي بكر العنسي عن أبي قبيل المعافري عن أبي هريرة مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: أبو بكر العنسي؛ قال ابن عدي في آخر كتابه (ق 428/ 2) :

"مجهول، له أحاديث مناكير عن الثقات".

الثانية: سعيد بن عبد الجبار، هو الزبيدي الحمصي فيما يغلب على ظني، وهو ضعيف، وكان جرير يكذبه.

الثالثة: سلم بن سالم - وهو البلخي -؛ وهو متروك.

الرابعة: محمد بن خالد الحنظلي؛ لم أجد له ترجمة.

قلت: ولشدة ضعف هذا الطريق؛ فإنه لا يصلح شاهداً ومقوياً للطريق الأولى. والله أعلم.

ثم رأيته في "شعب الإيمان" (3/ 397/ 3873) من طريق أبي عتبة: حدثنا بقية عن أبي بكر العنسي به؛ إلا أنه قال: عن أنس بن مالك. وقال:

"أبو بكر العنسي مجهول، يأتي بما لا يتابع عليه".

ورواه الهيثم بن خارجة: حدثنا شهاب بن خراش عن صالح بن جبلة عن ميمون بن مهران عن أبي أمامة به.

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 299-300/ 7981) .

وقد روي عن شهاب عن صالح بإسناد آخر نحوه، وهو الآتي.

5194 - (من صام الأربعاء والخميس والجمعة؛ بنى الله له قصراً في الجنة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، وكتب له براءة من النار) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 188/ 256) بإسناد الذي قبله: حدثنا أحمد بن رشدين: حدثنا زهير: حدثنا شهاب عن صالح عن أبي قبيل المصري أنه سمع أنس بن مالك يقول: ... فذكره مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن أنس إلا أبو قبيل، واسمه حي بن يؤمن".

قلت: وهو ثقة؛ لكن العلى من اللذين دونه، وقد سبق الكلام عليهما في الحديث الذي قبله.

إلا أن دونهما من هو شر منهما؛ وهو شيخ الطبراني، وهو أحمد بن محمد ابن الحجاج بن رشدين أبو جعفر المصري؛ قال ابن عدي:

"كذبوه".

5195 - (انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، [ولقد رأيت عليه حلة شراها بمئتي درهم] ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون. يعني: مصعب بن عمير) .

ضعيف

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 108) ، والبيهقي في "الشعب" (2/ 230/ 2) عن الحسن بن سفيان: حدثنا إبراهيم الحوراني: حدثنا عبد العزيز بن عمير [من أهل خرسان، نزيل دمشق] : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء: حدثنا جعفر بن

برقان عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن عمر بن الخطاب قال:

نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عمير مقبلاً؛ وعليه إهاب كبش قد تنطق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه ابن عساكر في "التاريخ" (10/ 192/ 1) من طريق البيهقي وغيره عن الحسن بن سفيان به، وفيه الزيادة.

أورده في ترجمة عبد العزيز بن عمير؛ وكناه بأبي الفقير الخراساني الزاهد، وذكر في الرواة عنه إبراهيم بن أيوب الحوراني، وفي شيوخه زيد بن أبي الزرقاء؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ولا وفاة. وأطال في حكاية أقواله وبعض أحواله.

وأورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 2/ 391) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ لكن وقع فيه: (عبد العزيز بن عمر) ! والصواب: (ابن عمير) ؛ كما في "الحلية" و "التاريخ" وغيرهما.

وإبراهيم بن أيوب الحوراني؛ ترجمه ابن أبي حاتم أيضاً (1/ 1/ 88) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وفي "اللسان":

"ذكره أبو العرب في "الضعفاء"، ونقل عن أبي الطاهر أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي أنه قال: إبراهيم بن أيوب؛ حوراني ضعيف.

قال أبو العرب: وكان أبو الطاهر من أهل النقد والمعرفة بالحديث بمصر".

(تنبيه) : عقب هذه الترجمة ترجمة أخرى عند ابن أبي حاتم، وهي:

"إبراهيم بن أيوب الفرساني الأصبهاني. روى عن سفيان الثوري ... سألت أبي عنه فقال: لا أعرفه".

وترجمه أبو نعيم أيضاً في "أخبار أصبهان" (1/ 172-173) ، وقال:

"سمع من الثوري والمبارك بن فضالة ... "؛ وساق له أحاديث.

ومن الواضح أنه أقدم طبقة من الحوراني، وقد اختلطت الترجمتان في "اللسان"؛ فصارتا ترجمة واحدة هي ترجمة الحوراني! والصواب التفريق بينهما كما فعل ابن أبي حاتم. ولعل الخلط المذكور وقع من بعض نساخ "اللسان"؛ فإن الترجمة الأولى لم تقع في "الميزان". والله أعلم.

5196 - (إن في جهنم وادياً، وفي الوادي بئر يقال له: هبهب، حقاً على الله أن يسكن فيه كل جبار عنيد) (1) .

ضعيف

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 49) ، وأبو يعلى (4/ 1741) ، وابن عدي (ق 31/ 2) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 200/ 2) ، والحاكم (4/ 596-597) من طريق أزهر بن سنان: أخبرنا محمد بن واسع قال: قلت: لبلال بن أبي بردة: إن أباك حدثني عن جدك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد". وقال الحاكم:

"تفرد به أزهر بن سنان".

قلت: وهو ضعيف اتفاقاً، لم يخالف في ذلك إلا ابن عدي؛ فإنه قال في آخر ترجمته:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " تقدم برقم (1181) ، فيطبع غيره ". لكن هنا زيادات على ما هنالك. (الناشر)

"أحاديثه صالحة، ليس بالمنكر جداً، وأرجو أنه لا بأس به"!

ولذلك؛ جزم الحافظ بضعفه في "التقريب".

وللحديث علة أخرى، وهي الوقف، أعله بذلك العقيلي؛ فإنه ساقه من طريق هشام بن حسان عن محمد بن واسع قال:

بلغني أن في النار جباً يقال له: جب الحزن ... الحديث نحوه. وقال:

"وهذا أولى من حديث أزهر".

5197 - (من أرضى سلطاناً بسخط ربه عز وجل؛ خرج من دين الله تبارك وتعالى) .

موضوع

أخرجه الحاكم (4/ 104) عن عنبسة بن عبد الرحمن عن علاق بن أبي مسلم قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"تفرد به علاق بن أبي مسلم، والرواة إليه كلهم ثقات"!

قلت: كذا قال، ووافقه الذهبي! وهو من أوهامهما الفاحشة؛ فإن عنبسة بن عبد الرحمن هذا: هو القرشي؛ كما صرح الذهبي نفسه في ترجمة علاق بن أبي مسلم - ويقال: عبد الملك بن علاق -؛ قال الذهبي في "الميزان":

"عن أنس؛ قال الترمذي: مجهول. وقال الأزدي: متروك الحديث. وقد تفرد عنه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي".

قلت: وقال في ترجمة عنبسة:

"قال البخاري: تركوه، وروى الترمذي عن البخاري: ذاهب الحديث. وقال أبو حاتم: كان يضع الحديث". وقال الحافظ في "التقريب":

"متروك، رماه أبو حاتم بالوضع".

5198 - (إن صلاح ذات البين أعظم من عامة الصلاة والصيام) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 9/ 2-10/ 2) من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي: أخبرنا إسماعيل بن راشد قال:

كان من حديث ابن ملجم - لعنه الله - وأصحابه ... (قلت: فذكره بطوله، وفيه قتل ابن ملجم لعلي رضي الله عنه، ووصية علي قبل موته وفيها) : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا؛ فإني سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع؛ فإن إسماعيل بن راشد - على جهالته - لم يدرك علياً رضي الله عنه؛ فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، فقال (1/ 1/ 169) :

"إسماعيل بن راشد السلمي، وهو إسماعيل بن أبي إسماعيل أخو محمد ابن أبي إسماعيل. روى عن سعيد بن جبير. روى عنه حصين بن عبد الرحمن السلمي، يعد في الكوفيين".

وعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي؛ قال الحافظ:

"صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل؛ فضعف بسبب ذلك، حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين".

قلت: فالظاهر أن إسماعيل بن راشد هذا من شيوخ الطرائفي المجهولين، ولا

أستبعد أن يكون في "ثقات ابن حبان"؛ فقد قال الهيثمي (9/ 145) :

"رواه الطبراني، وهو مرسل، وإسناده حسن"!

كذا قال! والشاهد أن تحسينه لإسناده المرسل لا بد أن يكون بعد أن قد رأى من وثق إسماعيل هذا، وظني أنه ابن حبان، والله أعلم (1) .

5199 - (صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه. يعني: يوم عاشوراء) .

منكر بهذا التمام

أخرجه أبو داود (2447) : حدثنا محمد بن المنهال: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه:

أن (أسلم) أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الرحمن ابن مسلمة - ويقال: ابن المنهال بن مسلمة، وقيل غير ذلك -، وهو مجهول العين؛ كما يشير إلى ذلك قول الذهبي في "الميزان":

"تفرد عنه قتادة".

وبروايته فقط عنه: ترجمه البخاري (3/ 1/ 354) ، وابن أبي حاتم (2/ 2/ 288) ، وابن حبان في "الثقات" (1/ 132 - مخطوطة الظاهرية) ؛ وقد صرح البيهقي بتجهيله كما يأتي، فلا تغتر بتوثيق ابن حبان إياه، فهو كثير

__________

(1) لم أكن وقفت على الحديث عند الطبراني عند تعليقي على " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " ثم أوقفني عليه الأخ الفاضل عبد المجيد السلفي في كتاب أرسله إلي، تاريخه 2 / 8 / 1397 فوصلني في 15 / 10 / 1397 وكان من أسباب ذلك أنني قضيت شهر رمضان في سويسرا.

 

التوثيق للمجهولين؛ كما نبهت عليه مراراً؛ فقال المنذري عقب الحديث في "مختصر السنن" (3/ 326) :

"وأخرجه النسائي، وذكر البيهقي عبد الرحمن هذا؛ فقال: وهو مجهول، ومختلف في اسمه، ولا يدرى من عمه؟ "!!

وفي هذا التخريج نظر من وجهين:

الأول: إطلاقه العزو للنسائي يوهم أنه في "الصغرى" له، وليس كذلك، وإنما أخرجه في "الكبرى"، كما يأتي.

والآخر: أنه أخرجه بمتن أبي داود، وليس كذلك أيضاً؛ فإنه ليس عنده قوله: "واقضوه". وهو موضع النكارة في الحديث، وإلا؛ فسائره صحيح؛ له شواهد كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما، وقد خرجت طرفاً كبيراً منها في "الصحيحة" (2624) . ولذلك؛ قال ابن القيم في "تهذيب السنن" (3/ 325) :

"قال عبد الحق: ولا يصح هذا الحديث في القضاء، قال: ولفظة: "اقضوه"، تفرد بها أبو داود؛ ولم يذكرها النسائي".

وصدق رحمه الله، وإن كنت لم أر في كتابه "الأحكام الوسطى" (1) (ق 94/ 1) إلا الجملة الأولى منه، فلعل سائرها في "الأحكام الكبرى" له.

والحديث؛ أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 221) من طريق أخرى عن محمد بن المنهال به؛ إلا أنه وقع عنده: "شعبة" مكان: "سعيد"!

__________

(1) وما جاء في نسخة الظاهرية على طرتها أنها: " الأحكام الكبرى "! خطأ، كما تبين لي بعد أن باشرت تحقيقها وتخريجها منذ سنين.

وهو وهم من بعض الرواة؛ كما أشار إلى ذلك ابن التركماني في "الجوهر النقي".

وقد تابعه جمع عن سعيد بن أبي عروبة؛ فقال أحمد (5/ 409) : حدثنا روح: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي! عن عمه به دون قوله: "واقضوه".

وأخرجه الطحاوي (1/ 336) ؛ لكن وقع عنده: "شعبة عن قتادة"! ولعله تحريف مطبعي.

وكذلك تابعه محمد بن بكر، وبشر - وهو ابن المفضل -؛ كلاهما عن سعيد به دون الزيادة.

أخرجه النسائي في "الكبرى" (ق 37/ 2) ، وذكر أنه خالفه في إسناده شعبة فقال: عن قتادة عن عبد الرحمن بن المنهال الخزاعي عن عمه به دون الزيادة.

أخرجه النسائي (37/ 1) ، وأحمد (5/ 367-368) كلاهما عن محمد ابن جعفر: حدثنا شعبة: إلا أن أحمد قال: "عبد الرحمن بن المنهال أبو ابن سلمة".

وتابعه حجاج: حدثني شعبة به؛ إلا أنه قال: "عبد الرحمن أبي المنهال بن سلمة - وفي مكان آخر: مسلمة - الخزاعي".

أخرجه أحمد (5/ 29،367-368) .

وتابعهم عبد الرحمن بن زياد: حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا المنهال يحدث عن عمه به.

أخرجه الطحاوي.

قلت: وهذا الاختلاف في اسم شيخ قتادة في هذا الحديث؛ ليدل - عند العارفين بهذا العلم الشريف - أنه غير مشهور ولا معروف، ولذلك؛ جهله البيهقي كما تقدم، وضعف حديثه عبد الحق الإشبيلي، وتبعه على ذلك شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/ 118) ، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"، فقد ذكر الحديث؛ وقال:

"حديث غريب، مختلف في إسناده ومتنه، وفي صحته نظر".

نقله الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 436) ، وأقره.

فالعجب من الحافظ ابن حجر؛ كيف سكت عليه في "الفتح" (4/ 201) ، بل أشار قبل ذلك (4/ 114) إلى تقويته؟! فإنه قال في صدد البحث في وجوب القضاء على من لم يبيت النية، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأتموا بقية يومكم". - كما في الأحاديث الصحيحة - لا ينافي الأمر بالقضاء، قال:

"بل ورد ذلك صريحاً في حديث أخرجه أبو داود والنسائي ... " فذكره، وقال:

"وعلى تقدير أن لا يثبت؛ فلا يتعين ترك الفضاء ... "!

أقول: وكذلك لا يتعين إيجاب القضاء، بل هذا خلاف الأصل؛ فإنه ينافي البراءة الأصلية، فالإيجاب لا بد له من أمر خاص، وهذا غير موجود إلا في هذا الحديث، وهو ضعيف السند منكر المتن؛ كما تقدم بيانه، فلا تغتر بموقف الحافظ منه؛ فإنه خلاف ما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية!

5200 - (إنما جعلت الخطبة مكان الركعتين، فإن لم يدرك الخطبة؛ فليصل أربعاً) .

لا أصل له مرفوعاً

وإنما روي موقوفاً، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 128) بإسناد صحيح عن يحيى بن ابي كثير قال: حدثت عن عمر بن الخطاب أنه قال: ... فذكره.

ورواه عبد الرزاق أيضاً في "مصنفه" (3/ 237/ 5484) مختصراً.

وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين يحيى وعمر.

ومثله في الانقطاع: ما أخرجه هو، وعبد الرزاق (3/ 237/ 5485) عن عمرو بن شعيب عن عمر بن الخطاب قال:

كانت الجمعة أربعاً، فجعلت ركعتين من أجل الخطبة، فمن فاتته الخطبة؛ فليصل أربعاً.

ثم روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عون قال:

ذكر لمحمد قول أهل مكة: إذا لم يدرك الخطبة صلى أربعاً؟ فقال: ليس هذا بشيء.

قلت: ومحمد: هو ابن سيرين التابعي الجليل، وابن عون؛ اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عون البصري؛ وهو ثقة ثبت.

ويشير بقوله: "أهل مكة" إلى ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً بسند صحيح عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا:

 

(11/325)

 

 

إذا فاتته الخطبة يوم الجمعة؛ صلى أربعاً.

ورواه عبد الرزاق (3/ 238/ 5486) عن ابن جريج عن عطاء به أتم منه.

واعلم أنه حملني على كتابة هذا التحقيق في أثر عمر المذكور: أنني رأيت الشيخ مهدي حسن الشاه جهانبوري ذكر في كتابه "السيف المجلى على المحلى" (3/ 65) أن الخطبة جزء الصلاة ونصفها كما ورد في الحديث المرفوع والموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما في "كنز العمال".

فاستغربت ما ذكره من الرفع، فرجعت إلى المصدر الذي عزاه إليه: "الكنز"؛ فرأيت قد ذكر فيه (4/ 273/ 5618) هذا الأثر موقوفاً على عمر من قوله من رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة كما خرجناه عنهما؛ فتيقنت أن الشيخ وهم في رفعه، وعزوه إلى "الكنز" مرفوعاً.

وله من مثل هذا الوهم في كتابه المذكور الشيء الكثير، ومن أقربها إلى ما نحن فيه: ما ذكره في (3/ 66) : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت عن الخطبة حتى فرغ من صلاته؛ كما في "السنن".

كذا قال! ومن المعلوم أن المقصود من كلمة "السنن" عند الإطلاق "السنن الأربعة" أو أحدها، وليس الحديث المذكور في شيء منها مطلقاً، فإن كان الشيخ يعلم ذلك؛ فهو تدليس خبيث، وإن كان لا يعلم؛ فالأمر كما قيل: أحلاهما مر!

وإنما أخرج الحديث: الدارقطني في "سننه" (ص 169) ، وأعله بالإرسال؛ فإنه أخرجه من طريق عبيد بن محمد العبدي: حدثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال:

 

(11/326)

 

 

دخل رجل - من قيس - المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قم؛ فاركع ركعتين"؛ وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته. وقال الدارقطني:

"أسنده هذا الشيخ عبيد بن محمد العبدي عن معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس، ووهم فيه، والصواب: عن معتمر عن أبيه مرسل، كذا رواه أحمد بن حنبل وغيره عن معتمر". ثم رواه بإسناده عن أحمد مرسلاً.

ثم أخرجه هو، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 110) عن هشيم عن أبي معشر عن محمد بن قيس به نحوه. وقال:

"هذا مرسل لا تقوم به حجة، وأبو معشر اسمه نجيح، وهو ضعيف".

ونقله الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 203) وأقره، ومر عليه محققه الحنفي، فلم يعلق عليه بشيء؛ مع أنه خلاف مذهبه؛ فإنهم أجابوا عن حديث جابر في قوله - صلى الله عليه وسلم - لسليك: "قم؛ فصل ركعتين وتجوز فيهما"؛ أجاب الحنفية عنه بأجوبة مردودة؛ أحدها: ما دل عليه هذا الحديث المعلول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنصت له حتى فرغ من صلاته!!

وهذا الجواب قد رده الحافظ الزيلعي من جهة أخرى؛ فإنه قال - جزاه الله خيراً على إنصافه وتجرده عن العصبية المذهبية؛ خلافاً لجماهيرهم -:

"وهذا الجواب يرده ما في الحديث (يعني: حديث سليك في رواية) : "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج؛ فليصل ركعتين". أخرجه البخاري ومسلم. وأخرجه مسلم في قصة سليك؛ كما تقدم".

 

(11/327)

 

 

وإن من عجائب هؤلاء المتعصبة: أنهم يحتجون بالحديث الضعيف على خصومهم لرد أحاديثهم الصحيحة؛ ثم هم لا يعملون بما احتجوا به: عليهم؛ فهذا حديث الترجمة مثلاً، فإنهم لا يقولون بما فيه صراحة: "فإن لم يدرك الخطبة؛ فليصل أربعاً"؛ كيف وهم قد ردوا الحديث الصحيح: "من أدرك ركعة من الجمعة؛ فليصل إليها أخرى"؟! [انظر "الأجوبة النافعة" (ص 41) ، و "الإرواء" (615) ] فقالوا: بل من أدرك الإمام في الجمعة قبل السلام؛ فإنه يتمها ولا يصليها أربعاً؛ خلافاً للآثار الصحيحة عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما!

ومن البين الواضح أن من لم يعمل بهذه الآثار والحديث الموافق لها؛ لا يعمل من باب أولى بحديث الترجمة الذي احتجوا به على مخالفيهم في مجال آخر.

وإليك مثالاً آخر: الحديث المرسل المتقدم؛ فإنهم لا يعملون به، بل إنه لا يمكن العمل به، وذلك من أدلة ضعفه؛ لأن لازمه أنه كلما دخل داخل يريد أن يصلي التحية؛ فعلى الخطيب أن يمسك عن خطبته حتى يفرغ!! ولذلك؛ قال ابن المنير في رد جواب الحنفية المتقدم:

"إن الحديث لو ثبت؛ لم يسغ على قاعدتهم؛ لأنه يستلزم جواز قطع الخطبة لأجل الداخل، والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه؛ لا سيما إذا كان واجباً". نقلته من "فتح الباري" (2/ 409 - طبعة الخطيب) .

ومن أوهام الشيخ مهدي قوله (3/ 29) :

"ألم يقرع بسمع (كذا) ابن حزم قوله - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بالسواد الأعظم ... "!! فجزم بنسبة هذا الحديث إليه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولا يصح؛ كما سبق بيانه برقم (2896) .

وكذلك صحح الحديث المتقدم (59) : ".. أصحابي كالنجوم ... "

 

(11/328)

 

 

وحديث (87) : "إذا صعد الخطيب المنبر؛ فلا صلاة ولا كلام"!! تأييداً لمذهبه، ورداً للأحاديث الصحيحة؛ كما تقدم بيانه هناك. وحديث السواد الأعظم يحتج به الشيخ على ابن حزم لمخالفته الجمهور في قوله بوجوب غسل الجمعة،ولا يشعر المسكين أنه حجة عليه - لو صح - في عشرات المسائل بل مئاتها التي خالف الحنفية فيها الجمهور، في الطهارة والصلاة والعقود وغيرها من أبواب الشريعة؛ وهو القائل عن نفسه في الكتاب المذكور (2/ 20) :

"وأنا حنفي غال في الحنفية"!! نسأل الله تعالى السلامة من كل بلاء ورزية، والوفاة على الملة الحنيفية!!

قلت: ومع هذه الأخطاء الفاحشة، الدالة على عدم معرفة الشيخ بهذا العلم الشريف؛ يتعصب له الشيخ محمد يوسف البنوري في رسالة "الأستاذ المودودي" (ص 50) فيصفه بأنه:

"أكبر محدث في عصره، وأفقه رجل في البلاد ... "!!

ولئن صدق الشيخ البنوري في هذا الوصف؛ فما أرى السبب في مباينة ما في رسالة الشيخ من الأخطاء الكثيرة التي أثبتنا بعضها هنا؛ إلا أنه ألفها في حالة نفسية متوترة؛ حيث قال في آخر الجزء الأول منها:

"فرغت من تسويده سنة (1388) من الهجرة؛ وأنا مريض بمرض الفالج من خمسة أعوام، عاجز عن القيام والقعود إلا بمعين".

اللهم! متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا؛ إنك سميع مجيب!!

 

(11/329)

 

 

ومن الأحاديث التي ينبغي تخريجها وبيان الحق فيها - مما تعرض له الشيخ الشاه جهانبوري في رسالته (3/ 24) بكلام يباين أصول علماء الحديث ومصطلحهم - الحديث التالي:

5201 - (من جاء منكم الجمعة؛ فليغتسل. فلما كان الشتاء قلنا: يا رسول الله! أمرتنا بالغسل للجمعة، وقد جاء الشتاء ونحن نجد البرد؟ فقال: من اغتسل فبها ونعمت، ومن لم يغتسل؛ فلا حرج) .

موضوع بهذا التمام

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (ق 324/ 1) عن الفضل بن المختار عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، في ترجمة الفضل هذا، وقال:

"عامة حديثه مما لا يتابع عليه؛ إما إسناداً وإما متناً".

قلت: وقال فيه أبو حاتم:

"أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل".

قلت: وهو راوي حديث المجرة الموضوع، وقد مضى برقم (284) .

لكن أبان - وهو ابن أبي عياش - ليس خيراً منه، بل لعله شر منه؛ فقد اتفقوا على تركه. وقال شعبة:

"لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان". وقال فيه أحمد:

"كذاب".

قلت: فهو أو الراوي عنه آفة هذا الحديث، وقد لفقه من حديثين صحيحين، محرفاً لأحدهما:

 

(11/330)

 

 

الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من جاء منكم الجمعة؛ فليغتسل"؛ فإنه متفق عليه من حديث عمر وابنه عبد الله وغيرهما بألفاظ متقاربة، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (367) .

والحديث الآخر لفظه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". هكذا روي عن جمع من الصحابة منهم أنس نفسه، بأسانيد ثلاثة: عن يزيد الرقاشي، وثابت البناني، والحسن البصري؛ ثلاثتهم عن أنس به.

أخرجه عنهم الطحاوي وغيره، وطرقه يقوي بعضها بعضاً، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود" أيضاً برقم (380) .

فجاء هذا الكذاب (أبان) ؛ فرواه باللفظ المذكور أعلاه:

"من اغتسل فبها ونعمت، ومن لم يغتسل فلا حرج".

فجعل لفظه صريح الدلالة في عدم وجوب غسل الجمعة! وليس هذا فحسب، بل إنه ربط بينه وبين الحديث الأول: "من جاء منكم الجمعة؛ فليغتسل" - وهو ظاهر على وجوب الغسل -؛ فربط بينهما بجملة الشتاء والسؤال، بحيث يدل الجواب على أن الحديث الأول منسوخ قطعاً.

ولذلك؛ استدل به للحنفية الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 88) على أن أحاديث الوجوب منسوخة! فإنه ساقه من طريق ابن عدي كما سقناه، ثم عقب عليه بقوله:

"إلا أن هذا سند ضعيف يسد بغيره"!

كذا فيه: "يسد" بالسين المهملة؛ أي: يصلح، ولعله: "يشد" بالمعجمة، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فإن القلب يشهد بأن في العبارة تحريفاً من بعض الناسخين

 

(11/331)

 

 

أو غيرهم، ولعل الأصل:

"ضعيف بمرة" أو نحوه؛ فإني أكبر الحافظ الزيلعي أن يقتصر على تضعيف هذا الإسناد الهالك بهذا المتن الباطل، وليس هذا فقط، بل ويقول فيه:

"يسد (أو يشد) بغيره"!!

إني أستبعد جداً أن يقول هذا، وهو يعلم أن الشديد الضعف لا يقوى بغيره، لا سيما إذا كان متنه باطلاً كهذا.

وأما الشيخ مهدي الحنفي الذي سبق ذكره في الحديث المتقدم؛ فقد نقل عبارة الزيلعي هذه واستدلاله به على النسخ، وسلم بذلك كله متعقباً عليه بقوله:

"وسيأتي تحقيق الحديث المذكور (يعني: من توضأ يوم الجمعة ... ) ؛ فإن بعض طرقه صحيح أو حسن، والمجموع ينهض حجة للنسخ؛ فافهم"!!

فانطلى عليه حال إسناد هذا الحديث الهالك والمتن الباطل، فلم ينبه على شيء من ذلك؛ وبخاصة الفرق بين متنه ومتن تلك الأحاديث التي يتقوى بها متنها دون متنه، وهي لا تدل على النسخ المزعوم مطلقاً، وتجد بيان ذلك في "المحلى" (2/ 14) ، و "الفتح" (2/ 300) .

5202 - (لا عليكما، صوما مكانه يوماً آخر) .

ضعيف

روي من حديث عائشة، وله عنها طريقان: أحدهما عن عروة، والآخر عن عمرة.

1- أما طريق عروة؛ فله عنه طريقان:

 

(11/332)

 

 

الأولى: عن زميل مولى عروة عن عروة بن الزبير عنها قالت:

أهدي لي ولحفصة طعام، وكنا صائمتين، فأفطرنا، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا له: يا رسول الله! إنا أهديت لنا هدية، فاشتهيناها فأفطرنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أخرجه أبو داود (2457) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (ق 63/ 2) ، وابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 227) ، وابن عدي في "الكامل" (151/ 2) ، والبيهقي (4/ 281) ؛ وقال - تبعاً لابن عدي، وهذا تبعاً للبخاري في "التاريخ" (2/ 1/ 450) -:

"لا يعرف لزميل سماع من عروة، ولا تقوم به الحجة". ثم قال ابن عدي:

"وحديث عروة عن عائشة معروف بزميل، وإسناده لا بأس به"!

وهذا منه غريب؛ إذ كيف يكون إسناده لا بأس به، وفيه زميل، وقد قال فيه البخاري: "لا تقوم به الحجة"، ولم يرو عنه غير يزيد بن الهاد؟! ففيه إشارة إلى أنه مجهول، وقد صرح بذلك جمع، أقدمهم الإمام أحمد فقال:

"لا أدري من هو؟! ".

وتبعه الخطابي؛ فقال في "معالم السنن" (3/ 335) :

"إسناده ضعيف، وزميل مجهول، ولو ثبت الحديث؛ أشبه أن يكون إنما أمرهما بذلك استحباباً".

وتبعه على هذا الحافظ المنذري في "مختصر السنن". ولذلك؛ قال الحافظ في "التقريب":

 

(11/333)

 

 

"مجهول". ونحوه في "الميزان"، وقال:

"ومن مناكيره ... "؛ ثم ساق له هذا الحديث.

ثم قال البيهقي:

"وروي من أوجه أخرى عن عائشة، لا يصح شيء منها، وقد بينت ضعفها في (الخلافيات) ".

قلت: وسأبينها في حدود ما اطلعت عليه، وما توفيقي إلا بالله.

والطريق الأخرى: عن الزهري عن عروة. وله عن الزهري طرق:

الأولى: عن جعفر بن برقان قال: حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة به.

أخرجه الترمذي (1/ 142) ، والنسائي (ق 63/ 2) ، والبيهقي (4/ 280) ، وأحمد (6/ 263) ، وأبو يعلى (3/ 1140) كلهم عن كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن برقان ... وأعلوه بالإرسال؛ فقال الترمذي عقبه:

"وروى صالح بن أبي الأخضر، ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا. ورواه مالك بن أنس، ومعمر، وعبيد الله بن عمر، وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلاً، ولم يذكروا فيه: عن عروة، وهو أصح؛ لأنه روي عن ابن جريج قال: سألت الزهري قلت له: أحدثك عروة عن عائشة؟ قال: لم أسمع من عروة في هذا شيئاً، ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من نا عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث". وقال البيهقي:

 

(11/334)

 

 

"هكذا رواه جعفر بن برقان، وصالح بن أبي الأخضر، وسفيان بن حسين؛ عن الزهري؛ وقد وهموا فيه عن الزهري".

وكذا قال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 227) عن أبيه، والنسائي؛ كما يأتي في الطريق الثالثة.

وعلة هذه الطريق الأولى - بالإضافة إلى مخالفة الثقات الحفاظ - جعفر هذا؛ فإنه وإن كان أخرج له مسلم؛ فهو ضعيف في روايته عن الزهري خاصة، صرح بذلك جمع من أئمة الجرح، كأحمد وابن معين وابن عدي وغيرهم، ويأتي كلام النسائي بذلك قريباً.

الثانية: عن سفيان بن حسين عن الزهري به.

أخرجه النسائي (63/ 2-64/ 1) ؛ وأعله بابن حسين؛ كما يأتي.

الثالثة: عن صالح بن أبي الأخضر عنه به.

أخرجه ابن صاعد في "مجلسان" (ق 52/ 1) - من طريق روح بن عبادة عنه -، ورواه النسائي (64/ 1) ، والبيهقي - من طريق سفيان بن عيينة - قالا: سمعنا من صالح بن أبي الأخضر ... فذكره، قال سفيان: فسألوا الزهري - وأنا شاهد - فقالوا: هو عن عروة؟ فقال: لا.

وقول سفيان؛ هذا أخرجه الطحاوي أيضاً في "شرح المعاني" (1/ 354) .

ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه: حدثنا ابن أبي مريم عن ابن عيينة بلفظ:

فقال: لم أسمعه من عروة، إنما حدثني رجل على باب ... فذكره نحو رواية ابن جريج المتقدمة عند الترمذي.

 

(11/335)

 

 

وقد وصلها هو، وعبد الرزاق (4/ 276) ، والطحاوي؛ عنه.

ولعله هو السائل الذي أشار إليه سفيان في قوله المذكور. وقد قال النسائي عقبه:

"الصواب ما روى ابن عيينة عن الزهري؛ وصالح بن أبي الأخضر ضعيف في الزهري وغير الزهري، وسفيان بن حسين وجعفر بن برقان ليسا بالقويين في الزهري، ولا بأس بهما في غير الزهري". وقال البيهقي:

"فهذان ابن جريج وسفيان بن عيينة شهدا على الزهري - وهما شاهدا عدل - بأنه لم يسمعه من عروة، فكيف يصح وصل من وصله؟!

قال أبو عسيى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: لا يصح حديث الزهري عن عروة عن عائشة. وكذلد قال محمد ابن يحيى الذهلي، واحتج بحكاية ابن جريج وسفيان بن عيينة، وبإرسال من أرسل الحديث من الأئمة".

الرابعة والخامسة والسادسة: عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن شهاب به.

أخرجه النسائي من طريق يحيى بن أيوب عنه. قال يحيى بن أيوب: وسمعت صالح بن كيسان بمثله. قال النسائي:

"وجدته عندي في موضع آخر: حدثني صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد. وهذا أيضاً خطأ مثله".

قلت: وهو من يحيى بن أيوب - وهو أبو العباس المصري -، فإنه وإن كان احتج به الشيخان؛ فقد تكلم فيه بعض الأئمة؛ لسوء حفظه ومخالفته. بل قال فيه الإمام أحمد:

 

(11/336)

 

 

"يخطىء خطأ كثيراً".

ويحيى بن سعيد؛ قد ذكره البيهقي (4/ 279) في زمرة الثقات الحفاظ الذين رووا الحديث عن الزهري منقطعاً، فدل ذلك على خطأ يحيى بن أيوب عليه حين رواه عنه عن الزهري عن عروة عن عائشة متصلاً. ورواية ابن سعيد المنقطعة قد وصلها البيهقي عنه كما سيأتي.

السابعة: عن عبد الله بن عمر العمري عن ابن شهاب به.

أخرجه الطحاوي (1/ 354) .

والعمري هذا - وهو المكبر - ضعيف إذا تفرد؛ فكيف إذا خالف الثقات؟!

وقد قرنه ابن أبي حاتم (1/ 227) مع سفيان بن حسين وجعفر بن برقان المخالفين المتقدمين آنفاً. ومن الثقات الذين خالفهم: أخوه عبيد الله بن عمر العمري الثقة الثبت؛ فقد ذكره البيهقي في زمرة الثقات الحفاظ الذين أرسلوا الحديث؛ كما تقدم قريباً، وكذلك ذكره فيهم الترمذي في كلامه السابق في الطريق الأولى. وقد وصله عنه النسائي.

وما تعقب به ابن التركماني البيهقي في ذكره عبيد الله في تلك الزمرة بقوله:

"قلت: أخرجه أبو عمر من حديث أبي خالد الأحمر عن عبيد الله ويحيى ابن سعيد وحجاج بن أرطأة؛ كلهم عن الزهري عن عروة أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين ... الحديث"!! فالجواب من وجهين:

الأول: أن أبا خالد الأحمر - واسمه سليمان بن حيان -، وإن كان ممن أخرج له الشيخان؛ ففي حفظه أيضاً كلام. ولذلك؛ قال فيه الحافظ:

 

(11/337)

 

 

"صدوق يخطىء". فلا عبرة بحديثه إذا خالف الثقات.

والآخر: أن ظاهر إسناده الإرسال أيضاً؛ لأن قوله: "عن عروة: أن عائشة وحفصة ... " صورته المرسل؛ كما هو ظاهر، فيكون أبو خالد قد شذ مرتين:

الأولى: من جهة مخالفة الثقات الحفاظ الذين رووه عن الزهري مرسلاً.

والأخرى: الذين خالفوا هؤلاء ممن سبق ذكرهم؛ فرووه عنه عن عروة عن عائشة متصلاً!!

2- وأما طريق عمرة؛ تفرد به جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عنها عن عائشة به.

أخرجه النسائي، والطحاوي (1/ 355) ، وابن حبان (951 - موارد) . وقال النسائي:

"هذا خطأ".

قلت: يعني: من جرير؛ فإن حاله كحال أبي خالد الأحمر وغيره، وقد بين ذلك البيهقي؛ فقال:

"وجرير بن حازم وإن كان من الثقات؛ فهو واهم فيه، وقد خطأه في ذلك أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني. والمحفوظ: عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن عائشة مرسلاً".

ثم روى بإسناده عن الأثرم قال: "قلت لأبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - تحفظه عن يحيى عن عمرة عن عائشة ... فأنكره، وقال: من رواه؟ قلت: جرير بن حازم. فقال: جرير كان يحدث بالتوهم".

 

(11/338)

 

 

وعن أحمد بن منصور الرمادي قال: "قلت لعلي بن المديني: يا أبا الحسن! تحفظ عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ... ؟ فقال لي: من روى هذا؟ قال: قلت: ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد. قال: فضحك؛ فقال: مثلك يقول مثل هذا؟! حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن الزهري أن عائشة ... ".

وجملة القول: أن الحديث ضعيف لا يصح، وأن الصواب فيه عن الزهري مرسلاً، وأن من قال عنه: عن عروة، أو قال: عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة؛ فقد وهم عليهما - بلا شك - وهماً فاحشاً؛ لمخالفة الحفاظ الثقات أولاً، وقد تقدم تسمية بعضهم - ومنهم مالك في "الموطأ" (1/ 306/ 50) -، ولمصادمة ذلك لتصريحه بأنه لم يسمعه من عروة، وإنما من رجل لم يسمه، فما لعروة - بله عمرة - بهذا الحديث صلة.

وإنما أفضت في الكشف عن علة الحديث وطرقه؛ لأني رأيت صنيع ابن التركماني في "الجوهر النقي" قد حشر ما وقع عليه من الطرق موهماً أن الحديث بها ثابت، ولا غرابة في ذلك؛ لما هو معروف به من التعصب للمذهب، وإنما الغرابة أن ابن القيم - بعدما ساق بعض الطرق المذكورة دون أي مناقشة لمفرادتها، وبيان ما في رواته من الضعف أو الشذوذ والمخالفة لروايات الثقات الأثبات - قال في "تهذيب السنن" (3/ 336) :

"فالذي يغلب على الظن: أن اللفظة محفوظة في الحديث، وتعليلها - لما ذكر - قد تبين ضعفه"!

وظني أن ابن القيم رحمه الله لو تتبع الطرق ورواتها - وما قاله الزهري نفسه من

 

(11/339)

 

 

النفي لسماعه للحديث من عروة -؛ لما ذهب إلى هذا الذي حكينا عنه، ولوجد أن الأئمة الذين أعلوا الحديث بالإرسال كانوا على الحق والصواب، وأن قولهم فيه هو فصل الخطاب.

ثم إن الحديث لو صح؛ فهو محمول على الاستحباب؛ كما تقدم عن الخطابي (1) .

ومما يشهد له: قوله - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه - وقد دعي إلى الطعام وهو صائم -:

"أفطر، وصم مكانه يوماً إن شئت"؛ وهو حديث ثابت؛ كما حققته في "آداب الزفاف" (ص 159) ، ثم في "إرواء الغليل" (1952) .

5203 - (إنا أهل بيت؛ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق؛ معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ماسألوا؛ فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي؛ فيملؤها قسطاً؛ كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم؛ فليأتهم ولو حبواً على الثلج) .

منكر

أخرجه ابن ماجه (2/ 518) ، وابن أبي عاصم في "السنة" برقم (1499) ، والعقيلي في "الضعفاء" (4/ 1494) عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:

بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ اغرورقت عيناه، وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً

__________

(1) كرر الشيخ - رحمه الله - الحديث برقم (5480) لكن من طريق آخر. (الناشر)

 

(11/340)

 

 

نكرهه؟! فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات؛ غير يزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي مولاهم الشيعي -. قال الذهبي:

"أحد علماء الكوفة المشاهير؛ على سوء حفظه". وقال الحافظ:

"ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن". وقال البوصيري في "زوائده" (ق 249/ 1) :

"مختلف فيه، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة (يعني: شيخ ابن ماجه فيه) ، وأبو يعلى بزيادة ونقص، لكن لم يتفرد به يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم؛ فقد رواه الحاكم في "المستدرك" من طريق عمرو بن قيس عن الحكم عن إبراهيم به"!

قلت: ما أحسن البوصيري صنعاً بهذا الاستدراك؛ فإنه الحديث عند الحاكم (4/ 464) من طريق محمد بن عثمان بن سعيد القرشي: حدثنا يزيد بن محمد الثقفي: حدثنا حنان (الأصل: حبان) بن سدير عن عمرو بن قيس الملائي به.

سكت عنه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: هذا موضوع".

أقول: لعل آفته من حنان هذا؛ فقد أورده ابن أبي حاتم (1/ 2/ 299) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، والحافظ في "اللسان" (2/ 367) ، وساق له من مناكيره حديثاً من روايته عن أهل البيت، وقال:

"قال الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" وفي "العلل": إنه من شيوخ الشيعة".

 

(11/341)

 

 

قلت: وهو في "رجال الكشي"؛ انظر "الفهرس" (ص 108) .

وقد تصحف اسمه في "المستدرك" إلى (حبان) ؛ كما سبقت الإشارة إليه.

وفي "الميزان": "حبان بن مديد"؛ وقال:

"قال الأزدري: ليس بالقوي عندهم".

ثم ساق له هذا الحديث. ووقع في "اللسان".

"حبان بن مدير"؛ وعزا الحديث الحاكم؛ وذكر تعقب الذهبي له بما سبق، وأقره؛ ولكنه قال:

"وأنا أخشى أن يكون هذا هو حنان - بفتح المهملة ونونين مخففاً -، وأبوه (سدير) بفتح السين المهملة بوزن (قدير) ، تصحف اسمه واسم أبيه".

قلت: والراوي عنه يزيد بن محمد الثقفي؛ لم أعرفه!

وكذا الراوي عنه: محمد بن عثمان بن سعيد القرشي! ومن طبقته: محمد ابن عثمان بن سعيد بن عبد السلام بن أبي السوار المصري، حدث عن أبي صالح كاتب الليث؛ قال أبو سعيد بن يونس: لم يكن بثقة؛ كما في "اللسان" (5/ 279) ، فلعله هو.

ثم إن الحديث قد أنكره جماعة من الأئمة المتقدمين على يزيد بن أبي زياد؛ فقال وكيع:

"يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله - حديث الرايات - ليس بشيء". وقال أبو أسامة:

 

(11/342)

 

 

"لو حلف لي خمسين يميناً قسامة ما صدقته"؛ يعني: في هذا الحديث. وذكر الذهبي عن الإمام أحمد أنه قال فيه مثل قول وكيع المتقدم.

5204 - (كيف بكم - أيها الناس! - إذا طغى نساؤكم، وفسق فتيانكم؟ قالوا: يا رسول الله! إن هذا لكائن؟! قال: نعم، وأشد منه، كيف أنتم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! قالوا: يا رسول الله! إن هذا لكائن؟ قال: وأشد منه، كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً، والمعروف منكراً؟!) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (ق 301/ 1) : حدثنا محمد بن الفرج: حدثنا محمد بن الزبرقان: حدثنا موسى بن عبيدة قال: أخبرني عمر بن هارون وموسى بن أبي عيسى عن أبي هريرة مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ موسى بن عبيدة - وهو الربذي - ضعيف عند الجمهور، وبعضهم ضعفه جداً.

والحديث؛ أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 280-281) ؛ وقال:

"رواه أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنه قال: "فسق شبابكم"، وفي إسناد أبي يعلى: موسى بن عبيدة، وهو متروك، وفي إسناد الطبراني: جرير ابن المسلم؛ ولم أعرفه، والراوي عنه شيخ الطبراني همام بن يحيى؛ لم أعرفه"!

قلت: جرير هذا روى له الطبراني حديثاً آخر في "المعجم الصغير" (ص 206) ، ونسبه فيه صنعانياً.

وروي من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:

 

(11/343)

 

 

"كيف أنتم إذا طغى نساؤكم ... " الحديث نحوه، وزاد في آخره:

قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟! قال: "نعم، وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى: بي حلفت! لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيهم حيراناً".

أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 417-418) ، والحافظ عبد الغني المقدسي في "كتاب الأمر بالمعروف" (91-92) عن حماد بن عبد الرحمن الكلبي: حدثنا خالد بن الزبرقان القرشي عن سليم بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة ... وقال ابن أبي حاتم:

"قال أبي: هذا حديث منكر، وحماد ضعيف الحديث".

قلت: وشيخه خالد بن الزبرقان؛ قال ابن أبي حاتم (1/ 2/ 332) :

"سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث. وغيري يحكي عن أبي أنه قال: صالح الحديث".

ثم أخرجه المقدسي من حديث ابن مسعود مختصراً. ورجاله ثقات؛ غير أبي نصر الفضل بن محمد بن سعيد؛ يرويه عن أبي الشيخ عن أبي يعلى بإسناده الحسن عنه.

غير أني لم أجده في "مسند أبي يعلى"، ولا في "المجمع"؛ فلينظر إن كان فيه؛ فإن كان ابن سعيد هذا معروفاً؛ فهو حسن ينقل إلى "الصحيحة"؛ فإني لم أعرف ابن سعيد هذا!

ثم وقفت على إسناد الطبراني، فوجدت فيه علتين أخريين، إحداهما واهية جداً، كما عرفت منه أحد الراويين اللذين لم يعرفهما الهيثمي، فقال الطبراني في

 

(11/344)

 

 

"المعجم الأوسط" (2/ 298/ 12/ 9479) : حدثنا همام بن يحيى: حدثنا حريز بن المسلم الصنعاني: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز (الأصل: عبد المجيد) ابن أبي رواد (الأصل: داود) عن ياسين الزيات عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به. وقال:

"لم يروه عن الأعمش إلا ياسين، ولا عن ياسين إلا عبد المجيد، تفرد به حريز بن المسلم".

قلت: هو بالحاء المهملة وآخره؛ زاي كما في "الإكمال" (2/ 85-86) ؛ وكناه بـ (أبي المسلم) ؛ وقال:

"صنعاني، يروي عن عبد المجيد بن أبي رواد وغيره. روى عنه إبراهيم بن محمد بن المعمر".

قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 213) ، وقال:

"روى عن سفيان بن عيينة. وعنه أهل اليمن".

ووقع عند الهيثمي: (جرير) بالجيم! فلا أدري إذا كان وقع له كذلك في "المعجم"؛ فلم يعرفه، أو أنه تحرف على ناسخ "المجمع"؟! والله أعلم.

وشيخه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد؛ قال الحافظ:

"صدوق يخطىء، وكان مرجئاً، أفرط ابن حبان فقال: متروك".

وأقول: الآفة من شيخه ياسين الزيات؛ فإنه مجمع على ضعفه، بل هو متروك؛ كما قال النسائي وغيره. وقال البخاري (4/ 2/ 429) :

 

(11/345)

 

 

"يتكلمون فيه، منكر الحديث".

فلا أدري لماذا سكت عنه الهيثمي، وأعل الحديث بما تقدم ممن لم يعرفه؟!

ثم رأيت ابن المبارك قد أخرج الحديث في "الزهد" (484/ 1376) ؛ قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن موسى بن أبي عيسى المديني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

فهذا يعل رواية موسى بن عبيدة المتقدمة عند أبي يعلى، ويؤكد ضعف ابن عبيدة حين أسنده عن موسى بن أبي عيسى عن أبي هريرة؛ فإن سفيان بن عيينة ثقة، وقد رواه عنه مرسلاً.

وموسى بن أبي عيسى المديني - وهو الحناط أبو هارون الغفاري -، وهو ثقة؛ لكنهم لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، ولذلك؛ ذكره الحافظ في الطبقة السادسة؛ أي: أتباع التابعين، وفيهم ذكره اب حبان في "ثقاته" (7/ 454) .

وعليه؛ فهو منقطع بينه وبين أبي هريرة، بل معضل.

وعمر بن هارون: هو الزرقي الأنصاري المديني؛ ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال (5/ 153) :

"يروي عن أبي هريرة. روى عنه يحيى بن حمزة".

كذا وقع فيه: (يحيى) ! وفي "تاريخ البخاري" و "الجرح والتعديل":

(عمر) . والله أعلم؛ وذكرا في ترجمته أنه روى عن أبيه، وزاد البخاري:

"وروى موسى بن عبيدة: حدثنا عمر بن هارون عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلا أدري هو هذا أم لا؟ ".

 

(11/346)

 

 

وأورده الذهبي في "الميزان"؛ وقال:

".. عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، لا يعرف، والخبر منكر".

وعقب عليه في "اللسان" بقول ابن حبان المذكور آنفاً.

قلت: وعمر هذا وقرينه؛ لم يعرفهما المعلق على "مسند أبي يعلى" (11/ 304-305) ؛ فقال:

"إسناده ضعيف؛ لضعف موسى بن عبيدة الربذي، وقد تركه كثير من أهل العلم، وشيخه وشيخ شيخه لم أعرفهما"!

والصواب: "وشيخاه لم أعرفهما"؛ كما يظهر بأدنى تأمل.

ثم رأيت في "تاريخ البخاري" (4/ 2/ 441) ، و "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 323) قد ذكرا من طريق عبد العزيز الأويسي عن سعيد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن نافع عن ابن عباس الحميري عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث بطرفه الأول فقط.

قلت: وهذا إسناد مجهول؛ الحميري هذا وأبوه لا يعرفان إلا في هذا الحديث.

وقد أورده الحافظ في ترجمة الأب من "الإصابة" من طريق ابن أبي حاتم فقط، ولم يزد!!

5205 - (كان من دعائه الذي كان يقول: يا كائناً قبل أن يكون شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعدما لا يكون شيء! أسألك بلحظة من لحظاتك الحافظات، الغافرات الواجبات المنجيات) .

موضوع

أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 11) من طريق

 

(11/347)

 

 

محمد بن سنان القزاز: حدثنا محمد بن الحارث مولى بني هاشم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني؛ متهم بالوضع؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 264) :

"حدث عن أبيه بنسخة شبيهاً بمئتي حديث كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب".

ثم ساق له بضعة عشر حديثاً، قد مضى اثنان منها برقم (54،2411) .

ومحمد بن الحارث ضعيف؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث الأول من الحديثين المشار إليهما.

ومثله القزاز؛ فإنه ضعيف؛ كما في "التقريب".

وقد أشار البيهقي إلى تضعيف الحديث بقوله عقبه:

"إن صح"!

وهذا تقصير منه ظاهر، فكان الأولى أن ينزه كتابه منه ولا يورده فيه!

5206 - (هذه صفة ربي عز وجل وتقدس علواً كبيراً) .

منكر

أخرجه البيهقي في "الأسماء" (ص 279) من طريق مخلد بن أبي عاصم: أخبرنا محمد بن موسى - يعني الحرشي -: أخبرنا عبد الله بن عيسى: أخبرنا داود - يعني: ابن أبي هند - عن عكرمة عن ابن عباس:

أن اليهود جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - - منهم كعب بن الأشرف، وحيي بن

 

(11/348)

 

 

أخطب -، فقالوا: يا محمد! صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله عز وجل: (قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد) : فيخرج منه، (ولم يولد) : فيخرج من شيء، (ولم يكن له كفواً أحد) : ولا شبه، فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الله بن عيسى متفق على تضعيفه، وهو الخزاز أبو خلف؛ قال العقيلي في "الضعفاء" (ص 216) :

"لا يتابع على أكثر حديثه". وقال ابن عدي (ق 225/ 1-2) :

"يروي عن يونس بن عبيد وداود بن أبي هند ما لا يوافقه عليه الثقات، وأحاديثه إفرادات كلها، وليس هو ممن يحتج بحديثه".

ثم ساق له أحاديث هذا أحدها: أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسين: حدثنا محمد ابن موسى الحرشي به مختصراً؛ دون حديث الترجمة وتفسير السورة.

والحرشي؛ قال الحافظ في "التقريب":

"لين".

ومخلد بن أبي عاصم؛ لم أعرفه، ولعل فيه تحريفاً.

وقد خالفه في متنه محمد بن أحمد بن الحسين - شيخ ابن عدي - فاختصره؛ كما رأيت؛ وهو الصواب.

فقد رواه يزيد عن عكرمة مرسلاً به نحوه.

أخرجه ابن جرير في "التفسير" (30/ 221) بسند صحيح عنه.

وهو يزيد بن أبي سعيد النحوي المروزي، وهو ثقة.

 

(11/349)

 

 

وكذلك أخرجه ابن جرير، والحاكم (2/ 540) ، والبيهقي (ص 32،279) عن أبي بن كعب قال:

إن المشركين قالوا: يا محمد! انسب لنا ربك! فأنزل الله السورة.

صححه الحاكم والذهبي! وفيه أبو جعفر الرازي، وهو ضعيف.

لكن لحديثه شواهد تقويه؛ فراجعها في "الدرالمنثور".

ولقد كان الباعث على تحرير هذا: أنني رأيت الشيخ عبد الله الحبشي في رسالته "الصراط المستقيم" (ص 29) قد قال:

"أخرجه البيهقي بالإسناد الصحيح عن ابن عباس ... " فذكر الحديث!

فتصحيحه لهذا الإسناد لأكبر دليل على جهل هذا الرجل بهذا العلم، وقد بلغنا أه صار له أتباع كثر في لبنان؛ مما ذكرني بالقول المشهور: (إن البغاث بأرضنا يستنسر) !

5207 - (من قرأ ألف آية في سبيل الله؛ كتبه الله مع النبين والصديقين والشهداء والصالحين) .

منكر

أخرجه أبو يعلى (1489) ، والحاكم (2/ 87) ، وعنه البيهقي في "السنن" (9/ 172) عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير زبان؛ قال أحمد:

"أحاديثه مناكير". وضعفه ابن حبان جداً؛ كما بينته في "ضعيف أبي داود" (230) . فقول الحاكم:

 

(11/350)

 

 

"صحيح الإسناد"! مردود؛ وإن وافقه الذهبي!

5208 - (الليل خلق من خلق الله عز وجل عظيم، لعله أعانك عليه (يعني: الصيد) شيء؟ انبذها عنك) .

منكر

أخرجه أبو داود في "المراسيل" (383) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 241) من طريق جرير عن موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين قال:

جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيد، فقال: إني رميته من الليل فأعياني، ووجدت سهمي فيه من الغد، وقد عرفت سهمي؟ فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد مرسل؛ أبو رزين هذا: هو مسعود بن مالك الأسدي الكوفي التابعي، وهو ثقة.

وكذلك سائر رواته؛ إلا أن جريراً - وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي -، وهو ثقة، لكنه قد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه؛ وفي "التقريب":

"ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه".

قلت: وقد خالفه في إسناده من هو أحفظ منه: فقال سفيان - وهو الثوري -: عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن أبي رزين عن أبي رزين مرفوعاً به، نحوه مختصراً، ليس فيه ذكر الليل والنهار.

أخرجه البيهقي، وقال:

"وأبو رزين هذا؛ اسمه مسعود مولى شقيق بن سلمة، وليس بأبي رزين مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والحديث مرسل. قاله البخاري".

 

(11/351)

 

 

قلت: وعبد الله بن أبي رزين هذا لا يعرف إلا في هذا لإسناد. وقد قال الذهبي في "الميزان":

"ذكره ابن حبان في "الثقات"، لا يدرى من هو؟ ".

قلت: فهو علة هذا الإسناد الصحيح مرسلاً.

وقد وهم المناوي وهماً فاحشاً؛ فإنه على الرغم من أن السيوطي صرح بقوله: ".. عن أبي رزين مرسلاً" علق عليه بأن أبا رزين هو العقيلي!!

قلت: ولو كان هو العقيلي؛ لم يكن الحديث مرسلاً؛ لأنه صحابي معروف، واسمه لقيط بن صبرة.

ثم إن في الحديث عندي نكارة؛ فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبي ثعلبة الخشني:

"إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال، وسهمك فيه؛ فكله؛ ما لم ينتن".

رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1350) . وفي رواية من حديث عدي بن حاتم:

"إذا عرفت سهمك فيه لم تر فيه أثر غيره، وتعلم أنه قتله؛ فكله".

قلت: فلم يأمر - صلى الله عليه وسلم - بنبذ الصيد لمجرد احتمال أن يكون قتل بطريق غير شرعي، كما في حديث الترجمة، بينما الأمر على خلاف ذلك في الحديث الصحيح؛ فقد أحال فيه على ظاهر الأمر من نتانة أو مشاركة سبع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

(11/352)

 

 

5209 - (............................................) (1) .

__________

(1) كان هنا الحديث: (ما أطيبك وما أطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك. . .) . رواه ابن ماجه.

وقد كتب الشيخ رحمه الله عليه بخطه: " نقل إلى " الصحيحة " (3420) لشاهد له قوي ". (الناشر) .

 

(11/353)

 

 

5210 - (ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفاً - كلهم قد استوجبوا النار - الجنة بغير حساب) .

منكر

أخرجه ابن عساكر في ترجمة عثمان رضي الله عنه من "التاريخ" (10/ 105/ 2) من طريقين عن عبد الرحمن بن نافع: أخبرنا محمد بن يزيد القرشي: أخبرنا محمد بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً.

ثم من طريق الحسين بن عبيد الله العجلي: أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري عن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس به نحوه.

وهذا إسناد ضعيف من الوجهين؛ ففي الأول: عبد الرحمن بن نافع؛ ولم أعرفه.

ومثله محمد بن يزيد القرشي، و [لا] أستبعد أن يكون هو يزيد بن محمد القرشي، انقلب على الراوي؛ فقد ذكره في الرواة عن محمد بن عمرو - وهو ابن حلحلة الديلي المدني - الراوي عن عطاء؛ وهو يزيد بن محمد بن قيس القرشي المطلبي، وهو ثقة؛ فإن كان هو؛ فقد انقلب اسمه على عبد الرحمن بن نافع هذا، وهو مما يدل على عدم حفظه وضبطه.

وأما الوجه الآخر؛ فآفته الحسين بن عبيد الله العجلي؛ قال الدارقطني:

"كان يضع الحديث".

 

(11/353)

 

 

والحديث؛ أورده السيوطي من رواية ابن عساكر هذه؛ فتعقبه المناوي بقوله:

"قضية تصرف المصنف أن ابن عساكر خرجه وسكت عليه، والأمر بخلافه، بل قال: روي بإسناد غريب عن ابن عباس رفعه، وهو منكر. اهـ. وأقره عليه الذهبي في اختصاره لـ (تاريخه) "!

قلت: ولم أر قول ابن عساكر في الموضع الذي أشرت إليه آنفاً؛ فلعله ذكر ذلك في موضع آخر.

وإن مما يؤكد نكارته: أن الحديث صح عن غير ما واحد من الصحابة مرفوعاً بنحوه دون ذكر عثمان، وهو مخرج في "المشكاة" (5601) من حديث عبد الله ابن أبي الجدعاء.

وقد أخرجه الحاكم (3/ 408) - وصححه هو والذهبي -، وزاد:

قال الحسن: إنه أويس القرني.

ويخالفه ما أخرجه ابن عساكر أيضاً بسند صحيح عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:

"ليدخلن الجنة - بشفاعة رجل من أمتي - مثل أحد الحيين: ربيعة ومضر"؛ وزاد:

فكان المشيخة يرون ذلك الرجل عثمان بن عفان.

وجملة القول: أن الحديث - باللفظ المذكور أعلاه - منكر لا يصح. والله تعالى أعلم.

 

(11/354)

 

 

5211 - (ليدركن الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم (ثلاث مرات) ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها، وعيسى ابن مريم آخرها) (1) .

منكر

أخرجه الحاكم (3/ 41) عن عيسى بن يونس عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه رضي الله عنه قال:

لما اشتد جزع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من قتل يوم (مؤتة) ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"صحيح على شرط الشيخين"!! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: ذا مرسل: وهو خبر منكر".

قلت: وليس رجاله على شرط الشيخين؛ إلا عيسى بن يونس.

وأما سائرهم؛ فإنما احتج بهم مسلم وحده. وقال المناوي:

"ورواه ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير - أحد التابعين -؛ قال ابن حجر: وإسناده حسن".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " تقدم برقم (5099) ". (الناشر)

 

(11/355)

 

 

5212 - (ما ترون مما تكرهون؛ فذلك ما تجزون، يؤخر الخير لأهله في الآخرة) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (2/ 532-533) عن محمد بن مسلمة الواسطي: حدثنا يزيد بن هارون: أنبأ سفيان بن حسين عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي قال:

 

(11/355)

 

 

بينما أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتغدى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ نزلت هذه الآية: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) ؛ فأمسك أبو بكر، وقال: يا رسول الله! أكل ما عملنا من سوء رأيناه؟! فقال: ... فذكره. وقال:

"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: مرسل".

قلت: ومع الإرسال علة أخرى؛ وهي محمد بن مسلمة الواسطي؛ فإنه واه؛ قال الذهبي:

"أتى بخبر باطل اتهم به، وقال أبو القاسم اللالكائي: ضعيف ... وساق له ابن عدي أحاديث تستنكر، وقال أبو محمد الخلال: هو ضعيف جداً".

لكن الظاهر أنه لم يتفرد به؛ فقد عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 380) لإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، والحاكم، وابن مردويه عن أسماء. وكذا وقع فيه: "أسماء"؛ فصار الحديث بذلك موصولاً.

لكن الظاهر أنه سقط من الناسخ أداة الكنية: "أبي"، وساعد على ذلك أنه لم يكن في أصله وصفه بالرحبي، وإلا؛ لصار التحريف هكذا: "أسماء الرحبي"!

فإذا كان الأمر كما ذكرنا، وكان من مخرجي الحديث إسحاق بن راهويه وعبد ابن حميد - وهما من طبقة الواسطي -؛ كان ذلك دليلاً واضحاً على أنهما قد تابعاه عليه، أو على الأقل: على أنه لم يتفرد به، فالعلة حينئذ إنما هي الإرسال. والله أعلم.

 

(11/356)

 

 

وإن مما يؤيد ما ذكرته من التحريف والسقط: أن السيوطي ذكره في "الجامع الصغير" من رواية الحاكم عن أبي أسماء الرحبي مرسلاً. وكذا في "الجامع الكبير" له.

وقد روي الحديث من طرق أخرى عن أبي بكر الصديق بنحوه، دون الشطر الثاني منه؛ فانظر "التعليق الرغيب" (4/ 152/ 54) .

5213 - (قسم الله العقل على ثلاثة أجزاء، فمن كن فيه فهو العاقل، ومن لم تكن فيه فلا عقل له: حسن المعرفة بالله عز وجل، وحسن الطاعة لله عز وجل، وحسن الصبر لله عز وجل) .

موضوع

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 21) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 172) من طريق سليمان بن عيسى عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وقال ابن الجوزي:

"ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو حاتم الرازي: سليمان بن عيسى كذاب، وقال ابن عدي: يضع الحديث".

وتابعه من هو مثله؛ عبد العزيز بن أبي رجاء: حدثنا ابن جريج به.

أخرجه أبو نعيم أيضاً (3/ 323) ، وقال:

"غريب من حديث عطاء، لا أعلم عنه راوياً إلا ابن جريج".

وتعقبه السيوطي في "اللآلي" بقوله (1/ 127) :

"وعبد العزيز؛ قال الدارقطني: متروك، له تصنيف في العقل؛ موضوع كله".

 

(11/357)

 

 

وله متابعات أخرى لا وزن لها، فانظر "اللآلي" و "تنزيه الشريعة" (10/ 175) .

5214 - (ما يحل لمؤمن أن يشتد إلى أخيه بنظرة تؤذيه) .

ضعيف

أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (689) : أخبرنا موسى ابن عبيدة عن حمزة بن عبدة - قال ابن صاعد: كذا في كتابي، ولا أدري من حمزة؟ - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علتان:

الأولى: الإرسال والجهالة؛ فإن حمزة لم أعرفه، وقد أشار يحية بن صاعد إلى جهالته، ولم أجده في شيء من كتب الرجال التي عندي.

وقد وقع في "الجامع الصغير" و "الكبير" من رواية ابن المبارك: "حمزة بن عبيد" مصغراً، ولم أجده أيضاً! وأما قول المناوي:

هو ابن عبد الله بن عمر، قال الذهبي: ثقة إمام"!! فلا وجه له؛ فإن حفيد ابن عمر اسمه حمزة بن عبد الله، وهذا اسمه: حمزة بن عبدة - أو ابن عبيد -؛ فأين هذا من هذا؟!

ثم هو - مع جهالته - تابعي، فحديثه مرسل، وقد صرح بإرساله السيوطي.

والأخرى: ضعف موسى بن عبيدة - وهو الربذي -؛ قال الحافظ:

"ضعيف".

 

(11/358)

 

 

5215 - (مشيك إلى المسجد، ورجوعك إلى بيتك في الأجر سواء) .

منكر

أخرجه نعيم بن حماد في "زوائد الزهد" (رقم 10) عن ابن المبارك: أنبأنا أبو بكر بن أبي مريم عن يحيى بن يحيى الغساني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إساد مرسل؛ بل معضل؛ فإنه الغساني هذا لم يذكروا له رواية عن الصحابة، وهو ثقة.

وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف مختلط.

ونعيم بن حماد نفسه ضعيف أيضاً.

والحديث؛ عزاه في "الجامع الصغير" لسعيد بن منصور في "سننه".

وأما في "الكبير"؛ فعزاه لابن زنجويه. والله أعلم.

 

(11/359)

 

 

5216 - (من احتجب عن الناس؛ لم يحجب عن النار) .

ضعيف

أخرجه ابن منده في "الصحابة" - كما في "أسد الغابة" (2/ 161) - من طريق إدريس بن يونس بن راشد عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عبدة بن رباح عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ رباح لا يعرف إلا في هذا الحديث.

وابنه عبدة بن رباح؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 1/ 89) :

"عبدة بن رباح الغساني روى عن يزيد بن أبي مالك، وعبادة بن نسي. روى عنه الوليد بن مسلم".

 

(11/359)

 

 

وإدريس بن يونس؛ لم أجد من ذكره.

5217 - (من بلغه حديث فكذب به؛ فقد كذب ثلاثة: الله، ورسوله، والذي حدث به) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 29/ 1 - مجمع البحرين) : حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني: حدثنا بقية بن الوليد عن محفوظ بن مسور عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن ابن المنكدر إلا محفوظ، تفرد به بقية".

قلت: وبقية بن الوليد مشهور بالتدليس والرواية عن الضعفاء والمجهولين؛ قال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 191) :

"دخلت حمص، وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه، وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً، ولكنه كان مدلساً، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد وعمر بن موسى التميمي وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء؛ فكان يقول: قال عبيد الله بن عمر عن نافع، و: قال مالك عن نافع كذا، فحملوا: بقية عن عبيد الله وبقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط".

 

(11/360)

 

 

ثم ساق له أحاديث عدة من روايته عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس؛ وقال:

"كلها موضوعة". وقال أحمد وابن معين وغيره:

"إذا حدث عن الثقات - مثل صفوان بن عمرو وغيره -؛ فاقبلوه، وأما إذا حدث عن أولئك المجهولين؛ فلا". وقال يعقوب:

"ثقة حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين، ويحدث عن قوم متروكي الحديث، وعن الضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم"!

قلت: وشيخه في هذا الحديث - محفوظ بن مسور -؛ لم أجد له ترجمة، والظاهر أنه من شيوخ بقية المجهولين.

وأما قول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 149) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محفوظ بن ميسور، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً"!

أقول: فلا أدري وجهه! فإنه لم يذكر فيه في "من يسمى بمحفوظ" إلا رجلين، ليس هذا أحدهما، ولا ذكره أيضاً في "الأفراد".

ثم إن الذي في "مجمع الزوائد": "ابن ميسور" مخالف لما نقلته عن "مجمع البحرين": "ابن مسور"، وكلاهما للهيثمي. والله أعلم.

ومن هذا البيان؛ تعلم ما في جزم الشيخ عبد الله الغماري نسبة الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من التلبيس على الناس، والمخالفة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حدث عني

 

(11/361)

 

 

بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". رواه مسلم وغيره؛ فقد قال في رسالته "مصباح الزجاجة" (ص 42) :

"فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... " فذكره، ونقل ما سبق نقله عن "مجمع الزوائد"؛ وأقره على ذلك، ولم يزد عليه ولا حرفاً واحداً!!

ثم رأيت الحديث في "التمهيد" لابن عبد البر (1/ 152) من طريق أخرى عن بقية بن الوليد به.

وكذلك رواه ابن عساكر في "التاريخ" (7/ 142) .

5218 - (إن لكل شيء شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقل به القبلة، ومن نظر في كتاب أخيه عن غيره أمره؛ فكأنما ينظر في النار) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 98/ 1) ، والحاكم (4/ 270) من طريق هشام بن زياد أبي المقدام عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ من أجل أبي المقدام هذا.

وسكت عنه الحاكم! فتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: هشام متروك". وكذا قال الحافظ في "التقريب".

لكن الشطر الأول منه تابعه عليه مصادف بن زياد المديني، رواه عنه محمد ابن معاوية - وأثنى عليه خيراً - قال سمعت محمد بن كعب به.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " تقدم برقم (2786) ". (الناشر)

 

(11/362)

 

 

ولكن قال الذهبي عقب ما سبق:

"ومحمد بن معاوية كذبه الدارقطني؛ فبطل الحديث".

5219 - (ما من ميت يموت، فيقرأ عنده سورة (يس) ؛ إلا هون الله عز وجل عليه) .

موضوع

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (4/ 17) - عن أبي نعيم معلقاً، وهذا في "أخبار أصبهان" (1/ 188) -، والروياني في "مسنده" (1/ 13/ 1 - المنتقى منه) عن عبد الحميد بن أبي رواد عن مروان بن سالم عن صفوان ابن عمرو عن شريح عن أبي الدرداء وأبي ذر رفعه.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته مروان هذا؛ قال الشيخان وأبو حاتم:

"منكر الحديث". وقال أبو عروبة الحراني:

"يضع الحديث". وقال الساجي:

"كذاب يضع الحديث".

قلت: وقد خولف في إسناده ومتنه؛ فقال الإمام أحمد (5/ 105) : حدثنا أبو المغيرة: حدثنا صفوان: حدثني المشيخة:

أنهم حضروا غضيف بن الحارث الثمالي حين اشتد سوقه، فقال: هل منكم أحد يقرأ (يس) ؟ قال: فقرأها صالح بن شريح السكوني، فلما بلغ أربعين منها قبض. قال: فكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند الميت خفف عنه بها. قال صفوان: وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد.

 

(11/363)

 

 

قلت: صفوان - وهو ابن عمرو السكسكي الحمصي - جل روايته عن التابعين، فقوله: "حدثني المشيخة" يعني: مشيخة من التابعين، فعليه؛ فالحديث مقطوع موقوف عليهم، رفعه ووصله ذلك الكذاب مروان، فهذا هو علة هذا الإسناد. وأما قول الهيثمي (2/ 322) :

"رواه أحمد، وفيه من لم يسم"!

فمن الواضح أنه لم يصنع شيئاً؛ لأنه يعني بذلك: "المشيخة"، وهم جماعة من التابعين، فلو أنهم أسندوه؛ لكان إسناداً حسناً عندي، والله أعلم.

5220 - (لو يعلم المار بين يدي المصلي؛ لأحب أن ينكسر فخذه، ولا يمر بين يديه) .

منكر

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 282) : حدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت عبد الحميد بن عبد الرحمن - عامل عمر بن عبد العزيز -؛ ومر رجل بين يديه وهو يصلي، فجبذه حتى كاد يخرق ثيابه؛ فلما انصرف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنه مرسل أو معضل؛ فإن عبد الحميد بن عبد الرحمن - وهو ابن زيد الخطاب القرشي العدوي -، وإن كان له رواية عن ابن عباس، فالغالب عليه روايته عن التابعين، فعلة الحديث الإرسال أو الإعضال.

ولفظه منكر؛ فإن المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو بلفظ:

"لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؛ لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن

 

(11/364)

 

 

يمر بين يديه".

وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (698) .

5221 - (أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده! لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (2/ 248) ، وعنه البيهقي في "دلائل النبوة" (ق 78/ 1-2 - حلب) من طريق سليمان بن بلال عن عبد الأعلى بن عبد الله ابن أبي فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة رضي الله عنه:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول - على طريقه -، فوقف عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا له، ثم قرأ هذه الآية: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذكره. وقال الحاكم:

"حديث صحيح على شرط الشيخين"! ورده الذهبي بقوله:

"كذا قال! وأنا أحسبه موضوعاً، وقطن لم يرو له (خ) ، وعبد الأعلى لم يخرجا له"!

قلت: أما أنه موضوع فلا! كيف وليس فيه ما يخالف الكتاب والسنة؟! وكون الموتى لا يسمعون لا يلزم منه أن لا يسمع الله منهم من شاء ما شاء متى شاء، كما أسمع أهل قليب بدر مناداة النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم بقوله: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ "، فقال عمر رضي الله عنه: إنك لتنادي أجساداً لا أرواح فيها؟!

 

(11/365)

 

 

فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"!

وأما سائر كلامه فمسلم، ولكن ذلك لا يستلزم شيئاً من الضعف في الراويين المشار إليهما.

أما قطن؛ فمع أن مسلماً قد أخرج له؛ فقد قال فيه أبو حاتم:

"صالح الحديث". وقال النسائي:

"ليس به بأس". وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الحافظ:

"صدوق".

وأما عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة - وهو المدني؛ مولى آل عثمان -؛ فقد وثقه ابن معين، وابن حبان. وقال الحافظ فيه:

"ثقة فقيه".

نعم؛ شيخ الحاكم فيه - أبو الحسين عبيد الله بن محمد القطيعي -؛ لم أعرفه.

هذا؛ وقد وهم فيه الهيثمي وهماً فاحشاً؛ فإنه أورد الحديث في "مجمع الزوائد" (6/ 123) عن ابن عمر قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مصعب بن عمير حين رجع من أحد ... الحديث نحوه. وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة؛ وهو متروك"!

وقد أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 108) من طريق الطبراني؛ فقال:

 

(11/366)

 

 

حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا عمر بن حفص السدوسي: حدثنا أبو بلال الأشعري: حدثنا يحيى بن العلاء عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث.

فلما رأيت هذا ألقي في النفس أن الهيثمي أراد يقول: يحيى بن العلاء متروك، فسبقه القلم؛ فقال ما سبق. والله أعلم.

ثم إن هذا قد كشف لي عن خطأ آخر وقع في "المجمع"؛ وهو جعله الحديث من مسند ابن عمر (1) ، وإنما هو من رواية عبيد بن عمير مرسلاً - وهو الليثي -، وهو تابعي ثقة.

وقد أخرجه أبو نعيم من طريق أخرى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الأعلى بإسناده عن عبيد بن عمير مرسلاً.

وأخرجه الحاكم (3/ 29) من طريق العطاف بن خالد المخزومي: حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن أبيه:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار قبور الشهداء بأحد، فقال:

"اللهم! إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء، وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة؛ ردوا عليه".

قال العطاف: وحدثتني خالتي:

أنها زارت قبور الشهداء، قالت: وليس معي إلا غلامان يحفظان علي الدابة،

__________

(1) هو في " الأوسط " (3712) من مسند ابن عمر، ولم يذكر فيه عبيد بن عمير، كما سيأتي من كلام ابن رجب. فليحرر. (الناشر)

 

(11/367)

 

 

قالت: فسلمت عليهم، فسمعت رد السلام، قالوا: والله! إنا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضاً. قالت: فاقشعررت، فقلت: يا غلام! أدن بغلتي، فركبت. وقال:

"هذا إسناد مدني صحيح"!! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: مرسل".

قلت: والعطاف هذا صدوق يهم؛ كما في "التقريب".

وقد أشار البيهقي إلى إعلال الحديث، فقال عقبه:

"كذا وجدته في كتابي عن أبي هريرة".

ثم رواه من طريق حاتم بن إسماعيل عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال: ... فذكره دون حديث الترجمة. وقال:

"ورواه قتيبة عن حاتم مرسلاً".

وقال الحافظ ابن رجب في "أهوال القبور" (ق 83/ 2) - بعد ذكر حديث الترجمة -:

"ورواه عمر بن صهبان عن معاذ بن عبد الله عن وهب بن قطن عن عبيد بن عمير مرسلاً. ورواه يحيى بن العلاء عن عبد الأعلى بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الطبراني. وذكر ابن عمر فيه وهم. وروي عن عبيد بن عمير عن أبي ذر، ولعل المرسل أشبه.

وبالجملة؛ فهو إسناد مضطرب، ومتنه مختص بالشهداء، وهذا أشبه من حديث بشر بن بكر".

 

(11/368)

 

 

قلت: يعني: حديثه المتقدم برقم (4493) :

"ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه؛ إلا عرفه ورد عليه السلام".

5222 - (من دعا رجلاً بغير اسمه؛ لعنته الملائكة) .

ضعيف

أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (388) ، وابن قانع في "المعجم" من طريق بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد عن عمير بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو بكر بن أبي مريم ضعيف مختلط.

وبقية بن الوليد مدلس.

وقد روي الحديث من طريق أخرى موقوفاً؛ فقال ابن المبارك في "الزهد" (683) : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال:أخبرني أبو سلمة الحمصي عن العلاء ابن سفيان عن أبي مريم الغساني:

أن رجالاً خرجوا من الجند ينتضلون؛ منهم سعيد بن عامر، فبينما هم كذلك؛ إذأصابهم الحر، فوضع سعيد قلنسوته على رأسه - وكان رجلاً أصلع -، فلما رمى سعيد صاح به الواصف في شيء ذكره من رميته: يا أصلع! وهو لا يعرفه، فقال له سعيد: إن كنت لغنياً عن أن تلعنك الملائكة. فقال رجل منهم: وعم تلعنه الملائكة؟ قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضاً؛ وعلته أبو مريم الغساني، وهو جد أبي بكر ابن أبي مريم الذي في الإسناد السابق، وهو - وإن كان ذكروه في الصحابة - فلا

 

(11/369)

 

 

يثبت ذلك؛ لأنهم إنما ذكروه من رواية حفيده أبي بكر بن أبي مريم عن أبيه عن جده قال:

أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكروا حديثاً في نزول سورة (مريم) .

فكما أن الحديث لا يثبت بروايته - أعني: الحفيد - فكذلك لا تثبت صحبة جده؛ ما دام أنها لم ترد من غير طريقه.

على أن العلاء بن سفيان - الذي رواه عن أبي مريم - ليس معروف الحال؛ فقد أورده ابن أبي حاتم (3/ 1/ 356) ، وذكر أنه روى عنه أبو بكر بن أبي مريم أيضاً، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

5223 - (من ذكرت عنده فلم يصل علي؛ فقد شقي) .

ضعيف

أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (375) من طريق أبي زهير عبد الرحمن بن مغراء عن الفضل بن مبشر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ الفضل هذا قد اتفقوا على تضعيفه.

وأما ابن مغراء فمختلف فيه، وقد مشاه غير واحد في غير روايته عن الأعمش.

وقد صح الحديث بلفظ آخر؛ فانظره في "الصحيحة" (2337) .

 

(11/370)

 

 

5224 - (من لم يوتر؛ فلا صلاة له) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 13/ 1 - مجمع البحرين) :

 

(11/370)

 

 

حدثنا علي بن سعيد: حدثنا عبد الله بن أبي رومان الإسكندراني: حدثنا عيسى بن واقد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

فبلغ ذلك عائشة، فقالت: من سمع هذا من أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -؟ والله! ما بعد العهد، وما نسيت! إنما قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -:

"من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة، قد حافظ على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها، لم ينقص منها شيئاً؛ جاء وله عند الله عهد ألا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منهن شيئاً؛ فليس له عند الله عهد؛ إن شاء رحمه، وإن شاء عذبه". وقال:

"لم يروه عن محمد إلا عيسى، تفرد به عبد الله".

قلت: وهو المعافري؛ قال الذهبي:

"ضعفه غير واحد، روى حديثاً كذباً".

قلت: وأنا أظن أنه يشير إلى هذا الحديث؛ فإنه ظاهر الكذب. وقال الحافظ ابن حجر:

"وهاه الدارقطني، وقال ابن يونس: وهو ضعيف الحديث، روى مناكير".

قلت: وشيخه عيسى بن واقد؛ لم أجد له ترجمة. وبه أعله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 293) ؛ فقصر!

وقد روي الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة وعن بريدة بفلظ:

 

(11/371)

 

 

"من لم يوتر؛ فليس منا".

وهو ضعيف أيضاً؛ ولكنه أحسن حالاً من حديث الترجمة، وقد خرجته في "إرواء الغليل" (417) .

5225 - (يسمعون، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا يعني: الموتى إذا سلم عليهم، ألا ترضى أن يرد عليك بعددهم من الملائكة؟) .

منكر

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 369) من طريق محمد بن الأشعث عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:

قال أبو رزين: يا رسول الله! إن طريقي على الموتى، فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم؟ قال: "قل: السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين! أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". قال أبو رزين: يا رسول الله! يسمعون؟ قال: ... فذكره. وقال:

"محمد بن الأشعث مجهول في النسب والرواية، وحديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد، وأما "السلام عليكم ... "؛ فيروى بغير هذا الإسناد من طريق صالح، وسائر الحديث غير محفوظ".

وأقره ابن رجب في "الأهوال" (ق 83/ 1) ، والذهبي في "الميزان"، وابن حجر في "اللسان".

 

(11/372)

 

 

5226 - (الناس رجلان: عالم ومتعلم، ولا خير فيما سواهما) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 79/ 1) ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 376) عن سليمان بن داود الشاذكوني: أخبرنا الربيع

 

(11/372)

 

 

ابن بدر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله - يعني: ابن مسعود - رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته الشاذكوني، كان يكذب في الحديث؛ كما قال صالح بن محمد الحافظ. وقال البغوي:

"رماه الأئمة بالكذب".

وشيخه - الربيع بن بدر - متروك. وبه أعله الهيثي؛ فقصر! قال (1/ 122) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"؛ وفي سند "الأوسط" نهشل ابن سعيد، وفي الآخر الربيع بن بدر؛ وهما كذابان"!

قلت: ولذلك؛ تعقبه المناوي بقوله:

"وأقول: في سند "الكبير" - أيضاً - سليمان بن داود الشاذكوني الحافظ؛ قال الذهبي في "الضعفاء": كذبه ابن معين، وقال البخاري: "فيه نظر". فتعصيب الهيثمي الجناية برأس الربيع وحده تعصب".

قلت: وإطلاق الهيثمي على الربيع أنه كذاب، والتسوية بينه وبين نهشل ليس بصواب؛ لأنني لم أر أحداً أطلق عليه ذلك، فتعصيب الجناية بتلميذه أولى؛ كما لا يخفى.

ثم إن الحديث قد سبق تخريجه برقم (2427) وقد روي عن ابن عباس وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (414) .

5227 - (نهى أن يبال في الماء الجاري) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (ص 33 - مصورة الجامعة

 

(11/373)

 

 

الإسلامية) : حدثنا أحمد: حدثنا المتوكل بن محمد بن سورة: حدثنا الحارث بن عطية عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر قال: ... فذكره مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن الأوزاعي إلا الحارث".

قلت: وهو مختلف فيه، وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يهم".

لكن فوقه أبو الزبير، وهو مدلس، وقد عنعنه.

والمتوكل بن محمد بن سورة؛ لم أجد له ترجمة، ولعله في "ثقات ابن حبان"؛ فقد قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 204) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات"!

وأما المنذري؛ فقال في "الترغيب" (1/ 84) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، بإسناد جيد"!

كذا قال! وقد كنت اعتمدت عليه في إيرادي إياه في "صحيح الجامع الصغير" (6690) ؛ بناءً على القاعدة التي جريت عليها فيه، ونصصت عليها في "مقدمته" (1/ 8،21) ، والآن وقد وقفت على إسناده وانكشفت لي علته، فليحذف منه؛ وليطبع في "الضعيف".

ثم انكشفت لي العلة الحقيقية، وهي المخالفة في المتن؛ فقد رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير به؛ إلا أنه قال:

"الراكد" بدل: "الجاري".

 

(11/374)

 

 

أخرجه مسلم (1/ 162) ، والنسائي (1/ 15) ، وابن حبان (343) ، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 216) ، وأحمد (3/ 350) . وترجم له أبو عوانة بقوله:

"بيان حظر البول في الماء الراكد، والدليل على إباحة البول في الماء الجاري".

وتابعه ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير به.

أخرجه أحمد (3/ 341) .

قلت: فاتفاق الليث وابن لهيعة على روايته بلفظ: "الراكد"؛ دليل على نكارة لفظ حديث الترجمة؛ كما تقتضيه قواعد علم مصطلح الحديث.

ثم رأيت في "ثقات ابن حبان" (9/ 198) ما يأتي:

"متوكل بن محمد بن أبي سورة: من أهل المصيصة؛ يروي عن الأوزاعي. روى عنه يمان بن سعيد اليحصبي وأهل الثغر، وليس هذا بمتوكل بن أبي السورة صاحب الحارث بن عطية"!!

قلت: فمن هو؟! لا أردي، ولعل غيري كذلك لا يدري!

ولم يتنبه المناوي لعلة الحديث التي سبق بيانها، فاغتر بتجويد المنذري لإسناده،وتوثيق الهيثمي لرجاله؛ فقال في "التيسير" (1/ 476) :

"وإسناده جيد"!

وقلده في ذلك الغماري - على عادته - في "كنزه"، فأورده فيه (4195) ، وعلق عليه بقوله:

 

(11/375)

 

 

"للاستقذار لا للتنجيس"!!

فأقول: أثبت العرش ثم انقش!

(تنبيه) : مما يؤخذ على السيد سابق في كتابه النافع "فقه السنة"؛ كثرة الأحاديث الضعيفة فيه، وفقدان الدقة العلمية في تخريجها، كما تراه مفصلاً في كتابي "تمام المنة"؛ كهذا الحديث، فقد أورده فيه تحت المقطع (9) من "قضاء الحاجة"؛ موهماً القراء صحته بقوله:

"قال في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني، ورجاله ثقات"!

قلت: فاحتصر من كلام "المجمع" قوله: "في الأوسط"! وهذا اختصار مخل؛ لأن إطلاق العزو للطبراني يعني: أنه في "معجمه الكبير"، وكذلك علق عليه بعض طلبة هذا العلم بقوله: "لم أجده في (المعجم الكبير) "! وصدق فإنه في "الأوسط"؛ كما تقدم!

5228 - (نهى أن يشق التمر عما فيه) (1) .

منكر

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 191/ 1) عن قيس بن الربيع عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر أنه قال: فذكره مرفوعاً.

ثم أخرجه من طريق داود بن الزبرقان عن عمه أبي حفص الكندي عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر به.

قلت: والإسناد الأول ضعيف؛ قيس بن الربيع؛ قال الحافظ:

"صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " مجمع الزوائد (5 / 42) ".

 

(11/376)

 

 

والآخر ضعيف جداً؛ فإن داود بن الزبرقان؛ قال الحافظ:

"متروك، وكذبه الأزدي".

وقد أشار البيهقي إلى تضعيف الحديث بأن روى بسنده عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة (زاد في رواية: عن أنس) قال:

أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر عتيق، فجعل يفتشه، يخرج السوس منه. ثم قال عقبه:

"وهذا - مع إرساله - أصح من حديث قيس بن الربيع وداود بن الزبرقان؛ فإن صح؛ فالمراد بالأول ما يكون جديداً".

5229 - (نهى عن إجابة طعام الفاسقين) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه البيهقي في "الشعب" (2/ 180/ 2-181/ 1) : أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: أنبأنا محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني - بـ (الكوفة) -: حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى القاضي: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة: حدثنا الفضيل بن عياض: حدثنا هشام بن حسان عن الحسن عن عمران ابن حصين قال: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علل:

الأولى: عنعنة الحسن البصري؛ فإنه مدلس؛ مع أنهم اختلفوا في ثبوت سماعه من عمران.

__________

(1) خرّج الشيخ - رحمه الله - هذا الحديث مرتين، وأشار فوق التخريج الثاني إلى دمجها، فقال: " ينقل ويضم إلى رقم (5229) ". (الناشر)

 

(11/377)

 

 

الثانية: ابن أبي سكينة هذا؛ لم أجد له ترجمة.

الثالثة: أبو عبد الرحمن السلمي؛ متهم بوضع أحاديث الصوفية. وبه أعله المناوي، فقال:

"كان يضع الحديث".

وقال الهيثمي في "المجمع" (4/ 54) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وفيه أبو مروان الواسطي، ولم أجد من ترجمه".

قلت: هو يحيى بن أبي زكريا الغساني، أورده ابن حبان في "المجروحين" (3/ 126) وقال:

"كنيته أبو مروان؛ يروي عن هشام بن عروة، كان ممن يروي عن الثقات المقلوبات، حتى إذا سمعها من الحديث صناعته؛ لم يشك أنها مقلوبة، لا يجوز الرواية عنه؛ لما أكثر من مخالفة الثقات فيما يروي عن الثقات".

وله ترجمة في "التهذيب"، وذكر فيه أن من شيوخه هشام بن حسان، ومن الرواة عنه أيوب بن أبي هند.

ومن طريقه: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 168/ 376) من رواية عبد الرحيم بن مطرف أبي سفيان السروجي: حدثنا أيوب بن أبي هند: حدثنا [أبو] مروان الواسطي عن هشام بن حسان به.

ومن هذا الوجه: أخرجه في "الأوسط" أيضاً (1/ 133/ 1) و (رقم 436 - مصورتي) ، وقال:

 

(11/378)

 

 

"لا يروى عن عمران إلا بهذا الإسناد".

قلت: وأيوب هذا؛ قال الذهبي في "الميزان":

"لا يدرى من هو؟! ".

وذكره ابن حبان في "الثقات" على قاعدته! وقال أبو حاتم:

"لا أعرفه". وكذا نقل الأزدي عن ابن معين. وقال الأزدي:

"ضعيف لا يحتج به".

5230 - (نهى عن أكل الطعام الحار حتى يسكن) .

ضعيف جداً

أخرجه البيهقي في "الشعب" (2/ 194/ 1) : أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: أنبأنا عبد الله بن محمد بن علي: حدثنا علي بن سعيد العسكري: حدثنا العباس بن أبي طالب: حدثنا أبو المسيب سلم بن سلام الواسطي عن إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن صهيب قال: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علل:

الأولى: أبو بكر بن أبي مريم؛ ضعيف مختلط.

الثانية: سلم بن سلام؛ روى عنه جماعة ولم يوثقه أحد؛ فهو مستور.

الثالثة: أبو عبد الرحمن السلمي؛ متهم؛ كما سبق آنفاً.

لكن أخرجه البيهقي أيضاً من طريق يحيى بن أيوب عن الحسن بن هانىء الحضرمي عن عبد الواحد بن معاوية بن حديج:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الطعام الحار حتى يبرد.

لكنه إسناد معضل مظلم؛ فإن الحسن بن هانىء

 

(11/379)

 

 

الحضرمي؛ أورده ابن أبي حاتم (1/ 2/ 40) برواية يحيى هذا عنه عن عبد الواحد؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وما عبد الواحد بن معاوية؛ فلم يذكره هو ولا غيره فيما اطلعت. والله أعلم.

5231 - (نهى عن الصلاة في الحمام، وعن السلام على بادي العورة) .

موضوع

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 23) عن إبراهيم بن هدبة قال: حدثني أنس قال: ... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته إبراهيم هذا؛ قال العقيلي:

"يرمى بالكذب". وقال ابن معين:

"كذاب خبيث". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 114-115) :

"دجال من الدجاجلة، وكان رقاصاً بالبصرة، يدعى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس، ويضع عليه، فلا يحل لمسلم أن يكتب حديثه، ولا يذكره؛ إلا على وجه التعجب".

قلت: ومع هذا كله؛ أورد السيوطي حديثه هذا في "الجامع الصغير" مع زعمه أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع! وبيض له المناوي، فلم يتكلم عليه بشيء، فكأنه لم يقف على إسناده!

 

(11/380)

 

 

5232 - (نهى عن العب نفساً واحداً؛ وقال: ذلك شرب الشيطان) .

ضعيف

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 206/ 1) عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة والليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب مرفوعاً. وقال:

"هذا مرسل".

قلت: أو معضل؛ فإن الزهري أكثر حديثه عن التابعين، ورجاله ثقات.

ثم أخرجه البيهقي من طريق عبد الرزاق - وهذا في "المصنف" (10/ 426/ 19585) - عن معمر عن خالد الحذاء عن عكرمة قال:

لا تشربوا نفساً واحداً؛ فإنه شراب الشيطان.

وهذا إسناد صحيح؛ ولكنه مقطوع.

 

(11/381)

 

 

5233 - (نهى عن فتح التمرة، وقشر الرطبة) .

ضعيف جداً

قال عبدان في "تاريخ الصحابة": حدثنا محمد بن حسين - ولقبه بنان؛ بغدادي -: أخبرنا محمد بن عمرو بن جبلة: أخبرنا محمد بن خالد المخزومي: أخبرنا خالد بن عبد الرحمن عن إسحاق صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مرفوعاً. كذا في "أسد الغابة" (1/ 68) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، مع انقطاع فيه، وله علل:

الأولى: إسحاق هذا؛ لا يعرف إلا بهذا الإسناد غير منسوب، وقد قال الحافظ في "الإصابة":

 

(11/381)

 

 

"في إسناد ضعف وانقطاع، أخرجه أبو موسى".

الثانية: خالد بن عبد الرحمن؛ الظاهر أنه خالد بن عبد الرحمن بن خالد ابن سلمة المخزومي المكي، روى عن سفيان الثوري وطبقته؛ قال البخاري، وأبو حاتم:

"ذاهب الحديث". زاد أبو حاتم:

"تركوا حديثه". وقال البخاري:

"رماه عمرو بن علي بالوضع".

الثالثة: محمد بن خالد المخزومي؛ قال الذهبي:

"عن سفيان الثوري، قال ابن الجوزي: مجروح".

قلت: ولعله أخو شيخه خالد بن عبد الرحمن، فقد عرفت أنه مخزومي أيضاً، وأنه شاركه في الرواية عن الثوري.

الرابعة: محمد بن حسين؛ أورده الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 224) من رواية خالد بن محمد المؤدب البصري عنه، وذكر أنه جار ابن إشكاب؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ولا وفاة.

5234 - (أو ليس الدهر كله غداً؟) .

ضعيف

أورده أبو موسى في "الصحابة" من طريق أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عوف بن سراقة عن أخيه قال:

قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوجه إلى أحد: إنه قيل لي: إنك تقتل غداً؟

 

(11/382)

 

 

فقال: ... فذكره. كذا في "الإصابة" في ترجمة (جعال بن سراقة الضمري) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أسامة بن زيد هذا ضعيف؛ كما في "التقريب" وغيره.

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع" لابن قانع عن ابن سراقة بزيادة:

"ويحك ... " في أوله، وسكت عنه المناوي!

5235 - (ويل لأمتي من علماء السوء، يتخذون هذا العلم تجارة يتبعونها من أمراء زمانهم ربحاً لأنفسهم، لا أربح الله تجارتهم) .

ضعيف

أخرجه الديلمي (4/ 134) عن الحاكم معلقاً: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد العدل: حدثنا أبو الفضل صالح بن نوح: حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله: حدثني أبي: حدثني إبراهيم بن طهمان: حدثنا الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أنس رفعه.

قلت: وهذا سند ضعيف؛ صالح بن نوح لم أعرفه.

وأحمد بن محمد بن أحمد العدل؛ الظاهر أنه ابن بالويه، أبو أحمد البالوب النيسابوري، روى عنه الحاكم؛ وقال:

"تغير بآخره، وهو صدوق".

قلت: فهو علة الحديث، أو شيخه.

وأما المناوي؛ فقد أبعد النجعة حين أعله بقوله:

"وفيه إبراهيم بن طهمان؛ مختلف فيه، وحجاج بن حجاج؛ مجهول"!

 

(11/383)

 

 

قلت: لقد توهم المناوي أن الحجاج هذا هو ابن الحجاج الأسلمي؛ شيخ لشعبة، فهو الذي قال فيه الذهبي في "الضعفاء":

"مجهول".

ولكنه ليس به؛ وإنما هو حجاج بن حجاج الباهلي الأحول، من رجال مسلم؛ قال الذهبي في "الميزان":

"ثقة، يروي عنه إبراهيم بن طهمان".

وأما إبراهيم بن طهمان؛ فهو من رجال الشيخين، وقد قال فيه الحافظ في "التقريب":

"ثقة، يغرب".

قلت: فمثله لا يعل به الحديث؛ إلا إذا ضاقت السبل، ولم يعثر على علة في إسناده، وهو منكر كهذا، فحينئذ يمكن العروج عليه والإعلال به. أما والطريق إليه غير سالمة من العلة كما ذكرنا؛ فلا وجه لإعلال الحديث به. فتأمل!

5236 - (ويل للوالي من الرعية؛ إلا والياً يحوطهم من ورائهم بالنصيحة) .

ضعيف

أخرجه الروياني في "مسنده" (ق 165/ 2) عن علي بن عابس: حدثني شيخ؛ يقال له: أبو بكر -؛ قال: كان يجالسنا عند عبد الملك بن أبي سليمان -: أخبرنا الحسن قال:

دخل عبيد الله بن زياد على عبد الله بن مغفل قال: حدثني بشيء سمعته

 

(11/384)

 

 

من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تحدثني بشيء سمعته من غيره؛ وإن كان ثقة في نفسك، فقال: لولا أني سمعته غير مرة ما حدثتك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علي بن عابس متفق على ضعفه، بل قال ابن حبان (2/ 104-105) :

"كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه فيما يرويه؛ فبطل الاحتجاج به".

وشيخه أبو بكر لم أعرفه.

والحسن - وهو البصري - مدلس، وقد ذكره بصيغة التدليس.

ولعل أصل الحديث: ما روى وهب بن كيسان عن ابن مغفل صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أنكر من بعض أهل العراق شيئاً - قال: حسبت أنه قال: من سمرة - فأتاه، فدخل عليه، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"أيما إمام بات غاشاً لرعيته؛ حرم الله عليه الجنة، وأدخله النار".

قال: وهل كنت إلا من حثالة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: وهل كان فيهم حثالة؟! ألم يكونوا شرفاً ومكرمة وخيار من كان معه؟

أخرجه الروياني (ق 166/ 1) عن محمد بن عجلان عن وهب بن كيسان به.

قلت: وهذا إسناد جيد. وقال المنذري (3/ 141) :

"رواه الطبراني بإسناد حسن".

وقد صح نحوه من حديث معقل بن يسار؛ فانظر "الصحيحة" (2631) .

 

(11/385)

 

 

ويأتي له شاهد تحت الحديث الآتي برقم (5642) .

5237 - (لا تأكلوا البصل النيء) .

ضعيف

أخرجه ابن ماجه (3366) عن عبد الله بن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن عثمان بن نعيم عن المغيرة بن نهيك عن دخين الحجري أنه سمع عقبة ابن عامر الجهني يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "لا تأكلوا البصل"، ثم قال كلمة خفية: "النيء".

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عثمان والمغيرة مجهولان؛ كما قال الحافظ في "التقريب".

وأما قول البوصيري في "الزوائد" (ق 227/ 1) :

"هذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة"!

فهو ضعيف، وإن تبعه المناوي؛ فإنه من رواية عبد الله بن وهب عنه كما رأيت، وحديثه عنه صحيح؛ كما نبه على ذلك غير ما واحد من الحفاظ.

 

(11/386)

 

 

5238 - (ليستغن أحدكم بغنى الله؛ قالوا: يا رسول الله! وما غنى الله؟ قال: غداء يومه، وعشاء ليلته) .

ضعيف

أخرجه المروزي في "زيادات الزهد" (1167) : أخبرنا أبو النضر عمرو بن حمران قال: حدثنا هشام عن واصل مولى أبي عيينة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لإعضاله؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛

 

(11/386)

 

 

غير عمرو بن حمران، وهو صالح الحديث؛ كما قال أبو حاتم.

وهشام: هو ابن حسان، وهو من أقران واصل مولى أبي عيينة، وهذا لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، وإنما عن أبي الزبير المكي ونحوه من التابعين، ولذلك؛ جعله الحافظ في "التقريب" من الطبقة السادسة، الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، وعليه؛ فحديثه معضل؛ كما ذكرنا. فقول السيوطي:

"رواه ابن المبارك عن واصل مرسلاً"! ليس كما ينبغي.

على أن عزوه إياه لابن المبارك خطأ ظاهر؛ فإنما رواه المروزي في "زوائده"؛ كما سبق.

وكأن المناوي لم يقف على إسناده فيه؛ فإنه لم يعلق على قول السيوطي هذا بشيء، اللهم إلا قوله:

"واصل في التابعين أسدي، ورقاشي، وبصري، ومهلبي، وغيرهم، فتمييزه كان أولى"!

قلت: إنما هو المهلبي منهم؛ فإنه واصل مولى أبي عيينة؛ كما صرحت بذلك الرواية نفسها.

ثم إن سائر المذكورين كلهم من الطبقة السادسة أيضاً؛ دون البصري - واسمه واصل بن عبد الرحمن أبو حرة -؛ فإنه من كبار الطبقة السابعة، والأسدي - واسمه واصل بن عبد الأعلى -؛ فإنه من العاشرة، فجعله إياهم من التابعين لا يخفى ما فيه.

 

(11/387)

 

 

5239 - (ليس منا من انتهب، أو سلب، أو أشار بالسلب) .

ضعيف

أخرجه الطبراني [12/ 84/ 12612] ، والحاكم (2/ 135) ، والضياء في "المختارة" (58/ 193/ 2) عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس مرفوعاً. وقال الحاكم:

"حديث صحيح"! وأقره الذهبي على ما في النسخة المطبوعة!

وأما المناوي؛ فقد حكى عنه أنه تعقبه بقوله:

"قابوس لين".

قلت: وهذا هو الصواب اللائق بما قيل في قابوس. ثم قال المناوي:

"وقال الهيثمي: فيه - عند الطبراني - قابوس، وهو ضعيف. وقال في موضع آخر: فيه أبو الصباح عبد الغفور، متروك. اهـ؛ وكأنهما روايتان".

 

(11/388)

 

 

5240 - (ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته) .

باطل

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 280) : حدثنا القاضي محمد ابن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي قال: حدثنا محمد بن نعيم قال: حدثنا أبو عاصم: قال حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً.

قال أبو عاصم: ما نجد لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فضيلة مثل هذه؛ لأن طينتهما من طينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو نعيم:

"هذا حديث غريب من حديث ابن عون عن محمد، لم نكتبه إلا من

 

(11/388)

 

 

حديث أبي عاصم النبيل عنه، وهو أحد الثقات الأعلام من أهل البصرة"!

قلت: نعم، ولكن يبقى النظر فيمن دونه:

فمحمد بن نعيم لم أعرفه.

وأما الأهوازي؛ فقد أورده الذهبي في "الميزان"؛ وقال:

"لقبه سكرة، قال أبو بكر بن عبدان الشيرازي: أقر بالوضع".

فالإسناد ساقط بمرة.

وقد روي من حديث ابن مسعود بلفظ:

"ما من مولود إلا وفي سرته من تربته التي ولد منها، فإذا رد إلى أرذل العمر؛ رد إلى تربته التي خلق منها حتى يدفن فيها، وإني وأبا بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة، وفيها ندفن".

أخرجه الخطيب في "التاريخ" (2/ 313 و 13/ 40-41) من طريق محمد بن عبد الرحمن البغدادي: حدثنا موسى بن سهل أبو هارون الرازي: حدثنا إسحاق بن الأزرق: حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي الأحوص الجشمي عن عبد الله بن مسعود به.

أورده في الموضع الأول في ترجمة محمد بن عبد الرحمن البغدادي؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال عقب الحديث:

"غريب من حديث الثوري عن الشيباني، لا أعلم يروى إلا من هذا الوجه، وقيل: إن محمد بن مهاجر المعروف بأخي حنيف رواه عن إسحاق بن الأزرق".

 

(11/389)

 

 

وأورده في الموضع الآخر في ترجمة موسى بن سهل، ولم يذكر فيه أيضاً جرحاً ولا تعديلاً. لكن أورده الذهبي في "الميزان"؛ وقال:

" ... عن إسحاق الأزرق بخبر باطل"، ثم ساق هذا؛ ثم قال:

"رواه عنه نكرة مثله".

وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 328) من طريق أخرى عن أحمد بن سعيد الإخميمي قال: حدثنا محمد بن زكريا النيسابوري قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي اليسع عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود به. وقال:

"لا يصح؛ محمد وأحمد مطعون فيهما، وفيه مجاهيل؛ منهم أبو اليسع".

قال السيوطي عقبه في "اللآلي" (1/ 160) :

"قلت: أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق فقال ... حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص. ولم أر لمحمد ذكراً في "الميزان"؛ ولا في "اللسان"، وورد من طريق آخر، أخرجه الخطيب ... "، ثم ساقه كما تقدم، وقال:

"وقد أورد المؤلف هذا الطريق في "العلل"، وقد قال الدارقطني: موسى بن سهل ضعيف".

ثم ساقه من طريق ابن عساكر أيضاً من طريق أبي عبد الله بن باكويه الشيرازي في "جزئه" بسنده عن أحمد بن الحسن بن أبان المصري: حدثنا الضحاك بن مخلد بإسناده المتقدم عن أبي هريرة به.

 

(11/390)

 

 

وسكت عنه هو، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 373) !

وليس بصواب؛ فإن ابن أبان هذا كذاب دجال من الدجاجلة، يضع الحديث على الثقات وضعاً؛ كما قال ابن حبان (1/ 149-150) . وقال الدارقطني:

"حدثونا عنه، وهو كذاب".

ومن طريقه: أخرجه الصابوني في "المئتين"، وقال:

"حديث غريب".

وبالجملة؛ فالحديث باطل من جميع طرقه.

وأما الشواهد التي ذكرها له السيوطي؛ فهي مع كونها شواهد قاصرة؛ فهي ما بين موقوف ومقطوع، وخيرها حديث ابن عمر مرفوعاً:

"دفن بالطينة التي خلق منها".

فهذا القدر ثابت؛ لأن له شواهد مرفوعة، يرتقي بها إلى مرتبة الحسن، ولذلك؛ خرجته في "الصحيحة" (1858) .

5241 - (لا تدعوا الركعتين اللتين قبل صلاة الفجر؛ فإن فيهما الرغائب) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 203/ 2-204/ 1) ، وابن ثرثال في "سداسياته" (ق 225/ 1) عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ ليث بن أبي سليم ضعيف مختلط.

 

(11/391)

 

 

وأعله الهيثمي بغيره؛ فقال (2/ 217-218) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه عبد الرحيم بن يحيى، وهو ضعيف. وروى أحمد منه: "وركعتي الفجر حافظوا عليهما؛ فإن فيهما الرغائب". وفيه رجل لم يسم"!

فأقول: عبد الرحيم هذا ليس في طريق ابن ثرثال، فإعلاله بالليث أولى؛ كما فعلنا.

وله طريق أخرى؛ أخرجه الإمام أحمد (2/ 82) من طريق أيوب بن سليمان - وجل من أهل صنعاء - عن ابن عمر مرفوعاً في حديث طويل بلفظ:

"وركعتا الفجر حافظوا عليهما؛ فإنهما من الفضائل".

وأيوب هذا؛ قال فيه الحافظ في "التعجيل":

"فيه جهالة".

وتساهل الشيخ أحمد شاكر في "تعليقه على المسند" (7/ 292) ، فصحح حديثه هذا؛ وعلل ذلك بقوله:

"وإنما صححت حديثه بأنه تابعي مستور، لم يذكر بجرح، فحديثه حسن على الأقل، ثم لم يأت فيه شيء منكر انفرد به؛ كما سيأتي، فيكون حديثه هذا صحيحاً"!!

ثم أطال النفس في ذكر الشواهد لحديثه هذا الطويل وتخريجها، ولكنه بالنسبة لهذه الفقرة الخاصة بالركعتين لم يذكر لها شاهداً إلا حديث الترجمة، ونقل كلام

 

(11/392)

 

 

الهيثمي المتقدم في إعلاله بعبد الرحيم بن يحيى، وخفي عليه - تبعاً للهيثمي - أن فوقه الليث المختلط.

ولكنه تعقبه في قوله: "وفيه رجل لم يسم"، وحقق أنه هو أيوب بن سليمان الصنعاني؛ كما وقع في "المسند" على ما سبق، ولكنه تحقيق لا طائل تحته، فسواء سمي أو لم يسم؛ فهو مجهول العين.

ثم من أين له أنه تابعي؟! فقد يكون تابع تابعي! وكونه هو روى عن ابن عمر لا تثبت تابعيته بذلك؛ ما دام مجهولاً لا يحتج به. فتأمل!

5242 - (من شرب الخمر سخط الله عليه أربعين صباحاً، فإن عاد فمثل ذلك، وما يدريه لعل منيته تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط الله عليه أربعين صباحاً، وما يدريه لعل منيته تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط الله عليه أربعين صباحاً؛ فهذه عشرون ومئة ليلة، فإن عاد؛ فهو في ردغة الخبال يوم القيامة. قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: عرق أهل النار وصديدهم) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ص 308) عن أبي همام: أخبرنا إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير ثعلبة بن مسلم - وهو الخثعمي الشامي -؛ أورده الذهبي في "الميزان"، فقال:

"عن أبي بن كعب، وعنه إسماعيل بن عياش بخبر منكر".

 

(11/393)

 

 

قلت: ولعله يعني هذا، وقوله: "عن أبي بن كعب" مستغرب جداً، وما رأيت أحداً سواه ذكره، وهو يستلزم أن يكون تابعياً، وهو بعيد جداً؛ كما يتبين من شيوخه في "التهذيب"! وقال في "التقريب":

"مستور، من الخامسة". والله أعلم.

وبالجملة؛ فهو علة هذا الحديث.

وأبو همام؛ لم يتبين لي من هو بعد مراجعة "الكنى" للدولابي، وهذا الباب نفسه من "التهذيب"، و "اللسان".

ولعله من الذين أشار إليهم المنذري بقوله في "الترغيب" (3/ 189) :

"رواه الأصبهاني، وفيه إسماعيل بن عياش، ومن لا يحضرني حاله"!

قلت: إسماعيل شامي، وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها.

فالعلة من شيخه ثعلبة، أو من أبي همام هذا. والله أعلم.

5243 - (من فارق الدنيا وهو سكران؛ دخل القبر سكران، وبعث من قبره سكران، وأمر به إلى النار سكران إلى جبل يقال له: سكران؛ فيه عين يجري منه القيح والدم؛ هو طعامهم وشرابهم ما دامت السماوات والأرض) .

موضوع

أخرجه ابن عدي (71/ 1) ، والأصبهاني في "الترغيب" (ص 309) من طريق أبي هدبة عن الأشعث الحراني عن أنس مرفوعاً. وقال ابن عدي - وقد ذكر لأبي هدبة غير هذا الحديث أيضاً -:

"وهذه الأحاديث مع غيرها [مما رواه ابن عدي] كلها بواطيل، وهو متروك

 

(11/394)

 

 

الحديث، بَيَّنَ الأمر في الضعف جداً".

قلت: واسمه إبراهيم بن هدبة، وهو دجال من الدجاجلة؛ كما تقدم أكثر من مرة، فأستغرب من الحافظ المنذري إيراده لحديثه هذا في "الترغيب" (3/ 189) وإن قال:

"رواه الأصبهاني - وأظنه في "مسند أبي يعلى" أيضاً مختصراً -؛ وفيه نكارة"!

فإن قوله: "وفيه نكارة"؛ دون ما يستحقه من الحكم عليه بالبطلان؛ كما فعل ابن عدي.

5244 - (من أقر بعين مؤمن؛ أقر الله بعينه يوم القيامة) .

ضعيف

أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (685) : أخبرنا يحيى ابن عبد الله عن عبيد الله بن زحر عن بعض أصحابه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل مظلم؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: جهالة صاحب ابن زحر، وأحسن أحواله أن يكون تابعياً؛ فهو مرسل، ويحتمل أن يكون من طبقته، فيكون معضلاً.

الثانية: ابن زحر - نفسه - ضعيف.

الثالثة: يحيى بن عبد الله، هكذا وقع غير منسوب، ولابن المبارك شيخان بهذا الاسم:

 

(11/395)

 

 

أحدهما: البخاري، ترجمه البخاري في "التاريخ" (4/ 2/ 188-189) ، وابن أبي حاتم (4/ 2/ 162) برواية ابن المبارك فقط عنه، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

والآخر: الكندي الأجلح أبو حجية، ترجمه ابن أبي حاتم أيضاً (4/ 2/ 163) وذكر أنه روى عنه الثوري أيضاً، وقد روى عنه جمع آخر، وهو مترجم في "التهذيب" باسم: "الأجلح" - وهو لقبه -، وهو مختلف فيه. وفي "التقريب" أنه صدوق.

5245 - (إن الله بعث حبيبي جبريل عليه السلام إلى إبراهيم، فقال له: يا إبراهيم! إني لم أتخذك خليلاً على أنك أعبد عبادي، ولكني اطلعت على قلوب الآدميين، فلم أجد أسخى من قلبك، فلذلك؛ اتخذتك خليلاً) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن عساكر في "التاريخ" (2/ 171/ 1) عن عبد الملك بن عبد الملك الصائغ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً على إرساله؛ فإن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جداً، وهو صاحب حديث توسل آدم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدم (25) .

وعبد الملك بن عبد الملك؛ قال البخاري:

"في حديثه نظر". وقال البزار:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن في أصله الخطي: " الحديث (5246) نقل إلى " الصحيحة "، فيعوض "، وقد عوضه الشيخ بالحديث الآتي بهذا الرقم. (الناشر)

 

(11/396)

 

 

"ليس بمعروف".

والحديث؛ عزاه المنذري في "الترغيب" (3/ 249) لأبي الشيخ في "الثواب"، والطبراني، وأشار إلى ضعفه.

ولكني لم أره عند الطبراني، ولا عزاه إليه السيوطي، وقد أورده في "الجامع الكبير" (1/ 142/ 2) من رواية أبي الشيخ وحده، وقد ذكره هو والمنذري من حديث عمر، فلعله سقط من نسخة "التاريخ" اسم عمر، ولم أره في "مجمع الزوائد" بعد مزيد البحث عنه؛ كما أشرت إليه في التعليق على "الترغيب".

5246 - (للنار باب يدخل منه إلا من شفى غيظه بسخط الله) .

ضعيف جداً

أخرجه البزار (2/ 439/ 2055) ، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 83) من طريق قدامة بن محمد بن قدامة: حدثنا إسماعيل بن شيبة - وقال العقيلي: شبيب - الطائفي: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً. وقال العقيلي في ترجمة إسماعيل هذا:

"أحاديثه مناكير، ليس فيها شيء محفوظ". وقال ابن عدي في "الكامل" (1/ 313) :

"لا أعلم له رواية عن غير ابن جريج، وأحاديثه عن ابن جريج فيها نظر".

وذكره النسائي في "الضعفاء"، وقال (284 - هندية) :

"يروي عن ابن جريج، منكر الحديث، روى عنه قدامة بن محمد".

ومن غرائب ابن حبان أنه أورده في "الثقات"، وقال (8/ 93) :

"روى قدامة بن محمد الخشرمي عنه، يتقى حديثه من رواية قدامة عنه"!

 

(11/397)

 

 

وذكر قدامة هذا في "الضعفاء والمجروحين" (2/ 219) ، وقال:

"لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"!

قلت: فكان الأولى به - إذ وثق إسماعيل هذا - أن يذكره برواية ثقة عنه، لا برواية هذا الضعيف عنده! مع أنه قد مشاه غيره؛ كما قال الذهبي، وقال فيه الحافظ:

"صدوق يخطىء".

فالعلة من شيخه إسماعيل، وقد قال فيه الذهبي:

"واه".

والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" للحكيم الترمذي! فتعقبه المناوي بقوله:

"ظاهر صنيع المصنف أن الحكيم أسنده على عادة المحدثين، وليس كذلك، بل قال: "روي عن ابن عباس"، فكما أن المصنف لم يصب في عزوه إليه - مع كونه لم يسنده -؛ لم يصب في عدوله عن عزوه لمن أسنده من المشاهير الذين وضع لهم الرموز، وهو البيهقي؛ فإنه خرجه باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور ... ".

ثم تكلم على إسناده بنحو ما تقدم مع اختصاره.

وعزاه في "الجامع الكبير" للحاكم في "التاريخ"، والعقيلي، وابن عدي عن ابن عباس! وما أظن عزوه لابن عدي إلا وهماً.

5247 - (لا ترع أخاك المسلم؛ فإن روعة المسلم ظلم عظيم) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 211 - زوائده) ، والعقيلي في

 

(11/398)

 

 

"الضعفاء" (ص 180) عن شعيب بن بيان الصفار قال: حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه:

أن رجلاً أخذ ثوب رجل؛ فلم يرده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال العقيلي:

"شعيب يحدث عن الثقات بالمناكير، وكاد يغلب على حديثه الوهم، وقد روي هذا الإسناد، في إسناده لين أيضاً".

قلت: وقال الجوزجاني:

"له مناكير".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"! وقال الذهبي:

"صدوق". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يخطىء".

وهذا هو الأقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى، فالأولى إعلال الحديث بعاصم بن عبيد الله؛ فإنه ضعيف معروف بذلك.

وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (6/ 253) :

"رواه الطبراني، والبزار، وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف".

ورواه أبو الشيخ أيضاً في "كتاب التوبيخ"؛ كما في "الترغيب" (3/ 291) للحافظ المنذري، وأشار لضعف الحديث.

ثم إن لفظ الحديث عند البزار (1523 - كشف) مختصر:

 

(11/399)

 

 

"إن روعة المسلم ... "، ولفظ الطبراني:

أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لا تروعوا المسلم ... " إلخ.

وللحديث شاهد أشار إليه العقيلي آنفاً، وهو من حديث حسين بن عبد الله الهاشمي: حدثنا عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن عن أبيه عن جده أبي حسن - وكان عقبياً بدرياً -:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالساً ومعه نفر من أصحابه، فقام رجل ونسي نعليه، فأخذهما آخر، فوضعهما تحته، فجاء الرجل فقال: نعلي؟! فقال القوم: ما رأيناهما، فقال الرجل: أنبأنا أخذتهما وكنت ألعب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"فكيف بروعة المؤمن؟! "؛ قالها ثلاثاً.

وأخرجه أيضاً البزار (1522 - كشف) قبل الحديث الأول به.

رواه ابن السكن؛ كما في "الإصابة". وقال الهيثمي:

"رواه الطبراني، وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي، وهو ضعيف".

قلت: ولذلك؛ لين إسناده العقيلي؛ كما تقدم. وأشار إلى ذلك المنذري بتصديره إياه بقوله: "وروي".

5248 - (لا يزال أربعون رجلاً من أمتي؛ قلوبهم على قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم: الأبدال؛ إنهم لم يدركوها بصلاة، وبصوم، ولا صدقة. قالوا: فبم أدركوها؟ قال: بالسخاء والنصيحة للمسلمين) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 76/ 1) : حدثنا أحمد

 

(11/400)

 

 

ابن داود المكي: أخبرنا ثابت بن عياش الأحدب: أخبرنا أبو رجاء الكلبي: أخبرنا الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو رجاء الكلبي هو روح بن المسيب؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 299) :

"كان ممن يروي عن الثقات الموضوعات، ويقلب الأسانيد، ويرفع الموقوفات".

وضعفه غيره، وهو مترجم في "الميزان"، و "اللسان".

ولم يعرفه الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (10/ 63) :

"رواه الطبراني من رواية ثابت بن عياش الأحدب عن أبي رجاء الكلبي، وكلاهما لم أعرفه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!

قلت: أحمد بن داود المكي ليس من رجال "الصحيح"! ولكن الهيثمي هذه عادته؛ أنه يقول هذا نحوه، ولا يعني به شيخ الطبراني أيضاً، فتنبه.

ثم إن المكي لا أعرفه أيضاً، كشيخه ثابت. والله أعلم.

وروى مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن زرير عن علي قال:

سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأبدال؟ قال:

"هم ستون رجلاً". قلت: يا رسول الله! حلهم لي؟ قال:

"ليسوا بالمتنطعين، ولا بالمبتدعين، ولا بالمتعمقين، لم ينالوا ما نالوه بكثرة صيام، ولا صلاة، ولا صدقة، ولكن بسخاء النفس، وسلامة القلوب، والتضحية

 

(11/401)

 

 

لأمتهم، إنهم يا علي! في أمتي أقل من الكبريت الأحمر".

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأولياء" (ص 102 رقم 8) .

قلت: وهذا موضوع؛ آفته مجاشع هذا؛ فإنه أحد الكذابي؛ كما قال ابن معين.

ثم روى برقم (58) عن صالح المري قال: سمعت الحسن يقول: ... فذكره مرفوعاً بلفظ:

"إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاة، ولا صوم، ولا صدقة، ولكن دخلوها برحمة الله، وسخارة النفس، وسلامة الصدر".

قلت: وهذا مرسل؛ الحسن: هو البصري.

وصالح المري ضعيف.

5249 - (من عمل عملاً رياءً؛ لم يكتب لا له ولا عليه) .

موضوع

أخرجه البزار في "مسنده" (ص 216 - زوائده) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 322/ 1-2) عن محمد بن السائب في قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه ... ) الآية، قال: حدثني أبو صالح قال:

كان عبد الرحمن بن غنم في مسجد دمشق في نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم معاذ بن جبل، فقال عبد الرحمن بن غنم: يا أيها الناس! إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي، فقال معاذ: اللهم غفراً! فقال: يا معاذ! أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

 

(11/402)

 

 

"من صام رياءً؛ فقد أشرك، ومن تصدق رياءً؛ فقد أشرك، ومن صلى رياءً؛ فقد أشرك"؟! قال:

بلى، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية: (فمن كان يرجو لقاء ربه ... ) الآية، فشق ذلك على القوم واشتد عليهم، فقال:

"ألا أفرجها عنكم؟! "، قالوا: بلى؛ فرج الله عنك الهم والأذى! فقال:

"هي مثل الآية التي في (الروم) : (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ... ) الآية، من عمل عملاً ... " إلخ - واللفظ للبزار -. وقال الهيثمي عقبه:

"محمد بن السائب: هو الكلبي؛ كذاب".

وكذا قال في "المجمع" (8/ 54) .

وأبو صالح: هو باذام مولى أم هانىء، وهو ضعيف؛ لكن الحمل فيه على الكلبي، وكأنه لذلك لم يتعرض لإعلاله به - أيضاً - الهيثمي.

ثم إن حديث الترجمة باطل ظاهر البطلان؛ فإنه مع مخالفته لصراحة الآية: (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) ؛ فهو معارض للأحاديث الصحيحة في الترهيب من الرياء في العبادة والموافقة لصراحة الآية، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تبارك وتعالى: أنبأنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه". رواه مسلم (8/ 223) .

بل هو معارض لقوله في الحديث نفسه: "من صام رياءً؛ فقد أشرك ... " إلخ؛ إذ كيف يقال فيمن أشرك: " ... لا عليه"؟!

 

(11/403)

 

 

فمن العجيب حقاً أن يلين القول في هذا الحديث الباطل حافظان جليلان:

الأول: مخرجه البيهقي؛ حيث قال عقبه:

"إن صح"!

والآخر: الحافظ المنذري؛ فإنه قال (1/ 36) - بعد أن ذكر طرفه الأول من رواية البيهقي -:

"وإسناده ليس بالقائم"!!

وجملة الصيام والصدقة والصلاة التي بعدها: "فقد أشرك" قد جاءت بإسناد خير من هذا؛ يرويه عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن شداد بن أوس مرفوعاً.

أخرجه أحمد (4/ 125-126) ، وكذا الطيالسي (1120) ، وأبو الشيخ في "التوبيخ" (191/ 159) ، والحاكم (4/ 329) ، والبيهقي (2/ 321/ 1) ، وسكت عليه الحاكم والذهبي.

وهو إسناد ضعيف يحتمل التحسين. والله أعلم.

5250 - (كل مسلم عليه صلاة، وكل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة؛ فهي صلاة) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 135/ 2) : حدثنا عبد الله بن موسى بن أبي عثمان الأنماطي: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة: أخبرنا حرمي بن عمارة: أخبرنا حازم بن إبراهيم أبو محمد الكوفي:أخبرنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

 

(11/404)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ سماك بن حرب - وإن كان من رجال مسلم -؛ فقد تكلم فيه الأئمة. وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق، وروايته عن عكرمة - خاصة - مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن".

وحازم بن إبراهيم: هو البجلي؛ ترجمه ابن عدي (ق 110/ 2) ؛ ولكنه قال:

"بصري"، ثم ساق له أحاديث أخرى، ولم يحك فيه عن أحد جرحاً ولا تعديلاً، ثم قال:

"وله غير ما ذكرت، وأرجو أنه لا بأس به".

وقد وثقه ابن حبان وغيره؛ كما في "اللسان".

ومن دونه ثقات من رجال مسلم - على كلام في ابن عمارة -؛ إلا الأنماطي، وقد ترجمه الخطيب (10/ 148) برواية جمع عنه، وقال:

"وما علمت من حاله إلا خيراً".

وقد تابع حازماً: الوليد بن أبي ثور عن سماك به أتم منه بلفظ:

"ميسم".

أخرجه أبو يعلى، والطبراني وغيرهما.

والمحفوظ في الحديث بلفظ: "صدقة" مكان: "صلاة"؛ كما بينته في "الصحيحة" (577) .

 

(11/405)

 

 

5251 - (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال، والمتبتلين من الرجال؛ الذي يقول: لا يتزوج، والمتبتلات اللائي يقلن ذلك، وراكب الفلاة وحده. فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استبان ذلك في وجوههم، وقال: [و] البائت وحده) .

منكر

أخرجه أحمد (2/ 287،289) - مطولاً ومختصراً، وهذا هو المطول -، والبخاري في "التاريخ" (2/ 2/ 362) ، والعقيلي في "الضعفاء" (ص 196) من طريق طيب بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته جهالة الطيب هذا؛ فقد قال ابن أبي حاتم (2/ 1/ 498) عن أبيه:

"لا يعرف".

وتبعه على ذلك الذهبي؛ فقال في "الميزان":

"لا يكاد يعرف، وله ما ينكر"؛ ثم ساق له هذا الحديث.

وأقره الحافظ في "اللسان".

وقد أشار الإمام البخاري إلى أنه قد خولف في إسناده؛ فإنه ذكر عقب الحديث أن عمر بن حبيب الصنعاني روى عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح: حدثني رجل من هذيل:

رأيت عبد الله بن عمر وأقبلت امرأة تمشي مشية الرجال، فقلت: هذه أم سعيد

 

(11/406)

 

 

بنت أبي جميل. قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"ليس منا من الرجال من تشبه بالنساء، ولا من تشبه بالرجال من النساء". وقال العقيلي عقبه:

"وهذا أولى". وقال البخاري:

"وهذا مرسل، ولا يصح حديث أبي هريرة".

وقد أشار البخاري - رحمه الله - إلى إعلال الحديث بمخالفة عمرو بن دينار - وهو ثقة حجة - للطيب - المجهول - بروايته عن عطاء عن رجل عن ابن عمر.

فخالفه إسناداً ومتناً، وذلك دليل على أنه لا يحتج به.

وأما تعقب الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه على "المسند" (14/ 244) الإمام البخاري بقوله:

"وهذا من البخاري - رحمه الله - تعليل غير قائم؛ فهذا حديث وذاك حديث، وما يمتنع أن يروي عطاء هذ وذاك؟! وما هما بمعنى واحد، وإن اشتركا في بعض المعنى، بل أحدهما يؤيد الآخر ويقويه"!!

قلت: يقال له: أثبت العرش ثم انقش؛ فإن مثل هذا التعقب إنما يصح أن يقال في ثقة روى شيئاً لم يروه الثقة الآخر، وليس الأمر كذلك هنا؛ فقد عرفت أن الطيب مجهول، ولم يوثقه أحد مطلقاً سوى ابن حبان الذي عرف بتوثيقه للمجهولين، ولكن الشيخ - رحمه الله تعالى - جرى في كتاباته كلها على الاعتداد بتوثيقه، خلافاً لجماهير العلماء في أصولهم وفروعهم، فكم من راو وثقه وهو عندهم مجهول، وكم من حديث صححه، وهو عندهم معلول! كل ذلك منه

 

(11/407)

 

 

اعتماد على توثيق ابن حبان! وهذا هو المثال بين يديك.

والحديث؛ أورده الهيثمي (4/ 251 و 8/ 103) - مطولاً ومختصراً -، وقال:

"رواه أحمد، وفيه طيب بن محمد وثقه ابن حبان، وضعفه العقيلي، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "، وقال المنذري (4/ 66) :

"رواه أحمد من رواية الطيب بن محمد، وبقية رواته رواة (الصحيح) ".

(تنبيه) : على ثلاثة أمور:

الأول: حديث الهذلي عن ابن عمر، هكذا وقع في "التاريخ": "ابن عمر" بدون الواو؛ وهكذا نقله عنه الحافظ في "التعجيل"! وعند العقيلي: "ابن عمرو" بالواو، وهو الصواب؛ فقد أخرجه أحمد في (مسند عبد الله بن عمرو) (2/ 220) ووقع فيه: "عبد الله بن عمرو بن العاصي"، وكذلك نقله عنه المنذري والهيثمي، وكذلك هو في "الحلية" من روايته عن أحمد.

الثاني: الراوي عن عمرو بن دينار في "التاريخ": "عمر بن حبيب الصنعاني"، وفي "العقيلي": "عمرو بن حوشب الصنعاني"، وكذا هو في "المسند"؛ إلا أنه لم يقل: "الصنعاني"؛ وإنما "رجل صالح". وأكثر نسخ "المسند" على هذا: "عمرو بن حوشب"؛ كما حققه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - (11/ 103-104) ، وذكر أن في نسخة (ك) رسماً غير بين، يمكن أن يقرأ: "معمر" وبهامشها "عمرو"، وعليها علامة نسخة.

وأقول: لعل أصل الرسم الذي إليه: "عمر"؛ لأنه موافق لـ "التاريخ"

 

(11/408)

 

 

من جهة، ولأنه مطبق لما في كتب التراجم - كما بينه الشيخ نفسه - من جهة أخرى، وهو الذي استقر عليه رأيه.

وأرجح أن الصواب: أنه "عمر بن حبيب الصنعاني"؛ كما في "التاريخ"؛ لأنه هو الذي ذكروا في ترجمته أنه روى عن عمرو بن دينار، بينما لم يذكروا ذلك في ترجمة "عمرو بن حوشب"، وإنما ذكروا أنه روى عن إسماعيل بن أمية فحسب.

الثالث: علمت مما سبق أن بين عطاء وابن عمرو: الرجل من هذيل في رواية البخاري وغيره؛ إلا أنه قد سقط الرجل من رواية الطبراني؛ كما أفاده الهيثمي، وكذلك سقط من رواية أبي نعيم، وهي من طريق أحمد! فالظاهر أن ذلك من أوهام بعض النساخ أو الرواة.

كما وهم الحافظ على البخاري؛ فعزا إليه في "التعجيل" أنه روى عن عمرو ابن دينار عن عطاء قال: سمعت ابن عمر ... فذكر الحديث! وهذا وهم فاحش كنت اعتمدت عليه حين خرجت الحديث في "حجاب المرأة" (ص 66-67) ، والآ تبينت أن ذلك من أوهامه - رحمه الله -، فمن كان عنده نسخة؛ فليصححها على ما هنا.

5252 - (نصرت بالصبا، وكانت عذاباً على من قبلي) .

ضعيف جداً

أخرجه الشافعي في "مسنده" (ص 29) : أخبرنا من لا أتهم: أخبرنا عبد الله بن عبيد عن محمد بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ فإ شيخ الشافعي الذي لم يسمه: هو

 

(11/409)

 

 

إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي؛ فقد قال أبو العباس الأصم - وهو راوي "المسند" قبل هذا الحديث (ص 28) -:

"سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي رضي الله عنه إذا قال: "أخبرني من لا أتهم"؛ يريد به إبراهيم بن أبي يحيى، وإذا قال: "أخبرني الثقة"؛ يريد به يحيى بن حسان".

قلت: أما يحيى هذا - وهو التنيسي -؛ فهو ثقة من رجال الشيخين.

وأما إبراهيم؛ فهو متروك، اتهمه غير واحد؛ كما تقدم مراراً.

وشيخه عبد الله بن عبيد؛ فلم أعرفه.

ومثله محمد بن عمرو، ويحتمل أنه الليثي المدني، أو القرشي المدني، وهما تابعيان.

ولذلك؛ ذكر السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" (5968) .

وأعله الحافظ في "الفتح" (6/ 231) بالانقطاع فقط، فقصر!

والحديث؛ في "الصحيحين" من حديث ابن عباس مرفوعاً دون قوله:

"وكانت عذاباً على من قبلي"، وقال مكانه:

"وأهلكت عاد بالدبور". وهو مخرج في "الروض النضير" (126) .

5253 - (نهى عن المجر) .

ضعيف

أخرجه أبو عبيد في "الغريب" (35/ 1) ، وابن قتيبة في "إصلاح

 

(11/410)

 

 

غلط أبي عبيد" (ق 52/ 2) ، والبيهقي (5/ 341) عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً. وقال البيهقي:

"تفرد به - بهذا اللفظ - موسى بن عبيدة، قال ابن معين: "فأنكر على موسى هذا، وكان من أسباب تضعيفه". وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سمعه ينهى عن بيع المجر. فعاد الحديث إلى رواية نافع، فكأن ابن إسحاق أداه على المعنى. والله أعلم".

وموسى بن عبيدة؛ قال الحافظ:

"ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابداً".

ومحمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.

(فائدة) : لمجر: أن يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة. قاله أبو عبيد عن أبي زيد.

وقال ابن قتيبة عقبه:

"وفيه قول آخر؛ رأيت أهل العلم باللغة عليه: أن المجر في الغنم خاصة دون الإبل".

5254 - (من أهديت له هدية وعنده قوم؛ فهم شركاؤه فيها) (1) .

ضعيف

روي عن ابن عباس، وعائشة، والحسن بن علي.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " كان هنا حديث بنفس الرقم " كان قريتان إحداهما صالحة. . . " فانظر (6690) ". (الناشر)

 

(11/411)

 

 

1- أما رواية ابن عباس؛ فرواه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (97/ 2) : حدثنا أبو نعيم: حدثنا مندل عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه مرفوعاً.

وكذلك أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 112/ 2) و "الأوسط" (1/ 151/ 2 - مجمع البحرين) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 351) ، والخطيب في "التاريخ" (4/ 249) ، والبيهقي (6/ 183) ؛ قال الطبراني، وأبو نعيم:

"لم يروه عن عمرو إلا ابن جريج، تفرد به مندل، ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد".

قلت: ومندل - وهو ابن علي العنزي - ضعيف، ولكنه لم يتفرد به كما قال الطبراني؛ فقد تابعه عبد السلام بن عبد القدوس؛ لكنه خالفه في تابعي الحديث فقال: حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس به.

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (255) ، وابن عساكر في "التاريخ" (19/ 78/ 1) ؛ ثم ذكر العقيلي رواية مندل المتقدمة؛ وقال في عبد السلام هذا:

"لا يتابع على شيء من حديثه، وليس ممن يقيم الحديث، ولا يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -".

قلت: وكنيته أبو محمد الكلاعي، وبكنيته هذه وقع في إسناد ابن عساكر. وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 150) :

"يروي الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به بحال"، ثم ساق له من موضوعاته: "أربع لا يشبعن من أربع ... "؛ وقد مضى برقم (766) .

 

(11/412)

 

 

وقد روي من وجه آخر عن عمرو بن دينار؛ وفيه نظر؛ كما قال البيهقي في "سننه" (6/ 183) ؛ ثم ساقه من طريق محمد بن [أبي] السري: حدثنا عبد الرزاق: أنبأ محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار به. وقال:

"وكذلك رواه أبو الأزهر عن عبد الرزاق. ورواه أحمد بن يوسف عن عبد الرزاق: ... فذكره عن ابن عباس موقوفاً غير مرفوع؛ وهو أصح".

قلت: وذلك؛ لأن أحمد بن يوسف ثقة حافظ؛ بخلاف أبي الأزهر - واسمه أحمد بن الأزهر -؛ فإنه وإن كان صدوقاً يحفظ؛ إلا أنه كان كبر، فصار كتابه أثبت من حفظه.

وأما ابن أبي السري؛ فهو ضعيف؛ له أوهام كثيرة. ولذلك؛ قال الحافظ في "الفتح" (5/ 167) :

"واختلف على عبد الرزاق في رفعه ووقفه؛ والمشهور عنه الوقف، وهو أصح الروايتين عنه".

قلت: ومدارهما على محمد بن مسلم؛ كما رأيت، وهو الطائفي؛ وهو صدوق يخطىء؛ كما في "التقريب". فلعل الاختلاف المذكور منه.

فلا جرم أن الإمام البخاري لما علق الحديث في "صحيحه"؛ صدره بصيغة التمريض: ويذكر عن ابن عباس: أن جلساءه شركاؤه، ثم عقب عليه بقوله:

"ولم يصح".

قلت: وقد ضعف الحديث - أيضاً - الإمام أحمد؛ فقد ذكره ابن قدامة في "المنتخب" (1/ 195/ 1) من طريق مندل بإسناده المتقدم، وقال:

 

(11/413)

 

 

"قال علي بن سعيد: سألت أبا عبد الله عن هذا الحديث؟ فقال: ما أدري من أين جاء هذا الحديث؟! وهو عندي منكر! ".

2- وأما حديث عائشة؛ فيرويه الوضاح بن خيثمة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً مثله.

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (445) ، وقال:

"الوضاح لا يتابع عليه، ولا يصح في هذا المتن حديث". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 85) :

"منكر الحديث، يروي عن الثقات الأشياء المقلوبات التي كأنها معمولة، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد؛ لسوء حفظه، وإن اعتبر معتبر بما وافق الثقات من حديثه؛ فلا ضير".

3- وأما حديث الحسن بن علي؛ فيرويه يحيى بن سعيد الواسطي: أخبرنا يحيى بن العلاء عن طلحة بن عبد الله عن الحسن بن علي مرفوعاً به.

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 131/ 2) . وأعله الهيثمي (4/ 148) بـ (يحيى بن سعيد) هذا، فقال:

"وهو ضعيف"!

قلت: ولقد أبعد النجعة؛ ففوقه (يحيى بن العلاء) ؛ وهو بجلي رازي، وهو متهم بالكذب، فتعصيب الجناية به في هذا الحديث أولى من (يحيى بن سعيد) .

ومما سبق؛ تعلم تساهل أو تسامح الحافظ ابن حجر في اقتصاره على إعلال حديث الحسن وعائشة بقوله:

 

(11/414)

 

 

"وإسنادهما ضعيف أيضاً"!

فإن الحق أن يقال: " ... ضعيف جداً"؛ وذلك؛ خشية أن يغتر من لا علم عنده بشدة ضعف هذين الإسنادين؛ فيغتر بقول الحافظ المذكور؛ فيدعي - بناءً عليه - تقوية الحديث بكثرة الطرق!

ولعل هذا هو السبب في إيراد الدكتور القلعجي هذا الحديث في فهرسه الذي وضعه في آخر "ضعفاء العقيلي" للأحاديث الصحيحة - بزعمه - مما ورد فيه (ص 521) ؛ على رغم قول العقيلي:

"لا يصح في هذا الباب شيء".

ووافقه الجوزي في "الموضوعات" (3/ 92-93) - بعد أن أعل حديث ابن عباس بطريقيه، وحديث عائشة بنحو ما تقدم -:

وكذلك وافقه ابن القيم في "المنار".

ولم يستطع السيوطي أن ينقذه من الضعف المستفاد من جميع طرقه! أما الوضع فنعم. ولذلك؛ صرح الشيخ القارىء في "الأسرار المرفوعة" بتخطئة ابن الجوزي في حكمه عليه بالوضع، وهو ظاهر كلام السخاوي في "المقاصد".

وبناءً عليه مختصره الزرقاني:

"ضعيف".

5255 - (الحمد لله؛ ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا) .

ضعيف

أخرجه ابن ماجه (4150) ، والبيهقي في "سننه" (7/ 280)

 

(11/415)

 

 

كلاهما من طريق سويد بن سعيد: حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:

أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً بطعام سخن، فأكل، فلما فرغ قال: ... فذكره. وليس عند البيهقي قوله:

"الحمد لله". وأشار إلى تضعيفه بقوله:

"هذا إن صح يحتمل معنى الأول - يعني: بعد أن يذهب فوره -، ويحتمل غيره".

قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير سويد؛ فإنه - مع كونه من شيوخ مسلم - فقد ضعفوه. قال الحافظ:

"صدوق في نفسه؛ إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول".

قلت: ومن هنا يظهر لك تساهل البوصيري في "الزوائد" (279/ 2) ؛ حيث قال:

"هذا إسناد حسن؛ سويد مختلف فيه، رواه البيهقي في "سننه الكبرى" ... وله شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر. رواه البيهقي"!

قلت: ولعله تبع المنذري في تحسينه، على أنه أيسر خطأ منه؛ فإن المنذري قال (4/ 109) :

"رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والبيهقي بإسناد صحيح"!!

 

(11/416)

 

 

ووجه ما ذكرت ظاهر جداً؛ فإنه غاير بين إسناد ابن ماجه والبيهقي؛ وهو واحد؛ فإن مدارهما على سويد بن سعيد! ومع ذلك حسن وصحح!!

ثم إن في جعله حديث أسماء شاهداً لهذا نظراً لا يخفى؛ فإن لفظه:

أنها كانت إذا ثردت غطته شيئاً حتى يذهب فوره، ثم يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"إنه أعظم للبركة".

فإن هذا أخص من حديث الترجمة. ولذلك؛ قال البيهقي: يحتمل أنه معناه أو يحتمل غيره؛ كما تقدم.

وفي إسناده قرة بن عبد الرحمن، وفيه ضعف.

ومن طريقه: رواه الدارمي (2/ 100) ، وابن أبي الدنيا في "الجوع" (14/ 2) .

5256 - (إذا تاب العبد من ذنوبه؛ أنسى الله حفظته ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض؛ حتى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه شاهد من الله بذنب) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني (201) من طريق أبي صالح العباس بن زياد: أخبرنا سعدان الخطمي عن سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ سعدان الخطمي، والعباس بن زياد؛ ولم أجد لهما ترجمة.

وكأنه لذلك أشار المنذري في "الترغيب" (4/ 75) إلى تضعيف الحديث.

 

(11/417)

 

 

5257 - (النادم ينتظر من الله الرحمة، والمعجب ينتظر المقت، واعملوا عباد الله! أن كل عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حسن عمله وسوء عمله، وإنما الأعمال بخواتيمها، والليل والنهار مطيتان، فأحسنوا السير عليهما إلى الآخرة، واحذروا التسويف؛ فإن الموت يأتي بغتة، ولا تغترن أحدكم بحلم الله عز وجل؛ فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله. ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)) (1) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني (201) من طريق عبد الله بن إبراهيم الكوفي: أخبرنا ثابت بن محمد قال: سمعت سفيان الثوري يقول: حدثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ ثابت بن محمد: هو العابد أبو محمد؛ قال الحافظ:

"صدوق زاهد، يخطىء في أحاديث".

قلت: وتابعه إسحاق بن بشر قال: حدثنا سفيان الثوري به.

أخرجه ابن بشران في "الأمالي" (2/ 126/ 1) .

لكن إسحاق بن بشر متروك، كذبه ابن المديني وغيره.

وتابعه أيضاً مطرف بن مازن قاضي اليمن عن سفيان الثوري به، دون قوله: "واعلموا عباد الله ... " إلخ.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق متن هذا الحديث من الأصل: " " ترغيب (4 / 75) ".

 

(11/418)

 

 

أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 355) .

ومطرف هذا ممن لا يفرح به أيضاً؛ فقد كذبه ابن معين وغيره.

وعبد الله بن إبراهيم الكوفي - الذي في طريق الأصبهاني -؛ يحتمل أنه الذي في "الميزان"؛ و"اللسان":

"عبد الله بن إبراهيم المؤدب، عن سويد بن سعيد؛ كذبه الدارقطني".

قلت: فيحتمل أنه هذا؛ فإنه من هذه الطبقة. والله أعلم.

5258 - (إن الله تعالى ناجى موسى بمئة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام؛ وصايا كلها، فلما سمع موسى كلام الآدميين؛ مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب، وكان فيما ناجاه أن قال: يا موسى! إنه لم يتصنع المتصنعون لي بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم، ولا تعبدني العابدون بمثل البكاء من خيفتي. فقال موسى: يا إله البرية كلها! ويا مالك يوم الدين! يا ذا الجلال والإكرام! فلماذا أعددت لهم؟ وماذا جزيتهم؟ قال: يا موسى! أما الزاهدون في الدنيا؛ فإني أبيحهم جنتي، يتبوؤون حيث يشاؤون، وأما الورعون عما حرمت عليهم؛ فإنه ليس من عبد يلقاني يوم القيامة إلا ناقشته الحساب، وفتشته عما كان في يديه إلا ما كان من الورعين؛ فإني أستحييهم وأجلهم، [وأكرمهم] ؛ فأدخلهم الجنة بغير حساب، وأما البكاؤون من خيفتي؛ فلهم الرفيق الأعلى، لا يشاركون فيه) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/ 557/ 3949)

 

(11/419)

 

 

- والسياق له - وفي "الكبير" أيضاً (12/ 120-121) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 345/ 10527) ، والأصبهاني في "الترغيب" (1/ 225/ 479) من طريق أبي مالك الجنبي عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو مالك الجنبي".

قلت: واسمه: عمرو بن هاشم؛ قال الحافظ:

"لين الحديث، أفرط فيه ابن حبان".

قلت: فالآفة من شيخه (جويبر) ؛ فإنه ضعيف جداً متروك، وحديثه عليه لوائح الإسرائيليات.

وتساهل الهيثمي حين قال في "المجمع" (10/ 296) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه جويبر بن سعيد، وهو ضعيف"!

ثم إنه منقطع بين الضحاك وابن عباس؛ فإنه لم يسمع منه.

وقد أخرجه الأصبهاني برقم (480) بإسناده عن سعيد الفزاري قال: بلغني أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام ... فذكره نحوه.

5259 - (ألا إن كل جواد في الجنة؛ حتم على الله، وأنا به كفيل، ألا وإن كل بخيل في النار؛ حتم على الله، وأنا به كفيل. قالوا: يا رسول الله! من الجواد ومن البخيل؟ قال: الجواد من جاد بحقوق الله في ماله، والبخيل من منع حقوق الله وبخل على ربه، وليس الجواد من

 

(11/420)

 

 

أخذ حراماً وأنفق إسرافاً) .

منكر

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (1/ 238/ 513 و 2/ 637/ 1525) عن أيوب بن سالم: أخبرنا يوسف بن حماد بن مليكة الصنعاني عن نبيه ابن عمر عن عبد الرزاق عن عبد الوهاب بن حسن الحنفي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الوهاب بن حسن الحنفي؛ الظاهر أنه التميمي الذي ترجمه ابن أبي حاتم (3/ 1/ 71) ؛ روى عن شيبان مولى الضحاك، وعنه محمد بن ميمون؛ وقال عن أبيه:

"أحاديثه مناكير، ولا أعرفه".

وذكره في "اللسان" عن البخاري؛ أنه قال فيه:

"منكر الحديث".

ومن دون عبد الرزاق لم أعرفهم.

والحديث؛ قال المنذري (3/ 248) :

"رواه الأصبهاني؛ وهو غريب".

قلت: وفيه عنعنة الحسن البصري، وجماعة لم أعرفهم.

5260 - (إن من الإيمان أن يحب الرجل [رجلاً] ؛ لا يحبه إلا لله؛ من غير مال أعطاه؛ فذلك الإيمان) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 488) : حدثنا محمد بن

 

(11/421)

 

 

جابان: حدثنا محمد بن مهران الجمال: حدثنا محمد بن المعلى عن الجراح بن الضحاك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن أبي إسحاق إلا الجراح".

قلت: وهو صدوق، وسائر رجاله ثقات؛ غير محمد بن جابان؛ فلم أجد له ترجمة، وأظنه الذي في "المعجم الصغير" (ص 186) : حدثنا محمد بن حامان الجنديسابوري ... كذا بخطي: "حامان" بالميم بين الألفين، ولعله تحريف!!

وأبو إسحاق: وهو عمرو بن عبد الله السبيعي؛ وكان اختلط، ثم هو - إلى ذلك - مدلس، وقد عنعن!

والحديث؛ سكت عليه المنذري (4/ 46) !

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 90) مختصراً موقوفاً بلفظ:

"إن من الإيمان أن يحب الرجل أخاه؛ لا يحبه إلا الله". وقال:

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده إسحاق الدبري، وهو منقطع بين عبد الرزاق وإسحاق"!!

5261 - (إن الرجل ليؤتى كتابه منشوراً فيقول: يا رب! فأين حسنات كذا وكذا عملتها؛ ليست في صحيفتي؟! فيقول له: محيت باغتيابك الناس) (1) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني (584) من طريق الحسن بن دينار عن

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " ترغيب " (3 / 301) ". (الناشر)

 

(11/422)

 

 

الخصيب بن جحدر عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الخصيب أو الحسن؛ فإنهما متهمان بالكذب:

فالأول: كذبه شعبة، والقطان، وابن معين. وقال البخاري، وابن الجارود:

"كذاب".

والآخر: كذبه أحمد، ويحيى. وقال أبو حاتم، وأبو خيثمة:

"كذاب".

5262 - (الغيبة والنميمة تحتان الإيمان؛ كما يعضد الراعي الشجر) (1) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني (584) من طريق أبي خالد عبد العزيز بن أبان الأموي: حدثنا عمرو أبو عبد الله الجعفي عن عبيد بن اصطفى (كذا) عن يزيد بن حسن عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته الأموي هذا؛ فقد كذبوه، قال ابن معين:

"كذب خبيث يضع الحديث". وقال ابن نمير:

"هو كذاب".

ومن بينه وبين أبان؛ لم أعرفهم.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " " ترغيب " (3 / 301) ". (الناشر)

 

(11/423)

 

 

5263 - (إياكم والكبر؛ فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 483) : حدثنا أحمد ابن القاسم: حدثنا عمي بن المساور: حدثنا سويد بن عبد العزيز: حدثنا عبد الله ابن حميد عن طاوس عن عبد الله بن عمر مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن طاوس إلا عبد الله بن حميد، تفرد به سويد".

قلت: وهو لين الحديث؛ كما في "التقريب"، بل هو واه جداً؛ كما قال الذهبي في "الميزان".

وسائر رجاله ثقات.

ومما سبق من التحرير؛ تعلم تساهل المنذري (4/ 16) - ثم الهيثمي (10/ 226) - في قولهما:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات"!

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " سيأتي تخريجه مبسوطاً برقم (6667) ". (الناشر) .

 

(11/424)

 

 

5264 - (أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء. فقال رجل: يا رسول الله! إنا لنستحيي من الله تعالى! فقال: من كان منكم مستحيياً من الله حق الحياء؛ فلا يبيتن ليلة إلا وأجله بين عينيه، وليحفظ البطن وما وعى، والرأس وما حوى، وليذكر الموت والبلى، وليترك زينة الحياة الدنيا) (2) .

موضوع بهذا التمام

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 498) عن

__________

(2) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " " ترغيب " (3 / 130) ". (الناشر)

 

(11/424)

 

 

خالد بن يزيد العمري: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن مسلم بن أبي مريم عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - على المنبر والناس حوله -: ... فذكره.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته خالد بن يزيد العمري؛ كذبه أبو حاتم ويحيى. وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 284-285) :

"منكر الحديث جداً، لا يشتغل بذكره؛ لأنه يروي الموضوعات عن الأثبات".

قلت: وشيخه هنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة؛ ضعيف.

ومن هذا الوجه: أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص 50) دون قوله:

"فلا يبيتن ليلة إلا وأجله بين عينيه".

وقد روي الحديث من طرق أخرى عن ابن مسعود وغيره دون الزيادة المذكورة، وهو بذلك يرتقي إلى مرتبة الحسن؛ كما بينته في "الروض النضير" (601) ، وإنما أخرجته هنا لهذه الزيادة التي تفرد بها هذا الكذاب.

5265 - (بدموع عينيك؛ فإن عيناً بكت من خشية الله لا تمسها النار أبداً) .

موضوع بهذا اللفظ

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (133) عن يوسف بن الغرق عن أيوب الحبطي عن نفيع بن الحارث عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:

قال رجل: يا رسول الله! بم أتقي النار؟ قال: ... فذكره.

 

(11/425)

 

 

قلت: وهذا إسناد هالك؛ مسلسل بالمتروكين: نفيع بن الحارث فمن دونه؛ ثلاثتهم متهمون بالكذب، فأحدهم آفته.

والحديث معروف من طرق أخرى دون قوله:

(بم أتقي النار؟ قال: بدموع عينيك) .

وهو مخرج في "المشكاة" (3829) ، و "الترغيب" (2/ 153) .

وإنما أوردته هنا من أجل الزيادة المذكورة.

5266 - (ما من شيء إلا وله توبة؛ إلا صاحب سوء الخلق؛ فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه) .

ضعيف جداً

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (304) من طريق أبي عمر بن حفص المقرىء الضرير: حدثني عمرو بن جميع عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن إبراهيم التيمي عن أبيه [عن عائشة] مرفوعاً.

وفي رواية له من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن مروان بن سالم عن رجل من أهل الجزيرة عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"ما من ذنب أعظم عند الله عز وجل من سوء الخلق، وذلك؛ أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في ذنب".

قلت: والطريق الأولى هالكة؛ لأنها من رواية عمرو بن جميع، وهو كذاب.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " " ترغيب " (4 / 260) ". (الناشر)

 

(11/426)

 

 

وقريب منها الطريق الأخرى؛ فإن فيها مروان بن سالم - وهو الجزري -؛ وهو متروك، رماه الساجي وغيره بالوضع.

ثم هو مرسل؛ ميمون بن مهران تابعي.

والرواي عنه لم يسم.

5267 - (من أصلح بين اثنين؛ أصلح الله أمره، وأعطاه بكل كلمة تكلم بينهما عتق رقبة، ورجع مغفوراً له ما تقدم من ذنبه) .

منكر جداً

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (1/ 106/ 185) من طريق عبيد بن هاشم الجوزجاني: حدثنا محمد بن الأزهر عن أبي فضالة عن موسى بن جابان عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد واه؛ فيه علل:

الأولى: موسى بن جابان؛ ليس له ذكر في كتب التراجم المعروفة، وهذا من الغرائب بمكان! فقد أورده الأمير ابن ماكولا في "باب جابان.."، فقال (2/ 11) :

"وموسى بن جابان، حدث عن لقمان بن عامر، حدث عنه ميسرة بن عبدربه، وميسرة غير ثقة، ولا يعرف موسى بن جابان إلا به".

وميسرة هذا كذاب معروف، له ترجمة مطولة في "اللسان".

الثانية: أبو فضالة؛ الظاهر أنه (مبارك بن فضالة) ؛ فإنه من هذه الطبقة، وهو صدوق؛ ولكنه مدلس، فأخشى أن يكون تلقاه عن (ميسرة) الكذاب ثم دلسه؛ لقول الأمير المتقدم في موسى:

 

(11/427)

 

 

"لا يعرف إلا بميسرة".

الثالثة: محمد بن الأزهر؛ الظاهر أنه (الجوزجاني) ؛ بقرينة الراوي عنه - الجوزجاني -، قال الذهبي في "المغني":

"محمد بن الأزهر الجوزجاني، عن يحيى القطان، نهى أحمد عن الكتابة عنه". وقال ابن عدي في "الكامل" (6/ 132) :

"ليس بالمعروف، وإذا لم يكن معروفاً، ويحدث عن الضعفاء؛ فسبيلهم سبيل واحد، لا يجب أن يشتغل برواياتهم وحديثهم".

الرابعة: عبيد بن هاشم الجوزجاني؛ لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر. والله أعلم.

والحديث؛ قال المنذري (3/ 293/ 7) - بعد أن أشار لضعفه -:

"رواه الأصبهاني، وهو حديث غريب جداً".

5268 - (من اغتيب عنده أخوه، فاستطاع نصرته فنصره؛ نصره الله في الدنيا والآخرة، فإن لم ينصره؛ أذله (1) الله في الدنيا والآخرة) .

ضعيف جداً

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (94/ 2) - من طريق محمد بن سعيد -، والأصبهاني (580) - من طريق عبد الرزاق -: أنبأنا معمر والثوري جميعاً عن أبان مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أبان - هذا - هو ابن أبي عياش، وهو متروك

__________

(1) في الأصل بخط الشيخ - رحمه الله -: " أدركه (كذا) ". وفي حاشية " ضعيف الترغيب " له: " الأصل أدركه، والتصويب من الأصبهاني ". فأثبتنا هنا ما هناك. (الناشر)

 

(11/428)

 

 

متهم بالكذب.

والحديث؛ أورده في "الميزان" من رواية ابن عدي من هذا الوجه.

وروى أبو الشيخ الشطر الثاني منه؛ كما في "الترغيب" (3/ 303) .

5269 - (من تواضع لأخيه المسلم؛ رفعه الله، ومن ارتفع عليه؛ وضعه الله) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3/ 272/ 1) من طريق عبد العظيم ابن حبيب: حدثنا أبو معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن المقبري إلا أبو معشر؛ تفرد به عبد العظيم".

قلت: قال الدارقطني:

"ليس بثقة".

وأبو معشر؛ اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني؛ ضعيف.

والحديث؛ أشار المنذري في "الترغيب" إلى تضعيفه.

وأعله الهيثمي (8/ 83) بـ (عبد العظيم) ، فقال:

"وهو ضعيف"!

 

(11/429)

 

 

5270 - (من قل ماله، وكثر عياله، وحسنت صلاته، ولم يغتب المسلمين؛ جاء يوم القيامة وهو معي كهاتين) .

موضوع

أخرجه أبو يعلى (1/ 280) ، والأصبهاني (585) عن مسلمة

 

(11/429)

 

 

ابن علي عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته مسلمة بن علي - وهو الخشني -؛ متروك اتفاقاً، وقد اتهمه الحاكم وغيره بالوضع، وقد مضت له أحاديث موضوعة؛ فانظر الأرقام (141،145،151،476) .

والحديث؛ أشارالمنذري في "الترغيب" (4/ 94) إلى تضعيفه.

5271 - (من مشى في حاجة أخيه المسلم؛ كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة، ومحا عنه سبعين سيئة إلى أن يرجع من حيث فارقهم؛ فإن قضيت حاجته على يديه؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وإن هلك فيما بين ذلك؛ دخل الجنة بغير حساب) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (292) من طريق ابن أبي عاصم: حدثنا محمد بن بحر الهجيمي: حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن الحسن عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عبد الرحمن بن زيد - وهو ابن أسلم العدوي مولاهم -، وهو ضعيف جداً، وهو صاحب حديث توسل آدم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدم برقم (25) .

ثم تبين أن (عبد الرحمن) محرف من (عبد الرحيم) ؛ فقد رأيت الحديث في "مسند أبي يعلى" (5/ 175/ 2789) : حدثنا محمد بن بحر: حدثنا

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " " ترغيب " (4 / 251) ". (الناشر)

 

(11/430)

 

 

عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه به.

ومن طريق أبي يعلى: أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/ 199) ، وعنه تلقاه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 173) . وقال:

"حديث لا يصح؛ قال يحيى: عبد الرحيم بن زيد كذاب، وأبوه ليس بشيء".

وأقره السيوطي في "اللآلي" (2/ 88) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/ 129) .

أقول: وإن مما يؤيد أنه (عبد الرحيم بن زيد) أن أباه (زيداً) - وهو (العمي) -، قد ذكروه في الرواة عن (الحسن) - وهو البصري -، بخلاف (زيد) - وهو ابن أسلم والد (عبد الرحمن) -؛ فلم يذكروه في الرواة عنه، والله تعالى أعلم.

وقد وقع هذا التحريف في مطبوعة "ترغيب الأصبهاني" أيضاً (1/ 481) ، ولم يعلق عليه المخرج بشيء سوى قوله:

"عزاه الهيثمي في "المجمع" (8/ 190) لأبي يعلى، وفيه عبد الرحيم بن زيد العمي؛ وهو متروك"!!

ومع أن فيه ما يفلت النظر إلى الاختلاف في تمام اسم (العبد) ؛ ومع ذلك فإنه لم يعلق عليه بشيء!

ثم إن (محمد بن بحر الهجيمي) قد ذكره ابن أبي حاتم، وقال:

"روى عنه أبو زرعة".

ومن المعلوم أن أبا زرعة لا يروي إلا عن ثقة عنده. وقد خالفه العقيلي؛ فقال (4/ 38) :

 

(11/431)

 

 

"منكر الحديث، كثير الوهم".

ثم ذكر له حديثاً منكراً، سيأتي برقم (6542) إن شاء الله تعالى.

5272 - (لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم؛ ما دامت مائدته موضوعة) .

ضعيف

أخرجه أبو نعيم في "الأربعين الصوفية" (56/ 2) ، وكذا أبو عبد الرحمن السلمي (7/ 1) ، والأصبهاني في "الترغيب" (513) من طريق مندل عن عبد الله بن سنان عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وله علتان:

الأولى: عبد الله بن سنان - وهو الزهري الكوفي -؛ أورده العقيلي في "الضعفاء" (ص 208) ؛ وروى عن ابن معين أنه قال:

"كوفي؛ كان ينزل القطيعة؛ قطيعة الربيع، ليس حديثه بشيء". وقال ابن عدي:

"عامة حديثه لا يتابع عليه".

والأخرى: مندل - وهو ابن علي العنزي -؛ ضعيف.

والحديث؛ أشارالمنذري (3/ 243) إلى تضعيفه.

ثم بدا أن عبد الله بن سنان محرف من (سيار) - وهو عبد الله بن سيار، مولى بني طلحة -؛ كوفي، فهو الذي ذكروا أنه روى عن عائشة بنت طلحة،

 

(11/432)

 

 

بخلاف الزهري هذا؛ فإنهم لم يذكروا له رواية عنها، وإنما عن محمد بن المنكدر وزيد بن أسلم وهشام بن عروة.

وتأكدت من ذلك حينما رأيت البخاري أورد الحديث في ترجمة عبد الله بن سيار هذا؛ فقال (3/ 1/ 110) :

"قال فروة: حدثنا القاسم بن مالك عن عبد الله بن سيار مولى عائشة بنت طلحة: سمعت عائشة بنت طلحة ... به".

ومن هذا يتبين أن العلة الثانية في الحديث غير قادحة؛ لمتابعة القاسم بن مالك مندلاً.

والقاسم هذا من رجال الشيخين؛ على لين فيه؛ كما في "التقريب".

والراوي عنه - فروة بن أبي المغراء - صدوق من رجال البخاري؛ لكنه خالف مندلاً فأوقفه.

ثم ازددت تأكداً من أن الحديث هو لابن سيار - وليس لابن سنان - حين رأيت ابن راهويه قد أخرجه في "مسنده" (4/ 108/ 2) من طريق مندل عن عبد الله بن سيار به. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

5273 - (لا تسبوها؛ فنعمت الدابة؛ فإنها أيقظتكم لذكر الله) (1) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3/ 276/ 1) عن آدم: حدثنا أبو يوسف القاضي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " " الترغيب والترهيب " (3 / 287) ".

 

(11/433)

 

 

نزلنا منزلاً، فأذتنا البراغيث، فسببناها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به آدم".

قلت: وهو ابن أبي إياس؛ ثقة.

وأبو يوسف القاضي فيه ضعف من قبل حفظه.

لكن الآفة ممن فوقه؛ فإن الأصبغ بن نباتة متروك رمي بالرفض.

وسعد بن طريف مثله؛ بل قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 357) :

"كان يضع الحديث على الفور".

5274 - (لا يصحبنا اليوم من آذى جاره) .

منكر

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 255/ 1) من طريق يحيى الحماني: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال:

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، قال: ... فذكره، فقال رجل من القوم: أنبأنا بلت في أصل حائط جاري؟! فقال:

"لا تصحبنا اليوم".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ من أجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد عرفت حاله من قريب.

ويحيى الحماني - وهو ابن عبد الحميد - فيه ضعف.

 

(11/434)

 

 

وبه وحده أعله الهيثمي؛ فقال (8/ 170) :

"وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف"!

وأشار المنذري (3/ 234-235) إلى تضعيفه، ثم قال:

"رواه الطبراني؛ وفيه نكارة".

وقد وجدت له طريقاً أخرى؛ فقال ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (82/ 330) : حدثني عبد الله بن أبي بدر: أنبأنا يزيد بن هارون: أنبأنا عبد الملك ابن قدامة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره نحوه.

قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف؛ عبد الملك بن قدامة ضعيف.

وأبوه - قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي - تابعي، روى عنه جمع؛ وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الحافظ:

"مقبول".

5275 - (تنسخ دواوين أهل الأرض في دواوين أهل السماء كل اثنين وخميس، فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9/ 128/ 9274 - ط) و (3/ 271/ 1 - مجمع البحرين) ، والسهمي في "تاريخ جرجان" (273-274) من طريق عبد الصمد بن عبد العزيز المقرىء: حدثنا عمرو بن أبي قيس عن منصور عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:

 

(11/435)

 

 

"لم يروه عن منصور إلا عمرو؛ ولا عنه إلا عبد الصمد، تفرد به محمد بن عمار".

ثم رواه من طريق سعيد بن بشير عن أبي الزبير عن جابر نحوه.

قلت: في الطريق الأولى: عمرو بن أبي قيس - وهو الرازي الأزرق -؛ وفيه ضعف؛ قال الحافظ:

"صدوق له أوهام".

وعبد الصمد بن عبد العزيز المقرىء؛ ذكره البخاري في "التاريخ" (3/ 2/ 105) دون جرح أو تعديل، وابن حبان في "الثقات" (8/ 415) برواية محمد ابن مسلم بن وارة عنه، فهو مجهول الحال.

وفي الطريق الأخرى عنعنة أبي الزبير؛ وضعف سعيد بن بشير.

ثم خرجته بتوسع برقم (6825) .

ومما سبق يتبين تساهل الهيثمي في قوله - في كل من الطريقين (8/ 66) -:

"ورجاله ثقات"!

وكذا قال المنذري في حديث جابر (3/ 282) !

5276 - (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، ومجلاة للبصر) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 35 - الجامعة الإسلامية) من طريق الحارث بن مسلم عن بحر السقا عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

 

(11/436)

 

 

"لم يروه عن بحر إلا الحارث".

قلت: والظاهر أنه الرازي المقرىء، روى عن الثوري وطبقته. قال ابن أبي حاتم (1/ 2/ 88) عن أبيه:

"شيخ ثقة صدوق، وصليت خلفه". وعن أبي زرعة قال:

"صدوق، لا بأس به، وكان رجلاً صالحاً".

قلت: وخفي هذا على الذهبي ثم العسقلاني، فلم يزيدا في ترجمته على قولهما:

"قال السليماني: فيه نظر"!

وعلة الحديث ممن فوقه:

أولاً: بحر السقا - وهو ابن كنيز الباهلي -؛ متفق على تضعيفه؛ بل تركه أبو داود، والدارقطني، وغيرهما.

ثانياً: جويبر - وهو ابن سعيد الأزدي البلخي -، وهو أيضاً متروك. وقال الحافظ:

"ضعيف جداً".

ثالثاً: الضحاك - وهو ابن مزاحم -؛ لم يلق ابن عباس.

ومع هذه العلل؛ سكت المنذري (1/ 101) عن الحديث؛ فلم يضعفه ولو بالإشارة إليه؛ كما هي غالب عادته!! وأما الهيثمي؛ فاقتصر على قوله (1/ 220) :

 

(11/437)

 

 

"وفيه بحر بن كنيز السقا، وقد أجمعوا على ضعفه"!

وإنما أخرجت الحديث هنا؛ لزيادة: "ومجلاة للبصر"، وإلا؛ فهو بدونها صحيح، وهو مخرج في "المشكاة" (381) ، و"الإرواء" (66) .

5277 - (تخللوا؛ فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 35 - الجامعة، ورقم 7311 - ط) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 183-184) ، والخطيب في "التلخيص" (ق 111/ 2) عن النضر بن هشام الأصبهاني: حدثنا إبراهيم بن حيان بن حكيم بن حنظلة بن سويد بن علقمة بن سعد بن معاذ الأنصاري: حدثني شريك عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لم يروه عن مغيرة إلا شريك، ولا عنه إلا إبراهيم، تفرد به النضر".

قلت: ترجمه أبو نعيم في "الأخبار" (2/ 330) بروايته عن جمع، وعنه اثنان، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولا وفاة، فهو مجهول الحال.

لكن قال أبو حاتم كما في "الجرح":

"صدوق".

فالآفة من شيخه إبراهيم بن حيان؛ فقد أورده ابن عدي (4/ 1) ، وقال:

"ضعيف جداً، حدث عن شعبة والحمادين وغيرهم من الثقات بالبواطيل"؛ ثم ساق له حديثين آخرين، ثم قال:

 

(11/438)

 

 

"وهذان الحديثان مع أحاديث أخرى يرويها إبراهيم؛ عامتها موضوعة مناكير".

والفقرة الوسطى من الحديث؛ أوردها الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 111) ، وقال:

"رواه الطبراني في "الأوسط" بسند ضعيف جداً".

قلت: وقد اشتهرت بلفظ:

"بني الدين على النظافة"! ولم يجد الحفاظ له أصلاً، وإن أورده الغزالي في "الإحياء"؛ فقد تعقبه العراقي بقوله:

"لم أجده". وأقره الحافظ السخاوي في "المقاصد".

والحديث؛ أورده المنذري (1/ 103) مصدراً له بحرف: (عن) ! ثم قال:

"رواه الطبراني في "الأوسط" هكذا مرفوعاً، ووقفه في "الكبير" على ابن مسعود بإسناد حسن، وهو الأشبه"!

وفيه نظر من وجهين - بل ثلاثة -:

الأول: سكوته عن ضعفه الشديد الذي تقدم بيانه؛ خلافاً للهيثمي؛ فإنه لم يسعه إلا أن يكشف عن علته، فقال:

" ... وفيه إبراهيم بن حيان؛ قال ابن عدي: أحاديثه موضوعة".

الثاني: أنه أوهم أنه في "الكبير" بلفظ "الأوسط"! وليس كذلك؛ فإنه أخرجه في "الكبير" (3/ 28/ 2) من طريق طلحة بن مصرف قال: حدثت عن عبد الله بن مسعود أنه قال:

 

(11/439)

 

 

خللوا الأصابع الخمس؛ لا يحشوها الله ناراً.

فهذا لفظ غير حديث الترجمة؛ كما هو ظاهر.

والثالث: أنه منقطع بين طلحة وابن مسعود، فتحسينه إياه غير حسن.

وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بقوله (1/ 236) :

"رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات".

وقد روي الحديث عن أبي هريرة بلفظ آخر قريب من هذا، وهو أقرب إلى حديث الغزالي المذكور آنفاً، وسبق تخريجه برقم (3264) .

(تنبيه) : من أوهام المناوي أنه نقل في "الفيض" قول ابن عدي في راوي حديث الترجمة:

"أحاديثه موضوعة"، وقول المنذري في إسناد الموقوف:

"إسناده حس، وهو الأشبه"!!

فخفي عليه الانقطاع المنافي للتحسين! هذا أولاً.

وثانياً: قال في "التيسير" في حديث الترجمة: "وإسناده حسن"!

فكأن بصره انتقل حين نقله من "الفيض" إلى تحسين المنذري.

ولذلك؛ تعقبه الشيخ الغماري في "المداوي" (3/ 264) بأن تحسينه إياه باطل؛ إذ كيف يكون حسناً؛ وفي سنده من أحاديثه موضوعة؟! (1)

__________

(1) العبارة في أصل الشيخ المؤلِّف - رحمه الله -: " ... كيف يكون مرفوعاً من في سنده أحادثيه موضوعة "، ولعل الصواب ما أثبتناه. (الناشر)

 

(11/440)

 

 

لكن الغماري بدوره لم يتنبه للانقطاع الذي في سند "الكبير" ولا لمخالفة متنه للمرفوع!!

5279 - (1) (يخرج خلق من أهل النار، فيمر الرجل بالرجل من أهل الجنة فيقول: يا فلان! ألا تعرفني؟! فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا الذي استوهبتني وضوءاً؛ فوهبت لك؛ فيشفع فيه، ويمر الرجل فيقول: يا فلان! أما تعرفني؟! فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا الذي بعثتني في حاجة كذا وكذا؛ فقضيتها لك؛ فيشفع له فيشفع فيه) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (290-291) من طريق الفضل بن حماد: أخبرنا مسدد: أخبرنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ يزيد الرقاشي - وهو ابن أبان القاص - ضعيف.

وبقية رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير الفضل بن حماد - وهو الواسطي -؛ قال العقيلي في "الضعفاء" (ص 352) :

"في إسناده نظر". وقال الذهبي:

"فيه جهالة".

قلت: لكنه قد توبع؛ فأخرجه ابن ماجه (3685) من طريق وكيع عن الأعمش به نحوه.

__________

(1) كذا الترقيم في أصل الشيخ - رحمه الله - فلم يذكر الرقم (5278) . (الناشر)

 

(11/441)

 

 

وقد سبق في هذه "السلسلة" (93) . وانظر كذلك (5186) ، و "الترغيب" (2/ 50-51) ، و"المشكاة" (5604) .

وقد روي بإسناد آخر عن أنس، وهو الآتي بعده:

5280 - (إذا كان يوم القيامة؛ جمع الله أهل الجنة صفوفاً، وأهل النار صفوفاً، قال: فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى الرجل من صفوف أهل الجنة، فيقول: يا فلان! أما تذكر يوم صنعت إليك في الديا معروفاً؟! فيأخذ بيده، فيقول: يا رب! إن هذا اصطنع إلي في الدنيا معروفاً، فيقال له: أدخله الجنة برحمتي) .

ضعيف

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (290) من طريق الحسين بن علي بن الوليد الفسوي: أخبرنا أحمد بن عمران الأخنسي قال: سمعت أبا بكر بن عياش يحدث عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته الأخنسي هذا؛ قال الذهبي:

"قال البخاري: يتكلمون فيه. لكنه سماه محمداً. فقيل: هما واحد. وقال أبو زرعة: كوفي تركوه. وتركه أبو حاتم".

وذكر له الحافظ في "اللسان" هذا الحديث من تخريج البيهقي في "البعث"؛ وقال:

"تفرد به أحمد، وهو خبر منكر بهذا السند".

 

(11/442)

 

 

5281 - (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد برىء مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن أتاه غير مصدق له؛ لم يقبل له صلاة أربعين ليلة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 394) : حدثنا محمد بن الحسن: حدثنا محمد بن [أبي] السري: حدثنا رشدين بن سعد عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن قتادة إلا جرير، ولا عنه إلا رشدين، تفرد به محمد بن السري".

قلت: وهو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن بن حسان الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله بن أبي السري العسقلاني؛ مختلف فيه. قال الحافظ:

"صدوق عارف، له أوهام كثيرة".

قلت: وشيخه رشدين بن سعد ضعيف.

وله أعله المنذري (4/ 52) ، ثم الهيثمي (5/ 118) .

والحديث محفوظ دون الشطر الثاني منه؛ فهو منكر، وهو مخرج في "الإرواء" (2006) ، ثم أعيد تخريجه برقم (6523) وفيه فائدة زائدة.

 

(11/443)

 

 

5282 - (لو كان لأحدكم هذه السارية؛ لكره أن تجدع، كيف يعمد أحدكم فيجدع صلاته التي هي الله؟! أتموا صلاتكم؛ فإن الله لا يقبل إلا تاماً) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 40/ 2) من طريق خالد ابن يزيد العمري: حدثنا عبد الملك بن يحيى بن الزبير عن بلال بن يحيى بن طلحة عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

 

(11/443)

 

 

"لم يروه عن بلال إلا عبد الملك، تفرد به خالد".

قلت: وهو متفق على تضعيفه؛ بل كذبه بعضهم. قال الذهبي:

"كذبه أبو حاتم، ويحيى. قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات"؛ ثم ذكر له عدة مناكير، قال في أحدها:

"إنها من بلاياه".

وساق له الحافظ في "اللسان" آخر؛ وقال:

"فهذا من وضع خالد".

وعبد الملك: هو ابن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير؛ أورده ابن أبي حاتم (2/ 2/ 375) من رواية الوليد بن مسلم عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وفي ذهني أنه في "ثقات ابن حبان"، وليس هو تحت يدي الآن لأتحقق منه، فليراجعه من شاء (1) .

ومن ذلك؛ تعلم أن المنذري وهم وهماً فاحشاً حين قال (1/ 182) - وتبعه الهيثمي؛ كما هي عادته (2/ 121) -:

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن"!!

5283 - (خطوتان: إحداهما أحب الخطا إلى الله، والأخرى أبغض الخطا إلى الله، فأما الخطوة التي يحبها الله عز وجل؛ فرجل نظر إلى خلل في الصف فسده، وأما التي يبغض الله؛ فإذا أراد الرجل أن يقوم مد

__________

(1) هو فيه (7 / 95) . (الناشر)

 

(11/444)

 

 

مد رجله اليمنى، ووضع يده عليها،وأثبت اليسرى، ثم قام) .

ضعيف

أخرجه الحاكم (1/ 272) ، وعنه البيهقي (2/ 288) من طريق أحمد بن الفرج: حدثنا بقية بن الوليد: حدثنا يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعاً. وقال الحاكم:

"صحيح على شرط مسلم؛ فقد احتج بقية في الشواهد"! وأقره المنذري (1/ 175) ! ورده الذهبي بقوله:

"قلت: لا؛ فإن خالداً عن معاذ منقطع".

وأقول: وفيه علة أخرى؛ وهي أحمد بن الفرج؛ فإنه مع كونه ليس من رجال مسلم مطلقاً - لا في الأصول، ولا في الشواهد -؛ فقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، حتى كذبه محمد بن عوف الطائي. وقال ابن عدي:

"لا يحتج به".

ومشاه آخرون.

ثم إن تصحيح الحاكم إياه على شرط مسلم منتقد من جهة أخرى، ذلك؛ أنه إذا كان مسلم احتج ببقية في الشواهد؛ فلا يكون الحديث على شرطه إذا تفرد به بقية؛ كما هو الشأن هنا؛ إلا إذا ذكر له الحاكم شاهداً، وذلك مما لم يفعله، فخرج الحديث عن كونه على شرط مسلم! فكيف وأحمد بن الفرج لم يخرج له مطلقاً؛ كما سبق؟!

والشطر الثاني من الحديث؛ قد روي معناه عن ابن عباس ومجاهد:

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 72/ 2) بإسنادين عنهما.

 

(11/445)

 

 

وفي سند الأول: خصيف الجزري، وهو ضعيف.

وفي الآخر محمد بن علي السلمي عن إبراهيم بن معبد، ولم أعرفهما.

5284 - (أمرنا أن نصلي من الليل ما قل وكثر، ونجعل آخر ذلك وتراً) .

ضعيف

أخرجه البزار (ص 78 - زوائده) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 61/ 2) من طريق سلام بن أبي خبزة: حدثنا يونس عن الحسن عن سمرة قال: ... فذكره مرفوعاً. وقال البزار:

"تفرد به سلام، وهو بصري ضعيف قدري".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وله علتان:

الأولى: عنعنة الحسن البصري.

والأخرى: سلام هذا متروك؛ قال ابن المديني:

"يضع الحديث". وقال النسائي:

"متروك". وقال الدارقطني:

"ضعيف".

قلت: لكنه قد توبع؛ فقال ابن نصر في "قيام الليل" (ص 33 - المكتبة الأثرية) : حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا صفوان بن عيسى عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن به.

 

(11/446)

 

 

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ إن كان إسماعيل بن مسلم هذا هو البصري العبدي؛ وإن كان هو المكي؛ فضعيف، ولم يذكرهما الحافظ المزي في شيوخ صفوان بن عيسى. والله أعلم.

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فعلة عنعنة الحسن لا تزال قائمة.

وللحديث طريق أخرى؛ فقال البزار: حدثنا خالد بن يوسف: حدثنا أبي: حدثنا جعفر بن سعد عن [خبيب بن] سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده سمرة ابن جندب به.

قلت: ولكنها طريق هالكة؛ خالد بن يوسف ضعيف.

وأبوه يوسف - وهو ابن خالد السمتي - شر منه، قال الذهبي في ترجمة ابنه خالد:

"أما أبوه؛ فهالك، وأما هو؛ ضعيف".

ومن فوقهما ليس فيهم ثقة، وقد تكلمت عليهم في "صحيح أبي داود" تحت الحديث (480) .

5285 - (لا بد من صلاة بليل، ولو حلب ناقة، ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء الآخرة؛ فهو من الليل) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 39/ 2) من طريق محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث عن إياس بن معاوية المزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

 

(11/447)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: عنعنة ابن إسحاق.

وبها أعله الهيثمي - وأشار إلى ذلك المنذري (1/ 217) -، فقال الهيثمي (2/ 252) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات"!

قلت: وفاتتهما علة ثانية؛ وهي:

الأخرى: الإرسال أوالإعضال، وذلك؛ لأن المزني هذا ليس صحابياً؛ كما توهم الطبراني فأورد الحديث في ترجمته من "المعجم"؛ وتبعه على ذلك المنذري حين لم ينبه على ذلك، وتبعه الهيثمي! إلا أن الأول زاد في الإيهام بأن قرن الترضي عليه باسمه فقال:

"وعن إياس بن معاوية المزني رضي الله عنه ... "!

قلت: وإنما هو تابعي صغير؛ قال الحافظ في "القسم الرابع" من "الإصابة":

"وقد وهم من جعله صحابياً، وهو تابعي صغير، مشهور بذلك، وهو إياس القاضي المشهور بالذكاء، مات سنة إحدى وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وعشرين".

من أجل ذلك صرح الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 328) بأنه مرسل.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في "التهجد" (1/ 3) : حدثنا إسحاق بن

 

(11/448)

 

 

إسماعيل: حدثنا سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره باللفظ الآخر:

"ولو قدر حلب شاة ... " دون ما بعده.

وهذا إسناد صحيح؛ لكنه مرسل، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير إسحاق ابن إسماعيل - وهو الطالقاني -، وهو ثقة.

5286 - (من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو؛ عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم؛ سبع مرات؛ كفاه الله ما أهمه، صادقاً كان أو كاذباً) .

منكر

أخرجه أبو داود (5081) - عن يزيد بن محمد الدمشقي -، وابن عساكر في "التاريخ" (10/ 146/ 2) - من طريق أبي زرعة وإبراهيم بن عبد الله بن صفوان - ثلاثتهم قالوا: حدثنا عبد الرزاق بن عمر بن مسلم - زاد يزيد بن محمد الدمشقي: وكان من ثقات المسلمين من المتعبدين -: أخبرنا مدرك بن أبي سعد (وقال يزيد: ابن سعد، شيخ ثقة) عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: ... فذكره موقوفاً عليه.

وخالفهم أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق المقرىء فقال: أخبرنا جدي عبد الرزاق ابن عمر بإسناده المذكور عن أبي الدرداء مرفوعاً.

أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم 71) ، وابن عساكر (10/ 157/ 1) من طريقين عنه؛ إلا أن ابن السني لم يذكر فيه قوله:

"صادقاً كان أو كاذباً".

 

(11/449)

 

 

وكذلك لم يذكر هذه الزيادة في رواية أبي داود الحافظ ابن كثير في "التفسير"، والسيوطي في "الدر المنثور" (3/ 297) . ولما ذكرها ابن كثير من رواية ابن عساكر الأولى الموقوفة؛ قال:

"وهذه زيادة غريبة". ثم قال في حديث ابن عساكر هذا المرفوع - وفيه الزيادة -.

"وهذا منكر، والله أعلم".

وجملة القول في هذا الحديث: أن إسناد الموقوف رجاله ثقات، بخلاف المرفوع؛ فإن مداره على أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق المقرىء، ولم أعرفه، ولا ذكره ابن الجزري في "غاية النهاية في طبقات القراء".

ومع ذلك؛ فقد خالف الثقات الذين أوقفوه؛ كما رأيت، فحري بمثله أن يكون ما رفعه منكراً.

وأما قول المنذري في "الترغيب" (1/ 227) :

"رواه أبو داود هكذا موقوفاً، ورفعه ابن السني وغيره، وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فسبيله سبيل المرفوع"!

فأقول: ذلك من الممكن بالنسبة لأصل الحديث، بخلاف الزيادة؛ فإنها غريبة منكرة؛ كما قال ابن كثير، وهو ظاهر جداً؛ إذ لا يعقل أن يؤجر المرء على شيء لا يصدق به، بل هذا شيء غير معهود في الشرع. والله أعلم.

ثم رأيت الحديث قد روي مرسلاً بلفظ:

"من قال: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم؛ قال الله عز وجل: لأكفين عبدي؛ صادقاً كان أو كاذباً".

 

(11/450)

 

 

أخرجه الطبراني في "الدعاء" (ق 118/ 2) ، وعنه عبد الغني المقدسي في "السنن" (235/ 1) من طريق هشام بن عمار: حدثنا مدرك بن أبي سعد الفزاري عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

وهذا إسناد مرسل، رجاله ثقات؛ على ضعف في هشام بن عمار؛ فإنه كان يتلقن.

فهذه على أخرى في الحديث؛ وهي الإرسال والاضطراب في متنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما المقدسي فقال:

"هذا حديث مرسل، ورجاله كلهم ثقات"!

5287 - (يا علي! ألا أعلمك دعاءً إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك؛ فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك؛ توضأ وصل ركعتين، [واحمد الله، وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل:

اللهم! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم! كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما! فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها، رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك] ) (1) .

__________

(1) ما بين المعكوفتين لم يذكره الشيخ - رحمه الله - في أصله، وإنما أشار إليه بالنقط ثم قال: " وتمامه في " الترغيب " للمنذري (1 / 243) ". (الناشر)

 

(11/451)

 

 

منكر. أخرجه الأصبهاني (2/ 534/ 1278 - ط) عن إسحاق بن الفيض: أخبرنا المضاء: حدثني عبد العزيز عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم:

1- إسحاق بن الفيض؛ لم أعرفه، ولم أره في شيء من كتب الرجال التي عندي، ولا في "تاريخ بغداد"، ولم يذكره الذهبي ولا العسقلاني فيمن روى عن مضاء. وكذلك صنع قبلهما ابن أبي حاتم الرازي.

2- المضاء: هو ابن الجارود الدينوري؛ قال ابن أبي حاتم (4/ 1/ 403) عن أبيه:

"شيخ دينوري، ليس بمشهور، محله الصدق".

وعقب عليه الحافظ ابن حجر في "اللسان" بقوله:

"ورأيت له خبراً منكراً، أخرجه الإمام الرافعي في "تاريخ قزوين" في ترجمة الحسن بن الحسين بن هبةالله ... ".

ثم ساق له حديثاً آخر غير هذا.

3- عبد العزيز؛ لم أعرفه أيضاً! ومن المحتمل أنه عبد العزيز بن زياد العمي البصري الوزان، سمع قتادة؛ قال ابن أبي حاتم (2/ 2/ 382) :

"قال أبي: أثنى عليه عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي خيراً، وكان عنده حديثان منقطعان، وهو مجهول".

وتبعه الذهبي على تجهيله إياه.

 

(11/452)

 

 

ويحتمل أنه غيره، فقال في "الميزان":

"عبد العزيز بن سلمة؛ شيخ، عداده في التابعين؛ مجهول. وكذا عبد العزيز عن قتادة".

وبالجملة؛ فالحديث ضعيف مظلم، فلا أدري كيف سكت عنه المنذري؟!

وقبله حديث آخر عنده من رواية ابن أبي أوفى، وفيه متروك متهم؛ كما بينته في تعليقي عليه.

5288 - (من كان يؤمن بالله ورسوله؛ فليؤد زكاة ماله، ومن كان يؤمن بالله ورسوله؛ فليقل حقاً أو ليسكت، ومن كان يؤمن بالله ورسوله؛ فليكرم ضيفه) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 433-434/ 13561) عن يحيى بن عبد الله البابلتي: أخبرنا أيوب بن نهيك الحلبي قال: سمعت مجاهداً يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ وقد مضى به عدة أحاديث، فانظر رقم (5087) .

وقال الهيثمي (3/ 65) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف"!

قلت: وهذا تقصير واضح؛ فإن فوقه أيوب بن نهيك الحلبي؛ وهو أسوأ منه

 

(11/453)

 

 

حالاً؛ فإن الحافظ لما ترجم لأيوب في "اللسان"، وساق له من مناكيره حديثاً آخر غير هذا، وقد مضى برقم (5087) من رواية يحيى أيضاً عنه؛ ثم قال عقبه:

"ويحيى ضعيف؛ لكنه لا يحتمل هذا".

والحديث؛ أشار المنذري إلى تضعيفه (1/ 264) .

5289 - (كان مما ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي بالليل، وينساه بالنهار، فأنزل الله عز وجل: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي: أخبرنا ابن نفيل: أخبر محمد ابن الزبير الحراني عن الحجاج - يعني: الجزري - عن عكرمة عن ابن عباس قال: ... فذكره.

وقال: قال لي أبو جعفر بن نفيل: ليس هو الحجاج بن أرطأة، هو شيخ لنا جزري.

قلت: وهذا إسناد ضعيف لا يحتج بمثله، وله علتان:

الأولى: الحجاج هذا: هو الرقي؛ فقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، فقال (1/ 2/ 169) :

"سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: لا أعرفه".

والأخرى: محمد بن الزبير هذا، وهو إمام مسجد حران؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 2/ 259) :

"سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالمتين. وسئل أبو زرعة عنه؟ فقال: في

 

(11/454)

 

 

حديثه شيء". وقال ابن عدي:

"منكر الحديث".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"!

5290 - (كان يصلي قبل الجمعة أربعاً، وبعدها أربعاً، يجعل التسليم في آخرهن ركعة) .

منكر

أخرجه ابن حبان في "الثقات" - كما في "اللسان" (5/ 245) -، والطبراني في "معجمه الأوسط" (رقم 1612 - مصورتي) من طريق خليفة: حدثنا محمد بن عبد الرحمن السهمي: حدثنا حصين عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير السهمي هذا؛ قال ابن أبي حاتم (3/ 2/ 326) عن أبيه:

"ليس بمشهور".

وذكر له البخاري في "التاريخ" (1/ 1/ 162) حديثاً آخر، وقال عقبه:

"لا يتابع عليه". وفي "اللسان":

"وقال يحيى بن معين: ضعيف. ونقله ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات" ... "، ثم ساق له هذا الحديث.

وترجمه ابن عدي، فروى قول البخاري المتقدم فيه بلفظ:

"لا يتابع في حديثه"؛ ثم ساق له حديثين آخرين، أحدهما هذا؛ لكنه بلفظ

 

(11/455)

 

 

آخر؛ أخرجه (359/ 1) من طريق محمد بن المثنى: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السهمي - بصري -: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال:

سألت علي بن أبي طالب عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النهار بعد المكتوبة؟ قال: ومن يطيق ذلك؟! ... فذكره. وقال:

"وهذا رواه عن أبي إسحاق جماعة، ولمحمد غير ما ذكرت، وهو عندي لا بأس به".

قلت: وهذا اللفظ الذي ساقه ابن عدي هو معروف؛ كما أشار إلى ذلك ابن عدي من رواية جماعة عن أبي إسحاق، وهو حديث فيه طول: أخرجه الإمام أحمد وغيره، وفيه:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات، وبعد الظهر ركعتين.

وقد أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة" (489-490- بتحقيقي) من طرق عن أبي إسحاق به.

فلعل السهمي اضطرب فيه؛ فرواه مرة هكذر على الصواب؛ كما رواه الجماعة عن أبي إسحاق، ومرة رواه كما في حديث الترجمة، فجعل (الجمعة) مكان (الظهر) ، و (الركعتين بعد الظهر) (أربعاً بعد الجمعة) ، وذلك مما يدل على ضعفه وقلة ضبطه.

على أنه من الممكن أن يكون هذا الاختلاف ليس منه؛ وإنما من أحد الراويين عنه: خليفة - وهو ابن خياط العصفري -، ومحمد بن المثنى.

فإن كان كذلك؛ فرواية الثاني منهما أرجح؛ لأنه ثقة ثبت، احتج به الستة،

 

(11/456)

 

 

بخلاف الأول؛ فإنه صدوق ربما أخطأ؛ كما في "التقريب"، ولم يحتج به إلا البخاري.

قلت: وهذا كله يؤكد ما كنت ذهبت إليه تحت الحديث (1001) من الشك في ثبوت حديث الترجمة، وأن المعروف إنما هو ما رواه الجماعة عن أبي إسحاق بلفظ: "الظهر"، لا: "الجمعة".

فمن جود إسناده - كما سبق هناك - أو حسنه - كما فعل أحد المعاصرين المجهولين في رده علي (1/ 15) -؛ فإنما هو بالنظر إلى ظاهر إسناده؛ مع تساهل ظاهر في توثيق السهمي، دون نظر أو علم بالاضطراب في متنه، أو الاختلاف على السهمي. والله أعلم.

وقد روي الحديث عن ابن مسعود دون قوله: يجعل التسليم ...

وقد مضى برقم (1016) .

5291 - (كلوا، ولا تكسروا عظماً) .

منكر

أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 324) : حدثنا عبد الله ابن محمد بن جعفر - إملاءً وقراءة - قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا أبو برة محمد بن أبي هاشم - مولى بني هاشم - بمكة قال: أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري عن أبيه سهل بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال:

أتى جابر بن عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه، فرد السلام، قال: فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متغيراً، وما أحسب وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تغير إلا من جوع، فأتيت منزلي، فقلت للمرأة: ويحك! لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت

 

(11/457)

 

 

عليه، فرد علي السلام ووجهه متغير، وما أحسب وجهه تغير إلا من الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: والله! ما لنا إلا هذا لك أن نذبح الداجن وتضعين ما كان عندك، ثم نحمله إلى رسول الله؟ قالت: أفعل من ذلك ما أحببت. قال: فذبحت الداجن، وصنعت ما كان عندها، وطحنت وخبزت وطبخت، ثم ثردنا في جفنة لنا، فوضعت الداجن، ثم حملتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعتها بين يديه، فقال:

"ما هذا يا جابر! "، قلت: يا رسول الله! أتيتك، فسلمت عليك، فرأيت وجهك متغيراً، فظننت أن وجهك لم يتغير إلا من الجوع، فذبحت داجناً كانت لنا، ثم حملتها إليك. قال:

"يا جابر! اذهب، فاجمع لي قومك"، قال: فأتيت أحياء العرب، فلم أزل أجمعهم، فأتيته بهم. فقال:

"أدخلهم علي أرسالاً". فكانوا يأكلون منها، فإذا شبع قوم خرجوا ودخل آخرون، حتى أكلوا جميعاً، وفضل في الجفنة شبه ما كان فيها، وكان يقول: ... (فذكره) .

ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع العظام في وسط الجفنة، فوضع يده عليها، ثم تكلم بكلام لم أسمعه؛ إلا أني شفتيه تتحركان، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها، فقال لي:

"خذ شاتك يا جابر! بارك الله لك فيها".

فأخذتها ومضيت وإنها لتنازعني أذنها؛ حتى أتيت بها البيت، فقالت لي المرأة: ما هذه يا جابر؟! قلت: والله! شاتنا التي ذبحناها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، دعا

 

(11/458)

 

 

الله فأحياها. قالت: أنا أشهد أنه لرسول الله، أنا أشهد أنه لرسول الله، أنا أشهد أنه لرسول الله.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ سهل بن عبد الرحمن، وابنه البداح، ومحمد بن أبي هاشم لم أجد لهم ترجمة في شيء من كتب التراجم التي عندي.

وأما عبد الرحمن بن حماد؛ فالظاهر أنه أبو سلمة الشعيثي، له ترجمة في "الجرح والتعديل" (2/ 2/ 225-226) ، وقال:

"سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي، كدت أن أدركه.

وسئل أبو زرعة عنه؟ فقال: بصري لا بأس به".

وأما عبد الله بن محمد بن جعفر؛ فهو الحافظ المشهور بأبي الشيخ ابن حيان؛ وهو ثقة؛ يكثر عنه أبو نعيم، توفي سنة (369) .

وقد ظن الدكتور محمد خليل هراس - رحمه الله - في تعليقه على "الخصائص الكبرى" للسيوطي (2/ 283) أنه غيره؛ فقال مبيناً حاله:

"قال في "الميزان": قال ابن المقرىء: رأيتهم يضعفونه وينكرون عليه أشياء. وقال الحاكم عن الدارقطني: كذاب، ألف كتاب "سنن الشافعي" وفيها نحو مئتي حديث لم يحدث بها الشافعي"!!

قلت: وهذا إنما قاله الذهبي في ترجمة عبد الله بن محمد بن جعفر أبي القاسم القزويني القاضي، وذكر أنه توفي سنة خمس عشرة وثلاث مئة، وهو قطعاً ليس شيخ أبي نعيم في هذا الحديث؛ لأن أبا نعيم لم يدركه؛ فإنه ولد سنة (336) ؛ أي: بعد وفاة القزويني بإحدى وعشرين سنة! فلم يبق إلا أنه أبو الشيخ

 

(11/459)

 

 

ابن حيان؛ كما ذكرنا.

ولا غرابة في أن يقع الدكتور الهراس - رحمه الله - في هذا الخطأ؛ فإنه ليس من العلماء في هذا الشأن، وإنما الغريب أن يقع فيه م له معرفة به؛ ألا وهو ابن عراق في "تنزيه الشريعة"؛ كما كنت بينت ذلك في حديث آخر تقدم برقم (265) .

ونحو ذلك؛ قول الحافظ ابن حجر في رسالة "من عاش بعد الموت" (ق 18/ 2) :

"وهذا الإسناد لا بأس به، وهو أصرح ما رأيته في هذا الباب"!

مع أنه قد قال - قبل ذلك مباشرة -:

"أصل هذا الحديث في "الصحيح" باختصار، وليس فيه قصة إحياء الشاة".

قلت: فإذا كان كذلك؛ أفلا تكون القصة منكرة، أو على الأقل شاذة؛ لمخالفتها لما رواه الثقات الذين لم يذكروها في حديث جابر؟!

وقد أخرجه البخاري في "مغازي الصحيح"، وغيره؛ كالفريابي في "دلائل النبوة"، والبيهقي أيضاً (1/ 1/ 131/ 1-136/ 2) ، وأحمد (3/ 377) من طرق عن جابر؛ دون ذكر إحياء الشاة.

ومن هذا التخريج والتحقيق؛ يتبين لك خطأ الشيخ حسن مرزوق الميداني (والظاهر أنه المعروف بحبنكة) في تقويته للقصة بقوله:

"وقد ثبت في حديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع عظام الداجن بعد الأكل، فوضع يده عليها، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها"!

 

(11/460)

 

 

5293 - (1) (تعلموا العلم؛ فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء؛ يرفع الله به أقواماً؛ فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم؛ يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام؛ هو إمام العمل والعمل تابعه، ويلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء) .

موضوع

أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" (1/ 54-55) من طريق موسى بن محمد بن عطاء القرشي قال: حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن الحسن عن معاذ بن جبل مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع، وله آفتان:

الأولى: عبد الرحيم بن زيد العمي؛ فإنه متروك.

__________

(1) كذا الترقيم في أصل الشيخ - رحمه الله - فلم يذكر الرقم (5292) (الناشر)

 

(11/461)

 

 

والأخرى: ابن عطاء القرشي هذا: هو الدمياطي البلقاوي المقدسي؛ قال الذهبي في "الميزان":

"أحد التلفى". وقال في "المغني":

"كذاب، متهم". وقال ابن حبان وغيره:

"كان يضع الحديث". وقال ابن عدي:

"كان يسرق الحديث".

قلت: وقد رواه المسيب بن شريك عن حميد عن أنس مرفوعاً به.

أخرجه الدواليبي في "فضل العلم" (رقم 3 - نسختي) بإسناده إلى الحسن ابن علي المكتب عن المسيب به.

والحسن بن علي المكتب لم أعرفه.

لكن الآفة من شيخه المسيب؛ فإنه متروك! ضرب أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة على حديثه. وقال الساجي وغيره:

"متروك الحديث". ونقل الفلاس الإجماع على ذلك.

قلت: فلا يبعد أن يكون البلقاوي سرقه منه؛ وركب له إسناداً آخر إلى معاذ.

على أن الحسن لم يسمع منه؛ ولوائح الوضع والتركيب ظاهرة على الحديث.

وأما قول ابن عبد البر عقبه:

"وهو حديث حسن جداً؛ ولكن ليس له إسناد قوي، ورويناه من طرق شتى موقوفاً"!!

 

(11/462)

 

 

قلت: ثم ساق إسناد أحدها، وفيه أبو عصمة نوح بن أبي مريم، وهو وضاع! وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 54) عقبه:

"كذا قال - رحمه الله -! ورفعه غريب جداً".

5294 - (إن للصلاة المكتوبة عند الله وزناً؛ من انتقص منها شيئاً حوسب به فيها على ما انتقص) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (4/ 475) من طريق سليمان بن محمد عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن محمد بن عبد الرحمن الأسدي عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته أبو بكر هذا؛ قال أحمد وغيره:

"كان يضع الحديث". وقال الحاكم:

"يروي الموضوعات عن الأثبات - مثل هشام بن عروة وغيره -".

 

(11/463)

 

 

5295 - (من قرأ عشر آيات في ليلة؛ كتب من المصلين، ولم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية؛ كتب من الحافظين، ومن قرأ مئة آية؛ كتب من القانتين، ومن قرأ ثلاث مئة آية؛ لم يحاجه القرآن في تلك الليلة، ويقول ربك عز وجل: لقد نصب عبدي في، ومن قرأ ألف آية؛ كان له قنطار؛ القيراط منه خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة؛ قيل له: اقرأ وارق، فكلما قرأ آية؛ صعد درجة حتى ينتهي إلى ما معه، يقول الله عز وجل له: اقبض بيمينك على الخلد، وبشمالك

 

(11/463)

 

 

على النعيم) .

منكر

رواه ابن عساكر (15/ 75/ 1) عن أحمد بن المعلى: حدثنا محمد بن تمام (الأصل: ابن خليل) : حدثنا ابن عياش عن يحيى بن الحارث: حدثني القاسم أبو عبد الرحمن عن فضالة بن عبيد وتميم الداري مرفوعاً.

قال: وحدثني محمد بن تمام اللخمي: حدثني منبه عن صدقة - وهو ابن عبد الله - عن يحيى بن الحارث عن القاسم به.

أورده في ترجمة محمد بن تمام اللخمي هذا؛ وقال فيه:

"من أهل دمشق، حدث عن منبه بن عثمان. روى عنه ابن المعلى وعلي بن محمد ومحمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال. قال أبو عبد الله بن منده: مات محمد بن تمام بعد الستين؛ يعني: ومئتين".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

قلت: فهو من المستورين الذين يستشهد بهم في المتابعات، ولا يحتج بهم استقلالاً لجهالة حالهم؛ لا سيما عند المخالفة.

وهنا قد خالفه محمد بن بكير الحضرمي فقال: أخبرنا إسماعيل بن عياش به مختصراً بلفظ:

"من قرأ عشر آيات في ليلة؛ كتب له قنطار من الأجر، والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة ... " والباقي مثله.

أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 63/ 1) و "الأوسط" (1/ 62/ 2 - مجمع البحرين) ، وقال:

 

(11/464)

 

 

"لا يروى عن فضالة وتميم إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل".

قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن إسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين مقبوله؛ كما قال المنذري (2/ 221-222) وتبعه الهيثمي (2/ 267) ، وهذه منها.

ومحمد بن بكير الحضرمي - وهو ابن بكير بن واصل - وثقه يعقوب بن شيبة وغيره؛ كما في "تاريخ بغداد" (2/ 95-96) ، فروايته مقدمة على رواية ابن تمام.

5296 - (من قال إذا أصبح: سبحان الله وبحمده ألف مرة؛ فقد اشترى نفسه من الله، وكان في آخر يومه عتيق الله) .

ضعيف

أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (2/ 831/ 918) ، والطبراني في "الأوسط" (ص 435 - مجمع البحرين، مصورة الجامعة الإسلامية) ، والأصبهاني في "الترغيب" (ق 79/ 2) عن الحارث بن أبي الزبير المدني: حدثني أبو يزيد اليمامي عن طاوس بن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس مرفوعاً. وقال الطبراني:

"لا يروى عن طاوس إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو إسناد مظلم؛ فإن طاوس بن عبد الله لم أجد له ترجمة، مع أن الحافظ المزي قد ذكره في الرواة عن أبيه عبد الله!

ومثله أبو يزيد اليمامي.

وأما الحارث بن أبي الزبير؛ فقال الأزدي:

 

(11/465)

 

 

"ذهب علمه".

قلت: لكن روى عنه أبو زرعة، وهو لا يروي إلا عن ثقة؛ فقد قال ابن أبي حاتم (1/ 2/ 75) :

"حدثنا عنه الحسن بن عرفة وأبو زرعة. سألت أبي عنه؟ فقال: هو شيخ؛ بقي حتى أدركه أبو زرعة وأصحابنا وكتبوا عنه". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

قلت: فعلة الحديث من اللذين فوقه أو أحدهما.

وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بقوله (10/ 114) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفيه من لم أعرفه".

ولذلك؛ أشار المنذري (1/ 231) إلى تضعيف الحديث؛ وعزاه للخرائطي أيضاً.

ولم يعزه السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 806) إلا إليه! وقيده بـ "مكارم الأخلاق"!

واعلم أن هذا العدد (الألف) هو أكثر ما وقفت عليه مما روي في الذكر، وثمة حديث آخر جاء في التهليل ألف مرة، ولكنه منكر، والمحفوظ:

"مئة مرة إذا أصبح، ومئة مرة إذا أمسى".

كما هو مبين في "الصحيحة" (2762) .

وأما أكثر من ذلك؛ فهو من مبتدعات الصوفيين والطرقيين!

 

(11/466)

 

 

وأما حديث: "من قال: لا إله إلا الله سبعين ألفاً؛ فقد اشترى نفسه من الله تعالى"!

فقد قال الحافظ ابن حجر - وقد سئل عنه -:

"ليس بصحيح ولا حسن ولا ضعيف، بل هو باطل موضوع، لا تحل روايته إلا مقروناً ببيان حاله".

نقله الشيخ محمد بن أحمد نجم الدين الغيطي في "الابتهاج في الكلام على الإسراء والمعراج" (5/ 1) ، ثم علق عليه بقوله:

"لكن ينبغي للشخص أن يفعلها اقتداءً بالسلف (!) ، وامتثالاً لقول من أوصى بها، وتبركاً بأفعالهم" (!)

كذا قال! ويعني بـ (السلف) هنا: مشايخ الصوفية، وبـ (من أوصى بها) : ابن عربي - النكرة -، كما ذكر هو نفسه قبيل الحديث.

فانظر أيها المسلم! كيف جعل كلام هؤلاء وفعلهم بمنزلة كلام الله تعالى، وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله؟! والله عز وجل يقول: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدينا ما لم يأذن به الله".

وأما ما رواه إبراهيم بن الحكم: حدثني أبي: حدثنا أبان بن أبي عياش، قال:

من قال: لا إله إلا الله مئتي مرة؛ بعثه الله يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر.

أخرجه الأصبهاني (ق 256/ 2) !

 

(11/467)

 

 

فهو مع كونه مقطوعاً موقوفاً على أبان بن أبي عياش؛ فهو نفسه متروك.

وإبراهيم بن الحكم ضعيف.

وأبوه خير منه.

5297 - (من قال حين يصبح - ثلاث مرات -: اللهم! لك الحمد لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، آمنت بك مخلصاً لك ديني، إني أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت، أتوب إليك من شر عملي، وأستغفرك لذنوبي التي لا يغفرها إلا أنت، فإن مات في ذلك اليوم دخل الجنة.

وإن قال حين يمسي - ثلاث مرات -: اللهم! لك الحمد لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، أمسيت على عهدك ووعدك ما استطعت، أتوب إليك من شر عملي، وأستغفرك لذنوبي التي لا يغفرها إلا أنت، فمات في تلك الليلة دخل الجنة.

ثم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحلف على غيره، يقول: والله! ما قالها عبد في يوم فيموت في ذلك اليوم؛ إلا دخل الجنة، وإن قالها حين يمسي فتوفي في تلك الليلة؛ دخل الجنة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 438) : حدثنا بكر: حدثنا عمرو بن هاشم: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور: حدثني يحيى بن حارث الذماري عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ثم قال:

 

(11/468)

 

 

"لم يروه عن يحيى إلا محمد بن شعيب، تفرد به عمرو بن هاشم".

قلت: وهو البيروتي، وهو صدوق يخطىء؛ كما في "التقريب".

والراوي عنه - بكر - هو ابن سهل الدمياطي؛ ضعفه النسائي.

وعلي بن يزيد - وهو الألهاني الدمشقي - مثله في الضعف أو أسوأ.

وبه أعله الهيثمي، فقال (10/ 114) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف".

ولذلك؛ أشار المنذري (1/ 231) إلى تضعيف الحديث.

5298 - (جاءني جبريل بدعوات فقال: إذا نزل بك أمر من أمر دنياك؛ فقدمهن، ثم سل حاجتك:

يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! يا صريخ المستصرخين! يا غياث المستغيثين! يا كاشف السوء! يا أرحم الراحمين! يا مجيب دعوة المضطرين! يا إله العالمين! بك أنزل حاجتي، وأنت أعلم؛ فاقضها) .

موضوع

أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (3/ 327) من طريق محمد ابن زكريا البصري: أخبرنا الحكم بن أسلم: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن أبي الحصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن زكريا هذا - وهو الغلابي -؛ قال الدارقطني:

 

(11/469)

 

 

"يضع الحديث".

والحكم بن أسلم صدوق؛ كما في "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 114) .

ومن فوقه من رجال البخاري؛ على ضعف في أبي بكر بن عياش.

(تنبيه) : قال المنذري في تخريج الحديث (1/ 244) :

"رواه الأصبهاني، وفي إسناده إسماعيل بن عياش، وله شواهد كثيرة"!

قلت: فوهم في أمرين:

الأول: أنه أعله بإسماعيل بن عياش! وإنما هو أبو بكر بن عياش.

والآخر: أنه خفي عليه علته الحقيقية القادحة؛ وهي الغلابي.

وأما قوله: "وله شواهد كثيرة".

فالظاهر أنه يشير إلى حديث أنس عند الأصبهاني أيضاً بلفظ آخر؛ ذكره هو قبل هذا بحديث، وقد سبق تخريجه برقم (5287) ، وإلى حديث ابن أبي أوفى الذي ذكره قبل حديث أنس، وهو حديث ضعيف جداً؛ فيه فائد بن عبد الرحمن ابن أبي الورقاء؛ وهو متروك؛ كما قال المنذري نفسه.

5299 - (الساعة التي في يوم الجمعة ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس) .

منكر

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (ص 453) عن هانىء بن خالد قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

 

(11/470)

 

 

قلت: وهذا إسناد مظلم، أورده في ترجمة هانىء هذا؛ وقال:

"بصري. حديثه غير محفوظ، وليس بمعروف بالنقل، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به".

قلت: وشيخه والليث فوقه؛ كلاهما ضعيف أيضاً.

(تنبيه) : هكذا وقع الحديث في نسخة "الضعفاء":

"إلى غروب الشمس". وفي "اللسان" نقلاً عنه بلفظ:

"إلى طلوع الشمس".

وهذا أقرب إلى الصواب، ولكني لا أستبعد صحة لفظ النسخة مع سقط في المتن؛ فقد ذكر المنذري في "الترغيب" (1/ 251-252) عن أبي هريرة أنه قال:

إن ساعة الجمعة: هي من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.

هكذا ذكره موقوفاً، ولعله أصل هذا الحديث؛ وهم أحد رواته في رفعه. والله أعلم.

وأكثر الأحاديث في ساعة الإجابة: أنها في آخر ساعة بعد صلاة العصر، وما يخالف ذلك من الأحاديث فلا يصح منها شيء. فراجع إن شئت "صحيح الترغيب" (700-703) ، و "ضعيف الترغيب" (428-431) .

5300 - (جهزوا صاحبكم؛ فإن الفرق (1) فلق كبده) .

ضعيف

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الخوف"، ومن طريقه الحاكم (2/

__________

(1) هو الخوف. و (فلق) : شق.

 

(11/471)

 

 

494) وعن هذا: البيهقي في "الشعب" (1/ 530/ 936) : حدثني محمد ابن إسحاق بن حمزة البخاري: حدثنا أبي: حدثنا عبد الله بن المبارك: أنبأنا محمد بن مطرف عن أبي حازم أظنه عن سهل بن سعد:

أن فتى من الأنصار دخلته خشية من النار، فكان يبكي عند ذكر النار، حتى حبسه ذلك في البيت، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه في البيت، فلما دخل عليه؛ اعتنقه الفتى وخر ميتاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:

"هذا البخاري وأبوه؛ لا يدرى من هما؟! والخبر شبه موضوع"!

وتعقبه الحافظ ابن حجر في "اللسان" بقوله:

"قلت: بل إسحاق؛ ذكره ابن حبان في "الثقات"، فقال: إسحاق بن حمزة بن يوسف بن فروخ أبو محمد - من أهل بخارى -: روى عن أبي حمزة السكري وغنجار. روى عنه أبو بكر بن حريث وأهل بلده. وذكره الخليلي في "الإرشاد" وقال: كان من المكثرين من أصحاب غنجار. روى عنه البخاري، وإسحاق بن إبراهيم بن عمار، وعلي بن الحسين البخاريان".

وأعاده في موضع آخر، فقال:

"إسحاق بن حمزة الحافظ البخاري، الراوي عن غنجار. رضيه محمد بن إسماعيل البخاري، وأثنى عليه؛ لكنه لم يخرجه في تصانيفه".

قلت: فالعلة - إذن - من ابنه محمد.

وقد وجدت له طريقاً أخرى عند الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"

 

(11/472)

 

 

(ص 132 - الجامعة الإسلامية) من طريق ابن أبي الدنيا عن خازم بن جبلة بن أبي نضرة العبدي عن أبي سنان عن الحسن عن حذيفة رضي الله عنه قال: ... فذكره، وزاد:

"والذي نفسي بيده! لقد أعاذه الله عز وجل منها. من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف شيئاً هرب منه".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ خازم بن جبلة أورده الحافظ في "اللسان" بروايته عن خارجة بن مصعب، وقال:

"قال محمد بن مخلد الدوري: لا يكتب حديثه".

وشيخه أبو سنان؛ الظاهر أنه عيسى بن سنان القسملي، وهو لين الحديث؛ كما في "التقريب".

5301 - (يا أمة الله! أسفري؛ فإن الإسفار من الإسلام، وإن النقاب من الفجور) .

منكر

أخرجه ابن منده في "المعرفة" (2/ 346/ 2) : أخبرنا محمد بن محمد يعقوب - في كتابه إلينا -: أخبرنا عبد الله بن محمد الوراق البغدادي: أخبرنا يحيى بن أيوب المقابري: حدثني شيخ لبقية بـ (باب الشام) - يقال له: سعيد ابن حميد - عن قريبة بنت منيعة عن أمها:

أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! النار النار. فقال: "ما نجواك! "، فأخبرته بأمرها وهي منتقبة. فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا متن منكر، وإسناد مظلم؛ قريبة هذه لم أجد أحداً ترجمها.

 

(11/473)

 

 

بل إن أمها (منيعة) لا تعرف إلا من طريقها، ولعله لذلك لم يوردها ابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب"، ولا الحافظ في "الإصابة".

وإنما أوردها ابن الأثير في "أسد الغابة" (5/ 549-550) من رواية ابن منده - هذه - وأبي نعيم! وبمثل هذا الإسناد لا تثبت الصحبة، كما لا يخفى على أهل العلم.

وسعيد بن حميد؛ الظاهر أنه من شيوخ بقية المجهولين، وقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 41) ، فقال:

" ... الأسدي. روى عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبي اليسر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أنظر معسراً ... روى عنه عيسى بن يونس".

قلت: فالظاهر أنه هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال.

وأما عبد الله بن محمد الوراق البغدادي؛ فأورده الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 107) برواية ابن المنادي عنه في "كتاب الملاحم"، ولم يزد! فهو مجهول أيضاً.

وأما محمد بن محمد بن يعقوب؛ فالظاهر أنه أبو الحسين النيسابوري المعروف بـ (الحجاجي) ، وهو حافظ ثقة ثبت، له ترجمة جيدة عند الخطيب (3/ 223-224) .

هذا حال الحديث من حيث إسناده.

وأما متنه؛ فهو منكر؛ لأنه مخالف لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين". رواه البخاري وغيره؛ فإنه يدل

 

(11/474)

 

 

على إقرار تنقب المرأة غير المحرمة، وهذا ما كان عليه كثير من الصحابيات الفاضلات؛ فإنهن كن ينتقبن، ويسترن وجوههن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما شرحت ذلك قديماً في فصل خاص كنت عقدته في كتابي "حجاب المرأة المسلمة" تحت عنوان: "مشروعية ستر الوجه"؛ فليراجعه من شاء الاطلاع على الآثار الواردة في ذلك (ص 47-51) .

5302 - (إن جهنم لما سيق إليها أهلها؛ تلقتهم [بعنق] ؛ فلفحتهم لفحة، فلم تدع لحماً على عظم إلا ألقته على العرقوب) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 473) ، والبيهقي في "البعث" (ص 97- مصورة الجامعة 503) من طريق محمد بن سليمان الأصبهاني عن أبي سنان ضرار بن مرة عن عبد الله بن الهذيل عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال الطبراني:

"تفرد به محمد بن سليمان".

قلت: وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (10/ 389) وغيره.

وقد خالفه محمد بن فضيل، وسفيان الثوري؛ فروياه عن أبي سنان به موقوفاً على أبي هريرة؛ ولم يذكر سفيان أبا هريرة مطلقاً.

ولذلك؛ قال المنذري في "الترغيب" (4/ 240) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، والبيهقي مرفوعاً، ورواه غيرهما موقوفاً عليه؛ وهو أصح".

 

(11/475)

 

 

5303 - (الشهيد يغفر له في أول دفقة من دمه، ويزوج حوراوين، ويشفع في سبعين من أهل بيته.

والمرابط إذا مات في رباطه؛ كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة، وغدي عليه وريح برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له: قف؛ فاشفع إلى يفرغ من الحساب) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 188/ 1 و 2/ 227 - مجمع البحرين) : حدثنا بكر بن سهل:أخبرنا عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هرية مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن ابن جريج إلا عبد المجيد، تفرد به عبد الرحمن".

قلت: ولم أجد له ترجمة.

وشيخه - عبد المجيد - تكلموا فيه من قبل حفظه، وقد مضى له حديث برقم (975) .

وبكر بن سهل؛ قال الذهبي:

"مقارب الحال، قال النسائي: ضعيف".

وبه أعله الهيثمي (5/ 293) ؛ فقصر!

وإنما خرجت الحديث في هذا الكتاب من أجل قوله في آخره:

"وقيل له: قف فاشفع، إلى أن يفرغ من الحساب".

 

(11/476)

 

 

وإلا؛ فسائره ثابت في أحاديث أخرى.

أما الشطر الثاني منه؛ فقد روي من طريق أخرى عن أبي هريرة نفسه، وقد مضى تخريجه تحت الحديث المتقدم (4661) .

وأما الشطر الأول؛ فله شاهد من حديث المقدام بن معدي كرب، مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 50) .

5304 - (إن الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواءً، ويكون لسانه مع قلبه سواءً، ولا يخالف قوله عمله، ويأمن جاره بوائقه) .

ضعيف

أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" (1/ 9/ 1) من طريق أبي عوانة موسى بن يوسف بن موسى القطان الكوفي: أخبرنا سعيد بن أبي الربيع البصري: أخبرني حماد بن بشر بن عبد الله بن جابر العبدي: أخبرنا أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد فيه نظر؛ كما قال المنذري في "الترغيب" (1/ 78) ، ولعل وجه ذلك: جهالة حماد بن بشر!

كذا في مسودتي بخط أحد الطلبة في الجامعة الإسلامية؛ الذي كان يكتب بعض الأحاديث التي أمليها عليه من كتاب الأصبهاني، فلا أدري أهكذا هو في الأصل، أم هو خطأ من الكاتب؟! والأصل لا يمكن الرجوع إليه الآن؛ فإنه في المدينة، وأنا في دمشق!

أقول هذا؛ لأنني لم أجد في الرواة حماد بن بشر، وإنما حماد بن بشير، أورده

 

(11/477)

 

 

ابن أبي حاتم، فقال (1/ 2/ 133) :

" ... الربعي. بصري، روى عن عمرو بن عبيد عن الحسن. روى عنه سعيد ابن أبي أيوب، وحيوة بن شريح". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك صنع البخاري في "التاريخ" (2/ 1/ 21) ؛ إلا أنه لم يذكر بينه وبين الحسن: عمرو بن عبيد.

وكذلك صنع ابن حبان في "الثقات" (6/ 221) .

قلت: فأنا أظن أنه هو راوي هذا الحديث؛ فإنه من هذه الطبقة تقريباً؛ ثم هو بصري كما رأيت، وكذلك من دونه كلاهما بصري:

أما سعيد بن أبي الربيع البصري؛ فهو سعيد بن الربيع، وأداة الكنية: (أبي) مقحمة من الناسخ؛ فقد ذكره هكذا البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما؛ وهو أبو زيد الهروي البصري؛ قال أحمد:

"شيخ ثقة؛ لم أسمع منه شيئاً، هو بصري". وقال أبو حاتم:

"أبو زيد الهروي صدوق". وقال العجلي:

"بصري ثقة".

وأما موسى بن يوسف بن موسى القطان الكوفي أبو عوانة؛ فترجمه ابن أبي حاتم (4/ 1/ 167) برواية ثلاثة من الثقات، وقال:

"سمعت منه، وكان صدوقاً".

وجملة القول: أن علة هذا الإسناد من حماد بن بشر؛ فإنه إن كان ابن بشير

 

(11/478)

 

 

الربعي؛ فهو غير مشهور، وتوثيق ابن حبان إياه غير موثوق؛ لما عرف به تساهله في التوثيق، وفي سماعه حينئذ من أنس نظر.

وإن كان غيره؛ فهو غير معروف. والله أعلم.

5305 - (إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة: لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، بيد كل واحد صحفتان، واحدة من ذهب، والآخرى من فضة، في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله، يأكل من آخرها مثل ما يأكل من أولها، يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل الذي يجد لأولها، ثم يكون ذلك كريح المسك الأذفر، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، إخواناً على سرر متقابلين) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 480) حدثنا محمد بن موسى الإصطخري: حدثنا الحسن بن كثير: حدثنا يحيى بن سعيد: حدثنا نصر بن يحيى: حدثنا أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ محمد بن موسى الإصطخري روى له الطبراني في "الصغير" أيضاً، ومن المحتمل أنه الذي في "اللسان":

"محمد بن موسى بن إبراهيم الإصطخري. شيخ مجهول، روى عن شعيب ابن عمران العسكري خبراً موضوعاً، كتبته في ترجمة الراوي عنه محمد بن أحمد ابن محمد بن إدريس البكراوي".

والبكراوي - هذا - لم أجده عنده في "اللسان". والله أعلم!

 

(11/479)

 

 

والحسن بن كثير لم أعرفه! وفي "اللسان" ثلاثة كلهم يسمى الحسن بن كثير، وليس فيهم موثق، مع احتمال أن يكون ثالثهم هو المقصود هنا - وهو الحسن ابن كثير بن يحيى بن أبي كثير -، وهو ضعيف.

ثم تأكدت أنه هو في تخريج حديث آخر له يأتي برقم (6900) .

ونصر بن يحيى لم أجده فيما عندي من المصادر.

وأبوه يحيى يحتمل أنه يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني؛ فقد ذكروا له رواية عن أنس؛ ولم يذكر الحافظ المزي ابنه نصراً هذا في جملة الرواة عنه.

ثم رأيته منسوباً في الحديث المشار إليه هكذا: (نصر بن يحيى بن أبي كثير) ؛ فليس بالأنصاري، وإنما اليمامي؛ كما في حديث آخر، ولم أعرفه.

فلا أدري وجه قول المنذري (4/ 250) :

"رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني - واللفظ له -، ورواته ثقات"؟!

وتبعه الهيثمي - كعادته -، فقال (10/ 401) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات! "!

ولعل الحافظ وثق بتوثيقهما هذا؛ فقال في "الفتح" (6/ 324) :

"أخرجه الطبراني بإسناد قوي"!

وقد أخرجه المروزي في "زوائد الزهد" (1530) من طريق صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس به دون قوله:

 

(11/480)

 

 

"إخواناً ... ".

ولعل ابن أبي الدنيا أخرجه من هذه الطريق؛ فإن ابن القيم عزاه إليه في "حادي الأرواح" (2/ 36) ، وهي ضعيفة أيضاً؛ فإن كلاً من الرقاشي والمري ضعيف.

ثم رأيته في "صفة الجنة" لابن أبي الدنيا (69/ 206) ؛ لكن دون قوله:

"بيد كل واحد صحفتان ... " إلخ، ومن الطريق الذي ظننته، وقد سقط من الإسناد أوله، مع تحريف في اسم والد (صالح المري) .

ومن طريقه وبتمامه: أخرجه الحسين المروزي في "زوائد زهد ابن المبارك" (536/ 1530) .

وقد صح الطرف الأول منه موقوفاً؛ يرويه سعيد بن أبي عروبة - في قول الله سبحانه وتعالى: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب) - قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال:

ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام، [كل] غلام على عمل ليس عليه صاحبه.

أخرجه الحسين المروزي في "زوائد الزهد" أيضاً (1580) ، والبيهقي في "البعث" (207/ 412) ، وابن جرير الطبري في "التفسير" (29/ 136) ؛ وإسناده صحيح.

وأبو أيوب: هو الأزدي.

(تنبيه) : عزاه المعلق على "البعث" لابن المبارك بالرقم المذكور ‍‍‍! وهو خطأ،

 

(11/481)

 

 

يقع فيه الناقل بسبب العجلة، أو الجهل بالفرق بين الأصل - "زهد ابن المبارك" - والزيادة عليه، وهما زيادتان:

إحداهما: لحسين المروزي، وهذا يقع فيه الخطأ أكثر؛ لأنه في تضاعيف أحاديث أصله، ولا يتنبه له إلا بالنظر في السند.

والآخر: لنعيم بن حماد، وهو متميز عن الأصل؛ لأنه ملحق بآخره.

ولعله من الخطأ أيضاً عزو العلامة الزبيدي في "شرح الإحياء" (10/ 541) إياه للحاكم في "المستدرك" وصححه؛ فإني لم أره فيه. والله أعلم.

5306 - (فخذ عبد الله بن خراش في جهنم مثل أحد، وضرسه مثل البيضاء. قال أبو هريرة: ولم ذاك يا رسول الله؟! قال: كان عاقاً لوالديه) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7/ 438-439/ 6853) : حدثنا محمد بن ياسر الحذاء الدمشقي الجبيلي (1) : حدثنا هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي غنيم الكلاعي عن أبي غسان الضبي قال:

خرجت أمشي مع أبي بظهر الحرة، فلقيني أبو هريرة فقال: من هذا؟ قلت: أبي. قال: لا تمش بين يدي أبيك، ولكن امش خلفه وإلى جنبه، ولا تدع أحداً يحول بينك وبينه، ولا تمش فوق إجار أبوك تحته، ولا تأكل عرقاً أبوك قد نظر إليه؛ لعله قد اشتهاه. ثم قال: أتعرف عبد الله بن خراش؟ قلت: لا. قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "فخذه ... " الحديث، وقال:

__________

(1) في أصل الشيخ - رحمه الله -: " الحنبلي "، والصواب ما أثبتناه؛ كما في " أنساب السمعاني "، والمطبوع، وغيرها. (الناشر)

 

(11/482)

 

 

"لم يروه عن أبي غسان إلا أبو غنم، تفرد به الوليد".

قلت: الوليد بن مسلم يخشى منه تدليس التسوية، ولم يصرح بالتحديث بين شيخه أبي غنم الكلاعي وأبي غسان الضبي.

وهذان ممن لم أجد من ترجم لهما.

وهشام بن عمار كان إذا لقن؛ تلقن.

ومحمد بن ياسر الحذاء الدمشقي؛ لم أجد له ترجمة، فلعله في "تاريخ ابن عساكر".

من أجل ذلك؛ قال المنذري (4/ 239) :

"رواه الطبراني بإسناد لا يحضرني". وأما الهيثمي؛ فقال (8/ 148) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وأبو غسان وأبو غنم - الراوي عنه - لم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات"!

5307 - (ليس منا من حلف بالأمانة، وليس منا من خان امرأ مسلماً في أهله وخادمه. ومن قال حين يمسي وحين يصبح: اللهم! إني أشهدك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، أبوء بنعمتك علي، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب غيرك؛ فإن قالها من يومه ذلك حين يصبح فمات من ليلته؛ مات شهيداً) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه أبو القاسم الأصفهاني في "الترغيب" (1/ 71)

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " الترغيب (1 / 225) ". (الناشر) .

 

(11/483)

 

 

من طريق محمد بن عقبة بن علقمة قال: قال عباد: حدثني ليث بن أبي سليم عن سليمان عن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ فيه علل:

الأولى: ليث بن أبي سليم؛ وهو حمصي ضعيف؛ كان اختلط.

الثانية: عباد - وهو ابن كثير الرملي الفلسطيني -؛ وهو ضعيف.

الثالثة: الراوي عنه - محمد بن عقبة بن علقمة -؛ قال أبو حاتم وابنه فيه:

"صدوق". لكن قال ابن حبان في ترجمة أبيه:

"يعتبر حديثه من غير رواية ابنه محمد عنه؛ لأن محمداً كان يدخل عليه الحديث ويكذب فيه".

واعتمد هذا الحافظ في "التقريب"؛ فقال في ترجمة عقبة:

"صدوق، لكن كان ابنه محمد يدخل عليه ما ليس من حديثه".

قلت: ثم إن قول محمد بن عقبة في الإسناد: "قال عباد" صيغته صيغة انقطاع، وهو لم يدرك عباداً، وإنما يروي عنه أبوه عقبة، كم ذكروا في ترجمة عباد، فإما أن يكون سقط من الإسناد قوله: "قال أبي"، أو أنه هو أسقط الواسطة بينه وبين عباد، أو أنه بلغه عنه دون أن يكون له إسناد إليه. والله أعلم.

5308 - (إن الله عز وجل ليدرأ بالصدقة سبعين [باباً من] ميتة السوء) .

ضعيف

أخرجه ابن المبارك في "البر والصلة" (رقم 277 - نسختي) : قال:

 

(11/484)

 

 

أخبرنا سفيان عن محرز عن يزيد عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: يزيد - وهو ابن أبان الرقاشي -، وهو ضعيف.

والأخرى: محرز - بسكون المهملة وكسر الراء -، وهو ابن عبد الله الجزري أبو رجاء؛ قال الحافظ:

"صدوق يدلس".

قلت: وقد عنعنه؛ كما ترى.

ولذلك؛ جزم الحافظ العراقي (1/ 225) بضعف سنده.

وقد روي الحديث من طريق أخرى عن أنس، وفيه مدلس أيضاً، وآخر ضعيف، وهو مخرج في "الإرواء" (885) ، وهو تحت الطبع، يسر الله تمامه (1) .

5309 - (ما خلق الله من صباح يعلم ملك في السماء ولا في الأرض ما يصنع الله في ذلك اليوم، وإن العبد له رزقه؛ فلو اجتمع عليه الثقلان - الجن والأنس - على أن يصدوا عنه شيئاً من ذلك؛ ما استطاعوا) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3/ 285-286) من طريق بقية بن الوليد: حدثني أبو صالح القرشي عن صفوان بن سليم عن حكيم بن عثمان عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل أبي صالح القرشي؛ فإني لم أجد من

__________

(1) وقد طبع - والحمد لله - في حياة الشيخ - رحمه الله -. (الناشر)

 

(11/485)

 

 

ترجمه، والظاهر أنه من شيوخ بقية المجهولين الذين أشار إليهم ابن معين حين سئل عن بقية؟ فقال:

"ثقة إذا حدث عن المعروفين، ولكن له مشايخ لا يدرى من هم؟! ".

هذه هي علة الحديث، وقد ذهل عنها الهيثمي؛ فقال (4/ 72) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه بقية، وهو لين الحديث"!

أقول: وبقية لين إذا عنعن في السند، وهنا قد صرح بالتحديث؛ كما ترى، فالعلة من شيخه كما ذكرنا. ولعله لذلك قال المنذري (3/ 8) :

"رواه الطبراني بإسناد لين، ويشبه أن يكون موقوفاً".

5310 - (من اصطنع إليكم معروفاً فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته؛ فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد شكرتم؛ فإن الله شاكر يحب الشاكرين) (1) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3/ 261) : حدثنا أحمد ابن عبد الوهاب بن نجدة: حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك: حدثنا إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عباد عن عرفطة عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عبد الوهاب بن الضحاك؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، كذبه أبو حاتم".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " " الترغيب " (2 / 55 ". (الناشر)

 

(11/486)

 

 

وبه أعله الهيثمي (8/ 181) .

والوليد بن عباد وعرفطة؛ قال ابن عدي (351) :

"ليسا بمعروفين".

ذكر ذلك في ترجمة الوليد. وقال فيه:

"لا يحدث عنه غير إسماعيل بن عياش، ليس بمستقيم".

والحديث صحيح من رواية أخرى أتم منه بلفظ:

" ... حتى تعلموا أن قد كافأتموه"؛ دون ما بعده.

وهو مخرج في الكتاب الآخر (254) ، وغيره.

5311 - (من دعا بهؤلاء الكلمات الخمس؛ لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه: لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 448) : حدثنا مطلب بن شعيب: حدثنا عبد الله بن صالح: حدثنا الليث عن أبي إسحاق الهمداني عن معاوية ابن أبي سفيان. وقال:

"لم يروه عن أبي إسحاق عن معاوية إلا الليث".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: أبو إسحاق الهمداني: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، والسبيع من

 

(11/487)

 

 

همدان، وهو وإن كان ثقة؛ فقد كان اختلط، كما كان يدلس، وقد عنعنه كما ترى.

والأخرى: عبد الله بن صالح - وهو كاتب الليث - فيه ضعف؛ كما تقدم مراراً.

ومما سبق تعلم أن قول المنذري في "الترغيب" (2/ 274) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" بإسناد حسن"!

أقول: فهو غير حسن؛ وإن تبعه الهيثمي (10/ 157) ؛ فإن ذلك من تساهلهما الذي عرفا به؛ نسأله تعالى الهداية والتوفيق!

ثم رأيت الحديث في "المعجم الكبير" (19/ 361/ 849) و "الدعاء" (2/ 838/ 125) بإسناده في "الأوسط"، وقد طبع هذا فيما بعد، وهو فيه (9/ 288/ 8629) .

كما رأيت المعلقين الثلاثة على "الترغيب" في طبعتهم الجديدة البراقة! قد حسنوا الحديث؛ تقليداً لمؤلفه وللهيثمي، مؤكدين بذلك أنهم (إمعة) ؛ لا بحث عندهم ولا تحقيق؛ إلا مجرد الدعوى والنقيق!

5312 - (من فرج على مسلم كربة؛ جعل الله تعالى له يوم القيامة شعبتين من نور على الصراط؛ يستضيء بضوئهما عالم يحصيهم إلا رب العزة) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 259) قال: حدثنا عبد الله ابن أحمد بن أسيد الأصبهاني: أخبرنا العلاء بن مسلمة بن عثمان: حدثنا محمد بن

 

(11/488)

 

 

مصعب القرقساني: حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. وقال:

"لم يروه عن الأوزاعي إلا محمد، تفرد به العلاء".

قلت: قال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 185) :

"يروي عن العراقيين المقلوبات، وعن الثقات الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به بحال". وقال ابن طاهر:

"كان يضع الحديث".

وشيخه القرقساني ضعيف.

وشيخ الطبراني؛ له ترجمة في "أخبار أصبهان" لأبي نعيم، توفي سنة (310) ، وساق له أحاديث هذا أحدها. وقال المنذري (2/ 36) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وهو غريب"!

وهذا جرح لين، وتساهل بين! ونحوه قول الهيثمي (8/ 193) :

"رواه ... وفيه العلاء بن مسلمة (الأصل: سلمة) بن عثمان، وهو ضعيف"!

فإنه متهم بالوضع كما سبق!

ثم رأيت الحافظ الذهبي قد ذكر هذا الحديث في ترجمة الحسين بن الفضل ابن عمير البجلي الكوفي - من رواية الحاكم؛ أي: في "تاريخ نيسابور" -، وقال الذهبي:

 

(11/489)

 

 

"حديث باطل، رواه عن محمد بن مصعب ... "!

وإنما رواه الحسين بن الفضل عن العلاء بن مسلمة عن محمد بن مصعب، كما في رواية الطبراني هذه؛ فإني أستبعد أن يكون الحسين سمعه من محمد بن مصعب مباشرة؛ والله أعلم. وانظر الحديث الآتي (6153) .

5313 - (من قال حين يتحرك من الليل: باسم الله - عشر مرات -، وسبحان الله عشراً -، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت - عشراً -؛ وقي كل شيء يتخوفه، ولم ينبغي لذنب أن يدركه إلى مثلها) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9/ 9/ 9013) : حدثنا المقدام ابن داود: حدثنا عثمان بن صالح: حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف المقدام بن داود.

وبه أعله الهيثمي (10/ 125) ! وهو قصور؛ فإن فوقع ابن لهيعة كما ترى، وهو ضعيف أيضاً؛ لسوء حفظه.

والحديث؛ أشار المنذري (1/ 213) إلى تضعيفه، ووقع فيه:

"كل ذنب" مكان: "كل شيء"! وهو خطأ غفل عنه المعلقون الثلاثة عليه؛ لعجزهم عن التحقيق، مع أنهم رجعوا إلى "مجمع الزوائد" كما يأتي؛ وهو فيه على الصواب!

قال الهيثمي في "المجمع" (10/ 125) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخه (المقدام بن داود) ، وهو ضعيف،

 

(11/490)

 

 

وقال ابن دقيق العيد: "وثق"، فعلى هذا يكون الحديث حسناً"!

قلت: وفيه ما يلي:

أولاً: ما بناه على قوله: "وثق"؛ فهو على شفا جرف هار؛ لأن هذا التوثيق لين، كما يشير إلى ذلك بالفعل المبني للمجهول، ولم يوثقه أحد من الأئمة المعروفين، سوى مسلمة بن قاسم القرطبي بقوله:

"رواياته لا بأس بها".

ومسلمة هذا نفسه ضعيف؛ فلا قيمة لتوثيقه، ولا سيما مع مخالفته للمضعفين له، ومنهم النسائي الذي قال:

"المقدام ليس بثقة".

ثانياً: لو سلمنا بما تقدم من البناء؛ فهو سينهار من جهة أخرى؛ وهي إغضاؤه الطرف عن ضعف ابن لهيعة.

هذا هو التحقيق الذي يعجز عنه المعلقون المشار إليهم.

وإن مما يدل على ذلك؛ أنهم نقلوا كلام الهيثمي المتقدم دون قوله: "وقال ابن دقيق العيد ... " إلخ؛ لأنه ينافي تضعيفهم للحديث؛ تقليداً منهم لمن ضعفه!!

ورواه الخرائطي في "المكارم" (2/ 914/ 1017) من طريق آخر عن ابن لهيعة موقوفاً.

5314 - (من قال بعد صلاة الصبح - وهو ثان رجله قبل أن يتكلم -: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - عشر مرات -؛ كتب له بكل مرة عشر حسنات، ومحي عنه

 

(11/491)

 

 

عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكن في يومه ذلك حرزاً من كل مكروه، وحرزاً من الشيطان الرجيم، وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل، عن كل رقبة اثنا عشر ألفاً، ولم يلحقه يومئذ ذنب إلا الشرك بالله.

ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب؛ كان له مثل ذلك) (1) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 450 - مجمع البحرين) ، و "مسند الشاميين" (ص 5 - مصورة الجامعة) من طريق موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي: حدثنا هانىء بن عبد الرحمن ورديح بن عطية أنهما سمعا إبراهيم بن أبي عبلة قال: سمعت أم الدرداء: سمعت أبا الدرداء يقول: ... فذكره مرفوعاً، وقال:

"لم يروه عن إبراهيم إلا هانىء، ورديح تفرد به موسى".

قلت: قال الذهبي:

"أحد التلفى. كذبه أبو زرعة وأبو حاتم. وقال النسائي: ليس ثقة". وقال الدارقطني وغيره:

"متروك". وقال العقيلي في "الضعفاء":

"يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات". وقال الهيثمي (10/ 108) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي؛ وهو متروك".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " " الترغيب " (1 / 168) ". (الناشر)

 

(11/492)

 

 

وأما المنذري؛ فسكت عنه! أورده عقب حديث آخر في الباب جود إسناده، ولكنه يختلف عن هذا في اللفظ والمعنى، وذلك من عيوب كتابه! والحديث المشار إليه؛ خرجته في "الصحيحة" (2664) .

5315 - (من مشى في حاجة أخيه المسلم؛ أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك يدعون له، ولم يزل يخوض في الرحمة حتى يفرغ، فإذا فرغ؛ كتب الله له حجة وعمرة. ومن عاد مريضاً؛ أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك، لا يرفع قدماً إلا كتب له حسنة، ولا يضع قدماً إلا حطت عنه سيئة، ورفع له بها درجة، حتى يقعد في مقعده، فإذا قعد غمرته الرحمة، ولا يزال كذلك حتى إذا أقبل حيث ينتهي إلى منزله) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5/ 201/ 4393 - ط) : حدثنا عبد الله بن محمد بن عزيز الموصلي: حدثنا غسان بن الربيع: حدثنا جعفر بن ميسرة عن أبيه عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة قالا: ... فذكره موقوفاً عليهما، وقال:

"لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو ضعيف جداً؛ آفته جعفر بن ميسرة - وهو الأشجعي -؛ قال البخاري:

"ضعيف. منكر الحديث". وقال أبو حاتم:

"منكر الحديث جداً".

وغسان بن الربيع - وهو الأزدي الموصلي -؛ قال الذهبي:

 

(11/493)

 

 

"كان صالحاً ورعاً؛ ليس بحجة في الحديث. قال الدارقطني: ضعيف. وقال مرة: صالح". وقال الحافظ في "اللسان":

"وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان نبيلاً فاضلاً ورعاً. وأخرج حديثه في "صحيحه" عن أبي يعلى عنه".

قلت: فالعلة من شيخه جعفر كما سبق، وبه أعله الهيثمي (2/ 299) . وأشار المنذري (4/ 163) إلى تضعيف الحديث، وقال:

"وليس في أصلي رفعه".

قلت: وقد رفعه أبو الشيخ ابن حيان؛ كما ذكر المنذري في مكان آخر (3/ 251) .

5316 - (لا تعجلن إلى شيء تظن أنك إن استعجلت إليه أنك مدركه، وإن كان الله لم يقدر ذلك، ولا تستأخرن عن شيء تظن أنك إن استأخرت عنه أنه مرفوع عنك، وإن كان الله [قد] قدره عليك) .

ضعيف جداً

أورده - هكذا بهذا التمام - المنذري في "الترغيب" (3/ 8) من رواية الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وأشار إلى ضعفه.

وتبعه على ذلك الهيثمي (4/ 71) ، وقال:

"وفيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف".

قلت: وقد أورده في "مجمع البحرين" أيضاً (3/ 286) من رواية "الأوسط" من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعاً به مختصراً بلفظ:

 

(11/494)

 

 

"لا تعجلن إلى شيء تظن أنك إن استأخرت عنه أنه مرفوع عنك، إن كان الله قد قدره عليك". وقال:

"كذا وقع مختصراً".

قلت: وهو فاسد المعنى كما يدل عليه السياق الأول! ولعل ذلك من عبد الوهاب ابن مجاهد نفسه؛ فإنه ضعيف جداً؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 146) :

"كان يروي عن أبيه ولم يره، ويجيب في كل ما يسأل وإن لم يحفظ، فاستحق الترك، كان الثوري يرميه بالكذب". ولذلك؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، وكذبه الثوري".

ومما ذكره ابن حبان وغيره؛ يتبين أن في الإسناد علة أخرى، ألا وهي الانقطاع بين عبد الوهاب وأبيه مجاهد، ولعل الهيثمي لم يشر إليها؛ لأنها دون العلة الأولى في الجرح! والله أعلم.

ثم وقفت على الحديث في "المعجم الأوسط" للطبراني، فرأيت الحديث فيه (1/ 193/ 1) بالنص الذي نقلته عن "الترغيب" دون قوله:

"وإن كان الله لم يقدر ذلك"، وزيادة: "قد" فيه.وقال:

"لم يرو هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا معاوية، ولا يروى عن معاوية إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الوهاب".

5317 - (يجيء الظالم يوم القيامة، حتى إذا كان على جسر جهنم بين الظلمة والوعرة؛ لقيه المظلوم فعرفه وعرف ما ظلمه به، فما يبرح

 

(11/495)

 

 

الذين ظلموا يقتصون من الذين ظلموا؛ حتى ينزعوا ما في أيديهم من الحسنات، فإن لم يكن لهم حسنات؛ رد عليهم من سيئاتهم، حتى يوردوا الدرك الأسفل من النار) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 466) : حدثنا محمد بن علي الأحمر الناقد: حدثنا عمار بن طالوت: حدثنا محمد بن أبي عدي عن حسين المعلم عن أيوب عن الجهم بن فضالة الباهلي عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن أيوب إلا حسين، تفرد به محمد بن أبي عدي".

قلت: وهو ثقة؛ وكذا من فوقه؛ إلا الجهم بن فضالة الباهلي؛ فإنه لم يوثقه غير ابن حبان، فأورده في "الثقات" (4/ 113) من روايته عن أبي أمامة، وقال:

"روى قزعة بن سويد عن أبيه عنه".

وأورده ابن أبي حاتم (1/ 1/ 521) من رواية أيوب وسويد بن حجير عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو مجهول الحال.

فالحديث ضعيف، لا سيما وفي متنه زيادات لم ترد في الحديث الصحيح بلفظ:

"أتدرون ما المفلس؟ ... ". وهو مخرج في الكتاب الآخر برقم (847) . وأما قول المنذري (4/ 202) في الحديث:

"رواه الطبراني في "الأوسط"؛ ورواته مختلف فيهم"!

فليس بدقيق؛ لأنه ليس فيهم من هو مختلف فيه، أي: في توثيقه، بل

 

(11/496)

 

 

كلهم ثقات؛ إلا من وثقه ابن حبان. وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بقوله (10/ 354) :

".. ورجاله وثقوا".

وأما قول المعلقين الثلاثة على "الترغيب" (4/ 307) :

"حسن بشواهده"!

فهو من جهلهم وغفلتهم؛ لأن التفصيل الوارد فيه ليس له ولا شاهد واحد، بل هو مخالف للحديث الصحيح الذي أشرت إليه آنفاً.

5318 - (يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة. فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وا سوأتاه! ينظر بعضنا إلى بعض؟! فقال: شغل الناس. قلت: ما شغلهم؟ قال: نشر الصحائف؛ فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل) .

منكر

أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأهوال" (237/ 233) -: حدثنا عمر بن شبة -، والطبراني في "الأوسط" (4/ 462) -: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني - قالا: حدثنا سعيد بن سليمان عن عبد الحميد بن سليمان عن محمد بن أبي موسى عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد".

ورواه البخاري في "التاريخ" (1/ 1/ 236-237/ 747) : قال لنا سعيد ابن سليمان به.

 

(11/497)

 

 

قلت: وهو الواسطي، وهو ثقة حافظ من رجال الشيخين.

لكن شيخه عبد الحميد بن سليمان - وهو الخزاعي الضرير أخو فليح - اتفقوا على تضعيفه؛ إلا أحمد؛ فإنه قال:

"ما كان أرى به بأساً"! ولذلك؛ قال الحافظ في "التقريب":

"ضعيف". ولم يذكر الذهبي في ترجمته من "الميزان" إلا أقوال من جرحه، ومنها: قول أبي داود فيه:

"غير ثقة". إلا أن هذه العبارة تحرفت في طبعة الخانجي؛ فصارت هكذا:

"وقال أبو داود وغيره: ثقة"!! وقال الذهبي في "المغني":

"ضعفوه جداً".

ومن هذا التحقيق؛ تعلم خطأ الحافظ المنذري في قوله في هذا الحديث (4/ 193) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح"!

وقلده السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 317) !

ومثله قول الهيثمي في "المجمع" (10/ 333) :

"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير محمد بن موسى بن أبي عياش؛ وهو ثقة"!!

وقد زاد هذا في الوهم شيئين:

 

(11/498)

 

 

الأول: أنه جعل عبد الحميد بن سليمان من رجال "الصحيح"، وليس كذلك؛ فإنه لم يرو غير الترمذي وابن ماجه.

والآخر: أنه قال: "محمد بن موسى بن أبي عياش"! وإنما هو: "محمد ابن أبي موسى" كما تقدم في إسناد "الأوسط"؛ وكذلك أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 84) إلا أنه قال:

"ويقال: ابن أبي عياش. روى عن عطاء بن يسار. روى عنه عبد الحميد بن سليمان، وأبو أويس".

ثم إنني لم أره في "مسند أم سلمة" من "المعجم الكبير". والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد خولف (عبد الحميد) في إسناده ومتنه؛ كما حققته في الكتاب الآخر: "الصحيحة" (3469) ، وبينت أن الحديث حسن لغيره؛ دون قوله في آخره:

"قلت: ما شغلهم؟ ... " إلخ.

5319 - (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الكبير" (7141) وفي "مسند الشاميين" (ص 85) : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي - مكحول -: حدثنا إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي قال: سمعت أبي يحدث عن ثور بن يزيد وغالب بن عبد الله عن مكحول عن ابن غنم عن شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

 

(11/499)

 

 

قلت: وهذه الطريق ليس فيها أبو بكر بن أبي مريم الضعيف الذي في إسناد أحمد (4/ 124) ، والترمذي (2577) ، والحاكم (1/ 77 و 4/ 325) . ولم يتنبه لذلك صاحبنا السلفي فقال: "رواه أحمد ... " إلخ!

ومن طريق أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس. أخرجه الطبراني أيضاً (7143) .

فلعل قول السلفي المذكور كان في الأصل على هذه الطريق؛ فطبع سهواً على الطريق الأولى! لكن يعكر عليه أنها تبقى حينئذ بدون تعليق. فتأمل!

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فالسكوت عن هذه الطريق غير لائق؛ لأنه قد يوهم من لا علم عنده أنه من الممكن أن يقوى بها طريق ابن أبي مريم! وليس كذلك؛ لأن فيها من هو شر منه؛ ألا وهو إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي؛ قال الدارقطني:

"متروك". وقال ابن حبان:

"يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة، وأبوه أيضاً لا شيء".

تحريف خطير في حديث ضعيف، واستغلال غير شريف!!

5320 - (كان في عماء، فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق العرش على الماء) (1) .

ضعيف

أخرجه الطيالسي في "مسنده" (رقم 1093) : حدثا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين قال:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " راجع (4858) ". (الناشر)

 

(11/500)

 

 

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يسأل، فإذا سأله أبو رزين أعجبه، قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فقال: ... فذكره.

قلت: ومن طريق الطيالسي: أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 376) .

وتابعه جمع عن حماد به.

أخرجه الترمذي (3108) ، وابن ماجه (1/ 77-78) ، وأحمد في "المسند" (4/ 11 و12) وابنه في "السنة" (ص 46) ، والبيهقي أيضاً (ص 406) كلهم عن حماد به إلا أن البيهقي قال:

"ثم خلق العرش، ثم استوى عليه". وقال الترمذي:

"حديث حسن".

قلت: وهذا أولى من قول الذهبي في "العلو" (ص 11 - طبع المنار) :

"رواه الترمذي، وابن ماجه، وإسناده حسن"!

إذ كيف يكون حسن الإسناد وفيه وكيع بن حدس هذا، وقال البيهقي عقبه:

"تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس".

والذهبي نفسه لما أورده في "الميزان"؛ قال:

"لا يعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء".

قلت: فهو مجهول العين، وليس مجهول الحال؛ كما قال ابن القطان فيما نقل عنه في "التهذيب"، ولا مجهول الصفة؛ كما زعم الكوثري في تعليقه على

 

(11/501)

 

 

"الأسماء" وفي تعليقه على "السيف الصقيل" (ص 96) !

وأما قوله فيه:

"في سنده حماد بن سلمة؛ مختلط"!

فهو من عدائه للسة وأهلها، وحماد بن سلمة من أئمتها، وممن احتج بهم مسلم في "صحيحه"؛ فضلاً عن أصحاب "السنن" وغيرهم، وما أحد من الأئمة رماه بالاختلاط؛ وإنما قال بعضهم: إنه تغير.

فرحم الله ابن المديني حين قال: "من تكلم في حماد بن سلمة؛ فاتهموه في الدين".

فالعلة ممن فوقه كما عرفت.

ومنه تعلم خطأ ابن العربي في "العارضة" في قوله:

"إن الحديث صحيح سنداً ومتناً"! كما نقله عنه الأستاذ الدعاس في تعليقه على "الترمذي" وأقره كما هي عامة عادته في النقل!

أما خطؤه في صحيح السد؛ فواضح مما تقدم.

وأما تصحيحه لمتنه؛ فموضع نظر، وإن حسنه الترمذي كما سبق! وذلك؛ لأنني لم أجد له شاهداً إلا قوله:

"وكا عرشه على الماء"؛ فإنه من القرآن، وفي حديث عمران بن حصين عند البخاري وغيره:

"وكان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء".

 

(11/502)

 

 

وأما سوى ذلك؛ فلم أجد له شاهداً، لا سيما وقد اختلفوا في تفسيره، فلو أنه صح إسناده لوجب التسليم به؛ كسائر أحاديث الصفات.

(تنبيه) : أورد الحافظ الذهبي هذا الحديث في كتابه "العلو" (ص 98 - طبع الهند، وص 11 - طبعة المنار) بإسناده إلى حماد بن سلمة؛ وزاد:

"ثم استوى عليه".

إلا أنه تحرف لفظه في طبعة المنار؛ فوقع فيه:

"استولى عليه"!!

وما في الهندية هو الصواب؛ لأنه موافق لمخطوطة الظاهرية (ق 7/ 1) ، ولأنه مفسر في "العلو" نفسه من رواية إسحاق بن راهويه بلفظ:

"ثم كان العرش، فارتفع عليه".

وقد استغل هذا التحريف - جهلاً أو تجاهلاً - أحد جهمية الأزهريين من السوريين في كتاب له - زعم - "هذه عقيدة السلف والخلف في ذات الله تعالى ... "؛ عقد فيه فصلاً (ص 78) بعنوان:

"التأويل والرسول عليه الصلاة والسلام ... "؛ ذهب فيه إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول الاستواء على العرش بالاستيلاء (!) وأنه أشار بذلك إلى أمته باقتفاء أثره بتأويل كل ما يوهم ظاهره التجسيم، وقال:

"والسؤال هنا: هل يوجد دليل على ما قلته؟ نعم؛ ها هو الدليل، جاء في كتاب "العلو" للذهبي ... " ثم ساق الحديث بنصه المحرف؛ ثم قال:

"فأنت ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أول قوله تعالى: (.... استوى) بقوله:

 

(11/503)

 

 

(استولى عليه) "! قال:

"وبهذا يكون المؤولون قد اقتفوا أثر الرسول عليه الصلاة والسلام بصرف كل لفظ عن ظاهره - يفهم منه التجسيم - إلى لفظ آخر ينفي عنه ذلك"!!!

قلت: وبذلك أعطى سلاحاً للمعتزلة الذي ينكرون كثيراً من صفات الله تعالى - كالسمع والبصر، وكرؤيته تعالى - بالتأويل الذي يؤدي إلى التعطيل، قال المؤلف نفسه عنهم (ص 123) :

"بادعاء أن رؤية الله مستحيلة، فهي تقتضي الجسمية، والجسمية والجهة عندهم كفر".

قلت: وهذا ما يصرح به هذا المؤلف الأنوك! في كثير من المواضع، فإذن المعتزلة على حق عنده، بل هو منهم؛ ولو تظاهر بأنه من أهل السنة والجماعة! فهو ينكر علو الله على خلقه، وأن القرآن كلام الله حقيقة؛ بحجة أن ذلك تجسيم وتشبيه!! ويتظاهر بأنه يؤمن برؤية الله في الآخرة تبعاً للأشاعرة، ويتجاهل أن ذلك يستلزم التجسيم على مذهبه؛ وكذا الجهة.

ولكن ذاك السلاح غير ماض؛ لأنه قائم على حديث لا وجود له إلا في ذهنه ضعيف السند، فيبادر إلى الإجابة عن ذلك بقوله:

"وسواء أكان الحديث صحيحاً أو ضعيفاً؛ فلا أقل من أن يحمل على التفسير"!!

ما هذا الكلام أيها الأنوك الأحمق؟!! فما هو الذي يقابل التفسير الذي

 

(11/504)

 

 

ينبغي أن يحمل الحديث عليه إذا صح؟!

وبعبارة أخرى: فالحديث صحيح أو ضعيف، فإذا كان صحيحاً، فماذا؟ وإذا كان ضعيفاً؛ فماذا؟!

أليس في كل من الحالين يحمل الحديث على التفسير؟! ولكن في حالة كونه ضعيفاً؛ ما قيمة هذا التفسير الذي لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -؟!

وجملة القول: أن هذا الكلام ركيك جداً، يدل على عجمة هذا الجهمي، وليس ذلك في لسانه فقط، بل وفي تفكيره أيضاً؛ لأنه في الوقت الذي يقطع بأن هناك دليلاً على أن الرسول أول كما تقدم، ويكرر ذلك في مواضع أخر؛ فيقول (ص 80) :

"فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد فسر الاستواء بالاستيلاء؛ فهذا هو التأويل بعينه"! إذ إنه يقول هذا الكلام الذي لا يشعر أنه به يهدم ما بنى؛ لجهله بكون الحديث صحيحاً أو ضعيفاً، فكيف وقد صرح جازماً بضعفه في مكان ثالث، فقال (ص 103) :

"وقدمت لك أن الرسول عليه الصلاة والسلام فسر الاستواء بالاستيلاء؛ حتى وإن كان أثراً ضعيفاً؛ فيستأنس به في التأويل"!!

إذن؛ هو ليس بدليل؛ لأن الدليل لا يستأنس به فقط، بل ويحتج به، فكيف جاز له أن يتقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "إنه فسر الاستواء بالاستيلاء"؟! فليتبوأ - إذن - مقعده من النار!

ثم ما فائدة هذا التأويل الذي ذهب إليه الأشاعرة وغيرهم من الجهمية والمعطلة

 

(11/505)

 

 

- مع بطلانه في نفسه عندنا - ما داموا هم أنفسهم لا يأخذون به إلا مع تأويله أيضاً؟! ، ذلك لأنهم قد أورد عليهم أهل السنة حقاً أن تأويل الاستواء بالاستيلاء؛ معناه: أنه لم يكن مستولياً عليه من قبل، لا سيما بملاحظة الآية التي فيها: (ثم استوى على العرش) ؛ فإن (ثم) تفيد التراخي كما هو معلوم، وهذا التأويل مما لا يقول به مسلم؛ لأنه صريح في أن الله لم يكن مستولياً عليه سابقاً؛ بل كان مغلوباً على أمره، ثم استولى عليه! لا سيما وهم يستشهدون بذاك الشعر:

قد استوى بشر على العراق * * * بغير سيف ولا دم مهراق!

تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!

فلما أورد هذا عليهم؛ انفكوا عنه؛ فقال بعض متأخريهم - كما نقله هذا الأزهري (ص 25) -:

"ولكن لا يخفى عليك الفرق بين استيلاء المخلوق واستيلاء الخالق"!

وقال الكوثري في تعليقه على "الأسماء" (ص 406،410) :

"ومن حمله على معنى الاستيلاء؛ حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة"!

فأقول: إذا جردتم "الاستيلاء" من معنى المغالبة؛ فقد أبطلتم تأويلكم من أصله؛ لأن الاستيلاء يلازمه المغالبة عادة كما تدل عليه البيت المشار إليه، فإذا كان لا بد من التجريد تمسكاً بالتنزيه؛ فهلا قلتم كما قال السلف: "استوى: استعلى"؛ ثم جردتم الاستعلاء من كل ما لا يليق بالله تعالى؛ كالمكان، والاستقرار، ونحو ذلك، لا سيما وذلك غير لازم من الاستعلاء حتى في المخلوق؛

 

(11/506)

 

 

فالسماء فوق الأرض ومستعلية عليها، ومع ذلك فهي غير مستقرة عليها، ولا هي بحاجة إليها، فالله تعالى أولى بأن لا يلزم من استعلائه على المخلوقات كلها استقراره عليها، أو حاجته إليها سبحانه، وهو الغني عن العالمين.

ومن مثل هذا؛ يتبين للقارىء اللبيب أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، وليس العكس؛ خلافاً لما اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام.

5321 - (تكبيرات، وتسبيحات، وتحميدات مئة؛ حين تريدان أن تناما، فتبيتان على ألف حسنة، ومثلها حين تصبحان، فتقومان على ألف حسنة) .

منكر بهذا التمام

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 69) ، وكذا أبو داود (2/ 323) - إلا أنه لم يسق لفظه - كلاهما من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن كعب القرظي عن شبث بن ربعي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:

قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي، فقال علي لفاطمة: ائتي أباك؛ فسليه خادماً نتقي به العمل، فأتت أباها حين أمست، فقال لها:

"ما لك يا بنية؟! " قالت: لا شيء، جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله شيئاً، فلما رجعت قال لها علي: ما فعلت؟ قالت: لم أسأله شيئاً واستحييت منه.

حتى إذا كانت الليلة القابلة قال لها: ائتي أباك فسليه خادماً تتقين به العمل، فأتت أباها، فاستحيت أن تسأله شيئاً.

 

(11/507)

 

 

حتى إذا كانت الليلة الثالثة مساءً؛ خرجنا جميعاً حتى أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:

"ما أتى بكما؟! ". فقال علي: يا رسول الله! شق علينا العمل، فأردنا أن تعطينا خادماً نتقي به العمل! فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"هل أدلكما على خير لكما من حمر النعم؟ " قال علي: يا رسول الله! نعم. قال: ... فذكره.

فقال علي: فما فاتتني منذ سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ليلة صفين؛ فإني نسيتها، حتى ذكرتها من آخر الليل فقلتها.

قلت: وهذا إساد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير شبث بن ربعي؛ ذكره البخاري في "الضعفاء"، وقال:

"روى عنه محمد بن كعب، لا يصح، ولا نعلمه سمع من شبث".

ولم يذكروا عنه راوياً آخر سوى سليمان التيمي؛ فهو غير مشهور.

وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"؛ ولكنه وصفه بأنه يخطىء.

وهذا أدق وأصح من قول أبي حاتم فيه (2/ 1/ 388) :

"حديثه مستقيم، لا أعلم به بأساً"!

وذلك لأنه - مع قلة حديثه - قد روى هذا الحديث عن علي، وقد رواه عنه جمع من الثقات، فلم يذكروا فيه قوله:

"ومثلها حين تصبحان ... "؛ فهي زيادة منكرة.

 

(11/508)

 

 

وقد خالفهم في مواطن أخرى؛ منها قوله:

فأتت أباها حين أمست، فقال لها ... إلى قوله:

ثم أخرجنا جميعاً حتى أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما أتى بكما ... "؛ فإنه مخالف لرواية "الصحيحين" من طريق ابن أبي ليلى عن علي بلفظ:

فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله خادماً، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم فقال: "مكانك". فجلس بيننا؛ حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال:

"ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟! ".

ومنها قوله: "حمر النعم"؛ فإنه خلاف رواية "الصحيحين" كما ترى!

وقد تكلم الحافظ على الحديث وجمع طرقه وألفاظه - كما هي عادته -، وذكر رواية شبث هذه مشيراً إلى ما فيها من المخالفة؛ وقال (11/ 101) :

"فيحتمل أن تكون قصة أخرى"!!

قلت: هذا احتمال بعيد! ثم إنه إنما يصار إلى مثله فيما ثبت سنده، وليس الأمر كذلك هنا؛ لما عرفت من حال شبث هذا، وأما دعمه لذلك بقوله:

"فقد أخرج أبو داود من طريق أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير؛ أي: ابن عبد المطلب قالت:

أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبياً، فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نشكو إليه ما نحن فيه، وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي، فقال:

 

(11/509)

 

 

"سبقكن يتامى بدر ... ". فذكر قصة التسبيح إثر كل صلاة، ولم يذكر قصة التسبيح عند النوم، فلعله علم فاطمة في كل مرة أحد الذكرين"!!

قلت: هذه غير تلك قطعاً، مع ثبوت سندها؛ فإن فيها ذهاب فاطمة مع أم الحكم - وهي بنت الزبير بن عبد المطلب، وقيل: هي ضباعة نفسها - أو مع ضباعة. وفي تلك أنها ذهبت مع علي. وفيها ذكر التسبيح إثر الصلاة؛ دون التسبيح عند النوم. فتأمل!

ثم إن شبثاً هذا قد قيل في ترجمته أقوال عجيبة، يدل مجموعها على أنه كان مضطرب البال، لا يكاد يستقر على حال، تارة إلى اليمين، وتارة إلى الشمال، وقد لخص تلك الأقوال الحافظ ابن حجر في "التقريب"؛ فقال:

" ... مخضرم.

1- كان مؤذ سجاح ثم أسلم.

2- ثم كان ممن أعان على عثمان.

3- ثم صحب علياً.

4- ثم صار من الخوارج عليه.

5- ثم تاب فحضر قتل الحسين.

6- ثم كان ممن طلب بدم الحسين مع المختار.

7- ثم ولي شرطة الكوفة.

8- ثم حضر قتل المختار، ومات بالكوفة في حدود الثمانين"!

 

(11/510)

 

 

ولم يذكر الحافظ رأيه فيه ومرتبته في الرواية، وكأن ذلك لهذا الاضطراب الذي شرحه بإيجاز، والذي يدل على عدم استقرار ذهنه، وسلامة فكره. والله أعلم.

ومثل حديثه هذا في النكارة: ما أورده الحافظ إبراهيم الناجي في "عجالة الإملاء" (ص 85) من رواية عبد بن حميد - في مسند علي - من "مسنده": أخبرنا يزيد بن هارون: أخبرنا مسلم بن عبيد عن أبي عبد الله عن أبي جعفر مولى علي بن أبي طالب أن علياً قال في يوم: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة:

"سبحي حين تنامين ثلاثاً وثلاثين، واحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبري أربعاً وثلاثين، فهذه مئة، وهي ألف حسنة؛ من قالها كل ليلة حين ينام؛ فهي خير له من أن يعتق رقبة كل ليلة، وكل عرق في جسده يمحى به عنه سيئة، ويكتب له حسنة".

قال علي: فما تركتهن منذ سمعت فاطمة قالتها لي، ولا يوم صفين.

قال الحافظ الناجي:

"وهذا منكر إسناداً ومتناً، ولا أعرف أبا جعفر مولى علي، ولا أبا عبد الله الراوي عنه، إن لم يكونا مصحفين، والعلم عند الله".

حديث الكروبيين.

5322 - (ينزل أهل السماء الدنيا - وهم أكثر من أهل الأرض، ومن الجن والإنس -، فيقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، وسيأتي، ثم تشقق السماء الثانية ... (وساق الحديث إلى السماء

 

(11/511)

 

 

السابعة، قال:) فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، وسيأتي، ثم يأتي الرب تبارك وتعالى في الكروبيين، وهو أكثر من أهل السماوات والأرض) .

منكر موقوف

أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 43) - وهذا السياق له -، وابن جرير (19/ 5) ، والحاكم (4/ 569-570) من طريق علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: (يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً) ؛ قال: ... فذكره. وقال الحاكم:

"رواة هذا الحديث - عن آخرهم - محتج بهم؛ غير علي بن زيد بن جدعان القرشي، وهو - وإن كان موقوفاً على ابن عباس -؛ فإنه عجيب بمرة".

وأما الذهبي؛ فعلى خلاف عادته قال:

"قلت: إسناده قوي" (1) !

5323 - (إن الله تعالى لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد، فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر) .

منكر

أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق الوليد بن عبد الملك ابن عبيد الله بن مسرح: حدثنا سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه أبي مشجعة بن ربعي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:

ذكرنا [زيادة العمر] عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ... فذكره.

نقلته من "تفسير ابن كثير" (7/ 54) ، ووقع فيه أخطاء كثيرة في رجال

__________

(1) سكت الشيخ - رحمه الله - عن ذكر علته لظهورها، وهي ضعف ابن جدعان. (الناشر)

 

(11/512)

 

 

إسناده، صححتها من كتب الرجال (1) ، ويبدو لي أن في أول متنه سقطاً لعله قولهم:

قوله تعالى: (وما يعمر من معمر ... ) الآية، أو نحوه.

ثم تحققت من ذلك كما يأتي.

وسكت عن إسناده ابن كثير، وهو إسناد ضعيف مظلم مسلسل بالمجهولين:

1- أبو مشجعة هذا؛ لم يذكروا له راوياً غير ابن أخيه مسلمة بن عبد الله؛ وقال الحافظ:

"مقبول"؛ يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فهو لين الحديث.

2- مسلمة بن عبد الله الجهني؛ قال دحيم:

"لم يرو عنه أحد نعرفه غير الشعيثي". وقال الحافظ أيضاً:

"مقبول".

3- سليمان بن عطاء - وهو ابن قيس القرشي - متفق على تضعيفه، بل قال ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1/ 329) :

"روى عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي أشياء موضوعة لا تشبه حديث الثقات، فلست أدري؛ التخليط فيها منه أو من مسلمة ابن عبد الله؟! ".

__________

(1) ثم تأكدت من ذلك حينما وقفت على الحديث عن ابن حبان وغيره؛ كما سيأتي، ومنها استدركت الزيادة التي بين المعكوفتين.

 

(11/513)

 

 

وأما الوليد بن عبد الملك؛ فقال ابن أبي حاتم (4/ 2/ 10) عن أبيه:

"صدوق".

وذكر أنه روى عنه أبوه، وكذا أبو زرعة، ورواية هذا عنه توثيق منه له؛ كما هو معروف عنه.

فآفة الحديث ممن فوقه.

وقد أخرجه من طريقه أيضاً: ابن حبان، وابن عدي (ق 160/ 1) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 190/ 2 - مصورة الجامعة) ؛ وفي روايتهم ما أشرت إليه من السقط في "تفسير ابن كثير".

وهذا الحديث مما فات السيوطي؛ فلم يورده في "الجامع الكبير"، بل ولا في "الدرالمنثور" في تفسير الآية: (وما يعمر من معمر ... ) ! وإنما أورد فيها الحديث الآتي بعده، ولم يورده أيضاً في آخر سورة (المنافقون) في قوله تعالى: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) . وهو بها أليق وألصق، وهي بمعنى الطرف الأول من الحديث.

وأما سائره؛ فمنكر لا شاهد له، بل هو مخالف لبعض الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن هناك أسباباً شرعية لإطالة العمر؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي رواية: أجله) ؛ فليصل رحمه"؛ أخرجه الشيخان من حديث أنس، وله شواهد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (1486) . وكقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"حسن الخلق وحسن الجوار؛ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار". أخرجه

 

(11/514)

 

 

أحمد بسند صحيح؛ كما تراه مبيناً في "الصحيحة" (519) .

وقد يظن بعض الناس أن هذه الأحاديث تخالف الآية السابقة: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ... ) ، وغيرها من الآيات والأحاديث التي في معناها!

والحقيقة؛ أنه لا مخالفة؛ لأن الأحاديث المذكورة آنفاً إنما تتحدث عن مبدأ الأخذ بالأسباب، ولا تتحدث عما سبق في علم الله الأزلي من الآجال المحددة؛ فإن علم الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل؛ تماماً كما هو الشأن في الأعمال الصالحة والطالحة، والسعادة والشقاوة، فالآيات والأحاديث التي تأمر بالإيمان والعمل الصالح، وتنهى عن نقيضهما لا تكاد تحصى، وفي بعضها يقول الله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) ، وقد ذكر العلماء المحققون أن الباء في هذه الآية؛ إنما هي باء السببية، فذلك كله لا ينافي ما سبق في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة، بل إنما هما أمران متلازمان: السعادة مع العمل الصالح، والشقاوة مع العمل الطالح. وهذا صريح في قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "تخريج السنة" (175-176) .

فانظر كيف أن نهاية الأمر كان مقروناً بالعمل دخول الجنة والنار.

فكما أنه لا يقال: إن العمل ليس سبباً للدخول؛ فكذلك لا يقال: إن صلة الرحم وغيرها ليست سبباً لطول العمر بحجة أن العمر محدود؛ فإن الدخول أيضاً

 

(11/515)

 

 

محدود: (فريق في الجنة وفريق في السعير) .

وما أحسن وأجمل جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حدث أصحابه بقوله:

"ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة". فقالوا: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -:

"اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له: أما من كان من أهل السعادة؛ فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة؛ فييسر لعمل أهل الشقاوة". ثم قرأ: (فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى) ، إلى قوله: (فسنيسره للعسرى) . أخرجه الشيخان.

وجملة القول: أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سبباً، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيىء لدخول النار، فكذلك جعل بعض الأخلاق الصالحة سبباً لطول العمر. فكما أنه لا منافاة بين العمل وما كتب لصاحبه عند ربه؛ فكذلك لا منافاة بين الأخلاق الصالحة وما كتب لصاحبها عند ربه، بل كل ميسر لما خلق له.

وأنت إذا تأملت هذا؛ نجوت من الاضطراب الذي خاض فيه كثير من العلماء؛ مما لا يكاد الباحث يخلص منه بنتيجة ظاهرة سوى قيل وقال، والأمر واضح على ما شرحنا والحمد لله، وإن شئت أن تقف على كلماتهم في ذلك؛ فراجع "روح المعاني" للعلامة الآلوسي (7/ 169-170) .

5324 - (من قرأ: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ؛ عدلت بربع القرآن ... ) .

موضوع

رواه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 113 - الأثرية) من طريق

 

(11/516)

 

 

عمر بن رياح: سمعت يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وله عنده تتمة حذفتها؛ لثبوتها في أحاديث أخرى.

وهذا القدر منه موضوع؛ لتفرد عمر بن رياح به؛ قال البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 156/ 2009) :

"قال عمرو بن علي: هو دجال". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 86) :

"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب".

ويزيد الرقاشي ضعيف؛ كما تقدم مراراً.

5325 - (كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وأعرابي معه ابنة له حسناء، فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ رجاء أن يتزوجها. قال: فجعلت ألتفت إليها، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ برأسي فيلويه ... ) الحديث.

منكر بهذا السياق

أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (12/ 97/ 6731) من طريق قبيصة بن عقبة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ظاهرة الصحة، وقد جرى على ذلك الحافظ ابن حجر؛ فقال في "الفتح" (4/ 58 - بولاق) :

"رواه أبو يعلى بإسناد قوي"!

قلت: وهو في نقدي معلول، فعزمت على بيان ذلك؛ أداءً للأمانة العلمية،

 

(11/517)

 

 

ولكي لا يغتر به بعض الطلبة ممن لا معرفة عندهم بعلل الحديث، كما وقع ذلك لبعض الطلاب المعاصرين ممن كتب في حجاب المرأة، وللمعلق على "مسند أبي يعلى" (12/ 97) ! فأقول:

فيه ثلاث علل:

الأولى: أبو إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي -؛ فإنه مع كونه من رجال الشيخين؛ فإنه مدلس، وكان اختلط في آخره. قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "الفتح" (ص 431) :

"أحد الأعلام الأثبات قبل اختلاطه".

وقد أورده ابن الصلاح وغيره في جملة المختلطين، وحكمهم: الاحتجاج بهم بما حدثوا به قبل اختلاطهم، بخلاف ما حدثوا به بعد اختلاطهم؛ فلا يحتج به، ومثله ما لم يتبين أحدث به قبل الاختلاط أم بعده؟ كما هو الشأن في هذا الحديث؛ فإني لم أجد من صرح بأن ابنه يونس بن أبي إسحاق سمع منه قبل الاختلاط.

ثم هو - إلى ذلك - قد عنعنه.

الثانية: يونس بن أبي إسحاق، وإن كان قد احتج به مسلم؛ فلعل ذلك منه على سبيل الاختيار والانتقاء من حديثه؛ فقد قال الحافظ فيه في كتابه "تقريب التهذيب":

"صدوق يهم قليلاً".

قلت: وقد خالفه في متنه ابنه إسرائيل - كما يأتي -؛ وهو أوثق منه.

 

(11/518)

 

 

الثالثة: قبيصة بن عقبة؛ قال الحافظ:

"صدوق ربما خالف".

واعلم أنه مما لا يخفى علي - والحمد لله - أن مثل هذا الجرح والذي قبله مما لا يسقط صاحبه من مرتبة الاحتجاج بحديثه مطلقاً! كلا، ولكن قل من يعلم من المشتغلين بهذا العلم أن مثله مما يعرض صاحبه لنقد حديثه عند مخالفته لمن هو أوثق منه، فيصير بسبب ذلك حديثه شاذاً، أو منكراً.

وهذا هو الواقع في هذا الحديث؛ فقد جاء من طرق دون قوله:

(فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن يتزوجها) !

بل جاء كذلك من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به.

أخرجه أحمد (1/ 213) قال: حدثنا حجين بن المثنى وأبو أحمد (يعني: الزبيري) - المعنى - قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق به؛ دون الزيادة.

أما الطريق الثانية؛ فهي من رواية الحكم بن عتيبة عن ابن عباس به.

أخرجه أحمد أيضاً (1/ 113) ؛ ورجاله ثقات كالذي قبله.

قلت: فاتفاق هذه الطرق الثلاث على خلاف رواية يونس؛ لدليل واضح على شذوذ ما تفرد به دونهم، بل وعلى نكارته؛ فإنه يحتمل أن يكون ذلك من أبي إسحاق نفسه، حدث به في حالة اختلاطه؛ فذكرها تارة، فسمعها منه يونس،

 

(11/519)

 

 

ولم يذكرها تارة، فلم يذكرها إسرائيل في حديثه عنه؛ وهذا هو الصواب؛ لموافقته للطرق الأخرى.

ويؤيده: أن سليمان بن يسار رواه أيضاً عن ابن عباس مثله دون الزيادة؛ لكنه جعله من مسند ابن عباس، وذكر أن السائل إنما هي المرأة الخثعمية، وأنها هي التي كان ينظر الفضل إليها، وأنها قالت: يا رسول الله! إن فريضة الله الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً.. (1) .

فتأول الحافظ قولها: "أبي" بأنها لعلها أرادت به جدها؛ لأن أباها كان معها!

وهذا التأويل لو كان للتوفيق بين حديث "الصحيحين" من جهة وحديث الترجمة من جهة أخرى؛ لكان لا وجه له عندي؛ لم ذكرته من المخالفة فيها، ولك لما كانت الطرق الثلاث متفقة على أن أباها كان معها؛ كان لا بد من التأويل المذكور. والله أعلم.

ويؤيده أيضاً: أن الحديث قد جاء من حديث علي رضي الله عنه مطولاً، وفيه قصة الفضل مع الخثعمية، وليس فيها تلك الزيادة (2) ؛ فثبت أنها منكرة.

(تنبيه) : كان في آخر الحديث:

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة.

فحذفته مشيراً إلى ذلك بالنقط ( ... ) ، وبقولي: (الحديث) ؛ لأن هذا القدر منه صحيح، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" (رقم 1098) .

__________

(1) أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " جلباب المرأة المسلمة " (ص 61 / المعارف) (الناشر)

(2) أخرجه أحمد وغيره، وهو مخرج في المصدر السابق. (الناشر)

 

(11/520)

 

 

5326 - (زينوا أصواتكم بالقرآن) .

منكر مقلوب

تفرد بروايته - هكذا - الخطابي في "معالم السنن" (2/ 138) من طريق الدبري عن عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

قلت: وهو إسناد ضعيف، ومتن منكر مقلوب، ولولا أن الخطابي - عفا الله عنا وعنه - أورده مصححاً إياه، ومحتجاً به على أن اللفظ الذي في "سنن أبي داود" وغيره من طريق الأعمش عن طلحة بلفظ:

"زينوا القرآن بأصواتكم"، مقلوب عنده (1) ! لولا ذلك لما تكلفت مؤنة الرد عليه، وبيان خطأ ما ذهب إليه رواية ومعنى.

أما الرواية: فالرد عليه من وجوه:

الأول: أن الإسناد الذي ساقه لا تقوم به حجة؛ لأنه من رواية الدبري عن عبد الرزاق؛ فإن الدبري - مع أنه قد تكلم بعضهم فيه؛ فإنه - ممن سمع من عبد الرزاق بعد اختلاطه؛ قال ابن الصلاح:

"وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جداً، فأحلت أمرها على ذلك".

الثاني: أنه خالفه الإمام الحجة، الإمام أحمد - إسناداً ومتناً -؛ فقال في "مسنده" (4/ 296) : حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا سفيان عن منصور والأعمش عن طلحة بلفظ أبي داود.

__________

(1) وأقره على ذلك السندي في حاشيته على " السندي " (1 / 157) !

 

(11/521)

 

 

فهذا هو المحفوظ عن عبد الرزاق بهذا الإسناد الصحيح عن منصور.

وأحمد ممن سمع من عبد الرزاق قبل اختلاطه.

وقد تابعه عبيد الله بن موسى عن سفيان به.

أخرجه ابن حبان (660 - موارد) ، والدارمي (2/ 274) .

وقد تابع سفيان - وهو الثوري - إبراهيم بن طهمان عن منصور والحكم عن طلحة بن مصرف به.

أخرجه الحاكم (1/ 575) .

وعنده (1/ 571-572) طرق أخرى عن منصور وحده.

الثالث: أن منصوراً قد تابعه الأعمش والحكم كما رأيت.

وتابعهم شعبة عن طلحة به.

أخرجه الطيالسي (738) ، وأحمد (4/ 304) ، والحاكم (1/ 573) .

ولهم عنده متابعون آخرون كثيرون، وفيما ذكرنا كفاية.

الرابع: أن طلحة - وهو ابن مصرف - قد تابعه جماعة:

منهم زبيد بن الحارث عن عبد الرحمن بن عوسجة به.

أخرجه الحاكم (1/ 575) ، والخطيب (4/ 261) .

الخامس: أن عبد الرحمن بن عوسجة قد تابعه عن البراء: زاذان أبو عمر، وعدي بن ثابت، وأوس بن ضمعج.

 

(11/522)

 

 

أخرج أحاديثهم الحاكم باللفظ المحفوظ؛ إلا أن زاذان زاد فقال:

".. فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً".

وأخرجه الدارمي (2/ 274) أيضاً، وتمام في "الفوائد".

وسنده جيد؛ كما بينته في "صحيح أبي داود" (1320) وفي الكتاب الآخر (771) .

السادس: أن البراء تابعه جمع من الصحابة باللفظ المحفوظ، منهم: عائشة وأبو هريرة، وعبد الله بن مسعود، وقد خرجت أحاديثهم في "الصحيح" تحت الرقم المذكور آنفاً.

أقول: ففي هذه الطرق والمتابعات والشواهد دلالة قاطعة على أن حديث الترجمة منكر مقلوب؛ لمخالفة راويه هذه الروايات، والنكارة تثبت بأقل من ذلك؛ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف.

فإن قيل: لم يتفرد الدبري بالحديث؛ فقد قال الحاكم (1/ 572) : حدثنا عبد الله بن سعد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي: حدثنا عبد الرحمن بن بشر: حدثنا عبد الرزاق: أنبأ معمر والثوري عن الأعمش بإسناده المتقدم بلفظ:

"زينوا أصواتكم بالقرآن".

فأقول: رجال إسناده ثقات معروفون؛ غير عبد الله بن سعد؛ فإني لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر الآن، فإن كان ثقة كالذين فوقه؛ فيكون الوهم من عبد الرزاق نفسه؛ لاختلاطه كما تقدم، ولأننا لا ندري أسمع من عبد الرزاق قبل الاختلاط أم بعده؟ والثاني هو الأقرب؛ لأن عبد الرزاق مات سنة (211) ،

 

(11/523)

 

 

وابن بشر سنة (260) أو (262) ، فبين وفاتيهما قرابة خمسين سنة، ومعنى هذا أنه سمع منه في آخر حياته! والله أعلم.

وجملة القول: أن حديث الترجمة هو المقلوب يقيناً، وهو إما منكر أو شاذ في اصطلاحهم.

هذا من حيث الرواية.

وأما المعنى: فقال الخطابي - في الحديث المحفوظ: "زينوا القرآن بأصواتكم" -:

"معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن! من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على الحوض؛ أي: عرضت الحوض على الناقة. وكقولهم: إذا طلعت الشعرى واستوى العود على الحرباء؛ أي: استوى الحرباء على العود".

ثم روى بإسناده الصحيح عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث: "زينوا القرآن بأصواتكم". ثم قال:

"قلت: ورواه معمر عن منصور عن طلحة، فقدم الأصوات على القرآن، وهو الصحيح"، ثم ساق إسناده إلى الدبري بسنده المتقدم. ثم قال:

"والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآن، والهجوا بقراءته، واتخذوه شعاراً وزينة".

والجواب من وجوه:

أولاً: أن القلب المدعى خلاف الأصل؛ فالواجب التمسك بالأصل ما دام ممكناً، وهو كذلك هنا عند الجمهور؛ كما سيأتي.

ثانياً: ما رواه عن شعبة أن أيوب نهاه أن يحدث بحديث: "زينوا

 

(11/524)

 

 

القرآن ... "؛ ليس لأنه حديث مقلوب كما يدعي الخطابي، وإنما خشية أن يتأوله المبتدعة بما يخالفون به السنة؛ فقد رواه أبو عبيد القاسم بن سلام أيضاً بإسناده الصحيح عن شعبة به، وقال عقبه:

"وإنما كره أيوب - فيما نرى - أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدث به".

ذكره ابن كثير في "فضائل القرآن" (ص 56) ، ثم قال عقبه:

"قلت: ثم إن شعبة (1) رحمه الله روى الحديث متوكلاً على الله كما روي له، ولو ترك كل حديث يتأوله مبطل؛ لترك من السنة شيء كثير، بل قد تطرقوا إلى تأويل آيات كثيرة من القرآن، وحملوها على غير محاملها الشرعية المرادة، وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله".

ثالثاً: ما عزاه لغير واحد من أئمة الحديث من أن المعنى: "زينوا أصواتكم بالقرآن"! فهو - مع أنه لم يسنده إليهم، ولا سمى واحداً منهم -؛ فهو مردود بما في "غريب ابن الأثير"؛ فإنه ذكر هذا المعنى المقلوب (!) ولم يعزه لأحد، ثم أتبعه بقوله:

"وقيل: أراد بـ (القرآن) : القراءة، فهو مصدر (قرأ يقرأ قراءة وقرآناً) ؛ أي: زينوا قراءتكم القرآن بأصواتكم، ويشهد لصحة هذا - وأن القلب لا وجه له -: حديث أبي موسى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى قراءته فقال: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود"، فقال: لو علمت أنك تستمع؛ لحبرته لك تحبيراً (2) ؛ أي: حسنت قراءته وزينتها، ويؤيد ذلك - تأييداً لا شبهة فيه - حديث ابن عباس: أن

__________

(1) انظر تخريج روايته فيما تقدم (ص 520) . (الناشر)

(2) انظر " صفة الصلاة " (ص 130) . (الناشر)

 

(11/525)

 

 

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكل شيء حلية، وحلية القرآن حسن الصوت". والله أعلم".

قلت: حديث ابن عباس هذا ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة، كما تقدم بيانه برقم (4322) ، فالأولى الاستدلال بالزيادة المتقدمة في بعض طرق حديث البراء المحفوظ بلفظ:

"فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً".

ويشهد أيضاً لصحة ما تقدم حديث: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"؛ فإن المراد به وبأمثاله تحسين الصوت، وبذلك فسره جماعة من السلف؛ منهم ابن أبي مليكة، والراوي عنه بهذا الحديث - وهو عبد الجبار بن الورد -؛ فإنه قال عقب الحديث:

فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد! أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع.

أخرجه أبو داود، وهو في "صحيحه" برقم (1322،1323) . قال ابن كثير عقبه:

"فقد فهم من هذا أن السلف رضي الله عنهم إنما فهموا من التغني بالقرآن إنما هو تحسين الصوت به وتحزينه؛ كما قال الأئمة رحمهم الله".

ويشهد له أيضاً حديث أبي هريرة مرفوعاً:

"ما أذن الله بشيء ما أذن (وفي لفظ: كأذنه) لنبي [حسن الصوت (وفي لفظ: حسن الترنم) ] ، يتغنى بالقرآن [يجهر به] ".

 

(11/526)

 

 

قال الحافظ في "الفتح" بعد أن ذكر الخلاف في تفسير التغني لغة (9/ 63) :

"ظواهر الأخبار ترجح أن المراد: تحسين الصوت، ويؤيده قوله: "يجهر به"؛ فإنها إن كات مرفوعة قامت الحجة به، وإن كانت غير مرفوعة؛ فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره؛ لا سيما إذا كان فقيهاً. ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛ لأن للتطريب تأثيراً في رقة القلب، وإجراء الدمع، وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان، أما تحسين لصوت، وتقديم حسن الصوت على غيره؛ فلا نزاع في ذلك ... ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغير؛ قال النووي في "التبيان": أجمعوا على تحريمه. ولفظه: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن؛ ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفاً أو أخفاه؛ حرم".

ثم ذكر (9/ 80) أن ابن أبي داود أخرج من طريق ابن أبي مشجعة قال: كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت؛ لحسن صوته بين يدي القوم.

ومن طريق أبي عثمان النهدي قال: دخلت دار أبي موسى الأشعري، فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا ناي أحسن من صوته. وقال الحافظ:

"سنده صحيح؛ وهو في "الحلية" لأبي نعيم [1/ 258] .

و (الصنج) - بفتح المهملة وسكون النون بعدها جيم -: هو آلة تتخذ من نحاس، كالطبقين، يضرب أحدهما بالآخر.

و (البربط) - بالموحدتين بينهما راء ساكنة ثم طاء مهملة، بوزن جعفر -: هو آلة تشبه العود، فارسي معرب.

 

(11/527)

 

 

و (الناي) - بنون بغير همز -: هو المزمار".

وجملة القول: أن الخطابي أخطأ خطأ فاحشاً في تصحيحه لحديث الترجمة، وترجيحه إياه على اللفظ الصحيح المخالف له، مع كثرة طرقه وشواهده، وتفرد أحد الرواة برواية معارضه، كما أخطأ في ادعائه أن معنى الحديث على القلب، والكمال لله تعالى وحده.

فإن قيل: فإن لحديث الترجمة شاهداً من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ:

"زينوا أصواتكم بالقرآن ... "؛ مثل حديث الترجمة. وفي رواية:

"أحسنوا الأصوات بالقرآن".

أوردهما الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 170) ، وقال:

"رواه الطبراني بإسنادين، وفي إحدهما عبد الله بن خراش، وثقه ابن حبان وقال: "ربما أخطأ"، ووثقه البخاري وغيره، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!

فأقول: كلا الإسنادين ضعيف جداً؛ فلا يفرح بهما ولا يستشهد بهما مطلقاً؛ لشدة ضعف رواتهما؛ فكيف مع المخالفة لأحاديث الثقات، كما هو الشأن هنا؟! وإليك البيان:

أما الأول: فأخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 110/ 1) من طريق عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس ... باللفظ الأول.

وهذا إسناد ضعيف؛ آفته ابن خراش هذا؛ فإنه مجمع على تضعيفه. ولا ينافي ذلك أن ابن حبان أورده في "الثقات"، وذلك لأمرين:

 

(11/528)

 

 

الأول: ما عرف عند المحققين في هذا الفن أن ابن حبان متساهل في التوثيق، ولا سيما وقد قال فيه هو نفسه:

"ربما أخطأ".

والآخر: أنه معارض لكل من تكلم فيه، وكلهم جرحوه، والجرح مقدم على التعديل، لا سيما إذا كان من الأئمة المشهورين بالنقد والمعرفة بهذا العلم، كالإمام البخاري وغيره كما يأتي؛ بخاصة إذا كان المعدل متساهلاً كابن حبان، وإليك ما قالوا فيه:

1- الإمام البخاري: "منكر الحديث". قاله في "التاريخ الصغير" (ص 194) و "الكبير" (5/ 80) ، ونقله عنه جمع كما يأتي.

2- أبو حاتم الرازي: "منكر الحديث، ذاهب الحديث، ضعيف الحديث".

3- أبو زرعة: "ليس بشيء، ضعيف الحديث". رواه والذي قبله: ابن أبي حاتم (2/ 2/ 46) .

4- النسائي: "ليس بثقة"؛ قاله في كتابه "الضعفاء والمتروكون" (ص 18) .

5- قال الساجي: "ضعيف الحديث جداً، ليس بشيء، كان يضع الحديث".

6- وقال محمد بن عمار الموصلي: "كذاب". كما في "التهذيب" وغيره.

7- وأورده العقيلي في "الضعفاء" (201-202) ، وساق له أحاديث منكرة، وقال عقبها:

"كلها غير محفوظة، ولا يتابعه إلا من هو دونه أو مثله".

 

(11/529)

 

 

8- وقال الحافظ العسقلاني في "التقريب":

"ضعيف، وأطلق عليه ابن عمار الكذب".

قلت: فهذا يبين لك إجماع الأئمة الموثوق بنقدهم على تضعيفه، ولم ينقل الحافظ أو غيره توثيقه عن أحد من الحفاظ سوى ابن حبان، وقد عرفت الجواب عنه.

ولذلك؛ فإني أعتقد أن قول الهيثمي المتقدم فيه:

"ووثقه البخاري وغيره" وهم فاحش؛ لاسيما بالنسبة للبخاري؛ فإنه قد جرحه جرحاً شديداً كما يشعر بذلك قوله السابق: "منكر الحديث"، وقد ذكره في كتابيه المتقدمين، ورواه عنه العقيلي، وذكره الحافظ وغيره.

وأما الإسناد الآخر؛ فقال الطبراني (3/ 170/ 2) : حدثنا أبو يزيد القراطيسي: أخبرنا نعيم بن حماد: أخبرنا عبدة بن سليمان عن سعيد أبي سعد البقال عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس ... باللفظ الآخر.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالضعفاء والعلل:

الأولى: الانقطاع بين الضحاك وابن عباس؛ فإنه لم يثبت له سماع من أحد من الصحابة؛ كما في "التهذيب"، بل إنه لم يلق ابن عباس.

الثانية والثالثة: ضعف وتدليس سعيد - وهو ابن المرزبان البقال -؛ قال الحافظ:

"ضعيف مدلس".

الرابعة: نعيم بن حماد؛ تكلموا فيه، وقال الحافظ:

 

(11/530)

 

 

"صدوق يخطىء كثيراً".

لكن هذا لم يتفرد به؛ فقد تابعه أبو سعيد الأشج: حدثنا عبدة بن سليمان به، وتابع هذا: مرجى بن رجاء عن سعيد البقال به.

أخرجهما ابن عدي (ق 156/ 1) في ترجمة البقال، مشيراً إلى أنه هو علة الحديث.

5327 - (ليذكرن الله أقوام في الدنيا على الفرش الممهدة، يدخلهم الدرجات العلى) .

ضعيف

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2319 - موارد) ، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 309) من طريقين عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

وقال الهيثمي (10/ 78) :

"رواه أبو يعلى، وإسناده حسن"!

قلت: وهذا من تساهله؛ فإن دراجاً هذا ضعفه الجمهور، وله ما لا يتابع عليه. فقال أحمد:

"أحاديثه مناكير"، ولينه. وقال فضلك الرازي:

"ما هو بثقة ولا كرامة". وقال النسائي:

"منكر الحديث". و "ليس بالقوي". وقال أبو حاتم:

"ضعيف". وكذا قال الدارقطني. وقال مرة:

 

(11/531)

 

 

"متروك".

ووثقه ابن معين، وابن المديني. وقال أبو داود:

"مستقيم؛ إلا عن أبي الهيثم". وقد ساق له ابن عدي أحاديث، وقال:

"عامتها لا يتابع عليها". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق؛ في حديثه عن أبي الهيثم ضعف".

5328 - (إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في النهار؛ فارموه بالبعر) .

لا أصل له بهذا اللفظ

وقد أورده الشيرازي في "المهذب" (2/ 389) من حديث أبي هريرة مرفوعاً؛ وزاد عقبه:

"ويقول: إن صلاة النهار عجماء".

وهذا الطرف منه تعقبه النووي بأنه باطل، وقد سبق نص كلامه فيه حين أوردناه برقم (1014) .

وأما هذا الطرف الذي ذكرته هنا؛ فلم يتكلم عليه بشيء!

وقد روى معناه: ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 365) عن يحيى بن أبي كثير قال:

قالوا: يا رسول الله! إن ههنا قوماً يجهرون بالقراءة بالنهار؟ فقال:

"ارموهم بالبعر".

وهذا إسناد معضل؛ فإن يحيى بن أبي كثير يروي عن أبي هريرة وغيره

 

(11/532)

 

 

بالواسطة، فقد سقط من الإسناد رجلان.

وقد ذكر ابن أبي شيبة في الباب آثاراً كثيرة، ليس فيها شيء مرفوع، وأصحها وأصرحها: ما رواه بسند صحيح عن ابن عمر:

أنه رأى رجلاً يجهر بالقراءة نهاراً، فدعاه، فقال:

إن صلاة النهار لا يجهر فيها؛ فأسر قراءتك.

وهذا الأثر مما ينبغي الأخذ به؛ لمطابقته للسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث، تجد بعضه في "صفة الصلاة"؛ إلا ما استثني من الصلوات التي جهر فيها - صلى الله عليه وسلم -؛ كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الحديث المتقدم.

5329 - (يا جبريل! ما منعك أن لا (1) تأخذ بيدي؟ قال: إنك أخذت بيد يهودي؛ فكرهت أن تمس يدي يداً مستها يد كافر) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 158/ 1-2) من طريق عمر بن أبي عمر العبدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقبل جبريل عليه السلام، فناوله يده، فأبى أن يتناولها، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضأ، ثم ناوله يده، فتناولها، فقال: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لم يرو هذا الحديث عن هشام إلا عمر".

__________

(1) كذا الأصل! وفي " المجمع " (1 / 246) : " أن تأخذ " وكلاهما جائز؛ كما في قوله تعالى في (الأعراف) : " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ".

وفي (ص) : " ما منعك أن تسجد ". انظر " تفسير القرطبي "، و " ابن كثير ". (الناشر)

 

(11/533)

 

 

قلت: وهو عمر بن رياح العبدي أبو حفص البصري الضرير، وهو مجمع على ضعفه؛ كما قال الهيثمي، بل هو متهم؛ فقد قال ابن حبان:

"يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب". وقال عمرو بن علي الفلاس:

"كان دجالاً". وقال الساجي:

"يحدث ببواطيل ومناكير". وقال الذهبي في "الميزان" - بعد أن نقل قول الفلاس وغيره فيه -:

"وله خبر باطل ... "، ثم ساق هذا.

5330 - (أتؤمن بشجرة المسك وتجدها في كتابكم؟ قال: نعم. قال: فإن البول والجنابة عرق يسيل من ذوائبهم إلى أقدامهم كالمسك) .

موضوع بهذا اللفظ

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/ 200/ 5010) و "الأوسط" أيضاً (2/ 189/ 2) عن يحيى بن راشد: حدثنا عبد النور ابن عبد الله بن سنان عن هارون بن سعد عن ثمامة بن عقبة قال: سمعت زيد ابن أرقم قال:

كنت جالساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رجل من اليهود [يقال له: ثعلبة بن الحارث] : أتزعم أن في الجنة طعاماً وشراباً وأزواجاً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم". فقال اليهودي: إنا نجدها طيبة مطيبة؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. والزيادة لـ "الأوسط"، وقال:

"تفرد به عبد النور بن عبد الله".

 

(11/534)

 

 

قلت: وهو كذاب، وقد مضى له حديث آخر من موضوعاته برقم (1845) ، فراجعه.

والحديث؛ قد رواه الأعمش عن ثمامة بن عقبة به نحوه.

أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما.

وليس في هذه الرواية ذكر الذوائب، ولا اسم اليهودي، ولا قوله - صلى الله عليه وسلم - له: "أتؤمن ... "؛ فراجع - إن شئت - سياقها في "الترغيب" (4/ 258 - المنيرية) ، وهو في "صحيح الترغيب" برقم (3739) .

5331 - (ندمت أن لا أكون طلبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فيجعل الحسن والحسين مؤذنين) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 118/ 1) من طريق نهشل بن سعيد الترمذي عن الضحاك بن مزاحم عن الحارث الأعور عن علي قال: ... فذكره. وقال:

"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو ضعيف جداً، إن لم يكن موضوعاً؛ آفته نهشل هذا؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، وكذبه إسحاق بن راهويه".

والحارث الأعور ضعيف.

وبه وحده أعله الهيثمي (1/ 326) فقصر! ومن أجل ذلك خرجته.

 

(11/535)

 

 

5332 - (لا صلاة لمن لا تشهد له) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 118/ 1) بإسناد الحديث الذي قبله، وقال فيه ما قال في ذاك، وقد عرفت أنه ضعيف جداً، وأن الهيثمي تساهل فيه، وكذلك فعل في هذا.

لكنه قد روي من حديث ابن مسعود مرفوعاً بلفظ:

"تعلموا؛ فإنه لا صلاة إلا بتشهد".

أخرجه الطبراني أيضاً (2/ 149/ 865 - مجمع البحرين - ط) ، وكذا في "الكبير" (3/ 55/ 2) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 203/ 1) من طريق صغدي بن سنان عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، ويقول: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لم يروه عن أبي حمزة إلا صغدي".

قلت: وهو - كما قال ابن عدي -: "يتبين على حديثه الضعف".

لكنه قد توبع؛ فقال البزار في "مسنده" (ص 64 - زوائده) : حدثنا محمد ابن مرداس: حدثنا محبوب بن الحسن: حدثنا أبو حمزة به.

قلت: وهذه متابعة لا بأس بها؛ فإن محبوباً هذا: هو محمد بن الحسن بن هلال، مختلف فيه. وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق، فيه لين".

 

(11/536)

 

 

والراوي عنه: محمد بن مرداس - وهو الأنصاري البصري -؛ روى عنه جمع من الثقات والأئمة، منهم البخاري في "جزء القراءة"، وذكره ابن حبان في "الثقات". وأما أبو حاتم؛ فقال:

"مجهول"!

قلت: فالأولى إعلال الحديث بشيخ صغدي، وهو أبو حمزة - وهو ميمون القصاب الأعور الكوفي -؛ كما أشار عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (ق 55/ 2) ؛ وقال:

"وهو ضعيف عندهم". وقال في "زوائد البزار":

"أبو حمزة: هو ميمون الأعور، واه".

قلت: ولعل أصل الحديث موقوف على ابن مسعود، فرفعه هذا الأعور؛ لقلة ضبطه وسوء حفظه؛ فقد ذكره البيهقي (2/ 139) موقوفاً عليه، فقال:

"وروينا عن ابن مسعود: لا صلاة إلا بتشهد".

ولم أعرف الآن إسناده.

نعم؛ أخرج هو، وعبد الرزاق في "المصنف" (2/ 206/ 3080) ، والبخاري في "التاريخ" (3/ 131/ 443) عن حملة بن عبد الرحمن سمع عمر بن الخطاب قال: ... فذكره موقوفاً عليه.

لكن الحملة هذا؛ لم يذكر فيه البخاري - وكذا ابن أبي حاتم (1/ 2/ 316) - جرحاً ولا تعديلاً.

 

(11/537)

 

 

5333 - (الدنيا خضرة حلوة، من اكتسب فيها مالاً من حله، وأنفقه في حقه؛ أثابه الله عليه، وأورده جنته، ومن اكتسب فيها مالاً من غير حله، وأنفقه في غير حقه؛ أحله الله دار الهوان، ورب متخوض في مال الله ورسوله؛ له النار يوم القيامة، يقول الله: (كلما خبت زدناهم سعيراً)) (1) .

ضعيف

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 141/ 1) من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات؛ غير يحيى هذا؛ فإنه ضعيف؛ كما قال الحافظ في "التقريب".

وأشار المنذري في "الترغيب" (3/ 14-15) إلى تضعيف الحديث.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " مضى برقم (2534) ". (الناشر)

 

(11/538)

 

 

5334 - (إن رجلاً كان فيمن قبلكم حمل خمراً، ثم جعل في كل زق نصفاً ماءً، ثم باعه، فلما جمع الثمن؛ جاء ثعلب فأخذ الكيس، وصعد الدقل، فجعل يأخذ ديناراً فيرمي به في السفينة، ويأخذ ديناراً فيرمي به في الماء؛ حتى فرغ ما في الكيس) .

منكر بهذا اللفظ

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 110/ 2) و (4/ 333/ 5309 - ط) من طريق أحمد بن ملاعب بن حيان: حدثنا صالح بن إسحاق: حدثنا يحيى بن كثير الباهلي - قال صالح: وكان ثقة، وكان لا بأس به -: حدثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً به.

 

(11/538)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ صالح بن إسحاق هذا؛ الظاهر أنه العجلي البصري، روى عن عبد الوارث بن سعيد؛ قال الأزدي:

"متروك"؛ كما في "الميزان"؛ زاد الحافظ:

"وبقية كلامه: "يتكلمون فيه ... " وساق له حديثاً منكراً. وفي "الثقات" لابن حبان: "صالح بن إسحاق الجرمي؛ يروي عن يزيد بن زريع والبصريين. روى عنه أحمد بن حيان بن ملاعب" (!) . فالظاهر أنه هو".

قلت: وتوثيقه لشيخه يحيى بن كثير الباهلي مما لا يوثق به؛ لأمرين:

الأول: أنه - على ضعفه في نفسه - ليس معروفاً بنقد الرجال.

والآخر: أنه مخالف لجميع من تكلم فيه من الأئمة، كابن معين وأبي حاتم وغيرهم كثير؛ فقد أجمعوا على تضعيف يحيى هذا - وهو أبو النضر من أهل البصرة -، وتجد كلماتهم فيه في "التهذيب". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 130) :

"شيخ يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".

قلت: فكيف به إذا خالف؛ كما هو الشأن في هذا الحديث؟! فإنه قد صح من طريق أخرى عن أبي هريرة به نحوه لكن بلفظ:

"قرد" بدل: "ثعلب".

رواه أحمد والبيهقي وغيرهما، وهو مخرج عندي في "أحاديث بيوع الموسوعة".

وله طريق أخرى عن أبي هريرة باللفظ المحفوظ، وزاد في أوله:

 

(11/539)

 

 

"لا تشربوا اللبن بالماء".

أخرجه ابن عدي في ترجمة سليمان بن أرقم (ق 154/ 2) ، ومن طريقه البيهقي عن الحسن عن أبي هريرة.

وسليمان هذا ضعيف.

5335 - (أهل المدائن حبس في سبيل الله؛ فلا تحتكروا عليهم الطعام، ولا تغلوا عليهم الأسعار) .

منكر

أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/ 131/ 1) من طريق الوليد بن مسلم: حدثني أبو يزيد الدمشقي: حدثني شيخ كان يجلس في المقصورة قال: سمعت سليمان بن حبيب المحاربي يحدث عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ لجهالة الشيخ الذي لم يسم.

وكذلك الراوي عنه أبو يزيد الدمشقي؛ فإني لم أعرفه، بل إن ابن عساكر نفسه لم يعرفه؛ فإنه لم يترجم له بشيء مطلقاً؛ سوى أنه ساق له هذا الحديث!

والحديث؛ أورده المنذري في "الترغيب" (3/ 27) من حديث أبي أمامة بزيادة:

"فإن من احتكر عليهم طعاماً أربعين يوماً ثم تصدق به؛ لم تكن له كفارة". وقال:

"ذكره رزين أيضاً، ولم أجده، وفيه كارة ظاهرة".

فأقول: هذه الزيادة قد رويت من حديث معاذ وغيره بإسنادين، في كل واحد

 

(11/540)

 

 

منهما متهم بالكذب، وقد سبق تخريجهما برقم (858،859) ، فكأن رزيناً لفق من حديث معاذ هذا وحديث الترجمة حديثاً آخر، وعزاه لحديث أبي أمامة، وهذا ليس بجيد كما لا يخفى، وهو يفعل ذلك - مع الأسف - كثيراً، ومن ذلك الحديث الآتي بعده.

ثم رأيت الطبراني قد أخرج الحديث في "المعجم الكبير" (8/ 116/ 7487) من طريق حماد بن عبد الرحمن: حدثنا خالد بن الزبرقان عن سليمان بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي به.

وهذا إسناد ضعيف جداً:

1- حماد بن عبد الرحمن: هو الكلبي؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه:

"شيخ مجهول، منكر الحديث، ضعيف الحديث". وقال أبو زرعة:

"له أحاديث مناكير".

وبه أعله الهيثمي (4/ 81) . وقلده المعلقون الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب المنذري "الترغيب" (2/ 568) ! وخفيت عليهم جميعاً العلة التالية:

2- خالد بن الزبرقان؛ قال ابن أبي حاتم:

"سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث، وغيري يحكي عن أبي أنه قال: صالح الحديث".

وقد جاء الحديث مختصراً جداً من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن القاسم عن أبي أمامة قال:

نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحتكر الطعام.

 

(11/541)

 

 

أخرجه الروياني في "مسنده" (2/ 278/ 1199) ، والبيهقي في "الشعب" (7/ 524/ 11212) ، وأشار إليه في "السنن" (6/ 30) .

قلت: وهذا إسناد حسن، وفي القاسم كلام لا يضر، وهو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة، وقد ذكروا في ترجمته أنه يقال فيه: إنه كان مولى لجويرية بنت أبي سفيان، فورث بنو يزيد بن معاوية ولاءه، فلذلك يقال: مولى بني يزيد بن معاوية.

وقد وقع في "الشعب": ".. القاسم بن يزيد" كذا! فلعله قد سقط منه قوله: (مولى) بين القاسم ويزيد. والله أعلم.

5336 - (يحشر الحكارون وقتلة الأنفس إلى جهنم في درجة واحدة) .

ضعيف

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (ق 44/ 2) ، وابن عساكر في "التاريخ" (17/ 229/ 1) عن مهنى بن يحيى السامي: حدثنا بقية عن سعيد ابن عبد العزيز عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال ابن عدي:

"لا أعلم رواه عن سعيد بن عبد العزيز غير بقية، ولا عن بقية غير مهنى بن يحيى".

قلت: مهنى ثقة نبيل؛ كما قال الدارقطني.

وإنما العلة من شيخه بقية؛ فإنه كان مدلساً، وقد عنعنه؛ كما ترى.

على أن سعيد بن عبد العزيز - وإن كان ثقة جليلاً -؛ فقد اختلط آخر عمره، ولا أدري أسمع منه بقية قبل اختلاطه أم بعده؟

 

(11/542)

 

 

والحديث؛ أورده المنذري بزيادة:

"ومن دخل في شيء من سعر المسلمين يغليه عليهم؛ كان حقاً على الله أن يعذبه في معظم النار يوم القيامة". وقال:

"ذكره رزين أيضاً، وهو مما انفرد به مهنى بن يحيى عن بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي هريرة، وفي الحديث نكارة ظاهرة"!

هكذا أورده دون أن يعزوه لأحد من المخرجين وبالزيادة المذكورة، وهي في حديث آخر أيضاً عند أحمد وغيره عن معقل بن يسار، وهو في "الترغيب"؛ وأعله بالجهالة! وكذلك فعل الهيثمي (4/ 101) !

وإنما علته من الحسن البصري؛ فإنه لم يصرح بالتحديث، ولبيان ذلك خرجته فيما سيأتي رقم (6646) .

5337 - (أقل من الذنوب، يهن عليك الموت، وأقل من الدين؛ تعش حراً، [وانظر في أي نصاب تضع ولدك؛ فإن العرق دساس] (1)) .

ضعيف جداً

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (ق 298/ 1) - والزيادة له -، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 145/ 2) عن عبيد الله بن العباس ابن الربيع الحارثي - من أهل نجران اليمن -: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر مرفوعاً.

أورده ابن عدي في جملة ما أنكر على محمد بن عبد الرحمن هذا. وقال البيهقي:

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " تقدم برقم (2023) ". (الناشر)

 

(11/543)

 

 

"في إسناده ضعف"! وأشار المنذري (3/ 32) إلى ضعفه!

قلت: بل هو شر من ذلك؛ فإن ابن البيلماني متهم بالوضع، وقد مضى له بعض الأحاديث، فانظر مثلاً (54،820) .

5338 - (يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة؛ حتى يوقف بين يديه، فيقال: يا ابن آدم! فيما أخذت هذا الدين؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟! فيقول: يا رب! إنك تعلم أني أخذته؛ فلم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، ولم أضيع، ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله عز وجل: صدق عبدي: أنا أحق من قضى عنك اليوم. فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته) .

ضعيف

أخرجه الطيالسي في "مسنده" (1326) ، وعنه ابن عساكر (8/ 36) - عن صدقة بن موسى -، وأحمد (1/ 197-198) - عن عبد الصمد -، وهو والبزار (1332 - كشف الأستار) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 141) ، وابن عساكر أيضاً - عن يزيد بن هارون -، وأبو نعيم أيضاً من طريق الطبراني - عن مسلم بن إبراهيم - كلهم قالوا: عن صدقة بن موسى: حدثنا أبو عمران: حدثني قيس بن زيد عن قاضي المصرين [هو شريح، والمصران: البصرة والكوفة] عن عبد الرحمن بن أبي بكر مرفوعاً. وقال البزار:

"لا نعلمه عن عبد الرحمن مرفوعاً إلا بهذا الإسناد". وقال أبو نعيم:

"غريب من حديث شريح، تفرد به صدقة عن أبي عمران".

قلت: صدقة - وهو الدقيقي - فيه ضعف؛ كما يشعر بذلك قول الحافظ:

 

(11/544)

 

 

"صدوق له أوهام".

وبه أعله الهيثمي، فقال (4/ 133) :

"رواه أحمد، والبزار والطبراني في "الكبير"، وفيه صدقة الدقيقي، وثقه مسلم بن إبراهيم، وضعفه جماعة"!

قلت: وهذا يوهم أنه ليس فيه غيره ممن يعل به الحديث! وليس كذلك؛ فإن قيس بن زيد أورده الذهبي في "الميزان"، وقال:

"قال الأزدي: ضعيف".

وأقره هو والحافظ في "اللسان"؛ إلا أن هذا زاد فقال:

"روى عنه أبو عمران الجوني، وأورد له أبو نعيم في "الصحابة" حديثاً مرسلاً، وقال: هو مجهول، ولا تصح له صحبة ولا رؤية".

انظر "المعرفة" (2/ 149/ 2) .

قلت: وأما ابن حبان، فأورده في "الثقات" (3/ 220) على قاعدته في توثيق المجهولين، ولم يذكر عنه راوياً غير الجوني!

والظاهر أنه خفيت هذه العلة على المنذري أيضاً؛ فحسن إسناد الحديث، مع إيهام خلاف الواقع، فقال في "الترغيب" (3/ 36) :

"رواه أحمد، والبزار، والطبراني، وأبو نعيم، وأحد أسانيدهم حسن"!

أما الإيهام؛ فما أظنه يخفى على من تأمل هذا التخريج والتحقيق؛ فإنه أوهم أن للحديث أكثر من إسناد واحد! وليس كذلك؛ فإن مداره على الدقيقي بإسناده

 

(11/545)

 

 

عن قيس بن زيد. فتنبه!

ومن هذه الطريق: أخرجه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (117) .

5339 - (أشكر الناس لله عز وجل: أشكرهم للناس) .

ضعيف

وقد روي من حديث الأشعث بن قيس، وأسامة بن زيد، وعبد الله ابن مسعود.

1- أما حديث الأشعث؛ فيرويه عبد الله بن شريك العامري عن عبد الرحمن ابن عدي الكندي عنه.

أخرجه الطيالسي في "مسنده" (ص 141 برقم 1048) ، وأحمد (5/ 212) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (رقم 648) ، والطبري (مسند عمر - 73/ 120) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة عبد الرحمن بن عدي الكندي؛ قال الحافظ في "التقريب":

"مجهول".

قلت: وأما ابن حبان؛ فذكره على قاعدته في توثيق المجهولين في كتابه "الثقات" (3/ 160) ؛ إلا أنه وقع عنده: (ابن عثمان) مكان: (ابن عدي) ! وهو خطأ قديم؛ فإنه كذلك وقع في مخطوطة الظاهرية منه.

وأما قول المنذري في "الترغيب" (2/ 56) - والهيثمي في "المجمع" (8/ 180) -:

 

(11/546)

 

 

"رواه أحمد، ورجاله ثقات"!

فمن الظاهر أنهما اعتمدا في ذلك على توثيق ابن حبان المذكور، وقد عرفت ما فيه.

وأزيد على ما تقدم فأقول:

إنه مع جهالة الكندي الراوي عن الأشعث؛ فقد خالفه في متنه: أبو معشر زياد بن كليب؛ فقال: عن الأشعث به مرفوعاً بلفظ:

"لا يشكر الله من لا يشكر الناس".

أخرجه أحمد (5/ 211،212) بإسنادين صحيحين عنه - أعني: أبا معشراً -.

إلا أنه منقطع بينه وبين الأشعث؛ فإن بين وفاتيهما نحو ثمانين سنة.

لكن لهذا اللفظ شاهد قوي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كنت خرجته في "الصحيحة" برقم (416) ، فهو المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

2- وأما حديث أسامة؛ فيرويه عبد المنعم بن نعيم: حدثنا الجريري عن أبي عثمان النهدي عنه به.

أخرجه الطبراني في "الكبير" (425) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته ابن نعيم هذا؛ قال الحافظ:

"متروك". وهذا أصح وأدق من قول الهيثمي فيه:

"ضعيف"؛ فإنه ضعيف جداً؛ كما يدلك على ذلك قول الحافظ هذا، وهو تابع في ذلك للإمام الدارقطني. ونحوه قول النسائي:

 

(11/547)

 

 

"ليس بثقة". وأشد من ذلك قول الإمام البخاري:

"منكر الحديث".

وكذا قال أبو حاتم.

ومما ذكرنا؛ تعلم تساهل الذهبي في قوله في "المغني في الضعفاء والمتروكين":

"ضعفه الدارقطني وغيره"!

(تنبيه) : حديث أسامة هذا؛ عزاه السيوطي في "الجامع" للطبراني، والبيهقي في "شعب الإيمان"؛ فقال المناوي في شرحه:

"وفيه عندهما أبو نعيم؛ أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال: ضعفه الدارقطني وغيره. اهـ؛ وبه أعل الهيثمي خبر الطبراني"!

فقوله: "أبو نعيم" خطأ! والصواب: (ابن نعيم) ، أو (عبد المنعم بن نعيم) .

3- وأما حديث ابن مسعود؛ فعزاه السيوطي لابن عدي، ولم يتكلم المناوي عليه بشيء، ولا وقفت عليه الآن لننظر فيه، ثم قال المناوي:

"رمز المصنف لصحته، ولعله من الصحيح لغيره"!

قلت: بل هو ضعيف؛ والصحيح اللفظ الآخر كما تقدم بيانه.

5340 - (أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك - يعني: الجهاد -، وقليل منكن من يفعله) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (رقم 1474 - كشف الأستار عن زوائد البزار) من طريق مندل عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال:

 

(11/548)

 

 

جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال؛ فإن نصبوا (1) أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه، ورشدين حدث عنه جماعة"!

قلت: وما فائدة ذلك، وهو ممن أجمعوا على ضعفه؟! بل قال فيه البخاري في "التاريخ الصغير" (ص 163) :

"منكر الحديث". وحكاه عنه في "التهذيب". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 302) :

"كثير المناكير، يروي عن أبيه أشياء ليس تشبه حديث الأثبات عنه، كان الغالب عليه الوهم والخطأ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به".

ثم ساق له هذا الحديث من طريق جبارة بن مغلس: حدثنا مندل بن علي به أتم منه.

ولذلك؛ جزم الهيثمي في "المجمع" (4/ 305،306) بأنه ضعيف، وكذا الحافظ في "التقريب".

ومندل ضعيف أيضاً.

فاقتصار الهيثمي في إعلال الحديث عليه قصور، وبخاصة في الموضع الثاني

__________

(1) كذا الأصل! وفي " الترغيب " و " المجمع ": (يصيبوا) ؛ وهو الصواب؛ لمطابقته لرواية ابن حبان، ونحوها رواية الطبراني: " فإن أصابوا أثروا ".

 

(11/549)

 

 

المشار إليه؛ فإنه ذكره فيه من رواية الطبراني، وهذا قد أخرجه في "المعجم الكبير" (3/ 149/ 2-150/ 1) من طريق يحيى بن العلاء عن رشدين بن كريب به مطولاً مثل رواية ابن حبان.

ويحيى بن العلاء وضاع؛ كما تقدم غير مرة، فالسكوت عنه غير جيد.

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى عن ابن عباس، وشاهداً من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن.

أما الطريق؛ فيرويه هشام بن يوسف - وهو الصنعاني - عن القاسم بن فياض عن خلاد بن عبد الرحمن بن جبيرة (1) عن سعيد بن المسيب: سمع ابن عباس قال: ... فذكره مختصراً جداً، ولفظه:

قالت امرأة: يا رسول الله! ما جزاء غزو المرأة؟ قال:

"طاعة الزوج، واعتراف بحقه".

أخرجه الطبراني (3/ 93/ 2) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته القاسم بن فياض؛ لم تثبت عدالته. وقال ابن المديني:

"مجهول، ولم يرو عنه غير هشام".

وضعفه آخرون.

ووثقه أبو داود فقط.

__________

(1) بضم الجيم؛ كما في " التهذيب "، ووقع في الأصل: (حندة) !

 

(11/550)

 

 

وتناقض فيه ابن حبان، فذكره في "الثقات"! ثم ذكره في "الضعفاء" (2/ 213) ، وقال:

"كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلما كثر ذلك في روايته؛ بطل الاحتجاج بخبره"! ثم روى عن ابن معين أنه قال فيه:

"ليس بشيء".

وهذه الطريق مما فات الهيثمي؛ فلم يتعرض لها بذكر؛ مع أنها على شرطه!

وأما الشاهد؛ فيرويه العباس بن وليد بن مزيد قال: حدثنا أبو سعيد الساحلي - وهو عبد الله بن سعيد بن مسلم بن عبيد؛ وهو أبو نصيرة - عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت:

أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس مع أصحابه، فقلت: يا رسول الله! إني وافدة النساء إليك، إنه ليس من امرأة سمعت بمخرجي إليك إلا وهي على مثل رأيي، وإن الله تبارك وتعالى بعثك إلى الرجال والنساء؛ فآمنا بك وبالهدى الذي جئت به، وإن الله قد فضلكم علينا - معشر الرجال - بالجماعة والجمعة، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن أحدكم إذا خرج غازياً أو حاجاً أو معتمراً؛ حفظنا أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، وإنا - معشر النساء - مقصورات محصورات قواعد بيوتكم (أفما نشارككم في هذا الأجر) (1) ؟ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه بوجهه كله فقال:

__________

(1) هذه الجملة وقعت في الأصل في آخر كلام الصحابية، فنقلت إلى هنا استرشاداً بـ " أسد الغابة " وغيره. (الناشر)

 

(11/551)

 

 

"سمعتم بمثل مقالة هذه المرأة؟ "، قالوا: ما ظننا أن أحداً من النساء تهتدي إلى مثل ما اهتدت إليه هذه المرأة! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"اعلمي - وأعلمي من وراءك من النساء - أن حسن تبعل المرأة لزوجها، واتباعها موفقته ومرضاته؛ يعدل ذلك كله".

فانطلقت تهلل وتكبر وتحمد الله عز وجل استبشاراً.

أخرجه أسلم بن سهل الواسطي المعروف بـ (بحشل) في "تاريخ واسط" (ص 83-84) تحت باب "من روى عن أسماء بنت يزيد بن السكن" قال: حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: حدثنا العباس ...

قلت: ومن هذا الباب استشعرت بصواب ما سبق إلى وهلي أول ما اطلعت على إسناده، وهو أن فيه سقطاً بين أبي سعيد الساحلي وأسماء بنت يزيد، ذلك؛ لأنه لا يمكن للساحلي - وقد سمع منه العباس بن الوليد المتوفى سنة (269) - أن يكون روى عن أسماء هذه، فلا بد أن يكون بينه وبينها واسطة؛ إذا فرضنا سلامة الإسناد من الانقطاع، فتابعت البحث، فتأكدت من ذلك حين وجدت ابن الأثير في "أسد الغابة" قد أورد الحديث في ترجمة أسماء من رواية مسلم بن عبيد عنها، وهذا الرجل موجود في إسناد (بحشل) ، فغلب على ظني أن ما وقع في "تاريخه": " ... بن مسلم بن عبيد" خطأ مطبعي صوابه: " ... عن مسلم بن عبيد"، فيكون هو المعني بـ (الباب) .

ثم تيقنت ذلك بالرجوع إلى "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر، فبدأت بترجمة أبي سعيد الساحلي، فرأيته يقول فيها (19/ 33/ 2) ما لفظه:

"اسمه أخطل بن المؤمل، ويقال: عبد الله بن سعيد. تقدم ذكره في

 

(11/552)

 

 

حرف الألف".

ثم رجعت إلى هناك، وإذا به يقول (2/ 305/ 2) :

"أخطل بن المؤمل أبو سعيد الجبيلي، حدث عن مسلم بن عبيد، روى عنه العباس بن الوليد البيروتي".

ثم ساق الحديث بإسناده إلى محمد بن يعقوب: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد (الأصل: يزيد! وهو خطأ) : أخبرني أبو سعيد الساحلي - واسمه الأخطل بن المؤمل الجبيلي -: أخبرنا مسلم بن عبيد عن أسماء بنت يزيد الأنصارية - من بني عبد الأشهل -: أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث بطوله. ثم قال:

"قال ابن منده: رواه أبو حاتم الرازاي (1) عن العباس بن الوليد بن مزيد، وفرق ابن منده بين أسماء هذه وبين أسماء بنت يزيد بن السكن".

قلت: وخطؤوه في ذلك، كما بينه ابن الأثير، والحافظ في "الإصابة".

ورواية بحشل هذه صريحة في أنها ابنة يزيد بن السكن.

ثم قال ابن عساكر:

"غريب، لم نكتبه إلا من حديث العباس".

ثم رواه بإسناد آخر عن العباس به؛ إلا أنه قال: "حدثني أبو سعيد الأخطل ابن المؤمل الساحلي من أهل جبيل، وكان من أصحاب الحديث"!

__________

(1) يشير إلى رواية بحشل عنه، وقد أخرجه من طريقه أبو العباس بن أبي الغنائم في " الأربعين " (الحديث 34) . (الناشر)

 

(11/553)

 

 

ثم لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

قلت: فهو من المستورين.

فما ذكره أبو العباس بن أبي الغنائم عقب الحديث قال: قال عبد اللطيف بن يورنداز:

"هذا حديث حسن الإسناد"!

ينافيه استغراب ابن عساكر إياه، وهو الأقرب لحال الساحلي هذا.

ومن طريقه: رواه ابن عساكر أيضاً في مكان آخر من "التاريخ" (9/ 182/ 2) ، والحافظ ابن حجر في "المسلسلات" (ق 64/ 2-65/ 1) .

5341 - (إن المرأة إذا خرجت من بيتها؛ وزوجها كاره لذلك؛ لعنها كل ملك في السماء، وكل شيء مرت عليه - غير الجن والإنس - حتى ترجع) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 170/ 1-2 مجمع البحرين) من طريق سويد بن عبد العزيز عن محمد بن زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:

"لم يروه عن عمرو إلا محمد، تفرد به سويد".

قلت: وهو ضعيف جداً؛ قال أحمد:

"متروك الحديث". وقال ابن معين، والنسائي:

"ليس بثقة".

 

(11/554)

 

 

وضعفه غيرهم؛ منهم ابن حبان؛ إلا أنه اضطرب كلامه فيه، فضعفه جداً في أول ترجمته، ثم لينه في آخرها، فقال في "الضعفاء" (1/ 350-351) :

"كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، يجيء في أخباره من المقلوبات أشياء تتخايل إلى من سمعها أنها علمت عمداً". ثم قال:

"والذي عندي في سويد: تنكب ما خالف الثقات من حديثه، والاعتبار بما روى مما لم يخالف الأثبات، والاحتجاج بما وافق الثقات، وهو ممن أستخير الله فيه؛ لأنه يقرب من الثقات"!

وقد أشار الذهبي في "الميزان" إلى هذا التناقض؛ ورد تليينه إياه؛ فقال:

"وقد هرت (أي: طعن) ابن حبان سويداً، ثم آخر شيء قال: "وهو ممن أستخير الله فيه؛ لأنه يقرب من الثقات". قلت: لا، ولا كرامة، بل هو واه جداً".

ولخص الحافظ في "التهذيب" كلام ابن حبان بفقرتيه، فظهر فيه التناقض دون أن يشير أنه من ابن حبان، فقال:

"وضعفه ابن حبان جداً، وأورد له أحاديث مناكير، ثم قال: وهو ممن أستخير الله فيه؛ لأنه يقرب من الثقات"!

والحديث؛ قال الهيثمي (4/ 313) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو متروك، وقد وثقه دحيم وغيره، وبقية رجاله ثقات". وقال المنذري (3/ 79/ 35) :

 

(11/555)

 

 

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات؛ إلا سويد بن عبد العزيز".

وترجمه في آخر الكتاب بتضعيف الجمهور إياه وتوثيق (دحيم) ، ولم يقل: "وغيره"؛ فأصاب.

5342 - (من كفل يتيماً - له - ذو قرابة، أو لا قرابة له؛ فأنا وهو في الجنة كهاتين - وضم إصبعيه -، ومن سعى على ثلاث بنات؛ فهو في الجنة، وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائماً قائماً) .

ضعيف

أخرجه البزار في "مسنده" (1909،1912 - كشف الأستار) : حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي: حدثنا بيان بن حمران: حدثنا المفضل بن فضالة - أخو مبارك بن فضالة - عن ليث عن أبي رزين عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال:

"لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، والمفضل بصري مشهور، وهم إخوة ثلاثة"!

قلت: وهو إسناد ضعيف مظلم، مسلسل بالمجهولين والضعفاء، وإليك البيان:

1- إسحاق بن سليمان البغدادي؛ أورده الخطيب (6/ 365) من رواية البزار وحده عنه، وساق له حديثاً آخر من طريق البزار، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول العين.

2- بيان بن حمران؛ ذكره الخطيب أيضاً بحديث آخر، ثم روى (7/ 111) عن الدارقطني أنه قال:

"بيان بن حمران المدائني؛ روى عن مفضل بن فضالة البصري - أخي مبارك -، وعمر بن موسى الوجيهي. روى عنه ابنه محمد بن بيان، ورزق الله بن مهران،

 

(11/556)

 

 

وإسحاق بن إسماعيل السقطي"؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال.

3- المفضل بن فضالة؛ ضعفه ابن معين وجمع.

وشذ ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"! ولذلك؛ جزم الحافظ في "التقريب" بأنه ضعيف.

4- ليث - وهو ابن أبي سليم -؛ أجمعوا على تضعيفه أو كادوا. وقال الحافظ:

"صدوق، اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه، فترك".

وبه - فقط - أعل المنذري الحديث في "الترغيب" (3/ 84) ؛ فقصر!

وتبعه على ذلك - الهيثمي - كعادته؛ إلا أنه وصف ابن أبي سليم بما ليس فيه؛ فقال (8/ 157،162) :

"رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس"!

وأقره على ذلك الشيخ حبيب الأعظمي - كعادته - في تعليقه على "الكشف" (2/ 384،386) !

وقد رأيت الشيخ الهيثمي يكرر هذا الوصف كثيراً في "مجمعه"، وكنت أتعجب منه وأتساءل في نفسي: هل وجد الشيخ هذا الوصف منقولاً في بعض الكتب التي لم نطلع عليها، أم هو الوهم؟! وكان ذلك يمنعني من الجزم بوهمه، حتى رأيت الحافظ ابن حجر قد تعقبه في "زوائد البزار" - له -؛ فقد نقل فيه (ص 297) عنه أنه قال في حديث آخر في فضل التسبيح:

"وليث بن أبي سليم ثقة، ولكنه مدلس"! فتعقبه الحافظ فقال:

 

(11/557)

 

 

"قلت: ما علمت أحداً صرح بأنه ثقة، ولا من وصفه بالتدليس قبل الشيخ".

وراجع "مجمع الزوائد" (10/ 93-94) مع التعليق عليه؛ فإن المعلق غير كلام الهيثمي، فجعل مكان قوله "مدلس": "اختلط"، غير منتبه أن ذلك تكرر من الهيثمي، بحيث إن هذا التغيير لا يطابق المعهود منه! والله أعلم.

(تنبيه) : قوله: "ذو قرابة" كذا وقع في "كشف الأستار" في الموضعين منه؛ برفع "ذو"، وكذلك نقله المنذري ثم الهيثمي عن البزار.

وتوهم المعلق عليه - الشيخ الأعظمي - أن ذلك خطأ من حيث الإعراب، فجعله منصوباً: "ذا"!

والرفع له وجه معروف في اللغة؛ وذلك بتقدير: "هو ذو"، وما كان كذلك لم يجز تغييره، بل يثبت كما هو في الأصل، ثم يعلق عليه بما يراه المعلق صواباً أو خطأ، كما هو مبين في علم المصطلح.

ثم إن الطرف الأول من الحديث صحيح، جاء من طريق أخرى عن أبي هريرة، سبق تخريجه في "الصحيحة"، وله شاهد خرجته تحته، وآخر خرجته هناك برقم (800) .

هذا؛ ولليث فيه إسناد آخر، بلفظ آخر أشبه بالصواب؛ رواه عن محمد بن المنكدر عن أم ذرة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين - وجمع بي السبابة والوسطى -، والساعي على اليتيم والأرملة والمسكين؛ كالمجاهد في سبيل الله والصائم القائم لا يفتر".

 

(11/558)

 

 

أخرجه أبو يعلى (3/ 1191) ، والطبراني أيضاً في "الأوسط" - كما في "المجمع" (8/ 160) - وقال:

"وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات"!

كذا قال! وقد عرفت مما تقدم أن ليثاً ليس بمدلس، وإنما هو مختلط؛ إلا أن حديثه هذا له شاهد بالشطر الثاني من حديث أبي هريرة في "الصحيحين"، و "المسند" (2/ 361) ؛ لكن ليس فيه ذكر اليتيم، وصححه الترمذي (1/ 356) .

وأما الشطر الأول؛ فسبقت الإشارة إلى صحته وموضع تخريجه آنفاً.

5343 - (من كفل يتيماً له أو لغيره؛ وجبت له الجنة؛ إلا أن يكون عمل عملاً لا يغفر، ومن ذهبت كريمتاه؛ وجبت له الجنة؛ إلا أن يكون عمل عملاً لا يغفر) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 136/ 2) عن إسماعيل ابن عيسى العطار: أخبرنا داود بن الزبرقان عن أبي سفيان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً. وقال:

"أبو سفيان: هو - عندي - سعيد بن مسروق. والله أعلم".

قلت: يعني: والد سفيان الثوري، وهو ثقة من رجال الشيخين.

لكن الراوي عنه - داود بن الزبرقان - ضعيف جداً؛ قال الحافظ:

"متروك؛ كذبه الأزدي".

وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 162) :

 

(11/559)

 

 

"رواه الطبراني، وفيه داود بن الزبرقان، وهو متروك".

وتابعه على الشطر الأول منه: حنش عن عكرمة بلفظ:

"من قبض يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه؛ أدخله الله الجنة ألبتة؛ إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر له".

أخرجه الترمذي (1/ 349) ، والحارث بن أبي أسامة في "زوائده" (108/ 1) ، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (2/ 655/ 702) ، والطبراني في "الكبير" (3/ 125/ 2) . وقال الترمذي:

"حنش: هو حسين بن قيس؛ وهو أبو علي الرحبي، وهو ضعيف عند أهل الحديث".

قلت: وهو متروك؛ كما في "التقريب".

(تنبيه) : ذكر المنذري في "الترغيب" (3/ 230) هذا الحديث من رواية الترمذي وحده؛ وقال:

"وقال: حديث حسن صحيح"!

وهذا من أوهامه رحمه الله؛ فإنما قال الترمذي هذا التصحيح في حديث سهل بن سعد في فضل كافل اليتيم، وهو أول حديث في الباب عند المنذري؛ فاقتضى التنبيه.

ثم وجدت للحديث شاهداً، ولكنه واه؛ من رواية المسيب بن شريك قال:

__________

(1) للشيخ - رحمه الله - قول آخر على هذا الإسناد، في " الصحيحة " (2882) ، وفيه بحث في رجال إسناده يختلف عما هنا. فينظر. والقاسم الآتي له ترجمة في " ثقات ابن حبان " (9 / 18) و " تاريخ بغداد " (12 / 427) موثقاً. (الناشر)

 

(11/560)

 

 

حدثنا الهيثم بن سعيد قال: حدثنا عبد الله بن تميم بن طرفة عن أبيه عن عدي مرفوعاً؛ دون الاستثناء.

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/ 26/ 5477) ، وقال:

"لم يسند عبد الله بن تميم بن طرفة حديثاً غير هذا، ولا يروى هذا الحديث عن عدي بن حاتم إلا بهذا الإسناد، تفرد به القاسم بن سعيد بن المسيب بن شريك".

قلت: كذا وقع في الأصل هنا، وفي الإسناد أيضاً: "القاسم بن سعيد بن المسيب ... "؛ ولم أجد للقاسم هذا ترجمة! لكني رأيت الحافظ الهيثمي قال في "المجمع" - عقب الحديث (8/ 162) -:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه المسيب بن شريك، وهو متروك".

قلت: ففيه إشعار بأن نسختنا من "الأوسط" تحرف فيها: "عن المسيب.." إلى: "ابن المسيب".

والمسيب هذا؛ له ترجمة سيئة في "الميزان"، و "اللسان"؛ حتى قال فيه الفلاس:

"متروك الحديث، قد أجمع أهل العلم على ترك حديثه".

وعبد الله بن تميم؛ وكذا وقع أيضاً في الأصل:

"عبد الله" مكبراً! ووقع في الرواة عن تميم بن طرفة من "تهذيب المزي": "عبيد الله" مصغراً.

 

(11/561)

 

 

ولم أجد له ترجمة؛ لا مكبراً ولا مصغراً، ويبدو أنه مجهول قليل الرواية، ليس له إلا هذا الحديث كما تقدم عن الطبراني. وفي كلام المزي إشارة إلى ذلك، حيث قال - بعدما ذكر روايته عن أبيه تميم -:

"إن كان محفوظاً". والله أعلم.

5344 - (إن يوم الجمعة يوم عيد [وذكر] ، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، [ولكن اجعلوه يوم ذكر] ؛ إلا أن تصوموا قبله أو بعده) (1) .

منكر

أخرجه الطحاوي (1/ 339) ، وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم 2163،2166) ، والحاكم (1/ 437) ، وأحمد (2/ 303،532) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (8/ 406/ 2 - مخطوطة الظاهرية وص 429-430 - مطبوعة المجمع - حرف العين) من طرق عن معاوية بن صالح عن أبي بشر عن عامر بن لدين الأشعري أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد؛ إلا أن أبا بشر هذا لم أقف على اسمه، وليس ببيان بن بشر، وبجعفر بن أبي وحشية"! وتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: أبو بشر مجهول".

قلت: ولم يورده في "الميزان"، وهو من رجال "التهذيب"؛ خلافاً لما كنت أشرت إليه في "الإرواء" (4/ 117) ! وقال الحافظ في "التقريب":

"مقبول".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " أعيد تخريجه برقم (2624) "، وفي العزو خطأ، والصواب (2826) . (الناشر)

 

(11/562)

 

 

وذكر ابن عساكر - والزيادتان له - في ترجمة عامر أنه أبو بشر القنسريني! ثم أفرده بالترجمة في "الكنى"، فقال (ق 80/ 1 - مصورة باريس) :

"يقال: إنه من أهل قنسرين، حدث عن عامر بن لدين الأشعري، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز. روى عنه معاوية بن صالح الحمصي؛ وراشد بن سعد، وسعيد بن عبد العزيز. مات سنة ثلاثين ومئة في خلافة مروان بن محمد".

وإنما حكمت على الحديث بالنكارة؛ لأن ما فيه من النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم قد صح من طرق عن أبي هريرة، كنت أشرت إليها في تخريج حديثه هذا - الصحيح - في "إرواء الغليل" (رقم 959) ؛ وليس في شيء منها ما رواه أبو بشر هذا من العيد والذكر، أضف إلى ذلك جهالته. والله أعلم.

(تنبيه) : قد أخرج الحديث: البزار في "مسنده" (1069 - كشف الأستار) من طريق أسد بن موسى: حدثنا معاوية بن صالح به؛ إلا أنه قال: عن عامر بن لدي الأشعري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

فأسقط منه أبا هريرة، فصار السماع لابن لدين منه - صلى الله عليه وسلم -!

وقد جزم الحافظ وغيره بأنه خطأ، وأن الصواب رواية الجماعة، وأنه من مسند أبي هريرة.

وأنا أظن أن الخطأ من أسد بن موسى؛ لأنه خالف الجماعة، ولأن فيه بعض الكلام؛ كما تراه في "التهذيب". وقال الحافظ في "التقريب":

"صدوق يغرب؛ وفيه نصب".

 

(11/563)

 

 

ولم يتنبه لهذا: البزار، ولا المنذري، ولا الهيثمي وغيرهم! فقال البزار عقبه:

"لا نعلم أسند عامر بن لدين إلا هذا"!

وانطلى الأمر على المعلق عليه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، فنقل عن الهيثمي قوله في "مجمع الزوائد" (3/ 199) :

"رواه البزار، وإسناده حسن"!

وسكت عليه كما هو شأنه في كل ما ينقله عنه في تعليقه على هذا الكتاب!

والهيثمي قلد في ذلك الحافظ المنذري في "الترغيب" (2/ 87) ، وهكذا يتتابع الناس في الخطأ.

وزاد في ذلك المنذري؛ فإنه أورده من رواية ابن خزيمة المتقدمة عقب حديث أبي هريرة الصحيح المشار إليه آنفاً، فأوهم صحتها، ثم بعد حديثين ساقه من رواية ابن لدين المسندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال:

"رواه البزار بإسناد حسن"!

فأوهم أنها رواية أخرى غير رواية ابن خزيمة، وأنها تزداد بها قوة على قوة! وهما في الحقيقة رواية واحدة وضعيفة من أصلها كما سلف بيانه. والله المستعان.

وقد تعقبه الحافظ إبراهيم الناجي في "عجالة الإملاء" بما ذكرنا من السقط.

وقد نقلت كلامه في تعليقي على "ضعيف الترغيب" (637) ؛ وهو تحت الطبع مع مقابله: "صحيح الترغيب" يسر الله تمام طبعهما (1) .

__________

(1) وقد طبعا - ولله الحمد والمنة - بعد وفاة الشيخ - رحمه الله - بقليل. (الناشر)

 

(11/564)

 

 

ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى عن أبي هريرة دون جملة الذكر، فتأكدت من نكارتها؛ يرويه عبد الملك بن عمير عن رجل من بني الحارث بن كعب - يقال له: أبو الأوبر - قال:

كنت قاعداً عند أبي هريرة؛ إذ جاءه رجل فقال: إنك نهيت الناس عن الصيام يوم الجمعة؟ قال: ما نهيت الناس أن يصوموا يوم الجمعة، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"لا تصوموا يوم الجمعة؛ فإنه يوم عيد؛ إلا أن تصلوه بأيام".

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (3601 - الإحسان) من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير به.

وهذا إسناد ظاهره الصحة، لكن جرير - وهو ابن عبد الحميد - تكلم في حفظه في آخر عمره.

وقد خالفه شعبة؛ فقال الطيالسي في "مسنده" (2595) : حدثنا شعبة عن عبد الملك به؛ إلا أنه لم يذكر:

"فإنه يوم عيد".

وكذلك أخرجه أحمد (2/ 458) : حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة به.

وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 339) من طريق أخرى عن شعبة به.

وتابعه شريك - وهو ابن عبد الله -: عند الطحاوي، وأحمد (2/ 526) .

وأبو عوانة: عند أحمد (2/ 422) .

 

(11/565)

 

 

قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات الثلاثة - على مخالفة جرير في هذه الزيادة - دليل واضح على أنها غير محفوظة؛ فهي شاذة. ويؤكد ذلك عدم ورودها في الطرق التي سبقت الإشارة إليها آنفاً عن أبي هريرة.

5345 - (من مشى في حاجة أخيه؛ كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله؛ جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد ما بين الخافقين) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 191/ 1 - مصورة الجامعة الإسلامية، ورقم 7462 - نسختي وترقيمي) ، والبيهقي في "الشعب" (3/ 424/ 3965) من طريق أحمد بن خالد الخلال: أخبرنا الحسن بن بشر قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 89-90) ، والخطيب في "التاريخ" (4/ 126-127) ، وقال:

"غريب؛ لا أعلم رواه عن عطاء غير ابن أبي رواد"!

قلت: وهذا يشعر بأن من دونه قد توبع! وليس كذلك كما يفيده قول الطبراني عقبه:

"لم يرو هذا الحديث عن عبد العزيز بن أبي رواد إلا بشر بن سلم البجلي، تفرد به ابنه".

قلت: ابنه - الحسن بن بشر - من شيوخ البخاري، وقد تكلم في حفظه؛ قال الحافظ في "التقريب":

 

(11/566)

 

 

"صدوق يخطىء".

لكن العلة من أبيه بشر؛ فقد قال فيه ابن أبي حاتم (1/ 1/ 358) عن أبيه:

"منكر الحديث".

وأقره الحافظ في "اللسان".

قلت: ومما يدل على ذلك: ما عند أبي نعيم والخطيب في أول هذا الحديث بلفظ:

عن ابن عباس أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه رجل، فسلم عليه، ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان! أراك مكتئباً حزيناً. قال: نعم؛ يا ابن عم رسول الله! لفلان علي حق ولاء، وحرمة صحب هذا القبر؛ ما أقدر عليه! قال ابن عباس: أفلا أكلمه [لك] ؟ قال: إن أحببت! فانتعل ابن عباس، ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ قال: لا، ولكني سمعت صاحب هذا القبر - والعهد به قريب؛ فدمعت عيناه - وهو يقول: ... فذكره.

وبهذا اللفظ والتمام: أورده المنذري في "الترغيب" (2/ 99) من رواية البيهقي.

وموضع النكارة فيه؛ قول الرجل:

وحرمة صاحب هذا القبر! فإن فيه الحلف بغير الله عز وجل، وهو شرك؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة.

 

(11/567)

 

 

ولئن جوزنا خفاء ذلك على الرجل؛ فليس بجائز أن يخفى على ابن عباس، وإذا كان كذلك؛ فكيف يعقل أن يسكت ابن عباس عن هذا المنكر ولا ينهاه عنه؟!

نعم؛ قد روي الحديث من طريق أخرى عن عبد العزيز بن أبي رواد، بلفظ آخر يختلف عن لفظ بشر بن مسلم؛ فقد رواه الوليد بن صالح عن أبي محمد الخراساني عن عبد العزيز بن أبي رواد؛ بلفظ:

"من مشى مع أخيه في حاجة فناصحه في الله؛ جعل الله بينه وبين النار يوم القيامة سبعة خنادق، [بين الخندق] والخندق كما بين السماء والأرض".

أخرجه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" (ص 79-80 - مجموعة الرسائل) - والزيادة له -، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 200) - والسياق له -، وقال:

"غريب من حديث عبد العزيز، لم نكتبه إلا من حديث الوليد بن صالح".

قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين.

لكن شيخه - أبو محمد الخراساني - ليس كذلك؛ فقد قال فيه ابن حجر في (كنى) "اللسان" - تبعاً لابن أبي حاتم عن أبيه -:

"مجهول".

فهو علة هذا اللفظ.

وقد روي بلفظ ثالث من طريق أخرى عن ابن عباس في حديث طويل فيه:

".. ولأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته؛ أفضل من أن يعتكف في

 

(11/568)

 

 

مسجدي هذا شهرين"؛ وأشار بإصبعيه.

أخرجه الحاكم (4/ 269-270) عن محمد بن معاوية: حدثنا مصادف بن زياد المديني - قال: وأثنى عليه خيراً - عن محمد بن كعب القرظي قال: قال ابن عباس ...

ثم ساقه من طريق أبي المقدام هشام بن زياد: حدثنا محمد بن كعب القرظي به نحوه. ثم قال الحاكم:

"قد اتفق هشام بن زياد النصري، ومصادف بن زياد المديني على روايته عن محمد بن كعب القرظي. والله أعلم"!

فتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: هشام متروك، ومحمد بن معاوية كذبه الدارقطني، فبطل الحديث".

قلت: وهذه الطريق مع أنها أضعف الطرق؛ فإن لفظه له شاهد نحوه من حديث ابن عمر؛ خرجته في "الصحيحة" (906) .

وجملة القول: أن الحديث ضعيف؛ لضعف في بعض رواته، وجهالة في غيرهم، واضطرابهم في متنه، والنكارة التي فيه.

وقد ضعفه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/ 185) .

وخالفه تلميذه الهيثمي، فقال (8/ 192) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده جيد"!

وكأنه لم يستحضر حال بشر بن سلم، وإلا؛ لما جاز له أن يجود إسناده. والله أعلم.

 

(11/569)

 

 

5346 - (دخلت الجنة؛ فسمعت فيها خشفة بين يدي، فقلت: ما هذا؟ قال: بلال. قال: فمضيت؛ فإذا أكثر أهل الجة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين، ولم أر أحداً أقل من الأغنياء والنساء. قيل لي: أما الأغنياء؛ فهم ههنا بالباب يحاسبون ويمحصون. وأما النساء؛ فألهاهن الأحمران: الذهب والحرير. قال: ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثمانية، فلما كنت عند الباب؛ أتيت بكفة فوضعت فيها، ووضعت أمتي في كفة؛ فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر رضي الله عنه، فوضع في كفة، وجيء بجميع أمتي في كفة فوضعوا، فرجح أبو بكر رضي الله عنه، وجيء بعمر فوضع في كفة، وجيء بجميع أمتي فوضعوا؛ فرجح عمر رضي الله عنه. وعرضت أمتي رجلاً رجلاً، فجعلوا يمرون، فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف، ثم جاء بعد الإياس، فقلت: عبد الرحمن! فقال: بأبي وأمي يا رسول الله! والذي بعثك بالحق! ما خلصت إليك حتى ظنت أني لا أنظر إليك أبداً إلا بعد المشيبات! قال: وما ذاك؟ قال: من كثرة مالي؛ أحاسب وأمحص) .

منكر جداً

أخرجه أحمد (5/ 259) : حدثنا الهذيل بن ميمون الكوفي الجعفي - كان يجلس في مسجد المدينة، يعني: مدينة أبي جعفر، قال عبد الله: هذا شيخ قديم كوفي - عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بمن ليس بثقة؛ سوى القاسم - وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي -؛ فقد وثق. وغلا فيه ابن حبان - فقال (2/ 212) :

 

(11/570)

 

 

"كان ممن يروي عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعضلات، ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبات؛ حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها"!!

ووثقه غيره. وذكر البخاري أن ما ينكر من حديثه؛ إنما هو من الرواة الضعفاء عنه.

والمتقرر فيه: أنه حسن الحديث؛ فالعلة هنا ممن دونه:

أولاً: علي بن يزيد - وهو الألهاني - ضعيف.

ثانياً: عبيد الله بن زحر مثله في الضعف، أو ذاك شر منه، وقال ابن حبان فيه (2/ 62) :

"منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن؛ لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم، فلا يحل الاحتجاج بهذه الصحيفة، بل التنكب عن رواية عبيد الله بن زحر على الأحوال أولى".

ثالثاً: مطرح بن يزيد ضعيف اتفاقاً.

رابعاً: الهذيل بن ميمون الكوفي غير معروف فيما يبدو إلا في هذه الرواية؛ فإن الحافظ لما أورده في "التعجيل"؛ لم يزد في ترجمته على قول عبد الله بن أحمد المذكور في الإسناد، ولعله الذي في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 113) :

"هذيل بن ميمون. روى عن الأحوص بن حكيم. روى عنه يحيى بن أيوب البغدادي المعروف بـ (الزاهد) . سألت أبي عنه؟ فقال: لا أعرفه، لا أعلمه روى

 

(11/571)

 

 

عنه غير يحيى بن أيوب الزاهد".

قلت: وهو المقابري؛ وهو من شيوخ أحمد، وبين وفاتيهما سبع سنوات، فلا أستبعد أن يكون هذا الذي سمع منه يحيى: هو الكوفي الذي سمع منه الإمام أحمد، فيكون مجهول الحال. والله أعلم.

والحديث؛ قال الهيثمي (9/ 59) :

"رواه أحمد؛ والطبراني بنحوه باختصار، وفيهما مطرح بن يزيد، وعلي بن يزيد الألهاني، وكلاهما مجمع على ضعفه. ومما يدلك على ضعف هذا أن عبد الرحمن بن عوف أحد أصحاب بدر، والحديبية، وأحد العشرة، وهو أفضل الصحابة والحمد لله".

ولم يستحضر المنذري أن الحديث في "المسند"، و"الطبراني"! فقد ذكر طرفه الأول في كتاب "اللباس" من "الترغيب والترهيب" (3/ 105) ؛ ثم قال:

"رواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه"!

قلت: وصدره بلفظة: (عن) ؛ فلم يصب؛ لما فيه من إيهام قوته؛ كما بينته في مقدمة "صحيح الترغيب" و "ضعيف الترغيب"!!

5347 - (ما أنعم الله على عبد نعمة، فعلم أنها من عند الله؛ إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها. وما أذنب عبد ذنباً، فندم عليه؛ إلا كتب الله له مغفرة قبل أن يستغفره. وما اشترى عبد ثوباً بدينار

 

(11/572)

 

 

أو نصف دينار، فلبسه، فحمد الله عليه؛ إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له) .

ضعيف جداً

أخرجه الحاكم (1/ 514) من طريق محمد بن جامع العطار: حدثنا السكن بن أبي السكن البرجمي: حدثنا الوليد بن أبي هشام عن القاسم ابن محمد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

"هذا حديث لا أعلم في إسناده أحداً ذكر بجرح"!

كذا قال! وقد ردوه عليه تلويحاً وتصريحاً:

فقال المنذري في "الترغيب" (3/ 101) :

"رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم، والبيهقي. وقال الحاكم: "رواته؛ لا أعلم فيهم مجروحاً"! كذا قال". وقال الذهبي في "تلخيص المستدرك":

"قلت: بلى؛ قال ابن عدي: محمد بن جامع العطار لا يتابع على أحاديثه".

قلت: وقد اتفقوا على تضعيفه، بل قال ابن عبد البر:

"متروك الحديث".

ونحوه قول أبي زرعة؛ فقال ابن أبي حاتم (3/ 2/ 223) :

"سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: ليس بصدوق، ما حدثت عنه شيئاً، ولم يقرأ علينا حديثه".

وشذ ابن حبان؛ فذكره في "الثقات"!

 

(11/573)

 

 

قلت: والوليد بن أبي هشام؛ قال الحافظ:

"مستور".

لكنه عند ابن أبي الدنيا في "الشكر" (ص 12) ، وكذا البيهقي في "الشعب" (4/ 92/ 4379-4380) من طريق هشام بن زياد عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد به.

بيد أن هشاماً هذا - وهو أبو المقدام - متروك؛ كما هو في "التقريب".

5348 - (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى الله عز وجل، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد) (1) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/ 317/ 6154) من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون عن الأعمش عن أبي العلاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: جهالة أبي العلاء هذا؛ قال الذهبي في ترجمة ابن أبي الجون:

"لا أعرفه".

وأشار إلى ذلك الحافظ في ترجمته من (كنى) "اللسان".

والأخرى: ابن أبي الجون هذا، وهو مختلف فيه؛ كما تراه في "التهذيب"،

و

__________

(1) الحديث ثابت سوى الجملة الأخيرة؛ كما حققه في " الإرواء " (452) . (الناشر)

 

(11/574)

 

 

"مجمع الزوائد" (2/ 251) .

وأشار إلى ذلك المنذري في "الترغيب" (1/ 216) ، وأكد ذلك بقوله في ترجمته في آخر كتابه:

"صويلح".

وفاته - هو والهيثمي - العلة الأولى، وإعلاله به أولى.

والحديث؛ أخرجه ابن عدي وابن عساكر؛ كما في "الإرواء"، فراجعه.

وقد جاء من طريق أخرى دون قوله:

"ومطردة للداء عن الجسد".

وهو أقوى من هذا، وله بعض الشواهد مذكورة هناك.

5349 - (من قال إذا أصبح وإذا أمسى: اللهم! أنت خلقتني، وأنت تهديني، وأنت تطعمني وتسقيني، وأنت تميتني وأنت تحييني؛ لم يسأل إلا أعطاه الله إياه) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم 1003 - نسختي) : حدثنا أحمد قال: أخبرنا عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم قال: أخبرنا محمد بن حمران قال: أخبرنا أبو روح عن الحسن قال: قال سمرة بن جندب:

ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مراراً، ومن أبي بكر مراراً، ومن عمر مراراً؟! قلت: بلى. قال: ... فذكره. قال:

فلقيت عبد الله بن سلام، فقلت: ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله

 

(11/575)

 

 

- صلى الله عليه وسلم - مراراً، ومن أبي بكر مراراً، ومن عمر مراراً؟! قال: بلى. فحدثته بهذا الحديث، فقال: بأبي وأمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! هؤلاء الكلمات كان الله عز وجل أعطاهن موسى عليه السلام، فكان يدعو بهن في كل يوم سبع مرات، فلا يسأل الله عز وجل شيئاً إلا أعطاه إياه.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات.

وأبو روح؛ الظاهر أنه سلام بن مسكين البصري؛ فإنهم ذكروه في الرواة عن الحسن البصري.

وأما أحمد - شيخ الطبراني -؛ فالظاهر أنه الذي قبله بأحاديث، ابتداءً من الحديث (978) ؛ فإنه قال فيه: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن صباح الأيلي بمصر ... ثم ساق له أحاديث كثيرة يقول في أول كل واحد منها: "حدثنا أحمد ... " لا ينسبه، وكذلك يفعل في شيوخه الآخرين، ينسبه في حديثه الأول، ثم يقتصر على اسمه فقط دون أبيه في سائر أحاديثه اختصاراً.

و (الأيلي) مهملة في الأصل، فإن كان الباء الموحدة (الأبلي) فهو بضمها وتشديد اللام؛ ونسبة إلى (أبلة) : بلدة قديمة على أربعة فراسخ من البصرة، وهي اليوم من البصرة، قاله ابن الجزري في "اللباب"، وإن كان بالمثناة من تحت: (الأيلي) ؛ فهو بفتح الألف وسكون المثناة؛ نسبة إلى (أيلة) : بلدة على ساحل بحر القلزم (الأحمر) مما يلي ديار مصر؛ ولعلها المعروفة اليوم بـ (إيلات) ، التي احتلها اليهود من خليج العقبة.

وسواءً كان هذا أو ذاك؛ فإني لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال!

ومن شيوخ الطبراني في "المعجم الصغير": أحمد بن محمد بن الصباح

 

(11/576)

 

 

أبو عبد الله البصري، روى له بإسناده حديثاً آخر عن النعمان بن بشير مرفوعاً:

"إن الله كتب كتاباً؛ فهو عنده على العرش.." الحديث (رقم 886 - الروض النضير) ، فيحتمل أن يكون هو هذا، ولكني لم أجده أيضاً، فإن ثبت أنه ثقة ضابط؛ فالحديث ثابت، وإلا؛ فلا، وأما قول المنذري في "الترغيب" (1/ 232) - وتبعه الهيثمي - كعادته - في "المجمع" (10/ 118) -:

"رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن"!

فالظاهر أنه قائم على إغماض النظر عن شيخ الطبراني، وهو أمر نعرفه عن الهيثمي، وقد رأيته صرح في بعض المواطن - ولا يحضرني الآن مكانه (1) - أن شيوخ الطبراني الذين لم يوردهم الذهبي في "الميزان" على الستر أو العدالة، أو كما قال!

وهذا مذهب فيه تساهل كبير، كما لا يخفى على من تشبع بأقوال أهل هذا العلم ونقاده.

ثم استدركت فقلت: الحسن: هو البصري كما تقدم؛ وهو مدلس، ولم يصرح بالتحديث!

5350 - (إذا طلعت الشمس من مطلعها كهيأتها لصلاة العصر حين تغرب من مغربها؛ فصلى رجل ركعتين وأربع سجدات؛ كتب له أجر ذلك اليوم - وحسبته قال -؛ وكفر عنه خطيئته وإثمه - وأحسبه قال -، فإن مات من يومه دخل الجنة) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 226/ 7790) من

__________

(1) هو في مقدمة " المجمع ". (الناشر)

 

(11/577)

 

 

طريقين عن ميمون بن زيد عن ليث بن أبي سليم عن ثابت بن عجلان عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:

الأولى: ضعف ليث واختلاطه؛ كما تقدم مراراً.

والأخرى: ميمون بن زيد؛ أورده الذهبي في "ديوان الضعفاء"، وقال:

"قال الأزدي: فيه ضعف". وأما في "الميزان" و "المغني"؛ فقال:

"لينه أبو حاتم".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 226) - بعد أن عزاه لـ "المعجم" -:

"وفيه ميمون بن زيد؛ قال الذهبي: "لينه أبو حاتم". وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "يخطىء". وبقية رجاله موثقون؛ إلا أن فيهم ليث بن أبي سليم؛ وفيه كلام"!

قلت: لقد ألان القول في ليث؛ بحيث أشعر أنه قد وثق، ولعله تبع في ذلك المنذري؛ فإنه قال في "الترغيب" (1/ 237) :

"رواه الطبراني، وإسناده مقارب، وليس في رواته من ترك حديثه، ولا أجمع على ضعفه"!

قلت: وهذا من تساهله الذي غلب عليه في الكتاب المذكور، ولذلك صدر هذا الحديث بلفظة: (عن) ؛ المشعر بعدم ضعفه عنده!

فإن الحديث ضعيف لا يشترط فيه أن يكون فيه من أجمع على ضعفه؛ بل

 

(11/578)

 

 

يكفي - عند المحققين - أن يكون الراجح فيه الضعف لسبب من الأسباب الجارحة؛ وما أكثرها! ولذلك قالوا: الجرح مقدم على التعديل؛ على التفصيل المعروف.

وليث؛ سبب جرحه سوء حفظه واختلاطه.

على أن الإجماع الذي زعمه معارض بإجماع قبله؛ كما كنت علقته على "ضعيف الترغيب والترهيب" (1/ 167) رداً لقول المنذري المذكور، فليراجعه من شاء.

5351 - (يكفيك من الدنيا ما سد جوعتك، ووارى عورتك، وإن كان لك بيت يظلك؛ فذاك، وإن كانت لك دابة؛ فبخ!) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 9497 - مصورتي) من طريق الحسن بن عمارة عن عدي بن ثابت عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال:

قلت: يا رسول الله! ما يكفيني من الدنيا؟ فقال:

"ما سد جوعتك ... " الحديث. وقال:

"لم يروه عن عدي بن ثابت إلا الحسن بن عمارة".

قلت: وهو متروك؛ كما قال الهيثمي (10/ 254) بعد أن عزاه لـ "أوسط الطبراني".

وأشار المنذري (3/ 111) لتضعيف الحديث؛ إلا أنه أطلق العزو للطبراني، فأوهم أنه في "المعجم الكبير"؛ وليس فيه!

 

(11/579)

 

 

5352 - (ما من أحد يلبس ثوباً ليباهي به؛ لينظر الناس إليه؛ إلا لم ينظر الله إليه حتى ينزعه) .

ضعيف جداً

رواه الطبراني (23/ 283/ 618) ، والسلفي في "معجم السفر" (ق 85/ 2) ، وابن عساكر (13/ 211/ 2) عن عبد الخالق بن زيد ابن واقد عن أبيه عن محمد بن عبد الملك بن مروان عن أبيه عن أم سلمة مرفوعاً.

قلت: وهذا سند ضعيف جداً؛ آفته عبد الخالق بن زيد؛ قال النسائي:

"ليس بثقة". وقال البخاري:

"منكر الحديث". وضعفه غيرهما.

وقال ابن حبان في "الضعفاء والمتروكين" (2/ 149) :

"يروي المناكير عن المشاهير؛ التي إذا سمعها المستمع شهد أنها مقلوبة أو معمولة، لا يجوز الاحتجاج به".

والحديث؛ أشار المنذري (3/ 111) إلى تضعيفه!

وأعله الهيثمي (5/ 135) بابن زيد هذا.

 

(11/580)

 

 

5353 - (ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل؛ أبصره رجل مكاتب. فقال: تصدق علي بارك الله فيك! فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي شيء أعطيكه. فقال المسكين: أسألك بوجه الله!

 

(11/580)

 

 

لما تصدقت علي؛ فإني نظرت السيماء (وفي رواية: سيماء الخير) في وجهك، ورجوت البركة عندك! فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتتبيعني! فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟! قال: نعم، الحق أقول؛ لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي؛ يعني! قال: فقدم إلى السوق فباعه بأربع مئة درهم، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء، فقال له: إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل؟ قال: أكره أن أشق عليك؛ إنك شيخ كبير. قال: ليس يشق علي. قال: فقم وانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم. فخرج الرجل لبعض حاجته؛ ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة! قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. قال: ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أميناً، فاخلفني في أهلي خلافة حسة. قال: فأوصني بعمل. قال: إني أكره أن أشق عليك. قال: ليس يشق علي. قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك. قال: فمضى الرجل لسفره. [قال:] فرجع الرجل وقد شيد بناءه! فقال: أسألك بوجه الله! ما سبيلك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في العبودية. فقال الخضر: سأخبرك من أنا؟ أنا الخضر الذي سمعت به؛ سألني [رجل] مسكين صدقة، فلم يكن عندي شيء أعطيه، فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي، فباعني. وأخبرك أنه من سئل بوجه الله، فرد سائله وهو يقدر؛ وقف يوم القيامة [ليس على وجهه] جلد ولا لحم؛ إلا عظم يتقعقع. فقال الرجل: آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله! ولم أعلم. قال: لا بأس؛ أحسنت

 

(11/581)

 

 

وأبقيت. فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله! احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك؛ فأخلي سبيلك؟ فقال: أحب أن تخلي سبيلي؛ فأعبد ربي. فخلى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية؛ ثم نجاني منها) .

ضعيف

أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 357) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 132-134/ 7530) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 287) من طريق سليمان بن عبيد الله الحطاب: حدثنا بقية بن الوليد: حدثنا محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: ... فذكره.

والطبراي أيضاً، وفي "مسند الشاميين" (ص 163) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5/ 319/ 2) عن محمد بن الفضل بن عمران الكندي: حدثنا بقية عن محمد بن زياد الألهاني به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف من الطريقين عن بقية:

أما الأولى؛ فلضعف سليمان بن عبيد الله؛ قال النسائي:

"ليس بالقوي". وقال ابن معين:

"ليس بشيء".

وذكره العقيلي في "الضعفاء".

ولا ينافي ضعفه قول أبي حاتم فيه:

"صدوق، ما رأيت إلا خيراً"!

 

(11/582)

 

 

لاحتمال أنه يعني أنه ليس بمتهم، وذلك لا ينافي الضعف الناشىء من سوء الحفظ، والذي يستلزم النظر في حديثه، بل هذا ما صرح به ابنه في مقدمة "الجرح والتعديل" (1/ 37) ، فراجعه إن شئت.

وأما توثيق ابن حبان؛ فقد عرف تساهله في التوثيق؛ فلا إشكال. ولذلك؛ قال الحافظ في "التقريب" - ملخصاً للأقوال المتقدمة فيه -:

"صدوق، ليس بالقوي".

قلت: فمثله لا يحتج به؛ فلا يقبل منه تصريح بقية بالتحديث فيه. وعلى ذلك جرى من قبلنا من النقاد؛ فقال الذهبي في ترجمة بقية من "الميزان":

"ومن مناكير بقية: حدثنا محمد بن زياد عن أبي أمامة مرفوعاً: بينما الخضر يمشي في سوق لبني إسرائيل ... الحديث بطوله. هذا الحديث قال ابن جوصا: سألت محمد بن عوف عنه؟ فقال: هذا موضوع. فسألت أبا زرعة عنه؟ فقال: حديث منكر. قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن بقية غير سليمان بن عبيد الله الرقي، وقد ادعاه عبد الوهاب بن ضحاك العرضي، وهو متهم، وأما سليمان؛ فقال فيه ابن معين: ليس بشيء. فسلم عنه بقية".

قلت: وقد فاته الطريق الأخرى عند الطبراني؛ أعني: محمد بن الفضل بن عمران الكندي، ولكني لم أجد له ترجمة، مع أنه لم يذكر تحديث بقية، وكذلك سليمان الرقي لم يذكر ذلك عند الطبراني، فكأنه أحال بها على رواية الكندي، ومن أجل ذلك لم يتعرض لذكر التحديث من تكلم على رواية الطبراني، فقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 103) :

"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله موثقون؛ إلا أن فيه بقية بن الوليد وهو

 

(11/583)

 

 

مدلس؛ ولكنه ثقة". وأعاده بنحوه في مكان آخر (8/ 213) . وقال المنذري في "الترغيب" (2/ 18) :

"رواه الطبراني وغير الطبراني، وحسن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بعد. والله أعلم".

قلت: وصدره بلفظة: (روي) إشارة منه إلى ضعف الحديث المطابق لاستبعاده تحسين بعض مشايخه إياه؛ فأجاد كما قال الحافظ الناجي في "عجالة الإملاء" (114-115) ، وإن كان العهد به تصديره لأحاديث بقية بلفظة: (عن) كما حققته في مقدمتي لكتابي "صحيح الترغيب والترهيب" وفي "ضعيفه" أيضاً، فلعل ذلك لضعف سليمان، وجهالة ابن عمران الكندي.

وقد أشار إليها الحافظ ابن كثير في "البداية"؛ فإنه ساق الحديث بطوله من رواية أبي نعيم الأصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ... فساقه من الطريقين المتقدمين، ثم قال (1/ 330) :

"وهذا حديث رفعه خطأ، والأشبه أن يكون موقوفاً، وفي رجاله من لا يعرف. والله أعلم".

وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة (الخضر) من "الإصابة" - بعد أن ساقه من رواية الطبراني أيضاً -:

"قلت: وسند الحديث حسن؛ لولا عنعنة بقية، ولو ثبت لكان نصاً أن الخضر نبي لحكاية النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الرجل: "يا نبي الله! "، وتقريره على ذلك".

قلت: وهذا صريح في أن الحافظ لم يقف على تحديث بقية المتقدم، وإلا؛ لجزم بحسنه.

 

(11/584)

 

 

والحق أنه ضعيف؛ لما عرفت من حال المصرح بالتحديث. والله أعلم.

ونبوة الخضر ليست بحاجة في إثباتها إلى مثل هذا الحديث؛ بعد قوله تعالى في القرآ حكاية عن الخضر: (وما فعلته عن أمري) ، وغير ذلك من الأدلة المعروفة.

5354 - (إن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى؛ فتنحت) .

منكر

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (4/ 288) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 107/ 203) من طريقين عن قتادة: أن الملائكة ... الحديث.

قلت: إسناد مرسل؛ فإن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس رضي الله عنه.

والمحفوظ عن عمران أن الملائكة كانت تسلم عليه. فقد روى مطرف عنه أنه قال:

كان يسلم علي حتى اكتويت؛ فتركت، ثم تركت الكي؛ فعاد.

أخرجه مسلم (4/ 48) - واللفظ له -، وابن سعد (4/ 289 و 7/ 11) ، والحاكم (3/ 472) ؛ ولفظهما - والسياق لابن سعد -:

قال مطرف: أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه فقال:

إنه كانت تسلم علي - يعني: الملائكة -؛ فإن عشت فاكتم علي، وإن مت؛ فحدث به إن شئت.

وإسناده صحيح.

 

(11/585)

 

 

5355 - (فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره: مئة ألف صلاة، وفي مسجدي: ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس: خمس مئة صلاة) .

ضعيف بطرفه الأخير

أخرجه البزار في "مسنده" (422 - كشف الأستار) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 248) من طريق سعيد بن سالم القداح عن سعيد بن بشير عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، وقال البزار:

"لا نعلمه يروى بهذا اللفظ مرفوعاً إلا بهذا الإسناد".

قلت: وهو إسناد ضعيف؛ كما يأتي بيانه.

وقد عزا الحافظ المنذري إليه أنه حسن إسناده، فقال في "الترغيب" (2/ 137) :

"رواه البزار، وقال: "إسناده حسن". كذا قال! "!

فلا أدري أهو وهم من المنذري، أم أسقط ذكره من قلم الهيثمي في "كشف الأستار"؛ كما سقط منه عزوه في "مجمع الزوائد" (4/ 7) إلى البزار؟! وإنما عزاه للطبراني في "الكبير" بنحوه. وقد عزاه إليه المنذري أيضاً. ثم قال الهيثمي:

"ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام، وهو حديث حسن"!

قلت: بل هو حديث منكر؛ فإن آخره مخالف لحديث أبي ذر الصحيح بلفظ:

 

(11/586)

 

 

"صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه"؛ يعني: بيت المقدس.

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 8395 - مصورتي) ، والحاكم (4/ 509) . وقال:

"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وقال الطبراني:

"لم يروه عن قتادة إلا الحجاج وسعيد بن بشير؛ تفرد به عن الحجاج: إبراهيم ابن طهمان، وتفرد به عن سعيد: محمد بن سليمان بن أبي داود"!

قلت: بل تابعه الوليد بن مسلم: حدثا سعيد بن بشير به.

أخرجه الطحاوي في "المشكل" (1/ 248) .

قلت: فهذا الحديث الصحيح يفيد أن الصلاة في بيت المقدس بمئتي صلاة وخمسين صلاة؛ لأن الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - بألف صلاة كما في غير ما حديث، وهذا خلاف ما في هذا الحديث الضعيف.

وعلته: ضعف سعيد بن سالم القداح وشيخه، وكأنه لذلك أشار المنذري فيما تقدم إلى رده لتحسين البزار لإسناده. وأيده في ذلك الحافظ إبراهيم الناجي الحلبي في كتابه "عجالة الإملاء" بقوله (135/ 1) :

"وهو كما قال المصنف؛ إذ فيه سعيد بن سالم القداح، وقد ضعفوه، ورواه عن سعيد بن بشير، وله ترجمة في آخر هذا الكتاب "الترغيب" في الرواة المختلف فيهم".

قلت: وقال شيخه الحافظ ابن حجر فيه - أعني: ابن بشير هذا -:

 

(11/587)

 

 

"ضعيف".

فمن غرائب المنذري التي جرى عليها في "ترغيبه": أن يصدر الأحاديث الضعيفة بلفظ: "عن" المشعر بأنه غير ضعيف، بل أنه صحيح أو حسن أو قريب منهما! ومن ذلك هذا الحديث؛ فقد صدره بـ: (عن) مع انتقاده لقول البزار فيه: "حسن"؛ كما تقدم!

فإن قيل: لعله فعل ذلك لشاهده الذي ذكره بعد أربعة أحاديث من حديث جابر مرفوعاً به مطولاً، لكن ليس فيه موضع الشاهد منه، وقال:

"رواه البيهقي، ورواه أيضاً هو وغيره من حديث ابن عمر بنحوه"!

فقد أورده السيوطي أيضاً في "الجامع الكبير" دون الشاهد، وقال:

"رواه البيهقي في "الشعب" - وضعفه -، وابن عساكر عن ابن عمر".

ولم يعزه للبيهقي عن جابر بهذا اللفظ، وإنما أورده قبل ذلك بأحاديث بلفظ:

"صلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة ... " الحديث بلفظ حديث الترجمة تماماً. وقال في تخريجه:

"رواه البيهقي في "الشعب"، والخطيب في "المتفق والمفترق" عن جابر، وفيه إبراهيم بن أبي حية؛ واه".

يعي: أنه ضعيف جداً، وعليه؛ فلا يصلح شاهداً؛ كما هو معلوم من علم المصطلح. وأنا أظن أن المنذري لما عزاه من حديث جابر للبيهقي؛ يعني: هذا اللفظ: وأما اللفظ الذي ساقه هو؛ فإنما هو لفظ حديث ابن عمر؛ فقد وجدته كذلك في "أخبار أصبهان" لأبي نعيم، وإسناده ضعيف جداً؛ كما تقدم بيانه

 

(11/588)

 

 

برقم (831) .

وأنكر من حديث الترجمة: ما أخرجه ابن ماجه في حديث لأنس بن مالك مرفوعاً بلفظ:

".. وصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة"!

فصارت الصلاة في الأقصى أفضل من الصلاة في المسجد النبوي! وقد صدره المنذري أيضاً بـ: (عن) ! مع قوله في تخريجه (1/ 136) :

"رواه ابن ماجه، ورواته ثقات؛ إلا أن أبا الخطاب الدمشقي لا تحضرني الآن ترجمته ... "!

والحقيقة أنه مجهول؛ كما صرح بذلك الحافظ في "التقريب".

ونحوه قول الذهبي في "الميزان":

"ليس بالمشهور"، ثم ساق له هذا الحديث، وقال:

"هذا منكر جداً".

ونقل الناجي (134/ 2) مثله عن العلائي وغيره.

وقريب منه: حديث ميمونة بنت سعد مرفوعاً:

"إن الصلاة في المسجد الأقصى كألف صلاة فيما سواه".

أخرجه ابن ماجه وغيره.

وهو منكر جداً؛ كما قال الذهبي أيضاً، وبيانه في كتابي "ضعيف أبي

 

(11/589)

 

 

داود" رقم (68) ، وفي تعليقي على "الأحكام الوسطى" لعبد الحق الإشبيلي رقم (832) .

واعلم أنه كان من الممكن الجمع بين هذه الأحاديث المتناقضة في فضل الصلاة في المسجد الأقصى: بأن يؤخذ بالزائد فالزائد. وعلى ذلك جرى الإمام الطحاوي! ولكن هذا إنما يصار إليه حينما تكون الأحاديث كلها من قسم المقبول، وليس الأمر كذلك؛ كما تبين لك من هذا التخريج، والله تعالى هو الحق لا رب سواه.

5356 - (إن هذه الآية: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية) ؛ نزلت في النفقات على الخيل في سبيل الله) .

موضوع

آفته سعيد بن سنان الحمصي؛ كما سيأتي في الحديث الآتي.

وغفل عنه الهيثمي هنا - كما غفل عنه هناك -؛ فقد أورده في تفسير (البقرة) ، وقال (6/ 324) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، ويزيد بن عبد الله وأبوه لا يعرفان"!

والحديث؛ أورده الذهبي فيما أنكر على سعيد بن سنان.

 

(11/590)

 

 

5357 - (إن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة، وأبوالها وأرواثها لأهلها عند الله يوم القيامة من مسك الجنة) .

موضوع بهذا التمام

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" في ترجمة

 

(11/590)

 

 

أحمد بن عبد الرحمن بن عقال الحراني، فقال (رقم 1058 - مصورتي) : حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو جعفر (النفيلي) قال: أخبرنا سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده قال: ... فذكره. وقال:

"لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد بن سنان".

قلت: وهو أبو مهدي الحمصي؛ قال الحافظ في "التقريب":

"متروك، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع".

قلت: ولست أشك أن قوله في آخر الحديث:

"من مسك الجنة" إنما هو من وضعه، وإلا؛ فسائر الحديث ثابت صحيح من حديث غير واحد من الصحابة، تراها في "الترغيب والترهيب" (2/ 160-161) . وقد أشار إلى ذلك المنذري بقوله:

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه نكارة".

وإن من غرائب الحافظ الهيثمي قوله في إعلال الحديث (5/ 259) :

"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه من لم أعرفه"!

يشير إلى يزيد بن عبد الله وأبيه؛ فإنهما لا ذكر لهما في شيء من كتب الرجال.

فخفي عليه حال سعيد بن سنان، أو فاته إعلال الحديث به، وهو آفته!

ثم إن شيخ الطبراني ضعيف أيضاً؛ قال أبو عروبة:

"ليس بمؤتمن على دينه". وقال ابن عدي:

 

(11/591)

 

 

"هو ممن يكتب حديثه".

5358 - (من سره أن لا يجد الشيطان عنده طعاماً ولا مقيلاً؛ فليسلم إذا دخل بيته، وليسم على طعامه) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/ 294/ 6102) في أحاديث ساقها بإسناد واحد من طريق خلف بن عبد الحميد السرخسي: حدثنا أبو الصباح عبد الغفور بن سعيد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان عن سلمان مرفوعاً به.

قلت: وهذا موضوع؛ آفته عبد الغفور هذا؛ قال ابن حبان في "الضعفاء والمتروكين":

"كان ممن يضع الحديث على الثقات: كعب وغيره، لا يحل كتابة حديثه ولا ذكره إلا على جهة التعجب".

وأشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري بقوله:

"تركوه". وقال في "التاريخ الصغير":

"سكتوا عنه".

وبه أعله الهيثمي (8/ 38) .

والراوي عنه مجهول؛ قال أحمد:

"لا أعرفه".

والحديث؛ اقتصر المنذري في "الترغيب" (3/ 116) على الإشارة إلى

 

(11/592)

 

 

تضعيفه، وهو قصور ظاهر.

والذي صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب: إنما هو ذكر الله عند دخول البيت وعند الطعام، وواضح أن المراد التسمية في كل منهما؛ انظر "الترغيب والترهيب" حديث جابر عند مسلم وغيره.

وفي السلام عند دخول البيت حديث آخر، تراه مخرجاً في "المشكاة" (727) و "الترغيب" (2/ 262) .

5359 - (الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل؛ فإنها كانت إذا رزقها الله شيئاً وسئلت عنه؟ قالت: (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)) .

ضعيف

أخرجه أبو يعلى من طريق عبد الله بن صالح: حدثنا عبد الله بن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام أياماً لم يطعم طعاماً، حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه، فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً! فأتى فاطمة فقال:

"يا بنية! هل عندك شيء آكله؛ فإني جائع؟ ".

قالت: لا والله - بأبي أنت وأمي -! فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها، فوضعته في جفنة لها، وقالت:

والله! لأوثرن بهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت وأمي؛ قد أتى الله بشيء فخبأته لك. قال:

 

(11/593)

 

 

"هلمي يا بنية! ".

قالت: فأتيته بالجفنة، فكشفت عنها؛ فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهت وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله، وصليت على نبيه، وقدمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه حمد الله، وقال:

"من أين لك هذا يا بنية؟! ".

قالت: يا أبت! (هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب) ! فحمد الله، وقال: ... فذكر الحديث.

فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي، ثم آكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكل علي، وفاطمة، وحسن، وحسين، وجميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل بيته حتى شبعوا جميعاً، قالت: وبقيت الجفنة كما هي. قالت: فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران؛ وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً.

ذكره ابن كثير في "التفسير" (1/ 360) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف، سكت عنه ابن كثير؛ لأنه ساق إسناده، وهذه عادته وعادة المحدثين: إذا ساقوا إسناد الحديث؛ فقد برئت ذمتهم وارتفعت المسؤولية عنهم إذا كان الحديث إسناده ضعيفاً أو موضوعاً.

وقد غفل عن هذه الحقيقة العلمية من قام باختصار "تفسير ابن كثير" وغيرهم، فيتوهمون أن سكوت ابن كثير عن الحديث معناه أن الحديث ثابت عنده! وليس كذلك؛ وبخاصة إذا ساق إسناده؛ كما بينت ذلك في غير ما موضع.

وهذا الحديث من هذا القبيل؛ فإن في إسناده عبد الله بن صالح عن عبد الله

 

(11/594)

 

 

ابن لهيعة، وكلاهما ضعيف.

ولجهل الشيخ الصابوني بهذا العلم الشريف، وبتلك الحقيقة العلمية؛ فقد أورد هذا الحديث مصححاً له في "مختصره" (1/ 280) ، ثم نقل عزو الحافظ ابن كثير لأبي يعلى من "تفسير ابن كثير" إلى حاشية "مختصره"؛ موهماً القراء أنه من تخريجه! فما أحراه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"المتشبع بما لم يعط؛ كلابس ثوبي زور"!

ثم إن الحديث - مع ضعف إسناده -؛ ففي متنه نكارة في نقدي؛ مثل قوله: "فإني جائع"؛ لأنه غير معروف مثله عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما أذكر!

ومن ذلك قول فاطمة رضي الله عنها لأبيها مرتين:

بأبي أنت وأمي!

فإنه ممجوج مرفوض؛ كما هو ظاهر لا يحتاج إلى بيان!

ونحوه قولها بعد أن حمدت الله:

وصليت على نبيه.

فإنه ليس معهوداً أيضاً قرن الصلاة على النبي مع حمد الله تعالى في مثل هذه المناسبة! والله أعلم.

5360 - (نعم السواك الزيتون؛ من شجرة مباركة، يطيب الفم، ويذهب بالحفر، هو سواكي، وسواك الأنبياء قبلي) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 670 - مصورتي) : حدثنا

 

(11/595)

 

 

أحمد قال: أخبرنا معلل قال: أخبرنا محمد بن محصن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن معاذ بن جبل مرفوعاً به. وقال:

"لم يروه عن إبراهيم إلا محمد".

قلت: وهو العكاشي؛ نسب إلى جده الأعلى؛ فإنه محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عكاشة بن محصن الأسدي؛ كذبوه؛ كما في "التقريب". وقال الذهبي:

"ليس بثقة، قال الدارقطني: متروك يضع".

قلت: فهو علة هذا الحديث.

وخفي ذلك على الهيثمي؛ فأعله بالذي دونه، فقال (2/ 100) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه معلل بن محمد؛ ولم أجد من ذكره"!

قلت: كذا قال! وتبعه الشيخ محمد بن سليمان المغربي في "جمع الفوائد" (1/ 91) ؛ ثم المعلق عليه، دون أن ينتبهوا إلى ما فيه من الوهم:

أولاً: الغفلة عن آفته الحقيقية؛ وهي العكاشي كما ذكرنا. وقد تنبه لها الهيثمي في حديث آخر، أخرجه الطبراني قبيل هذا بالسند نفسه، وهو حديث:

"اتخذوا الديك الأبيض ... ". فقال الهيثمي (5/ 117) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن محصن العكاشي، وهو كذاب"، وقد مضى برقم (1695) . ولم أره في "كتاب الطب" من "جمع الفوائد" للمغربي، وهو مؤخر فيه عن موضعه في "مجمع الهيثمي"، فلا أدري

 

(11/596)

 

 

أسقط من قلمه، أم أودعه في كتاب آخر عنده؟! والله أعلم.

ثانياً: قوله: "معلل بن محمد" خطأ! والصواب: "معلل بن نفيل"؛ كذلك وقع في إسناد حديث آخر ساقه قبل هذا الحديث بحديث، وكذلك وقع في حديث آخر عنده (632) وفي أحاديث أخرى بعده (652-655) ، ونسبه في الأول منها فقال: "الحراني".

وبعد كتابة ما سبق؛ رجعت إلى "مجمع البحرين" للهيثمي (1/ 34/ 2) ، فوجدته قد ساق الحديث بالإسناد المذكور تحته؛ إلا أنه وقع فيه: ".. معلل بن محمد بن محصن عن إبراهيم ... لم يروه عن إبراهيم إلا محمد"!

فانكشف لي سبب الوهمين السابقين من الهيثمي. وبيانه: أنه لما نقل الحديث من "المعجم الأوسط"، أدخل راوياً في آخر، فبدل أن يكتب: "معلل: أخبرنا محمد بن محصن" كتب: "معلل بن محمد بن محصن"!

ولما نقل الحديث من "مجمع البحرين" إلى "مجمع الفوائد" وتكلم على إسناده؛ وقع منه ما وقع من الوهمين المشار إليهما! والمعصوم من عصمه الله.

5361 - (من فصل في سبيل الله، فمات أو قتل؛ فهو شهيد، أو وقصه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله؛ فإنه شهيد، وإن له الجنة) .

ضعيف

أخرجه أبو داود (1/ 391) : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة: حدثنا بقية بن الوليد عن ابن ثوبان عن أبيه يرد إلى مكحول إلى عبد الرحمن بن غنم الأشعري أن أبا مالك الأشعري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

 

(11/597)

 

 

وتابعه عبيد بن شريك: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة به.

أخرجه البيهقي في "السنن" (9/ 166) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله موثقون؛ إلا أن مكحولاً رمي بالتدليس.

أما بقية؛ فهو مشهور بذلك، وقد قال غير واحد من الأئمة:

"كان يدلس عن المتروكين".

ولذلك؛ فهو من الثقات الذين لا يحتج بحديثهم ما عنعن، وهذا منه.

نعم؛ قد خالف أبا داود وعبيد بن شريك: محمد بن محمد بن سليمان، فقال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: حدثنا بقية بن الوليد: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به.

فصرح بتحديث بقية.

أخرجه الحاكم (2/ 78) ، وقال:

"صحيح على شرط مسلم"!

فتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: ابن ثوبان لم يحتج به مسلم؛ وليس بذاك، وبقية ثقة، وعبد الرحمن ابن غنم لم يدركه مكحول فيما أظن"!

قلت: بين وفاتيهما قرابة أربعين سنة؛ لأن ابن غنم توفي سنة (78) ، ومكحول توفي سنة (112) في قول، وسنة (118) في قول آخر، ولم يذكروا سنة ولادته، حتى يمكن القول بمعاصرته إياه، ولكن ثبوت المعاصرة إنما تفيد في

 

(11/598)

 

 

الراوي الذي لم يعرف بتدليس، ومكحول ليس كذلك؛ كما سبق.

وابن ثوبان - وإن كان فيه كلام - فالراجح أنه حسن الحديث.

وأما بقية؛ فقد عرفت حاله، وإنما وثقه الذهبي لتصريحه بالتحديث في رواية الحاكم، وهو الذي غرني قديماً حينما خرجت الحديث في "أحكام الجنائز" (ص 37) ، وقلت عقبه:

"وصححه الحاكم، وإنما هو حسن فقط".

فلم يتنبه الذهبي - كما لم أتنبه أنا يومئذ - لكون التصريح بتحديث بقية شاذ - بل منكر -؛ لأمرين:

الأول: مخالفة محمد بن محمد بن سليمان لأبي داود وعبيد بن شريك كما سبق؛ فإنهما عنعناه عنه.

والآخر: أن محمداً هذا - وهو الباغندي - مع كونه من الحفاظ؛ فقد تكلم فيه بعضهم كلاماً سيئاً حتى اتهم بالكذب! والذهبي نفسه قال في ترجمته من "الميزان":

"كان مدلساً، وفيه شيء. قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب. وقال الإسماعيلي: لا أتهمه، ولكنه خبيث التدليس".

قلت: فمثله لا يحتج به عند التفرد، فكيف مع المخالفة؟!

ثم وجدت له مخالفاً ثالثاً ثقة: فقال الطبراني في "الكبير" (1/ 167/ 1) : حدثنا خير بن عرفة المصري: أخبرنا حيوة بن شريح الحمصي: أخبرنا بقية بن الوليد عن ابن ثوبان به.

 

(11/599)

 

 

5362 - (يا عائشة! اتخذت الدنيا بطنك؟! أكثر من أكلة كل يوم سرف، والله لا يحب المسرفين) .

موضوع

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 161/ 2) من طريق العلاء بن مسلمة الرواس (الأصل: سلمة الروامي) : حدثني خالد بن نجيح المصري: حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت:

رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا آكل في يوم مرتين فقال: ... فذكره. وقال:

"في إسناده ضعف"!

كذا قال! وأقره العراقي في "تخريج الإحياء" (3/ 78) !

وفيه تساهل كبير؛ فإنما يصح مثل هذا القول فيما لو كان السند إلى ابن لهيعة ثابتاً، وأنى له ذلك؟! وفيه آفتان:

الأولى: خالد بن نجيح المصري؛ قال ابن أبي حاتم (1/ 2/ 355) عن أبيه:

"هو كذاب، كان يفتعل الأحاديث ويضعها في كتب ابن أبي مريم وأبي صالح، وهذه الأحاديث التي أنكرت على أبي صالح؛ يتوهم أنها من فعله".

الأخرى: العلاء بن مسلمة الرواس؛ قال ابن حبان (2/ 185) :

"يروي عن العراقيين المقلوبات، وعن الثقات الموضوعات". وقال ابن طاهر:

"كان يضع الحديث".

نعم؛ قد رواه البيهقي (2/ 158/ 1-2) بإسناد آخر عن ابن لهيعة نحوه؛ هو خير من هذا:

أخرجه من طريق يحيى بن عثمان المصري: حدثني أبي عن ابن لهيعة ... فذكره بلفظ:

"يا عائشة! أما تحبين أن يكون لك شغل إلا في جوفك؟! الأكل في اليوم مرتين من الإسراف، والله لا يحب المسرفين".

(تنبيه) : كنت خرجت هذا الحديث فيما تقدم برقم (257) نقلاً عن "الإحياء" و "تخريجه"، وعن "الترغيب" للمنذري، وكان ذلك قبل أن نطلع على إسناده في "شعب البيهقي"، فلما وقفت عليه فيه؛ بادرت إلى تخريجه،وبيان الفرق بين إسناديه ولفظيه، فتبين الآن أنه ليس عند البيهقي لفظ: "إياك والسرف"، الذي جاء في "الإحياء"، وعزاه العراقي للبيهقي، فاقتضى التنبيه.

5363 - (ثلاثة لا تقبل لهم شهادة أن لا إله إلا الله: الراكب والمركوب، والراكبة والمركوبة، والإمام الجائر) (1) .

موضوع

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 3256) : حدثنا بكر: قال: أخبرنا أبو عطاء بلال بن عمرو عن صالح بن أبي صالح عن عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:

"لم يروه عن ابن حرملة إلا عمر بن راشد، ولا عن عمر إلا صالح بن أبي صالح، تفرد به أبو عطاء".

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " سيأتي بزيادة فائدة برقم (6659) ". (الناشر)

قلت: ولم أجد من ترجمه، ولم يذكره الدولابي في "الكنى".

ومثله صالح بن أبي صالح، وفي "التهذيب" بهذا الاسم جمع، ولكنهم من التابعين، وهو دونهم كما ترى.

وأما عمر بن راشد؛ فهو المدني الجاري، يروي عن مالك وابن عجلان وطبقتهما. قال أبو حاتم:

"وجدت حديثه كذباً وزوراً". وقال الحاكم، وأبو نعيم:

"يروي عن مالك أحاديث موضوعة".

وبه أعل الحديث الهيثمي، فقال في "المجمع" (4/ 282) :

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عمر بن راشد المدني الجاري؛ وهو كذاب".

وأما المنذري؛ فقد اكتفى بالإشارة إلى ضعفه (3/ 138) ‍‍!

وهذا من تساهله الذي شرحت القول عنه في مقدمة "صحيح الترغيب" و "ضعيفه"، وهو تحت الطبع (1) .

5364 - (من ولي أمة من أمتي - قلت أو كثرت -، فلم يعدل فيهم؛ كبه الله على وجهه في النار) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 6773 - مصورتي) من طريق هشام بن عمار: حدثنا عبد العزيز بن الحصين عن عمار الدهني: حدثني

__________

(1) وقد طبع بعد وفاة الشيخ - رحمه الله - بقليل. (الناشر)

إبراهيم بن [يزيد] معقل بن يسار عن أبيها معقل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال:

"لم يرو هذا الحديث عن عمار الدهني إلا عبد العزيز بن الحصين، تفرد به هشام".

قلت: عبد العزيز هذا واه؛ كما قال المنذري في "الترغيب" (3/ 139) .

وقد خولف في إسناده؛ فقال عبيد الله بن موسى: حدثنا إسرائيل عن عامر الدهني عن أبيه عن أم معقل عن أبيها قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أخرجه الحاكم (4/ 90-91) ، وقال:

"هذه أم معقل بنت معقل بن سنان الأشجعي، وهو صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

قلت: لم أر من ذكر أم معقل هذه، وأخشى أن يكون محرفاً من (ابنة معقل) كما في الإسناد الأول، وليس اعتمادي عليه فيما ذهبت إليه فحسب؛ فقد روى الإمام أحمد (4/ 25) : حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت إسماعيل البصري يحدث عن ابنة معقل بن يسار عن أبيها معقل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"ليس من والي أمة - قلت أو كثرت - لا يعدل فيها؛ إلا كبه الله تبارك وتعالى على وجهه في النار".

لكني لم أعرف إسماعيل البصري! وفي طبقته جماعة؛ فيهم الثقة والضعيف والمجهول. وذكر الحافظ في ترجمة (ابنة معقل) من "التعجيل" أنه روى عنها

إسماعيل الأودي، ولم يذكره السمعاني في هذه النسبة (الأودي) ، وقد رواه عنه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 221/ 514) ، ونسبه في رواية ثانية (517) فقال: (الكندي) ، وفي أخرى (518) : (الأزرق) .

ومثله ابنة معقل هذه؛ فإن الحافظ لم يذكر راوياً عنها غير إسماعيل المذكور.

وقد تابعها أخوها عبد الرحمن بن معقل بن يسار عن أبيه بلفظ:

"أيما وال ولي شيئاً من أمر المسلمين، فلم ينصح لهم كنصحه لنفسه؛ كبه الله على وجهه يوم القيامة في النار".

أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 94) بإسناد جيد عنه؛ كما بينته في "الروض النضير" (رقم 868) .

وأما عبد الرحمن هذا؛ فقد قلت هناك: إني لم أجد من ذكره! وأقول الآن:

لعله عبد الرحمن بن عبد الله بن معقل بن يسار؛ فقد ذكره هكذا ابن أبي حاتم (2/ 2/ 252) ، وكذا ابن حبان في "الثقات" (3/ 154 - طبع الهند) ، وذكرا أنه روى عن عمر أو ابن عمر. وروى عنه قرة بن خالد السدوسي.

وعليه؛ يكون قد نسب في هذه الرواية إلى جده معقل، فهو تابعي مستور.

وجملة القول: أن الحديث لم يثبت عندي بهذا اللفظ؛ لاضطراب الرواة في الراوي عن معقل؛ هل هو عبد الرحمن أو ابنة معقل؟ وسواء كان هذا أو ذاك فكلاهما مجهول.

ولو أن الحديث جاء بإسنادين ثابتين عنهما؛ لكان احتمال تقوية الحديث بمجموع روايتيهما وارداً، فكيف وقد جاء من طرق أخرى عن معقل رضي الله عنه

في "الصحيحين" وغيرهما بغير هذا اللفظ، فراجعها إن شئت في "الأحاديث الصحيحة" (1754،2631) .

5365 - (لا تنكحوا القرابة القريبة؛ فإن الولد يخلق ضاوياً) .

لا أصل له مرفوعاً

وقد اشتهر اليوم عند متفقهة هذا الزمن ودكاترته، الذين لا يتقون الله في طلابهم، فيلقون عليهم من الأقوال والآراء ما لا حجة عليه ولا برهان، ومن الأحاديث ما لا سنام له ولا خطام، وما لا أصل له من كلامه عليه الصلاة والسلام، كهذا الحديث؛ فإني سئلت عنه مراراً من بعض طلابهم؟ فقد قال الحافظ ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (ق 118/ 1) :

"غريب. قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلاً".

ولعله غرهم أن ابن الأثير أورده في "النهاية" في مادة (ضوا) ، جاهلين أنه لا يتقيد فيه بما ثبت من الحديث؛ لأن غرضه شرح الغريب منه، ثبت أو لم يثبت، وكم من حديث فيه لا يعرف له أصل في كتب الحديث؛ فضلاً عن الأحاديث الضعيفة! مثله في ذلك مثل الغزالي في "الإحياء"، بل هذا أهل لينتقد أكثر من ذاك؛ لأن كتابه كتاب هداية وتربية وتوجيه، فلا يجوز إيراد الأحاديث الضعيفة فيه والواهية، ولذلك؛ بالغ العلماء في انتقاده والرد عليه، ولعله هو عمدة ابن الأثير في حديث الترجمة؛ فقد أورده الغزالي في "إحيائه" (2/ 38) في جملة أحاديث صرح بنسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلها منكرة! بين ذلك العراقي في "تخريجه" إياه، فقال - بعد أن نقل عن ابن الصلاح أنه لا أصل له، وأقره -:

"قلت: إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب: قد أضويتم؛ فانكحوا

في النوابغ.

وراه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" وقال: معناه: تزوجوا الغرائب. قال: ويقال: أغربوا ولا تضووا".

قلت: فهذا صريح من الحافظ الحربي أن الجملة الأخيرة: "أغربوا ولا تضووا" ليس حديثاً، فلا تغتر بإيهام ابن الأثير أنه حديث!

5366 - (نعم؛ ما لم تقم على باب سدة، أو تأتي أميراً تسأله) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 2769) - بإسناد صحيح - عن خالد بن حارث قال: حدثني طريف بن عيسى العنبري قال: أخبرنا يوسف بن عبد الحميد قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثنا:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهله، فذكر علياً وفاطمة وغيرهما. فقلت: يا رسول الله! من أهل البيت أنا؟ قال: ... فذكره. وقال:

"لم يرو هذا الحديث ن طريف إلا خالد".

قلت: وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين.

وإنما العلة ممن فوقه؛ فإن طريفاً هذا وشيخه يوسف ليسا بمعروفين؛ فقد أوردهما ابن أبي حاتم (2/ 1/ 494) و (4/ 2/ 226) بهذه الرواية، ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك فعل البخاري في "التاريخ"، وابن حبان في "الثقات"؛ فإنه أورد يوسف هذا في طبقة التابعين من كتابه "الثقات" (3/ 296) بهذه الرواية أيضاً.

والظن به أنه أورد طريفاً أيضاً في طبقة أتباع التابعين منهم، ولكن المجلد الخاص بها ما علمنا أنه طبع بعد، ومخطوطة الظاهرية منه محجوزة الآن في قسم التصوير من المجمع العلمي بدمشق لتصويره، فلعلنا نتمكن من مراجعته بعد إن شاء الله تعالى.

وإن مما يؤيد ظني المذكور؛ قول المنذري في "الترغيب" (3/ 151) - وتبعه الهيثمي في "المجمع" (9/ 173) -:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات"!

قلت: وهذا من تساهلهما الذي عرفا به؛ إذ إنهما جريا في كتابيهما على الاعتداد بما تفرد ابن حبان بتوثيقه من الرواة، مع تساهله في ذلك عند المحققين من العلماء؛ كما سبق التنبيه على ذلك مراراً.

ثم رأيت طريفاً المذكور في "الثقات" (8/ 327) من رواية خالد بن الحارث عنه؛ فهو مجهول كشيخه يوسف.

5367 - (من مشى مع ظالم ليعينه - وهو يعلم أنه ظالم -؛ فقد خرج من الإسلام) (1) .

ضعيف

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 32/ 2) : حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي: حدثني أبي: أخبرنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي: أخبرنا عياش بن مؤنس أن أبا الحسن نمران بن مخمر حدثه أن أوس بن شرحبيل - أحد بني المجمع - حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

__________

(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن من الأصل: " مضى برقم (758) ". (الناشر)

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم:

أولاً: أوس بن شرحبيل؛ قيل: له صحبة: وأنكر ذلك ابن حبان كما يأتي.

وقيل فيه: شرحبيل بن أوس، على القلب. أورده البخاري في "التاريخ" هكذا (2/ 2/ 250) . وقال ابن أبي حاتم (2/ 1/ 337) :

"وهو أشبه، له صحبة".

وجوز ابن شاهين أنهما اثنان. وقال البغوي:

"والأصح عندي: شرحبيل".

ورجح الحافظ المغايرة.

ثانياً: أبو الحسن نمران بن مخمر؛ أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 497) برواية جمع عنه؛ أحدهم حريز بن عثمان عنه.

وجاء في "تعجيل المنفعة" أنه ذكره ابن حبان في "الثقات". ولم أره في "التابعين" منه، فلعله أورده في "أتباعهم"؛ ولا تطوله الآن يدي.

ثالثاً: عياش بن مؤنس. أورده ابن أبي حاتم (3/ 2/ 5) فقال:

"عياش بن مؤنس أبو معاذ. روى عن شداد بن شرحبيل الأنصاري. وسمع منه (!) نمران بن مخمر، وروى عنه حبيب بن صالح"!

هكذا قال! جعله تابعياً يروي عنه نمران بن مخمر، وظاهر كلامه في ترجمة نمران أنه تابعي أيضاً.

وقد عكس ذلك ابن حبان فأصاب؛ فقال في "الثقات" في (التابعين)

أيضاً (3/ 207) :

"عياش بن مؤنس، يروي عن نمران بن مخمر عن شرحبيل بن أوس - ويقال: إن له صحبة، وما أراه بمحفوظ -. روى عنه محمد بن الوليد الزبيدي".

وهكذا أورده البخاري في "التاريخ" (4/ 1/ 47) :

"عياش بن مؤنس، سمع نمران. روى عنه محمد بن الوليد الزبيدي".

قلت: ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك صنع ابن أبي حاتم كما رأيت؛ فهو مجهول العين، أو مجهول الحال؛ إن صح أنه سمع منه حبيب بن صالح أيضاً.

وأما عمرو بن إسحاق - شيخ الطبراني -؛ فلم أقف له على ترجمة، ولا في "تاريخ دمشق" لابن عساكر!

وأما أبوه إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي؛ فضعيف، بل كذبه بعضهم.

لكن قال البخاري في ترجمة شرحبيل: "وقال عمرو بن الحارث ... " فذكره، فلا أدري إذا كان عنده من طريق أخرى عن عمرو أم لا.

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فالعلة من عياش بن مؤنس؛ لجهالته كما علمت. ولذلك؛ أشار المنذري في "الترغيب" (3/ 153) إلى تضعيف الحديث، وقال:

"وهو حديث غريب". وقال الهيثمي في "المجمع":

".. وفيه عياش بن مؤنس، ولم أجد من ترجمة (!) ؛ وبقية رجاله وثقوا"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فهرس كتاب اعلام الموقعين لابن القيم

إعلام الموقعين/فهرس الجزء الأول [[إعلام الموقعين/الجزء الأول#نوعا التلقي عنه ﷺ|نوعا التلقي عنه ﷺ]] إخراج المتعصب عن زمرة العلماء فصل حفاظ ال...