الجمعة، 26 يناير 2024

ج2. صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب ت محمد ناصر الدين الألباني

ج2. صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب ت محمد ناصر الدين الألباني

2 - (
الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس، وجره خيلاء، وإسباله في الصلاة وغيرها).
2028 - (1) [
صحيح] عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
"
كانَ أحبَّ الثيابِ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القميصُ".
رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن ماجه، ولفظه: -وهو رواية لأبي داود-:
"
لَمْ يَكُنْ ثوبٌ أحبَّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ القميصِ".

2029 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزارِ ففي النارِ".
رواه البخاري والنسائي.
وفي رواية للنسائي قال:
"
إزرةُ (1) المؤمِنِ إلى عَضَلَةِ ساقِهِ، ثمَّ إلى نِصْفِ ساقِهِ، ثم إلى كعْبِه، وما تَحْتَ الكعبينِ مِنَ الإزارِ ففي النارِ" (2).

2030 - (3) [
حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
ما قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإزار فهو في القَميصِ.
رواه أبو داود.
__________
(1)
بالكسر: الحالة وهيئة الائتزار، مئل (الرَّكبةَ) و (الجلسةَ). "نهاية".
(2)
قال الخطابي (6/ 55): له تأويلان: أحدهما: أنَّ ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار؛ عقوبة له على فعله. والآخر: أنَّ صنيعه ذلك وفعله الذي فعله في النار، على معنى أنه معدود من أفعال أهل النار". 
2031 - (4) [
صحيح] وعن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال:
سألتُ أبا سعيدٍ عن الإزار؟ فقال: على الخبيرِ (1) سَقطْتَ، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إزرَةُ المؤمنِ إلى نِصْفِ الساقِ، ولا حَرَج -أو قال: لا جُناحَ- عليه فيما بيْنَهُ وبين الكَعْبينِ، وما كانَ أسفلَ مِنْ ذلك فهوَ في النارِ، ومَنْ جَرِّ إزارَهُ بَطَراً لَمْ يَنْظُرِ الله إليه يَوْمَ القِيامَةِ".
رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".

2032 - (5) [
صحيح] وعن أنسٍ -قال حميد: كأنَّه يعني النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
"
الإزارُ إلى نصْفِ الساقِ". فشقَّ عليهم فقال:
"
أو إلى الكعبيْنِ، لا خيرَ فيما أسْفَلَ مِنْ ذلك".
رواه أحمد (2)، ورواته رواة الصحيح.
__________
(1)
في الأصل زيادة: (بها)، وكذا في المخطوطة، وأظنها مقحمة، فإنها لم ترد في "سنن أبي داود" -والسياق له إلا في حروف قليلة-، وكذلك لم ترد في "مسند أحمد" (3/ 44)، وهما المصدران الوحيدان اللذان وردت فيهما هذه الجملة "على الخبير سقطت"؛ اللهم إلا النسائي، فلستُ أدري أهي عنده أم لا، لأنني لم أر الحديث في "الصغرى" له، ثم إن هذه الجملة قد جاءت في أحاديث أخرى من قول بعض الصحابة منهم عائشة عند مسلم (كتاب الحيض) وليس فيها (بها).
ثم طبعت "السنن الكبرى" للنسائي، فرأيت الحديث فيه (5/ 490 - 491/ 9714 - 9717) دون الجملة، فالزيادة مقحمة يقيناً، وغفل عن ذلك المعلقون الثلاثة، وهو اللائق بالمتعالمين!
(2)
في "المسند" (3/ 256). وفي رواية له (3/ 249) عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره دون شك في رفعه، وسنده حسن، وكذلك رواه من طريق ثالثة (3/ 140) عن حميد، وسنده صحيح، ويشهد له حديث حذيفة:
أخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضلة ساقي فقال: "هذا موضع الإزار، فإنْ أبيت فأسفل، فإنْ أبيت فلا حق للإزار في الكعبين".
أخرجه النسائي والترمذي وقال:
"
حسن صحيح، ورواه الثوري وشعبة عن ابن إسحاق". قال السندي:
"
والظاهر أنَّ هذا هو التحديد وإنْ لم يكن هناك خيلاء، نعم؛ إذا انضم إليه الخيلاء اشتد الأمر، وبدونه الأمر أخف". 
2033 - (6) [
صحيح] وعن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
دخْلتُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليَّ إزارٌ يَتَقعْقَع (1)، فقال:
"
مَنْ هذا؟ ".
فقلتُ: عبدُ الله بنُ عمر. قال:
"
إنْ كنتَ عبدَ الله فارْفَعْ إزارَك". فرفعتُ إزاري إلى نِصْفِ الساقينِ.
فلَمْ تَزلْ إزْرَتُه حتَّى ماتَ.
رواه أحمد، ورواته ثقات.

2034 - (7) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا ينظُر إليهِمْ، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولهم عذابٌ أليمٌ". قال: فَقرأَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثَ مرَّاتٍ.
قال أبو ذر: خابوا وخَسِروا؛ مَنْ هُمْ يا رسولَ الله؟ قال:
"
المسْبِلُ، والمنَّانُ، والمنَفِّقُ سِلْعَتَه بالحلْفِ الكاذِبِ". وفي رواية:
"
المسبل إزاره".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(
المسبل): هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبراً واختيالاً.

2035 - (8) [
حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الإسبالُ في الإزارِ والقميصِ والعمامةِ، من جرِّ شيئاً خُيلاءَ؛ لم ينظرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ".
__________
(1)
أي: يضطرب ويصوت. في "النهاية":
"
و (القعقعة) حكاية حركة الشيء يسمع له صوت"، ولا ينافيه ما في رواية لأحمد مفسرة بلفظ: "يعني جديداً". فإنَّ الجديد صوته أوضح كما هو معلوم
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية عبد العزيز بن أبي رواد، والجمهور على توثيقه.

2036 - (9) [
صحيح] وعن ابن عمر أيضاً؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا ينظرُ اللهُ يومَ القيامةِ إلى مَنْ جَرَّ ثوبَه خُيلاءَ".
رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

2037 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَنظُرُ اللهُ يومَ القيامَةِ إلى مَنْ جَرَّ إزارَه بَطَراً".
رواه مالك والبخاري ومسلم.
[
حسن صحيح] وابن ماجه، إلا أنه قال:
"
من جرَّ ثوبه من الخيلاء".

2038 - (11) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
من جَرَّ ثوبَه خُيلاءَ؛ لم ينظرِ الله إليه يومَ القِيامَةِ".
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسولَ الله! إنَّ إزاري يسْتَرخي (1) إلا أنْ أتعاهَدَهُ؟ فقال له رسولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّك لستَ مِمَّنْ يفْعَلُه خُيَلاءَ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
__________
(1)
زاد أحمد في رواية: "أحياناً".
قلت: ومن الواضح أن إزار أبي بكر لم يكن طويلاً زائداً على الحد المشروع، لأن الشكوى منه إنما كانت لأنه يسترخي أحياناً مع تعهده إياه. رضي الله عنه وأرضاه، فأين هذا مما يفعله بعض الأمراء والعلماء والشباب المبتلى بإطالة الثوب أو العباءة، أو (البنطلون) الذي يمس الأرض، ثم يبرّرون ذلك بأنهم لا يفعلون ذلك خيلاء، ولو كانوا صادقين لفعلوا فعل أبي بكر. انظر "الأحاديث الصحيحة" (2682).

(2/459)


ولفظ مسلم: قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بأذُنَيَّ هاتين يقول:
"
مَنْ جَرَّ إزارَه لا يريدُ بذلك إلا المَخِيلَةَ؛ فإنَّ الله لا ينظُر إليه يومَ القيامَةِ".
(
الخُيَلاء) بضم الخاء المعجمة وكسرها أيضاً وبفتح الياء المثناة تحت ممدوداً: هو الكبر والعجب.
و (المَخِيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من الاختيال: وهو الكبر واستحقار الناس.

2039 - (12) [
حسن لغيره] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:
رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بحُجْزَةِ سفيان بن أبي سهل فقال:
"
يا سُفيانُ! لا تُسبِلْ إزارَك، فإنَّ الله لا يُحِبَّ المسْبِلينَ".
رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.
(
قال الحافظ:) ويأتي إنْ شاء الله تعالى في "طلاقة الوجه" [23 - الأدب/ 4]: حديث أبي جُرَيّ الهُجيمي، وفيه:
"
وإياك وإسبالَ الإزارِ؛ فإنه من المخيلة، ولا يحبُّها الله".

2040 - (13) [
صحيح] وعن هُبيْبِ بْنِ مُغْفِلٍ -بضم الميم وسكون المعجمة وكسر الفاء- رضي الله عنه: أنَّه رأى محمَّداً القرشيِّ قام فجرَّ إزارَه؛ فقال هُبيْبٌ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ وَطِئَهُ خُيَلاءَ؛ وَطِئهُ في النارِ".
رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والطبراني.

2041 - (14) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ أسْبَل إزارَه في صَلاتِه خُيلاء؛ فليسَ مِنَ الله في حِلٍّ ولا حَرامٍ".
رواه أبو داود وقال: "ورواه جماعة موقوفاً على ابن مسعود".

(2/460)


3 - (
الترغيب في كلماتٍ يقولهن من لبس ثوباً جديداً).
2042 - (1) [
حسن لغيره] عن معاذِ بْنِ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أكَلَ طعاماً فقال: (الحمدُ لله الذي أطْعَمني هذا ورزَقَنيهِ مِنْ غير حوْلٍ منِّي ولا قُوَّةٍ)، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه.
ومَنْ لَبِسَ ثوباً (1) فقال: (الحمدُ لله الذي كَساني هذا ورَزَقنيه مِنْ غيرِ حولٍ منِّي ولا قُوَّةٍ)؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذنْبِه. . .". (2)
رواه أبو داود، والحاكم ولم يقل: "وما تأخر"، وقال:
"
صحيح الإسناد".
وروى الترمذي وابن ماجه شطره الأول، وقال الترمذي:
"
حديث حسن غريب".
(
قال الحافظ) عبد العظيم:
"
رواه هؤلاء الأربعة من طريق عبد الرحيم أبي مرحوم عن سهل بن معاذ عن أبيه. وعبد الرحيم وسهل يأتي الكلام عليهما".
__________
(1)
هنا زيادة: "جديداً"، ولا أصل لها عند مخرجيه فحذفتها، وإنْ كان مراداً من حيث المعنى، كما أفاده الناجي.
(2)
هنا زيادة: "وما تأخر، فحذفتها لنكارتها، وفقدان الشاهد لها.

(2/461)


4 - (
الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة).
2043 - (1) [
حسن] عن عبدِ الله بن عَمْروٍ (1) رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يكونُ في آخِرِ أُمَّتي رجالٌ يركَبون على سُروجٍ (2) كأَشْباهِ الرِّحالِ (3)، ينزِلون على أبْوابِ المساجِدِ، نِساؤهُم كاسياتٌ عارياتٌ، على رؤوسِهِنَّ كأَسمِنَةِ البُخْتِ العِجافِ، الْعَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعونَاتٌ، لو كانَ وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ (4) نِساؤكم كما خَدَمكُم نساءُ الأُمَمِ قبلَكُمْ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
__________
(1)
سقطت الواو من (عمرو) من الأصل والمخطوطة وغيرهما، واستدركتها من المصادر المذكورة. وأما المعلقون الثلاثة فهم ماضون على غفلتهم المعهودة!
(2)
سقطت الواو أيضاً من الأصل والمخطوطة، ويبدو أنَّه خطأ قديم، فإنَّه وقع كذلك في "صحيح ابن حبان"، لأنَّه كذلك ذكره الهيثمي في "موارد الظمآن" رقم (1454)، وهو خطأ يقيناً لأن (سُرُج) جمع (سراج) ولا معنى له هنا، والصواب ما أثبتنا، وهو جمع (سَرج) مثل (فلس) و (فلوس)، وليس خطأً مطبعياً كما ظن الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"، وغفل أيضاً المعلقون الثلاثة عن هذا الخطأ فأثبتوه! ثم زادوا خطأ آخر، فقالوا: "سُرُج: جمع سَرْج: وهو وطاء ممهد يوضع على ظهر الحصان للركوب"! فهم جهلة باللغة أيضاً!!
(3)
بالحاء المهملة جمع (رحل): وهو كل شيء يعد للرحيل، من وعاء للمتاع، ومركب للبعير كما في "المصباح المنير". ووقع في الأصل (الرجال) جمع (رجل) وكذا في "المسند" وغيره، واستشكله أحمد شاكر، وحق له ذلك، لأنه فاته أنَّه بالحاء وليس بالجيم كما حققته في "الصحيحة" (2682)، وبينت أنَّ الحديث يشير إلى السيارات التي تتجمع اليوم على أبواب المساجد يوم الجمعة، أو يوم إدخال الجنازة إلى المسجد للصلاة عليها، والمشيعون ينتظرون، ولا يصلون ونساؤهم كاسيات عاريات. . . وقد غفل المعلقون أيضاً عن هذا!!
(4)
في "الموارد": (خدمهن)، ولعله أصح.

(2/462)


2044 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
صِنْفانِ مِنْ أهلِ النارِ لَمْ أرَهُما: قومٌ معهم سِياطٌ كأذْنابِ البَقرِ يضرِبونَ بها الناسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مُميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائلَةِ؛ لا يدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يجِدْنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَة كذا وكذا".
رواه مسلم وغيره.

2045 - (3) [
حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها:
أن أسماءَ بنت أبي بكر دخلَتْ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليها ثيابٌ رِقاقٌ، فأعْرضَ عنها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال:
"
يا أسماءُ! إنَّ المرأة إذا بلَغَتِ المحيضَ لم يَصلُح أنْ يُرى مِنْها إلا هذا وهذا". وأشار إلى وجْهِهِ وكفَّيْهِ.
رواه أبو داود وقال: هذا مرسل، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة (1).
__________
(1)
قلت: لكن له شاهد من حديث أسماء بنت عميس، وقواه البيهقي والذهبي بأقوال الصحابة، كابن عباس وابن عمر، وجرى عليه العمل في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما كنت بينته في "جلباب المرأة" (ص 57 - 60)، وقد تجاهل هذا بعض من كتب في تضعيف الحديث ممن كان تلميذاً لي في الجامعة الإسلامية، سامحه الله. أما رواية قتادة مرسلاً بلفظ: ". . . إلا إلى ههنا". وقبض نصف الذراع، فهو منكر لمخالفته لحديث عائشة وأسماء ومعهما نص القرآن، مع إرساله وتجرده عن شاهد يقويه، كما كنت بينته في المصدر السابق (41 - 48)، فليراجعه بإمعان من لم يتبَّين له الفرق بين اللفظين، ويزعم أننا قوينا الحديث في موضع، وضعفناه في موضع!

(2/463)


5 - (
ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه، والتحلي بالذهب، وترغيب النساء في تركهما).
2046 - (1) [
صحيح] عن عمرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَلبَسوا الحريرَ؛ فإنَّه مَنْ لَبِسَهُ في الدنيا لَمْ يلبَسه في الآخِرَةِ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي، والنسائي وزاد:
[
صحيح موقوف] وقال ابن الزبير:
مَنْ لَبِسَه في الدنيا؛ لَمْ يَدْخُلِ الجنَّة، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (1).

2047 - (2) [
صحيح] وعنه قال: سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنما يَلبَسُ الحريرَ منْ لا خَلاقَ لَهُ".
[
صحيح] رواه البخاري ومسلم. وزاد البخاري وابن ماجه والنسائي في رواية:
"
مَنْ لا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ".

2048 - (3) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدنيا؛ لَمْ يلبَسْهُ في الآخِرةِ".
رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.
__________
(1)
قلت: هذه الزيادة أخرجها النسائي في "الكبرى" (5/ 465/ 9584) دون "الصغرى".
وسندها صحيح، وأخرجها أحمد أيضاً، وليس عند البخاري: "لا تلبسوا الحرير". انظر "الإرواء" (1/ 309)، وهي كما ترى موقوفة، ورواها أحمد (1/ 37) بلفظ: وقال عبد الله بن الزبير من عنده. . "، ومع ذلك فهو مخالف لحديث أبي سعيد مرفوعاً بزيادة: "وإنْ دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه". أخرجه النسائي في "الكبرى" (5/ 471/ 9611)، والحاكم (4/ 191) وصححه، ووافقه الذهبي. وفيه داود السراج، لم يروِ عنه غير قتادة، ولم يوثقه غير ابن حبان.
ونحوه زيادة البيهقي في حديث ابن عمر الآتي في (21 - الحدود/ 6) الحديث السابع منه.

(2/464)


2049 - (4) [
صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال:
رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخَذَ حريراً فجعَلهُ في يَمينِه، وذَهباً فجعَله في شِمالهِ، ثمَّ قال:
"
إنَّ هذْينِ حرامٌ على ذكورِ أُمَّتي".
رواه أبو داود والنسائي (1).

2050 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدنيا؛ لَم يَلْبَسْه في الآخِرَة، ومَنْ شَرِبَ الخمرَ في الدنيا؛ لَمْ يشْرْبهُ في الآخِرَة، ومَنْ شرِبَ في آنيةِ الذهبِ والفِضَّةِ؛ لَمْ يشرب بِها في الآخِرةِ -ثم قال:- لباسُ أهْلِ الجنَّةِ، وشرابُ أهلِ الجنَّة، وآنِيةُ أهلِ الجنَّةِ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

2051 - (6) [
صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال:
أُهدِيَ لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُّوجُ حريرٍ، فلَبِسَه، ثمَّ صلَّى فيهِ، ثمَّ انْصَرف فنَزعهُ نَزْعاً شديداً كالكارِهِ لَهُ، ثُمَّ قال:
"
لا يَنْبَغي هذا لِلْمُتَّقينَ".
رواه البخاري ومسلم.
(
والفَرّوج) بفتح الفاء وتشديد الراء وضمها وبالجيم: هو القباء الذي شق من خلفه.
__________
(1)
قلت: وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 215/ 2) وقال: "ورويناه من حديث أبي موسى وعقبة بن عامر وغيرهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه زيادة: (حل لإناثهم) ". ثم ساقه من حديث ابن عمرو مرفوعاً.

(2/465)


2052 - (7) [
حسن صحيح] وعن [هشام بن] (1) أبي رُقَيَّة قال:
سمعتُ مسلمةَ بن مُخَلَّد وهو على المِنْبَرِ يخطُبُ الناسَ يقول:
يا أيها الناسُ! أَمَا لكم في العَصْبِ والكَتّانِ ما يُغنيكُمْ عنِ الحريرِ؟ وهذا رجلٌ يُخْبِرُ عَنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُمْ يا عُقْبَةٌ! فقَام عُقْبَةُ بنُ عامرٍ -وأنا أسمعُ- فقال: إنّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
مَنْ كَذبَ عليَّ متعمِّداً؛ فلْيتَبوَّأْ مقعدَهُ مِنَ النارِ".
وأشهدُ أنِّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدنيا؛ حُرِمَهُ أنْ يَلْبَسه في الآخِرَةِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
(
العَصْب) بفتح العين وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البُرود.

2053 - (8) [
صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
نهانا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ نشربَ في آنِيَةِ الذهبِ والفِضَّةِ، وأنْ نأْكُلَ فيها، وعنْ لُبسِ الحريرِ والدِّيباجِ (2)، وأَنْ نجِلسَ عليهِ.
رواه البخاري.

2054 - (9) [
حسن لغيره] وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا اسْتَحلَّتْ أمَّتي خمْساً فعليهمُ الدمارُ: إذا ظَهر التلاعُن، وشرِبوا
__________
(1)
سقطت من الأصل، والظاهر أن الرواية كذلك في "صحيح ابن حبان"، فقد سقطت أيضاً من "موارد الظمآن" (1461)، وهو فيه من رواية عمرو بن الحارث عن أبي رقية. و (أبو رقية) ليس له ذكر في الرواة مطلقاً، وإنما ابنه هشام، وفي الرواة عنه ذكروا عَمْراً هذا، وقد جاء على الصواب في "مسند أحمد" (4/ 156). ثم طبع "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" فرأيته فيه على الصواب؛ وغفل عن هذا التصحيح المبتلون بالغفلة والتشبع بما لم يعطوا!
(2)
بكسر الدال، وقد تفتح: هو الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرب.

(2/466)


الخمورَ، ولَبِسوا الحريرَ، واتَّخذوا القِيانَ (1)، واكْتَفى الرجالُ بالرِجالِ، والنساءُ بالنساءِ".
رواه البيهقي عقيب حديث، ثم قال:
"
إسناده وإسناد ما قبله غير قوي، غير أنه إذا ضم بعضه إلى بعض أخذ قوة".

2055 - (10) [
صحيح موقوف] وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال:
اسْتأْذَن سعدٌ رضي الله عنه على ابْنِ عامرٍ، وتحتَه مَرافِقُ مِنْ حريرٍ، فأمرَ بها فَرُفِعَتْ، فَدخَل عليه وهو على مَطْرَفٍ مِنْ خَزٍّ، فقال: اسْتأذَنْتَ وتحتي مَرافِقُ مِنْ حريرٍ، فأمرتُ بها فَرُفِعتْ، فقال له: نِعمَ الرجلُ أنتَ يا ابْنَ عامرٍ! إنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ قال اللهُ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}، والله لأنْ أضْطَجعَ على جَمْرِ الغَضا (2)؛ أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أضْطَجعَ عليها.
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".
(
المرافق) بفتح الميم؛ جمع (مرفقة) بكسرها وفتح الفاء: وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالمخدة.

2056 - (11) [
صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال:
رأى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبَّةً مُجَيَّبَة بحريرٍ، فقال:
"
طوقٌ مِنْ نارٍ يومَ القِيامَةِ".
رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات.
__________
(1)
جمع (قينة): هي الأَمة المغنية، وتجمع على (قينات) أيضاً.
(2)
شجر من الأثل، واحدته (غضاة). قال في "المصباح": "وخشبه من أصلب الخشب، ولهذا يكون في فحمه صلابة".

(2/467)


(
مُجَيّبة) بضم الميم وفتح الجيم بعدهما ياء مثناة تحت مفتوحة ثم باء موحدة؛ أي: لها (جيب) بفتح الجيم من حرير: وهو الطوق. (1)

2057 - (12) [
صحيح موقوف] ورواه البزار [يعني حديث جويرية الذي في "الضعيف"] عن حذيفة موقوفاً:
مَنْ لَبسَ ثوبَ حريرٍ، ألبسهُ الله يوماً مِنْ نارٍ، ليسَ مِنْ أيَّامِكُم، ولكنْ مِنْ أيَّامِ الله الطِّوالِ.

2058 - (13) [
حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ كان يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلا يلْبَسْ حريراً ولا ذَهباً".
رواه أحمد، ورواته ثقات. (2)

2059 - (14) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ ماتَ مِنْ أمَّتي وهو يشربُ الخمرَ؛ حرَّم الله عليه شُرْبَها في الجنَّةِ، ومَنْ ماتَ من أمتي وهو يتَحلَّى بالذهَب؛ حرّمَ الله عليه لباسَهُ في الجنَّةِ".
رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني.

2060 - (15) [
صحيح] وعنِ ابنِ عَبَّاس رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى خاتَماً مِنْ ذَهب في يد رجلٍ فَنزَعهُ وطَرحَهُ، وقال:
"
يعمَدُ أحدُكم إلى جَمرةٍ مِنْ نارٍ فَيطْرَحُها في يدِه؟! ".
__________
(1)
قلت: والظاهر أنه كان أكثر من أربع أصابع، لأن الأربع منه جائز بنص حديث عمر في مسلم وغيره. انظر "الصحيحة" (2684).
(2)
قلت: وكذا قال الهيثمي. وقد أخرجه أحمد (5/ 261)، وكذا ابنه عبد الله بسند حسن. ثم رواه أحمد من وجه آخر، وفيه ابن لهيعة، لكنه متابَع في الوجه الأول.

(2/468)


فقيلَ لِلرَّجُلِ بعدَ ما ذَهَب رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْ خاتَمَك انْتَفعْ به.
قال: لا والله، لا آخُذُه وقدْ طَرحَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه مسلم.

2061 - (16) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه:
أن رجلاً قدِمَ مِنْ (نَجْرانَ) إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه خاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فأعْرَضَ عنهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال:
"
إنَّك جئْتَني وفي يدك جمرَةٌ مِنْ نارٍ".
رواه النسائي.

2062 - (17) [
صحيح] وعن خليفة بن كعب قال:
سمعتُ ابنَ الزبير يخطُب ويقول: لا تُلبِسوا نساءَكم الحريرَ، فإنَّي سمعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَلْبَسوا الحريرَ؛ فإنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ في الدنيا؛ لَمْ يَلْبَسْه في الآخِرَةِ".
رواه البخاري ومسلم، والنسائي وزاد في رواية (1):
ومَنْ لَمْ يَلبَسْه في الآخِرَة؛ لَمْ يَدخُلِ الجنَّةَ، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
__________
(1)
قال الحافظ في "الفتح" (10/ 243): "وهذه الزيادة مدرجة في الخبر، وهي موقوفة على ابن الزبير، بيَّن ذلك النسائي أيضاً من طريق شعبة. . . فذكر الحديث، وفي آخره: قال ابن الزبير. . فذكر الزيادة. وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن الجعد عن شعبة، ولفظه: فقال ابن الزبير من رأيه: فذكره نحوه".
قلت: رواية شعبة هذه عند أحمد أيضاً (1/ 37): ثنا يحيى عن شعبة به. ورواية النسائي المدرجة والموقوفة ليست في "الصغرى" له، وإنما في "الكبرى" له كما بينت في تعليقي على الحديث في أول الباب، فإعادة المؤلف إياه تكرار بدون فائدة تذكر، بل إنه أوهم رفعها!! وغفل عن ذلك المعلقون الثلاثة!

(2/469)


2063 - (18) [
صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمنَعُ أهْلهُ (1) الحِلْيَةِ والحريرِ، ويقولُ:
"
إنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ حلْيَةَ الجنَّةِ وحريرَها؛ فلا تلْبَسوها (2) في الدنيا".
رواه النسائي، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

2064 - (19) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: مَنْ تركَ الخمرَ وَهُوَ يقدِرُ عليه؛ لأُسْقِينَّه مِنهُ في حَظيرَةِ القُدُسِ (3)، ومَنْ تَركَ الحَرير وهو يقدِرُ عليهِ؛ لأَكْسوَنَّهُ إيَّاهُ في حَظيرَةِ القُدُسِ".
رواه البزار بإسناد حسن، ويأتي في [21 - الحدود/ 6] "باب شرب الخمر" أحاديث نحو هذا إنْ شاء الله تعالى.

2065 - (20) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
من سرَّه أن يسقيَه اللهُ الخمرَ في الآخرةِ؛ فليتركه في الدنيا، ومن سَرَّه أن يكسِيَه الله الحريرَ في الآخرةِ؛ فليتركه في الدنيا".
__________
(1)
الأصل "أهل"، وهو خطأ جرى عليه المعلقون الثلاثة، والتصحيح من النسائي وغيره.
(2)
في الأصل والمخطوطة، "تلبسونها"، والمثبت من النسائي. وكذا عند أحمد (4/ 145) وابن حبان (1463). وأما الحاكم فقال: "فلا تلبسنها"، وهذا يرجح ما استظهره السندي أنَّ المقصودَ بـ (الأهل): أزواجه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبـ (الحلية) على إطلاقها سواء كانت ذهباً أو فضة. وقال: ولعل ذلك مخصوص بهم ليؤثروا الآخرة على الدنيا. وكذا الحرير.
(3) (
الحظيرة) في الأصل: الموضع الذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم والإبل؛ يقيها الحر والبرد. أراد بها هنا الجنة.

(2/470)


رواه الطبراني في "الأوسط". ورواته ثقات؛ إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وُثق، وله شواهد.

2066 - (21) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ويلٌ للنساءِ مِنَ الأحْمرَيْنِ: الذهبِ والمعَصْفَرِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

2067 - (22) [
صحيح] وعن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال:
حدثني أبو عامر أو أبو (1) مالك الأشعري، -والله يمينٌ أخرى ما كذبني- أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لَيكونَنَّ مِنْ أمَّتي أقوامٌ يستَحِلُّونَ الخمرَ والحريرَ -وذكر كلاماً قال:- (2) يَمسَخُ منهُم قِردةً وخنازيرَ إلى يومِ القِيامَةِ".
رواه البخاري تعليقاً، وأبو داود واللفظ له.
__________
(1)
الأصل: (و)، والتصويب من "البخاري" و"أبي داود" و"مختصره" (3881) للمؤلف، وانظر "عون المعبود" (4/ 81).
(2)
قلت: هو ما في رواية البخاري والطبراني وغيرهما: "والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، تروح عليهم سارحة لهم، فيأتيهم رجل لحاجته، فيقولون له: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله عز وجل، فيضع العَلم عليهم، ويمسخ آخرين. . .". انظر "الصحيحة" (91)، وكتابي الجديد الفريد "تحريم آلات الطرب" (ص 38 - 43).

(2/471)


6 - (
الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة، أو المرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك).
2068 - (1) [
صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
"
لعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتشبِّهينَ مِنَ الرجالِ بالنساءِ، والمتشبِّهاتِ مِنَ النساءِ بالرجالِ".
رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفي رواية للبخاري:
"
لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المخنَّثينَ مِنَ الرِجالِ، والمتَرجِّلاتِ مِنَ النساءِ".
(
المخنَّث) بفتح النون وكسرها: مَنْ فيه انخناث، وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء، لا الذي يأتي الفاحشة الكبرى.

2069 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"
لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجلَ يلبَسُ لُبسةَ المْرأَةِ، والمرأَةَ تلبَسُ لُبسَةَ الرجلِ".
رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2070 - (3) [
حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ لا يدخلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيْهِ، والدَّيُّوثُ، ورَجُلَةُ (1) النساءِ".
__________
(1)
قال الناجي (ق 173/ 2): "هي بفتح الراء وكسر الجيم"، وهو في ذلك تابع للمؤلف في (22 - البر/ 2)، وهو وهم مخالف لكتب اللغة ومنها "المعجم الوسيط" و"الهادي إلى لسان العرب".

(2/472)


رواه النسائي والبزار في حديث يأتي في [22 - البر/ 2] "العقوق" إنْ شاء الله، والحاكم -واللفظ له- وقال:
"
صحيح الإسناد".
(
الدَّيُّوث) بفتح الدال وتشديد الياء المثناة تحت: هو الذي يعلم الفاحشة في أهله ويقرُّهم عليها.

2071 - (4) [
صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلونَ الجنَّةَ أبَداً: الديُّوث، والرجُلَةُ مِنَ النساءِ، ومُدْمِنُ الخَمْرِ".
قالوا: يا رسولَ الله! أما مُدمنُ الخمرِ فقدْ عرَفْناه، فما الديُّوثُ؟ قال:
"
الذي لا يُبالي مَنْ دَخلَ على أهْلهِ".
قلنا: فما الرجُلَةُ مِنَ النساء؟ قال:
"
التي تَشَبَّهُ بالرجالِ".
رواه الطبراني، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً (1).
__________
(1)
كان الأصل: "ورواته ليس فيهم مجروح"، وعلى هامشه ما أثبته أعلاه، وإنما آثرته لمطابقته لمخطوطة الظاهرية.

(2/473)


7 - (
الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداء بأشرف الخلق محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة).
2072 - (1) [
حسن لغيره] عن معاذ بن أنس رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ تركَ اللباسَ تواضُعاً لله وهو يقدِرُ عليه؛ دعاهُ اللهُ يومَ القِيامَةِ على روؤسِ الخلائقِ حتى يخيِّرهُ مِنْ أيِّ حُلَلِ الإيمانِ شاءَ يَلْبَسُها".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، والحاكم في موضعين من "المستدرك"، وقال في أحدهما: "صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ): "روياه من طريق أبي مرحوم -وهو عبد الرحيم بن ميمون- عن سهل ابن معاذ، ويأتي الكلام عليهما.

2073 - (2) [
حسن لغيره] وعن رجُلٍ مِنْ أبناء أصحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أبيه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ومَنْ تَرك لُبسَ ثوبِ جَمالٍ، وهو يقدرُ عليهِ -قال بِشْرٌ: أحْسَبُه قال:- تواضُعاً؛ كساهُ الله حُلَّةَ الكَرامَةِ".
رواه أبو داود في حديث، ولم يسمِّ ابنَ الصحابيِّ.
ورواه البيهقي من طريق زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه بزيادة.

2074 - (3) [
حسن لغيره] وعن أبي أُمامَة بن ثعلبة الأنصاريّ -واسمه إياس رضي الله عنه قال:
ذَكَر أصْحابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً عنده الدنيا، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا تسْمَعون، ألا تسْمَعون؟ إنَّ البذاذَة مِنَ الإيمان، إن البذاذة من الإيمان. يعني التَّفَحُّلَ".

(2/474)


رواه أبو داود وابن ماجه؛ كلاهما من رواية محمد بن إسحاق (1)، وقد تكلم أبو عمر النمري في هذا الحديث (2).
(
البَذَاذَة) بفتح الباء الموحدة وذالين معجمتين: هو التواضع في اللباس برثاثة الهيئة، وترك الزينة، والرضا بالدون من الثياب.

2075 - (4) [
صحيح] وعن أبي بردة رضي الله عنه قال:
دخلتُ على عائِشَة رضي الله عنها، فأخرجَتْ إلينا كساءً مُلَبَّداً مِنَ التي تُسمُّونَها الملبَّدة؛ إزاراً غليظاً ممَّا يُصنَعُ باليَمنِ، وأقْسمَتْ بالله لقد قُبِضَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذين الثوبَيْنِ.
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي أخصر منه.
(
الملبَّد): المرقّع، وقيل غير ذلك.

2076 - (5) [
صحيح] وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
توفي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن نمرةً من صوف (3) تنسج له.
رواه البيهقي (4).
__________
(1)
قلت: محمد بن إسحاق ليس في طريق ابن ماجه، فتنبه.
(2)
قلت: كأنَّه يشير إلى الخلاف الذي وقع في إسناده الذي شرحته في "الصحيحة" (341)، لكن بينت أنَّه لا يضر في صحة الحديث، لرجاحة وجه من وجوه الاختلاف.
(3)
الأصل: "صور"، والتصويب من "شعب البيهقي" و"المخطوطة"، والحديث مخرج في "الصحيحة" (2687).
و (النَّمِرة) بفتح النون وكسر الميم: كساء فيه خطوط بيض وسود تلبسه الأعراب؛ كما في "المصباح".
(4)
أخرجه البيهقي في "الشعب" (5/ 154/ 6165) بسند صحيح، وأعله الجهلة بابن لهيعة، وقد رواه عنه عبد الله بن وهب، وحديثه عنه صحيح عند العلماء، ثم تناقضوا فحسنوا له حديث عبد الله بن شداد الآتي بعد سبعة أحاديث، وهو من رواية ابن وهب أيضاً عنه!

(2/475)


2077 - (6) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
خَرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه مِرْط مُرَحَّلٌ مِنْ شعْرٍ أسْوَدَ.
رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
(
المِرْط) بكسر الميم وسكون الراء: كساء يؤتزر به؛ قال أبو عبيد: "وقد تكون من صوف ومن خز".
و (مرحَّل) بفتح الحاء المهملة وتشديدها؛ أي: فيه صور رحال الجمال.

2078 - (7) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت:
كان وِسادُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يَتَّكِئُ عليه مِنْ أَدَمٍ حَشْوُه ليفٌ.

2079 - (8) [
صحيح] وعنها قالت:
إنَّما كانَ فِراش رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يَنام عليه أدَماً حشوهُ ليفٌ.
رواهما (1) مسلم وغيره.

2080 - (9) [
حسن] وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال:
اسْتَكْسَيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكَساني خَيْشَتَيْنِ، فلَقدْ رأيتُني وأنا أَكسَى أصْحابي.
رواه أبو داود والبيهقي؛ كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش.
(
الخَيشة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت بعدهما شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مُشاقَة الكَتّان (2) يغزل غزلاً غليظاً، وينسج نسجاً رقيقاً.
__________
(1)
وقع في طبعة الثلاثة: (رواه)! مع أنَّهم عزوا في التعليق الحديث الأول كالثاني لمسلم! ثم جهلوا أنَّ الثاني منهما رواه البخاري أيضاً مع تنبيه الناجي عليه! وانظر "مختصر الشمائل" (173/ 282).
(2)
ما ينقطع من الكتان عند تخليصه وتسريحه. "النهاية".

(2/476)


وقوله: "وأنا أَكسي أصحابي" يعني: أعظمهم وأعلاهم كسوة.

2081 - (10) [
صحيح] وعن أبي بردة (1) قال: قال لي أبي:
لو رأيْتنا ونحنُ معَ نَبِيِّنا وقدْ أصابَتْنا السماءُ، حسِبْتَ أنَّ ريحَنا ريحُ الضأْنِ.
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال:
"
حديث صحيح. (ومعنى الحديث): أنه كان ثيابهم الصوف، وكان إذا أصابهم المطر يجيء من ثيابهم ريح الصوف" انتهى.

2082 - (11) [
صحيح موقوف] وعن أنسٍ قال:
رأيتُ عمرَ رضي الله عنه -وهو يومَئذٍ أميرُ المؤمنينَ- وقد رَفَّع بينَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلاثٍ، لَبَّد بعضها على بعْضٍ.
رواه مالك.

2083 - (12) [
حسن صحيح] وعن أنسٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كَمْ مِنْ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرَيْنِ لا يُؤبَهُ له، لوْ أَقْسَم على الله لأَبرَّهُ، منهم البراءُ بنُ مالكٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
(
قال الحافظ):
"
ويأتي في [24 - الزهد/ 5] "باب الفقر" أحاديث من هذا النوع وغيره إنْ شاء الله تعالى".
__________
(1)
الأصل والمخطوطة: (ابن بريدة)، وهو خطأ لعله من بعض النساخ، فالحديث عند جميع من عزاه المصنف إليه على ما أثبتنا، وعند أحمد وغيره: "قال: قال أبو موسى: يا بني. . .".

(2/477)


2084 - (13) [
صحيح] وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال:
رأيتُ عثمانَ بْنَ عفَّانَ يومَ الجُمُعَةِ على المنْبَرِ عليه إزارٌ عَدَنِيٌّ غَليظٌ، ثَمنُهُ أربعةُ دراهِمَ أو خمسةٌ، ورَيْطَةٌ كوفِيَّةٌ مُمَشَّقَةٌ، ضَرْبَ اللحْمِ (1)، طويلَ اللِّحْيَةِ، حَسَن الوَجْهِ.
رواه الطبراني بإسناد حسن، والبيهقي (2).
(
عَدَني) بفتح العين والدال المهملتين: منسوب إلى (عدن).
(
الرَّيْطَة) بفتح الراء وسكون الياء المثناة تحت: كل ملاءة تكون قطعة واحدة ونسجاً واحداً ليس لها لفقان (3).
(
وضَرْبَ) اللحم بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء: خفيفه.
و (مُمَشَّقَةٌ) أي: مصبوغة بـ (المشق) بكسر الميم: وهو المُغرة (4).

2085 - (14) [
صحيح موقوف] وعن محمد بن سيرين قال:
كنَّا عند أبي هريرة رضي الله عنه وعليه ثوبان مُمَشَّقانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَمَخط في أحدِهِما ثُمَّ قال: بَخٍ بَخٍ، يَمْتَخِطُ أبو هريرة في الكَتَّانِ! لقد رَأيْتُني وإنِّي لأَخِرُّ فيما بين مِنْبَرِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحُجْرة عائشةَ مِنَ الجوعِ مَغْشيّاً عليَّ، فيَجيءُ الجائي، فَيضَعُ رِجْلَهُ على عُنُقي يرى أنَّ بي الجنونَ؟ وما هو إلا الجوعُ.
رواه البخاري، والترمذي وصححه.
__________
(1)
هو الخفيف اللحم الممشوق المستدق. "نهاية".
(2)
كذا قال! ولو عكس كان أولى؛ لأن في إسنادهما ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، لكنه عند البيهقي في "الشعب" (2/ 230/ 2) من رواية عبد الله بن وهب عنه، وهي صحيحة عند العلماء، كما تقدم مني قبل سبعة أحاديث رداً على الجهلة الذين ضعفوا حديثه هناك وحسنوه هنا، تقليداً منهم للهيثمي مع أنَّه عنده من غير طريق ابن وهب!!
(3)
وفي "المصباح": "لبست لفقين، أي: قطعتين، والجمع (رياط) مثل كلبة وكلاب".
(4)
وهو الطين الأحمر كانوا يصبغون به الثياب.

(2/478)


2086 - (15) [
صحيح موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
لقد رأيتُ سبعينَ مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ، ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إمَّا إِزَارٌ وإمّا كِساءٌ قد ربَطوا في أعْناقِهِم، فمنها ما يبلُغُ نصفَ الساقينِ، ومنها ما يَبلغُ الكعْبَينِ، فيجمَعُه بيدِه كراهِيَةَ أنْ تُرى عَوْرَتُه.
رواه البخاري.

2087 - (16) [
حسن لغيره] ورُوِيَ عن فاطمةَ بنتِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
شرارُ أمَّتي الذين غُذُّوا بالنعيمِ؛ الذين يأْكُلونَ ألْوانَ الطعامِ، ويلْبَسونَ ألوانَ الثيابِ، ويتشدَّقونَ في الكَلامِ".
رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب ذم الغيبة" وغيره.

2088 - (17) [
حسن لغيره] وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سيكونُ رِجالٌ مِنْ أمَّتي يأْكلُونَ ألْوانَ الطعامِ، ويشْرَبونَ ألوانَ الشرابِ، ويلْبَسونَ ألوانَ الثيابِ، ويتَشَدَّقونَ في الكلامِ، فأولئكَ شِرارُ أُمَّتي".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط".

2089 - (18) [
حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه قال:
"
مَنْ لَبِسَ ثوبَ شُهْرةٍ؛ ألْبَسهُ الله إيَّاهُ يومَ القِيامَةِ، ثمَّ ألْهَبَ فيهِ النارَ، ومنْ تشبَّه بقومٍ فهو مِنْهُمْ".
ذكره رزين في "جامعه"، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها. (1)
__________
(1)
قلت: قد أخرجه أبو داود في "اللباس" مفرقاً بإسنادين حسنين عن ابن عمر مرفوعاً، لفظ الأول مثل لفظ ابن ماجه الآتي. والآخر: "من تشبه بقوم فهو منهم". وهما مخرجان في "جلباب المرأة" (ص 148 و204)، وعند ابن ماجه في رواية: "ثم ألهب فيه ناراً"، ولم يتنبه الحافظ الناجي إلا للرواية الأخرى، فنفى أن يكون عنده!

(2/479)


[
حسن] إنما رواه ابن ماجه بإسناد حسن ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدنيا؛ ألْبَسهُ الله ثوبَ مَذَلَّةٍ يومَ القِيامَةِ، ثُمَّ ألْهبَ فيه ناراً".
رواه أيضاً أخصر منه.

8 - (
الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه).
2090 - (1) [
حسن] وروي عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً:
"
أفْضَلُ الأعمالِ إِدخالُ السرورِ على المؤمِن؛ كسوتَ عورَتَه، وأَشبعتَ جوعتَهُ، أو قَضَيْتَ له حاجةً".
رواه الطبراني (1).
__________
(1)
له شواهد يتقوى بها خرَّجته من أجلها في "الصحيحة" (1494).

(2/480)


9 - (
الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه).

2091 - (1) [
صحيح لغيره] عن عَمْرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَنْتُفوا الشيْبَ؛ فإنَّهُ ما مِنْ مسلمٍ يشيبُ شيْبَةً في الإسْلامِ، إلا كانَتْ له نوراً يومَ القِيامَةِ" -وفي رواية: "كُتِبَ لهُ بِها حَسنَةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ-".
[
حسن] رواه أبو داود، والترمذي وقال:
"
حديث حسن"، ولفظه:
"
أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن نتف الشيب، وقال: إنَّه نور المسلم".
ورواه النسائي وابن ماجه.

2092 - (2) [
حسن] وعن فضالةَ بن عُبيد رضي الله عنه؛ أن سول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
من شابَ شيبةً في الإسلامِ؛ كانت له نوراً يوم القيامةِ".
فقال رجلٌ عند ذلك: فإن رجالاً ينتفون الشيبَ. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
من شاءَ فلينتفْ نورَهُ".
رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من رواية ابن لهيعة (1)، وبقية إسناده ثقات.

2093 - (3) [
صحيح] وعن عَمْرِو بنِ عَبْسَةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال:
"
مَنْ شابَ شَيْبَةً في الإسْلامِ؛ كانتْ له نوراً يومَ القِيامَةِ".
رواه النسائي في حديث، والترمذي وقال:
__________
(1)
قلت: لا وجه لإعلاله به، وإن تبعه الهيثمي وقال هنا: "وحديثه حسن، وفيه ضعف"، لأنه قد توبع عند الطبراني وغيره، وفي العزو المذكور أوهام أخرى لا مجال لبيانها، ومحله "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1244 و3371).

(2/481)


"
حديث حسن صحيح" (1).

2094 - (4) [
صحيح] وعن عُمرَ بْنِ الخطَّاب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ شابَ شيْبَةً في سبيلِ الله؛ كانتْ له نوراً يومَ القِيامَةِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (2).

2095 - (5) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
كان يُكْره أنْ ينتِفَ الرجلُ الشعرةَ البيْضاءَ مِنْ رأسِه ولحيَتِهِ.
رواه مسلم.

2096 - (6) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تَنْتُفوا الشيْبَ؛ فإنَّه نورٌ يومَ القِيامَةِ، مَنْ شابَ شيْبَةً؛ كتبَ الله له بها حَسنَةً، وحَطَّ عنه بها خَطيئةً، ورفَعَ لهُ بِها درجَةً".
رواه ابن حبان في صحيحه.
__________
(1)
قلت: فاته ابن حبان في "صحيحه" (رقم 1478 - موارد الظمآن).
(2)
قلت: والطبراني في "الكبير"، وهو مخرج في "الصحيحة" (1244).

(2/482)


10 - (
الترهيب من خضب اللحية بالسواد).
2097 - (1) [
صحيح] عن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يكونُ قومٌ يخْضِبونَ في آخرِ الزمانِ بالسوادِ؛ كَحواصِلِ الحَمامِ، لا يَريحونَ رائِحةَ الجَنَّةِ".
رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ):
"
رووه كلهم من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم، فذهب بعضهم إلى أن عبد الكريم هذا هو ابن المخارق، وضعف الحديث بسببه، والصواب أنه عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو ثقة احتج به الشيخان وغيرهما. والله أعلم (1) ".
__________
(1)
وهذا هو الصواب، وإليه ذهب جمع من الحفاظ، كما ذكره الحافظ ابن حجر في رسالته التي كنت حققتها ونشرتها في آخر "المشكاة" (ص 309)، ومما يؤيد ذلك أنه وقع التصريح بأنه الجزري في بعض الروايات، منها رواية أبي داود في بعض النسخ، منها نسخة "عون المعبود": وإن شئت المزيد فعليك بكتابي "غاية المرام في تخريج الحلال والحرام"، وهو مطبوع.

(2/483)


11 - (
ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة).
2098 - (1) [
صحيح] عن أسماء رضي الله عنها:
أنَّ امْرأةً سألتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسولَ الله! إنَّ ابْنَتي أصابَتْها الحَصَبَة فتمرَّقَ شَعْرُها، وإنِّي زَوَّجْتُها؛ أَفأصِلُ فِيه؟ فقال:
"
لعَنَ الله الواصِلَة والموصُولَةَ".
وفي رواية: قالت أسماء:
لَعن النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواصِلَةَ والمسْتَوْصِلَةَ.
رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.

2099 - (2) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعنَ الواصِلَةَ والمسْتَوْصلةَ، والواشِمَةَ والمسْتَوْشِمَة.
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

2100 - (3) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّه قال:
لَعَن الله الواشِماتِ والمسْتَوْشِمَاتِ، والمتَنَمِّصَاتِ والمتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المغيِّراتِ خَلْقَ الله.
فقالَتْ لهُ امْرَأَةٌ في ذلك. فقالَ: وما لي لا ألعَنُ مَنْ لَعنَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في كتابِ الله؟ قالَ الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(2/484)


(
المتفلجة): هي التي تفلج أسنانها بالمبرد ونحوه للتحسين.

2101 - (4) [
حسن صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
لُعِنَتِ الواصِلَةُ والمسْتَوْصِلَةُ، والنامِصَةُ والمتَنَمِّصَةُ، والواشِمَةُ والمسْتَوْشِمَةُ مِنْ غير داءٍ.
رواه أبو داود وغيره.
(
الواصِلَةُ): التي تصل الشعر بشعر النساء.
و (المسْتَوْصِلَة): المعمول بها ذلك (1).
و (النامِصَةُ): التي تنقش الحاجب (2) حتى ترقَّه. كذا قال أبو داود. وقال الخطابي:
"
هو من النمص، وهو نتف الشعر عن الوجه" (3).
و (المتنَمِّصَة): المعمول بها ذلك.
و (الواشِمَة): التي تغرز اليد والوجه بالإبر ثم تحشو (4) ذلك المكان بكحل أو مداد.
و (المسْتَوْشِمَة): المعمول بها ذلك.

2102 - (5) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ جاريةً مِنَ الأنْصارِ تزوَّجَتْ، وأنَّها مرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شعْرُها، فأَرادوا أَنْ يَصلِوها، فسأَلوا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالَ:
__________
(1)
كذا قال وليس بدقيق. قال الناجي: "إنما المفعول بها (مفعولة) فإنْ طلبت فعل ذلك فهي (مستفعلة)، وكذا (منفعلة) كـ (المتنمصة)، وهذا واضح لا يخفى".
قلت: وهذه الأوهام كلها وقعت في "الانتقاء" المنسوب لابن حجر، ولم يتنبه لذلك محققه الأعظمي، مع تفسيره لها في "الفتح" بما لا غبار عليه.
(2)
قلت: ذكر الحاجب والوجه ليس من باب القيد والحصر، فإنَّ (النمص) أعم من ذلك لغة، ومثله يقال في اليد والوجه في الوشم، ويؤيده عموم قوله: "المغيرات لخلق الله للحسن" فتنبه، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.
(3)
قلت: ذكر الحاجب والوجه ليس من باب القيد والحصر، فإنَّ (النمص) أعم من ذلك لغة، ومثله يقال في اليد والوجه في الوشم، ويؤيده عموم قوله: "المغيرات لخلق الله للحسن" فتنبه، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.
(4)
الأصل: (تحشي)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا.

(2/485)


"
لَعنَ الله الواصِلَة والمسْتَوْصِلَة".
وفي رواية:
أنَّ امْرأةً مِنَ الأنصارِ زوَّجتِ ابنَتَها، فتَمعّطَ شعْرُ رأسِها، فجاءَتْ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرَتْ ذلك له وقالتْ: إنَّ زوْجَها أمَرني أنْ أصِلَ في شعرِها. فقال:
"
لا؛ إنَّه قد لُعِنَ الموصولاتُ".
رواه البخاري ومسلم.

2103 - (6) [
صحيح] وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف:
أنَّه سمعَ معاويةَ عامَ حَجَّ، فقام على المنبر وتناوَل قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كانتْ في يد حَرَسيٍّ فقال:
يا أهلَ المدينَةِ! أين عُلَماؤكم؟ سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينْهى عنْ مثلِ هذه (1) ويقول:
"
إنَّما هلَك بنو إسْرائيلَ حينَ اتَّخذ هذه (1) نِساؤهُم".
رواه مالك، والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي.
[
صحيح] وفي رواية للبخاري ومسلم عن ابن المسيِّب قال:
قدِمَ معاويةُ المدينةَ، فخطَبنا، وأخرَج كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فقال:
ما كنتُ أرى أنَّ أحدَاً يفعلُه إلا اليهودَ:
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلَغَهُ، فسمَّاه (الزَّورَ).
[
صحيح] وفي أخرى للبخاري ومسلم:
أنَّ معاوِية قال ذاتَ يومٍ:
__________
(1)
الأصل في الموضع الأول: (هذا)، وفي الآخر: (ها)، والتصحيح من "الصحيحين".

(2/486)


إنَّكُم أحْدَثْتُم زِيَّ سوءٍ، وإنَّ نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عنِ الزُّورِ.
قال: وجاءَ رجلٌ بِعَصاً على رأْسِها خِرْقَةٌ فقال مُعاوِيَة: ألا هذا الزُّورُ.
قال قتادة: يعني ما يكثِّر به النساءُ أشعارَهُنَّ مِنَ الخرق (1).
__________
(1)
قلت: قول قتادة هذا في الأصل مقدم على قوله: "وجاء رجل. . ."، فصححته من "مسلم" (6/ 168)، وكذلك رواه أحمد (4/ 93). أما عزوه لهذه الرواية إلى البخاري، فخطأ بلا شك كما قال الناجي (174/ 2).

(2/487)


12 - (
الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء).
2104 - (1) [
صحيح لغيره] عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اكْتَحِلوا بالإثْمِدِ؛ فإنَّه يَجلو البصرَ، ويُنبتُ الشعَر".
رواه الترمذي. وقال: "حديث حسن".
[
صحيح] والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" في حديث، ولفظهما: قال:
"
إنَّ مِنْ خيرِ أكْحالكُم الإثْمِد، إنَّه يجْلو البصَر، ويُنْبِتُ الشعر".

2105 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خيرُ أكْحالِكُم الإِثْمِدُ، يُنْبِتُ الشعَر، وَيجْلو البَصَر".
رواه البزار (1)، ورواته رواة الصحيح.

2106 - (3) [
حسن صحيح] وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
عليكُم بالإِثْمِدِ؛ فإنَّه مَنْبتَة للِشعَرِ، مَذْهَبَةٌ لِلْقَذى، مَصْفاةٌ لِلْبَصَرِ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.
__________
(1)
قلت: وكذا قال الهيثمي؛ وفاتهما قول البزار عقبه (3031): "محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة"، وكذا قال غيره، فهو منقطع، وغفل عنه الثلاثة كعادتهم وحسنوه! شغلهم عنه شهوة النقد والتظاهر بالتحقيق ولو بجهد غيرهم، والتشبع بما لم يعطوا، وقالوا: "حسن. . . قال البزار: هذا رواه زياد. قلنا (!): لكن ليس في الإسناد من يسمى زياداً.
قلت: وهذا الاستدراك سرقوه من الشيخ الأعظمي، فهو قوله في تعليقه على "كشف الأستار" (3/ 392)، والحديث إنما هو صحيح لغيره كما رمزنا.

(2/488)


19 -
كتاب الطعام وغيره.
1 - (
الترغيب في التسمية على الطعام، والترهيب من تركها).
2107 - (1) [
صحيح لغيره] عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأكُلُ طعاماً في سِتَّةٍ مِنْ أصحابِه، فجاءَ أعرابيٌّ فأكَلَهُ بلُقْمَتين، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أما إنَّهُ لوْ سَمَّى لَكفَاكُمْ".
رواه أبو داود (1) والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، وزاد:
"
فإذا أكَل أحدُكم طَعاماً، فلْيذْكُرِ اسْمَ الله عليه، فإنْ نَسِيَ في أوَّلِهِ، فلْيَقُلْ: بسْمِ الله أوَّلَهُ وآخِرَه".
وهذه الزيادة عند أبي داود وابن ماجه مفردة.

2108 - (2) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إذا دَخَل الرجلُ بيتَهُ فذكَر الله تعالى عندَ دُخولِهِ وعندَ طَعامِه؛ قال الشيطانُ: لا مَبِيتَ لكُم ولا عَشاءَ.
__________
(1)
ذكر أبي داود وهمٌ نبَّه عليه الناجي. ومع ذلك عزاه المعلقون إليه برقم (3767)، فخلطوا وأوهموا، لأنَّ الرقم المذكور إنما هو عنده للزيادة الآتية، فقد رواها مفردة كما سيذكر المؤلف، وأما عطف المؤلف عليه ابن ماجه فمن أوهامه الكثيرة، فإنما هي عنده تمام الحديث بلفظ ابن حبان!

(2/489)


وإذا دَخَل فلَمْ يذْكرِ الله عندَ دُخولِه؛ قال الشيطانُ: أدركْتُم المَبِيتَ، وإذا لَمْ يذْكُرِ الله عِندَ طعامِه؛ قال الشيطانُ: أدركْتُم المَبِيتَ والعَشَاءَ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (1).

2109 - (3) [
صحيح] وعن حذيفة -هو ابن اليمان- رضي الله عنه قال:
كنَّا إذا حضرْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعاماً لَمْ يَضعْ أحدُنا يَده حتى يبْدأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنّا حضرنا معَه طعاماً، فجاء أعرابيٌّ كأنَّما يُدفَعُ، فذَهَب لِيضَعَ يده في الطعامِ؛ فأَخذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيَدِه.
ثمَّ جاءَتْ جاريَةٌ كأنَّما تُدفَعُ، فذهبت لِتَضَع يَدها في الطعامِ؛ فأخذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدِها وقال:
"
إنَّ الشيطانَ يَستَحِلُّ الطعامَ الذي لَمْ يُذكَرِ اسْمُ الله عليه، وإنَّه جاء بهذا الأعْرابيِّ يستَحِلُّ به؛ فأخذتُ بيده، وجاءَ بهذهِ الجاريَةِ يسْتَحِلُّ بها؛ فأخذتُ بيدِها، والذي نفسي بيدِه إنَّ يَده لفي يدي معَ أيْديهِما".
رواه مسلم والنسائي وأبو داود. (2)
__________
(1)
قلت: وأحمد أيضاً (3/ 346 و383)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1096)، وهو عند النسائي في "الكبرى" (ق 59/ 2).
(2)
قلت: والسياق لأبي داود (3766)، وكذا النسائي (273 - العمل) بنحوه، وهو عند مسلم (6/ 107 - 108) بتقديم قصة الجارية على قصة الأعرابي.

(2/490)


2 - (
الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضة، وتحريمه على الرجال والنساء).
2110 - (1) [
صحيح] عن أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الَّذي يشربُ في آنيَةِ الفِضَّةِ؛ إنَّما يُجَرْجِرُ في بطنِه نارُ جهَنَّمَ".
رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية لمسلمٍ: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الذي يأكلُ أوْ يشربُ في آنيةِ الذهَبِ والفضَّةِ؛ إنّما يُجَرْجِرُ في بطْنِه نارَ جهَنَّمَ".
وفي رواية أخرى له:
"
مَنْ شرِبَ في إناءٍ مِنْ ذهَبٍ أو فضَّةٍ؛ فإِنَّما يُجرْجِرُ (1) في بطنِه ناراً مِنْ جَهنَّم".

2111 - (2) [
صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا تَلبَسوا الحريرَ ولا الدِّيبَاجَ، ولا تشْرَبوا في آنيةِ الذهبِ والفضَّةِ، ولا تأكُلوا في صِحافِها، فإنَّها لهُمْ في الدنيا، ولكُم في الآخِرَةِ".
رواه البخاري ومسلم.

2112 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ لبسَ الحريرَ في الدنيا لَمْ يلبَسْهُ في الآخرةِ، ومَنْ شرِبَ الخمرَ في
__________
(1)
أي: الشارب؛ أي: يلقيها في بطنه بجرع متتابع تسمع له جرجرة، وهي الصوت لتردده في حلقه. أفاده الناجي عن النووي.

(2/491)


الدنيا لَمْ يشربْهُ في الآخِرَةِ، ومَنْ شربَ في آنيَةِ الذهَبِ والفضَّةِ لَمْ يشرَبْ بِها في الآخِرَةِ، -ثمَّ قال:- لِباسُ أهلِ الجنَّة، وشَرابُ أهلِ الجنَّة، وآنيةُ أهلِ الجنَّةِ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 18 - اللباس/ 5].

(2/492)


3 - (
الترهيب من الأكل والشرب بالشمال، وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح).
2113 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يأْكُلنَّ أحدُكم بشِمالهِ، ولا يَشْرَبنَّ بها، فإنَّ الشيْطانَ يأكلُ بشِمالِه ويشربُ بِها". قال:
وكان نافعٌ يزيدُ فيها: "ولا يأخُذْ بها، ولا يُعْطِ بها".
رواه مسلم (1) والترمذي بدون الزيادة. ورواه مالك وأبو داود بنحوه.

2114 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لِيأْكُلْ أحدُكم بيَمِينهِ، ولْيَشْرَبْ بيمينِه، ولْيَأْخُذْ بيمينِه، ولْيُعْطِ بيَمينِه؛ فإنَّ الشيطانَ يأكلُ بشِمالِه، ويشربُ بشِمالِه، وُيعطي بشِمالِه، ويأخُذ بشِمالِه".
رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (2).

2115 - (3) [
حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه:
أنَّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عنِ النفْخِ في الشَرابِ.
فقال رجلٌ: القَذاةَ أراها في الإِناءِ؟ فقال:
"
أهْرِقْها".
قال: فإنِّي لا أرْوَى مِنْ نَفَسٍ واحدٍ؟ قال:
"
فَأبِنِ القَدحَ إذاً عَنْ فيكَ [ثم تَنَفَّسْ] (3) ".
__________
(1)
قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (1089).
(2)
فيه نظر بينته في الأصل، لكن له طرق أخرى وشواهد خرجت بعضها في "الصحيحة" (1236).
(3)
زيادة من "الموطأ" سقطت من رواية الترمذي، وهي عنده من طريق مالك بتقدم وتأخير، وقد رواه عنه أيضاً ابن حبان والحاكم بالزيادة، وهو مخرج في "الصحيحة" (386).

(2/493)


رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

2116 - (4) [
صحيح لغيره] وعنه قال:
نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ الشربِ من ثُلْمَةِ القَدحِ (1)، وأنْ يُنفَخَ في الشرابِ.
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية قرة بن عبد الرحمن بن حَيْوَئيل المصري المَعافِري.

2117 - (5) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى أنْ يُتَنفَّسَ في الإناءِ، ويُنفَخَ فيهِ.
رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
وابن حبان في "صحيحه" ولفظه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أنْ يشربَ الرجلُ مِنْ فِي السقاء، وأنْ يَتَنفَّسَ في الإناءِ.

2118 - (6) [
صحيح] (قال الحافظ): "وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة".

2119 - (7) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه:
أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يَتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثاً. ويقول:
"
هو أَمْرأُ وأَرْوَى".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".
__________
(1)
أي: موضع الكسر منه كما جاء مصرحاً بذلك في حديث آخر، والظاهر أنَّ ذلك لما قد يخشى أنْ يتجمع في الثلمة من الأوساخ والجراثيم، فيتسرب شيء منها إلى الجوف إذا شرب منها، فالنهي طبي دقيق، والله أعلم. انظر الحديث (2689 - الصحيحة).

(2/494)


وروى أيضاً عن ثُمامَةَ عن أنسٍ:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتنفَّسُ [في الإناء] ثلاثاً،
وقال: "هذا [حديث حسن] صحيح" (1).
(
قال الحافظ) عبد العظيم: "وهذا محمول على أنه كان يبين القدح عن فيه كل مرة، ثم يتنفس كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم، لا أنه كان يتنفس في الإناء".

2120 - (8) [
صحيح] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال:
نَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ اخْتِناثِ الأسْقِيةِ. يعني أنْ تُكْسَر أفْواهُها فيُشرَبَ مِنْها.
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

2121 - (9) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى أنْ يُشرَب مِنْ فِي السِقاءِ. . . . (2).
رواه البخاري مختصراً دون قوله: "فأنبئت. . ." إلى آخره.
ورواه الحاكم بتمامه وقال:
"
صحيح على شرط البخاري".
__________
(1)
قلت: والزيادة منه (1885)، ورواه مسلم وغيره، وعنده أيضاً الأولى، انظر "الصحيحة" (387).
(2)
هنا عقب الحديث ما نصه: " [قال أيوب:] فأنبئت أن رجلاً شرب من في السقاء، فخرجت حية"، وما بين المعكوفتين زيادة من "الحاكم"، وحذف المصنف لها من سوء التصرف، لأنه يجعل تمام الحديث موصولاً من حديث أبي هريرة، وهو من قول أيوب -وهو السختياني-، فهو منقطع. وقد صح تعليل النهي عن عائشة بلفظ: "لأنَّ ذلك ينتنه". انظر "الصحيحة" (399 - 400)، وغفل المعلقون الثلاثة عن هذه الزيادة الهامة، فلم يستدركوها كعادتهم!!

(2/495)


4 - (
الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها).
2122 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بن بسرٍ رضي الله عنه قال:
كانَ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصعَةٌ يقالُ لها: الغَرَّاءُ، يحْمِلُها أرْبَعةُ رجالٍ، فلمَّا أضْحَوْا وسَجدوا الضُّحى. أتى بِتلْكَ القَصعَةِ؛ يعني وقد أثْرَد فيها، فالْتَفُّوا علَيْها، فلمَّا كَثُروا جَثا (1) رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال أعْرابِيٌّ: ما هذه الجِلْسَةُ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله جعَلني عبداً كريماً، ولَمْ يَجْعلْني جَبَّاراً عنيداً". ثُمَّ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلوا مِنْ جَوانِبها، ودَعوا ذِرْوَتها؛ يبارَكْ لكُم فيها".
رواه أبو داود وابن ماجه.
(
ذِرْوَتها) بكسر الذال المعجمة: هي أعلاها.

2123 - (2) [
صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
البَركَةُ تنزِلُ (2) وسْطَ الطعامِ، فكُلوا مِنْ حافَّتَيْهِ، ولا تأكلوا مِنْ وَسطِهِ".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم عن عطاء بن السائب (3) عن سعيد بن جبير عنه. وقال الترمذي -واللفظ له-:
"
حديث حسن صحيح".
[
صحيح] ولفظ أبي داود وغيره: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا أكَل أحدُكم طَعاماً، فلا يأْكُلْ مِنْ أعْلى الصحْفَةِ، ولكنْ لِيَأكُلْ مِنْ أسْفَلِها؛ فإنَّ البَركَة تنزِلُ مِنْ أعلاها".
__________
(1)
أي: جلس على ركبتيه. وهذه هيئة من هيئات جلوسه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الطعام.
(2)
في الأصل زيادة "في"، فحذفتها لعدم ورودها في "الترمذي".
(3)
يشير المؤلف إلى إعلال الحديث به، لأنه كان اختلط، لكن قد رواه عنه شعبة وسفيان، وهما سمعا منه قبل الاختلاط، وقد خرجته في "الإرواء" (7/ 38/ 1980). وانظر "الصحيحة" (2040).

(2/496)


5 - (
الترغيب في أكل الخل والزيت، ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إنْ صح الخبر (1)).
2124 - (1) [
صحيح] عن جابر رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل أهلَه الأُدُمَ، فقالوا: ما عندَنا إلا الخَلُّ، فدعا بِه فجعَل يأكُلُ بِه ويقول:
"
نِعْمَ الإدامُ الخلُّ، نِعْمَ الإدامُ الخَلُّ".
قال جابرٌ: فما زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ منذُ سمعتُها مِنَ نبيِّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال طلحة بن نافع: وما زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ منذُ سمعتُها مِنْ جابرٍ.
رواه مسلم (2). وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه منه:
"
نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ".

2125 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أمِّ هانئٍ بِنتِ أبي طالب رضي الله عنها قالت:
دخَل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
هلْ عندكُم مِنْ شيْءٍ؟ ".
فقلتُ: لا، إلا كِسَرٌ يابِسَةٌ وخَلٌّ. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قَرِّبيهِ، فما أقْفَرَ بيتٌ مِنْ أُدْمٍ فيهِ خَلٌّ" (3).
__________
(1)
انظر حديثه في "الضعيف".
(2)
قلت: لكنْ سياق المصنف ليس عند "مسلم"، وإنما هو مركب من روايتين عنده من طريقين مختلفين عن جابر (6/ 125)، وكان في الأصل: "نعم الإدام" في المرة الثالثة، فحذفتها لأنَّها ليست عنده.
(3)
قوله: "فما أقفر" أي: ما خلا. و (القفار): الطعام بلا أُدْم، وكان الأصل (إدام) فصححته من الترمذي. والحديث مخرج في "الصحيحة" (2220) لشاهد له.

(2/497)


رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

2126 - (3) [
حسن لغيره] وعن أبي أُسَيْدٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
كُلوا الزيتَ وادَّهِنُوا بهِ؛ فإنَّه مِنْ شجَرةٍ مبارَكَةٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث غريب". والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

2127 - (4) [
حسن لغيره] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كُلوا الزيتَ وادَّهِنُوا بهِ؛ فإنَّهُ مِنْ شَجرةٍ مبارَكَةٍ".
رواه ابن ماجه والترمذي وقال:
"
لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث".
ورواه الحاكم وقال:
"
صحيح على شرط الشيخين". وهو كما قال (1)
__________
(1)
كذا قال، وهو مردود بالاضطراب الذي أشار إليه الترمذي، والراجح منه أنَّه مرسل، كما بينته في "الصحيحة" (379)، وفيه تخريج شواهد له تقويه.

(2/498)


6 - (
الترغيب في الاجتماع على الطعام).
2128 - (1) [
حسن لغيره] عن وحشي بن حربٍ بن وحشي بن حربٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال:
قالوا: يا رسول الله! إنا نأْكُل ولا نشْبَعُ؟ قال:
"
تَجْتَمِعون على طعامِكُم أوْ تَتَفَرَّقونَ؟ ".
قالوا: نَتفَرَّقُ. قال:
"
اجْتَمِعوا على طعامِكُم، واذْكروا اسْمَ الله؛ يبارَكْ لكُم فيهِ".
رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".

2129 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
طعامُ الاثْنَيْنِ كافي الثلاثَةِ، وطعامُ الثلاثَةِ كافي الأرْبَعَةِ".
رواه البخاري ومسلم.

2130 - (3) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
طعامُ الواحدِ يكفي الاثْنَيْنِ، وطعامُ الاثْنَيْنِ يكفي الأرْبَعةَ، وطعامُ الأربَعةِ يكفي الثَّمانِيَةَ".
رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.

2131 - (4) [
صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث سمرة دون قوله:
"
وطعامُ الأربعةِ يكفي الثمانيةَ". وزاد في آخره:
"
ويد الله على الجماعة".

(2/499)


2132 - (5) [
حسن لغيره] وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كُلوا جَميعاً ولا تَتَفرَّقوا؛ فإنَّ طعامَ الواحد يكفي الاثْنين، وطعامَ الاثنينِ يكفي الأرْبَعةَ" (1).
رواه الطبراني في "الأوسط".

2133 - (6) [
حسن لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أحبَّ الطعام إلى الله ما كَثُرَتْ عليه الأَيْدِي".
رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في "كتاب الثواب"؛ كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي راود؛ وقد وثق، ولكن في هذا الحديث نكارة (2).
__________
(1)
الأصل: "الثمانية"، وكذا في مطبوعة عمارة؛ ويظهر أنه خطأ قديم، فإنه كذلك في المخطوطة، والتصويب من "المعجم الأوسط" (رقم 7567/ 1) من مصورتي. ورواه في "الكبير" أيضاً كذلك لكن بتقديم وتأخير. وقد خرجته في "الصحيحة" (2691).
(2)
قلت: لم يظهر لي وجه النكارة، لا سيما وفي الباب ما يشهد له. والله أعلم.

(2/500)


7 - (
الترهيب من الإمعان في التشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرهاً وبطراً).
2134 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
المسلمُ يأكلُ في مِعىً (1) واحدٍ، والكافِرُ في سَبْعَةِ أمْعاءٍ".
رواه مالك والبخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم.
وفي رواية للبخاري:
"
أنَّ رجُلاً كان يأكُل أكْلاً كثيراً فأسْلَم، فكان يأكُل أكْلاً قليلاً، فذَكرَ ذلك لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
إنَّ المؤمِنَ يأكُل في مِعَىً واحِدٍ، وإنَّ الكافرَ يأْكُل في سَبْعَةِ أمْعاءٍ".
وفي رواية لمسلم قال:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضافه ضيف كافِر (2)، فأمرَ لهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاةٍ فحُلِبَتْ فشَرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أخْرى، فشَرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أخْرى فشَرِب حلابَها، حتى شرِبَ حِلابَ سبْع شياهٍ! ثمَّ إنَّه أصْبَح فأسْلَم، فأمَر لَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاةٍ فشرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أَخْرى فَلمْ يَسْتَتِمَّها فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
المؤمِنُ يَشْرَبُ في مِعىً واحدٍ، والكافرُ يشرَبُ في سبْعَةِ أمْعاءٍ".
ورواه مالك والترمذي بنحو هذه.
__________
(1)
في "المصباح: " (المعى): المصران، وقصره أشهر من مده، وجمعه (أمعاء)، مثل (عنب) و (أعناب)، وجمع الممدود (أمعية)، مثل (حمارة) و (أحمرة). . ".
(2)
الأصل: "أضاف رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضيفاً كافراً"، فصححته من "مسلم" (6/ 133) و"الموطأ" (3/ 110)، وقد رواه من طريقه، وكان فيه أخطاء أخرى فصححتها منهما.

(2/501)


2135 - (2) [
صحيح] وعن المقدامِ بْنِ مَعْدِ يكرِبٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مَلأ آدمِيٌّ وعاءً شرّاً مِنْ بطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدمَ أُكَيْلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحالَة؛ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وثلُثٌ لِشرابِهِ، وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".
رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". (1)

2136 - (3) [
صحيح] وعن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال:
أكلتُ ثَريدَةً مِنْ خُبزٍ ولَحْمٍ ثُمَّ أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعلتُ أتَجَشَّأُ. فقال:
"
يا هذا! كُفَّ مِنْ جُشائِكَ، فإنَّ أكْثَر الناسِ شِبَعاً في الدنيا؛ أكثَرُهُم جُوعاً يومَ القِيامَةِ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ): "بل واهٍ جداً؛ فيه فهد بن عوف وعمر بن موسى، لكنْ رواه البزار بإسنادين رواة أحدهما ثقات". (2)

2137 - (4) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
تَجشَّأَ رجلٌ عندَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
كفَّ عنَّا جُشاءَك، فإنَّ أكْثَرهُم شِبَعاً في الدنيا؛ أطوَلُهم جوعاً يومَ القيامَةِ".
رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي؛ كلهم من رواية يحيى البكّاء عنه؛ وقال الترمذي:
__________
(1)
هنا في الأصل ما نصه: إلا أن ابن ماجه قال: "فإنْ غَلَبَتِ الأدميَّ نفسُه فثلث للطعام. ." الحديث، فحذفته لضعف إسناده، ومخالفته لما قبله، وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 41 - 43).
(2)
قلت: إسناده جيد، وللحديث طرق أخرى وشواهد يأتي بعضها في الكتاب، وقد خرجتها في "الصحيحة" (343).

(2/502)


"
حديث حسن".

2138 - (5) [
حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أهلَ الشبَعِ في الدنيا هُمْ أهلُ الجوعِ غَداً في الآخِرَةِ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.

2139 - (6) [
صحيح لغيره] وروي عن عطية بن عامرٍ الجهني قال:
سمعتُ سَلْمانَ رضي الله عنه وأكْرِهَ على طعامٍ يأْكُلُه؛ فقالَ: حَسْبي؛ إنِّي سمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ أكثَر الناسِ شِبَعاً في الدنيا؛ أطوَلُهُم جوعاً يومَ القِيامَةِ".
[
صحيح لغيره] رواه ابن ماجه والبيهقي؛ وزاد في آخره: وقال:
"
يا سَلْمانُ! الدنيا سِجْنُ المؤْمِنِ، وجنَّةُ الكافِرِ".

2140 - (7) [
صحيح] ورواه [يعني حديث أبي هريرة الذي في "الضعيف"] البخاري ومسلم باختصار: قال:
"
إنَّه لَيأْتي الرجلُ العظيمُ السَّمينُ يومَ القِيامَةِ، فلا يَزِنُ عندَ الله جَناحَ بَعوضَةٍ".

2141 - (8) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ قال:
نَظرَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجوعِ في وجوهِ أصْحابِهِ، فقال:
"
أبشِروا، فإنَّه سيأتي عليكُمْ زَمانٌ يُغْدَى على أحدِكمْ بالقَصْعَةِ مِنَ الثريدِ ويراحُ عليه بِمثْلِها".
قالوا: يا رسولَ الله! نحنُ يومَئذٍ خير؟ قال:
"
بلْ أنْتُم اليومَ خيرٌ منكم يومَئذٍ".
رواه البزار بإسناد جيد.

(2/503)


2142 - (9) [
صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنتُم اليومَ خيرٌ أمْ إذا غُدِيَ على أحدِكُم بِجَفْنةٍ مِنْ خُبزٍ ولَحْم، وريحَ عليهِ بأُخْرى، وغَدا في حُلةٍ وراحَ في أُخْرى، وستَرتُمْ بيوتَكُمْ كما تُسْتَرُ الكَعْبَةُ؟ ".
قلنا: بَلْ نحنُ يومَئِذٍ خيرٌ، نتفرغ للعبادة. فقالَ:
"
بَلْ أنتُم اليومَ خيرٌ".
رواه الترمذي في حديث تقدم في "اللباس" [18/ 7 - "الضعيف"]، وحسنه.

2143 - (10) [
صحيح] وعن أبي برزة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّما أخْشى عليكُم شهواتِ الغَيِّ في بطونِكُم وفُروجِكم، ومُضِلاَّتِ الهَوى".
رواه أحمد والطبراني والبزار، وبعض أسانيدهم رجاله ثقات. [مضى 2 - السنة/ 2].

2144 - (11) [
حسن لغيره موقوف] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
لَقِيَنَي عمرُ بْنُ الخطَّابِ وقدِ ابْتَعْتُ لَحْماً بدرْهَمٍ، فقال: ما هذا يا جابِرُ؟ قلتُ: قَرِمَ أهلْي، فابْتَعْتُ لهم لَحْماً بدرْهَمٍ، فجًعَل عُمَرُ يردِّدُ: قَرِم أهْلي! حتى تَمنَّيْتُ أنَّ الدرْهَم سَقَط منِّي ولَم ألْقَ عُمَرَ.
رواه البيهقي.
قوله: "قرم أهلي" أي: اشتدت شهوتهم للحم.

2145 - (12) [
حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كُلوا واشْرَبوا، وتَصدَّقوا، [والْبَسوا] (1) ما لَمْ يُخالِطْهُ إسْرافٌ أو مَخِيلَ".
__________
(1)
سقطت من الأصل، وكذا المخطوطة، وهي ثابتة عند مخرجيه، وكذلك رواه أحمد (2/ 181 و182)، وزاد في رواية: "إن الله يحب أن ترى نعمته على عبده". وكذا رواه الحاكم (4/ 135) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في "الشعب" (2/ 230/ 2). وقد غفل الغافلون عنها كعادتهم ولم يستدركوها! ولا صححوا ما كان في الأصل: "ولا مخيلة"!

(2/504)


رواه النسائي وابن ماجه، ورواته إلى عمرو ثقات محتج بهم في "الصحيح".

2146 - (13) [
حسن] وعن معاذِ بْنِ جبلٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا بعَثَ به إلى أهْلِ اليَمنِ قال له:
"
إيَّاك (1) والتَّنَغُّمَ؛ فإنَّ عبادَ الله ليْسُوا بالمتَنَعِّمينَ".
رواه أحمد والبيهقي ورواة أحمد ثقات.

2147 - (14) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ شرار أمتي الذين غذُّوا بالنعيم، ونبتت عليه أجسامُكم".
رواه البزار، ورواته ثقات؛ إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم.

2148 - (15) [
حسن لغيره] وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سيكونُ رِجالٌ مِنْ أُمَّتي يأكُلونَ ألْوانَ الطَعامِ، ويشرَبونَ ألْوانَ الشرابِ، ويلبَسونَ ألْوانَ الثيابِ، ويتَشدَّقونَ في الكَلامِ؛ فأولئكَ شِرارُ أُمَّتي".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في "الكبير" و"الأوسط".

2149 - (16) [
حسن لغيره] وروي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
شِرارُ أُمَّتي الَّذين وُلِدُوا في النَّعيمِ، وغُذُوا بِهِ، يأْكُلونَ مِنَ الطعام ألْواناً، ويتشَدَّقونَ في الكَلامِ".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في حديث [يأتي 24 - التوبة/ 6].
__________
(1)
قلت: هذا لفظ البيهقي، ولفظ أحمد (إيايَ)، وهو أبلغ في التحذير كما ذكروا في أمثاله من الأحاديث، فانظر "فيض القدير" للمناوي.

(2/505)


2150 - (17) [
صحيح لغيره] وعن أُبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
إنَّ مَطْعَم ابْنِ آدَم جُعِلَ مثلاً للدُّنيا، وإنْ قَزَّحَهُ ومَلَحهُ، فانظُرْ إلى ما يصَيرُ".
رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده" (1) بإسناد جيد قوي، وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي، وزاد في بعض طرقه: ثم يقول الحسن: أو ما رأيتهم يطبخونه بالأفواه والطيب (2) ثم يرمون كما رأيتم.
قوله: (قَزَّحه) بتشديد الزاي أي: وضع فيه (القِزْح)، وهو التابل.
و (مَلَحه) بتخفيف اللام، معروف.

2151 - (18) [
صحيح لغيره] وعن الضحاك بن سفيان رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:
"
يا ضحَّاكُ! ما طَعامُكَ؟ ".
قال: يا رسول الله! اللّحْمُ واللَّبَنُ. قال:
"
ثمَّ يصيرُ إلى ماذا؟ ".
قال: إلى ما قَدْ علِمْتَ. قال:
"
فإنَّ الله تعالى ضرَبَ ما يَخْرُج مِنِ ابْنِ آدَمَ مَثَلاً لِلدُّنْيا".
رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح؛ إلا علي بن زيد بن جدعان.
(
قال الحافظ): "ويأتي في "الزهد" [24 - التوبة/ 6] ذكر "عيش النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه" إنْ شاء الله تعالى".
__________
(1)
انظر التعليق المتقدم في المجلد الأول ص (276).
(2)
عطف بيان تفسير لـ (الأفواه)، فإنَّه جمع (الفوه): الطيب، مثل (قفل) و (أقفال). و (أفاويه) جمع الجمع. كما في "المصباح".

(2/506)


8 - (
الترهيب من أنْ يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر، والأمر بإجابة الداعي، وما جاء في طعام المتباريين (1)).
2152 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّه كانَ يقول:
"
شَرُّ الطعامِ طعامُ الوَليمَةِ، يُدْعى إليها الأغْنِياءُ، وُيتْرَكُ المسَاكينُ، ومَنْ لَمْ يأْتِ الدعوةَ فقَدْ عَصى الله ورسولَه".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه موقوفاً على أبي هريرة.
ورواه مسلم أيضاً مرفوعاً إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
شرُّ الطعامِ طعامُ الوَليمَةِ؛ يُمْنَعُها مَنْ يَأْتيها، ويُدْعَى إليها مَنْ يأْباها، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فقد عَصى الله وَرسولَهُ".

2153 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا دُعِيَ أحدُكم إلى الوَليمَةِ فَلْيَأْتِها".
__________
(1)
في الأصل والمخطوطة أيضاً: (المتماريَيْن)، وهو خطأ من المؤلف ناشئ عن خطأ، وهو تفسيره لحديث ابن عباس الآتي آخر الباب ". . . طعام المتباريين" بقوله: " (المتباريان) هما المتمارلان المتباهيان"! وقد تعقبه الحافظ الناجي بقوله (ق 177/ 2):
"
هذا عجيب، وقد قال في حواشي "مختصر السنن" له: (المتباريان): التعارضان بفعليهما، ليُعجزَ أحدهما الآخر بصنيعه، يقال: تباري الرجلان إذا فعل كل واحد منهما مثلما فعل صاحبه ليرى أيهما يغلب صاحبه -قال-: وكُرِهَ لما فيه من المباهاة والرياء، ودخوله فيما نهي عنه من أكل المال بالباطل". انتهت عبارته.
والحاصل أنَّ هذه اللفظة إنما هي بالباء لا بالميم؛ لأنَّ المتماريين في اللغة هما المتجادلان، وذلك لحن فاحش محيل للمعنى".
قلت: وما عزاه لحواشي "مختصر السنن" للمنذري لم أره في النسخة المطبوعة من "المختصر" وإنما في "معالم السنن" للخطابي المطبوع معه في مطبعة أنصار السنة (5/ 294) مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، فلعل المنذري أخذ ذلك من الخطابي فعلقه حاشية على مختصره في بعض نسخه، فوقعت هذه النسخة للحافظ الناجي. والله أعلم.

(2/507)


رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

2154 - (3) [
صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا دَعا أحدُكم أخاه فَلْيُجِبْ، عُرْساً كانَ أوْ نَحْوَهُ".
رواه مسلم وأبو داود.
وفي رواية لمسلم:
"
إذا دُعيتُمْ إلى كُراعٍ (1) فأَجِيبُوا".

2155 - (4) [
صحيح] وعن جابرٍ -هو ابنُ عبدِ الله رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طَعامٍ فلْيُجِبْ، فإنْ شاءَ طَعِم، وإنْ شاءَ تَركَ".
رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

2156 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حقُّ المسلِم على المسلمِ خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعِيادَةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنائزِ، وإجابَةُ الدعْوَةِ، وتَشْميتُ العاطِسِ".
رواه البخاري ومسلم. ويأتي أحاديث من هذا النوع إن شاء الله تعالى.

2157 - (6) [
صحيح] وروى أبو الشيخ ابن حَيان في "كتاب التوبيخ" وغيره عن أبي أيوبَ الأنصاري قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ستُّ خِصالٍ واجِبَةٌ لِلْمُسْلِم على المسلم، مَنْ تركَ شيْئاً منْهُنَّ؛ فقد تَركَ حقّاً واجباً: يُجيبُه إذا دَعاهُ، وإذا لَقِيَهُ أنْ يُسَلِّمَ عليه، وإذا عَطَسَ أنْ يُشْمِتَهُ،
__________
(1)
بضم الكاف: وزان (غُراب)، وهو من الغنم والبقر بمنزلة (الوظيف) من الفرس، وهو مستدق الساق.

(2/508)


وإذا مرِضَ أنْ يَعودهُ، [وإذا ماتَ أنْ يَتْبَع جنَازَتَهُ] (1)، إذا اسْتُنْصِح أنْ يَنْصَح لَهُ".

2158 - (7) [
صحيح لغيره] وعن عكرمة قال: كان ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يقول:
إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عن طعامِ المتبارِيَيْن أنْ يُؤكَلَ.
رواه أبو داود وقال:
"
أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس". يريد أن أكثر الرواة أرسلوه.
(
قال الحافظ:)
"
الصحيح أنَّه عن عكرمةَ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل (2) ".
(
المتَبَارِيان): هما المتَمارِيان (3) المتَباهِيَانِ.
__________
(1)
سقطت من الأصل والمخطوطة أيضاً، واستدركتها من "الأدب المفرد" للبخاري (922) و"المعجم الكبير" للطبراني (4/ 215 - 216/ 4076)، ومنه تتبين تقصير المؤلف في تخريجه، فبالأولى المعلقون عليه، فإنهم جهلة، ولذلك لم يزيدوا عليه في تخريجه سوى أنْ أعادوا عزوه لأبي الشيخ! وبدون رقم! أو استدراك للزيادة! وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه، رواه مسلم (7/ 3) وغيره، وسيأتي في (23 - الأدب/ 5). وآخر في "المسند" (2/ 68) من حديث ابن عمر.
(2)
قلت: لكن له شاهد قوي؛ خرجته في "الصحيحة" (626) من حديث أبي هريرة.
(3)
كذا قال وهو خطأ محض؛ فإنه لا علاقة للتماري والتجادل هنا كما تقدم بيانه في التعليق على الباب. وقد وقع في رواية في حديث أبي هريرة المشار إليه آنفاً بلفظ: "المترائيان"، فانقلب على المؤلف إلى "المتماريان". والله أعلم.

(2/509)


9 - (
الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة).
2159 - (1) [
صحيح] عن جابرٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرَ بِلَعْقِ الأصابع والصحْفَةِ، وقال:
"
إنّكُمْ لا تَدْرونَ في أيِّ طعامِكُمُ البَركَةُ".
رواه مسلم.

2160 - (2) [
صحيح] وعنه، أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا وَقَعتِ لُقْمَةُ أحدِكُم، فلْيَأْخُذْها، فلْيُمِطْ ما كانَ بِها مِنْ أذىً ولْيأْكُلْها، ولا يَدَعْها للشيطانِ، ولا يمْسَحْ يدَه بالمِنْديلِ حتَّى يَلْعَقَ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يَدري في أيِّ طعامِه البركةُ".
رواه مسلم.

2161 - (3) [
صحيح] وعنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الشيطانَ يحضرُ أحدَكم عندَ كلِّ شيء مِنْ شأنِهِ، حتَّى يَحضرَه عند طعامِه، فإذا سَقَطتْ لُقْمَةُ أحدِكُم، فلْيَأْخُذْها، فَلْيُمِطْ ما كانَ بِها مِنْ أذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْها، ولا يَدعْها للشيطانِ، فإذا فرغ، فَليَلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يدري في أيِّ طعامِهِ البَركَةُ".
رواه مسلم، وابن حبان في "صحيحه" وقال:
"
فإنَّ الشيطانَ يرصُدُ الناسَ أو الإنسانَ (1) على كلِّ شيءٍ، حتّى عند مطْعَمِه أوْ طَعامِه، ولا يرفَع الصحْفَةَ حتى يَلْعَقهَا أو يُلْعِقَها؛ فإنَّ [في] آخِرِ الطعامِ البَركةَ".
__________
(1)
أي: يرقبه. يقال: رصده إذا قعد له على طريقه يترقبه.

(2/510)


2162 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا أكَلَ أحدُكُم، فلْيَلْعَقْ أَصابِعَهُ؛ فإنَّه لا يدري في أيتهِنَّ البركةُ".
رواه مسلم والترمذي.

2163 - (5) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا أَكلَ أحدُكُم طَعاماً، فلا يَمْسَحْ أصَابِعَهُ حتى يَلْعَقَها أو يُلْعِقَها".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه.

(2/511)


10 - (
الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل).
2164 - (1) [
حسن لغيره] عن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أكلَ طَعاماً ثمَّ قال: (الحمدُ لله الذي أطْعَمني هذا الطَعامَ، ورزَقَنيهِ مِنْ غيرِ حَوْلٍ منِّي ولا قوَّةٍ)؛ غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه".
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب".
(
قال الحافظ):
"
رووه كلهم من طريق عبد الرحيم أبي مرحوم عن سهل بن معاذ، ويأتي الكلام عليهما". [مضى 18 - اللباس/ 3].

2165 - (2) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله لَيَرْضَى عنِ العبْدِ أنْ يأكُلَ الأَكْلةَ فيَحْمدَهُ عليها، ويشرَبَ الشَّرْبَةَ فيحمدَهُ عليها".
رواه مسلم والنسائي والترمذي وحسنه.
(
الأكلة) بفتح الهمزة: المرة الواحدة من الأكل. وقيل: بضم الهمزة؛ وهي اللقمة.
(
قال الحافظ):
"
وفي الباب أحاديث كثيرة مشهورة من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست من شرط كتابنا لم نذكرها".

(2/512)


11 - (
الترغيب في غسل اليد قبل الطعام -إنْ صح الخبر (1) - وبعده، والترهيب أنْ ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها).
2166 - (1) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ نامَ وفي يَدِه غَمَرٌ ولَمْ يَغْسِلْهُ، فأصابَهُ شَيْءٌ؛ فلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَهُ".
رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".

2167 - (2) [
صحيح] ورواه ابن ماجه أيضاً عن فاطمة رضي الله عنها بنحوه.
(
الغَمَرُ) بفتح الغين المعجمة والميم بعدهما راء: هو ريح اللحم وزُهُومَتُه.

2168 - (3) [
صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ باتَ وفي يدِه ريحُ غَمَرٍ فأصابَه شَيْءٌ؛ فلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَهُ".
رواه البزار والطبراني بأسانيد، رجال أحدها رجال "الصحيح"؛ إلا الزبير بن بكار، وقد تفرد به كما قال الطبراني، ولا يضر تفرده، فإنه ثقة إمام. (2)
__________
(1)
يشير المؤلف بهذه الجملة إلى بعض الأحاديث التي أوردها تحت الباب، وهي من حصة الكتاب الآخر "الضعيف".
(2)
قلت: ومع ذلك فلم يتفرد به، بل تابعه ثقتان كما هو مبين في "الصحيحة" (2956).

(2/513)


20 -
كتاب القضاء وغيره.
1 - (
الترهيب من تولي السلطنة (1) والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه، وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك).
2169 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
كلُّكُم راعٍ ومَسْؤولٌ عن رعِيَّتِه، الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عَنْ رعِيَّتِه، والرجلُ راعٍ في أهلهِ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه، والمرأةُ راعية في بيت زوْجِها، ومسؤولَةٌ عن رعِيَّتها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيدهِ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِهِ، وكُلُكُم راعٍ ومَسْؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ".
رواه البخاري ومسلم. [مضى 17 - النكاح/ 3].

2170 - (2) [
حسن صحيح] وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا اسْترْعَاهُ؛ حَفِظَ أمْ ضَيَّع، [حتَّى يَسأَل الرجُلَ عنْ أهلِ بَيْتِه] (2) ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

2171 - (3) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وَلِيَ القَضاءَ أوْ جُعِلَ قاضِياً بينَ الناسٍ؛ فقد ذُبِحَ بغيرِ سِكِّينٍ".
رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن غريب".
__________
(1)
كذا الأصل، وكذا في نقل الناجي له، وهي كلمة مولدة كما في "العجم الوسيط"، والمقصود (السلطة) كما هو واضح.
(2)
سقطت من الأصل وكذا المخطوطة، واستدركتها من "زوائد ابن حبان" (1562) و"كبرى النسائي"، وغيرهما. انظر "الصحيحة" (1626).

(2/514)


وابن ماجه، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ):
"
ومعنى قوله: "ذبح بغير سكين" أنَّ الذبح بالسكين يحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها، فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها. وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين، عدل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك؛ ليعلم أن مراده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه ودون هلاك بدنه. ذكره الخطابي، ويحتمل غير ذلك".

2172 - (4) [
صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
القُضاةُ ثلاثَة، واحِدٌ في الجنَّةِ واثْنانِ في النارِ، فأمَّا الَّذي في الجنَّةِ، فرجلٌ عرفَ الحقَّ فقَضى بِه، ورجلٌ عَرفَ الحقَّ فجارَ في الحُكْمِ فهو في النارِ، ورجلٌ قَضى للِنَّاسِ على جَهْلٍ فهو في النارِ".
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

2173 - (5) [
حسن] وعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنْ شئتُم أَنْبَأْتُكُمْ عنِ الإِمارَةِ ومَا هي؟ ".
فنادَيْتُ بأعْلى صوتي: وما هِيَ يا رسولَ الله! قال:
"
أوَّلُها مَلامَةٌ، وثانِيها نَدامَةٌ، وثالِثُها عذَابٌ يومَ القِيَامَة؛ إلا مَنْ عَدَل،. . . (1) ".
رواه البزار والطبراني في "الكبير"، ورواته رواة الصحيح.
__________
(1)
هنا في الأصل زيادة: "فكيف يعدل مع أقربيه؟! "، فحذفتها لنكارتها وتفرد هشام بن عمار بها دون أبي مسهر، أو لتفرد البزار عن (هشام) دون الطبراني في "الأوسط".

(2/515)


2174 - (6) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه -قال شريك: لا أدري رفعه أم لا- قال:
"
الإمارةُ أولُها ندامةٌ، وأوسطها غرامةٌ، وآخرُها عذابٌ يوم القيامة".
رواه الطبراني بإسناد حسن.

2175 - (7) [
حسن صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال:
"
ما مِنْ رجُلٍ يلي أمْرَ عَشَرةٍ بما فوقَ ذلك إلا أتى الله مغلولاً يومَ القيامة يدهُ إلى عُنقِه، فَكَّهُ بِرُّهُ، أوْ أوثَقَهُ إثْمُهُ، أوَّلُها مَلامَةٌ، وأوْسَطُها نَدَامةٌ، وآخِرُها خِزْيٌ يومَ القِيامَةِ".
رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا يزيد بن أبي مالك. (1)

2176 - (8) [
صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! ألا تَسْتعْمِلني؟
قال: فضَربَ بِيدِه على مَنْكِبَيَّ ثُمَّ قال:
"
يا أبا ذَرٍّ! إنَّك ضَعيفٌ، وإنَّها أمانَةٌ، وإنَّها يومَ القيامَةِ خِزْيٌ ونَدامَةٌ،
__________
(1)
قلت: وهو صدوق ربما وهم كما قال الحافظ، فهو حسن الحديث، ومن أئمة التابعين، وقد رُمي بشيء من الضعف، وكذا التدليس، ولكنه تدليس عمن لم يدركه. وقد جهل هذا المعلقون الثلاثة، فتعقبوا المؤلف وكذا الهيثمي، فتعالوا: "قلنا (!): يزيد صاحب تدليس، وفيه لين"! فضعفوا بجهلهم الحديث، وتعاموا عن الشواهد التي تشهد للشطر الثاني منه، وهي في طبعتهم قبيل هذا، وقد حسنوها، كحديث (عوف) المتقدم! كما أنهم لم يتذكروا و {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} وذهنهم فارغ من أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يتذكروا شواهد الشطر الأول منه، الآتية في الباب الثاني، بترقيمهم (3249 - 3254)، فهي خمسة شواهد، حسنوا أربعة منها، وضعفوا جداً الخامس منها!! وذلك من تمام جهلهم، لأنهم وقفوا ببصرهم عند ظاهر إسناده، ولم ينظروا ببصيرتهم إلى متنه الموافق لما قبله إلا في قوله: "وإلى ثلاثة"، ذلك لأنهم لم يتفقهوا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حق الشيطان: "صدقك وهو كذوب"! فهل يعرفون أنفسهم ويمسكون عن الخوض فيما لا يعلمون؟! انظر "الصحيحة" (349 و2621).

(2/516)


إلا مَنْ أخذَها بِحقِّها، وأدَّى الَّذي عليهِ فيها".
رواه مسلم.

2177 - (9) [
صحيح] وعنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:
"
يا أبا ذرٍّ! إنِّي أراكَ ضعيفاً، وإنِّي أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لِنَفْسِي؛ لا تَأَمَّرَنَّ على اثْنَيْنِ، ولا تَلِيَنَّ مالَ اليَتيمِ".
رواه مسلم وأبو داود، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

2178 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّكم سَتَحْرِصون على الإمارَةِ، وستكونُ ندامَةً يومَ القيامَةِ، فنِعْمَتِ المرْضِعَةُ (1)، وبِئْسَتِ الفاطِمَةُ".
رواه البخاري والنسائي.

2179 - (11) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ويلٌ للأمراءِ، ويلٌ للعُرفاء، ويلٌ للأُمناء، لَيَتَمَنَّينَّ أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبَهم معلقةٌ بالثريا يُدَلْدَلُون (2) بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملاً".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم -واللفظ له- وقال:
"
صحيح الإسناد". [مضى 8 - الصدقات/ 3].
__________
(1)
أي: في الدنيا، فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة، (وبئست الفاطمة) عند انفصاله عنها بموت أو غيره، فإنها تقطع عنه اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة، فالمخصوص بالمدح والذم محذوف وهو (الإمارة).
(2)
الأصل: "يُدلّون"، وهو خطأ، ويظهر أنه من المؤلف، فإنه كذلك في المخطوطة، وكذلك كان فيما تقدم هناك (ج 1/ 8 - الصدقات/3/ 17). والمعنى: يضطربون ويتذبذبون.

(2/517)


2180 - (12) [
حسن صحيح] وفي رواية له وصحح إسنادها أيضاً، قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ليوشِكَنَّ رجلٌ أنْ يتَمنَّى أنَّهُ خَرَّ مِنَ الثُّريَّا ولَمْ يَلِ مِنْ أمْرِ الناسِ شَيْئاً".
(
قال الحافظ):
"
وقد وقع في الإملاء المتقدم "باب فيما يتعلق بالعمَّال والعرفاء والمكّاسين والعشّارين" في "كتاب الزكاة" أغنى عن إعادته هنا" [8 - الصدقات-/ 3].

2181 - (13) [
صحيح] وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا عبدَ الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارَةَ، فإنَّك إنْ أُعطيتَها مِنْ غير مسألةٍ؛ أُعنْتَ عليها، وإنْ أُعطِيتَها عَنْ مسأَلةٍ؛ وُكِلْتَ إلَيْها" الحديث.
رواه البخاري ومسلم.

(2/518)


2 - (
ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره، وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم).
2182 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
سَبْعَةٌ يُظِلُّهمُ الله في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشأَ في عبادَة الله، ورجلٌ قلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجِدِ، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجْتَمعا عليه وتَفرَّقا عليه، ورجُلٌ دعَتْهُ امْرأَةٌ ذات مَنصبٍ وجَمالٍ فقال: إنِّي أخافُ الله، ورجلٌ تَصدَّقَ بصدَقَةٍ فأخفْاها؛ حتى لا تَعْلَمَ شِمالُه ما تُنْفِقُ يَمينُه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففَاضَتْ عيْنَاهُ".
رواه البخاري ومسلم. [مضى 5 - الصلاة/ 10].

2183 - (2) [
صحيح] وعن عبدِ الله بْنِ عَمْرِو بنِ العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ المُقْسِطينَ عندَ الله على منابِرَ منْ نورٍ، عَنْ يمينِ الرَّحمنِ، وكلْتا يَدَيْهِ يَمينٌ؛ الذين يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأهليهِمْ وما وُلُّوا".
رواه مسلم والنسائي. [مضى 17 - النكاح/ 4].

2184 - (3) [
صحيح] وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
أهلُ الجَنَّةِ ثلاثَةٌ: ذو سلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلْبِ

(2/519)


لِكلِّ ذي قُرْبَى ومسلمٍ (1)، وعفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيالٍ".
رواه مسلم.
(
المقسط): العادل.

2185 - (4) [
حسن] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أشدَّ أهلِ النارِ عَذاباً يومَ القيامَةِ؛ مَنْ قَتلَ نبيّاً، أو قَتَلهُ نبِيٌّ،. . ." (2).
رواه الطبراني، ورواته ثقات؛ إلا ليث بن أبي سُلَيم. وفي "الصحيح" بعضه.
ورواه البزار بإسناد جيد؛ إلا أنه قال:
"
وإمامُ ضَلالَةٍ" (3).

1286 - (5) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أربعَةٌ يُبْغِضُهُم الله: البيَّاع الحلاَّفُ، والفقيرُ المخْتالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائرُ".
رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح] وهو في مسلم بنحوه؛ إلا أنه قال:
"
ومَلِكٌ كذابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ". [يأتي بتمامه 21 - الحدود/ 7].
__________
(1)
الأصل: "قربى مسلم"، قال الناجي: "سقط من الأصل هنا (الواو) في (مسلم)، ولا بد منها، وهو واضح".
قلت: وهو بإثباتها في "مسلم" (8/ 158)، و"المسند" أيضاً (4/ 162 و266).
(2)
هنا في الأصل: وإمام جائر" فحذفتها لأني لم أجد لها شاهداً، وهو مخرج في "الضعيفة" (1159)، بخلاف رواية البزار فهي حسنة الإسناد، وأما المعلقون الثلاثة فلم يفرقوا!!
(3)
قلت: وكذا عزاه للبزار عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه"، وقد قصَّر هو والمؤلف فالحديث في "مسند أحمد" بلفظ البزار، وزاد: "وممثل من الممثلين". انظر "الصحيحة" (281).

(2/520)


2187 - (6) [
صحيح لغيره] عن ابن عمر قال:
كنَّا عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
كيف أنتُمْ إذا وقَعتْ فيكُمْ خَمْسٌ؟ وأعوذُ بالله أنْ تكونَ فيكُم أوْ تُدْركوهُنَّ: ما ظَهَرت الفاحشةُ في قوم قَطُّ يُعمَلُ بها فيهم علانِيَةً؛ إلا ظهرَ فيهمُ الطاعونُ والأوْجاعُ التي لَمْ تَكُنْ في أسْلافِهمْ، وما مَنعَ قومٌ الزَّكاة؛ إلاَّ مُنِعوا القَطْرَ مِنَ السَماءِ ولولا البهائم لم يمطروا، وما بَخَسَ قَومٌ المِكْيالَ والميزانَ؛ إلا أُخذوا بالسنينَ وشِدَّةِ المَؤُنَةِ وجَوْرِ السلْطانِ، ولا حكَم أُمَراؤهُم بغيرِ ما أنْزلَ الله؛ إلا سَلَّطَ الله عليهم عدُوِّهُم فاسْتَنْقَذوا بعضَ ما في أيْديهمْ، وما عَطَّلوا كتابَ الله وسنَّةَ نبيِّهِ؛ إلا جَعلَ الله بأْسَهُم بَيْنهُم".
رواه البيهقي (1) وهذا لفظه، ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
[
مضيا 8 - الصد قات/ 2].

2188 - (7) [
صحيح لغيره] وعن بكير بن وهب قال:
قال لي أنس: أحَدِّثُكَ حديثاً ما أحدِّثُه كلَّ أحَدٍ؟ إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قامَ على بابِ البيْتِ ونحنُ فيه فقال:
"
الأَئمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إنَّ لي علَيْكُمْ حقّاً، ولَهُمْ عليكُمْ حقاً مثلَ ذلكَ، ما إن اسْتُرْحموا رَحموا، وإنْ عاهَدوا وَفَوا، وإنْ حَكَموا عَدَلوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعلْ ذلك مِنْهُم فعليه لَعْنَةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمَعينَ".
رواه أحمد بإسناد جيد -واللفظ له- وأبو يعلى والطبراني.
__________
(1)
في "الشعب" (3/ 197/ 3315)، ورواه من طريق أخرى بسياق آخر بنحوه مضى هناك.

(2/521)


2189 - (8) [
صحيح لغيره] وعن سيار بن سلامة أبي المنهال قال:
دخلت مع أبي على أبي برزة وإنَّ في أذُنَيَّ لَقُرْطَيْنِ وأنا غُلامٌ؛ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الأمَراءُ مِنْ قرَيْشٍ، -ثلاثاً- ما فَعلوا ثلاثاً: ما حَكَموا فعَدلوا، واسْتُرْحِموا فَرحِموا، وعاهَدوا فَوَفَوْا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلك منهم؛ فعَلَيْهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمعين".
رواه أحمد، ورواته ثقات، والبزار وأبو يعلى بقصة.

2190 - (9) [
صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال:
قامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بابِ بَيْتٍ فيه نَفَرٌ من قريْشٍ وأَخَذ بِعضادَتَيِ البَابِ فقال:
"
هَلْ في البَيْتِ إلا قُرَشِيٌّ؟ ".
قال: فقيلَ: يا رسولَ الله! غيرُ فلانٍ ابن أُختِنا. فقال:
"
ابنُ أُخْتِ القومِ مِنْهُمْ"، ثُمَّ قال:
"
إنَّ هذا الأمْرَ في قريشٍ ما إذا اسْترْحِموا رَحِموا، وإذا حكَموا عَدلُوا، وإذا قَسَمُوا أقْسَطوا، فَمنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلك منهم؛ فعليه لَعْنَةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمَعينَ، لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ".
رواه أحمد، ورواته ثقات، والبزار والطبراني.

2191 - (10) [
صحيح لغيره] وعن معاويةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تُقَدَّسُ أُمَّةٌ لا يُقْضَى فيها بالْحَقِّ، ولا يأْخُذُ الضعيفُ حَقَّهُ مِنَ القَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات.

(2/522)


2192 - (11) [
صحيح لغيره] ورواه البزار بنحوه من حديث عائشة مختصراً.

2193 - (12) [
صحيح لغيره] والطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد جيد.

2194 - (13) [
صحيح] ورواه ابن ماجه مطولاً من حديث أبي سعيد. [مضى بلفظه 16 - البيوع/ 16].

2195 - (14) [
صحيح لغيره] وعن ابن بريدة عن أبيه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
القضاةُ ثلاثَة، قاضِيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنَّةِ: رجلٌ قَضى بغيرِ حقٍّ يعلَمُ، بذلك، فذلِكَ في النارِ، وقاضٍ لا يَعْلَمُ فأهْلَكَ حقُوقَ الناسِ فهو في النارِ، وقاضٍ قَضى بالحقِّ فذلِكَ في الجنَّةِ".
رواه أبو داود، وتقدم لفظه [هنا/ 1 - باب]، وابن ماجه والترمذي -واللفظه له- وقال:
"
حديث حسن غريب".

2196 - (15) [
حسن] وعن ابن أبي أوْفَى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله مَعَ القاضي ما لَمْ يَجُرْ، فإذا جارَ تَخلَّى عنه ولَزِمَهُ الشيْطانُ".
رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والحاكم؛ إلا أنه قال:
"
فإذا جارَ تَبرَّأَ الله منه".
رووه كلهم من حديث عمران القطان، وقال الترمذي:
"
حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمران القطان". وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ): "وعمران يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى" [في آخر كتابه].

2197 - (16) [
صحيح موقوف] وعن سعيد بن المسيب:
أنَّ مسلِماً وَيهودِيًّا اخْتَصَما إلى عُمَر رضي الله عنه، فَرأَى [أنّ] الَحقَّ

(2/523)


لِلْيَهوديِّ، فَقَضى له عُمَرُ به. فقالَ لَهُ اليَهودِيُّ: والله لقَدْ قَضَيْتَ بالْحَقِّ، فَضَرَبهُ عُمَرُ بالدَّرَّةِ وقال: وما يُدْريكَ؟
فقال اليَهودِيُّ: والله إنَّا نَجِدُ في التوارةِ: ليسَ قاضٍ يَقْضي بالحَقِّ، إلا كانَ عن يَمينِه مَلَكٌ، وعن شِمالِه مَلَكٌ، يُسَدِّدانِه وُيوَفِّقانِهِ لِلْحَقِّ ما دامَ مَع الحَقِّ، فإذا ترَك الحَقَّ عَرَجا وتَرَكاهُ.
رواه مالك.

2198 - (17) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ أَميرِ عَشَرةٍ إلا يُؤتَى به يومَ القِيامَة مَغْلولاً، لا يَفُكُّهُ إلا العَدْلُ، [أو يوِبقُهُ الجَوْرُ] (1) ".
رواه أحمد بإسناد جيد، رجاله رجال "الصحيح".

2199 - (18) [
صحيح لغيره] وعن رجلٍ عن سعدِ بْنِ عُبادَةَ قال: سمعتهُ غيرَ مرَّةٍ ولا مرَّتَين يقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ أميرِ عَشَرةٍ إلا يُؤْتى به يومَ القِيامَةِ مَغْلولاً؛ لا يَفكَّهُ مِنْ ذلك الغلِّ إلا العَدْلُ".
رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال "الصحيح"؛ إلا الرجل المبهم.

2200 - (19) [
صحيح] وعن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ أميرِ عَشَرةٍ إلا يُؤْتى به مَغْلولاً يومَ القِيامَةِ، حتى يَفُكَّهُ العَدْلُ، أوْ يوِبقَهُ الجَوْرُ".
رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، ورجال البزار رجال "الصحيح".
__________
(1)
زيادة من "المسند"، غفل عنها الغافلون الثلاثة!

(2/524)


2201 - (20) [
حسن صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يرفعه قال:
"
ما مِنْ رجلٍ وَلِيَ عَشَرَةً؛ إلا أُتِيَ به يومَ القيامَةِ مَغْلولَةً يدهُ إلى عُنُقِهِ، حتَّى يُقْضى بَيْنَهُ وبَيْنَهُم".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجاله ثقات. (1)

2202 - (21) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: سمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في بيتي هذا:
"
اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئاً، فَشَقِّ عليهِمْ؛ فاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئاً، فَرَفَقَ بِهِمْ؛ فَارْفِقْ به".
رواه مسلم والنسائي.
(
قال الحافظ): "ويأتي [أحاديث] في "10 - باب الشفقة" إنْ شاء الله".

2203 - (22) [
صحيح موقوف] وعن أبي عثمان قال:
كتبَ إلينا عمرُ رضي الله عنه ونحنُ بـ (أذْرَبيجَانَ) (2):
يا عتبةَ بنَ فَرْقَدٍ! إنَّهُ ليسَ مِنْ كدِّكَ، ولا كدِّ أبيكَ، ولا كدِّ أمِّك، فأَشْبع المسْلِمينَ في رِحَالِهم مِمّا تَشْبَعُ منه في رَحْلِكَ، إيَّاكُمْ والتَنَغُّمَ، وزِيَّ أهلِ الشِّرْكِ، ولَبوسَ الحَريرِ.
رواه مسلم.

2204 - (23) [
صحيح] وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
__________
(1)
هذه الأحاديث الأربعة، حسنها الثلاثة المشار إليهم، وقد ضعفوا حديث أبي أمامة المتقدم في الباب الأول، فراجع ردي عليهم هناك لترى جهلهم وتعديهم على السنة، ثم اعتبرْ، وادعُ لهم بالهداية.
(2)
إقليم معروف وراء العراق.

(2/525)


"
ما مِنْ عبدٍ يَسْتَرْعيه الله عزَّ وجلَّ رَعيَّةً، يموتُ يومَ يموتُ وهو غَاشٌّ رَعيَّتَهُ؛ إلا حَرَّمَ الله تُعالى عليه الجَنَّةَ".
وفي رواية:
"
فلم يُحِطْها بِنُصْحِهِ، لَمْ يَرَحْ رائحَةَ الجَنَّةِ".
رواه البخاري ومسلم.

2205 - (24) [
صحيح] وعنه أيضاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ أميرٍ يَلي أمورَ المسلمينَ ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ، ويَنْصَح لَهُم؛ إلا لَمْ يَدْخلْ معَهُمُ الجَنَّةَ".
[
حسن] رواه مسلم، والطبراني (1) وزاد:
"
كَنُصْحِهِ وجَهْدِهِ لنَفْسِهِ".

2206 - (25) [
صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وَلِيَ مِنْ أمورِ المسلمين شيْئاً، فَغَشَّهُم؛ فَهُوَ في النارِ".
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، ورواته ثقات؛ إلا عبد الله بن ميسرة أبا ليلى.

2207 - (26) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بن مغفلٍ المزني رضي الله عنه قال:
أشهدُ لَسَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ إمام ولا والٍ باتَ ليلَةً سوْداءَ غاشًّا لِرَعيَّته؛ إلا حَرَّمَ الله عليه الجنَّةَ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.
__________
(1)
لم أره في "المعجم الكبير" إلا بلفظ: "لا يحوطه كما يحوط نفسه وأهله" (20/ 218/ 506)، وفيه ضعيف. ثم أخرجه (513) من طريق آخر نحوه، وفيه ضعيف وآخر لم يسم. وإنما رواه في "المعجم الصغير" من طريق أخرى حسنة، وهو مخرج في "الضعيفة" تحت الحديث (5364).

(2/526)


[
صحيح لغيره] وفي رواية له:
"
ما مِنْ إمامٍ يَبيتُ غاشّاً لِرَعيَّتِهِ؛ إلا حَرَّمَ الله عليه الجنَّةَ، وعَرفُها يوجَدُ يومَ القِيامَةِ مِنْ مسيرَةِ سَبْعينَ عاماً".

2208 - (27) [
صحيح] وعن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه؛ أنه قال لمعاويَةَ: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ ولاهُ الله شيْئاً مِنْ أمورِ المسْلمينَ، فاحْتَجبَ دونَ حاجَتِهِم وخَلَّتِهم وفَقْرِهمْ؛ احْتَجبَ الله دونَ حاجَتهِ وخَلَّتِه وفَقْرِه يومَ القِيامَةِ".
[
قال:] فجعل معاوية رجلاً على حوائج المسلمين.
[
صحيح لغيره] رواه أبو داود -واللفظ له-، والترمذي ولفظه:
قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقول:
"
ما مِنْ إمامٍ يُغلقُ بابَه دونَ ذوي الحاجَةِ والخَلَّةِ والمسكَنَةِ؛ إلا أَغْلَقَ الله أبوابَ السماءِ دونَ خلَّتهِ وحاجَتِه ومسْكَنتهِ".
ورواه الحاكم بنحو لفظ أبي داود وقال: "صحيح الإسناد".

2209 - (28) [
صحيح لغيره] وعن معاذِ بْنِ جبل رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وَليَ مِنْ أمْرِ الناسِ شَيْئاً، فاحْتَجبَ عَنْ أُولي الضَّعْفِ والحاجَةِ؛ احْتَجبَ الله عنه يومَ القيامَةِ".
رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني وغيره.

2210 - (29) [
حسن لغيره] وعن أبي الشمَّاخ (1) الأزدي عن ابن عمٍّ له من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
بالمعجمتين، ووقع في "الأصل" و"المجمع" وغيرهما بالمهملتين، والتصحيح من "المخطوطة" و"المسند"، وغفل عنه النقلة الثلاثة فلم يصححوه، مع أنهم نقلوه عن الهيثمي على الصواب!!

(2/527)


أنه أتى معاويةَ فدخل عليه فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
من ولي أمرَ الناسِ، ثم أغلق بابَهُ دون المسكين والمظلوم وذي الحاجةِ؛ أغلق الله تباركَ وتعالى أبوابَ رحمتِه دون حاجته وفقرِهِ؛ أفقر ما يكون إليها".
رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حسن.

3 - (
ترهيب من وَلِيَ شيئاً من أمور المسلمين أن يولّي عليهم رجلاً وفي رعيته خيرٌ منه).
[
لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].

(2/528)


4 - (
ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما). (1)
2211 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:
لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الراشي والمُرْتَشِي.
رواه أبو داود، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
[
صحيح] وابن ماجه، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لعنةُ الله على الراشي والمرْتَشي".
وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2212 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"
لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الراشي والمرتَشي في الحُكْمِ".
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". (2).
__________
(1) (
الراشي): أصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء، فـ (الراشي) من يعطي الذي يعينه على الباطل.
و (المرتشي): الأخذ، والذي يسعى بينهما يسمى (رائش)، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا.
و (الرشوة): الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة. وما يعطى توصلاً إلى أخذ حق، أو دفع ظلم، فغير داخل فيه. والله أعلم.
(2)
هنا في الأصل: "والحاكم وزاد: "والرائش": يعني الذي يسعى بينهما"، فحذفت هذه الزيادة لأنِّي لم أجد لها شاهداً مع ضعف إسنادها، وهو من حديث ثوبان، خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف أنَّه من حديث أبي هريرة! ولم ينتبه لهذا المعلقون الغافلون! وهو مخرج في "الإرواء" (8/ 245).

(2/529)


2213 - (3) [
صحيح لغيره موقوف] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ كُفْرٌ، وهي بينَ الناسِ سُحْتٌ.
رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح.

(2/530)


5 - (
الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله، والترغيب في نصرته).
2214 - (1) [
صحيح] عن أبي ذّرٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يروي عنْ ربِّه عزَّ وجلَّ أنَّه قال:
"
يا عبادي! إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ (1) على نفسي، وجَعَلْتُه بينَكُم مُحَرَّماً، فلا تَظالَموا" الحديث.
رواه مسلم والترمذي وابن ماجه. وتقدم بتمامه في الدعاء وغيره [15/ 1].

2215 - (2) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اتَّقوا الظلْمَ؛ فإنَّ الظلْمَ ظُلُماتٌ يومَ القِيامَة، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهْلَك مَنْ كان قَبْلَكُم، حمَلَهُم على أنْ سَفكوا دِماءَهُم، واسْتَحلُّوا محارِمَهُم".
رواه مسلم وغيره.

2216 - (3) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الظلمُ ظُلُماتٌ يومَ القِيامَةِ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

2217 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه، يبلغ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إيَّاكُمْ والظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ هو ظُلُماتٌ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكمْ والفُحْش؛ فإنَّ
__________
(1)
قال الراغب: "هو لغة: وضع الشيء في غير موضعه المختص به بنقص أو زيادة، أو عدول عن وقته أو مكانه".
قلت: ففيه رد على الذين يفسرونه بأنه التصرف في ملك الغير! وبناء عليه يقولون بأن لله تعذيب الطائع، وإثابة العاصي! تعالى لله عما يقولون علواً كبيراً. راجع للرد عليهم كتاب ابن القيم: "شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل".

(2/531)


الله لا يحبُّ الفاحِشَ والمتَفَحِّشَ، وإيَّاكمْ والشُّحِّ فإن الشحَّ دَعا مَن كان قَبْلكُم؛ فَسفَكُوا دماءهم، واسْتَحلُّوا محارِمَهُمْ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم.

2218 - (5) [
حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
صنفانِ مِنْ أُمَّتي لنْ تنالَهُما شفاعَتي: إمامٌ ظلومٌ غَشومٌ، وكَلُّ غالٍ مارِقٌ".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات.

2219 - (6) [
صحيح لغيره] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول:
"
المسلمُ أخو المسْلم، لا يَظْلِمُه ولا يَخْذُلُه. -ويقول:-
والَّذي نفسي بيده ما توادَّ اثْنانِ فيفرِّق بينَهُما إلا بذَنْبٍ يُحْدثُهُ أَحدُهُما".
رواه أحمد بإسناد حسن.

2220 - (7) [
صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله لَيُملي للظالِم، فإذا أَخذَهُ لم يُفْلِتْهُ"، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

2221 - (8) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الشيطانَ قَدْ يئسَ أنْ تُعْبد الأصنامُ في أرْضِ العربِ، ولكنَّه سَيَرْضَى منكُم بدونِ ذلك بالمحَقَّراتِ، وهي الموِبقَاتُ يومَ القِيامَةِ، اتَّقوا الظُّلْمَ ما اسْتَطَعْتُم؛ فإنَّ العَبْدَ يَجيءُ بالحَسَناتِ يَوْمَ القِيامَة يَرى أنَّها سَتُنْجِيه، فَما زالَ عَبْدٌ يقومُ يقول: يا ربِّ ظَلَمني عبدُكَ مَظْلَمَةً. فيقولُ: امْحوا مِنْ حَسنَاتِه. وما يَزالُ كذلك حتى ما يَبْقى لَهُ حَسنَةٌ مِنَ الذنوبِ، وإنَّ مِثْلَ ذلك

(2/532)


كَسَفْرٍ نَزَلوا بِفَلاةٍ منَ الأرْضِ ليسَ مَعهُم حَطبٌ، فَتَفرَّقَ القَوْمُ لِيَحْتَطِبوا فَلَمْ يَلْبَثوا أنْ حَطبوا، فَأعْظَموا النارَ وطَبخَوا ما أرَادوا، وكذلك الذنوبُ".
رواه أبو يعلى من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود.
ورواه أحمد والطبراني بإسناد حسن نحوه باختصار.

2222 - (9) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَتْ عندَةُ مَظْلَمَةٌ لأخيه مِنْ عِرْضٍ أو مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحلَّلْهُ مِنْهُ اليومَ، مِنْ قَبْلِ أنْ لا يَكونَ دِينارٌ ولا درهم، إنْ كانَ لَهُ عَملٌ صالحٌ؛ أخذَ منْهُ بقَدْرِ مَظْلَمَتِه، وإن لَمْ تَكَنْ لَهُ حَسنَاتٌ؛ أخذَ مِنْ سيِّئاتِ صاحبِهِ فَحُمِلَ عليه".
[
صحيح لغيره] رواه البخاري، والترمذي، وقال في أوله:
"
رحم الله عبداً كانت له عندَ أخيه مظلمةٌ في عِرْض أو مالٍ" الحديث.

2223 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أتَدرونَ ما المُفْلِسُ؟ ".
قالوا: المفْلِسُ فينا مَنْ لا درهمَ له ولا مَتَاعَ. فقال:
"
إنَّ المفْلِسَ من أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيام وزَكاةٍ، ويأتي وقد شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسَفَك دمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِنْ حَسناتِه، وهذا مِنْ حَسناتِه، فإنْ فَنِيتْ حسنَاتهُ قَبْلَ أنْ يَقْضِيَ ما عليه؛ أخذَ مِنْ خَطاياهُمْ، فَطرِحَتْ عليه، ثمَّ طرِحَ في النارِ".
رواه مسلم والترمذي.

2224 - (11) [
صحيح] وعن أبي عثمان عن سلمان الفارسي وسعد بن مالك وحذيفة ابن اليمان وعبد الله بن مسعود؛ حتى عدَّ ستَّةً أو سبعةً مِنْ أصحاب النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا:

(2/533)


"
إنَّ الرجلَ لا تُرفع له يومَ القِيامَةِ صحيفَتُهُ حتَّى يَرى أنَّه ناجٍ، فما تَزالُ مَظالِمُ بني آدم تَتْبعهُ حتّى ما يَبْقَى له حَسنَةٌ، وُيحْمَلُ عليهِ مِنْ سيِّئاتِهمْ".
رواه البيهقي في "البعث" بإسناد جيد. (1)

2225 - (12) [
صحيح] وعن ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَث معاذاً إلى اليَمن فقال:
"
اتَّقِ دَعْوةَ المظْلومِ؛ فإنَّه ليسَ بينَها وبينَ الله حِجابٌ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في حديث، والترمذي مختصراً هكذا -واللفظ له-، ومطولاً كالجماعة.

2226 - (13) [
حسن لغيره] وفي رواية للترمذي حسنةٍ (2) [يعني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]:
"
ثلاثُ دعَوات لا شكَّ في إجابتِهِنَّ: دعوةُ المظْلومِ، ودعوةُ المسافِرِ، ودعوةُ الوالِدِ على الولَدِ".
وروى أبو داود هذه بتقديم وتأخير.

2227 - (14) [
حسن لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ الجهني رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثَةٌ تُسْتَجابُ دعوتُهم: الوالِدُ، والمسافِرُ، والمظْلُومُ".
رواه الطبراني في حديث بإسناد صحيح.

2228 - (15) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اتَّقوا دعْوَة المظْلومِ؛ فإنَّها تصعَدُ إلى السماءِ كأنَّها شَرارَةٌ".
__________
(1)
قلت: هذا موقوف في حكم المرفوع؛ كما هو ظاهر، وقد فات المؤلف أنَّ الحاكم رواه مرفوعاً، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" (3373).
(2)
قال الناجي: "رواه في "كتاب البر" وفي "الدعوات"، ولم يحسنه".
قلت: لكنْ يقويه ما بعده.

(2/534)


رواه الحاكم وقال:
"
رواته متفق على الاحتجاج بهم؛ إلا عاصم بن كليب، فاحتج به مسلم وحده".

2229 - (16) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
دعوةُ المظلومِ مُسْتَجابةٌ، وإنْ كانَ فاجِراً فَفُجورُه على نَفْسِه".
رواه أحمد بإسناد حسن.

2230 - (17) [
حسن لغيره] وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اتَّقوا دعوةَ المظلومِ؛ فإنها تُحملُ على الغَمامِ، يقولُ الله: وعِزَّتي وجَلالي لأَنْصُرَنَّك ولوْ بَعْدَ حينٍ".
رواه الطبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات.

2231 - (18) [
حسن لغيره] وعن أبي عبد الله الأسْدي قال: سمعت أنس بن مالكٍ رضي الله عنه يقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
دعوةُ المظلوم وإنْ كَانَ كَافِراً؛ ليسَ دونَها حِجَابٌ".
[
صحيح لغيره] وقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
دع ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ".
رواه أحمد، ورواته إلى عبد الله محتج بهم في "الصحيح"، وأبو عبد الله لم أقف فيه على جرح ولا تعديل.

2232 - (19) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظْلمُه، ولا يَخْذُلُه، ولا يَحْقِرُه، التقوى ههُنا، التقوى ههُنا، -ويشير إلى صدره [ثلاث مرات] (1) -، بحَسبْ امْرئٍ من الشرِ أنْ يَحْتَقِرَ أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دَمُه، وعِرْضهُ، ومَالُه".
رواه مسلم.
__________
(1)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "مسلم"، وانظر "الضعيفة" (6906). وسيأتي الحديث بزيادة في أوله في (23 - الأدب/ 21).

(2/535)


2233 - (20) [
صحيح لغيره] وعن أبي ذر رضى الله عنه قال:. . . . . .
قلت: يا رسول الله! أوصني. قال:
"
أوصيك بتقوى الله؛ فإنّها رأسُ الأمرِ كلِّه".
قلت: يا رسول لله! زدني. قال:
"
عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله؛ فإنه نورٌ لك في الأرض، وذخر لك في السماء".
قلت: يا رسول الله! زدني، قال:
"
إياك وكثرةَ الضحك؛ فإنه يميتُ القلبَ، ويذهب بنور الوجه".
قلت: يا رسول الله! زدني. قال:
"
عليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية أمتي". . . .
قلت: يا رسول الله! زدني. قال:
"
أحبّ المساكينَ وجالسْهم".
قلت: يا رسول الله! زدني. قال:
"
انظر إلى من هو تحتَك، ولا تنظر إلى من هو فوقك؛ فإنه أجدرُ أن لا تزدري نعمة الله عندك".
قلت: يا رسول الله! زدني. قال:
"
قل الحق وإن كان مراً". . . . . . .
رواه ابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، والحاكم، وقال:
"
صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ):
"
انفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه، وهو حديث طويل في أوله ذكر الأنبياء عليهم السلام، ذكرت منه هذه القطعة لما فيها من الحكم العظيمة والمواعظ الجسيمة.
ورواه الحاكم أيضاً، ومن طريقه البيهقي؛ كلاهما عن يحيى بن سعيد السعدي البصري: حدثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بنحوه.

(2/536)


ويحيى بن سعيد فيه كلام، والحديث منكر من هذه الطريق، وحديث إبراهيم بن هشام هو المشهور، والله أعلم".

2234 - (21) [
حسن لغيره] وروي عن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أُمِرَ بعبدٍ من عبادِ الله يُضرَبُ في قبره مئةَ جلدةٍ، فلم يزلْ يسألُ ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلماً ارتفع (1) وأفاق قال: على ما جلدتموني؟ قال: إنك صليت صلاةً بغيرِ طهورٍ، ومررتَ على مظلوم فلم تنصرْه".
رواه أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب التوبيخ".

2235 - (22) [
صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
انصُرْ أخاك ظالِماً أوْ مظْلوماً".
فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! أنْصُرهُ إذا كان مظْلوماً، أفرأيتَ إنْ كانَ ظالِماً، كيفَ أنْصُره؟ قال:
"
تَحْجُزُه أوْ تَمْنَعُهُ عنِ الظُّلمِ، فإنَّ ذلك نَصْرُه".
رواه البخاري.

2236 - (23) [
صحيح] ورواه مسلم في حديث عن جابرٍ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ولْيَنْصُرِ الرجلُ أخاه ظالِماً أو مَظْلوماً؛ إنْ كانَ ظالِماً؛ فلينْهَهُ، فإنَّه له نُصْرَةٌ، وإن كانَ مَظْلوماً فَلْينْصُرْهُ".
__________
(1)
الأصل: "افرنقع"، والتصحيح من "شرح الصدور" للسيوطي ص (68 - البابي الحلبي) و"مشكل الآثار"، ومنه استفدت إسناده وحسنه، لأن كتاب "التوبيخ" لم يطبع منه الجزء الذي فيه هذا الحديث، وقد خرجته في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2774). ووقع في "شرح الصدور" معزواً للبخاري، وهو خطأ لعله مطبعي.

(2/537)


6 - (
الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالماً).
2237 - (1) [
صحيح موقوف] ورواه [يعني حديث عبد الله بن مسعودٍ المرفوع الذي في "الضعيف"] الأصبهاني وغيره موقوفاً على عبد الله؛ لم يرفعوه.
[
قلت: ولفظه:
"
إذا خاف أحدُكم السلطانَ الجائرَ فليقلْ:
(
اللهم ربَّ السماوات السبع، وربَّ العرش العظيم، كن لي جاراً من فلان ابن فلان وأتباعه من خلقك؛ من الجن والإنس؛ أن يفرط عليَّ أحد منهم، أو أن يطغى، عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤك، لا إله إلا أنت) "] (1).

2238 - (2) [
صحيح موقوف] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
إذا أَتَيْتَ سلطاناً مَهيباً تخافُ أنْ يَسْطُوَ بِكَ فقلْ:
(
الله أكبَرُ، الله أعزُّ مِنْ خَلْقِه جميعاً، الله أعزُّ مِن ما أخافُ وأَحْذَرُ، أعوذُ بالله الذي لا إله إلا هُوَ، المُمْسِكُ السموات أنْ يقَعْنَ على الأرضِ إلا بإذْنِهِ؛ مِنْ شرِّ عبْدِك فلانٍ وجنودهِ وأتْباعِهِ وأشْياعِهِ مِنَ الجنِّ والإنْسِ، الّلهُمَّ كنْ لي جَاراً مِنْ شرِّهِمْ، جلَّ ثناؤكَ، وعزَّ جارُكَ وتبارَكَ اسْمُكَ، ولا إله غيرُك -ثلاث مرات-).
رواه ابن أبي شيبة موقوفاً. وهذا لفظه، وهو أتم.
__________
(1)
قلت: وهو موقوف يحتمل أن يكون في حكم المرفوع، وإسناده صحيح، بخلاف المرفوع فضعيف، ولذلك فرقت بينهما، وأما المعلقون الثلاثة فصدَّروا تخريجهم بقولهم: "حسن" دونما أي تفريق وتبيين بين المرفوع والموقوف كما هي عادتهم.

(2/538)


ورواه الطبراني وليس عنده "ثلاث مرات" (1)، ورجاله محتج بهم في "الصحيح".

2239 - (3) [
صحيح موقوف] وعن أبي مَجْلَزٍ -واسمه لاحق بن حميد- قال:
مَنْ خافَ مِنْ أميرٍ ظُلْماً فقال:
(
رضيتُ بالله ربّاً، وبالإِسْلامِ ديناً، وبمحمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيّاً، وبالقرآنِ حَكَماً وإماماً)؛ نَجَّاه الله منه.
رواه ابن أبي شيبة موقوفاً عليه، وهو تابعي ثقة.
__________
(1)
قلت: بلى! هو عنده في "معجمه الكبير" (10/ 314/ 10599)، وإسناده إسناد ابن أبي شيبة؛ سوى شيخه علي بن عبد العزيز، وهو ثقة حافظ. والأولى عزوه للبخاري في "الأدب المفرد" (708)، فإنه تابع ابن أبي شيبة.

(2/539)


7 - (
الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة، والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم).
2240 - (1) [
حسن صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ بدَا جَفا، ومَنْ تَبعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، ومَنْ أتى أبوابَ السلْطانِ افتُتِنَ، وما ازْدادَ عبدٌ مِنَ السلطانِ قُرْباً؛ إلا ازْدادَ مِنَ الله بُعْداً".
رواه أحمد بإسنادين، رواة أحدهما رواة "الصحيح" (1).

2241 - (2) [
صحيح لغيره] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَن بَدا جَفا، ومَنِ اتَّبَع الصَيْدَ غَفلَ، ومَنْ أتَى السلْطانَ افتُتِنَ".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي:
"
حديث حسن".

2242 - (3) [
صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لكعب بْنِ عِجْرَةَ:
"
أعاذَك الله مِنْ إِمارَةِ السُّفهاءِ".
قال: وما إِمارَةُ السُّفهاء؟ قال:
"
أُمَراءُ يكونونَ بَعْدي، لا يَهْتَدون بِهَدْيي، ولا يَسْتَنُّون بسِنَّتي، فَمَنْ صدَّقَهم بكَذبِهِم، وأعانَهم على ظُلْمِهِم، فأولئك ليسوا منِّي، ولسْتُ منهم، ولا يَرِدُون عليَّ حوْضي. ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون على حوضي.
يا كعب بن عجرة! الصيامُ جُنَّةٌ، والصدقَةُ تطْفِئُ الخطيئَةَ، والصلاةُ قُرْبانٌ، أو قال: برهَان.
__________
(1)
فيه نظر بينه الهيثمي (5/ 246)، فليراجعه من شاء.

(2/540)


يا كعب بن عجرة! الناسُ غادِيانِ؛ فَمُبْتاعٌ نَفْسَه فمُعْتِقها، وبائعٌ نَفْسه فموِبقُها".
رواه أحمد -واللفظ له- والبزار، ورواتهما محتج بهم في "الصحيح".
[
صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"
ستكونُ أمَراءُ مَنْ دَخَلَ عليهِمْ فأعانَهُم على ظُلْمِهِمْ، وصدَّقَهُمْ بِكَذبِهِم؛ فليسَ منِّي، ولستُ منه، ولن يَردَ عليَّ الحوضَ. ومَنْ لَمْ يدخُلْ عليهِمْ، ولَمْ يُعِنْهُم على ظُلْمِهِمْ، ولَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذبِهِمْ؛ فهو منِّي وأنا منه، وسيَرِدُ عليَّ الحَوْضَ" الحديث.

2243 - (4) [
حسن صحيح] ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أعيذُكَ بالله يا كعب بن عجرة! مِنْ أمَراءَ يكونونَ مِنْ بَعْدي، فَمَنْ غَشِيَ أبوابَهُم، فَصَدَّقَهُم في كَذبِهِم، وأعانَهُم على ظُلْمِهِم؛ فليسَ منِّي، ولستُ منه، ولا يَرِدُ عليَّ الحوْضَ. ومَنْ غَشِيَ أبوابَهُم، أوْ لَمْ يَغْشَ، فَلَمْ يُصَدِّقْهم في كذبِهِمْ، ولَمْ يُعِنْهُمْ على ظُلْمِهِم؛ فهو منِّي، وأنا منه، وسَيَرِدُ عليَّ الحَوْضَ" الحديث. واللفظ للترمذي.
[
صحيح لغيره] وفي رواية له أيضاً عن كعب بن عجرة قال:
خَرجَ إلينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن تِسْعَةٌ: خَمْسَةٌ وأرْبَعَةٌ، أحدُ العَدَديْنِ مِنَ العَرَبِ، والآخَرُ مِنَ العَجَمِ (1)، فقال:
__________
(1)
قلت: بينَتْه رواية البزار (1608) عن حذيفة بلفظ: ". . . تسعة نفر، أربعة من الموالي وخمسة من العرب". وسنده حسن بهذا.

(2/541)


"
اسْمَعوا، هلْ سمِعتُمْ؟ إنَّه سيكونُ بَعدي أُمَراءُ، فَمَنْ دَخل عليهِم فصَدَّقَهُم بكَذبِهِمْ، وأعانَهُم على ظُلْمِهم؛ فليسَ منِّي، ولستُ منه، وليسَ بوَاردٍ عليَّ الحَوْضَ. ومَنْ لَمْ يَدْخُلْ عليهِمْ، ولَمْ يُعنْهُمِ على ظُلْمِهِم، ولَمْ يُصدِّقْهُم، بكذبِهِمْ؛ فهو مِنّي، وأنا منه، وهو وارِدٌ عليَّ الحوْضَ".
قال الترمذي: "حديث غريب صحيح".

2244 - (5) [
حسن لغيره] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال:
خَرجَ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحنُ في المسجد بَعْدَ صلاة العشَاء، فرفَع بصرَه إلى السماءِ، ثمَّ خَفَضَ حتَّى ظَننَّا أنَّه قد حدَث في السمَاء شَيْءٌ (1) فقال:
"
ألا إنَّها ستكونُ بَعْدي أمَراءُ يَظلمونَ ويكْذِبونَ، فَمنْ صَدَّقَهُم بكَذِبِهم، ومَالأَهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فَلْيسَ منِّي، ولا أنا منه، ومَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُم بكذبِهِمْ، ولمْ يُمالِئْهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فهو منِّي وأنا منه" الحديث.
رواه أحمد، وفي إسناده راوٍ لم يسمّ، وبقيته ثقات محتج بهم في "الصحيح".

2245 - (6) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن خَبَّاب عن أبيه رضي الله عنه قال:
كنَّا قُعوداً على بابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرج علينا فقال:
"
اسْمَعوا". قلنا: قد سمِعْنا. قال:
"
اسْمَعوا". قلنا: قد سمِعْنا.
[
قال: "اسْمَعْوا". قلنا: قد سمِعْنا] (2). قال:
__________
(1)
والأصل والمخطوطة: "أمر"، والتصويب من "المسند" (4/ 266 - 267) و"المجمع" (5/ 247)، وغفل عنه الغافلون الثلاثة!
(2)
سقطت من قلم المؤلف، فإنها لم ترد في المخطوطة أيضاً، واستدركتها من "الموارد" (1574)، ولفظ الطبراني (4/ 67/ 3627) مختصر: "فقال: "أتسمعون؟ ". قلنا: قد سمعنا مرتين أو ثلاثاً". وكذا في "المجمع"، وكذا رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 352/ 757).

(2/542)


"
إنَّه سيكونُ بعدي أمَراءُ فلا تُصدِّقوهم بِكَذبِهِم، ولا تُعينوهُم على ظُلْمِهِمْ، فإنَّ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذبِهِم، وأعانَهُمْ على ظُلْمِهم؛ لَمْ يَرِدْ عليَّ الحوْضَ".
رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.

2246 - (7) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يكون أمَراءُ تَغْشاهُم غواشٍ أو حواشٍ مِنَ الناسِ، يَكْذبونَ وَيظْلِمونَ، فَمَنْ دَخَل عليهمْ فصدَّقهم بِكذبِهمِ، وأعَانَهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فليس مِنِّي، ولسْتُ منه، ومَنْ لمْ يَدْخلْ عليهم، ولمْ يُصدِّقْهُم بِكَذبِهِم، ولَمْ يُعِنْهُم على ظُلْمِهمْ؛ فهو منِّي، وأنا منه".
رواه أحمد واللفظ له، وأبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنهما قالا:
"
فَمَنْ صَدَّقَهُم بِكِذبِهم، وأعانَهُم على ظُلْمِهِم، فأنا منه بَريءٌ، وهو منِّي بَريءٌ".

2247 - (8) [
حسن صحيح] وعن علقمة بن أبي وقاصٍ الليثي:
أنّه مرَّ برجلٍ مِنْ أهلِ المدينَةِ له شَرَفٌ، وهو جالِسٌ بسوقِ المدينةِ، فقال عَلْقَمَةُ: يا فلانُ! إنَّ لكَ حُرْمَةً وإنَّ لكَ حقّاً، وإنِّي رأيتُك تَدْخُل على هؤلاءِ الأُمَراءِ فتَتكلَّم عندَهُم، وإنِّي سمعْتُ بلال بْنَ الحارِث صاحِبَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أحَدَكم ليتَكَلَّم بالكلِمَة مِنْ رِضْوانِ الله ما يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ؛ فيَكْتُبُ الله له بِها رِضْوانَهُ إلى يوم يَلْقاهُ، وإنَّ أَحدكُم ليتَكَلَّمُ بالكلمةِ مِنْ سَخَطِ الله ما يظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ؛ فيَكْتُبُ الله له بها سخَطَهُ إلى يوْمِ القيامَةِ".

(2/543)


قال علقمة: فانظر ويحك! ماذا تقول، وما تَكَلَّم به، فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من بلال بن الحارث.
رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وروى الترمذي والحاكم المرفوع منه وصححاه.
[
حسن لغيره] ورواه الأصبهاني؛ إلا أنه قال: عن بلال بن الحارث أنه قال لبنيه:
إذا حضرتم عند ذي سلطان فأحسنوا المحضر، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: فذكره.

(2/544)


8 - (
الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته، والشفاعة المانعة من حد من حدود الله، وغير ذلك).
2248 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ حالتْ شفاعَتُه دونَ حدٍّ من حدودِ الله، فقد ضادَّ الله عزَّ وجلَّ، ومَنْ خاصمَ في باطِلٍ وهو يعلَمُ؛ لَمْ يَزَلْ في سَخَطِ الله حتى يَنْزِعَ، ومَنْ قال في مؤمنٍ ما ليسَ فيه؛ أسْكَنَه الله رَدْغَةَ الخَبالِ، حتى يَخْرُجَ مِمَّا قال".
رواه أبو داود -واللفظ له-، والطبراني بإسناد جيد نحوه. (1)
ورواه الحاكم مطولاً ومختصراً، وقال في كل منهما:
"
صحيح الإسناد".
[
صحيح لغيره] ولفظ المختصر قال:
"
مَنْ أعانَ على خُصومَةٍ بغير حقٍّ؛ كانَ في سَخَطِ الله حتَّى يَنْزِع".
[
صحيح لغيره] وفي رواية لأبي داود:
"
مَنْ أعانَ على خُصومةٍ بظُلمٍ؛ فقد باءَ بغضبٍ مِنَ الله".
(
الرَّدْغَةُ) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضاً وبالغين المعجمة: هي الوحل.
و (رَدْغَةُ الخَبالِ) بفتح الخاء المعجمة وبالباء الموحدة: هي عصارة أهل النار أو عرقهم
__________
(1)
كذا قال! وهو عند الطبراني في "الكبير" (12/ 388/ 13435) و"الأوسط" (7/ 253/ 6487) من طريق عطاء الخراساني، عن حمران قال: سمعت ابن عمر. . .، فعطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً كما في "التقريب". وشيخه (حمران) مجهول، وقال الحافظ: "مقبول". وكان في الأصل: "وزاد -يعني الطبراني- في آخره: وليس بخارج"، فحذفته لنكارته ومخالفته للروايات الأخرى مع ضعف إسناده.

(2/545)


كما جاء مفسراً في "صحيح مسلم" وغيره (1).

2249 - (2) [
صحيح] وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودٍ عن أبيه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَثَلُ الذي يُعينُ قومَهُ على غيرِ الحقِّ؛ كَمثَلِ بعيرٍ تَرَدَّى في بِئْرٍ، فهو يُنزَعُ منها بذَنَبِه".
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه". وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه (2).
(
قال الحافظ):
"
ومعنى الحديث: أنه قد وقع في الإثم وهلك؛ كالبعير إذا تردى في بئرٍ، فصار ينزع بذنبه، ولا يقدر على الخلاص".
__________
(1)
مسلم (6/ 100) من حديث جابر، وسيأتي في الكتاب (21 - الحدود/ 6)، وفيه عن ابن عمر، وابن عمرو أيضاً. فراجعهما بعده بأحاديث.
(2)
قلت: قد أثبت سماعه منه غير واحد من الأئمة، وهو الصواب كما حققته في "الصحيحة" (198)، ثم رأيت الناجي قد نقل عن المصنف في "مختصر السنن" أنَّه سمع من أبيه.
قال: "فتناقض كلامه".

(2/546)


9 - (
ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل).
2250 - (1) [
صحيح لغيره] عن رجُلٍ من أهلِ المدينة قال:
كَتبَ معاوَيةُ إلى عائشَةَ: أنِ اكْتُبي إليَّ (1) كِتاباً توصيني فيه، ولا تُكْثِري عَليَّ، فكتَبتْ عائِشةُ إلى معاوِيَةَ:
سلامٌ عليك. أما بعدُ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنِ الْتمَسَ رِضا الله بِسَخَطِ الناسِ؛ كفاه الله مَؤُنَةَ الناسِ، ومَنِ الْتَمسَ رضا الناسِ بِسَخطِ الله؛ وكَلَه الله إلى الناسِ"، والسلام عليك.
رواه الترمذي ولم يسمّ الرجل. ثم روى بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَها كَتَبتْ إلى معاوِيَةَ قال: "فذكر الحديث بمعناه، ولم يرفعه" (2).
وروى ابن حبان في "صحيحه" المرفوع منه فقط؛ ولفظه: قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنِ الْتَمَس رِضا الله بِسَخَط الناسِ؛ رضيَ الله عنه، وأرْضى عنهُ الناسَ، ومَنِ الْتَمَس رِضا الناسِ بِسَخَطِ اللَّه، سخط الله عليه، وأَسْخَطَ عليه الناسَ".
وفي رواية له بلفظ: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أرْضى الله بِسخَطِ الناسِ؛ كفاهُ الله، ومَنْ أَسْخَطَ الله بِرِضا الناسِ؛ وَكلَهُ الله إلى الناسِ".
ورواه البيهقي بنحوه في "كتاب الزهد الكبير".
__________
(1)
الأصل والمخطوطة: (لي)، والتصحيح من "الترمذي".
(2)
الأصل والمخطوطة: (ولم يرفعوه)، والتصحيح من "الترمذي".

(2/547)


10 - (
الترغيب في الشفقة على خلق الله من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم، والترهيب من ضد ذلك، ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي، وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها).
2251 - (1) [
صحيح] عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لا يرحمِ الناسَ؛ لا يرْحمْه الله".
رواه البخاري ومسلم والترمذي.
[
صحيح لغيره] ورواه أحمد وزاد:
"
ومَنْ لا يغفرْ؛ لا يُغْفَرْ لَهُ".

2252 - (2) [
صحيح لغيره] وهو في "المسند" أيضاً من حديث أبي سعيدٍ بإسناد صحيح" (1).

2253 - (3) [
حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لنْ تُؤمِنوا حتَّى تَراحَموا"
قالوا: يا رسولَ الله! كلُّنا رحيمٌ. قال:
"
إنَّه ليسَ برحْمَةِ أحدِكُم صاحِبَهُ، ولكنَّها رحمَةُ العامَّةِ".
رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح".

2254 - (4) [
حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ لَمْ يرحَمِ الناسَ لَمْ يرحَمْهُ الله".
رواه الطبراني بإسناد حسن.
__________
(1)
هذا من الأوهام فإن فيه (3/ 40) عطية!

(2/548)


2255 - (5) [
صحيح لغيره] وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَن لا يرحَمْ مَنْ في الأرضِ؛ لا يرحَمْهُ مَنْ في السماءِ".
رواه الطبراني بإسناد جيد قوي.

2256 - (6) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الراحِمونَ يرحَمُهم الرحمنُ، ارْحَموا مَنْ في الأرضِ؛ يَرحَمْكُم مَنْ في السماءِ".
رواه أبو داود والترمذي بزيادة، وقال: "حديث حسن صحيح".

2257 - (7) [
صحيح] وعنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ارْحَموا تُرْحَموا، واغْفِروا يُغفَرْ لكُم، ويلٌ لأَقْماعِ (1) القولِ، ويلٌ للمُصرِّينَ، الذين يصِرُّون على ما فعَلوا وهمْ يَعْلَمون".
رواه أحمد بإسناد جيد.

2258 - (8) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:
قامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بَيْتٍ فيه نَفرٌ مِنْ قرْيشٍ، فأخذ بَعَضَادَتي البابِ فقال:
"
هلْ في البيتِ إلا قرشيٌّ؟ ".
فقالوا: لا، إلا ابنَ أُختٍ لنا. قال:
"
ابنُ أخْتِ القوم منهُم". ثمَّ قال:
"
إنَّ هذا الأمْرَ في قريشٍ، ما إذا اسْتُرْحِموا رحِموا، وإذا حكَموا
__________
(1)
جمع (قمع) كـ (ضلع): هو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة.

(2/549)


عدَلوا، وإذا قَسَموا أقْسَطوا، ومَنْ لَمْ يفعل ذلك فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعينَ".
رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورواته ثقات.

2259 - (9) [
صحيح لغيره] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
كنَّا في بيتٍ فيه نَفرٌ مِنَ المهاجرين والأنْصارِ، فأقْبلَ علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعل كلُّ رجلٍ يوَسِّعُ رجاءَ أنْ يجْلسَ إلى جَنْبِه، ثُمَّ قامَ إلى البابِ، فأخذَ بعَضادَتَيْهِ، فقال:
"
الأئمَّةُ مِنْ قرْيشٍ، ولي عليكُم حقٌّ عظيمٌ، ولَهُمْ ذلك؛ ما فَعَلوا ثلاثاً: إذا استُرْحِموا رَحِموا، وإذا حكموا عَدلوا، وإذا عاهَدوا وَفَوْا، فَمنْ لَمْ يفعلْ ذلك منهُمْ؛ فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمعين".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن -واللفظ له، وأحمد بإسناد جيد- وتقدم لفظه [2 - باب]، وأبو يعلى.

2260 - (10) [
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً من حديث أبي هريرة.
وتقدم حديث بنحوه لأبي برزة، وحديث لأبي موسى في "العدل والجور" [2 - باب].

2261 - (11) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعتُ الصادقَ المصْدوقَ صاحِبَ هذه الحُجْرةِ أبا القاسِم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا تُنزَعُ الرحمةُ إلاَّ مِنْ شَقيٍّ".
رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن"، وفي بعض النسخ: "حسن صحيح".

2262 - (12) [
صحيح] وعنه قال:
قبّلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحسنَ أوِ الحسينَ بنَ عليٍّ وعنده الأقْرَعُ بن حابِسٍ

(2/550)


التميميُّ، فقال الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الولَدِ ما قَبَّلتُ منهم أحداً قَطُّ! فنَظَر إليه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال:
"
مَنْ لا يَرحمْ لا يُرحَمْ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

2263 - (13) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
جاءَ أعرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّكُم تُقَبِّلونَ الصِّبيانَ وما نُقَبِّلُهُم.
فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أنْ نَزَعَ الله الرحمةَ مِنْ قلْبِكَ؟! ".
رواه البخاري ومسلم.

2264 - (14) [
صحيح] وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إنِّي لأرْحَمُ الشَّاةَ أنْ أذْبَحها. فقال:
"
إنْ رحِمْتَها رحِمكَ الله".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (1).
[
صحيح لغيره] والأصبهاني ولفظه قال:
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي في "التلخيص" (4/ 231)، وهو كما قالا، وقد رواه جمع آخر منهم الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (373)، فكان بالعزو أولى. وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم 26)، وقد جهل هذا العزو كله الجهلة المتعالون، فجزموا بضعف الحديث! لأنَّهم لم يعثروا عليه إلا عند الحاكم (3/ 586 - 587)، وعقبوا عليه بقولهم: "وصححه (!) وتعقبه الذهبي بقوله: عدي هالك، ورواه الأصبهاني في "الترغيب" (1553) "!
وإن من غفلاتهم بل وجهالاتهم أن الحاكم بيَّض له ولم يصححه، فظنوا أنَّ مجرد إخراج الحاكم إياه تصحيح له! ولم ينتبهوا أن اللفظ الذي تعقبه الذهبي وهو غير لفظ المؤلف الذي عزاه إليه، ولقد كان هذا وحده كافياً ليندفعوا للبحث عنه في موضع آخر منه، ولو أنهم فعلوا لوجدوه في المكان الذي أشرت إليه، ولما وقعوا في إثم تضعيف صحيح حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجهلهم البالغ! والله المستعان.
ومن الغرائب أنَّ حديث ابن عباس الآتي هو في الموضع الذي فاتهم عزو الحديث إليه، وتحته =

(2/551)


يا رسول الله! إنِّي آخذُ شاةً وأريدُ أنْ أذْبَحَها فأرْحَمُها؟ قال:
"
والشاةُ إنْ رَحِمْتَها رَحِمَكَ الله".

2265 - (15) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
أنَّ رجلاً أضْجَع شاةً وهو يحُدُّ شفْرَتَهُ، فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتريدُ أنْ تُميتَها موتاتٍ؟! هلا أحْدَدْتَ شفْرَتَك قَبْلَ أنْ تُضجِعَها؟! ".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم واللفظ له، وقال:
"
صحيح على شرط البخاري". (1)

2266 - (16) [
حسن] وعن عبد الله بن عمرو (2) رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ إنسانٍ يَقتُلُ عصفوراً فما فوقَها يغيرِ حقِّها، إلا سأَلهُ الله عنها يومَ القِيامَةِ".
قيَلَ: يا رسولَ الله! وما حقُّها؟ قال:
"
حقُّها أنْ يذْبَحَها فيأكُلَها، ولا يقْطَعَ رأْسَها فيرميَ بهِ".
رواه النسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 10 - العيدين/ 4].

2267 - (17) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما:
أنَّه مرَّ بفتيانٍ مِنْ قرْيشٍ قد نَصبوا طيْراً أو دَجاجةً يتَرامَونَها، وقد جَعلوا
__________
=
حديث ابن عباس، وقد عزوه إليه بالجزء والصفحة (4/ 233)، وهذه بعد تلك بصفحة واحدة! ثم تعالوا وتعالموا فلم يقبلوا تصحيح الحاكم والذهبي واقتصروا على تحسينه فقط. أما لماذا؟ فهم أنفسهم لا يدرون لأنه خبط عشواء!
(1)
قلت: ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأما المتعالمون فقالوا: "حسن"! ولا وجه له. انظر التعليق المتقدم.
(2)
الأصل (ابن عمر)، والصواب ما أثبتنا، انظر التعليق عليه حيث تقدم (10 - العيدين/ 4).

(2/552)


لصاحِبِ الطير كلِّ خاطِئة مِنْ نَبْلِهم، فلمَّا رأَوُا ابْنَ عمر تَفَرَّقوا. فقالَ ابْن عمرَ: مَنْ فعلَ هذا؟! لَعنَ الله مَنْ فعلَ هذا،
"
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعنَ مَنِ اتَّخذَ شيئاً فيه الروحُ غَرَضاً".
رواه البخاري ومسلم.
(
الغَرَضُ): بفتح الغين المعجمة والراء: وهو ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته من قرطاسٍ وغيره.

2268 - (18) [
صحيح] وعن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال:
كَّنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرٍ، فانْطَلقِ لِحاجَتهِ، فرأيْنا حُمرَةً (1) معَها فرْخانِ، فأخْذنا فَرخَيْها، فجاءتِ الحُمَرَةً فجعلَتْ تَفَرَّشُ (2)؛ فجاءَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
مَنْ فَجعَ هذه في وَلدِها؟! ردُّوا ولَدَيْها إليها".
ورأى قريةَ نْملٍ قد حرقْناها. فقال:
"
مَنْ حرقَ هذه؟ ".
قلنا: نحنُ. قال:
"
إنَّه لا ينْبغي أنْ يعذِّبَ بالنارِ إلا رَبُّ النارِ".
رواه أبو داود.
(
قريةُ النملِ) هي موضع النمل مع النمل.
__________
(1)
بضم الحاء المهملة وتشديد الميم وقد تخفف: طائر صغير كالعصفور أحمر اللون.
(2)
بحذف إحدى الفاءين مثل (تذكر) أي: ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض، وكان الأصل (تعرش)، وكذلك في مطبوعة عمارة! والتصويب من "أبي داود".
لكن أفاد الناجي اْن نسخه مختلفة، وأن في بعضها (تعرش) كما في الأصل، وأن المعنى: ترتفع فوقها وتظلل عليها. ومنه أخذ (العريش)، فراجعه (ق 179/ 1).

(2/553)


2269 - (19) [
صحيح] وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال:
أرْدَفني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلْفَه ذات يومٍ، فأسَرَّ إليَّ حديثاً لا أحدِّث به أحداً مِنَ الناسِ، وكان أحبُّ ما اسْتَتَر بهِ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحاجَتهِ هَدَفاً أو حايشَ نَخْلٍ (1)، فدخلَ حائطاً لرجل مِنَ الأنْصارِ، فإذا فيه جَملٌ، فلمَّا رأى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّ وذَرَفَتْ عيناهُ، فأتاهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسح ذفراه (2) فسكَتَ. فقال:
"
مَنْ رَبُّ هذا الجملِ؟ لِمَنْ هذا الجملُ؟ ".
فجاء فتى مِن الأنْصارِ، فقال: لي يا رسولَ الله! فقال:
"
أفلا تَتَّقي الله في هذه البَهيمَةِ التي مَلَّكَكَ الله إيَّاها؟! فإنَّه شكا إليَّ إنَّك تُجيعُه وتُدْئبُه".
رواه أحمد وأبو داود (3).
(
الهَدَف) بفتح الهاء والدال المهملة بعدهما فاء: هو ما ارتفع على وجه الأرض من بناء ونحوه.
و (الحائِشُ) بالحاء المهملة وبالشين المعجمة ممدوداً: هو جماعة النخل، ولا واحد له من لفظه.
__________
(1)
كذا في "أبي داود" -والسياق له-: "هدفاً أَو حائش نخل" على الخبرية. وفي "المسند" عكسه: "هدف أو حائش نخل" بتقديم خبر كان على اسمها. وكذا في "مسلم"، وصوبه الناجي واعتبر الأول تصرفاً من أبي داود.
(2)
قال ابن الأثير: " (ذفرى البعير) أصل أذنه وهما (ذفريان) و (الذفرى) مؤنثة، وألفها للتأنيث أو للإلحاق".
(3)
قلت: والسياق له، وقد رواه مسلم إلى قوله: "حائش نخل"، انظر "الصحيحة" (20).

(2/554)


و (الحائطُ): هو البستان.
و (ذفرى البعير) بكسر الذال المعجمة مقصور: هي الموضع الذي يعرق في قفا البعير عند أذنه، وهما ذفريان.
وقوله: (تُدْئبُه) بضم التاء ودال مهملة ساكنة بعدها همزة مكسورة وباء موحدة؛ أي: تتعبه بكثرة العمل.

2270 - (20) [
صحيح لغيره] وروى أحمد أيضاً في حديث طويل عن يعلى بنِ مُرَّةَ قال فيه:
وكنْتُ معَه -يعني معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالِساً ذاتَ يومٍ، إذ جاءَ جملٌ يُخَبِّبُ حتى ضَرَب بِجِرانِه بيْنَ يَديْهِ، ثمَّ ذَرفَتْ عيناهُ؛ فقال:
"
وْيحكَ! انْظُرْ لِمَنْ هذا الجملُ، إنَّ له لَشأناً".
قال: فخرجْتُ ألْتَمِسُ صَاحِبَهُ، فوجَدْتُه لِرَجلٍ مِنَ الأنْصارِ، فدَعوْتُه إليه فقال:
"
ما شأنُ جَملكَ هذا؟ ".
فقال: وما شأنُه؟ [قال:] لا أدري والله ما شأْنُه، عمِلْنا عليهِ ونَضَحنا عليه حتّى عَجِزَ عن السِّقايَة، فأتمرنا البارِحَة أنْ نَنْحَره ونُقَسِّمَ لحْمَهُ. قال:
"
فلا تَفعَلْ، هبْهُ لي أو بِعْنيهِ".
قال: بلْ هوَ لكَ يا رسولَ الله.
قال: فوَسَمُه بِمَيْسَم الصدَقةِ ثُمَّ بعثَ بِهِ.
وإسناده جيد.
وفي رواية له نحوه؛ إلا أنه قال فيه؛ أنه قال لصاحب البعير:
"
ما لِبعيرِك يشْكوكَ، زَعم أنَّك سانيه حتى كَبِرَ؛ تريدُ أنْ تَنْحَرهُ".
قال: صدَقْتَ، والَّذي بعثك بالحقِّ لا أفعلُ.

(2/555)


[
صحيح] وفي أخرى له أيضاً: قال يعلى بن مُرة:
بينا نحنُ نسيرُ معَه -يعني معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ مرَرْنا ببَعيرٍ يُسْنى عليه، فلمَّا رآه البعيرُ جَرْجَرَ، ووَضَع جِرانَهُ، فَوقَف عليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
أيْنَ صاحبُ هذا البَعيرِ؟ ". فجاء فقال:
"
بِعْنيهِ".
قال: لا؛ بل أهَبُه لكَ، وإنَّه لأهْلِ بيْتٍ ما لهم معيشَةٌ غيرهُ، فقال:
"
أما إذْ ذكرْتَ هذا مِنْ أمْرِه، فإنَّه شكا كَثْرةَ العَملِ وقِلَّة العلَفِ، فأَحْسِنوا إليه" الحديث.
و (جِرَانُ) البعير بكسر الجيم: مقدم عنقه من مذبحه إلى نحره. قاله ابن فارس.
(
يَسْنا) عليه: بالسين المهملة والنون، أي: يسقي عليه.

2271 - (21) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
دخلتِ أمْرأَةٌ النارَ في هِرَّةٍ رَبطَتْها، فَلمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَدَعْها تأكُلْ مِنْ خَشاشِ الأرضِ".
وفي رواية:
"
عُذِّبَتِ امْرَأةٌ في هِرَّةٍ سَجَنتْها حتى ماتَتْ، لا هِي أطْعَمتْها وسَقَتْها إذْ هي حَبَستْها، ولا هي تَركَتْهَا تأكُلُ مِنْ خشاشِ الأرضِ".
رواه البخاري وغيره.

2272 - (22) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث جابرٍ، فزاد في آخره:
"
فوجبَتْ لها النارُ بذلك".
(
خَشَاشُ الأرض) مثلثة الخاء المعجمة وبشينين معجمتين: هو حشرات الأرض والعصافير ونحوها.

(2/556)


2273 - (23) [
صحيح] وعن سهل ابن الحنظلية رضي الله عنه قال:
مرَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببِعيرٍ قد لَصِقَ (1) ظهرهُ بِبَطْنِهِ، فقال:
"
اتَّقوا الله في هذه البَهائِم المعْجَمَةِ، فارْكَبوها صالِحةً، وكُلوها (2) صالِحَةً".
رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"
قد لَحقَ ظَهْرُهُ".

2274 - (24) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
دخلتُ الجنَّة فرأيتُ أكْثرَ أهلها الفقراءَ، واطَّلَعْتُ في النارِ فرأيتُ أكْثرَ أهلِها النساء، ورأيتُ فيها ثلاثَةً يُعَذَّبَون: امْرأَةً مِنْ حِمْيَر طُوَالَةً، رَبَطَتْ هِرَّةً لها لَمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَسْقِها، ولَمْ تَدعْها تأكُلْ مِنْ خشاشِ الأرضِ، فهي تَنْهَش قبُلَها ودُبُرها. ورأيت فيها أخا بني دَعْدعٍ الذي كانَ يَسْرِق الحاجَّ بِمْحجنِه، فإذا فُطِنَ له قال: إنما تعَلَّقَ بِمحْجَني، والَّذي سَرق بَدَنَتيْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح لغيره] وفي رواية له ذكر له فيها الكسوف قال:
"
وُعُرِضَتْ عليَّ النارُ، فلولا أنِّي دفَعْتُها عنكم لغَشِيَتْكُم، ورأيتُ فيها ثلاثةً يُعَذَّبونَ: امرأةً حِمْيريَّةً سوداء طويلةً تعذَّبُ في هِرَّةٍ لها أَوْثَقتْها، فَلمْ تَدعْها تأكلْ منْ خَشاشِ الأرض، ولَمْ تُطْعِمْها حتى ماتَتْ، فهي إذا أقْبَلتْ تَنْهَشُها، وإذا أَدْبَرتْ تَنْهَشُها" الحديث.
(
المِحْجَنُ) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدهما جيم مفتوحة: هي عصا محنية الرأس.
__________
(1)
كذا، والذي في أبي داود "لحق" مثل رواية ابن خزيمة الآتية، وكذا قال الناجي (181/ 1).
(2)
بالضم، ويجوز عندي الكسر؛ أي: اتركوها وانزلوا عنها. انظر "الصحيحة" (23).

(2/557)


2275 - (25) [
صحيح] وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى صلاةَ الكُسوف فقال:
"
دنَتْ منِّي النارُ حتَّى قلتُ: أيْ ربِّ! وأنا مَعَهُم! فإذا امْرَأةٌ -حسِبْتُ أنَّه قال:- تَخْدَشُها هِرَّةٌ، قال: ما شأنُ هذه؟ قالوا: حبَستْها حتى ماتَتْ جوعاً".
رواه البخاري.

2276 - (26) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
دنا رجلٌ إلى بئرٍ، فنزل فشرِبَ منها، وعلى البئرِ كلْبٌ يَلْهَثُ، فرحِمَهُ، فنَزع أحد خُفَّيه فسقَاهُ؛ فشكرَ الله لَهُ، فأدْخَلَهُ الجنَّةَ" (1).
رواه ابن حبان في "صحيحه".
ورواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود أطول من هذا. وتقدم في "إطعام الطعام" [8 - الصدقات/ 17 - باب/ 14 - حديث].

2277 - (27) [
صحيح] وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال:
كنتُ أضرِبُ غلاماً لي بالسَوْطِ، فسمعتُ صوتاً مِنْ خلْفي: "أعلمْ أبا مسعودٍ! "، فلمْ أفهَمِ الصوْتَ مِنَ الغَضَبِ، فلمَّا دنا منِّي إذا هو رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا هو يقول:
"
أعلمْ أبا مسعودٍ! إنَّ الله تعالى أقْدَرُ عليكَ مِنْكَ على هذا الغُلامِ".
فقلتُ: لا أضْرِبُ مَمْلوكاً بعدَهُ أبَداً.
__________
(1)
لفظ الشيخين: "فغفر له"، وهو أصح، ولازمه دخول الجنة. ومضى هناك.

(2/558)


وفي رواية:
فقلتُ: يا رسولَ الله! هو حرٌّ لِوَجْهِ الله تعالى، فقال:
"
أما لَوْ لَمْ تفعَلْ لَلَفَحَتْكَ النارُ -أو لَمَسَّتْكَ النارُ-".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي (1).

2278 - (28) [
صحيح] وعن زاذان -وهو الكندي مولاهم الكوفي- قال:
أتيتُ ابنَ عُمرَ وقد أعْتَق مَمْلوكاً له، فأَخذَ مِنَ الأرْضِ عوداً أوْ شيْئاً فقالَ:
ما لي فيه مِنَ الأجْرِ ما يساوي هذا، سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ لَطمَ مَمْلوكاً له أو ضَربهُ؛ فكفَّارَتُه أنْ يَعْتِقَهُ".
رواه أبو داود واللفظ له.
[
صحيح] ورواه مسلم (2)، ولفظه: قال:
"
مَنْ ضَرَب غلاماً له حدّاً لَمْ يأْتِهِ، أوْ لَطَمهُ؛ فإنَّ كفارتَهُ أنْ يَعْتِقَهُ".

2279 - (29) [
صحيح] وعن معاوِيَة بنِ سُوَيْد بن مُقَرَّنٍ قال:
لَطَمْتُ مولى لنا، فدعاهُ أبي ودَعاني، فقال: اقْتَصَّ منه، فإنَّا معشرَ بني مُقَرِّنٍ كنَّا سبعةً على عهد النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليسَ لنا إلا خادِمٌ، فلَطمها رجلٌ منّا، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أعْتِقوها".
قالوا: إنّه ليسَ لنا خادِمٌ غيرها. قال:
__________
(1)
قلت: وكذلك رواه البخاري في "الأدب المفرد" (171).
(2)
قلت: والبخاري في المصدر السابق (رقم - 177 و180).

(2/559)


"
فلْتَخْدِمْهُم حتى يَسْتَغْنوا، فإذا اسْتَغْنَوْا فَلْيُعْتِقوها".
رواه مسلم، وأبو داود -واللفظ له-، والترمذي والنسائي (1).

2280 - (30) [
صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ ضَرَب مَمْلوكه ظُلْماً؛ أُقِيدَ (2) منه يومَ القِيامَةِ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات (3).

2281 - (31) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيُّ التوبةِ:
"
مَنْ قَذفَ مَمْلوكَهُ بريئاً ممَّا قال؛ أُقيمَ عليه الحدُّ يومَ القِيامَةِ؛ إلاَّ أنْ يكونَ كما قال".
رواه البخاري ومسلم والترمذي -واللفظ له- وقال:
"
حسن صحيح".

2282 - (32) [
صحيح] وعن المعرورِ بن سُوَيْدٍ قال:
رأيتُ أبا ذرٍّ بـ (الرَّبذَةِ)، وعليه بُرْدٌ غَليظٌ، وعلى غلامِهِ مثلُه، قال: فقال القومُ: يا أبا ذّرٍ! لو كنت أخذْتَ الذي على غلامِكَ فجعلْتَهُ مَعَ هذا فكانَتْ حُلَّةً، وكسَوْتَ غلامَك ثوباً غَيْرَهُ؟ قال: فقال أبو ذّرٍ:
__________
(1)
قلت: والبخاري في "المصدر السابق" (178).
(2)
أي: اقتص منه، وكان الأصل: (قيد) فصححته من المخطوطة و"الأدب المفرد" وغيره.
(3)
قلت: والبخاري أيضاً في "الأدب" (181)، وعزاه الهيثمي (4/ 238) أيضاً للطبراني، لكنَّه في مكان آخر ذكره بنحوه، وقال (10/ 353): "رواه البزار". وهو في "كشف الأستار" (4/ 163/ 3452) مرفوعاً وموقوفاً. و"مسند عمار" من "المعجم الكبير" لم يطبع بعد لننظر في إسناده، لكنْ قد رواه أبو نعيم عن الطبراني، وفيه ضعيف، فانظر "الصحيحة" (2352).

(2/560)


إنِّي كنتُ سابَبْتُ رجلاً، وكانتْ أمُّه أعْجَميَّةٌ، فعيَّرْتُه بأمِّه، فشكاني إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
يا أبا ذرٍّ! إنَّك امْرؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ"، فقال:
إنَّهُمْ إخْوانُكمُ، فَضَّلكُم الله عليهِمْ، فَمنْ لَمْ يُلائمْكُمْ فبيعوهُ، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ الله".
رواه أبو داود، واللفظ له.
[
صحيح] وهو في البخاري ومسلم، والترمذي بمعناه؛ إلا أنهم قالوا فيه:
"
هم إخْوانُكم، جَعلهُم الله تحت أيْديكُم، فمَنْ جعَل الله أخاه تحتَ يده؛ فلْيُطْعِمْهُ ممَّا يأْكُلُ، وليُلْبِسْه مما يلبَسُ، ولا يُكَلِّفْهُ مِنَ العَملِ ما يَغْلِبُهُ، فإنْ كَلَّفه ما يَغْلِبهُ؛ فَلْيُعِنْهُ عليه". واللفظ للبخاري.
[
صحيح] وفي رواية للترمذي قال:
"
إخْوانُكم جعلَهُم الله قِنْيَةً تحتَ أيْديكُم، فَمنْ كان أخوه تحت يده؛ فلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعامهِ، ولْيُلْبِسْه مِنْ لبَاسِه، ولا يُكَلِّفْهُ ما يغْلِبُه، فإنْ كَلَّفه ما يَغْلِبُه؛ فلْيُعْنِهُ".
[
صحيح] وفي رواية لأبي داود عنه قال:
دخَلْنا على أبي ذرٍّ بـ (الرَّبَذَةِ) فإذا عليه بُردٌ، وعلى غُلامِهِ مثلُه. فقلنا: يا أبا ذرٍ! لو أَخَذْتَ برْدَ غلامِكَ إلى برْدِكَ فكانَتْ حُلَّةً، وكسوْتَهُ ثوباً غيرَهُ.
قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إخْوانُكم جعَلهُم الله تحتَ أيْديكُم، فَمنْ كان أخوه تحتَ يدهِ؛ فلْيُطْعِمْه

(2/561)


ممَّا يأُكُلُ، وليَكْسُهُ ممّا يَكْتَسي، ولا يُكَلِّفْهُ ما يَغْلِبُهُ، فإنْ كَلَّفهُ ما يغْلِبهُ؛ فلْيُعنْهُ".
[
صحيح] وفي أخرى له: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لاءمَكُم مِنْ مَمْلوكيكُم؛ فأطْعِموهُم ممَّا تأكُلونَ، واكْسوهُم مِمَّا تلْبَسُونَ، ومَنْ لَمْ يلائمْكُم مِنهمُ؛ فبيعوهُ، ولا تعذِّبوا خَلْقَ الله".
(
قال الحافظ): "الرجل الذي عيَّره أبو ذر هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".

2283 - (33) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العبيد:
"
إنْ أحسنوا فاقْبَلوا، وإن أساؤوا فاعفوا، وإن غلبوكم فبيعوا".
رواه البزار (1)، فيه عاصم أيضاً (2).

2284 - (34) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
للمَمْلوكِ طعَامُه وشرابُه وكِسْوَتُه، ولا يُكَلِّفُ إلا ما يَطيقُ، فإنْ كَلَّفْتُموهم فأعينوهُم، ولا تعذِّبوا عبادَ الله؛ خلْقاً أمثالَكُم".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو في مسلم باختصار.

2285 - (35) [
صحيح لغيره] وعن عليًّ رضي الله عنه قال:
كان آخر كلام النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
في المخطوطة: (الترمذي) مكان (البزار)، وهو خطأ من الناسخ.
(2)
كذا قال، وقلده الهيثمي (4/ 236)، وهو عجيب، فإنه أورده في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (1391) من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر. . . وقال البزار:
"
محمد بن البيلماني ضعيف عند أهل العلم". فليس فيه عاصم. ثم إن الحديث يشهد لبعضه ما تقدم قريباً في حديث المعرور، وما سيأتي عن عبد الله بن عمر الآتي برقم (39).

(2/562)


"
الصلاة الصلاةَ، اتقوا الله فيما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ".
رواه أبو داود، وابن ماجه؛ إلا أنه قال:
"
الصلاةَ، وما مَلَكَتْ أيْمانُكم".

2286 - (36) [
صحيح] وروى ابن ماجه وغيره عن أم سلمة قالتْ:
"
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقولُ في مَرضِه الذي تُوُفِّيَ فيه:
"
الصلاةَ، وما مَلَكَتْ أيْمانُكم".
فما زالَ يقولُها حتى ما يفيضُ لِسَانُه (1).

2287 - (37) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ وجاءَهُ قَهْرَمانٌ له فقال لهُ:
أعْطَيْتَ الرقيقَ قُوتَهُم؛ قال: لا.
قال: فانْطَلِقْ فأعْطِهِمْ، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كفَى إثْماً أنْ تَحْبِسَ عَمَّنْ تَملِكُ؛ قوتَهُمْ".
رواه مسلم.

2288 - (38) [
صحيح لغيره] وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال:
عهدي بنبيكم قبل وفاته بخمس ليالٍ، فسمعته يقول:
"
لم يكن نبي إلا وله خليلٌ من أمته، وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة، إن الله اتخذ صاحبكم خليلاً، ألا وإن الأمم قبلكم كانوا يتخذون
__________
(1)
أي: ما يجري ولا يسيل بهذه الكلمة لسانه، من فاض الماء إذا سال وجرى، حتى لم يقدر على الإفصاح بهذه الكلمة. قاله السندي.
قلت: زاد البيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 205): "الله الله، الصلاة. . ."، ويشهد له حديث كعب الآتي هنا بعد حديث ابن عمرو.

(2/563)


قبور أنبيائهم مساجدَ، وإني أنهاكم عن ذلك (1)، اللهم هل بلّغت؟ (ثلاث مرات) ". ثم قال
"
اللهم أشهد، (ثلاث مرات) ". وأُغمي عليه هنيهة، ثم قال:
"
الله الله فيما ملكت أيمانكم،. . . . . . ". (*)
رواه الطبراني من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وقد وثِّقا، ولا بأس بهما في المتابعات.

2289 - (39) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كَمْ أعْفو عن الخادم؟ قال:
"
كلَّ يومٍ سبْعينَ مَرَّةً".
رواه أبو داود والترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب". وفي بعض النسخ: "حسن صحيح".
[
صحيح] وروى أبو يعلى بإسناد جيد عنه -وهو رواية للترمذي-:
أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّ خادِمي يُسِيءُ وَيظْلِمُ، أفأَضْرِبُه؟ قال:
"
تَعْفو عنه كلَّ يومٍ ولَيلَةٍ سبعينَ مَرَّةً".
(
قال الحافظ):
"
كذا وقع في سماعنا (عبد الله بن عمر)، وفي بعض نسخ أبي داود (عبد الله بن عمرو). وقد أخرجه البخاري في "تاريخه" من حديت عباس بن جُلَيد عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، ومن حديثه أيضاً عن عبد الله بن عمر، وقال الترمذي:
"
روى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد وقال: عن عبد الله بن عمرو".
وذكر الأمير أبو نصر أنَّ عباس بن خُليد يروي عنهما كما ذكره البخاري، ولم يذكر ابن
__________
(1)
إلى هنا الحديث صحيح له شواهد كثيرة مخرجة في كتابي "تحذير الساجد"، وكذلك جملة ". . . ما ملكت أيمانكم" يشهد لها حديث أم سلمة المتقدم قبل حديث.

(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: تتمة الحديث «أشبعوا بطونهم واكسوا ظُهُورهمْ وألينوا القَوْل لَهُم»، وقد حذفه الشيخ الألباني من هذا الصحيح لضعفه، لكنه سقط (أيضا) من قسم (الضعيف) فوجب التنبيه. ونبه على ذلك الشيخ مشهور في هامش طبعته

(2/564)


يونس في "تاريخ مصر"، ولا ابن أبي حاتم روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاصي. والله أعلم".

2290 - (40) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
جاءَ رجلٌ، فقعَد بين يَدَيْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّ لي مَمْلوكَيْنِ يكذِّبونَني، ويُخَوِّنونَني، وَيعْصونَني، وأشْتُمهم وأضْرِبُهم، فكيف أنا مِنْهُمْ؟ فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا كان يومُ القيامَةِ يُحْسَبُ ما خانوكَ وعَصَوْكَ وكذَّبوكَ وعقابُك إيَّاهمْ، فإنْ كانَ عقابُك إيّاهم بَقدْرِ ذُنوبِهم؛ كانَ كَفافاً، لا لَكَ ولا عَليْكَ، [وإن كان عقابُك إيَّاهم دون ذنوبِهم؛ كان فضلاً لكَ،] (1) وإنْ كانَ عقابُكَ إيَّاهم فوقَ ذُنوِبهِم؛ اقتُصَّ لهُمْ منكَ الفضْلُ".
[
قال:] فتَنَحّى الرجلُ وجَعَل يبْكي ويهْتِفُ (2). فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أمَا تَقْرَأ قولَ الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.
فقال الرجل: [والله] يا رسولَ الله! ما أجِدُ لي ولِهؤلاء [شيئاً] خَيْراً مِنْ مُفارَقَتِهم، أشهِدُكَ أنَّهم أحرارٌ كلُّهم.
__________
(1)
هذه الزيادة وما بعدها من "الترمذي" (3163)، والسياق له مع الاختلاف في بعض الجمل والألفاظ، وقد صححت بعضها، وليس عنده ولا عند أحمد (6/ 280) ولا عند البيهقي في "الشعب" (6/ 377) أيضاً قوله: "إذا كان يوم القيامة"، ولكنه في "المشكاة" (5561) برواية الترمذي، فلعله في بعض نسخه، وغفل عن ذلك كله الغافلون النقلة!
(2)
أي: يصيح.

(2/565)


رواه أحمد، والترمذي وقال:
"
حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث".
(
قال الحافظ):
"
عبد الرحمن هذا ثقة احتج به البخاري وبقية رجال أحمد احتج بهم البخاري ومسلم. والله أعلم".

2291 - (41) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ ضَربَ سَوطاً ظُلماً؛ اقْتَصَّ منه يومَ القِيامَةِ".
رواه البزار والطبراني (1) بإسناد حسن.

2292 - (42) [
صحيح] وعن هشام بن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه:
أنَّه مرَّ بالشام على أُناسٍ مِنَ الأنْباطِ وقد أُقيموا في الشمْسِ، وصُبَّ على رؤوسِهِمُ الزيتُ، فقال: ما هذا؟
قيلَ: يُعذِّبونَ في الخَراجِ -وفي رواية- حُبِسوا في الجِزْيَةِ.
فقال هشامٌ: أشْهدُ لَسَمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الله يُعَذِّبُ الَّذين يُعَذِّبونَ الناسَ في الدنيا".
فدخَلَ على الأميرِ فَحدَّثَهُ، فأَمَر بهم فَخُلُّوا.
رواه مسلم وأبو داو النسائي.
(
الأَنْبَاط): فلاحون من العجم ينزلون بالبطائح بين العراقين.
__________
(1)
قيده الهيثمي بـ "الأوسط"، وهو الصواب كما خرجته في "الصحيحة" (2352).

(2/566)


فصل
2293 - (43) [
صحيح] عن جابرٍ (1) رضي الله عنهما:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عليه حِمارٌ قد وُسِمَ في وجْهِه، فقال:
"
لَعنَ الله الذي وَسَمَه" (2).
رواه مسلم.
وفي رواية له:
نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرْبِ في الوجْهِ، وعَنِ الوسْمِ في الوجْهِ.

2294 - (44) [
صحيح] ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصراً:
أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ مَنْ يَسِمُ الوجْهَ (3).

2295 - (45) [
صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
مَرَّ حمارٌ بِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كُوِيَ في وجْهِهِ، يفورُ مِنْخَراهُ مِنْ دَمٍ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَعَن الله مَنْ فعَل هذا".
__________
(1)
الأصل كالمخطوطة و"الانتقاء": (ابن عباس). والتصويب من مسلم، وكذلك أخرجه غيره، كما تراه مخرجاً في "غاية المرام" (475)، والظاهر أن الخطأ من المؤلف، انتقل بصره أو فكره من حديث جابر عند الإملاء إلى حديث ابن عباس الذي بعده في مسلم بنحوه. ولم يتنبه لهذا الخطأ مدعو التحقيق الثلاثة! رغم أنهم عزوه لمسلم برقمي الروايتين!
(2)
زاد في الأصل: "في وجهه"، فحذفتها لعدم ورودها في "مسلم" والمخطوطة.
(3)
هذا يوهم أنه من حديث جابر عن الطبراني، والواقع أنه رواه (11/ 335/ 11936) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسنده صحيح، وذكره الهيثمي من حديث ابن عباس أيضاً وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً، وغفل المذكورون عن هذا أيضاً!

(2/567)


ثُمَّ نهى عنِ الكَيِّ في الوجْهِ، والضرْبِ في الوجْهِ.
رواه ابن حبان في "صحيحه". ورواه الترمذي مختصراً وصححه.
والأحاديث في النهي عن الكيِّ في الوجه كثيرة.

(2/568)


11 - (
ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة).
2296 - (1) [
صحيح لغيره] عن عائشة رضيَ الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا أراد الله بالأميرِ خيراً، جَعلَ له وَزيرَ صِدْقٍ؛ إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وإنْ ذَكَر أعانَهُ، وإذا أراد الله به غير ذلك؛ جعلَ له وزير سوءٍ؛ إنْ نَسيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وإنْ ذَكرَ لَمْ يُعِنْهُ".
[
صحيح] رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والنسائي، ولفظه:
قالت: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وَلِيَ منكُم عملاً فأرادَ الله به خيراً؛ جعَلَ له وزيراً صالِحاً؛ إنْ نَسِيَ ذَكَّرهُ ان ذَكَر أعانَه".

2297 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما بَعثَ الله مِنْ نَبيٍّ ولا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَليفَةٍ إلا كانَتْ له بِطانتَانِ: بطانَةٌ تأمُره بالمعروفِ وتَحُضُّه عليه، وبِطانَةٌ تأمرُه بالشرِّ وتَحضُّهُ عليه، والمعْصومُ مَنْ عَصمَ الله".
رواه البخاري واللفظ له (1).
__________
(1)
في هذا التخريج أمور:
أولاً: أنه أوهم أن البخاري أخرجه عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً وموصولاً عنهما، وليس كذلك، فقد أسنده عن أبي سعيد، ثم علقه عن أبي هريرة، وقد وصله النسائي وغيره.
ثانياً: قوله: "واللفظ له" لا داعي لهذا ما دام أنه لم يقرن مع البخاري غيره ليضيف اللفظ =

(2/569)


[
صحيح] ورواه النسائي عن أبي هريرة وحده. ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ والٍ إلا ولَه بِطانَتانِ: بطانَةٌ تأمُرهُ بالمعروفِ وتنْهاهُ عَنِ المنكَرِ، وبِطانَةٌ لا تَأْلوهُ خَبالاً، فَمنْ وُقِيَ شَرَّها؛ فقدْ وُقِيَ، وهوَ مِنَ الَّتي تَغْلِبُ (1) عليه مِنهُما".

2298 - (3) [
صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما بَعثَ الله مِنْ نَبيٍّ، ولا كانَ بعده مِنْ خَليفَةٍ إلا له بِطانَتانِ: بطانَةٌ تأمُرهُ بالمعْروفِ، وتنهاه عنِ المنْكَرِ، وبِطانَةٌ لا تأْلُوه خَبالاً، فَمنْ وُقِيَ بطانَةَ السُوءِ؛ فقد وُقِيَ".
رواه البخاري (2).
__________
=
إليه دونه. وهذا ظاهر.
ثالثاً: قوله بعدُ: "ورواه النسائي عن أبي هريرة وحده خطأ"، فقد أخرجه عن أبي سعيد أيضاً، ولفظه مثل لفظ البخاري؛ إلا أنه قال: "بالخير" مكان "بالمعروف"، وهو رواية للبخاري في "كتاب القدر". وعليه كان الصواب في تخريجه أن يقال: "رواه البخاري والنسائي عن أبي سعيد مسنداً"، والبخاري عن أبي هريرة معلقاً، وأسنده النسائي ولفظه. . .".
ثم إنه وقع اختلاف على التابعي في صحابي الحديث، والأرجح أن الكل صحيح إذا صح السند إليه، وبيانه في "الصحيحة" (1641).
ثم رأيت الناجي رحمه الله قد أفاض في نقد المؤلف على النحو مما ذكرت مع التوسع في ذكر الأسانيد وتعليقات البخاري، مما يمكن اعتبار ما ذكرته تلخيصاً له، قبل أن أقف على كلامه، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.
(1)
الأصل والمخطوطة: "إلى من يغلب"، والتصويب من النسائي.
(2)
كذا قال! وفيه نظر من وجهين.
الأول: أنه كان ينبغي أن يضم إلى البخاري "والنسائي" لأن اللفظ له، ولأن البخاري لم يَسُق متنه البتة.
والآخر: أن البخاري لم يسنده، وإنما علقه في "كتاب الأحكام" (7198) عقب حديث أبي سعيد المتقدم، ولم يَسُق متنه كما ذكرت آنفاً، وغفل عن هذا وما قبله أيضاً المعلقون مع ذكرهم الرقم! أو أنهم -لبالغ جهلهم- لا يعرفون الفرق بين المسند والمعلق عند البخاري!!

(2/570)


12 - (
الترهيب من شهادة الزور).
2299 - (1) [
صحيح] عن أبي بكرة رضي الله عنه قال:
كنّا عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
ألا أُنَبّئُكُمْ بأكبَرِ الكَبائرِ؟ -ثلاثاً-: الإشْراكُ بالله، وعُقوقُ الوالِدَيْنِ، ألا وشهادَةُ الزورِ، وقوْلُ الزورِ". وكان مُتَّكئاً فجلَس، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قلْنا: ليْتَهُ سكَتَ.
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

2300 - (2) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
ذكَرَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكبائِرَ فقال:
"
الشِرْك بالله، وعُقوقُ الوالدَيْنِ، وقَتْلُ النفسِ". -وقال-:
"
ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكبائر؟ قولُ الزورِ. -أو قال: شهادَةُ الزورِ-".
رواه البخاري ومسلم.

2301 - (3) [
حسن موقوف] ورواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً على ابن مسعود بإسناد حسن.
[
قلت: قال:
عَدَلَتْ شهادةُ الزور الشركَ بالله، وقرأ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}].

(2/571)


21 -
كتاب الحدود وغيرها.
1 - (
الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما).
2302 - (1) [
صحيح] عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ رأى مِنكُم مُنْكراً فلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِه، فإنْ لَمْ يَسْتَطعْ فَبِلِسانِه، فإن لم يَسْتطعْ فَبِقَلْبِه، وذلك أضْعَفُ الإيمان".
[
صحيح] رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي، ولفظه:
أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ رَأى منكم منكراً فَغَيَّره بيده؛ فقد بَرِئَ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُغَيِّرهُ بيده فَغَيَّرَهُ بِلِسانِه؛ فقد بَرِئَ، ومنْ لمْ يَسْتَطعْ أنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسانِه فغَيَّرَهُ بِقَلْبِه؛ فقد بَرِئَ، وذلك أضْعَفُ الإِيمَانِ".

2303 - (2) [
صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
"
بايَعْنا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعَةِ في العُسْرِ واليُسْرِ، والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وعلى أَثَرةٍ علينا، وأنْ لا نُنازع الأَمْرَ أهْلَه، إلا أنْ تَروْا كُفْراً بَوَاحاً (1) عندَكُمْ مِنَ الله فيه بُرْهانٌ (2)، وعلى أنْ نقولَ بِالْحَقِّ أينَما كنَّا، لا نخافُ في
__________
(1)
أي: ظاهراً بادياً، من قولهم: "باح بالشيء يبوح به بوحاً: وبواحاً: إذا أذاعه وأظهره". قاله الخطابي.
(2)
أي: "نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل". قاله العسقلاني. وهذه الجملة ليست في هذا السياق -وهو لمسلم- من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة، عن عبادة على خلاف =

(2/572)


الله لَوْمةَ لائمٍ".
رواه البخاري ومسلم.

2304 - (3) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه:
أنَّ أُناساً قالوا: يا رسولَ الله! ذَهَب أهلُ الدُّثورِ بالأُجورِ، يصلُّونَ كما نُصلِّي، ويَصومونَ كما نَصومُ، ويتَصدَّقونَ بفَصولِ أمْوالِهِمْ؟ قال:
"
أولَيْسَ قد جَعَل الله لكُم ما تَصدَّقون بِه؟ إنَّ بكلِّ تَسْبيحَةٍ صدَقةً، وكلِّ تكبيرةٍ صدقةً، وكلِّ تَحميدَةٍ صَدقةً، وكلِّ تَهْليلَةٍ صدَقةً، وأمرٍ بالمعْروفِ صدقةً، ونهيٍ عنْ مُنْكرٍ صدقَةً".
رواه مسلم وغيره. [مضى 14 - الذكر/ 7].

2305 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أفْضَلُ الجِهادِ كلمَةُ حقٍّ عند سُلْطانٍ أوْ أميرٍ جائرٍ".
رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي وابن ماجه؛ كلهم عن عطية العوفي عنه؛ وقال الترمذي: "حديث حسن غريب".

2306 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي عبد الله طارق بن شهاب البَجَلي الأحْمَسي:
أنَّ رجلاً سألَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد وضَعَ رجْلَهُ في الغَرْزِ: أيُّ الجِهادِ أفْضَلُ؟ قال:
"
كلمةُ حقٍّ عند سلْطانٍ جائرٍ".
رواه النسائي بإسناد صحيح.
__________
=
فيه- وهي عندهما في سياق آخر من حديث جنادة بن أبي أمية عنه، وقد بينت ذلك وخرجته من مصادر كثيرة في "الصحيحة" (3418). ومن جهل وعجز المعلقين الثلاثة أنهم عزوا الحديث للبخاري برقم (7056)، وهو يشير إلى حديث جنادة الذي ليس فيه الزيادة، ولمسلم برقم (1709) وهو يشير إلى حديث آخر!!

(2/573)


(
الغَرْزُ) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدهما زاي: هو ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختص بهما.

2307 - (6) [
حسن صحيح] وعن أبي أمامَة رضي الله عنه قال:
عرَضَ لِرسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ عند الجَمْرَةِ الأولى، فقال: يا رسولَ الله! أيُّ الجِهادِ أفْضَلُ؟ فسكَتَ عنه، فلمَّا رمى الجمرة الثانية سَأَلهُ؟ فسكتَ عنه، فلمَّا رمى جمرةَ العَقَبةِ وضَعَ رجْلَه في الغَرْزِ لِيَرْكَبَ قال:
"
أيْنَ السائلُ؟ ".
قال: ها أنا يا رسولَ الله! قال:
"
كلمةُ حقٍّ تقال عندَ ذي سلطانٍ جائرٍ".
رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (1).

2308 - (7) [
صحيح] وعن جابر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
سيدُ الشهداءِ حمزةُ بن عبدِ المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمَره ونهاه، فقَتَلَه".
رواه الترمذي (2)، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2309 - (8) [
صحيح] وعن النعمانِ بْنِ بشيرٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
__________
(1)
قلت: وعلى هامش المخطوطة: "وفي نسخة بإسناد حسن" بدل "صحيح"، وهو اللائق بإسناده، فإن فيه أبا غالب، وهو حسن الحديث. ومن طريقه أخرجه أحمد أيضاً (5/ 251 و256)، ثم رأيت الناجي ذكر (182/ 2) أن الأشبه التحسين.
(2)
قلت: عزوه للترمذي خطأ، ولعله من الناسخ أو الطابع، فإن الشيخ الناجي لم يتعرض له، وفي الإسناد مجهول، لكني وجدت له متابعاً صالحاً فخرجته في "الصحيحة" (374).

(2/574)


"
مَثَلُ القائمِ على حدودِ الله (1)، والواقع فيها (2)؛ كمَثلِ قومٍ اسْتَهَموا على سَفينَةٍ، فصارَ بعضُهُمْ أعْلاها، وبعضُهُمْ أسْفَلَها، فكانَ الَّذين في أسْفَلِها، إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرّوا على مَنْ فَوْقَهُم، فقالوا: لوْ أنَّا خَرَقْنا في نَصيبِنا خَرْقاً، ولَمْ نُؤْذِ مَنْ فوْقَنا! فإنْ تَركُوهُمْ وما أَرادوا هَلَكُوا جَميعاً، وإنْ أَخَذوا على أيْديِهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جميعاً".
رواه البخاري والترمذي.

2310 - (9) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما منْ نبيّ بَعثَهُ الله في أمَّةٍ قَبْلي؛ إلا كانَ له مِنْ أُمَّتِه حواريُّونَ وأصحابٌ يأخُذونَ بِسُنَّتِه، وَيقْتَدون بأمْرِهِ، ثُمَّ إنَّها تَخلُف مِنْ بعْدِهم خُلُوفٌ (3)، يقولونَ مالا يفْعَلون، ويفْعَلونَ مالا يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهَدَهُم بيدهِ
__________
(1)
أي: الثابت فيها على نحو قول حكيم بن حزام: بايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ لا أخرَّ إلا قائماً. أي: لا أموت إلا ثابتاً على الإسلام والتمسك به، يقال: قام فلان على الشيء، إذا ثبت عليه وتمسك به. كذا في "النهاية". وكان الأصل كمطبوعة عمارة: "في حدود الله" وأعاده فيما يأتي قريباً [5 - باب]، فصححته من "البخاري" و"الترمذي" وأحمد أيضاً (4/ 269 و270). وغفل عن ذلك في الموضعين مدعو التحقيق!
(2)
أي: مرتكب الحدود. ولفظ الترمذي: "والمدهِنِ فيها" أي: المحابي. قال الحافظ في "الفتح":
"
والمدهن والمداهن واحد، والمراد به من يرائي، ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر"، ولفظ أحمد:
"
والواقع فيها أو المداهن"، وجمع بينهما في رواية بلفظ: "والراتع فيها والمدهن فيها"، وفي رواية للبخاري: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها. . ."، فأسقط: "القائم على حدود الله" خلافاً لسائر الروايات، فهي رواية شاذة، وقد أشار إلى ذلك الحافظ (5/ 325)، وذكر أنها غير مستقيمة، وأن رواية الجماعة أصوب، وقال:
"
لأن المدهن والواقع -أي مرتكبها- في الحكم واحد، و (الواقع) مقابله". وانظر لتخريج الحديث "الصحيحة" (67).
(3)
جمع (خَلْف)؛ قال ابن الأثير: " (الخلف) بالتحريك والسكون: كل من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالتسكين في الشر".

(2/575)


فهو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جاهَدَهُمْ بِلِسانِه فهو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جاهَدَهُم بِقَلْبِه فهو مُؤْمِنٌ، وليسَ وَراءَ ذلك مِنَ الإيْمانِ حَبَّةُ خَرْدلٍ".
رواه مسلم.
(
الحَوارِيّ): هو الناصر للرجل، والمختص به، والمعين والمصافي.

2311 - (10) [
صحيح] وعن زينبَ بنتِ جَحْشٍ رضي الله عنها:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دخَلَ عليها فَزِعاً يقول:
"
لا إله إلاَّ الله، ويَل لِلْعَرب مِنْ شرٍّ قدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِنْ رَدْمِ يأجوجَ ومَأجوجَ مثلُ هذه"، وحَلَّقَ بأصْبَعَيْهِ الإبْهامِ والَّتي تَليها.
فقلتُ: يا رسول الله! أنَهْلَكُ وفينا الصالِحونَ؟ قال:
"
نَعمْ؛ إذا كَثُرَ الخَبَثُ".
رواه البخاري ومسلم.

2312 - (11) [
صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
قلتُ: يا رسول الله! إنَّ الله إذا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بأهْلِ الأرْضِ وفيهم الصالِحونَ، فَيهْلَكونَ بِهَلاكِهِمْ؟ فقال:
"
يا عائشةُ! إنَّ الله إذا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بأهلِ نِقْمَتِهِ وفيهمُ الصالحون، فيَصيرونَ مَعَهم، ثُمَّ يُبْعَثون على نِيَّاتِهِمْ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

2313 - (12) [
حسن لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
والَّذي نفسي بيدِه؛ لَتَأْمرُنَّ بالمعروفِ، ولَتنْهَوُنَّ عنِ المنكر؛ أوْ لَيُوشِكَنَّ
__________
(1)
وأخرجه مسلم بنحوه، والبخاري مختصراً، وتقدم لفظه (1 - الإخلاص/ 1). وقد خرجته في "الصحيحة" (2693).

(2/576)


الله أنْ يَبْعثَ عليكم عِقاباً منه، ثُمَّ تَدْعونَه فلا يَسْتَجيبَ لكم".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

2314 - (13) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يُؤمِنُ عبدٌ حتى أكونَ أحبَّ إليهِ مِنْ وَلدِه ووَالدِهِ والناسِ أجْمَعينَ".
رواه مسلم وغيره (1).

2315 - (14) [
صحيح] وعن جريرٍ رضي الله عنه قال:
بايعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على (2) السمعِ والطاعةِ -فلَقَّنَني: فيما اسْتَطَعْتَ-، والنصحِ لكلِّ مسلم.
رواه البخاري ومسلم.
وتقدم حديث تميم الداري عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الدينُ النصيحَةُ. قاله ثلاثاً".
قال: قلنا: لِمَنْ يا رسولَ الله؟ قال:
"
لله ولِرَسولِه ولأَئمَّةِ المسْلمينَ وعامَّتِهِمْ".
رواه البخاري (3) ومسلم، واللفظ له.
__________
(1)
هذا تقصير فاحش، فالحديث في "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة، ومن حديث أنس، وهما في "مختصر البخاري" (رقم 11 و12).
(2)
زاد البخاري في بعض الروايات: "على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع. . .". انظر "مختصر البخاري" (رقم 40).
(3)
عزوه للبخاري وهم، لعله من النساخ، فإنه تقدم في (16 - البيوع/ 10) على الصواب، أو لعله أتي من أن البخاري علقه في آخر "كتاب الإيمان". انظر "مختصر البخاري" (12 - معلق).
ومن الغريب أنني رأيت على هامش المخطوطة نقلاً عن ابن حجر نفي رواية البخاري للحديث مطلقاً! مع أنه قد وصله في شرحه! وقد تكلم على هذا الوهم الناجي في "العجالة" (183/ 1) وعن طرق الحديث، ولفظ "ثلاث" ليس لمسلم، وإنما هو لأبي داود كما ذكر المؤلف نفسه هناك، ولم يتنبه لهذا كله الغافلون الثلاثة!

(2/577)


2316 - (15) [
حسن لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ رجلٍ يكونُ في قومٍ يُعملُ فيهم بالمعاصي، يقدِرونَ على أنْ يُغَيِّروا عليهِ، ولا يُغَيِّرونَ؛ إلاَّ أصابَهُم الله منهُ بِعِقابٍ قَبْلَ أنْ يَمُوتوا".
رواه أبو داود عن أبي إسحاق قال: أظنه عن ابن جرير، عن جرير ولم يسمِّ ابنه.
ورواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والأصبهاني وغيرهم عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه.

2317 - (16) [
صحيح] وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال:
يا أيُّها الناسُ! إنَّكم تَقْرَؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الناسَ إذا رَأوا الظالِمَ فلَمْ يأخذوا على يديْهِ، أوْشَك أَنْ يَعُمَّهم الله بعقابٍ مِنْ عِنْدِه".
رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه والنسائي وابن حبان في "صحيحه".
ولفظ النسائي:
إنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه؛ عمَّهم الله بعقابٍ".
وفي رواية لأبي داود:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصي، ثُمَّ يقدِرونَ أنْ يُغَيِّروا ثُمَّ لا يُغَيِّروا؛ إلا يوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُم الله منه بعقابٍ".

(2/578)


2318 - (17) [
حسن لغيره] وعن أبي كثيرٍ السُّحَيْمي عن أبيه قال:
سألتُ أبا ذرٍّ؛ قلتُ:
دُلَّني على عملٍ إذا عمِلَ العبدُ بِه دخلَ الجنَّةَ.
قال: سألتُ عن ذلك رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر".
قلتُ: يا رسول الله! إنَّ مع الإيمانِ عَملاً؟ قال:
"
يَرضَخُ مِمّا رَزَقَهُ الله".
قلتُ: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ كان فَقيراً لا يَجِدُ ما يَرضَخُ بِه؟ قال:
"
يأمُرُ بالمعروفِ، ويَنْهى عنِ المنكَرِ".
قال: قلتُ: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ كانَ عَيِيّاً لا يَسْتَطيعُ أنْ يأمُرَ بالمعروفِ، ويَنْهَى عنِ المنكَرِ؟ قال:
"
يَصْنَعُ لأَخْرَقَ".
قال: أرأيتَ إنْ كانَ أَخْرقَ لا يستطيعُ أنْ يَصْنَع شيئاً؟ قال:
"
يُعين مَغْلوباً".
قال: أرأيْتَ إن كان ضعيفاً لا يَسْتَطيعُ أن يُعين مَغْلوباً؟ قال:
"
ما تريدُ أنْ يكون في صاحِبِكَ مِنْ خيرٍ؟ يُمْسِكُ عَنْ أذىَ الناسِ".
فقلت: يا رسول الله! إذا فَعلَ ذلك دخَل الجَنَّةَ؟ قال:
"
ما مِنْ مسلمٍ يفعَلُ خَصْلَةً مِنْ هؤلاء؛ إلا أخَذَتْ بِيَدِه حتى تُدْخِلَه الجَنَّةَ".

(2/579)


رواه الطبراني في "الكبير"، واللفظ له (1). ورواته ثقات، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2319 - (18) [
حسن صحيح] وعن حذيفة قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
تُعْرَضُ الفِتنُ (2) على القلوبِ كالحَصيرِ عُوداً عوداً، فأيُّ قلْب أُشْرِبَها (3) نُكِتَتْ فيه نُكتَةٌ سَوْداءُ، وأيُّ قلْبٍ أَنكَرها نُكِتَتْ فيه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حتَّى يصيرَ على قلْبَيْن: على أبْيضَ مثلِ الصَّفا فلا تَضُرَّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسود مُرْبادَّاً كالكوز مُجَخِّياً (4) لا يعرف مَعروفاً، ولا يُنْكرُ مُنْكَراً إلا ما أشْرِبَ مِنْ هَواهُ".
رواه مسلم وغيره.
قوله: (مُجَخِّياً) هو بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة: يعني مائلاً. وفسره بعض الرواة بأنه المنكوس.
__________
(1)
كذا الأصل، والأولى وضع قوله: "واللفظ له" بعد قوله الآتي: "صحيحه"، لأن الرواية له (863) مع اختلاف في بعض الألفاظ، ونحوه للحاكم (1/ 63)، وأما الطبراني فهو عنده (1650) من رواية أبي زميل مالك بن مرثد عن أبيه قال: قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله! ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: "الإيمان بالله. . ." الحديث نحو رواية البيهقي المتقدمة في المجلد الأول (8 - الصدقات/ 9). وكذلك ذكره الهيثمي (3/ 135) وقال: "رواه الطبراني، ورجاله ثقات".
(2)
أي: تلصق بعرض (القلوب) أي: جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه.
(3)
أي: تمكنت منه وحلت محل الشراب.
(
مربادّاً) أي: متغيراً. قال ابن الأثير:
"
ويريد اربداد القلب من حيث المعنى لا الصورة، فإن لون القلب إلى السواد ما هو".
(4)
زاد أحمد (5/ 386 و405): "وأمال كفه". وسنده أصح من سند مسلم.

(2/580)


ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات؛ خرج منه نور الإيمان كما يخرج الماء من الكوز إذا مال أو انتكس.

2320 - (19) [
صحيح لغيره] وعن أبي ذرٍّ قال:
أوْصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخِصالٍ مِنَ الخير: أوْصاني أنْ لا أخافَ في الله لومةَ لائمٍ، وأوْصاني أنْ أقولَ الحقَّ وإنْ كان مُرّاً. مختصر.
رواه ابن حبان في "صحيحه"، ويأتي بتمامه [22 - البر والصلة/ 3].

2321 - (20) [
حسن] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تَبسُّمك في وجهِ أخيكَ صدقةٌ، وأمْرُكَ بالمعروفِ ونَهْيُكَ عنِ المنكر صدقَة. . " الحديث.
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه".

2322 - (21) [
حسن لغيره] ورواه البزار والطبراني من حديث ابن عمر بنحوه. [يأتي لفظه 23 - الأدب/ 4].

2323 - (22) [
حسن] وعن عُرس بن عَميرة الكِنْديِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا عُمِلَتِ الخطيئَةُ في الأرضِ؛ كان مَنْ شَهدَها وكرِهَها -وفي رواية: فأنكرها- كَمنْ غابَ عنها، ومَنْ غابَ عنها فَرَضِيَها؛ كان كَمَنْ شَهِدَها".
رواه أبو داود من رواية مغيرة بن زياد الموصلي.

2324 - (23) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الإسْلامُ أنْ تعبدَ الله لا تُشْرِك به شيئاً، وتقيمَ الصلاة، وتُؤْتيَ الزكاةَ،

(2/581)


وتَصومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ (1)، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عنِ المنكر، وتسليمُك على أهلك، فمنِ انْتَقصَ شَيْئاً مِنهُنَّ فهو سَهمٌ مِنَ الإسْلامِ يَدَعُهُ، ومَنْ تركهُنَّ فقد وَلَّى الإسْلامَ ظَهْرَه".
رواه الحاكم.
[
حسن لغيره] وتقدم حديث حذيفة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الإسلامُ ثمانيةُ أسهم: الإسلامُ سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والصومُ سهمٌ، وحجُّ البيتِ سهمٌ، والأمرُ بالمعروفِ سهمٌ، والنهي عن المنكر سهمٌ، والجهادُ في سبيلِ اللهِ سهمٌ، وقد خاب من لا سهم له".
رواه البزار

2325 - (24) [
حسن لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت:
دخل النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعرفتُ في وجهه أنْ قد حضره شيء، فتوضأ وما كلّمَ أحداً، فلصقتُ بالحجرةِ أستمع ما يقولُ، فقعد على المنبرِ، فحمد اللهَ وأثنى عليه وقال:
"
يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهَوْا عن المنكرِ قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم. . .". (2)
رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة عنهما.
__________
(1)
الأصل والمخطوطة: "والحج"، ومع أن المعلقين الثلاثة قد صححوا هذه اللفظة، فقد أسقطوا لفظ "البيت"! والتصويب من "المستدرك" وغيره. انظر "الصحيحة" (333). والحديث من أدلة الجمهور القائلين بأن تارك الصلاة، وهو مؤمن بفرضيتها ليس بكافر، لأنه ألحق تاركها بمن ترك سهماً من سهام الإسلام الأخرى، وإنما حكم بالردة والخروج من الإسلام على من ترك الأسهم كلها، وعلى رأسها التوحيد، فتأمل منصفاً، وانظر التفصيل في "الصحيحة" (1/ 651 - 353 و935).
(2)
في الأصل هنا زيادة: (". . . وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم". فما زاد عليهن حتى نزل)، ولما لم نجد لها شاهداً؛ فقد أوردته هنا ونبهت عليه.

(2/582)


2 - (
الترهيب من أن يأمر بمعروفٍ وينهى عن منكر ويخالف قولُه فعلَه).
2326 - (1) [
صحيح] عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يُؤْتَى بالرجلِ يومَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ، فتندلِقُ أقْتابُ بطْنِه، فيدورُ بِها كما يدورُ الحِمارُ في الرَّحى، فيجتَمعُ إليه أهلُ النارِ فيقولونَ: يا فلانُ! ما لَك؟ ألَمْ تكنْ تأمُر بالمعروفِ، وتَنْهى عنِ المنكَرِ؟ فيقولُ: بلَى، كنتُ آمرُ بالمعروفِ ولا آتيهِ، وأَنْهى عنِ المنكَرِ وآتيهِ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم (1) قال:
قيلَ لأسامةَ بنِ زَيْدٍ: لو أتيتَ عثمانَ فكلَّمْتَهُ. فقال: إنكم لَتَروْنَ أني لا أكَلِّمُه إلا أُسْمِعُكم؟! إنِّي أكلِّمُه في السرِّ دونَ أنْ أفتحَ باباً (2) لا أكونُ أوَّلَ من فَتَحهُ، ولا أقولُ لرجلٍ أنْ كان عليَّ أميراً: إنَّه خيرُ الناسِ، بعد شيْءٍ سمعتُه مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وما هو؟ قال: سمعْتُه يقول:
"
يجاءُ بالرجلِ يومَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ، فتَندلِقُ أقتْابُه، فيدورُ كما يدورُ الحمار بِرَحاهُ، فيَجْتَمعُ أهلُ النارِ عليه، فيقولُ: يا فلانُ! ما شأنُكَ؟
__________
(1)
كذا قال، ولو عكس لأصاب أو كاد، فإن الرواية الأولى هي التي لمسلم في "الزهد"، والأخرى للبخاري في "الفتن"؛ إلا أنه قال: (فلاناً) مكان (عثمان)، وكذلك عنده في رواية في "بدء الخلق"، وإنما سماه مسلم في روايته وفيها القصة كما في رواية البخاري، ثم لو اقتصر على ذكر هذه الرواية دون الأولى لأصاب، إذ لا فرق يذكر بينهما، وذلك ما فعله فيما تقدم (3 - العلم/ 9).
(2) "
أي: كلمته فيما أشرتم إليه، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر بغير أن يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها". كذا في "فتح الباري".

(2/583)


أليسَ كنتَ تأمرُ بالمعروف وتنْهى عنِ المنكَرِ؟ فيقولُ: كنتُ آمرُكم بالمعروفِ ولا آتيهِ، وأنْهاكمْ عن الشَّرِّ وآتيهِ". (1)
(
الأقْتَابُ): الأمعاء، واحدها (قِتْب) بكسر القاف وسكون التاء.
(
تندلق) أي: تخرج.

2327 - (2) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
رأيتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي رِجالاً تُقرضُ شِفاههُم بمقاريضَ مِنَ النارِ، فقلتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ فقال: الخطباءُ مِنْ أُمَّتِكَ الذين يأمرونَ الناسَ بالبِرِّ وينْسَوْنَ أنفسهم وهُمْ يَتْلونَ الكِتابَ أفَلا يَعْقِلونَ؟! ".
رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت"، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والبيهقي.
[
صحيح لغيره] وفي رواية لابن أبي الدنيا:
"
مررتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي على قومٍ تُقْرَضُ شِفاههُم بِمقَاريضَ مِنْ نارٍ، كُلَّما قُرِضَتْ عادتْ، فقلتُ: يا جبريلُ! مَنْ هؤلاءِ؟ قال: خُطباءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يقولونَ ما لا يَفْعَلونَ".
[
صحيح] وفي رواية للبيهقي: قال:
"
أَتَيْتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي على قومٍ تُقرَضُ شِفاههُم بِمقاريضَ مِنْ نارٍ، فقلت: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: خُطباءُ أُمَّتِكَ الذين يقولونَ ما لا يَفْعَلونَ، ويقْرَؤون كتابَ الله ولا يَعْمَلونَ بِه".
__________
(1)
في الأصل هنا كالمخطوطة: وإني سمعته يعني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مررت. . ." الحديث مثل الآتي بعده، فحذفته لأنه ليس في الحديث الذي قبله كما كنت بينته تحت الحديث في الموضع المشار إليه آنفاً.

(2/584)


2328 - (3) [
صحيح لغيره] وعن أبي تميمة (1) عن جندب بن عبد الله الأزدي صاحبِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَثلُ الَّذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ وَينْسى نَفْسه، كمَثلِ السِّراجِ؛ يُضِيءُ لِلناسِ وَيحْرِقُ نَفْسَهُ" الحديث.
رواه الطبراني. وإسناده حسن إنْ شاء الله. [مضى ج 1/ 3 - العلم/ 9].

2329 - (4) [
صحيح] ورواه البزار من حديث أبي برزة؛ إلا أنَّه قال:
"
مثل الفتيلة" [مضى بتمامه 3 - العلم/ 9].

2330 - (5) [
صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم بَعْدِي كلُّ منافقٍ عليمِ اللِّسانِ".
رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، ورواته محتج بهم في "الصحيح" (2) [مضى هناك].

2331 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُبصرُ أحدُكم القَذاةَ في عينِ أخيهِ، ويَنْسى الجِذْعَ في عَيْنِه".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (3).
__________
(1)
اسمه طريف بن مجالد الهُجيمي، وهو ثقة من رجال البخاري، فلا أدري لم علق المؤلف الحديث عليه؟ وليس على الصحابي مباشرة كما هي عادته، وكما فعل في هذا الحديث نفسه فيما تقدم (ج 1/ 3 - العلم/ 9/ الحديث 9)؟!
(2)
قلت: وكذا ابن حبان في "صحيحه" (رقم 91 - الموارد) بنحوه، واللفظ للطبراني (18/ 237/ 593).
(3)
وكذا رواه جمع، لكن رواه أحمد في "الزهد" موقوفاً على أبي هريرة، فانظر "الصحيحة" (رقم 33 - طبعة عمان).

(2/585)


3 - (
الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته).
2332 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ نَفَّسَ عن مسلمٍ كُرْبَة مِنْ كُرَبِ الدنيا؛ نَفَّس الله عنه كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يومِ القيامَةِ، ومَنْ سَتر على مسلمٍ؛ سَتَرهُ الله في الدنيا والآخِرَةِ، والله في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العبدُ في عَوْنِ أَخيهِ".
رواه مسلم وأبو داود -واللفظ له-، والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه. [مضى بأتم منه 3 - العلم/ 1].

2333 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُه ولا يُسْلِمُه (1)، مَنْ كانَ في حاجَةِ أخيه؛ كانَ الله في حاجَتهِ، ومَنْ فَرَّج عن مُسلمٍ كربةً، فرَّج الله عنه بِها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يومِ القِيامَةِ، ومَنْ سَتَر مسْلِماً؛ ستَرة الله يومَ القيامَةِ".
رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر (2) ".

2334 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَسْترُ عَبدٌ عبداً في الدنيا؛ إلا سَتَرهُ الله يومَ القيامَة".
رواه مسلم.
__________
(1)
الأصل: "يثلمه" بالثاء المثلثة، وكذلك وقع فيما سيأتي (22 - البر والصلة/ 12) والتصويب من "المخطوطة" و"الصحيحين".
(2)
قلت: هذا تقصير فاحش تعجب منه الحافظ الناجي (184/ 2) وقال:
"
رواه البخاري ومسلم والنسائي".
قلت: وكأنَّ المؤلف رحمه الله تنبه لذلك فيما بعد فعزاه للشيخين في المكان المشار إليه آنفاً. والنسائي إنما أخرجه في "الكبرى" (4/ 309/ 7291).

(2/586)


2335 - (4) [
صحيح لغيره] وعن يزيد بن نُعيم [عن أبيه] (1):
أن ماعزاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقر عنده أربع مراتٍ، فأمر برجمه، وقال لهزّال:
"
لو سترته بثوبك كان خيراً لك".
رواه أبو داود والنسائي. (2)
(
قال الحافظ): "ونُعيم هو ابن هزّال. وقيل: لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هزال: وسبب قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهزال: "لو سترته بثوبك" ما رواه أبو داود وغيره عن محمد بن المنكدر:
أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[
صحيح لغيره] وروى في موضع آخر عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال:
كان ماعز بن مالك يتيماً في حِجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائتِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك.
وذكر الحديث في قصة رجمه.
واسمُ المرأةِ التي وقع عليها ماعزُ (فاطمةُ)، وقيل غير ذلك، وكانت أَمَةً لهزال".

2336 - (5) [
صحيح لغيره] وعن مكحولٍ:
أنَّ عقبة بنَ عامرٍ أتى مَسْلَمَة بنَ مُخَلَّدٍ، فكان بيْنَهُ وبينَ البوَّابِ شيْءٌ، فسمعَ صوتَهُ فأَذِنَ له فقال له: إنِّي لَمْ آتِكَ زائراً؛ جئْتُكَ لِحاجَةٍ، أتذكُر يومَ قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
سقطت من الأصل ومطبوعة (عمارة) والمعلقين الثلاثة، واستدركتها من المخطوطة وسنن أبي داود (4377)، و"كبرى النسائي" (7279)، وتعقيب المؤلف عليه يؤيده.
(2)
قلت: إسناده حسن؛ على خلاف في صحبة نُعيم بن هزال، لكنه يتقوى بطرقه الأخرى، والبيان في "الصحيحة" (3460).

(2/587)


"
مَنْ عَلِمَ مِنْ أخيهِ سيِّئَةً فستَرها؛ ستَر الله عليه يومَ القِيامةِ"؟
قال: نَعم.
قال: لِهذا جِئْتُ.
رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح".

2337 - (6) [
صحيح لغيره] وعن رجاء بن حَيْوةَ قال: سمعت مسلمةَ بن مُخَلَّدٍ رضي الله عنه يقول:
بينا أنا على مِصرَ فأتى البوابُ فقالَ: إن أعرابياً على الباب يستأذنُ، فقلتُ: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبدِ الله. قال: فأشرفتُ عليه فقلتُ: أَنْزِلُ إليك أو تصعدُ؟ قال: لا تنزلُ ولا أصعدُ، حديثٌ بلغني أنك ترويه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ستر المؤمن؛ جئتُ أسمعه.
قلتُ: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
من ستر على مؤمنٍ عورةً؛ فكأنما أحيا موؤدةً". فضربَ بعيره راجعاً.
رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية أبي سنان القسملي.

2338 - (7) [
صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
من سترَ عورةَ أخيه؛ سترَ اللهُ عورتَه يوم القيامةِ، ومن كشفَ عورة أخيه المسلمِ؛ كشفَ اللهُ عورتَه حتى يفضحَه بها في بيتِهِ".
رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

2339 - (8) [
حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
صَعِد رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال:
"
يا معشرَ مَنْ أسْلَمَ بِلسانه، ولَمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلْبهِ! لا تُؤذوا

(2/588)


المسْلمِينَ، ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهمْ؛ فإنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عوْرَةِ أخيهِ المسْلمِ؛ تَتَبَّع الله عورَتَهُ، ومَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحُه، ولوْ في جَوْفِ رَحْلهِ".
ونَظَر ابْنُ عُمرَ يوماً إلى الكعبةِ فقال:
ما أَعْظَمَكِ! وما أعْظَم حُرْمَتكِ! والمؤِمن أعظَمُ حُرمةً عندَ اللهِ منكِ.
رواه الترمذي.
[
حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال فيه:
"
يا معْشرَ مَنْ أسْلَم بِلسانِه، ولَمْ يَدخُلِ الإيمانُ [في] قلْبه! لا تُؤذوا المسلمينَ ولا تُعَيِّروهُم، ولا تَطْلُبوا عَثَراتِهِمْ" الحديث.

2340 - (9) [
حسن صحيح] وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا معشرَ مَنْ آمنَ بِلسِانِه، ولَمْ يَدْخُل الإيمانُ قَلْبَهُ! لا تَغْتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهم؛ فإنَّه مَنْ اتَّبَع عَوْراتِهم؛ تَتَبَّعَ الله عَوْرتَهُ، ومَنْ تَتَّبعَ الله عَوْرَتهُ يَفضَحْهُ؛ في بيْتِه".
رواه أبو داود عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه.

2341 - (10) [
صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء.

2342 - (11) [
صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّك إنِ اتَّبَعْتَ عَوْراتِ المسلمينَ أفْسَدْتَهُم، أو كِدْتَ تُفسِدُهم".
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه".

2343 - (12) [
صحيح لغيره] وعن شُرَيح بن عُبيد عن جُبير بن نُفيرٍ وكثير بن مرة و (1) عمرو
__________
(1)
كذا الأصل، وكذا في "أبي داود - الأدب"، وكذلك وقع في "المسند" (6/ 4) والمخطوطة، ووقع في "مختصر السنن" للمؤلف (4721): "عن" مكان الواو، والصواب الأول.

(2/589)


ابنِ الأسْودِ والمقدام بن معد يكربٍ وأبي أمامةَ رضي الله عنهم عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الأميرَ إذا ابْتَغى الريبَةَ في الناسِ أفْسَدَهُم".
رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش (1).
(
قال الحافظ) عبد العظيم:
"
جبير بن نفير أدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو معدود في التابعين. وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي، وذكره عبدان في الصحابة. وعمرو بن الأسود عنسي حمصي أدرك الجاهلية، وروى عن عمر بن الخطاب ومعاذ وابن مسعود وغيرهم".
__________
(1)
وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها، فالسند صحيح عن المقدام وأبي أمامة لولا انقطاع بين شريح وبينهما، وعن سائرهم مرسل. وقد أخرجه الحاكم (4/ 378) من طريق أخرى عن إسماعيل به؛ إلا أنه لم يذكر فيه عمرو بن الأسود.

(2/590)


4 - (
الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم).
2344 - (1) [
حسن لغيره] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمِعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
أنا آخذٌ بحُجَزِكم أقول: إياكم وجهنَّم، إياكم والحدودَ! إياكم وجهنمَ، إياكم والحدودَ! إياكم وجهنمَ، إياكم والحدودَ -ثلاث مرات-، فإذا أنا متُّ تركتكم، وأنا فرطُكم على الحوض، فمن وردَ أفلحَ" الحديث.
رواه البزار من رواية ليث بن أبي سُليم.

2345 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله يَغارُ، وغيرةُ الله أنْ يَأتِيَ المؤمنُ ما حَرَّمَ الله عليهِ".
رواه البخاري ومسلم.

2346 - (3) [
صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال:
"
لأَعْلَمنَّ أقواماً مِنْ أمَّتي يأتونَ يومَ القِيامَةِ بأعْمالٍ أمثالِ جبال تِهامَةَ بَيْضاءَ، فيجعَلُها الله هَباءً مَنْثوراً".
قال ثَوْبانُ: يا رسولَ الله! صِفْهُم لنا، جَلِّهم (1) لنا؛ لا نكونُ منهم ونحن لا نَعْلَمُ. قال:
"
أمَا إنَّهم إخْوانكم، ومِنْ جِلْدَتِكم (2)، ويأخذون مِن الليْلِ كما تأخذونَ، ولكنَّهم قومٌ إذا خَلَوْا بِمحارِم الله انْتَهكُوها".
رواه ابن ماجه ورواته ثقات.
__________
(1)
الأصل والمخطوطة بالحاء؛ خلافاً لما في (ابن ماجه). وقال السندي: بالجيم من (التجلية): أي: اكشف حالهم لنا، والأول بمعناه.
(2)
بالجيم أيضاً: أي من جنسكم.

(2/591)


2347 - (4) [
صحيح لغيره] وعن النواسِ بْنِ سَمْعانَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله ضربَ مَثلاً صِراطاً مسْتَقيماً على كَنَفَي الصراط زُوران (1) لهما أبْوابٌ مُفتَّحةٌ، على الأبوابِ سُتورٌ، وداع يدْعو فوقَهُ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والأبوابُ التي على كَنَفَي الصراطِ حدودُ الله، فلا يَقَعُ أحدٌ في حدود الله حتى يُكْشَفَ السترُ، والَّذي يَدْعو مِنْ فَوْقِه واعِظُ ربَّهِ عزَّ وجلَّ".
رواه الترمذي من رواية بقية عن بحِير (2) بن سعد، وقال:
"
حديث حسن غريب".
(
كنفا الصراط) بالنون: جانباه.

2348 - (5) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ضربَ الله مثلاً صِراطاً مُسْتقيماً، وعنْ جَنْبَتَيِ الصراطِ سُورانِ فيهما
__________
(1)
الأصل: (داران) وكذا في المخطوطة، وبعض نسخ الترمذي، والتصويب من "الترمذي" بشرح التحفة (3514)، وقال:
"
بضم الزاي تثنية (زور) أي: جداران، وفي حديث ابن مسعود عند رزين (يعني الآتي بعده): (سوران) بضم السين المهملة تثنية (سور)، والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي كما يقال في (الأسدي): (الأزدي) ".
قلت: والأصح في هذا الحديث (سوران)، لأنه كذلك ذكره المزِّي في "تحفة الأشراف" من رواية الترمذي، وكذلك وقع في "مسند أحمد" و"السنة" لابن نصر المروزي من طريق بقيَّة، وصرَّح هذا عندهما بالتحديث: وله عندهما طريق أخرى قريباً من الحديث بلفظ (سوران)، وكذلك أخرجه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وقد خفي هذا التحقيق كله على المعلقين الثلاثة، فأثبتوا اللفظ الأول (داران)! وضعفوا الحديث!! لجهلهم بتحديث بقية فيما يبدو، لأنهم لم يبينوا السبب!!
(2)
بكسر الحاء المهملة كما في المخطوطة و"التقريب" وغيره، وكان الأصل ومطبوعة عمارة (بجير) بالجيم!، وكذا هو في مطبوعة الثلاثة!

(2/592)


أبْوابٌ مُفَتَّحةٌ، وعلى الأبوابِ سُتورٌ مُرْخاةٌ، وعندَ رأسِ الصِراطِ داعٍ يقولُ: اسْتَقيموا على الصراطِ ولا تَعْوَجُّوا؛ وفَوْقَ ذلك داعٍ يَدْعو كلمَّا هَمَّ عبدٌ أنْ يَفْتَح شَيئاً مِنْ تلك الأبْوابِ؛ قال: وْيلَك! لا تَفْتَحْهُ، فإنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُ، فأخبر أنَّ الصِراطَ هو الإسْلامُ، وأنَّ الأبْوابَ المفَتَّحةَ محارِمُ الله، وأنَّ الستورَ المُرْخاةَ حدودُ الله، والداعي على رأسِ الصراطِ هو القرآنُ، والداعي مِنْ فوقِه هو واعِظُ الله في قلبِ كلِّ مؤمِنٍ".
ذكره رزين (1)، ولم أره في أصوله، إنما رواه أحمد والبزار مختصراً بغير هذا اللفظ، بإسناد حسن (2).

2349 - (6) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ يأخُذ منِّي هذه الكلمات فيعمَلُ بهِنَّ، أو يُعلِّمُ مَنْ يعمَلُ بهِنَّ؟ ".
فقال أبو هريرة: قلتُ: أنا يا رسولَ الله! فأخَذَ بيدي وعَدَّ خَمْساً، قال:
"
اتَّقِ المحارِمَ تكُنْ أعْبدَ الناسِ، وارْضَ بِما قسَم الله لك تكنْ أغْنى
__________
(1)
قلت: جزم الناجي بأن المؤلف وهم على رزين؛ تقليداً منه لابن الأثير في "جامع الأصول"، وأن رزيناً إنما ذكر حديثاً آخر لابن مسعود في ضرب الملائكة مثلاً للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . (184/ 2). وأنا أعتقد أن هذا الحديث إنما هو رواية لحديث النواس قبله، فإنه مشابه جداً للفظه من طريق أخرى عند الحاكم (1/ 73) وأحمد (4/ 182) والطحاوي في "مشكل الآثار". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقد خبط هنا الثلاثة المعلقون خبطات عشواء، ففي الوقت الذي عزوه لأحمد والحاكم، أوهموا أنَّه عندهما عن ابن مسعود! ثم نقلوا عن الحاكم أنه حكى عن الشيخين أنهما تركاه! وإنما قال هذا في حديث آخر عقب هذا! ثم قالوا: "وقال الذهبي: على شرط مسلم ولا علة له". وهذا هو قول الحاكم نفسه في حديثنا هذا، فقد زاغ بصرهم عندما نقلوا عن الحاكم إلى الحديث الآخر، وحينما نقلوا عن الذهبي إلى الحديث الأول! وسببه العجلة وتسويد السطور فقط، وإن مما يلفت النظر، أن الحديث الأول عند الحاكم في ثمانية أسطر، والآخر في أربعة!!!
(2)
قلت: كأنه يشير إلى حديث ابن مسعود: خط لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً. . . الحديث، فإنَّه رواه أحمد (1/ 434)، والبزار (3/ 49/ 2210 - كشف الأستار)، وسنده حسن، وهو في "المشكاة" (رقم - 166).

(2/593)


الناسِ، وأحْسِنْ إلى جارِكَ تكُنْ مُؤْمِناً، وأَحِبَّ لِلناسِ ما تُحِبُّ لِنَفْسِك تكُنْ مسْلِماً، ولا تُكثرِ الضَّحِكَ! فإنَّ كثْرةَ الضَّحِكَ تُميتُ القلْبَ".
رواه الترمذي. وقال:
"
حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع من أبي هريرة".
ورواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث واثلة عن أبي هريرة.
وتقدم في هذا الكتاب أحاديث كثيرة جداً في فضل التقوى، ويأتي أحاديث أخر. والله أعلم.

(2/594)


5 - (
الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها).
2350 - (1) [
حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَحَدٌّ يقامُ في الأرضِ؛ خيرٌ لأَهْل الأرْضِ مِنْ أنْ يُمْطَروا ثلاثينَ صباحاً".
[
صحيح] وفي رواية: قال أبو هريرة:
"
إقامَةُ حَدٍّ في الأرضِ؛ خيرٌ لأَهْلِها مِنْ مطرِ أرْبعينَ ليلةً".
[
حسن لغيره] رواه النسائي هكذا مرفوعاً وموقوفاً، وابن ماجه، ولفظه:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
حدٌّ يُعْمَلُ بهِ في الأرْض؛ خيرٌ لأَهْلِ الأرضِ مِنْ أنْ يُمْطَروا أرْبَعين صباحاً".
[
حسن لغيره] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إقامةُ حدٍّ بأرضٍ، خيرٌ لأَهْلِها مِنْ مطرٍ أرْبَعينَ صباحاً".

2351 - (2) [
حسن لغيره] وروى ابن ماجه أيضاً عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إقامة حدٍّ من حدودِ اللهِ؛ خيرٌ من مَطَرِ أربعينَ ليلةً في بلادِ اللهِ".

2352 - (3) [
حسن لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في اللهِ لومةَ لائمٍ".
رواه ابن ماجه، ورواته ثقات؛ إلا أن ربيعة بن ناجد (1) لم يروِ عنه إلا أبا صادق
__________
(1)
بالنون والجيم المكسورة والذال المعجمة، كذا قال الناجي، وبالمعجمة وقع في "التبصير"؛ خلافاً لـ "التهذيب" و"التقريب"، وغيرهما، فإنه وقع فيهما بالمهملة. وقال في "الخلاصة": "بجيم ثم مهملة". وكذا وقع في الأصل والمخطوطة. والله أعلم.

(2/595)


فيما أعلم (1).

2353 - (4) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ قريشاً أهَمَّهُم شأنُ المخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ، فقالوا: مَنْ يُكلِّم فيها رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ثُمَّ قالوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عليه إلا أُسامة بنَ زَيْدٍ حِبَّ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فكلَّمَهُ أسامَةُ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا أسامةُ! أتشْفَعُ في حدٍّ مِنْ حدودِ الله؟! "! ثمَّ قام فاخْتَطَبَ؛ فقال:
"
إنَّما هَلكَ الذين مِنْ قَبْلكُمْ أنَّهُمْ كانوا إذا سرَقَ فيهمُ الشريفُ تَركُوهُ، وإذا سرَق فيهِمُ الضعيفُ أقاموا عليهِ الحَدَّ، وايْمُ الله! لوْ أنَّ فاطمَةَ بنْتَ مُحَّمدٍ سرقَتْ لَقَطَعْتُ يَدها".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

2354 - (5) [
صحيح] وعن النعمانِ بْنِ بشيرٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مثَلُ القائمِ على (2) حدودِ الله والواقع فيها، كمَثل قومٍ اسْتَهموا على سَفينَةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسْفَلها، فكانَ الَّذَينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقُوا مِنَ الماءِ مَرّوا على مَنْ فَوْقَهَم، فقالوا: لوْ أنَّا خَرقْنا في نصيبنا خَرْقاً، ولَمْ نُؤْذِ مَنْ فوْقَنا، فإنْ تَركوهُم وما أرادوا هلَكوا جميعاً، وإنْ أخَذوا على أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعاً".
رواه البخاري -واللفظ له-، والترمذي وغيره.
وتقدمت أحاديث في الشفاعة المانعة من حدّ من حدود الله تعالى.
__________
(1)
قلت: وهذا معناه أنه مجهول العين، ولذا قال الذهبي: "لا يعرف". وأما الحافظ فقال: "ثقة"! ولا سلف له فيه إلا ابن حبان والعجلي.
(2)
الأصل: (في)، وكذا في مطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة، وهو خطأ، انظر التعليق على هذا الحديث وقد تقدم هنا (في الباب الأول).

(2/596)


6 - (
الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها، والتشديد في ذلك، والترغيب في تركه والتوبة منه).

2355 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَزني الزَّاني حينَ يَزْني وهو مؤمِنٌ، ولا يسْرِقُ السارِقُ حينَ يسرِقُ وهو مؤمِنٌ، ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشْرَبُها وهو مؤمِنٌ".
رواه البخاري والترمذي والنسائي، وزاد مسلم في رواية وأبو داود بعد قوله: "ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشْرَبُها وهو مؤمِنٌ":
"
ولكنَّ التوبَة معروضَةٌ بَعْدُ".

2356 - (2) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَعنَ الله الخمرَ وشارِبَها، وساقِيَها، ومُبْتاعَها، وبائعَها، وعاصِرَها، ومُعْتَصِرَها، وحامِلَها، والمحمولَة إلَيْهِ".
[
صحيح] رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه وزاد:
"
وآكلَ ثَمنِها".

2357 - (3) [
حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
"
لعَن رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخمرِ عَشَرةً: عاصرَها، ومُعتَصِرَها، وشاربَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليه، وساقِيَها، وبائعَها، وآكِلَ ثَمنِها، والمشترِيَ لَها، والمشتَرى لَهُ".
رواه ابن ماجه، والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث غريب".
(
قال الحافظ): "ورواته ثقات".

(2/597)


2358 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله حرَّم الخمرَ وثَمنَها، وحرَّم الميتةَ وثَمنَها، وحرَّم الخنزيرَ وثمنَه".
رواه أبو داود وغيره.

2359 - (5) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لعنَ الله اليهودَ ثلاثاً، إنَّ الله حرَّم عليهمُ الشحومَ؛ فباعوها، فأكَلوا أثْمانَها، إنَّ الله إذا حرَّم على قوْمٍ أكْلَ شيءٍ حرَّم عليهم ثمنَه".
رواه أبو داود.

2360 - (6) [
صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ! إنَّ الله لَعن الخمرَ، وعاصرَها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومبتاعَها، وساقيها، ومُسقاها".
رواه أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
[
صحيح لغيره] وتقدم في "باب الحمام" [4 - الطهارة/ 5] حديث ابن عباس عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخر فلا يشربِ الخمرَ، مَنْ كان يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ فلا يجْلِسْ على مائدةٍ يُشْرَبُ عليها الخمرُ" الحديث.
رواه الطبراني.

2361 - (7) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلُّ مُسْكِرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ، ومَنْ شرِبَ الخمرَ في الدنيا، فماتَ وهو يُدمِنُها؛ لَمْ يشْرَبْها في الآخرة".

(2/598)


رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي.
[
صحيح] والبيهقي، ولفظه في إحدى رواياته:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ شربَ الخمرَ في الدنيا ولَمْ يتُبْ؛ لَمْ يشرَبْها في الآخرة وإنْ دَخلَ الجنَّةَ".
[
صحيح] وفي رواية لمسلم قال:
"
مَنْ شرِبَ الخمرَ في الدنيا، ثُمَّ لَمْ يتُبْ منها؛ حُرِمَها في الآخرةِ".
(
قال الخطابي) ثم البغوي في "شرح السنة":
"
وفي قوله: "حُرِمَها في الآخرة" وعيدٌ بأنَّه لا يدخلُ الجنَّةَ؛ لأنَّ شَرابَ أهْلِ الجنَّةِ خمرٌ إلا أنَّهُم {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ}، ومَنْ دخَل الجنَّة لا يُحْرَمُ شرابَها" (1) انتهى.

2362 - (8) [
حسن لغيره] وفي رواية لابن حبان [يعني في حديث أبي موسى]: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يدخُلُ الجنَّةَ مُدمِنُ خمرٍ، ولا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ، ولا قاطعُ رَحِمٍ".

2363 - (9) [
صحيح لغيره] وعن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَلجُ حائطَ القُدُسِ مُدمِنُ خَمْرٍ، ولا العاقُّ، ولا المنّانُ عطاءَهُ".
رواه أحمد من رواية علي بن زيد (2)، والبزار؛ إلا أنه قال:
__________
(1)
قلت: يرد هذا زيادة البيهقي أعلاه، وهي زيادة ثابتة كما بينته في "الصحيحة" (2634)، ويشهد لها حديث أبي سعيد الذي ذكرته في التعليق على الحديث الأول من (18 - اللباس/ 5).
وقد ذهب إلى القول بها بعض الصحابة والعلماء. انظر "فتح الباري" (10/ 26 - 27).
(2)
قلت: هو ابن جدعان، ضعيف، وقال البزار: "لا نعلم رواه عنه إلا محمد بن عبد الله العمّي".
قلت: وهو لين الحديث كما في "التقريب". لكن له شاهد جيد تراه في "الصحيحة" (674).

(2/599)


"
لا يَلِجُ جِنانَ الفِرْدَوْسِ".

2364 - (10) [
صحيح لغيره] وعن ابن المنكدر قال: حُدِّثْتُ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مُدْمِنُ الخمرِ إنْ ماتَ لَقي الله كعابِد وَثَنٍ".
رواه أحمد هكذا، ورجاله رجال "الصحيح".
[
صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لَقِيَ الله مُدْمِنَ خَمرٍ؛ لَقِيَهُ كعابِدِ وَثَنٍ".

2365 - (11) [
صحيح موقوف] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنه كان يقول:
ما أُبالي شربْتُ الخمرَ أو عبدتُ هذه السارِيَةَ [من] دونِ الله [عز وجل].
رواه النسائي.

2366 - (12) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثةٌ قد حرَّمَ الله تبارك وتعالى عليهم الجنةَ: مدمنُ الخمرِ، والعاقُّ، والدّيّوثُ الذي يُقرّ في أهله الخَبَثَ".
رواه أحمد -واللفظ له-، والنسائي والبزار، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". (1)

2367 - (13) [
صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثةٌ لا يدخلون الجنةَ. . . . . . (*): الدّيّوثُ، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمنُ الخمرِ".
قالوا: يا رسول الله! أمَّا مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديّوث؟ قال:
__________
(1)
قد صح بلفظ آخر، فانظر "الصحيحة" (674).
(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مكان النقط (أبدا)، وحذفها الشيخ من هذا [الصحيح]، فقد ضعّفها، ولم يشر إليها في [الضعيف]، نبّه على ذلك الشيخ مشهور في طبعته

(2/600)


الذي لا يبالي من دخلَ على أهله".
قلنا: فما الرَّجُلَةُ من النساءِ؟ قال:
"
التي تَشَبَّهُ بالرجال".
رواه الطبراني، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، وشواهده كثيرة. [مضى 18 - اللباس/ 6 آخره].

2368 - (14) [
حسن لغيره] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اجْتَنِبوا الخَمْرَ؛ فإنَّها مِفْتاحُ كلِّ شَرٍّ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1)

2369 - (15) [
حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
"
أوْصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنْ لا تُشْرِكْ بالله شيْئاً وإنْ قُطِّعْتَ، وإنْ حُرِّقْتَ، ولا تَتْرُكْ صَلاةً مكتوبةً مُتَعَمِّداً، فَمَنْ تَركَها مُتَعمِّداً فقد بَرِئتْ منهُ الذِّمَّة، ولا تشْربِ الخمرَ؛ فإنَّها مِفتاحُ كلِّ شَرٍّ".
رواه ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عنه.

2370 - (16) [
صحيح] وعن سالم بن عبد الله عن أبيه:
أن أبا بكر وعمر وناساً جلسوا بعد وفاةِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا أعْظمَ الكبائِر، فلَمْ يكنْ عندهُمْ فيها علمٌ [ينْتَهونَ إليه]، فأرسَلوني إلى عبدِ الله بنِ عَمْروٍ أسألُه [عن ذلك]، فأخْبَرني أنَّ أعْظَمَ الكبائر شُرْبُ الخمرِ. فأتَيْتهم
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر لما يأتي، وتعقبه الثلاثة بقولهم: "قلنا (!): فيه عبد العزيز بن محمد الدراوردي؛ ضعيف"! وهذا جهل فاضح، فالرجل ثقة من رجال مسلم، وفيه كلام يسير لا يضر، والعلة من الراوي عنه (نعيم بن حماد)، لكنْ يشهد له الحديث الذي بعده، وقد حسنه الثلاثة! والبالغ غفلتهم لم يعتبروه شاهداً لحديث الدراوردي الذي ضعفوه!!

(2/601)


فأخْبَرْتُهم، فأنْكروا ذلك، وَوَثبوا إليه جمِيعاً (1) حتى أتَوْه في دارِه، فأخْبَرهُم أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ مَلِكاً مِنْ مُلوكِ بني إسرائيلَ أخَذَ رجلاً فَخيَّرهُ بينَ أنْ يَشْرَبَ الخَمْرَ، أوْ يَقْتُلَ نَفْساً، أو يَزْنيَ، أو يأْكُلَ لَحْمَ خِنْزيرٍ، أوْ يَقْتُلوه [إنْ أبى]. فاخْتارَ الخمْرَ، وإنَّه لمَّا شَرِبَ الخمرَ لَمْ يَمْتَنعْ مِنْ شَيءٍ أرادوه مِنْه".
وأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنا [حينئذ]:
"
ما مِنْ أحدٍ يشرَبُها فتُقْبَلُ له صَلاةٌ أربعينَ ليلةً، ولا يموتُ وفي مَثْناتِهِ منه شَيْءٌ إلا حُرِّمَتْ بِها عليه الجَنَّةُ، فإنْ ماتَ في أربعين ليلةً؛ ماتَ ميتةً جاهِليّةً".
رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2371 - (17) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
لما حُرِّمتِ الخمرُ مشى أصحابُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضُهم إلى بعضٍ، وقالوا: حرِّمَتِ الخمرُ، وجُعِلَتْ عِدْلاً لِلشِّرْكِ.
رواه الطبراني ورجاله رجال "الصحيح".

2372 - (18) [
صحيح لغيره] وعن أبي تميم الجيشاني؛ أنه سمع قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري -وهو على مصر- يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
من كذبَ عليّ كذبةٌ متعمداً؛ فليتبوأ مضجعاً من النار، أو بيتاً في جهنم".
__________
(1)
الأصل: "شيعاً"، والتصحيح من المخطوطة والطبراني والحاكم، والسياق له، والزيادات للطبراني، وقد خرجته في "الصحيحة" (2695).

(2/602)


. . . . . . (1).
وسمعت عبد الله بن عَمروٍ بعد ذلك يقول مثله، لم يختلف إلا في "بيتٍ أو مضجع".
رواه أحمد وأبو يعلى؛ كلاهما عن شيخٍ من حمير لم يسمياه عن أبي تميم.

2373 - (19) [
صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قَدِم مِنْ جَيْشانَ -وجَيْشانُ مِنَ اليمَنِ- فسألَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ شرابٍ يشرَبونَهُ بأرضِهم مِنَ الذُّرةِ يقال له: (المِزْرُ)؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أوَ مُسكِرٌ هو؟ ".
قال: نَعم. قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كُلُّ مسْكِرٍ حرامٌ، وإنَّ عند الله عَهْداً لِمَنْ يشرَبُ المسْكِرَ أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طينَةِ الخَبالِ".
قالوا: يا رسولَ الله! وما طينَةُ الخَبال؟ قال:
"
عَرَقُ أهْلِ النارِ، أو عُصارَةُ أهلِ النارِ".
رواه مسلم والنسائي.

2374 - (20) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
"
ثلاثَةٌ لا تقْرَبُهم الملائكةُ: الجُنُبُ، والسكْرانُ، والمتضَمِّخُ بالخَلُوقِ".
رواه البزار بإسناد صحيح. [مضى 4 - الطهارة/ 6].
__________
(1)
هنا في الأصل قوله: "وسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من شرب الخمر أتى عطشاناً يوم القيامة. . ."، فحذفتها لعدم وجود شاهد لها.

(2/603)


2375 - (21) [
صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ تركَ الخمرَ وهو يقدِرُ عليه؛ لأَسْقِيَّنهُ منه في حظيرَةِ القُدُسِ (1)، ومَنْ تركَ الحريرَ وهو يقدرُ عليه؛ لأكْسُوَنَّهُ إيَّاه في حظيرَةِ القُدُسِ".
رواه البزار بإسناد حسن. [مضى 18 - اللباس/ 5].

2376 - (22) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ سرَّه أنْ يَسْقِيَهُ الله الخمرَ في الآخِرَةِ؛ فلْيَتْرُكْها في الدنيا، ومَنْ سرَّهُ أنْ يَكْسُوَهُ الله الحريرَ في الآخرة؛ فلْيَتْرُكْهُ في الدنيا".
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات؛ إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وثق، وله شواهد.

2377 - (23) [
حسن لغيره] ورُوي عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
والذي نفسي بيده لَيَبيتَنَّ أناسٌ من أمتي على أشَرٍ وبَطَرٍ، ولَعِبٍ ولهوٍ، فيصبحوا قردةً وخنازير باستحلالهِمُ المحارمَ، واتخاذِهِمُ القَيْنَاتِ، وَشُربهُمُ الخمرَ، وبأكلِهمُ الربا، ولبسِهم الحريرَ".
رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده".
وتقدم حديث أبي أمامة في معناه [في "الضعيف" / 6 - باب/ الحديث الثالث].

2378 - (24) [
صحيح لغيره] وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه؛ أنَّه سَمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يشربُ ناسٌ مِنْ أُمَّتي الخمرَ، يُسَمُّونَها بغيرِ اسْمها، يُضرَبُ على رؤوسِهم بالمعازِفِ والقَيْناتِ، يَخسِفُ الله بِهمُ الأرْضَ، ويجْعَلُ الله منهم القِردَةَ والخنازيرَ".
__________
(1)
انظر تفسيره في التعليق المتقدم هناك.

(2/604)


رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".

2379 - (25) [
حسن لغيره] وعن عمران بن حصين رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف".
قال رجل من المسلمين: يا رسول الله! متى ذلك؟ قال:
"
إذا ظهرتِ القيانُ والمعازفُ، وشُربتِ الخمور".
رواه الترمذي من رواية عبد الله بن عبد القدوس؛ وقد وثّق، وقال:
"
حديث غريب".
وقد رُوي عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط مرسلاً.

2380 - (26) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ ماتَ مِنْ أمَّتي وهو يشربُ الخمر؛ حرَّمَ الله عليه شُرْبَها في الجنَّةِ، ومَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتي وهو يتَحلَّى الذهبَ؛ حرَّمَ الله عليه لباسَهُ في الجنَّةِ".
رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات. [مضى 18 - اللباس/ 5].

2381 - (27) [
صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ شَرِبَ الخمرَ فاجْلدوهُ، فإنْ عاد في الرابِعَةِ فاقْتُلوهُ".
رواه الترمذي.
[
حسن صحيح] وأبو داود، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا شرِبوا الخمرَ فاجْلِدُوهُمْ، ثمَّ إنْ شَرِبوا فاجْلِدوهُمْ، ثُمَّ إنْ شَرِبوا فاجْلِدُوهُم، ثُمَّ إنْ شَرِبوا فاقْتُلوهُمْ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.

2382 - (28) [
صحيح] (*) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا سَكِرَ فاجْلِدُوه، ثُمَّ إذا سَكِرَ فاجْلِدوهُ، ثُمَّ إذا سَكِرَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ
__________
(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الحكم من المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته للترغيب، وقال: «استدركناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى

(2/605)


عادَ في الرابِعَةِ فاقْتُلوهُ".
رواه أبو داود، والنسائي وابن ماجه وعندهما:
"
فإنْ عادَ الرابِعَةَ فاضْرِبوا عُنُقَهُ".
(
قال الحافظ):
"
قد جاء قتل شارب الخمر في المرة الرابعة من غير ما وجه صحيح، وهو منسوخ. والله أعلم (1) ".

2383 - (29) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ شَرِبَ الخمرَ لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تاب تابَ الله عليه، فإنْ عادَ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أربعين صباحاً، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ في الرابِعَةِ لَمْ تقْبَلْ له صَلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تابَ لَمْ يَتُبِ الله عليه (2)، وغَضِبَ الله عليه وسقَاهُ مِنْ نَهْرِ الخَبالِ" (3).
قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخبال؟ قال:
__________
(1)
قال الترمذي في "كتاب العلل": "أجمع الناس على تركه، أي أنه منسوخ. وقيل مؤول بالضرب الشديد"، وبسط السيوطي الكلام في حاشية الترمذي، وقصد به إثبات أنه ينبغي العمل به. والله أعلم. كذا في هامش الأصل.
قلت: وهو كما قال السيوطي، ولا دليل ينهض على النسخ، وكل ما استدلوا به إنما هي روايات من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لم يقتل. ومع أنه ليس فيه ما يصح كما كنت بينته في التعليق على "الروضة الندية"، فإنه إن صح منها شيء فهي لا تسخ أصل مشروعية القتل، وإنما تنسخ الوجوب، وإلى ذلك مال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/ 483)، فليراجعه من شاء.
(2)
قلت: وسبب ذلك -والله أعلم- أن توبته ليست توبة صادقة بدليل نقضه إياها كل هذه المرات، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}. وراجع له "مرقاة المفاتيح" (كتاب الحدود).
(3) (
الخبال) بفتح الخاء المعجمة: الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، وجاء هنا مفسراً بصديد أهل النار.

(2/606)


"
نهر يجري من صديد أهل النار".
رواه الترمذي وحسنه. والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
[
صحيح] ورواه النسائي موقوفاً عليه مختصراً، ولفظه:
"
مَنْ شَرِبَ الخمرَ فَلمْ يَنْتَشِ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ ما دامَ في جَوْفِهِ أو عُروقِه مِنْها شَيْءٌ، وإنْ ماتَ ماتَ كافِراً، وإنِ انْتَشى (1)؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أرْبعين يوماً، وإنْ ماتَ فيها؛ ماتَ كافِراً".

2384 - (30) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَن شَرِبَ الخمرَ فسَكِرَ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربَعينَ صباحاً، فإنْ ماتَ دخَلَ النارَ، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ فشرِب فسَكِرَ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ ماتَ دخَلَ النارَ، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ فشرِبَ فسَكِرَ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ ماتَ دخَل النارَ، فإن تابَ تابَ الله عليهِ، فإنْ عادَ الرابِعَةَ؛ كان حقّاً على الله أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبالِ يومَ القِيامَة".
قالوا: يا رسولَ الله! وما طينَةُ الخَبالِ؟ قال:
"
عُصارَةُ أهلِ النارِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح] ورواه الحاكم مختصراً ببعضه قال:
"
لا يشرَبُ الخمرَ رجلٌ مِنْ أمَّتي فَتُقْبَلُ له صلاةٌ أرْبعين صباحاً".
وقال: "صحيح على شرطهما" (2).
__________
(1) (
الانتشاء) أول السكر ومقدماته. وقيل هو السكر نفسه، والظاهر أن المراد به السكر هنا.
(2)
كذا قال، ووافقه الذهبي! وهو خطأ لأنه من رواية ابن الديلمي عن ابن عمرو واسمه عبد الله بن فيروز، وهو ثقة لكن لم يخرج له الشيخان. ومن طريقه رواه ابن حبان (1378)، =

(2/607)


2385 - (31) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ ترك الصلاةَ سُكْراً مرَّةً واحدَةً؛ فكأنَّما كانَتْ له الدنيا وما عَلْيها فَسُلِبَها، ومَنْ تركَ الصلاةَ أرْبعَ مرّاتٍ سُكْراً؛ كان حقّاً على الله أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طينَةِ الخَبالِ".
قيل وما طينةُ الخَبالِ؟ قال:
"
عُصارَةُ أهلِ جَهنَّمَ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
وروى أحمد منه:
"
مَنْ تركَ الصلاةَ سُكْراً مرَّةً واحِدةً؛ فكأَنّما كانَتْ له الدنيا وما علَيْها فَسُلِبَها (1) ".
ورواته ثقات.

2386 - (32) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا استحلَّتْ أمتي خمساً فعليهمُ الدمارُ: إذا ظهرَ التلاعنُ، وشربوا الخمورَ، ولبسوا الحريرَ، واتخذوا القيان، واكتفى الرجالُ بالرجالِ، والنساءُ بالنساءِ".
رواه البيهقي، وتقدم في لبس الحرير [18 - اللباس/ 5].
__________
=
وكذلك رواه الحاكم أيضاً (1/ 30 و257) بتمامه، وكذا أحمد (2/ 189) من طريق أخرى عن ابن عمرو به؛ وزاد: "فإن تاب لم يتب الله عليه وكان حقاً. . ." إلخ. وسنده صحيح، وكذلك رواه البزار (ق 277/ 1) وقال الحاكم (4/ 146): "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.
(1)
قلت: بل هو عند أحمد (2/ 178) بتمامه مثل رواية الحاكم. وهو مخرج في "الصحيحة" (3419)، وقد رددت هناك على الجهلة الثلاثة الذين أبوا أن يحسنوا إسناده، وحسنوه لشواهده -زعموا- ولا شاهد له، ثم لم يذكروه في كتابهم التجاري الجديد الذي أسموه "تهذيب الترغيب والترهيب من الأحاديث الصحاح"! يعنون الضعاف!! فافهم، وانتبه لجهلهم حتى بلغتهم!

(2/608)


7 - (
الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمُغِيبَة. والترغيب في حفظ الفرج).
2387 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَزْني الزاني حينَ يزْني وهو مؤمِنٌ، ولا يسْرق السارِقُ حين يسرِقُ وهو مؤمِنٌ، ولا يشرَبُ الخمرَ حين يشرَبُها وهو مؤمِنٌ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. (1)

2388 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحِلُّ دمُ امْرئٍ مسلمٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنِّي رسولُ الله؛ إلا بإحْدى ثلاثٍ: الثيِّبُ الزاني، والنفْسُ بالنفْسِ، والتارِكُ لدينِه؛ المفارِقُ لِلْجَماعَةِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

2389 - (3) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَحِلُّ دمُ امْرئٍ مسلمٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ الله، إلا في إحْدى ثلاثٍ: زِناً بعدَ إحْصانٍ؛ فإنَّه يُرْجَمُ، ورجلٌ خرَج محارِباً لله ولِرَسولِه؛ فإنَّه يُقْتَل أو يُصْلَبُ أوْ يُنْفَى مِنَ الأرْضِ، أو يَقتل نَفْساً فيُقْتَلُ بها".
رواه أبو داود والنسائي.
__________
(1)
هنا في الأصل: "وزاد النسائي في رواية: فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإنْ تاب؛ تاب الله عليه"، فحذفتها لنكارتها وتفرد يزيد بن أبي زياد القرشي بها، وهو سيئ الحفظ. وكان الأولى أنْ يقال: وزاد الشيخان في رواية: "والتوبة معروضة بعد". انظر "الصحيحة" (3000).

(2/609)


2390 - (4) [
حسن] وعن عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يا نَعايا العربِ! يا نَعايا (1) العرب! إنَّ أخْوَفُ ما أخافُ عليكُم الزِّنا، والشهوةَ الخَفِيّةَ".
رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، وقد قيّده بعض الحفاظ (الريا) بالراء والياء (2).

2391 - (5) [
صحيح] وعن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تُفْتَحُ أبوابُ السماءِ نصْفَ الليْلِ، فينادي مُنادٍ: هلْ مِنْ داعٍ فيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائلٍ فَيُعْطى؟ هَلْ مِن مَكروبٍ فيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فلا يَبْقَى مسلمٌ يدْعو بدَعْوَةٍ؛ إلا اسْتَجابَ الله عزَّ وجلَّ لَه، إلا زانِيةً تَسْعَى بِفَرْجِها أوْ عَشَّاراً".
رواه أحمد، والطبراني واللفظ له. [مضى 8 - الصدقات/ 3].

2392 - (6) [
صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
رأيتُ الليلةَ رجلَيْنِ أتَياني فأخْرَجاني إلى أرضٍ مقدَّسَةِ" -فذكر الحديث إلى أن قال:-
__________
(1)
قَال الزمخشري في (نعايا) ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون جمع (نَعيّ)، وهو المصدر، كصَفيّ وصفايا.
والثاني: أن يكون اسم جمع كما جاء في (أخية) أخايا.
والثالث: أن يكون جمع (نعاء) التي هي اسم الفعل، والمعنى: يا نعايا العرب جئن فهذا وقتكن وزمانكن، يريد أن العرب قد هلكت. كذا في "لسان العرب". وكان في الأصل "بغايا" في الموضعين! فصححته من المخطوطة وغيرها.
(2)
قلت: وهو الصواب كما بينته في "الصحيحة" برقم (508). ووقع في طبعة الثلاثة (الزنا) بالزاي والنون!

(2/610)


"
فانطلَقْنا إلى ثُقب مثلث التَّنُّورِ أعلاهُ ضَيِّقٌ، وأسفَلُه واسعٌ، يتَوقَّدُ تحتَه ناراً، فإذا ارْتَفَعَتِ ارْتَفعوا حتَّى كادوا أنْ يَخْرَجُوا، وإذا خَمَدَت رَجَعوا فيها، وفيها رِجالٌ ونساءٌ عُراةٌ" الحديث.
وفي رواية:
"
فانْطلَقْنا على مثلِ التَّنُّورِ -قال: فأَحْسبُ أنَّه كانَ يقولُ:- فإذا فيه لَغَطٌ وأصْواتٌ، قال: فاطَّلَعْنا فيه، فإذا فيهِ رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هُمْ يأتيهِم لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُم، فإذا أتاهُم ذلك اللَّهَبُ ضوضوا" الحديث، وفي آخره:
"
وأما الرِّجالُ والنساءُ العُراةُ الذين هم في مثْلِ بناءِ التَّنُّورِ، فإنَّهمُ الزُّناةُ والزَّواني".
رواه البخاري، وتقدم بطوله في "ترك الصلاة" [5 - الصلاة/ 40 آخره]. (1)

2393 - (7) [
صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
بينا أنا نائمٌ أتاني رجُلانِ فأخذا بضَبْعيَّ، فأتيا بي جَبَلاً وعراً، فقالا: اصْعَدْ. فقلتُ: إنِّي لا أُطيقُه. فقالا: إنّا سنُسَهِّلُه لك. فصعَدْتُ حتَّى إذا كنتُ في سواءِ الجَبَلِ، فإذا أنا بأصْواتٍ شديدةٍ، فقلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قالوا: هذا عُواءُ أهلِ النارِ.
ثُمَّ انْطَلقَ بي، فإذا أنا بقومٍ مُعَلَّقينَ بعَراقيبِهمْ، مُشَقَّقَةٍ أشْداقُهمُ تسيلُ أشْداقهم دَماً. قال: قلتُ: مَنْ هؤلاء؟ قيلَ: هؤلاء الذين يُفَطِرونَ قَبْل تَحِلَّةِ صوْمِهِمْ. فقالَ: خابَتِ اليهودُ والنَصارى -فقال سليم: ما أدْري أسَمِعَهُ أبو أُمامةَ مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمْ شيْءٌ مِنْ رَأْيِهِ-
__________
(1)
قلت: وإنما تقدم بالرواية الأخرى دون الأولى. وهذه عند البخاري في آخر "الجنائز" (رقم 1386 - فتح الباري). أما الجهلة الثلاثة فاكتفوا بالإحالة إلى ما تقدم!

(2/611)


ثمَّ انْطلقَ بي، فإذا أنا بقومٍ أشدَّ شيءٍ انْتِفاخاً، وأنْتنهُ ريحاً، وأسوأُهُ مَنْظراً. فقلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ فقال: هؤلاءِ قَتْلى الكُفَّارِ.
ثُمَّ انْطلَق بي، فإذا أنا بقَوْمٍ أشدَّ شيءٍ انْتفاخاً، وأنْتَنُه ريحاً، كأنَّ ريحَهُم المراحيضُ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قَال: هؤُلاءِ الزانونَ والزواني.
ثُمَّ انْطلَق بي، فإذا أنا بِنساءٍ تَنْهَشُ ثَدْيَهُنَّ الحيَّاتُ. قلتُ: ما بالُ هؤلاءِ؟
قيلَ: هؤلاءِ يَمْنَعْنَ أوْلادَهُنَّ ألبانَهُنَّ.
ثُمَّ انْطلَق بي، فإذا أنا بِغِلْمانٍ يَلْعَبون بينَ نهْرَيْنِ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟
قيل: هؤلاء ذَراري المؤمنينَ.
ثُمَّ شَرُفَ بي شَرَفاً، فإذا أنا بثَلاثًةٍ يشْرَبونَ مِنْ خَمْرٍ لهمُ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قال: هؤلاءِ جَعْفَرٌ، وزَيْدٌ، وابْنُ رَواحَةَ.
ثُمَّ شَرُفَ بي شَرَفاً آخَرَ، فإذا أنا بنَفَرٍ ثلاثَةٍ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قال: هذا إبراهيمُ، وموسى، وعيسى، وهُمْ يَنْتَظِرونَكَ".
رواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن خزيمة (1).
(
قال الحافظ): "ولا علة له".

2394 - (8) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا زَنا الرجلُ خَرجَ منهُ الإيمانُ، فكانَ عليه كالظُّلَّةِ، فإذا أقْلَعَ رجَعَ إليه الإيمانُ".
رواه أبو داود -واللفظ له-، والترمذي (2)، والبيهقي.
__________
(1)
تقدم بطرفه الأول مع التعليق والتعقيب على تخريجه فراجعه (ج 1/ 9 - الصوم/ 3).
(2)
قلت: هو عند الترمذي معلق، فراجع "الصحيحة" (509) إن شئت.

(2/612)


2395 - (9) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله:
أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتيَ برجل قد شربَ فقال:
"
يا أيها الناس! قد آن لكم أنْ تنتهوا عن حدود الله، فمن أصابَ من هذه القاذورةِ شيئاً فليستتر بسترِ الله، فإنَّه من يبدِلنَا صفحتهُ نقمْ عليه كتاب الله". وقرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}. . . (1)
ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
ذكره زين، ولم أره بهذا السياق في الأصول.

2396 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولا ينْطُرُ إليْهِمْ، ولَهُمْ عذَابٌ أَليمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ".
رواه مسلم والنسائي.
[
حسن] ورواه الطبراني في "الأوسط"، ولفظه:
"
لا ينظُرُ الله يومَ القيامَةِ إلى الشيخِ الزاني، ولا العجوزِ الزانِيَةِ".
(
العائل): الفقيرُ.

2397 - (11) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أربعةٌ يُبْغِضُهم الله: البيَّاعُ الحلافُ، والفقيرُ المُختالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائرُ".
__________
(1)
هنا في الأصل زيادة نصها: "وقال: قَرَنَ الزِّنا مع الشرك، وقال:". ولما لم أجد لها شاهداً فقد حذفتها منه مع التنبيه -خلافاً لسائر الحديث- فقد وجدت له أصلاً في بعض المصادر من حديث عبد الله بن عمر، وله شاهد في السنن من حديث ابن مسعود الآتي في الباب برقم (17).
وأما الجهلة فضعفوه واكتفوا بعزوه للبيهقي في "الشعب" مرسلاً، وليس فيه الآية وما بعدها! وهي في الحديث (17).

(2/613)


رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 16 - البيوع/ 12].

2398 - (12) [
صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ لا يَدْخلونَ الجنَّةَ: الشيخُ الزاني، والإمامُ الكذابُ، والعائلُ المزْهُوُّ".
رواه البزار بإسناد جيد.

2399 - (13) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا ينظرُ الله إلى الأُشَيْمَطِ الزاني، ولا العائل المزْهُوِّ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات؛ إلا ابن لهيعة، وحديثه حسن في المتابعات.
(
الأشيمط) تصغير (أشمط): وهو من اختلط شعر رأسه الأسود بالأبيض.

2400 - (14) [
حسن لغيره] وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا تَزالُ أمَّتي بخيرٍ ما لَمْ يَفشُ فيهم ولَدُ الزِّنا، فإذا فشا فيهم ولَدُ الزِّنا؛ فأوْشَكَ أنْ يَعُمَّهمُ الله بِعذَابٍ".
رواه أحمد، وإسناده حسن، وفيه ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع.

2401 - (15) [
حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا ظهَر الزِّنا والرِّبا في قريةٍ؛ فقد أحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ الله".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 16 - البيوع/ 19].

2402 - (16) [
حسن] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه ذكر حديثاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه:
"
ما ظَهرَ في قومٍ الزِّنا أوِ الرِّبا؛ إلا أحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ الله".
رواه أبو يعلى بإسناد جيد. [مضى هناك أيضاً].

(2/614)


2403 - (17) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الذَّنْبِ أعظَمُ عندَ الله؟ قال:
"
أنْ تجعَل لله نِدّاً وهو خَلَقَك".
قلتُ: إنَّ ذلك لَعظيمٌ. ثُمَّ أَيّ؟ قال:
"
أَنْ تَقْتُل ولَدكَ مخافَة أن يَطْعَمَ مَعَكَ".
قلتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قال:
"
أَنْ تُزانيَ حَليلَةَ جارِكَ".
رواه البخاري ومسلم.
ورواه الترمذي والنسائي، وزادا في رواية لهما: (1)
"
وتَلا هذهِ الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} ".
(
الحَليلة) بفتح الحاء المهملة: هي الزوجة.

2404 - (18) [
صحيح] وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصْحابِه:
"
ما تقولونَ في الزنا؟ ".
قالوا: حرامٌ حرَّمَهُ الله ورسولُه، فهو حرامٌ إلى يوم القِيامَةِ.
قال: فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصْحابِه:
"
لأَنْ يزنيَ الرجلُ بعشْرِ نِسْوةٍ؛ أيْسَرُ عليه مِنْ أَنْ يزْنيَ بامْرأَةِ جارِهِ".
__________
(1)
قلت: هي للشيخين أيضاً في رواية لهما.

(2/615)


رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" (1).

2405 - (19) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما رفع الحديث قال:
"
مَثل] الذي يجلسُ على فِراشِ المُغِيبَةِ؛ مثلُ الذي يَنْهَشُه أسَوَدُ مِنْ أساوِدِ يومِ القيامَةِ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات.
(
المغيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وبسكونها أيضاً مع كسر الياء: هي التي غاب عنها زوجها.
(
الأساوِد): الحيات، واحدها (أسْوَد).

2406 - (20) [
صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
حُرمَةُ نساءِ المجاهدين على القاعِدين كحُرْمَةِ أمَّهاتِهِمْ، ما مِنْ رجلٍ مِنَ القاعِدينَ يَخْلِفُ رجُلاً مِنَ المُجاهِدينَ في أهْلِه فيخونَه فيهم؛ إلا وُقِفَ لَهُ يومَ القِيامَةَ فيأْخُذُ مِنْ حَسنَاته ما شاءَ، حتَّى يَرْضَى".
ثُمَّ الْتَفَتَ إلينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
فما ظَنُّكم؟! ".
[
صحيح] رواه مسلم (2)، وأبو داود؛ إلا أنه قال فيه:
"
إلا نُصِبَ له يومَ القِيامَةِ فقيلَ: هذا قد خَلفَك في أهْلِكَ، فخذْ مِنْ حَسنَاته ما شئْتَ".
ورواه النسائي كأبي داود، وزاد:
__________
(1)
قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد"، وهو مخرج في "الصحيحة" (65).
(2)
قلت: وكذا أحمد (5/ 352)، وعنده (355) الرواية الآتية، وهذه والتي بعدها مما لم يورده الثلاثة في كتابهم الجديد الذي أسموه بـ "التهذيب"، لخصوه من طبعتهم المظلمة لـ "الترغيب"، وذلك لجهلهم بصحتهما، ولذلك اكتفوا بمجرد العزو للثلاثة المذكورين.

(2/616)


"
أتَروْنَ يَدعُ لَهُ مِنْ حَسناتِه شيئاً؟! ".

فصل
2407 - (21) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
سبعَةٌ يُظِلُّهم الله في ظلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأَ في عبادَة الله عزَّ وجلَّ، ورجلٌ قلبهُ مُعلَّقٌ بالمساجِدِ، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجْتَمعا عَليه (1) وتَفرَّقا عليه، ورجلٌ دعَتْهُ امْرأَةٌ ذاتُ مَنْصبٍ وجَمالٍ؛ فقال: إنِّي أخافُ الله، ورجلٌ تصَدَّقَ بصدَقة فأخفاها حتَّى لا تعْلَمُ شِمالُه ما تُنْفِقُ يَمينُه، ورجلٌ ذكَرَ الله خالِياً ففاضَتْ عَيْناهُ".
رواه البخاري ومسلم. [مضى 5 - الصلاة/ 10].

2408 - (22) [
صحيح] وعن ابن عمر أيضاً قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
انْطَلَق ثلاثَةُ نَفرٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكُم حتَّى أَواهم المَبيتُ إلى غارٍ، فَدخَلوهُ، فانْحَدرتْ صَخْرَة مِنَ الجبَلِ فسدَّتْ عليهمُ الغَار. فقالوا: إنَّه لا يُنَجِّيكُم مِنْ هذه الصخرةِ إلا أنْ تَدْعوا الله بصالح أعْمالِكُم. فذكر الحديثَ إلى أن قال:
قال الآخَرُ: اللَّهُمَّ كانَتْ لي ابْنَةُ عَمٍّ كانَتْ أحَبَّ الناسِ إليَّ، فأرَدْتُها على نَفْسِها، فامْتَنَعتْ منِّي. حتَّى ألمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السنين، فجاءتْني، فأعْطَيْتُها عشرينَ ومِئةَ دينارٍ على أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وبيْنَ نَفْسِها، ففَعَلَتْ حتّى إذا قَدرْتُ عليها قالتْ: لا أُحِلُّ لكَ أَنْ تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بِحَقِّه. فَتَحرَّجْتُ مِنَ الوُقوع عليها، فانْصَرفْتُ عنها، وهيَ أَحبُّ الناسِ إليَّ، وتَركْتُ الذهَبَ الذي أعْطَيْتُها. اللهُمَّ إنْ كُنتُ فعلتُ ذلك ابْتِغاءَ وجْهِكَ فافْرُجْ عنَّا ما نحنُ فيه، فانْفَرجَتِ الصخْرَةُ " الحديث.
__________
(1)
وفي نسخة: "على ذلك"، وكذا في المخطوطة.

(2/617)


رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه في "الإخلاص". [1/ 1 - أوله].

2409 - (23) [
حسن صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه، ويأتي في [22 - البر/ 1] "بر الوالدين" إنْ شاء الله تعالى.
(
أَلَمَّت) هو بتشديد الميم، والمراد (بالسَّنة): العام المقحط الذي لم تُنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل غيث أم لم ينزل، ومراده أنَّه حصل لها احتياج وفاقة بسبب ذلك.
وقوله: (تَفُضَّ الخاتم): هو كناية عن الوطء.

2410 - (24) [
حسن] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا شبابَ قرْيشٍ! احْفَظوا فروجَكُم، لا تَزْنوا، ألا مَنْ حفِظَ فَرْجَهُ؛ فلَهُ الجنَّةَ".
رواه الحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم:
"
صحيح على شرطهما" (1).
[
حسن] وفي رواية للبيهقي:
"
يا فِتْيانَ قرْيشٍ! لا تَزْنوا، فإنَّه مَنْ سَلِمَ له شَبابُهُ؛ دخَلَ الجنَّةَ".

2411 - (25) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا صلَّتِ المرأَة خَمْسَها، [وصامت شهرها]، وحَصَّنَتْ فرْجَها، وأطاعَتْ بَعْلَها، دخَلتْ مِنْ أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَتْ".
رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 17 - النكاح/ 3].
__________
(1)
كذا الأصل، وكذلك في "المخطوطة"، والظاهر أنه من أوهام المؤلف رحمه الله، فإن الذي في "المستدرك": "صحيح على شرط مسلم"، وهو الأقرب إلى حال إسناده كما بينته في "الصحيحة" (2696)، وبيض له الذهبي، وقول المعلقين الثلاثة في التعليق على الكتابين: "ووافقه الذهبي"؛ فمن جهالاتهم!

(2/618)


2412 - (26) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ يضمَنْ لي ما بينْ لحْيَيْهِ وما بينَ رِجْلَيْهِ؛ أضْمَنْ لهُ الجنَّةَ" (1).
رواه البخاري -واللفظ له-، والترمذي وغيرهما.
(
قال الحافظ):
"
المراد بما (بين لحييه): اللسان، وبما (بين رجليه): الفرج. ويحتمل حديثه أنه أراد بما بين لحييه حفظ اللسان، وأكل الحلال. و (اللحيان): هما عظما الحنك".

2413 - (27) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وقاهُ الله شرَّ ما بينَ لِحْيَيْهِ، وشرَّ ما بينَ رجلَيْهِ؛ دخلَ الجنَّةَ".
رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن".

2414 - (28) [
حسن صحيح] وعن أبي رافع رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ حَفِظَ ما بين فَقْمَيْهِ وفَخْذَيْه؛ دخَلَ الجَنَّةَ".
رواه الطبراني بإسناد جيد.
(
الفَقْمان) بسكون القاف: هما اللحيان.

2415 - (29) [
حسن صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ حَفِظَ ما بين فَقْمَيْهِ وفَرْجِهِ؛ دخَلَ الجَنَّةَ".
رواه أبو يعلى -واللفظ له-، والطبراني، ورواتهما ثقات.
وفي رواية للطبراني: قال:
قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
الأصل والمخطوطة: "تضمنت له بالجنة". والتصويب من (البخاري - الرقاق)، ولم يتنبه لهذا الخطأ المعلقون الثلاثة هنا وفي كتابهم الآخر الذي سموه "تهذيب الترغيب. ." انظر التعليق على الصفحة (608).

(2/619)


"
ألا أحدِّثُكَ ثِنتَين مَن فَعَلهُما دخَلَ الجنَّةَ؟ ".
قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
يَحفظُ الرجلُ ما بينَ فَقْمَيْهِ وما بينَ رجْلَيْهِ".

2416 - (30) [
حسن لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اضْمَنوا لي سِتّاً مِنْ أَنْفسِكُم، أضْمَنْ لَكُمُ الجنَّةَ: اصْدُقوا إذا حدَّثْتُم، وأَوْفُوا إذا وَعدْتُم، وأدُّوا إذا ائتُمِنْتُم، واحْفَظوا فروجَكُم، وغُضُّوا أبصارَكُمْ، وكُفُّوا أيْديَكم".
رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ):
"
رووه كلهم عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبادة؛ ولم يسمع منه. والله أعلم".

(2/620)


8 - (
الترهيب من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية).
2417 - (1) [
حسن] عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ على أُمَّتي عَملُ قومِ لوطٍ".
رواه ابن ماجه، والترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب".
والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2418 - (2) [
صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما نقضَ قومٌ العهدَ؛ إلا كان القتلُ بينَهم، ولا ظَهرتِ الفاحِشَةُ في قومٍ؛ إلا سلَّطَ الله عليهمُ الموْتَ، ولا مَنَع قومٌ الزكاة؛ إلا حُبِسَ عنهم القَطْرُ".
رواه الحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم"، [مضى شطره الثاني 8 - الصدقات/ 2].

2419 - (3) [
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث ابن عمر بنحوه. ولفظ ابن ماجه:
قال: أَقْبَلَ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
يا معشرَ المهاجِرينَ! خمسُ خِصالٍ إذا ابْتليتُمْ بِهنَّ وأعوذُ بالله أَنْ تُدْرِكوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الفاحِشَةُ في قومٍ قطُّ حتى يُعْلِنوا بها؛ إلا فَشا فيهمُ الطاعونُ والأوْجَاعُ التي لم تكُنْ مضَتْ في أسْلافِهِم الَّذينَ مَضَوْا" الحديث.
[
مضى هناك].

(2/621)


2420 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
". . .
ملعون من عملَ عملَ قوم لوطٍ، ملعون من عمل عملَ قوم لوطٍ، ملعون من عملَ عملَ قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من أتى شيئاً من البهائم، ملعون من عق والديه،. . .، ملعون من غَيّر حدودَ الأرض، ملعون من ادعى إلى غير مواليه".
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا مُحرز بن هارون، ويقال فيه: مُحرَّر؛ بالإهمال.
ورواه الحاكم من رواية هارون أخي محرر، وقال:
"
صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ): "كلاهما واهٍ، ولكن محرر قد حسن له الترمذي، ومشاه بعضهم، وهو أصلح حالاً من أخيه هارون، والله أعلم".

2421 - (5) [
صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لعَنَ الله مَنْ ذبَح لِغَيْرِ الله، ولعَن الله مِنْ غيَّر تُخومَ الأرضِ، ولعنَ الله مَنْ كَمَّهَ أعْمى عنِ السبيلِ، ولعنَ الله مَنْ سَبَّ والديْه، ولعنَ الله مَنْ تَولَّى غيرَ مَواليه [ولعن الله من وقعَ على بهيمة] (1). ولعنَ الله مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، -قالَهَا ثلاثاً في عَملِ قومِ لوطٍ-".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وعند النسائي آخره مكرراً.

2422 - (6) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وجَدْتُموه يعملُ عَملَ قومِ لوطٍ، فاقْتلوا الفاعِلَ والمفْعولَ بِه".
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي؛ كلهم من رواية عمرو بن أبي عمرو عن
__________
(1)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "سنن البيهقي" وغيره. وهو مخرج في "الصحيحة" (3462).

(2/622)


عكرمة عن ابن عباس. وعمرو هذا قد احتج به الشيخان وغيرهما، وقال ابن معين:
"
ثقة، ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس. يعني هذا" انتهى.

2423 - (7) [
صحيح] وروى أبو داود وغيره بالإسناد المذكور عن ابنِ عبَّاسٍ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أتى بَهيمَةً فاقْتُلوه، واقْتُلوها مَعَهُ".
(
قال الخطابي):
"
قد عارض هذا الحديث نهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل الحيوان إلا لمأكله" (1).
وروى البيهقي أيضاً وغيره عن مفضل بن فضالة عن ابن جريج عن عكرمة [عن ابن عباس] (2) عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اقْتُلوا الفاعِلَ والمفعُولَ بِه، والَّذي يأْتي البَهيمَةَ".
(
قال البغوي):
"
اختلف أهل العلم في حدِّ اللوطي، فذهب قوم إلى أنَّ حدَّ الفاعل حدُّ الزنا، إنْ كان محصناً يرجم، وإنْ لم يكن محصناً يجلد مئة. وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي. وبه قال الثوري والأوزاعي، وهو أظهر قولَي الشافعي، ويحكى أيضاً عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن. وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مئة، وتغريب عام، رجلاً كان أو امرأة، محصناً كان أو غير محصن. وذهب قوم إلى أنَّ اللوطي يرجم محصناً كان أو غير محصن".
رواه سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس.
وروي ذلك عن الشعبي. وبه قال الزهري، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق.
__________
(1) "
معالم السنن" (6/ 275). والحديث المذكور لعله رواه بالمعنى، ويعني حديث ابن عمرو المتقدم (10 - العيدين/ 4) في الترهيب من قتل العصفور، ولا تعارض كما هو ظاهر، والله أعلم.
(2)
زيادة من "الشعب" لم يستدركها مدعو التحقيق!

(2/623)


وروى حماد بن أبي سليمان (1) عن إبراهيم -يعني النخعي- قال:
"
لو كان أحد يستقيم أنْ يرجم مرتين لرجم اللوطي. والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما جاء في الحديث" انتهى.
(
قال الحافظ):
"
حَرَّق اللوطية بالنار أربعةٌ من الخلفاء: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك".
[
ضعيف] (*) وروى ابن أبي الدنيا ومن طريقه البيهقي (2) بإسناد جيد عن محمد بن المنكدر:
أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب يُنكح كما تنكح المرأة، فجمع لذلك أبو بكر أصحابَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقال علي: إنَّ هذا ذنبٌ لم تعمل به أمة إلا أمة واحدة، ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تَحرِقَهُ بالنار. فاجتمع رأيُ أصحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحرق بالنار. فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار. [قال: وقد حرقه ابن الزبير وهشام بن عبد الملك].

2424 - (8) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا ينظرُ الله عزَّ وجلَّ إلى رجلٍ أتى رجلاً أوِ امْرأَةً في دُبُرِها".
رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
الأصل والمخطوطة (حماد بن إبراهيم)، وكذا في "العجالة" (187/ 1)، وطبعة الثلاثة! والتصويب من "حديث علي الجعد" (ق 148/ 2 - مخطوطة الظاهرية). و"شعب الإيمان" (2/ 122/ 1) وكتب الرجال، واسم (أبي سليمان) مسلم الأشعري.
(2)
يعني في "شعب الإيمان" (2/ 2/121)، والزيادة الآتية منه.
قلت: ورواه في "السنن" من غير طريق ابن أبي الدنيا، وأعله بالإرسال (8/ 232).

(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا الموضع هنا - كما ترى، في صحيح الترغيب - بدون حكم، وذكر هذا الحكم [ضعيف] الشيخ مشهور في طبعته، وقال: قوله «وروى ابن أبي الدنيا. . .» إلى آخره، موجود في «صحيح الترغيب» دون حكم، وبمراجعة أصول الشيخ تبين أنه كتب عليه (ضعيف)، وقال في هامشٍ معلقا على قول الحافظ السابق: «الجزم بهذا فيه نظر، لأن الأثر منقطع»

(2/624)


2425 - (9) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
هي اللوطيَّةُ الصغْرى. يعني الرجلَ يأتي امْرأَتَهُ في دُبُرِها".
رواه أحمد والبزار، ورجالهما رجال "الصحيح". (1)

2426 - (10) [
صحيح لغيره] وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اسْتَحْيوا، فإنَّ الله لا يَسْتَحيِ مِنَ الحقِّ، ولا تأْتُوا النساءَ في أدْبارِهِنَّ".
رواه أبو يعلى بإسناد جيد.

2427 - (11) [
صحيح] وعن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إن الله لا يَسْتَحي مِنَ الحقِّ -ثلاث مرات-: لا تأتُوا النساءَ في أدْبارِهِنَّ".
رواه ابن ماجه -واللفظ له- والنسائي بأسانيد أحدها جيد.

2428 - (12) [
حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه:
أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن مَحَاشّ (2) النساءِ.
[
حسن لغيره] رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات، والدارقطني، ولفظه:
أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اسْتَحْيوا مِنَ الله؛ فإنَّ الله لا يَسْتَحْيِ مِنَ الحقِّ، لا يَحِلُّ مأْتاكَ النساءَ في حُشوشِهِنَّ".
__________
(1)
قلت: كيف وكلاهما أخرجاه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟! وكذلك رواه جمع آخر خُرجوا في "التعليق الرغيب".
(2)
جمع (مَحِشَّة)، وهي الدبر، قال الأزهري: ويقال أيضاً بالسين المهملة. كنى بـ (المحاشّ) عن الأدبار كما يكنَى بالحشوش عن مواضع الغائط. "نهاية".

(2/625)


2429 - (13) [
حسن صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لعنَ الله الذين يَأتونَ النساءَ في محاشِّهِنَّ".
رواه الطبراني من رواية عبد الصمد بن الفضل.
(
المحاشّ) بفتح الميم وبالحاء المهملة وبعد الألف شين معجمة مشددة، جمع (مَحِشة) بفتح الميم وكسرها: وهي الدبر.

2430 - (14) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أتى النساءَ في أعْجازِهِنَّ؛ فقد كَفَر".
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات.

2431 - (15) [
صحيح لغيره] وروى ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا ينظُر الله إلى رجلٍ جامعَ امْرأَتَهُ في دُبُرِها".

2432 - (16) [
صحيح لغيره] وعنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ملعونٌ مَنْ أتى امْرأَةً في دبُرِها".
رواه أحمد وأبو داود.

2433 - (17) [
صحيح] (وعنه)؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أتى حائضاً، أوِ امْرأَةً في دُبُرِها، أوْ كاهِناً فصدَّقَهُ؛ فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود؛ إلا أنه قال:
"
فقد برئ مما أنزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".

(2/626)


(
قال الحافظ):
"
رووه من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة -وهو طريف بن مجالد (1) - عن أبي هريرة. وسئل علي بن المديني عن حكيم: من هو؟ فقال: أعيانا هذا. وقال البخاري في "تاريخه الكبير": لا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة (2) ".

2434 - (18) [
حسن] وعن علي بن طلقٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا تَأْتوا النساءَ في أُسْتاهُنَّ (3) فإنَّ الله لا يَسْتَحي مِنَ الحقِّ".
رواه أحمد، والترمذي وقال:
"
حديث حسن".
ورواه النسائي وابن حبان في "صحيحه" بمعناه.
__________
(1)
الأصل: (خالد)، والتصحيح من كتب الرجال، وهو مما غفل عنه المعلقون! وإن من تمام غفلتهم، أنهم لما حذفوا في مجلدهم الذي أسموه "التهذيب" كل الأحاديث التي بين حديث ابن عباس المتقدم قبل صفحتين وبين حديث أبي هريرة هذا طبعوه كما هو: "وعنه. . ."، فرجع ضمير (عنه) إلى ابن عباس المذكور قبله في مجلدهم!!
(2)
قلت: أبو تميمة تابعي ثقة عاصر أبا هريرة، وحكيم الأثرم، ثقة أيضاً، فالإعلال المذكور غير جار على مذهب الجمهور الذي يكتفي في الاتصال على المعاصرة بشرطه المعروف، ولذلك صحح الحديث غير ما واحد، لا سيما وله طرق أخرى خرجتها في "الإرواء" (2006).
(3)
أي: أعجازهن، ويراد حلقة الدبر، وهمزته وصل، ولامه محذوفة والأصل (سَتَه) كما في "المصباح".

(2/627)


9 - (
الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق).
2435 - (1) [
صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أولُ ما يقضى بينَ الناسِ يومَ القيامَةِ في الدماء".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[
صحيح لغيره] وللنسائي أيضاً:
"
أوَّلُ ما يحاسَبُ عليه العبدُ الصلاةُ، وأنَّ أوَّلَ ما يُقْضى بين الناسِ في الدماءِ".

2436 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اجْتَنِبوا السبعَ الموِبقاتِ".
قيلَ: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال:
"
الشركُ بالله، والسِحْرُ، وقتلُ النفْسِ التي حرَّمَ الله إلا بالحَقِّ، وأكلُ مالِ اليَتِيمِ، وأكلُ الرِّبا، والتولِّي يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المؤْمِنَاتِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
(
الموبقات): المهلكات. [مضى 16 - البيوع/ 19].

2437 - (3) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لنْ يزالَ المؤمن في فُسْحَةٍ من دينِه ما لَمْ يُصِبْ دَماً حراماً".
وقال ابن عمر: مِنْ وَرْطاتِ الأمورِ التي لا مَخْرَج لِمَنْ أوْقَعَ نَفْسَه فيها؛ سَفْكُ الدمِ الحَرامِ بغيرِ حِلِّهِ.

(2/628)


رواه البخاري، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".
(
الورْطات): جمع ورطة بسكون الراء: وهي الهلكة، وكل أمر تعسر النجاة منه.

2438 - (4) [
صحيح لغيره] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لزَوالُ الدنيا؛ أهْوَنُ على الله مِنْ قتلِ مؤمنٍ بغيرِ حقٍّ".
رواه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه البيهقي والأصبهاني، وزاد فيه:
"
ولوْ أَنَّ أهلَ سماواتِه وأهلَ أرضهِ اشْتَركوا في دَمِ مؤْمِنٍ؛ لأدْخَلَهُم الله النارَ".
[
صحيح لغيره] وفي رواية للبيهقي:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَزوالُ الدنيا جميعاً؛ أهْوَنُ على الله من دمٍ يُسفَكُ بغيرِ حَقٍّ".

2439 - (5) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لَزوالُ الدنيا؛ أهْوَن على الله مِنْ قتلِ رجلٍ مسْلمٍ".
رواه مسلم (1) والنسائي، والترمذي مرفوعاً وموقوفاً، ورجح الموقوف.

2440 - (6) [
حسن صحيح] وروى النسائي، والبيهقي أيضاً من حديث بريدة قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قتلُ المؤْمِنِ أعظَمُ عند الله مِنْ زَوالِ الدنيا".
__________
(1)
عزوه لمسلم خطأ من المؤلف، قلّده فيه المناوي ثم الشيخ القرضاوي كما كنت نبهت عليه في "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" (رقم 437). ثم رأيت الناجي قد سبقني إلى التنبيه إلى ذلك، فقال في "العجالة" (187/ 1 - 2):
"
هذه اللفظة مقحمة بلا تردد، ويتعين حذفها فليس الحديث في مسلم بلا خلاف. . .".

(2/629)


2441 - (7) [
صحيح لغيره] وروى [و] (1) ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال:
رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطوفُ بالكَعْبَةِ ويقول:
"
ما أطْيَبَكِ، وما أطْيَبَ ريحَك؟ ما أعْظَمكِ وما أعْظَمَ حُرْمَتكَ. والذي نفسُ محمَّدٍ بيده لحرمَةُ المؤمِنِ عند الله أعْظَمُ حرمةً منكِ (2)؛ مالُه ودَمُهُ [وأن تظن به إلا خَيراً] ".
اللفظ لابن ماجه.

2442 - (8) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو أنَّ أهلَ السماءِ وأهل الأرضِ اشْتَركوا في دَمِ مؤْمنٍ؛ لأَكبَّهُم الله في النارِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

2443 - (9) [
صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الصغير" من حديث أبي بكرة عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو أنَّ أهلَ السمواتِ والأرضِ اجْتَمعوا على قَتْلِ مسلمٍ؛ لكَبَّهُم الله جميعاً على وُجوهِهِمُ في النارِ".
__________
(1)
سقطت الواو من الأصل ومطبوعة عمارة، واستدركتها من المخطوطة "والعجالة" (2/ 187) والمراد بالمعطوف عليه؛ البيهقي، كما استظهره الناجي، وبه يستقيم قوله الآتي: "اللفظ لابن ماجه" كما لا يخفى، وإلا كان لغواً لا فائدة منه. ولكني لم أجده عند البيهقي إلا في "الشعب"، ومن حديث ابن عباس، وإسناده حسن كما حققته في "الصحيحة" (3420).
(2)
الأصل والمخطوطة ومطبوعة الثلاثة: "من حرمتك"، والتصحيح من "ابن ماجه" (3932)، والزيادة منه، ومع أنَّ الحافظ الناجي قد نبه عليها وقال (ق 187/ 2): "لابد منها، وقد أسقطها المصنف"، مع ذلك لم يستدركها الثلاثة!!

(2/630)


2444 - (10) [
صحيح لغيره] وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنِ اسْتَطاع منكُمْ أنْ لا يحولَ بيْنَه وبيْن الجَنَّةِ ملءُ كفٍّ مِنْ دمِ امْرئٍ مسلم أن يُهرِيقه كما يَذْبَحُ به دجاجَةً، كلَّما تَعرَّضَ لِبابٍ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ حالَ الله بينَهُ وبينَه، ومَنِ اسْتَطاع منكم أنْ لا يَجْعلَ في بُطْنِه إلا طَيِّباً؛ فلْيَفْعَلْ؛ فإنَّ أوَّل ما يُنْتِنُ مِنَ الإنْسانِ بطْنُهُ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات، والبيهقي مرفوعاً هكذا، وموقوفاً وقال:
"
الصحيح أنه موقوف" (1).

2445 - (11) [
صحيح لغيره] وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلّ ذنبٍ عسى الله أنْ يَغْفِرَه؛ إلا الرجلَ يموتُ كافِراً (2)، أو الرجلَ يقتُل مؤمِناً مُتَعمِّداً".
رواه النسائي، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2446 - (12) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
كلُّ ذنبٍ عسى الله أنْ يَغْفِرَهُ؛ إلا الرجلَ يموتُ مُشْرِكاً، أوْ يقتلُ مؤمِناً متَعمِّداً".
__________
(1)
قال الناجي: "كذا رواه البخاري موقوفاً بمعناه، بتقديم وتأخير، وعنده: "أن لا يحال بينه وبين الجنة بملءِ دم أهراقه فليفعل"، ولفظ البيهقي أتم".
(2)
أي: فإنه لا يغفره أصلاً. (أو الرجل. . .) أي: ذنب الرجل، فإنه لا يغفره بلا سابق عقوبة.

(2/631)


رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2447 - (13) [
صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّه سأَله سائلٌ فقال:
يا أبا العبَّاسِ! هل للْقاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقال ابْن عبّاسٍ كالمُعْجَبِ مِنْ شَأْنِهِ: ماذا تقول؟! فأعادَ عليه مسْأَلَتُه. فقال: ماذا تقولُ؟! مرَّتين أو ثلاثاً. [ثم] قال ابْنُ عبَّاسَ:
[
أنَّى له التَوبَةُ!] سمعتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يأتي المقتولُ مُتَعلِّقاً رأسَه بإحْدى يَدَيْه، مُتَلبِّباً قاتِلَه باليدِ الأخْرى، تَشخَبُ أوْداجُه دَماً، حتَّى يأتيَ بِه العَرْشَ، فيقولُ المقتولُ لِربِّ العالمينَ: هذا قتَلني. فيقولُ الله لِلْقاتِلِ: تَعِسْتَ (1) وُيذْهَبُ بِه إلى النارِ".
رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في: "الأوسط"، ورواته رواة "الصحيح"، واللفظ له (2).

2448 - (14) [
صحيح لغيره] ورواه فيه أيضاً (3) من حديث ابن مسعودٍ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يَجيءُ المقْتولُ آخِذاً قاتِلَهُ وأوْداجُه تَشْخَبُ دماً عند ذي العِزَّةِ، فيقولُ: يا ربِّ! سَلْ هذا فيمَ قَتَلني؟ فيقولُ: فيمَ قتَلْتَهُ؟ قال: قَتَلْتُه لِتكُونَ العِزَّةُ لِفْلانٍ. قيلَ: هِيَ لله".
__________
(1)
بفتح العين، وعليه اقتصر الجوهري وغيره. ورجحه بعضهم. وفيها لغة أخرى: كسر العين، وعليها جمع. واختصار الفراء: أنْ يقال للمخاطب: (تَعَسْت) بفتحها، وللغائب (تعِس) بكسرها، أفاده الناجي.
(2)
قلت: وفي "الكبير" أيضاً، ومنهما الزيادتان، وهو مخرج في "الصحيحة" (2697).
(3)
أي: "الأوسط"، وفاته أنه عند النسائي وغيره بأتم منه وأصح إسناداً، وقلده الهيثمي فأورده في "المجمع" خلافاً لشرطه. انظر "الصحيحة" (2698).

(2/632)


2449 - (15) [
صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا أصْبَح إبليسُ بَثَّ جُنودَه فيقولُ: مَنْ أَخْذَلَ اليومَ مُسلماً أُلبِسُه التاجَ، قال: فيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزَلْ به حتَّى طَلَّق امْرأَتَهُ، فيقول: أوْشَكَ أنْ يتَزَوَّجَ. وَيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزلْ به حتى عقَّ والدَيه، فيقولُ: يوشِكُ أنْ يَبرَّهُما. وَيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزَلْ به حتّى أَشْرَكَ، فيقولُ: أَنْتَ أَنْتَ. وَيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزَلْ به حتى قَتَل. فيقول: أَنْتَ أَنْتَ، ويُلْبِسُه التاجَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

2450 - (16) [
صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ قَتَل مؤْمِناً فاغْتَبطَ (2) بقَتْلِه؛ لَمْ يَقْبَلِ الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً".
رواه أبو داود. ثم روى عن خالد بن دهقان: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: "فاغْتَبَطَ بقتله"، قال:
"
الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أحدهم أنه على هدى، لا يستغفر الله [يعني من ذلك] ".
(
الصرف): النافلة. و (العدل): الفريضة. وقيل: غير ذلك، وتقدم فيمن أخاف أهل المدينة. [11 - الحج/ 16].
__________
(1)
قلت: فاته الحاكم وقال (4/ 350): "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" (1280).
(2)
الأصل: (فاعتبط) بالعين المهملة، والتصويب من المخطوطة و"سنن البيهقي" وما يأتي، ووقع في بعض نسخ (أبي داود) بالعين المهملة. قال الناجي:
"
تفسير الراوي الآتي يدل على أنه من (الغبطة) بالغين المعجمة، وهو الفرح والسرور، لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، وإذا كان المقتول مؤمناً وفرح بقتله دخل في هذا الوعيد. كذا نقله المصنف في حواشي "مختصر السنن"، ثم نقل عن الخطابي أن اللفظة (اعتبط) بالعين المهملة وقال: يريد أنه قتله ظلماً لا عن قصاص".

(2/633)


2451 - (17) [
حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يخرُجُ عُنقٌ (1) مِنَ النار يتكَلَّمُ يقولُ: وُكِّلتُ اليوم بثَلاثَةٍ: بكلِّ جَبَّارٍ عنيدٍ، وَمَنْ جعلَ مع الله إلهاً آخَر، ومَنْ قَتَل نَفْساً بغيرِ حقٍّ، فَينْطَوي عليهِم، فيقْذِفُهُم في غمرات (2) جَهَّنمَ".
رواه أحمد.
ورواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح.
وقد روي عن أبي سعيد من قوله موقوفاً عليه.

2452 - (18) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رائِحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها يوجَدُ مِنْ مسيرَةِ أربعين عاماً".
رواه البحاري، واللفظ له.
__________
(1) (
العنق): الرقبة، وهو مذكر، والحجاز تؤنث؛ فيقال: هي العنق، والنون مضمومة للاتباع في لغة الحجاز. وساكنة في لغة تميم.
(2)
الأصل: (حمراء)، والتصويب من "المسند" (3/ 40) وغيره، وهو مما غفل عنه الجاهلون المتعالمون المتشبعون بما لم يعطوا، فقد تعقبوا قول المؤلف -وتبعه الهيثمي (10/ 392) - ". . رواة أحدهما رواة الصحيح" بقولهم: "قلنا: (!) في إسناد الجميع عطية العوفي وهو ضعيف"! وكذبوا، فليس هو في أحد إسنادي الطبراني، ولا هو من مراجعهم، وهم أضعف من ذلك! وإنما علته من شيخ الطبراني كما تراه مشروحاً في المجلد السادس من "الصحيحة" (2699)، وقد صدر حديثاً، ولكنَّهم لما رأوا عطية في "المسند" ظنوا لبالغ جهلهم أنه في إسناد الطبراني أيضاً!! وقريب من هذه الغفلة قول المعلق على "مسند أبي يعلى" (2/ 375) بعد أن أعله بضعف عطية: "ولكن يشهد له حديث أبي هريرة. . عند الترمذي. . "، ولم يسق متنه. وهذا الإطلاق خطأ، لأنه ليس في حديث أبي هريرة جملة القتل كما سترى فيما يأتي (23 - الأدب/ 33 آخره)، وهو مخرج أيضاً في "الصحيحة" (رقم 512) مصححاً.

(2/634)


[
صحيح] والنسائي؛ إلا أنه قال:
"
مَنْ قتَل قَتيلاً مِنْ أهلِ الذِّمَّةِ".
(
لَمْ يَرَحْ) بفتح الراء، أي: يجد ريحها ولم يشمها.

2453 - (19) [
صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ قَتَل معاهَداً في غير كُنْهِهِ؛ حَرَّم الله عليهِ الجنَّةَ".
رواه أبو داود.
[
صحيح] والنسائي وزاد:
"
أنْ يَشُمَّ ريحَها".
[
صحيح] وفي رواية للنسائي قال:
"
مَنْ قَتَل رجُلاً مِنْ أهلِ الذمَّةِ؛ لمْ يَجِدْ ريحَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَةِ سبعينَ عاماً".
[
صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال:
"
مَنْ قتَل نَفْساً معَاهَدةً بغيرِ حَقِّها؛ لَمْ يَرَحْ رائِحةَ الجنَّةِ، وإنْ ريحَ الجنَّةِ لتوجَدُ مِنْ مسيرَةِ مئةِ عامٍ".
(
في غير كنهه): أي في غير وقته الذي يجوز قتله فيه حين لا عهد له.

(2/635)


10 - (
الترهيب من قتل الإنسان نفسه).
2454 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ تَردَّى مِنْ جَبلٍ، فقتلَ نفسَه؛ فهو في نارِ جهنَّمَ، يتردَّى فيها خالداً مُخَلَّداً فيها أبَداً، ومَنْ تَحسَّى سُمّاً، فقتَل نفْسَه؛ فسُمُّه في يدِه يتَحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالِداً مُخلَّداً فيها أَبَداً، ومَنْ قتلَ نفسه بحديدةٍ؛ فحَديدتُه في يدهِ يتَوجَّأ بِها في نارِ جَهنَّم خالدِاً مخلداً فيها أبَداً".
رواه البخاري ومسلم، والترمذي بتقديم وتأخير، والنسائي.
[
صحيح لغيره] ولأبي داود:
"
ومَنْ حَسا سُمَّاً؛ فسُمُّه في يدهِ يتَحسَّاه في نارِ جَهنَّمَ".
(
تَردَّى) أي: رمى بنفسه من الجبل أو غيره فهلك.
(
يتَوَجَّأُ بها) مهموزاً؛ أي: يضرب بها نفسه.

2455 - (2) [
صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الذي يَخنُقُ (1) نفْسَهُ؛ يخْنُقها في النارِ، والذي يطعَنُ نفْسَه؛ يطعَنُ نفْسَهُ في النارِ، والذي يَقْتَحِمُ؛ يَقْتَحِمُ في النارِ".
رواه البخاري. (2)
__________
(1)
بضم النون. و (يطعن) بفتح العين وضمها. وإنما كان الخنق والطعن في النار لأن الجزاء من جنس العمل. والله أعلم.
(2)
قلت: جملة التقحم ليست عند البخاري، وقد نبه على ذلك الحافظ الناجي، ومع ذلك لم يتنبه لها المعلقون الثلاثة، ولا غرابة، فهي شنشِنة. . ولكن الغرابة أن الحافظ مر عليها، ولم يعزها لأحد، وقد رواها أحمد وغيره بهذا التمام بسند صحيح، كما بينته في "الصحيحة" (3421)، ويشهد لها عموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ومن قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة"، ويأتي في حديث ثابت بن الضحاك الآتي بعد حديثين.

(2/636)


2456 - (3) [
صحيح] وعن الحسن البصري قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، فما نسينا منه حديثاً، وما نخاف أنْ يكون جندب كذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
كان برجلٍ جراحٌ (1) فقتلَ نفسَهُ، فقالَ اللهُ: بَدَرَني عبدي بنفسه، فَحَرَّمْتُ عليه الجنةَ".
[
صحيح] وفي رواية: قال:
"
كان فيمن كانَ قبلَكم رجلٌ به جرحٌ، فجزعَ، فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقأَ الدم حتى مات، فقال الله: بادرني عبدي (2) بنفسه" الحديث.
[
صحيح] رواه البخاري، ومسلم ولفظه: قال:
"
إنَّ رجلاً كانَ مِمَّنْ كان قبْلَكم خرَجَتْ بوجْهِهِ قُرْحَةٌ، فلمَّا آذتْهُ انْتزَع سَهْماً مِنْ كنانَتِه فَنَكَأَها، فَلَمْ يَرْقَأِ الدمُ حتّى ماتَ، قال ربُّكُمْ: قد حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ".
(
رقَأَ) مهموزاً أي: جف وسكن جريانه.
(
الكِنَانَة) بكسر الكاف: جعبة النشاب.
(
نكَأَها) بالهمز أي: نخسها وفجرها.

2457 - (4) [
صحيح لغيره] وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً كانتْ بِه جَراحَةٌ، فأتى قَرَناً له، فأَخذ مشْقصاً فذَبَح به نفْسَه،
__________
(1)
الجراح بكسر الجيم. ويروى (خراج) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء؛ وهو في اصطلاح الأطباء الورم إذا اجتمع مادته المتفرقة في ليف العضو الورم إلى تجويف واحد وقبل ذلك يسمى ورماً.
(2)
معنى (المبادرة) عدم صبره حتى يقبض الله روحه حتف أنفه. يقال: بدرني: أي سبقني، من بدرت الشيء أبدر بدوراً، إذا أسرعت، وكذلك بادرت إليه.

(2/637)


فلَمْ يُصِلِّ عليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه ابن حبان في "صحيحه".
(
القَرَن) بفتح القاف والراء: جعبة النشاب.
و (المِشْقَص) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف: سهم فيه نصل عريض. وقيل: هو النصل وحده. وقيل: سهم فيه نصل طويل. وقيل: النصل وحده.
وقيل: هو ما طال وعرض من النصال.

2458 - (5) [
صحيح] وعن أبي قلابة؛ أنَّ ثابتَ بْنَ الضحَّاكِ أخبره:
أنه بايَعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحتَ الشَّجرة، وأنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ حلفَ على يمينٍ بِمِلَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كاذِباً مُتَعمِّداً؛ فهوَ كما قالَ.
ومَنْ قَتَل نفْسَه بشيْءٍ عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ، وليسَ على رجلٍ نَذْرٌ فيما لا يَمْلكُ، ولَعْنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رَمى مؤمِناً بكُفْرٍ فهو كَقَتْلِهِ، ومَنْ ذَبَح نَفْسَهُ بشيءٍ؛ عُذِّبَ به يومَ القيامةِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليسَ على المرْءِ نذرٌ فيما لا يملِكُ، ولاعِنُ المؤْمِنِ كقاتِلِه، ومَنْ قذفَ مؤْمِناً بكفْرٍ فهو كقاتِلِه، ومَنْ قتلَ نفْسَهُ بشيْء؛ عذَّبَهُ الله بما قتَلَ به نَفْسَه يومَ القِيامَةِ".

2459 - (6) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَقى هو والمشْرِكونَ فاقْتَتَلوا، فلمَّا مالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عَسْكَرِه، ومال الآخرون إلى عَسْكَرِهِمْ، وفي أصْحابِ رسولِ الله

(2/638)


-
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ لا يَدعُ لهم شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا أتْبَعها يضْرِبُها بسيْفِهِ. فقالوا: ما أجْزَأَ مِنَّا اليومَ أحدٌ كما أجْزَأَ فلانٌ! فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَا إنَّهُ مِنْ أهْلِ النارِ".
وفي رواية:
"
فقالوا: أيُّنا مِنْ أهْلِ الجنَّةِ إنْ كان هَذا مِنْ أهلِ النارِ؟ فقال رجلٌ مِنَ القومِ: أنا أُصاحِبُه أبَداً. قال: فَخرجَ معه، كلَّما وقَف وقَفَ معَهُ، وإذا أسْرَعِ أسْرعَ مَعهُ، قال: فجُرِحَ الرجلُ جُرْحاً شَديداً فاسْتَعْجلَ الموْتَ، فوضَعَ سَيْفه بالأرْضِ وذُبَابَهُ بينَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحامَلَ على سَيْفِه فَقتَل نَفْسَهُ! فَخرَج الرجُلُ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الله. قال:
"
وما ذاك؟ ".
قال: الرجلُ الذي ذكَرْتَ آنِفاً أنَّه مِنْ أهْلِ النارِ، فأعْظَمَ الناسُ ذلك، فقلتُ: أنا لَكُمْ بِه. فخرجْتُ في طَلَبِهِ حتى جُرِحَ جُرْحاً شديداً، فاسْتَعْجَل الموْتَ، فوضَع نَصْلَ سيْفِه بالأرضِ، وذُبَابَة بين ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تحامَل عليه فقَتَل نفْسَهُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الرجلَ لَيعملُ عملَ أهلِ الجنَّةِ فيما يَبْدو للِنَّاسِ، وهو مِنْ أهل النارِ، وإنَّ الرجُلَ ليَعملُ عملَ أهلِ النار فيما يَبْدو للِنَّاسِ، وهو مِنْ أهْلِ الجنَّةِ".
رواه البخاري ومسلم.
(
الشاذَّة): بالشين المعجمة.
(
والفاذَّة): بالفاء وتشديد الذال المعجمة فيهما: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق الجماعة وانفرد عنها.

(2/639)


11 - (
الترهيب من أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلماً، أو ضربه، وما جاء فيمن جرّد ظهر مسلم بغير حق).
[
لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].

12 - (
الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم، والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم).
2460 - (1) [
صحيح لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ رجلٍ يُجْرَحُ في جَسدهِ جِراحةً فيتصدَّقُ بها؛ إلا كَفَّر الله تبارَك وتعالى عنه مِثْلَ ما تصَدَّقَ به".
رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح".

2461 - (2) [
حسن لغيره] وعن رجُلٍ مِنْ أصْحابِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (1) قال:
"
مَنْ أُصيبَ بشيْءٍ في جَسدِه، فَتركَهُ لله عزَّ وجَلَّ؛ كان كَفَّارةً له".
رواه أحمد موقوفاً من رواية مجالد.

2462 - (3) [
صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثٌ -والَّذي نفسي بيده- إنْ كنتُ لَحالِفاً عليهنَّ: لا يَنْقُصُ مالٌ مِنْ
__________
(1)
سقطت من الأصل والمخطوطة، و"المجمع" وتفسير ابن كثير، والظاهر أنها غير ثابتة في نسخة المؤلف وغيره من "المسند"، وهي ثابتة في المطبوعة منه، وهو الأقرب، والله أعلم.

(2/640)


صدَقةٍ، فتصدَّقوا، ولا يَعْفُو عبدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ؛ إلا زادَهُ الله بها عِزّاً يومَ القيامَةِ، ولا يَفْتَحُ عبدٌ بابَ مسْأَلَةٍ، إلا فَتح اللهُ عليهِ بابَ فَقْرٍ".
رواه أحمد، وفي إسناده رجل لم يسمَّ، وأبو يعلى والبزار، وله عند البزار طريق لا بأس بها.

2463 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ثلاثٌ أُقسِمُ عليهِنَّ، وأحدِّثُكُم حديثاً فاحْفَظوه". قال:
"
ما نقصَ مالُ عبدٍ مِنْ صدَقةٍ، ولا ظُلِمَ عبدٌ مَظْلَمةٌ صبرَ عليها؛ إلا زادَهُ الله عِزّاً، فاعْفوا يُعِزِّكمُ الله، ولا فَتَح عبدٌ بابَ مسْأَلَةٍ؛ إلا فتَحَ الله عليه بابَ فَقْرٍ، أو كلِمةٌ نَحْوُها. . " الحديث.
رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وقال:
"
حديث حسن صحيح". [مضى 1 - الإخلاص/ 1].

2464 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما نقَصتْ صدقةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْداً بعَفْوٍ إلا عزّاً، وما تَواضع أحدٌ لله؛ إلا رفَعَهُ الله عزَّ وجلَّ".
رواه مسلم والترمذي. [مضى 8 - الصدقات/ 9].

2465 - (6) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ارْحَموا تُرْحَموا، واغْفِرُوا يُغْفَرْ لكُم". [مضى 20 - القضاء/ 10].
رواه أحمد بإسناد جيد.

(2/641)


2466 - (7) [
صحيح لغيره] وفي رواية له من حديث جرير بن عبد الله: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لا يَرْحمِ الناسَ لا يَرْحَمْهُ الله، ومَنْ لا يَغْفِرْ لا يُغْفَرْ لَهُ".

2467 - (8) [
صحيح لغيره] وعن علي رضي الله عنه قال:
وجدنا في قائمِ سيف رسول الله:
"
اعف عمن ظلَمَك، وصِلْ من قطعَك، وأحْسِنْ إلى من أساءَ إليك، وقُلِ الحقَّ ولو على نفسِك".
ذكره رزين العبدري، ولم أره (1)، ويأتي أحاديث من هذا النوع في [22 - البر/ 3] "صلة الرحم".

2468 - (9) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها:
أنها سُرِقَ منها شيءٌ، فجعلت تدعو عليه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تُسبّخي عنه".
رواه أبو داود.
ومعنى (لا تسبخي عنه)؛ أي: لا تخففي عنه العقوبة، وتنقصي من أجرك في الآخرة بدعائك عليه (2).
و (التسبيخ): التخفيف، وهو بسين مهملة، ثم باء موحدة وخاء معجمة.
__________
(1)
لقد وجدته -والحمد لله- من حديث علي في بعض المصادر العزيزة المخطوطة، بإسناد صحيح عنه، وهو في "الصحيحة" (1911)، لكن ليس فيه جملة العفو، لكن لها شواهد أحدها عن عقبة، وأحد طرقه صحيح، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (2861). وسيأتي في (22 - البر/ 3).
(2)
وفي "النهاية": أي: "لا تخفي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة".

(2/642)


13 - (
الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب، والإصرار على شيءٍ منها).
2469 - (1) [
حسن] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ العبْدَ إذا أخْطأَ خطيئةً نُكِتَتْ في قلبِه نُكْتَةٌ سوْداءُ، فإنْ هو نَزعَ واسْتَغْفَر صُقِلَتْ، فإنْ عادَ زِيدَ فيها حتى تَعْلوَ قلبَه، فهوَ (الران) الذي ذكَر الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".
والحاكم من طريقين قال في أحدهما:
"
صحيح على شرط مسلم". [مضى 15 - الدعاء/ 16].
(
النُّكْتَةُ) بضم النون وبالتاء المثناة فوق: هي نقطة شبه الوسخ في المرآة.

2470 - (2) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إيَّاكمْ ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ، فإنَّهنُ يَجْتَمِعْن على الرجل حتَّى يُهْلكْنَهُ".
وأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب لَهُنَّ مَثَلاً: "كَمثَلِ قومٍ نَزلوا أرضَ فَلاةٍ، فحضَر صنيعُ القومِ (1)، فجعلَ الرجلُ ينْطَلِقُ فيجيءُ بالعودَ، والرجلُ يجيءُ بالعودِ، حتى جَمعَوا سَواداً، وأجَّجوا نَاراً، وأَنْضَجوا ما قَذَفوا فيها".
رواه أحمد والطبراني والبيهقي؛ كلهم من رواية عمران القطان، وبقية رجال أحمد
__________
(1)
أي: طعامهم. وقوله: (سواداً) أي: شخصاً يبين من بُعد.

(2/643)


والطبراني رجال "الصحيح" (1).
[
صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى بنحوه من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه، وقال في أوله:
"
إنَّ الشيطانَ قد يئسَ أنْ تُعبدَ الأصنامُ في أرضِ العَربِ، ولكنَّه سيَرْضَى منكم بدونِ ذلك بالمحقِّراتِ، وهي الموِبقاتُ يومَ القِيامَةِ" الحديث.
رواه الطبراني والبيهقي موقوفاً عليه. [مضى 20 - القضاء/ 5].

2471 - (3) [
صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إيَّاكمْ ومحقَّراتِ الذنُوبِ، فإنَّما مثَلُ محقراتِ الذنُوبِ؛ كمَثَلِ قومٍ نزَلوا بطْنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعودٍ، وجاءَ ذا بعودٍ، حتى جَملُوا (2) ما أنْضَجوا بهَ خُبْزَهُم، وإنَّ محقِّراتِ الذنوبِ متى يُؤْخَذْ بها صاحِبُها تُهْلِكْهُ".
رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح " (3).

2472 - (4) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يا عائشةُ! إيَّاك ومحقَّراتِ الذنوبِ؛ فإنَّ لها مِنَ الله طالِباً".
رواه النسائي -واللفظ له- وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال:
"
الأعمال" بدل: "الذنوب".
__________
(1)
كذا قال، وفيه أيضاً عبد ربه بن أبي يزيد، وليس من رجال "الصحيح"، وفيه جهالة كما كنت بينته في رسالتي "خطبة الحاجة"، لكن الحديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(2)
هو بالجيم أي: جمعوا. "عجالة".
(3)
قلت: وهو كما قال، لكن اللفظ ليس لأحمد وإن تبعه الهيثمي كعادته، وإنما هو للبيهقي في "الشعب" (2/ 384/ 1)؛ إلا أنه قال: (جمعوا) مكان (جملوا)، وكذا في "المعجم الصغير" (رقم - 351 - الروض)، و"الأوسط" (7459). ورواه في "الكبير" (5872) بلفظ الكتاب حرفياً؛ فكان ينبغي عزوه إليه.

(2/644)


2473 - (5) [
صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال:
إنَّكُم لتَعمَلونَ أعْمالاً هي أدَقُّ في أعْيُنِكم مِنَ الشَّعَرِ، [إنْ] (1) كنَّا لَنَعُدُّها على عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الموبِقاتِ. يعني المهْلكاتِ.
رواه البخاري وغيره.

2474 - (6) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ بإسناد صحيح.

2475 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لوْ أنَّ الله يؤاخِذُني وعِيسى بِذُنوبنا لعَذَّبَنا، ولا يَظْلمُنا شَيْئاً". قال: وأشارَ بالسبَّابَةِ والتي تَليها.
وفي رواية:
"
لوْ يُؤاخِذُني الله وابْنَ مَرْيَمَ بما جَنَتْ هاتانِ -يعني الإبْهامُ والتي تليها- لَعذَّبَنا، ثُمَّ لَمْ يَظْلِمْنا شَيْئاً".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

2476 - (8) [
حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لوْ غُفِرَ لكُم ما تَأْتونَ إلى البهائِمِ؛ لَغَفرَ لَكُمْ كَثيراً".
رواه أحمد والبيهقي مرفوعاً هكذا.
ورواه عبد الله في "زياداته" موقوفاً على أبي الدرداء. وإسناده أصح، وهو أشبه. (2)
__________
(1)
سقطت من الأصل، واستدركتها من البخاري (6492) وأحمد أيضاً (3/ 157).
وأما الثلاثة المحققون فهم مستمرون في إهمالهم التحقيق، هنا وفي "تهذيبهم" أيضاً، بل هو نسخة طبق الأصل، مع الاختصار الشديد المخل!!
(2)
كذا قال! وتبعه المناوي، والعكس هو الصواب، وبيانه في "الصحيحة" (514). وأما الهيثمي فلم يفصح عن رأيه، فقال (10/ 291): "رواه أحمد مرفوعاً، وابنه عبد الله موقوفاً، وإسناده جيد".

(2/645)


2477 - (9) [
صحيح لغيره موقوف] وعن أبي الأحوص قال:
قرأ ابن مسعود: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} الآية. فقال:
كادَ الجُعَلُ يُعذَّبُ في جُحره بذنْبِ ابنِ آدمَ.
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
(
الجُعَل) بضم الجيم وفتح العين: دُويبة تكاد تشبه الخنفساء تُدحرج الروثَ.

(2/646)


22 -
كتاب البر والصلة وغيرهما.
1 - (
الترغيب في برِّ الوالدين وصلتهما، وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما، وبرّ أصدقائهما من بعدهما).
2478 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
سألت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال:
"
الصلاةُ على وقْتِها".
قلتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال:
"
بِرُّ الوالِدَيْنِ".
قلتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال:
"
الجهادُ في سبيلِ الله".
رواه البخاري ومسلم.

2479 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يُجزئُ وَلدٌ والِدَهُ إلا أنْ يَجِدَهُ مَمْلوكاً فيَشتَرِيه فيُعْتِقَه".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

2480 - (3) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال:
جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاسْتَأْذَنهُ في الجِهادِ. فقال:
"
أحيٌّ والداك؟ ".
قال: نعم. قال:

(2/647)


"
ففيهما فَجاهِدْ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم قال:
أقْبَلَ رجلٌ إلى رسولِ الله فقال: أبايِعُكَ على الهِجْرَةِ والجِهادِ، أبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله، قال:
"
فهلْ مِنْ والدَيْك أحدٌ حَيٌّ؟ ".
قال: نَعم، بلْ كِلاهما حَيٌّ. قال:
"
فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله؟ ".
قال: نعم. قال:
"
فارْجعْ إلى والِدَيْكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُما".

2481 - (4) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال:
جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
جئتُ أبايِعُكَ على الهِجْرَةِ، وتركتُ أبوَيَّ يبْكِيانِ. فقال:
"
ارْجعْ إليْهما فأضْحِكْهُما كما أبْكَيْتَهُما".
رواه أبو داود.

2482 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيد رضي الله عنه:
أن رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
هل لك أحد باليمن؟ ".
قال: أبواي. قال:
"
قد أذنا لك؟ ".

(2/648)


قال: لا. قال:
"
فارجعْ إليهما فاستأذنْهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فَبِرِّهما".
رواه أبو داود.

2483 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسْتأْذِنه في الجهادِ. فقال:
"
أحيٌّ والداك؟ ".
قال: نعم. قال:
"
ففيهما فَجاهِدْ".
رواه مسلم، وأبو داود وغيره (1).

2484 - (7) [
صحيح لغيره] وروي عن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال:
أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إنِّي أريدُ الجِهادَ في سبيلِ الله قال:
"
أمُّكَ حَيَّةٌ؟ ".
قلتُ: نَعم. قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الْزَمْ رِجْلَها، فَثَمَّ الجنَّةُ".
رواه الطبراني.
__________
(1)
هذا خطأ وتكرار لا فائدة فيه. قال الناجي (189/ 2): "وهم فيه وكرره، وهو حديث عبد الله بن عمرو الأول بعينه، سواء بسواء، لم يروه مسلم ولا غيره من حديث أبي هريرة". وغفل عن هذا لابسو ثوبي زور فعزوه لمسلم (2549) وأبي داود (2530)! والرقم الأول يشير إلى حديث ابن عمرو الأول! والرقم الآخر يشير إلى حديث أبي سعيد، وهو في الأصل قبيل هذا، وفيه زيادة منكرة، ولذلك أودعته "ضعيف الترغيب"، وهو مخرج في "الإرواء" (5/ 21)، ومن تمام غفلتهم أنَّهم رقموه بنفس الرقم!! وحسنوه أيضاً!

(2/649)


2485 - (8) [
حسن صحيح] وعن معاوية بن جاهمة:
أنَّ جاهِمَةَ جاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
يا رسول الله! أردْتُ أَنْ أغْزُوَ، وقد جئتُ أَسْتَشيرُكَ. فقال:
"
هل لكَ مِنْ أُمٍّ؟ ".
قال: نعم. قال:
"
فالْزَمْها، فإن الجنَّةَ عند رِجْلِها".
رواه ابن ماجه، والنسائي -واللفظ له-، والحاكم، وقال:
"
صحيح الإسناد".
[
حسن صحيح] ورواه الطبراني بإسناد جيد، ولفظه: قال:
أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسْتَشيرُه في الجِهادِ؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألَك والدان؟ ".
قلت: نعم. قال:
"
الْزَمْهُما، فإن الجنَّة تَحتَ أرْجُلِهِما".

2486 - (9) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه:
أن رجلاً أتاهُ فقال: إنَّ لي امْرأَةً، وإنَّ أُمِّي تأمُرني بِطَلاقِها. فقال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
الوالِدُ أوْسَطُ أبْوابِ الجنَّةِ".
فإنْ شِئتَ فأَضعْ ذلك البابَ، أوِ احْفَظْهُ.
رواه ابن ماجه، والترمذي -واللفظ له- وقال:
"
ربما قال سفيان: (أمي)، وربما قال: (أبي) ". قال الترمذي:
"
حديث صحيح".
[
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

(2/650)


أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء فقال: إنَّ أبي لَمْ يَزلْ بي حتّى زوَّجني، وإنَّه الآن يأمُرني بِطَلاقِها. قال:
ما أنا بالَّذي آمُرك أنْ تَعُقَّ والديك، ولا بالَّذي آمُركَ أَنْ تُطلِّقَ امرأَتَك، غيرَ أنَّك إنْ شئتَ حدَّثتُك بما سمعتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعتُه يقول:
"
الوالِدُ أوْسَطُ أبْوابِ الجنَّةِ".
فحافظْ على ذلك البابِ إنْ شئْتَ، أوْ دَع.
قالَ: فأحْسِبُ عطاءً قال: فَطَلَّقَها.
قوله: (فأضع): من الإضاعة.

2487 - (10) [
حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
كان تحتي امْرأَةٌ أحِبُّها، وكان عمر يكْرَهُها. فقال لي: طلّقْها. فأبَيْتُ.
فأتى عمرُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك له، فقال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
طلِّقها".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".

2488 - (11) [
حسن لغيره] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
من سرَّه أنْ يُمَدَّ له في عمرِه، ويُزادَ في رزقه؛ فليبرَّ والديه، وليَصِلْ رحمه".
رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وهو في "الصحيح" باختصار ذكر البر.

(2/651)


2489 - (12) [
حسن] وعن سلمان رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يردُّ القَضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العُمُرِ إلا البِرُّ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

2490 - (13) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
رَغِمَ أنفُه، ثمَّ رَغِمَ أنْفُه، ثمَّ رغِمَ أنْفُه".
قيل: مَنْ يا رسولَ الله؟ قال:
"
مَنْ أدْرَكَ والدَيْه عندَ الكبرَ أوْ أحَدَهُما ثمَّ لَمْ يَدْخل الجنَّةَ".
رواه مسلم (1).
(
رغم أنفه) أي: لصق بالرغام، وهو التراب.

2491 - (14) [
صحيح لغيره] وعن جابرٍ -يعني ابن سمرة- رضي الله عنه قال:
صعِدَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبرَ فقال:
"
آمين، آمين، آمين"، -قال:-
"
أتاني جبريل عليه السلامُ فقال: يا محمَّد! مَنْ أدْرَكَ أحدَ أبَوَيْهِ فماتَ؛ فدخلَ النارَ، فأبعَده الله، قُلْ: (آمين): فقلتُ: (آمين)، فقال: يا محمَّدُ! مَنْ أدْركَ شهرَ رمضانَ فماتَ، فلَمْ يُغْفَرْ له؛ فأدخِلَ (2) النارَ، فأَبْعَده الله، قلْ: (آمين). فقلتُ: (آمين)، قال: ومَنْ ذُكرْتَ عندَهُ فلَمْ يُصَلِّ عليك فماتَ؛ فدَخَل النارَ، فأبْعَدهُ الله. قلْ: (آمين)، فقلْتُ: (آمين) ".
رواه الطبراني بأسانيد أحدها حسن.
__________
(1)
قلت: في البر والصلة (8/ 5) بالحرف الواحد، وقول الناجي (189/ 1): "ليس عند مسلم لفظة (ثم) أصلاً" وهم منه، وإنما يصدق ذلك على رواية البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 21). ورواه الترمذي نحوه أتم منه، وتقدم لفظه في (15 - الدعاء/ 7).
(2)
كذا الأصل خلافاً لما تقدم ويأتي، وكذلك هو في "كبير الطبراني" (رقم - 2022).

(2/652)


2492 - (15) [
حسن صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة؛ إلا أنَّه قال فيه:
"
ومَنْ أدْركَ أبويه أو أحدَهما فلَمْ يَبَرَّهُما، فماتَ؛ فدخلَ النارَ فأبْعَدهُ الله. قل: (آمين)، فقلت: (آمين) ".

2493 - (16) [
صحيح لغيره] ورواه أيضاً من حديث [مالك بن] الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده. وتقدم [15 - الدعاء/ 7].

2494 - (17) [
صحيح لغيره] ورواه الحاكم وغيره من حديث كعب بن عجرة، وقال في آخره:
"
فلمَّا رَقيتُ الثالِثَة قال: بَعُدَ مَنْ أدركَ أبَويه الكبَرُ عندَه أوْ أحدَهما فلَمْ يُدخِلاهُ الجنَّةَ. قلتُ: (آمين) ". وتقدم أيضاً.

2495 - (18) [
حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه، وفيه:
"
ومَنْ أدْركَ والديْهِ أوْ أحَدَهُما فلَمْ يبرَّهُما، دخلَ النارَ، فأبْعدَهُ الله وأسْحَقَهُ. قلتُ: (آمين) ".

2496 - (19) [
صحيح لغيره] وعن مالك بن عمرو القشيري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ أعتقَ رقَبةً مسلمةً؛ فهِيَ فداؤه مِنَ النارِ، ومَنْ أدْركَ أحدَ والديه ثُمَّ لَمْ يُغْفَرْ له؛ فأبعَدَهُ الله".
(
زاد في رواية): (1)
"
وأسْحَقَهُ".
[
صحيح] رواه أحمد من طرق أحدها حسن.
__________
(1)
قلت: هذا يوهم أن الزيادة عند أحمد من حديث (مالك بن عمرو القشيري)، وإنما هو (أُبي بن مالك)، وهو الصواب في اسمه كما رجحه الحافظ. انظر "الصحيحة" (515).

(2/653)


2497 - (20) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
انطلقَ ثلاثَةُ نَفرٍ مِمَّنْ كان قبْلَكُم، حتَّى آواهم المَبيت إلى غارٍ، فَدخَلوهُ، فانْحدرتْ صَخْرةٌ مِنَ الجبَلِ فسدَّت عليهم الغارَ، فقالوا: إنَّه لا يُنْجيكُم مِنْ هذه الصخْرةِ إلا أَنْ تَدْعوا الله بِصالح أعْمالِكُم.
قال رجلٌ منهم: اللهُمَّ كانَ لي أبوانِ شَيْخانِ كَبيران، وكُنتُ لا أغْبُقُ قَبْلَهُما أهْلاً ولا مالاً، فنأى بي طَلَبُ شَجرٍ يَوْماً فَلَمْ أَرُحْ عليهِما حتى ناما، فحَلبْتُ لهما غَبوقَهُما، فوَجْدتُهما نائمَيْنِ، فكرهْتُ أنْ أغبُقَ قبْلَهما أهْلاً أوْ مالاً، فلبِثْتُ والقَدَحُ على يَديَّ انْتَظِر اسْتِيقاظَهُما حتى بَرَقَ الفَجْرُ، فاسْتَيْقظَا فشَرِبا غَبُوقَهما، اللهمَّ إنْ كنتُ فعلتُ ذلك ابْتغَاءَ وجهِكَ فَفَرِّجْ عنَّا ما نحنُ فيه مِنْ هذهِ الصخْرَةِ. فانَفرَجْت شيئاً لا يَسْتَطيعونَ الخروجَ.
وقال الآخَرُ: اللهُمَّ كانَتْ لي ابنة عَمٍّ؛ وكانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ" الحديث.
رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه وشرح غريبه في "الإخلاص" [1/ 1].
وفي رواية للبخاري قال:
"
بينما ثلاثَة نَفرٍ يتَماشون أخَذَهُم المطَرُ، فمالوا إلى غارٍ في الجبَلِ، فانْحَطَّتْ على فمِ غارِهمْ صخرَةٌ مِنَ الجبَلِ فأطْبَقَتْ عليهِم، فقالَ بعْضهم لِبعْضٍ: انْظُروا أعْمالاً عمِلْتُموها لله عزَّ وجلَّ صالِحةً، فادْعوا الله بها، لَعلَّهُ يَفرُجها [عنكم] (1).
__________
(1)
زيادة من رواية أخرى للبخاري (2/ 70). وأما الزيادة التي بعدها فهي عند البخاري في رواية الكتاب (4/ 109).

(2/654)


فقال أحدُهُم: اللَّهُمَّ إنَّه كان لي والِدانِ شيْخانِ كبيرانِ، ولي صِبْيَةٌ صِغارٌ كنتُ أرْعَى [عليهم]، فإذا رُحْتُ عليهم فَحلَبْتُ بَدأْتُ بِوالِدَيَّ أسْقِيهما قبل وَلدي، وإنَّه نَأى بِيَ الشجرُ، فما أتَيْتُ حتى أمْسَيْتُ، فوجَدتُهما قدْ ناما، فحَلبْتُ كما كنتُ أَحْلِبُ، فجئتُ بالحلاب، فقُمْتُ عند رؤوسِهما، أكرَهُ أنْ أوقِظَهُما مِنْ نوْمِهِما، وأكْرَهُ أنْ أَبدأَ بالصبْيَةِ قَبْلَهُما، والصبْيَة يتَضَاغونَ (1) عند قَدمَيَّ، فَلَمْ يزَلْ ذلك دَأْبي ودَأْبُهم حتى طَلَع الفَجْرُ. فإن كنتَ تعلمُ أنِّي فعلتُ ذلك ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافرُجِ لنا فُرْجةً نرى مِنْها السماءَ. ففرَّجَ الله عزَّ وجلَّ لهم حتى يرونَ (2) منها السماءَ" وذكر الحديث.

2498 - (21) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خرَجَ ثلاثةٌ فيمَنْ كانَ قبْلَكُم يرتادون لأهْليهِمْ، فأصابَتْهُم السماءُ، فلَجأوا إلى جبلٍ، فوقَعَتْ عليهِمْ صخْرَةٌ. فقال بعضُهُم لِبَعْضٍ: عفَا الأَثَرُ، ووقَعَ الحَجَرُ، ولا يعلَمُ بِمكانِكُم إلا الله؛ فادْعوا الله بأوْثَقِ أعْمالِكمَ.
فقال أحدُهُم: اللَّهُمَّ إنْ كنتَ تعلَمُ أنَّه كانَتْ لي امْرأَةٌ تُعْجِبُني، فطلَبتُها فأبَتْ عليَّ، فجعَلْتُ لها جُعْلاً، فلمَّا قَرَّبَتْ نَفْسَها؛ تَرَكتُها. فإنْ كنْتَ تعلَمُ أنِّي إنَّما فَعلْتُ ذلك رجاءَ رَحْمَتِكَ، وخَشْيةَ عَذابِكَ فافرُجْ عنَّا، فزالَ ثُلُث الحَجَرِ.
وقال الآخَرُ: اللهُمَّ إنْ كنتَ تعلَمُ أنَّه كان لي والدان، وكنتُ أحْلِبُ لهما في إنائهما، فإذا أَتَيْتُهما وهما نائمانِ قُمْتُ حتَّى يَسْتَيْقِظا، فإذا اسْتَيْقَظا شَرِبا،
__________
(1)
بالضاد المعجمة وبالغين المعجمة، أي: يصيحون، من ضغى إذا صاح، وكل صوت ذليل مقهور يسمى ضغواً. وقال الداودي: " (يتضاغون) أي: يبكون ويتوجعون".
(2)
هكذا في هذه الرواية، وفي الرواية الأخرى التي أشرت إليها آنفاً (رأوا)، وعليها المخطوطة.

(2/655)


فإنْ كنتَ تَعلَمْ أنِّي فعلْتُ ذلك رجاءَ رحْمَتِكَ، وخَشْيَةَ عَذابكَ فافرُجْ عنَّا، فزالَ ثُلُثُ الحَجَرِ.
وقال الثالثُ: اللهمَّ إنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي اسْتَأْجَرْتُ أجيراً يوماً فعَملَ لي نصفَ النهارِ، فأعْطَيْتُه أجراً، فَتَسخَّطَهُ ولَمْ يَأْخُذْه، فَوفَّرْتُها عليهِ، حتَّى صارَ مِنْ كَلّ المالِ، ثمَّ جاءَ يطلبُ أجْرَه، فقلْتُ: خذْ هذا كُلَّه، ولوْ شئْتُ لَمْ أُعْطِهِ إلا أجْرَهُ الأوَّلَ، فإنْ كنْتَ تعلَمُ أنِّي فعلتُ ذلك رجاءَ رَحْمَتِكَ، وخشْيَةَ عذَابِك، فافْرُج عنَّا. فزالَ الحَجَرُ، وخرَجوا يتَماشُونَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

2499 - (22) [
صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال:
جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
يا رسولَ الله! مَنْ أحق الناسِ بحُسْنِ صَحَابَتي؟ قال:
"
أمُّك".
قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال:
"
أمُّكَ؟.
قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال:
"
أمُّك".
قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال:
"
أبوك".
رواه البخاري ومسلم.
__________
(1)
قلت: ورواه البزار (1866 - كشف الأستار)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو أصح من إِسناد ابن حبان.

(2/656)


2500 - (23) [
صحيح] وعن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالتْ:
قدمَتْ عليَّ أمِّي، وهي مُشرِكةٌ في عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاسْتَفْتَيْتُ رسولَ اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قلتُ:
قدِمَتْ عليَّ أمِّي، وهي راغِبَةٌ، أَفأصِلُ أمِّي؟ قال:
"
نعم؛ صِلي أمَّك".
[
صحيح] رواه البخاري ومسلم (1)، وأبو داود، ولفظه: قالت:
قدِمَتْ عليَّ أمِّي راغبةً في عهدِ قرَيْشٍ (2)، وهي راغِمَةٌ مشرِكَةٌ، فقلتُ: يا رسول الله! إنَّ أمِّي قدِمَتْ عليَّ وهي راغِمَةٌ مشْرِكَةٌ، أفأصِلُها؟ قال: "نعم؛ صِلي امَّكِ".
(
راغبة) أي: طامعة فيما عندي، تسْألُني الإحْسانَ إليْها.
(
راغمة) أي: كارهة للإسلام.

2501 - (24) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
رضا الله في رضا الوالِد، وسخَطُ الله في سخَطِ الوالِد".
رواه الترمذي، ورجح وقفه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
__________
(1)
زاد البخاري في "الأدب المفرد" (25): "قال ابن عيينة: فأنزل الله عز وجل فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} ".
(2)
قلت: على هامش الأصل: (وفي نسخة: "وفي عهد قريب"). والصحيح ما أثبته من "أبي داود" رقم (1668)، وغفل المعلقون فأثبتوا الخطأ! ولم يلتفتوا إلى ما ذكروه في التعليق أن في نسخة (ب): "قريش"!! زاد البخاري في رواية (4/ 111) وأحمد (6/ 344): "ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، ولمسلم (3/ 81) نحوه. والمراد صلح الحديبية مع قريش.

(2/657)


2502 - (25) [
حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة؛ إلا إنَّه قال:
"
طاعةُ الله طاعةُ الوالِدِ، ومَعصيَةُ الله معصيَةُ الوالِدِ".

2503 - (26) [
حسن لغيره] ورواه البزار من حديث عبد الله بن عمر -أو ابن عمرو، ولا يحضرني أيهما (1) -، ولفظه: قال:
"
رضا الربِّ تبارَك وتعالى في رضا الوالِدَيْنِ، وسخَطُ الله تبارَكَ وتَعالى في سَخَط الوالدَيْنِ".

2504 - (27) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ، فقال: إني أذْنَبْتُ ذنْباً عظيماً، فهلْ لي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقال:
"
هل لك مِنْ أمٍّ؟ ".
قال: لا. قال:
"
فهل لك مِنْ خالة؟ ".
قال: نَعمْ. قال:
"
فَبِرَّها".
رواه الترمذي -واللفظ له-، (2) وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ إلا أنهما قالا:
"
هل لك والدان" بالتثنية، وقال الحاكم:
"
صحيح على شرطهما".
__________
(1)
قلت: هو عند البزار (1865) عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه به؛ إلا أنه قال: (الوالد) بالإفراد في الموضعين.
(2)
أخرجه في "البر" (6/ 162 تحت رقم 1905 - الدعاس).

(2/658)


2505 - (28) [
صحيح] وعن عبد الله بن دينارٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
أنَّ رجلاً مِنَ الأعْرابِ لَقِيَهُ بطَريقِ مكَّةَ، فسلَّم عليه عبدُ الله بنُ عُمَر، وحَملَهُ على حمارٍ كانَ يرْكَبُه، وأعطاه عِمامَةً كانَتْ على رأْسِهِ.
قال ابْنُ دينارٍ: فقلْنا له: أصلَحكَ الله! إنَّهمُ الأَعْرابُ، وهم يَرْضُونَ باليَسيرِ! فقال عبدُ الله بنُ عُمرَ: إنَّ أبا هذا كانَ وُدّاً لعمرَ بْنِ الخطَّابِ، وإنِّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنّ أبرّ البِرّ صلةُ الولَد أهلَ وُدِّ أبيه".
رواه مسلم (1).

2506 - (29) [
حسن] عن أبي بردة قال:
قدمتُ المدينةَ، فأتاني عبدُ الله بنُ عمرَ فقال: أتدْري لِمَ أتَيْتُك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ أحبَّ أنْ يَصِلَ أباه في قَبْره؛ فلْيَصِلْ إخْوانَ أبيه بَعْدَهُ".
وإنَّه كان بين أبي عُمرَ وبين أبيك إخاء وَوُدٌّ، فأحْبَبْتُ أنْ أَصِلَ ذلِكَ.
رواه ابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
قلت: ورواه البخاري في "الأدب المفرد" (41) نحوه.

(2/659)


2 - (
الترهيب من عقوق الوالدين).
2507 - (1) [
صحيح] عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله حرَّم عليكُم عقوقَ الأُمَّهاتِ، وَوَأْدَ البَناتِ، ومَنْعَ وهات، وكرهَ لَكُم قيلَ وقالَ، وكثْرةَ السُّؤَال، وإضاعَةَ المالِ" (1).
رواه البخاري وغيره.

2508 - (2) [
صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أُنبِّئُكم بأكبرِ الكبائِر؟ (ثلاثاً) ".
__________
(1) (
العقوق): أصله من (العق) وهو الشق والقطع. يقال: عق والده يعقه عقوقاً، فهو عاق: إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وهو ضد البر، كأن العاق لأمه يقطع ما بينهما من الحقوق. وإنما خص الأمهات بالذكر وإن كان عقوقُ الآباء أيضاً حراماً؛ لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء؛ لضعف النساء، وللتنبيه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك.
وقوله: "ووأد البنات"؛ (الوأد) مصدر وأدت الوائدة ابنتها تشدها: إذا دفنتها حية. وكان أحدهم في الجاهلية إذا جاءته بنت يدفنها حية حين تولد، ويقولون: القبر صهر، ونعم الصهر! وكانوا يفعلونه غيرة وأنفة، وبعضهم يفعله تخفيفاً للمؤنة. قيل: أول من فعله من العرب قيس بن عاصم التيمي.
وقوله: "ومنع وهات": (المنع) مصدر منع يمنع، والمراد: منع ما أمر الله أن لا يمنع. قال ابن التين: "ضبط (منع) بغير ألف، وصوابه (منعاً) بالألف، لأنه مفعول (حرَّم).
و (هات) فعل أمر مجزوم. والمراد به النهي عن طلب ما لا يستحق طلبه".
وقوله: "وكره لكم قيل وقال" يروى بغير تنوين حكاية للفظ الفعل، وروي منوناً، وهي رواية البخاري: "قيلاً وقالاً" على النقل من الفعلية إلى الاسمية. والأول أكثر. والمراد به نقل الكلام الذي يسمعه إلى غيره، فيقول: قيل: كذا وكذا بغير تعيين القائل. وقال فلان: كذا وكذا. إنما نُهي عنه؛ لأنه من الاشتغال بما لا يعني المتكلم، ولأنه قد يتضمن الغيبة والنميمة والكذب، لا سيما مع الإكثار من ذلك، قلما يخلو عنه الإنسان.
وقوله: "وكثرة السؤال" إما في العلميات، وإما في الأموال؛ وكلاهما مضر، أو عن المشكلات من المسائل، أو مجموع الأمرين، وهو أولى من حمله على الخاص.
وقوله: "وإضاعة المال" المتبادر من الإضاعة ما لم يكن لغرض ديني ولا دنيوي. وقيل: هو الإنفاق في الإسراف. وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام. والله أعلم. [من هامش الأصل].

(2/660)


قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالِدينِ -وكان متكئاً فجلَس فقال:- ألا وقولُ الزورِ، وشهادَة الزورِ". فما زال يُكرِّرُها حتى قلنا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

2509 - (3) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الكبائر: الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدَيْنِ، وقتلُ النفسِ، واليمينُ الغموسُ".
رواه البخاري.

2510 - (4) [
صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال:
ذكِرَ عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكبائر فقال:
"
الشركُ بالله، وعقوقُ الوالدينِ" الحديث.
رواه البخاري ومسلم والترمذي.
[
صحيح لغيره] وفي كتاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبه إلى أهل اليمن وبعث به عمرو بن حزم:
"
وإنَّ أكبرَ الكبائر عند الله يومَ القيامةِ: الإشْراكُ بالله، وقتلُ النفسِ المؤمِنَةِ بغير الحَقِّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزحْفِ، وعقوقُ الوالدين، ورَمْيُ المْحصَنَةِ، وتعلُّمُ السِّحْرِ، وأكْلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ" الحديث. [مضى 12 - الجهاد/ 11].
رواه ابن حبان في "صحيحه".

(2/661)


2511 - (5) [
حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثَةٌ لا ينظرُ الله إليهم يومَ القِيَامَةِ: العاقٌّ لوالديْهِ، ومدمِنُ الخمْر، والمنَّان عطاءَه. وثلاثَةٌ لا يَدخلونَ الجنَّة: العاقُّ لوالِديْه، والديُّوثُ، والرَّجُلَة".
رواه النسائي والبزار -واللفظ له- بإسنادين جيدين، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
وروى ابن حبان في "صحيحه" شطره الأول.
(
الديّوث) بتشديد الياء: هو الذي يقرّ أهله على الزنا مع علمه بهم.
(
والرجلة) بفتح الراء وكسر الجيم (1): هي المترجلة المتشبهة بالرجال [مضى 16 - اللباس/ 6].

2512 - (6) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر (2) رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثَةٌ حرَّم الله تبارك وتعالى عليهِمُ الجنَّةَ: مدمِنُ الخَمْرِ، والعاقُّ، والديُّوثُ؛ الذي يُقِرُّ الخُبْثَ في أهْلِهِ".
رواه أحمد -واللفظ له- والنسائي والبزار، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد" (3).

2513 - (7) [
حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
كذا قال، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا في المتن.
(2)
قلت: الأصل: "بن عمرو بن العاصي"، وهو خطأ من الناسخ، فقد تقدم هذا بعينه (21 - الحدود/ 6) من مسند ابن عمر بن الخطاب، وهو الصواب؛ كما قال الناجي (190/ 1)، فلا دخل لابن عمرو في الحديث. وغفل عن ذلك مدعو التحقيق، في الموضعين!!
(3)
لا وجه لذكر النسائي ومن بعده هنا، لأنهم رواة اللفظ الذي قبله، وقد تقدم مني التنبيه على هذا هناك.

(2/662)


"
ثلاثَةٌ لا يَقبلُ الله عزَّ وجلَّ منهم صَرْفاً ولا عَدْلاً: عاقُّ، ومنَّانٌ، ومُكَذِّب بقَدَرٍ".
رواه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" (1) بإسناد حسن.

2514 - (8) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مِنَ الكبائرِ شَتْمُ الرجلِ والدَيْهِ".
قالوا: يا رسولَ الله! وَهَلْ يَشْتُم الرجلُ والديه؟ قال:
"
نعم، يَسُبُّ أبا الرجُلِ؛ فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمَّه؛ فيَسُبُّ أمَّه".
رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي.
وفي رواية للبخاري ومسلم:
"
إنَّ مِنْ أكْبرِ الكبائِر أنْ يَلْعَن الرجلُ والديْهِ".
قيلَ: يا رسولَ الله؟ وكيفَ يلعنُ الرجلُ والديه؟ قال:
"
يَسُبُّ [الرجلُ] أبا الرجل؛ فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمَّهُ؛ فيَسُبُّ أمَّهُ" (2).

2515 - (9) [
صحيح] وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال:
جاءَ رَجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! شهدتُ (3) أنْ لا إله إلا الله، وأنّكَ رسولُ الله، وصلّيْتُ الخمسَ، وأدَّيْتُ زكاةَ مالي، وصُمتُ رمضانَ؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
رقم (323 - بتحقيقي).
(2)
قلت: هذا اللفظ للبخاري وحده (5973/ فتح)، وإنما لمسلم (- 1/ 64 - 65) الذي قبله، وهو للترمذي، ولأبي داود الثاني.
(3)
كذا الأصل والمخطوطة و"المجمع" (8/ 147) من رواية أحمد والطبراني، ولم أره في "مسند أحمد"، وفي ابن حبان (19) زيادة: "أرأيت إن"، فلعلها سقطت من أحد الرواة، أو المؤلف.

(2/663)


"
مَنْ ماتَ على هذا كان معَ النبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ يومَ القيامة هكذا -ونصب أصبعيه- ما لَمْ يَعقَّ والديه".
رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" باختصار.

2516 - (15) [
صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال:
أوْصاني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَشْرِ كلِماتٍ قال:
"
لا تُشْرِكْ بالله شيْئاً وإنْ قُتِلْتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والديْكَ؛ وإنْ أَمراك أنْ تَخْرُجَ مِنْ أهْلِكَ ومَالِكَ" الحديث.
رواه أحمد وغيره. وتقدم في "ترك الصلاة" بتمامه. [5/ 40].
[
صحيح لغيره] وتقدم في [21 - الحدود/ 8] "اللواط" حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
". . .
؛ قال: ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ من ذبحَ لغيرِ اللهِ، ملعونٌ من عَقَّ والديه" الحديث.
رواه الطبراني، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
[
صحيح] وتقدم فيه أيضاً حديث ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لعنَ الله مَنْ ذبَح لِغَيرِ الله، ولعنَ الله مَنْ غَيرَ تُخومَ الأرضِ، ولعنَ الله مَنْ سبَّ والديه" الحديث.
رواه ابن حبان في "صحيحه".

(2/664)


2517 - (11) [
حسن موقوف] وعن العوَّام بن حَوْشَبٍ قال:
نزلتُ مرَّةً حياً، وإلى جانبِ ذلك الحيِّ مقبرةٌ، فلمَّا كان بعدَ العَصْرِ انشقَّ فيها قبْرٌ، فخَرج رجلٌ رأسُه رأسُ الحِمارِ، وجَسدُه جَسدُ إنسانٍ، فنهَقَ ثلاثَ نَهْقاتٍ ثُمَّ انْطبقَ عليه القبرُ، فإذا عجوزٌ تَغْزِل شَعْراً أوْ صوفاً، فقالتِ امْرأَةٌ: ترى تلكَ العجوزَ؟ قلتُ: ما لَها؟ قالتْ: تلكَ أمُّ هذا. قلتُ: وما كانَ قِصَّتُه؟ قالتْ:
كان يشرَبُ الخمرَ، فإذا راحَ تقولُ له أُمُّه: يا بنيَّ اتَّقِ الله إلى متى تَشْرَبُ هذه الخمرَ؟! فيقولُ لها: إنَّما أنْتِ تَنْهَقينَ كما يَنْهَقُ الحِمارُ! قالتْ: فماتَ بعدَ العَصْرِ. قالتْ: فهو يَنْشَقُّ عنه القبرُ بعدَ العَصْرِ، كلُّ يوم فيَنْهَقُ ثلاثَ نَهَقَاتٍ، ثمَّ ينْطَبِق عليه القبرُ.
رواه الأصبهاني وغيره. وقال الأصبهاني:
"
حدَّث به أبو العباس الأصم إملاءً بنيسابور بمشهد من الحفاظ فلم ينكروه".

(2/665)


3 - (
الترغيب في صلة الرحم وإنْ قطعت، والترهيب من قطعها).
2518 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخر فلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومن كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِن بالله واليومِ الآخِرِ فليَقلْ خيراً أوْ لِيَصْمُتْ".
رواه البخاري ومسلم (1).

2519 - (2) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أحبَّ أنْ يُبْسطَ له في رِزْقِهِ، ويُنَسَّأَ له في أثَرِهِ؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
رواه البخاري ومسلم.
(
يُنَسَّأ) بضم الياء وتشديد السين المهملة مهموزاً، أي: يؤخِّر له في أجله.

2520 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأَنْ يُنَسَّأَ له في أَثَرِه؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
[
صحيح] رواه البخاري، والترمذي، ولفظه: قال:
"
تعلَّموا مِنْ أنْسابِكم ما تَصِلونَ به أرْحامَكُم؛ فإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحبَّةٌ في الأهْلِ، مَثْراةٌ في المالِ، مَنْسأَةٌ في الأَثَرِ". وقال:
"
حديث غريب، ومعنى (منسأة في الأثر): يعني به الزيادة في العمر" انتهى.
__________
(1)
في "الإيمان" (1/ 949) دون قوله: "فليصل رحمه"، وهي عند البخاري (6138)، وقال مسلم بديله: "فلا يؤذي جاره"، وهو رواية للبخاري، وستأتي قريباً في أول الباب (5).

(2/666)


2521 - (4) [
صحيح] ورواه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة كلفظ الترمذي بإسناد لا بأس به. (1)

2522 - (5) [
صحيح] وعن رجلٍ من خثعم قال:
أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في نَفَرٍ مِنْ أصْحابِه، فقلتُ: أنْتَ الذي تزعُم أنَّك رسول الله؟ قال:
"
نعم".
قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال:
"
الإيمانُ بالله".
قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال:
"
ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ".
قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال:
"
ثمَّ الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عنِ المنكَرِ".
قال: قلتُ: يا رسول الله! أيُّ الأعْمالِ أبغَضُ إلى الله؟ قال:
"
الإشْراكُ بالله".
قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال:
"
ثمَّ قَطيعَةُ الرَّحِمِ".
قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال:
"
ثُمَّ الأمْرُ بالمنْكَرِ، والنهيُ عنِ المعروفِ".
__________
(1)
كذا قال! ونحوه قول الهيثمي: "ورجاله وثقوا"! والصواب أن إسناده صحيح، فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 98/ 176)، وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (2/ 127/ 2) من طريق عبد الملك بن يعلى عن العلاء بن خارجة به، وابن يعلى هذا ثقة كما قال الحافظ، روى عن عمران وغيره، وسائر الرجال ثقات رجال مسلم؛ غير علي بن عبد العزى شيخ الطبراني، وهو البغوي، ثقة حافظ.

(2/667)


رواه أبو يعلى بإسناد جيد.

2523 - (6) [
صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه:
أنَّ أعرابياً عَرَضَ لِرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في سَفَرٍ، فأخَذ بِخطامِ ناقَتِه، أوْ بزِمامِها، ثمَّ قال: يا رسولَ الله -أو يا محمَّد! - أخبرني بما يُقرِّبُني مِنَ الجنةِ ويباعِدُني مِنَ النارِ؟ قال: فكفَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمَّ نظرَ في أصْحابِهِ، ثُمَّ قال:
"
لقد وُفِّقَ -أو لقد هُدِيَ-". قال: "كيفَ قلْتَ؟ ". قال: فأعادَها، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تعبدُ الله لا تُشْرِكُ به شيْئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤْتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ الناقَةَ".
وفي رواية:
"
وتصل ذا رحمك". فلمَّا أَدْبَر قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنْ تَمسَّكَ بما أُمِرَ بِه (1) دخَلَ الجنَّةَ".
رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

2524 - (7) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها:
"
أنَّه مَنْ أُعْطيَ [حظه من] الرفق؛ فقد أُعطِيَ حظَّهُ مِنْ خير الدنيا والآخِرَةِ، وصِلةُ الرَّحِمِ وحسنُ الجِوارِ -أوْ حُسْنُ الخلُقِ- يُعَمِّرانِ الديارَ، ويَزيدانِ في الأَعْمارِ".
رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة (2).
__________
(1)
الأصل: (أمرته به)، والتصحيح من "مسلم" (1/ 33).
(2)
قلت: كذا قال! وتبعه الهيثمي، وكذا الغارقون في التقليد، وهو في "مسند أحمد"، وكذا "مسند أبي يعلى" من رواية عبد الرحمن عن أبيه القاسم. انظر "الصحيحة" (519).

(2/668)


2525 - (8) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال:
أوْصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخِصالٍ مِنَ الخيرِ: أوصاني أنْ لا أنْظُرَ إلى مَنْ هو فوقي، وأَنْ أنْظُرَ إلى مَنْ هو دوني، وأوْصاني بحُبِّ المساكينِ والدُّنُوِّ منهم، وأوْصاني أنْ أصلَ رَحِمي وإنْ أدْبَرَتْ، وأوْصاني أنْ لا أخافَ في الله لوْمةَ لائم، وأوْصاني أنْ أقول الحقَّ وإنْ كان مُرّاً، وأوْصاني أن أكْثِرَ مِنْ (لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِالله)، فإنَّها كنزٌ مِنْ كُنوزِ الجنَّة".
رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.

2526 - (9) [
صحيح] وعن ميمونة رضي الله عنها:
أنَّها أعْتَقتْ وَلِيدةً لها، ولَمْ تَسْتأذِنِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمَّا كان يومُها الَّذي يدورُ عليها فيه قالتْ: أشَعَرْتَ يا رسول الله أنِّي أَعْتَقْتُ وليدَتي؟ قال:
"
أَوَ فَعلْتِ؟ ".
قالتْ: نعم. قال:
"
أمَا إنَّكِ لوْ أعْطَيْتِها أخْوالَكِ؛ كانَ أعْظمَ لأجرك".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وتقدم في "البر" [1 - باب/ 27 - حديث] حديث ابن عمر قال:
أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ فقال: إني أذنبتُ ذنباً عظيماً، فهل لي مِنْ تويَةٍ؟ فقال:
"
هل لك مِنْ أمٍّ؟ ".
قال: لا. قال:
"
فهل لك من خالَةٍ؟ ".
قال: نعم. قال:
"
فَبِرَّها".

(2/669)


رواه ابن حبان والحاكم (1).

2527 - (10) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تقولُ: مَنْ وَصَلني وصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعني قَطَعهُ الله".
رواه البخاري ومسلم.

2528 - (11) [
صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِمَ، وشقَقْتُ لها اسْماً مِنِ اسْمي، فَمنْ وصلَها وصَلتُه، ومَنْ قطَعها قطَعْتُه -أو قال: بَتَتُّهُ-".
رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عنه. وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".
(
قال الحافظ) عبد العظيم: "وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئاً. قاله يحيى بن معين وغيره.
ورواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن رداد (2) الليثي عن عبد الرحمن بن عوف. وقد أشار الترمذي إلى هذا، ثم حكى عن البخاري أنه قال: "وحديث معمر خطأ" (3). والله أعلم".
__________
(1)
قلت: لفظهما: "هل لك والدان؟ "، واللفظ الأول للترمذي كما تقدم في "البر" من المؤلف نفسه، فكان ينبغي أن يعزوه إليه أيضاً، وأن ينبه على الفرق المذكور هنا أيضاً.
(2)
بتشديد الهملة، وقال بعضهم: (أبو الرداد)، وهو أصوب، حجازي مقبول. كذا في "التقريب".
(3)
قلت: يعني لأنه وصله بذكر (رداد) بين أبي سلمة وعبد الرحمن، وفيما قاله نظر، لأن معمراً قد توبع على وصله من ثقتين، وأشار إلى ذلك البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 370)، ولذلك جزم الحافظ بأن حديثه هو الصواب كما بينته في "الصحيحة" (520)، وغفل عن ذلك كله الثلاثة!

(2/670)


2529 - (12) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله تعالى خَلق الخَلْقَ، حتى إذا فَرغَ منهم قامَتِ الرحِمُ فقالَتْ: هذا مقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطيعَةِ، قال: نعم، أما تَرضينَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وأقْطعَ مَنْ قطَعَكِ؟ قالتْ: بلى. قال: فذاك لَكِ". ثم قال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اقْرؤوا إنْ شئْتُم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
رواه البخاري ومسلم.

2530 - (13) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنْ الرَّحِمَ شُجنة (1) مِنَ الرحمن تقولُ: يا ربِّ! إنِّي قُطِعْتُ، يا ربِّ! إنِّي أُسِيء إليِّ، يا ربِّ! إنِّي ظُلِمْتُ، يا ربِّ! يا ربِّ! فيُجيبُها: ألا تَرْضِينَ أَنْ أَصلَ مَنْ وَصَلَكِ، وأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟! ".
رواه أحمد بإسناد جيد قوي، وابن حبان في "صحيحه" (2).

2531 - (14) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال:
"
الرحِمُ حَجَنَةٌ متمسَّكَةٌ بالعرْشِ، تَكَلَّمُ بِلسانٍ ذَلِقٍ: اللهم صِلْ مَنْ وصَلَني، واقْطَعْ منْ قطَعَني، فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمنُ الرحيمُ، وإنِّي شقَقْتُ لِلرحِمِ مِن اسْمي، فَمنْ وصَلَها وصَلْتُه، ومَنْ بَتَكَها بَتَكْتُهُ".
رواه البزار بإسناد حسن.
(
الحَجَنة) بفتح الحاء المهملة والجيم وتخفيف النون: هي صنارة المغزل، وهي الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتلُ الغزل.
__________
(1)
أي: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق كما يأتي في الكتاب بعد حديث.
(2)
قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (65).

(2/671)


وقوله: (من بتكها بتكته) أي: من قطعها قطعته.

2532 - (15) [
صحيح] وعن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنَّه قال:
"
إنَّ مِنْ أربى الربا الاستطالة في عِرْضِ المسلم بغيرِ حَقٍّ، وإنَّ هذه الرحِمَ شُجْنةٌ مِنَ الرَّحْمنِ عزَّ وجَلَّ، فَمنْ قَطَعها حَرَّم الله عليه الجنَّةَ".
رواه أحمد والبزار، ورواة أحمد ثقات.
قوله: (شُجنة من الرحمن) قال أبو عبيد: "يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وفيها لغتان: شجنة بكسر الشين وبضمها وإسكان الجيم".

2533 - (16) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليسَ الواصِل بالمكافِئ، ولكنَّ الواصِلَ: الَّذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها".
رواه البخاري -واللفظ له- وأبو داود والترمذي.

2534 - (17) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إنَّ لي قرابةً أَصِلُهم وَيقْطَعوني، وأُحْسِنُ إليهم وُيُسيئون إليَّ، وأحْلُم عليهم وَيجْهَلون عليَّ؟ فقال:
" [
ولئن] (*) كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم (1) المَلَّ، ولا يزالُ [معك] (**) مِنَ الله ظهيرٌ عليهِمْ ما دُمْتَ على ذلك".
رواه مسلم (2).
(
الملَّ) بفتح الميم وتشديد اللام: هو الرماد الحار.
__________
(1)
أي: تجعل وجوههم كالرماد من الحياء.
(2)
قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (52).
(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (وإنْ)، والمثبت من (صحيح مسلم)، نص عليه الشيخ مشهور في طبعته
(**)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وقد نبه عليه الشيخ مشهور في طبعته وأثبته من (صحيح مسلم)

(2/672)


2535 - (18) [
صحيح] وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أفضلُ الصَّدقَةِ الصدقَةُ على ذي الرحِم الكاشِحِ".
رواه الطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم". [مضى 8 - الصدقات/ 11].
ومعنى (الكاشِحِ): أنَّه الذي يضمر عداوته في كشحه، وهو خصره؛ يعني أنَّ أفضَلَ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحم المضمرِ العداوةَ في باطنه، وهو في معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
وتصل من قطعك".

2536 - (19) [
صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال:
ثُمَّ لقيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذتُ بيدهِ فقلتُ: يا رسول الله! أخْبِرْني بفَواضِلِ الأعْمالِ. قال:
"
يا عقبةُ! صِلْ مَنْ قَطَعكَ، وأَعْطِ مَنْ حَرمَك، وأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمك".
[
صحيح] وفي رواية:
"
واعْفُ عَمَّنْ ظلَمكَ".
[
صحيح لغيره] رواه أحمد، والحاكم، وزاد:
"
ألا وَمَنْ أرادَ أنْ يُمَدَّ في عُمُرهِ، وُيبْسَطَ في رِزْقِه؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
ورواة أحد إسنادي أحمد ثقات (1).

2537 - (20) [
صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ ذَنْبٍ أجدَرُ أنْ يعجلَ الله لِصاحِبِه العقوبةَ في الدنيا -مع ما يُدَّخَرُ له في الآخِرَةِ- مِنَ البَغْيِ وقَطيعَةِ الرحِمِ".
رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال:
__________
(1)
قلت: وبالإسنادين أخرجه ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (ص 5 رقم - 19 و20).

(2/673)


"
حديث حسن صحيح". والحاكم، وقال:
"
صحيح الإسناد".
[
حسن لغيره] ورواه الطبراني، فقال فيه:
"
مِنْ قَطيعَة الرحِمِ، والخِيانَةِ، والكَذب، وإنَّ أَعْجَلَ البِرِّ ثواباً بالصلة الرحِمُ، حتَّى إن أَهْلَ البَيْتِ ليكونون فَجَرَةً (1)، فتنموا أمْوالُهم، ويكثُر عَدَدُهم إذا تَواصَلُوا".
[
حسن لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" ففرَّقه في موضعين، ولم يذكر الخيانة والكذب، وزاد في آخره:
"
وما مِنْ أهلِ بيْتٍ يتَواصَلونَ فَيحْتَاجُونَ".

2538 - (21) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إن أعْمالَ بني آدَم تُعْرضُ كلَّ خميسٍ ليلَةَ الجمُعَةِ، فلا يُقْبَل عَمَلُ قاطعِ رَحِمٍ".
رَواه أحمد، ورواته ثقات.

2539 - (22) [
صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثةٌ لا يدخلون الجنةَ: مدمنُ الخمرِ، وقاطعُ الرحم، ومصدقٌ بالسِّحرِ".
رواه ابن حبان وغيره، وقد تقدم بتمامه في "شرب الخمر" [21 - الحدود/ 6].

2540 - (23) [
صحيح] وعن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا يدخُلُ الجنَّة قاطعٌ".
قال سفيان: يعني قاطع رحم.
رواه البخاري ومسلم والترمذي.
__________
(1)
وقع في "المجمع" (8/ 152): "فقراء"، وهو خطأ مطبعي، والصواب ما هنا، فإنه كذلك في رواية ابن حبان و"أوسط الطبراني"، انظر "الصحيحة" (917 و978).

(2/674)


4 - (
الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته، والنفقة عليه، والسعي على الأرملة والمسكين).
2541 - (1) [
صحيح] عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنا وكافِلُ اليَتيم في الجنَّةِ هكذا"، وأشار بالسَّبابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بينَهما.
رواه البخاري وأبو داود والترمذي، [وقال: "حديث حسن صحيح"] (1).

2542 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كافِلُ اليَتيمِ له أو لِغَيْرِه؛ أنا وهو كهاتَيْنِ في الجنَّة" (2). وأشارَ مالِكٌ بالسبَّابَةِ والوُسْطَى.
رواه مسلم.
ورواه مالك عن صفوان بن سليم مرسلاً.

2543 - (3) [
صحيح لغيره] وعن زُرارة بن أبي أوفى عن رجل من قومه يقال له: مالكٌ -أو ابن مالك-، سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ ضَمَّ يتيماً بين مسلمين في طعامِهِ وشرابِهِ حتى يستغني عنه؛ وجبتْ له الجنةُ. .، ومن أدركَ والدَيْه أو أحَدهما ثم لم يبرهما؛ دخل النار، فأبعده الله، وأيما مسلم أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار".
__________
(1)
وقعت هذه الزيادة في الأصل عقب حديث رواه الترمذي عن ابن عباس، وضعفه بـ (حنش)، ولم يُذكر هذا التضعيف من الأصل.
(2)
قلت: زاد أحمد: "إذا اتقى الله". انظر "الأحاديث الصحيحة" (962).

(2/675)


رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن (1). [مضى 16 - البيوع/ 5].

2544 - (4) [
حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ يشكو قَسوةَ قلبِهِ. قال:
"
أتُحِبُّ أنْ يلينَ قلبُك، وتُدرِكَ حاجتَك؟ ارْحَمِ اليتيمَ، وامسَحْ رأْسه، وأطْعِمْهُ مِنْ طَعامِك؛ يَلِنْ قلبُكْ، وتُدرِكْ حاجتَك".
رواه الطبراني من رواية بقية، وفيه راوٍ لم يُسَمَّ.

2545 - (5) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رجُلاً شكا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسْوةَ قلْبِه. فقال:
"
امْسَحْ رأْسَ اليَتيمِ، وأَطْعِمِ المسكينَ".
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

2546 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الساعي على الأرْمَلةِ والمسْكينِ؛ كالمجاهِدِ في سبيلِ الله، -وأَحْسِبهُ قال:- وكالقائمِ لا يَفتُرُ، وكالصائم لا يُفطِرُ".
رواه البخاري ومسلم (2).
[
حسن] وابن ماجه؛ إلا أنه قال:
__________
(1)
قلت: كيف وفيه علي بن زيد الذي في الحديث قبله في الأصل، -وهو في "الضعيف" هنا-، وقد صرح المؤلف بذلك فيما تقدم، وقوله: "مختصراً" إنما هو رواية له، وهي التي تقدمت هناك، لكن قد أخرجه أحمد في رواية أخرى (5/ 29) بتمامه، وهي عنده قبيل روايته المتقدمة، فكأن المؤلف ذهل عنها. ثم إن الحديث صحيح بشواهده دون لفظة (البتة)، وقد حذفتها مشيراً إليها بالنقط، وتناقض فيه الثلاثة المعلقون فحسنوه فيما تقدم، وضعفوه هنا، ودسوا في نقلهم لكلام الهيثمي ما ليس فيه، ولعله لعيّهم، ودون قصد منهم!
(2)
قلت: فاته الترمذي، أخرجه في "البر والصلة" وصححه.

(2/676)


"
الساعي على الأرْملَةِ والمسكينِ؛ كالمجاهدِ في سبيل الله، وكالذي يقومُ الليلَ ويَصومُ النهارَ".

2547 - (7) [
حسن لغيره] ورُوي عن المطلب بن عبد الله المخزومي قال:
دخلت على أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا بني! ألا أحدثك بما سمعت من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قلت: بلى يا أُمَّه.
قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
من أنفقَ على بنتين أو أختين أو ذواتي قرابةٍ، يحتسبُ النفقةَ عليهما حتى يغنيَهما من فضل الله، أو يكفيهما؛ كانتا له ستراً من النار".
رواه أحمد والطبراني. وتقدم لهذا الحديث نظائر في "النفقة على البنات" [17 - النكاح/ 5، ومضى هذا هناك].

(2/677)


5 - (
الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه).
2548 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلا يُؤْذي جارَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيُكْرِمْ ضيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فليَقُلْ خيراً أوْ لِيَسْكُتْ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:
"
ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فلْيُحسِنْ إلى جارِهِ".

2549 - (2) [
صحيح] وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه:
"
ما تقولون في الزنا؟ ".
قالوا: حرامٌ، حرَّمَهُ الله ورسولُه، فهو حَرامٌ إلى يومِ القِيامَة. قال: فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لأَنْ يزنيَ الرجلُ بعَشْرِ نِسْوَةٍ؛ أيْسرُ عليه من أنْ يزنيَ بامْرأَةِ جارهِ". قال:
"
ما تقولونَ في السرِقَةِ؟ ".
قالوا: حرَّمَها الله ورسولُه، فهي حَرامٌ. قال:
"
لأنْ يَسْرِق الرجلُ مِنْ عشْرةِ أبْياتٍ؛ أيسرُ عليه منْ أنْ يَسرقَ مِنْ جارِه".
رواه أحمد -واللفظ له، ورواته ثقات-، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". [مضى الشطر الأول منه 21 - الحدود/ 7].

(2/678)


2550 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
والله لا يؤْمنُ، والله لا يؤْمنُ، والله لا يؤْمِنْ".
قيلَ: مَنْ يا رسولَ الله؟ قال:
"
الَّذي لا يأْمَن جارُه بوائِقَهُ".
[
صحيح] رواه أحمد، والبخاري ومسلم، وزاد أحمد:
قالوا: يا رسول الله! وما بوائقه؟ قال:
"
شرّه" (1).
[
صحيح] وفي رواية لمسلم:
"
لا يدخلُ الجنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جارُه بوائِقَهُ".

2551 - (4) [
صحيح] وعن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
والله لا يؤمِنُ، والله لا يؤمِنُ، والله لا يؤمِنُ".
قيلَ: يا رسولَ الله! لقد خابَ وخَسِرَ، مَنْ هذا؟ قال:
"
مَنْ لا يَأْمَنُ جارُه بوائِقَه".
قالوِا: وما بوائقه؟ قال:
"
شَرُّه".
رواه البخاري (2).
__________
(1)
قلت: وكذلك أخرجه الحاكم (1/ 10 و4/ 165)، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصنيع المؤلف يوهم أنهما أخرجاه بهذا السياق دون الزيادة، وليس كذلك، أما البخاري فلم يسق لفظه مطلقاً، ثم إنه لم يوصله، وإنما علقه عقب حديث أبي شريح الآتي بعده، وأما مسلم فليس عنده إلا الرواية المختصرة الآتية (1/ 49)، وهي عند البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (121). وراجع "الفتح" (10/ 364) إن شئت، و"العجالة" (191/ 1 - 2).
(2)
قلت: لكن ليس عنده "خاب وخسر"، وأنا أظن أن المؤلف دخل عليه حديث في حديث، فقد جاءت هذه الزيادة في حديث أبي ذر المتقدم في (18 - اللباس/ 2). وكذلك أخرجه أحمد (4/ 31 و6/ 385)، وعنده: "قالوا: وما بوائقه؟. ."؛ دون البخاري. انظر "الفتح".

(2/679)


2552 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما هو بِمؤْمِنٍ منْ لَمْ يأْمَنْ جارُه بوائِقَهُ".
رواه أبو يعلى من رواية ابن إسحاق.
(
البوائق) جمع (بائقة)، وهي: الشر وغائلته كما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم.

2553 - (6) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
والذي نفسي بيده لا يؤمِنُ عبدٌ حتى يُحِبَّ لِجارِه -أو قال: لأَخيه- ما يُحِبُّ لِنَفْسِه".
رواه مسلم.

2554 - (7) [
حسن] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيمَ لسانُه، ولا يستقيمُ لسانُه ولَا يدخلُ الجنةَ حتى يأمنَ جارُه بوائِقَه".
رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في "الصمت"؛ كلاهما من رواية علي بن مسعدة.

2555 - (8) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
المؤمِنُ مَنْ أمِنَهُ الناسُ، والمسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المسْلِمونَ مِنْ لِسانِه ويَدِهِ، والمهاجِرُ مَنْ هَجر السُّوءَ، والذي نفْسي بيده لا يدْخلُ الجنَّةَ عبدٌ لا يَأْمَنُ جارُه بوائِقَهُ".
رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وإسناد أحمد جيد، تابع عليَّ بن زَيد حميدٌ ويونسُ بن عبيد (1).
__________
(1)
ومن طريقهما صححه ابن حبان والحاكم والذهبي. انظر "الصحيحة" (549).

(2/680)


2556 - (9) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يقول:
"
اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ جارِ السوءِ في دارِ المُقامَةِ، فإنَّ جارَ البادِيَةِ يَتحوَّلُ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

2557 - (10) [
حسن] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أوَّل خَصْمَيْن يومَ القِيامَة جَارانِ".
رواه أحمد -واللفظ له- والطبراني بإسنادين أحدهما جيد.

2558 - (11) [
صحيح لغيره] وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشكو جارَهُ. قال:
"
اطْرَحْ متاعَك على الطريقِ".
فطَرحَهُ، فجعلَ الناسُ يَمرُّون عليه ويلْعَنونَهُ، فجاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! [ما] (*) لقيتُ منَ الناسِ. قال:
"
وما لقيتَ منهم؟ ".
قال: يَلْعَنُونَني. قال:
"
قد لَعنكَ الله قَبْلَ الناسِ"،
فقال: إنِّي لا أعودُ، فجاء الذي شكاهُ إلى النبيُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
ارْفَعْ مَتاعَك فقد كُفِيتَ.
[
صحيح لغيره] رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن (2) بنحوه؛ إلا أنه قال:
__________
(1)
قلت: فاته البخاري في "الأدب المفرد"، والنسائي، وقد خرجته في "الصحيحة" (1443).
(2)
فاته أيضاً البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 125)، والحاكم (4/ 166) وقال:
"
صحيح على شرط مسلم"! ووافقه الذهبي!

(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وقد زاده الشيخ مشهور في طبعته وقال: هو مثبت في (المجمع) و (المعجم الكبير) للطبراني

(2/681)


"
ضَعْ متاعَك على الطريقِ -أو على ظهرِ الطريقِ-". فوضَعه، فكانَ كلُّ مَنْ مرَّ بِه قال: ما شأْنُكَ؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدْعو عليه. فجاءَ جارُه فقال: رُدَّ متاعَك؛ فإنِّي لا أوذيك أبداً.

2559 - (12) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاء رَجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشكو جارَه، فقال له:
"
اذهبْ فاصْبِرْ".
فأتاه مرَّتين أوْ ثلاثاً؛ فقال:
"
اذهَبْ فاطْرَحْ متاعَك في الطريقِ".
فَفَعل، فجعلَ الناسُ يمرُّون ويسْأَلونَه، فيُخْبِرُهمِ خَبَر جارِه، فجعَلُوا يَلْعَنونَهُ: فعلَ الله به وفَعلَ، وبعضُهم يدْعُو عليهِ. فجاءَ إليْهِ جارُه فقال: ارْجع فإنَّك لَنْ ترى منِّي شيئاً تكْرَهُه.
رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم" (1).

2560 - (13) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رجلٌ: يا رسول الله! إنَّ فلانة يُذكرُ مِنْ كثرةِ صلاتِها وصدَقَتِها وصِيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها. قال:
"
هيَ في النارِ".
قال: يا رسولَ الله! فإنَّ فلانَةَ يُذكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيامِها [وصَدَقتها] (2) وصَلاتِها، وأنَّها تَتَصدَّقُ بالأثْوارِ مِنَ الأقِط، ولا تُؤْذي جيرانَها [بلسانها]. قال:
"
هي في الجَنَّةِ".
__________
(1)
قلت: ورواه البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (رقم 124)، وأبو يعلى (ق 309/ 2).
(2)
هذه الزيادة والتي بعدها استدركتهما من "المسند" (2/ 440).

(2/682)


رواه أحمد والبزار، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد" (1).
[
صحيح] ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضاً. ولفظه -وهو لفظ بعضهم-:
قالوا: يا رسولَ الله! فلانَةٌ تصَومُ النهارَ، وتَقومُ اللَّيلَ، وتُؤذِي جيرانها؟ قال:
"
هيَ في النارِ".
قالوا: يا رسولَ الله! فلانَةٌ تُصلِّي المكتوباتِ، وتَصَّدَّقُ بالأَثْوارِ مِنَ الأقِطِ، ولا تُؤْذي جيرانَها. قال:
"
هي في الجنَّةِ".
(
الأثوار) بالمثلثةِ جمع (ثَوْر): وهي القطعة من الأقطِ.
و (الأَقِطُ) بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضاً وبكسر الهمزة والقاف معاً وبفتحهما: هي شيءٌ يتخذ من مخيض اللبن الغنمي.

2561 - (14) [
صحيح لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما آمنَ بي مَنْ باتَ شَبْعاناً وجارُه جائعٌ إلى جَنْبِه وهو يعلَمُ".
رواه الطبراني والبزار، وإسناده حسن.

2562 - (15) [
صحيح لغيره] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليس المؤمِنُ الذي يشْبَعُ وجارُه جائعٌ".
__________
(1)
قلت: ورواه البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (119) وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (190).

(2/683)


رواه الطبراني وأبو يعلى، ورواته ثقات (1).

2563 - (16) [
صحيح لغيره] ورواه الحاكم من حديث عائشة؛ ولفظه:
"
ليسَ المؤمِنُ الذي يَبِيتُ شَبعاناً وجارُه جائعٌ إلى جَنْبِه".

2564 - (17) [
حسن] ورُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كمْ مِنْ جارٍ مُتعلِّق بجارِه يقولُ: يا ربِّ! سَلْ هذا: لمَ أغْلقَ عني بابَهُ، ومَنَعني فَضْلَهُ؟! ".
رواه الأصبهاني (2).

2565 - (18) [
صحيح] وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيُحسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلْيُكْرِم ضيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنَ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَسْكُتْ".
رواه مسلم (3).

2566 - (19) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيَقُلْ خَيراً أوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنْ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلْيُكْرِمْ جارَهُ".
__________
(1)
كذا قال، وفيه تساهل معروف من المؤلف كالهيثمي، واغتر بهما الجهلة المقلدة، ففيه مجهول! وفاته البخاري في "الأدب المفرد"، فراجع "الصحيحة" (149).
(2)
فاته البخاري في "الأدب المفرد"، لكن إسناد الأصبهاني خير منه، وبيانه في "الصحيحة" (2646).
(3)
قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 102)، وتقدم من حديث أبي هريرة في أول الباب بلفظ البخاري، والطرف الأول منه من رواية مسلم عن أبي هريرة.

(2/684)


رواه أحمد بإسناد حسن.

2567 - (20) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَن يأْخُذ عنِّي هذه الكلماتِ فيعملُ بهنَّ، أو يُعلِّم مَنْ يعملُ بِهنَّ؟ ".
فقال أبو هريرة: قلتُ: أنا يا رسولَ الله. فأخذَ بيدي فَعَدَّ خمْساً؛ فقال:
"
اتَّقِ المحارِمَ تكُنْ أعْبَد الناسِ، وارضَ بما قسمَ الله لكَ تكُنْ أغْنَى الناسِ، وأحْسِنْ إلى جارِكَ تكُنْ مؤمِناً، وأحبَّ للناسِ ما تُحِبُّ لنفْسِكَ تكُنْ مسْلِماً، ولا تكثِرِ الضحِكَ؛ فإنَّ كثرَة الضَّحِكِ تُميتُ القلْبَ".
رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة. وقال الترمذي:
"
الحسن لم يسمع من أبي هريرة".
ورواه البزار (1) والبيهقي بنحوه في "كتاب الزهد" عن مكحول عن واثلة عنه، وقد سمع مكحول من واثلة. قاله الترمذي وغيره. لكن بقية إسناده فيهم ضعف.

2568 - (21) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خيرُ الأصْحابِ عند الله خيرُهم لصاحِبِه، وخيرُ الجيرانِ عند الله خيرُهم لِجارِه".
رواه الترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب".
وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
__________
(1)
كذا وقع هنا، ولم أره في "كشف الأستار" بعد مزيد البحث عنه، فأظنه خطأ من بعض النساخ، فقد تقدم (21 - الحدود/ 4) معزواً لابن ماجه والبيهقي، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.

(2/685)


2569 - (22) [
صحيح] وعن مُطَرِّف -يعني ابن عبد الله- قال:
كان يَبلُغُني عنْ أبي ذرٍّ حديثٌ، وكنتُ أشْتَهي لقاءَهُ، فلَقيتُه، فقلتُ: يا أبا ذر! كان يَبْلُغُني عنكَ حديثٌ، وكنتُ أشْتَهي لقاءَك. قال: لله أبوك، لقد لَقيتَني فهاتِ. قلتُ: حديثٌ بلَغني أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدَّثَك، قال:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ ثلاثَةً ويُبْغِضُ ثلاثَةً".
قال: فَما إِخالُني أكْذِبُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال: فقلتُ: فَمن هؤلاءِ الثلاثةُ الذين يُحبُّهُم الله عزَّ وجلَّ؟ قال:
"
رجلٌ غزا في سبيلِ الله صابِراً محْتَسِباً فقاتَل حتى قُتِلَ، وأنتُمْ تَجِدونَه عندَكم مكْتوباً في كتابِ الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ تلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}.
قلتُ: وَمَن؟ قال:
"
رجلٌ كانَ له جارُ سوءٍ يُؤْذيِه فيَصْبِرُ على أذاهُ حتى يكْفِيَهُ الله إيَّاه بحياةٍ أوْ موتٍ" فذكر الحديث.
رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، وإسناده وأحد إسنادي أحمد رجالهما محتج بهم في "الصحيح".
ورواه الحاكم وغيره بنحوه، وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2570 - (23) [
صحيح] وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما زال جبريلُ عليه السلامُ يوصيني بالجار حتى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُهُ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة وحدها.

(2/686)


2571 - (24) [
صحيح] وابن ماجه أيضاً وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة.

2572 - (25) [
صحيح] وعن رجلٍ من الأنْصار (1) قال:
خرجتُ مع (2) أهْلي أريدُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا [أنا] بِه قائمٌ، وإذا رجلٌ مقْبِلٌ عليه، فظنَنْتُ أنَّ لهما حاجةً، فجلستُ، فوالله لقد قامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى جعلتُ أرْثي لهُ مِنْ طولِ القِيامِ، ثُمَّ انْصرَف، فقُمْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ الله! لقد قامَ بكَ هذا الرجلُ حتى جعلتُ أرْثي لك مِنْ طولِ القِيامِ. قال: "أتدْري مَنْ هذا؟ ".
قلتُ: لا. قال:
" [
ذاك] جبريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما زالَ يوصيني بالجارِ حتى ظَنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُه، أَمَا إنَّك لو سلِّمْتَ عليه لَردَّ عليكَ السلامَ".
رواه أحمد بإسناد جيد، ورواته رواة "الصحيح".

2573 - (26) [
صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على ناقَتِه الجَدعاءِ في حِجَّةِ الوَداعِ يقول:
"
أوصيكُم بالجَارِ"، حتَّى أكْثَر، فقلتُ: إنَّه يوَرِّثُهُ.
رواه الطبراني (3) بإسناد جيد.
__________
(1)
الأصل: (الأنصاري)، والتصويب من "المسند" والمخطوطة و"مكارم الأخلاق" (ص 35 و36).
(2)
كذا الأصل، وهو كذلك في الرواية في "المسند" (5/ 365)، وفي رواية أخرى عنده (5/ 32): "من" ولعلها أصح، والزيادة أصح، والزيادة الأولى منهما والأخرى من الثانية، والسياق مركب منهما.
(3)
قلت: في "المعجم الكبير" (8/ 130/ 7523)، ورواه أحمد (5/ 267) مختصراً، وسندهما حسن أو صحيح.

(2/687)


2574 - (27) [
صحيح] وعن مجاهد:
أنَّ عبدَ الله بنَ عَمْرو رضي الله عنهما ذُبِحَتْ لهُ شاةٌ في أهْلِهِ، فلمَّا جاءَ قال: أهْدَيْتُم لِجارِنا اليَهودِيَّ، أهْديْتُم لِجارِنا اليَهوديِّ؟ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما زال جبريلُ يوصيني بالجَارِ حتى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُهُ".
رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن غريب" (1).
(
قال الحافظ):
"
وقد روي هذا المتن من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم".

2575 - (28) [
صحيح لغيره] وعن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مِنْ سعادَةِ المرْءِ؛ الجارُ الصالحُ، والمرْكَبُ الهنيءُ، والمسْكنُ الواسعُ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح" (2).

2576 - (29) [
صحيح] وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أربعٌ مِنَ السعادَةِ: المرأةُ الصالِحَةُ، والمسْكَنُ الواسعُ، والجارُ الصالِحُ، والمرْكَبُ الهَنيءُ.
وأربعٌ مِنَ الشَّقاءِ: الجارُ السوءُ، والمرأَةُ السوءُ، والمركَبُ السوءُ، والمسْكَنُ الضيِّقُ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" [مضى 17 - النكاح/ 2].
__________
(1)
قلت: فاته البخاري في "الأدب المفرد" (128).
(2)
والبخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (116)، وانظر "الصحيحة" (282/ 1803).

(2/688)


6 - (
الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين، وما جاء في إكرام الزائرين (1)).
2577 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ رجُلاً زارَ أخاً له في قَرْيَةٍ [أخرى]، فأرْصَد الله تعالى [له] على مَدرَجتِه مَلَكاً، فلمَا أتى عليه قال: أينَ تُريدُ؟ قال: أريدُ أخاً لي في هذه القَرْيَةِ، قال: هَلْ لك عليه مِنْ نِعْمةٍ تَربُّها؟ قال: لا، غير أني أحْبَبْتُه في الله، قال: فإنِّي رسولُ الله إليكَ؛ بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحْبَبْتَهُ فيه".
رواه مسلم.
(
المَدْرَجَةُ) بفتح الميم والراء: الطريق.
وقوله: (تَرُبُّها): أي: تقوم بها وتسعى في صلاحها.

2578 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال: رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ عادَ مريضاً، أو زارَ أخاً له في الله؛ ناداه منادٍ: أنْ طِبْتَ وطابَ مَمْشاكَ، وتَبوَّأْتَ مِنَ الجنَّةِ مَنْزِلاً".
رواه ابن ماجه والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن"، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من طريق أبي سنان عن عثمان بن أبي سودة عنه.

2579 - (3) [
حسن صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ عبدٍ أتى أخاه يزورُه في الله، إلا ناداهُ [منادٍ] (2) مِنَ السماءِ: أَنْ طِبْتَ وطابَتْ لَكَ الجنَّةُ، وإلا قالَ الله في مَلكُوتِ عرشِه: عَبْدي زارَ فِيَّ،
__________
(1)
انظر أحاديث هذه الفقرة في "الضعيف".
(2)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "زوائد البزار" (2/ 389/ 1918)، والسياق له، ومنه الزيادة الثانية، ولفظ أبي يعلى (4140): "فلم أرض له بقرى دون الجنة".

(2/689)


وعَليَّ قِرَاهُ، فَلمْ يَرْضَ [الله] له بثَوابٍ دونَ الجنَّةِ".
رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد.

2580 - (4) [
حسن لغيره] وعن أنس أيضاً عنِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ألا أُخْبِرُكم بِرِجالِكُم في الجنَّة؟ ".
قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
النبيُّ في الجنَّةِ، والصدِّيقُ في الجنَّةِ، والرجلُ يزورُ أخَاه في ناحيةِ المِصْرِ لا يزورُه إلا لله في الجنةِ" الحديث.
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وتقدم بتمامه في "حق الزوجين" [17 - النكاح/ 3].

2581 - (5) [
صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قال الله تبارَك وتَعالى: وجَبَتْ محَبَّتي لِلْمُتحابِّينَ فِيَّ، وللمُتَجالِسينَ فِيَّ، ولِلْمُتَزاوِرِينَ فِيَّ، ولِلْمُتَباذِلينَ فيَّ".
رواه مالك بإسناد صحيح، وفيه قصة أبي إدريس، وسيأتي بتمامه في "الحب في الله" مع حديث عمرو بن عبسة [23 - الأدب/ 31].

2582 - (6) [
صحيح] وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
انطلقوا بنا إلى بني واقفٍ نزور البصيرَ. رجل كان مكفوفَ البصرِ".
رواه البزار بإسناد جيد (1).
__________
(1)
قلت: أسنده من حديث جابر بن عبد الله أيضاً (1919 - 1920)، وهو الأرجح كما كنت فصلته في "الصحيحة" (515).

(2/690)


2583 - (7) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبّاً".
رواه الطبراني.

2584 - (8) [
صحيح] ورواه البزار من حديث أبي هريرة، ثم قال:
"
لا يُعلم فيه حديث صحيح".
(
قال الحافظ):
"
وهذا الحديث قد رُوي عن جماعة من الصحابة، وقد اعتنى غير واحد من الحفاظ بجمع طرقه والكلام عليها، ولم أقف له على طريق صحيح كما قال البزار، بل له أسانيد حسان عند الطبراني وغيره، وقد ذكرت كثيراً منها في غير هذا الكتاب (1). والله أعلم".

2585 - (9) [
حسن] وروى ابن حبان في "صحيحه" عن عطاء قال:
دخلتُ أنا وعُبَيْدُ بْن عُمَيْرٍ على عائشة رضي الله عنها، فقالتْ لعُبَيْدِ بْنِ عُمَيرٍ:
قد آنَ لك أنْ تَزورَنا.
فقال: أقولُ يا أُمَّهْ كما قال الأوَّلُ: "زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبّاً".
قال: فقالتْ: دعونا مِنْ بَطالَتِكم هذه.
قال ابن عُمَيْرٍ: أخْبِرينا بأعْجَبِ شيْءٍ رأَيتيهِ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فذكر الحديث في نزول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. [مضى تمامه 13 - القراءة/ 6 دون ما هنا].
__________
(1)
قلت: وقد خرجت بعضها في "الروض النضير" (برقم - 278).

(2/691)


7 - (
الترغيبُ في الضيافَةِ وإكرامِ الضيفِ، وتأكيد حقِّهِ، وترهيبُ الضيفِ أنْ يُقيم حتى يُؤْثِمَ أهْلَ المنزل).
2586 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كان يؤمن بالله واليومِ الآخِرِ؛ فليُكْرِمْ ضيْفَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنْ بالله واليومِ الآخِر؛ فلْيَصِلْ رحِمَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيَقُلْ خيراً أوْ ليصْمُتْ".
رواه البخاري ومسلم (1). [مضى هنا/ 3].

2587 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: دخل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
ألَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تقومُ اللَّيلَ وتصومُ النهارَ؟ ".
قلتُ: بَلى. قال:
"
فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ؛ فإنَّ لَجَسدِكَ عليكَ حقّاً، وإنَّ لِعَيْنِكَ عليكَ حقّاً، وإنَّ لزَوْرِكَ عليك حقّاً، وإنَّ لزَوْجِكَ عليك حقَّاً" الحديث.
رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وغيرهما. [مضى بلفظ مسلم 9 - الصوم/ 12].
قوله: "وإنَّ لزورك عليك حقاً" أي: وإن لزوارك وأضيافك عليك حقاً، يقال للزائر: (زَوْر) بفتح الزاي سواء فيه الواحد والجمع.

2588 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنِّي مَجْهودٌ. فأرْسَل إلى بعض نسائه فقالتْ: لا والَّذي بعَثك بالْحَقِّ ما عندي إلا ماءٌ، ثم أرسل إلى أُخْرى،
__________
(1)
سبق تخريجه وبيان أنه ليس فيه عند مسلم جملة "فليصل رحمه".

(2/692)


فقالَتْ مثلَ ذلك، حتى قُلْنَ كلُّهُنَّ مثلَ ذلك: لا والذي بعَثَك بالْحَقِّ ما عندي إلا ماءٌ. فقال:
"
مَنْ يُضِيفُ هذا اللَّيْلَةَ رحِمَهُ الله؟ ".
فقامَ رجلٌ مِنَ الأنْصارِ فقال: أنا يا رسولَ الله، فانطلَق بِه إلى رَحْلِه، فقال لامْرأَته: هل عندَكِ شيءٌ؟ قالت: لا إلا قُوتَ صِبياني، قال: فَعَلِّلِيهم بشيءٍ، فإذا أرادوا العَشَاء فَنَوِّمِيهِمْ، فإذا دَخَل ضيْفُنا فأَطْفئيِ السِّراج، وأَريهِ أنَّا نأْكُلُ.
-
وفي رواية:- فإذا أَهْوى لِيَأْكلَ فقومي إلى السِّراج حتى تُطْفِئيهِ، قال: فَقَعدوا وَأَكَلَ الضيفُ وباتا طاوِييْنِ، فلمَّا أصبَح غدا عليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
قد عَجِبَ الله مِنْ صَنيعِكُما بضَيْفِكُما"، -زاد في رواية:
فنزَلَتْ هذه الآيةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} -.
رواه مسلم وغيره (1).

2589 - (4) [
صحيح] وعن أبي شريحٍ خويلد بن عمروٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلْيُكْرِمْ ضيفَهُ، جائزتُه يومٌ وليلَةٌ، والضيافَةٌ ثلاثَة أيَّامٍ، فما كان بَعد ذلك فهو صَدَقةٌ، ولا يحلُّ له أنْ يَثوِيَ عنده حتّى يُحْرِجَهُ".
رواه مالك، والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
__________
(1)
قال الناجي: "كذا رواه البخاري أيضاً بنحوه في موضعين".
قلت: وليس عند مسلم (6/ 128) جملة التنويم، وإنما هي عند البخاري في رواية (4889)، ولمسلم مختصرها، وهو رواية للبخاري (3798)، وفيها قوله: "وباتا طاويين". والحديث في "الصحيحة" برقم (3272).

(2/693)


قال الترمذي:
"
ومعنى (لا يثوي): لا يقيم حتى يشتد على صاحب المنزل، و (الحرج): الضيق" انتهى.
(
وقال الخطابي): " [معناه] (*) لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد ثلاثة أيام من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره فيبطل أجره" انتهى.
(
قال الحافظ):
"
وللعلماء في هذا الحديث تأويلان:
أحدهما: أنه يعطيه ما يجوز به ويكفيه في يوم وليلة إذا اجتاز به، وثلاثة أيام إذا قصده.
والثاني: يعطيه ما يكفيه يوماً وليلة يستقبلهما بعد ضيافته".

2590 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
للِضيْفِ على مَنْ نَزل به من الحقّ ثلاثٌ، فما زادَ فهو صدَقةٌ، وعلى الضيْفِ أنْ يَرْتَحِلَ؛ لا يُؤْثِمُ أهْلَ المَنْزِلِ".
رواه أحمد (1) وأبو يعلى والبزار، ورواته ثقات سوى ليث بن أبي سليم.

2591 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أيُّما ضيْفٍ نزلَ بقومٍ فأصْبَح الضيفُ مَحْروماً؛ فله أنْ يأْخُذَ بقدرِ قِراهُ، ولا حَرَج عليه".
__________
(1)
لم أره عنده من حديث أبي هريرة، ولا عزاه إليه الهيثمي في "المجمع" (8/ 176)، وإنما رواه (4/ 31) من حديث أبي شريح المتقدم آنفاً نحوه. وهو رواية لمسلم.

(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته وقال: هي في الأصل (المنيرية)، وسائر الطبعات

(2/694)


رواه أحمد ورواته ثقات، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2592 - (7) [
صحيح] وعن أبي كريمة -وهو المقدام بن معد يكرب الكندي- رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليلةُ الضيْفِ حقٌّ على كل مسْلِمٍ، فمَنْ أصْبَح بِفنائِه فهو عليه دَيْنٌ، إنْ شاءَ اقْتَضَى (1)، وإنْ شاءَ تَركَ".
رواه أبو داود وابن ماجه.

2593 - (8) [
صحيح لغيره] وعن التَّلِبِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
الضيافةُ ثلاثة أيام حقٌّ لازمٌ، فما كان بعد ذلك فصدقة".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد فيه نظر (2).

2594 - (9) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ كانَ يؤمِنْ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيُكْرِمْ ضيفَهُ -قالها ثلاثاً-".
قال رجلٌ: وما كَرامَة الضيفِ يا رسولَ الله؟ قال:
"
ثلاثَةُ أيّامٍ، فما زادَ (3) بعدَ ذلك فهوَ صدَقَة".
رواه أحمد مطولاً ومختصراً بأسانيد أحدها صحيح، والبزار وأبو يعلى.
__________
(1)
الأصل: (قضى)، وهو تصحيف ظاهر؛ كما قال الناجي، ولم يتنبه لذلك المعلقون الثلاثة لعجمتهم!
(2)
قلت: لكن يشهد له الحديث (4 و5)، وزيادة: "حق لازم" يشهد لمعناها كل أحاديث الباب، على أنها لم ترد في رواية "الأوسط" (3/ 288) وهو رواية لأبي نعيم في "المعرفة" (3/ 215/ 1292).
(3)
في "المسند" (3/ 76): "فما جلس"، وهو في بعض نسخ الكتاب، وهو لفظ "مجمع الزوائد" كما قال الناجي (191/ 2).

(2/695)


2595 - (10) [
صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الضيافَةُ ثلاثَةُ أيَّامٍ، فما زادَ فهو صَدَقةٌ، وكلُّ معروفٍ صدَقةٌ".
رواه البزار، ورواته ثقات.
(
قال الحافظ):
وتقدم "باب في إطعام الطعام" [8 - الصدقات/ 17]، وفيه غير ما حديث يليق بهذا الباب، لم نُعِدْ منها شيئاً.

8 - (
الترهيب من أنْ يحتقر المرء ما قدم إليه، أو يحتقر ما عنده أنْ يقدمه للضيف).
[
لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].

(2/696)


9 - (
الترغيب في زرع وغرسِ الأشجار المثمرةِ).
2596 - (1) [
صحيح] عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ مسلم يغْرِسُ غَرساً؛ إلا كانَ ما أُكِلَ منه لَهُ صدقَةً، وما سُرِقَ منه؛ له صدقَة، [وما أكل السبُعُ منه؛ فهو له صدقة، وما أكل الطير منه؛ فهو له صدقة] (1)، ولا يَرزَؤه أحدٌ؛ إلا كانَ له صدقَةً إلى يومِ القِيامَةِ".
[
صحيح] وفي رواية:
"
فلا يغرِسُ المسلمُ غَرْساً فيأكُلُ منه إنسانٌ ولا دابَّةٌ ولا طيرٌ؛ إلا كانَ له صدَقةً إلى يومِ القِيامةِ".
[
صحيح] وفي رواية له:
"
لا يَغْرِسُ مسلمٌ غَرساً ولا يَزرَعُ زَرْعاً فيأْكُلُ منه إنسانٌ ولا دابَّةٌ ولا شيْءٌ؛ إلا كانَتْ لَهُ صدقةً".
رواه مسلم.
(
يَرْزَؤه) بسكون الراء وفتح الزاي بعدهما همزة معناه: يصيب منه وينقصه.

2597 - (2) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ مسلمٍ يغرِس غرساً، أو يزرَعُ زَرْعاً، فيأكُلُ منه طيرٌ أوْ إنْسانٌ، إلا كانَ له به صدَقَةٌ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي.
__________
(1)
سقطت من الأصل واستدركتها من "مسلم" (5/ 27)، لكن ليس فيه قوله: "إلى يوم القيامة"، فالظاهر أنها خطأ من الناسخ؛ انتقل بصره إلى الرواية التي تليها. ولم يتنبه لهذا كله المقلدون الثلاثة الذين همهم تسويد السطور!!

(2/697)


2598 - (3) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَغْرِسُ مسلمٌ غَرساً، ولا يَزرَعُ زَرْعاً، فيأكُلُ منه إنْسانٌ ولا طائرٌ ولا شَيْءٌ؛ إلا كانَ لَه أجْرٌ".
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

2599 - (4) [
حسن صحيح] وعن خلادِ بنِ السائبِ عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ زرَع زرعاً فأَكَل منه الطيرُ أوِ العافِيَةُ (1)؛ كانَ له صدقَةٌ".
رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن (2).

2600 - (5) [
حسن صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً مرَّ به وهو يغْرسُ غَرْساً بدِمَشْقَ فقال له: أتَفْعلُ هذا وأنتَ صاحِبُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قال: لا تَعْجَلْ عليَّ، سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ غَرس غَرْساً لَمْ يأكُلْ منه آدَمِيُّ ولا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله؛ إلا كانَ لَهُ به صَدقَة".
رواه أحمد، وإسناده حسن بما تقدم.
__________
(1) (
العافية) و (العوافي): كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر.
(2)
يشهد له أحاديث الباب وحديث جابر: "من أحيا أرضاً ميتة له بها أجر، وما أكلت منه العافية فله به أجر". وهو مخرج في "الصحيحة" (568)، ورواه البزار في (2/ 267) يلفظ: "فله منها صدقة".

(2/698)


[
حسن لغيره] وتقدم في "كتاب العلم" [1/ 3] وغيره حديث أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهن وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً؛ أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".
رواه البزار وأبو نعيم والبيهقي.

(2/699)


10 - (
الترهيب من البخل والشح، والترغيب في الجود والسخاء).
2601 - (1) [
صحيح] عن أنسٍ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول:
"
اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنَ البُخلِ، والكَسَلِ، وأرْذَلِ العُمُر، وعذابِ القَبْرِ، وفتْنَةِ المَحْيا والممَاتِ".
رواه مسلم وغيره.

2602 - (2) [
صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اتَّقوا الظُّلْمَ؛ فإنَّ الظُّلْمَ ظُلماتٌ يومَ القِيامَةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهْلَك مَنْ كانَ قَبْلَكُم؛ حمَلَهُم على أنْ سَفَكوا دماءَهُم، واسْتَحلُّوا محارِمَهُم".
رواه مسلم (1).
(
الشح) مثلث الشين: هو البخل والحرص.
وقيل: (الشح): الحرص على ما ليس عندك، والبخل بما عندك.

2603 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إيَّاكُمْ والفُحْشَ والتفحُّشَ، فإنَّ الله لا يُحِبُّ الفاحِشَ والمتفَحُّشَ، وإيَّاكُمْ والظُّلمَ، فإنَّه هو الظُّلماتُ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكُمْ والشُّحَّ، فإنَّه دعا مَنْ كانَ قَبلَكُم فَسَفكوا دِماءَهم، ودَعا مَنْ كان قَبْلَكُم فَقَطَّعوا أرْحامَهُمْ، ودَعا مَنْ كانَ قبْلَكُم فاسْتَحَلوا حُرُماتِهِمْ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له، وقال:
"
صحيح الإسناد" (2).
__________
(1)
قلت: والبخاري في "الأدب المفرد" (483 و488).
(2)
قلت: فاته أيضاً البخاري في "الأدب المفرد" (470 و487).

(2/700)


2604 - (4) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمر [و] (1) رضي الله عنهما قال:
خطَبَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
إيَّاكُمْ والظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظلُماتٌ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكُمْ والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ، وإيَّاكُمْ والشُّحَّ، فإنَّما هلَكَ مَنْ كان قَبْلَكُم بالشُّحِّ، أَمَرهُم بالقَطيعةِ فقَطَّعوا، وأَمَرهُم بالبُخْلِ فبَخِلوا، وأمَرهُمْ بالفُجورِ فَفَجَروا".
فقامَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ الله! أيُّ الإِسْلامِ أفْضَل؟ قال:
"
أنْ يَسْلَم المسلمونَ مِنْ لِسانِكَ وَيدِكَ".
فقال ذلك الرجل أو غَيْرُه: يا رسولَ الله! أيُّ الهِجْرَةِ أفْضَلُ؟ قال:
"
أنْ تَهْجُرَ ما كَرِهَ ربُّكَ، والهِجْرَة هِجْرتَانِ: هجْرَةُ الحاضِرِ، وهِجْرَةُ البَادِي، فهِجْرَةُ البادِي أنْ يُجيبَ إذا دُعيَ، ويُطيعَ إذا أمِرَ، وهِجْرَةُ الحاضِرِ أعْظَمُها بَلِيَّةً، وأفضَلُها أجراً".
رواه أبو داود مختصراً، والحاكم واللفظ له، وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2605 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
شرُّ ما في الرجلِ؛ شحٌّ هالعٌ، وجُبْنٌ خالعٌ".
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
قلت: سقطت من الأصل، واستدركتها من "المستدرك" من ثلاث روايات له (1/ 11/ و415)، ومن أبي داود وغيرهما، وقد خلط الشيخ الناجي هنا -على خلاف عادته- فزعم أن الحديث عند الحاكم عن (ابن عمر) من رواية بكر بن عبد الله عنه، وأن بكراً لم يرو عن (ابن عمرو بن العاص)، وكل ذلك وهم، وإنما رواه الحاكم عن أبي كثير زهير بن الأقمر عن ابن عمرو، وكذا رواه جمع، وتفصيل هذا مما لا مجال له هنا، فانظر "الصحيحة" (858) إن شئت البيان، وهو في "صحيح أبي داود" (1489)، وأمَّا المقلدون فلا يزالون في غفلتهم ساهون!

(2/701)


قوله: "شحٌّ هالع" أي: محزن، والهلع أشد الفزع (1).
وقوله: "جبن خالع": هو شدة الخوف وعدم الإقدام، ومعناه: أنَّه يخلع قلبه من شدة تمكنه منه.

2606 - (6) [
حسن] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يجتَمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودُخانُ جهَنَّم في جوْفِ عبدٍ أبداً، ولا يجتَمعُ شُحٌّ وإيمانٌ في قلبِ عبدٍ أبداً".
رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له.
ورواه أطول منه بإسناد على شرط مسلم. وتقدم في "الجهاد" [12/ 6 - باب].

2607 - (7) [
حسن لغيره] ورُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثٌ مُهْلِكاتٌ، وثلاث مُنْجِياتٌ، وثلاثٌ كفَّاراتٌ، وثلاثٌ دَرجاتٌ، فأمَّا المُهْلِكاتُ: فشحٌّ مطاعٌ، وهوى مُتَّبَعٌ، وإعْجابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ" الحديث.
رواه الطبراني في "الأوسط".
وتقدم في "باب انتظار الصلاة" حديث أنسٍ بنحوه [5 - الصلاة/ 22].

2608 - (8) [
صحيح لغيره] ورُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خصلتان لا يجتمعان في مؤمنٍ: البخلُ، وسوءُ الخُلُقِ".
رواه الترمذي وغيره، وقال الترمذي:
__________
(1)
كذا الأصل بالفاء؛ وهو تصحيف. قال الناجي: "ولعله من بعض النساخ، وإنما هو (الجزع) بلا شك".

(2/702)


"
حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى". (1)

2609 - (9) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
المؤمِنُ غِرٌّ كريمٌ، والفاجِرُ خَبٌّ لَئيمٌ" (2).
رواه أبو داود، والترمذي وقال:
"
حديث غريب".
(
قال الحافظ):
"
لم يضعفه أبو داود، ورواتهما ثقات سوى بشر بن رافع، وقد وثق".
قوله: "غِرٌّ كريم" أي: ليس بذي مكرٍ ولا فطنةٍ للشر، فهو ينخدع لانقياده ولينه.
و (الخَبّ) بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر: هو الخدّاع الساعي بين الناس بالشر والفساد.
__________
(1)
انظر "الصحيحة" (278).
(2)
قال الجوهري وغيره: (اللئيم): الدنيء الأصل، الشحيح النفس.

(2/703)


11 - (
الترهيب من عَوْدِ الإنسان في هِبَتِهِ).
2610 - (1) [
صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الذي يَرْجعُ في هِبَتِه؛ كالكلْبِ يرجعُ في قَيْئِه".
وفي رواية:
"
مثَلُ الذي يعودُ في هِبَتِهِ؛ كَمثَلِ الكلْبِ يَقيءُ ثُمَّ يَعودُ في قَيْئِه فيأكلُه".
رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولفظ أبي داود:
"
العائِدُ في هِبَتِهِ؛ كالعائدِ في قَيْئِه".
قال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حراماً.

2611 - (2) [
صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
حَمَلْتُ على فرسٍ في سبيلِ الله، [فأضاعه الذي كان عنده،] فأردْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ، فظنَنْتُ أنَّه يَبيعُه بِرُخْصٍ، فسألتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال:
"
لا تَشْتَرِه، ولا تَعُدْ في صدَقَتِكَ، وإنْ أعْطاكَه بِدرْهَمٍ، فإن العائِدَ في صدَقَتهِ؛ كالعائد في قَيْئه".
رواه البخاري ومسلم. (1)
قوله: "حملت على فرس في سبيل الله" أي: أَعطيتُ فرساً لبعض الغزاة، ليجاهد عليه.

2612 - (3) [
صحيح] وعن ابن عمر وابن عباسٍ رضي الله عنهم؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَحِلُّ لرجلٍ أن يُعطِيَ لرجل عَطيَّةً، أو يَهبَ هِبةً ثُمَّ يرجعُ فيها، إلا
__________
(1)
قلت: والسياق للبخاري (2623) إلا في بعض الأحرف، والزيادة منه، وقوله: "ولا تعد في صدقتك" إنما هو عند مسلم (5/ 63).

(2/704)


الوالِدُ فيما يُعْطي ولَدَهُ، وَمَثَلُ الذي يرجعُ في عطِيَّتِه أو هِبَتِهِ؛ كالكَلْبِ يأكُلُ، فإذا شَبعَ قاءَ ثمَّ عاد في قَيْئه".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح" (1).

2613 - (4) [
حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن عبد الله بنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مثلُ الذي يَسْتَرِدُّ ما وَهَب؛ كمثَلِ الكَلْبِ؛ يَقيءُ فيأكُلُ قيئَهُ، فإذا اسْتَردَّ الواهِبُ فلْيوقِفْ، فَلْيَعْرِفْ بِما اسْتَرَدَّ، ثُمَّ لْيَدفْعَ إليه ما وهَب".
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
__________
(1)
قلت: ليس عند الترمذي: "ومثل الذي. . ."، ولم يصححه، وإنما صحح حديث ابن عباس المتقدم. وهو مخرج في "الإرواء" (1622).

(2/705)


12 - (
الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم، وما جاء فيمن شفَعَ فأُهْدِىَ إليه).
2614 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
المسلمُ أخو المسلمِ لا يظْلِمه، ولا يسْلِمُه (1)، مَنْ كان في حاجة أخيه؛ كانَ الله في حاجَتِه، ومَنْ فَرَّجَ عنْ مسلمٍ كرْبةً؛ فرَّجَ الله عنه بها كُربَةً مِنْ كُرَبِ يومِ القِيامَةِ، ومَنْ سَتَر مسلِماً؛ سَتَرهُ الله يومَ القِيامَةِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
[
حسن لغيره] وزاد فيه رزين العبدري:
"
ومَنْ مَشى مَعَ مَظْلومٍ حتى يُثْبِتَ له حقَّه؛ ثَبَّتَ الله قدمَيْهِ على الصِّراطِ يومَ تزولُ الأقْدامُ".
ولم أر هذه الزيادة في شيء من أصوله، إنما رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كما سيأتي [أواخر الباب].

2615 - (2) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مسلمٍ كُربةً مِنْ كُرَبِ الدنيا؛ نَفَّسَ الله عنه كُرْبةً مِنْ كُربِ يومِ القِيامَةِ، ومَن يَسَّر على مُعْسرٍ في الدنيا؛ يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخِرَةِ، ومَنْ سَتَر على مسلمٍ في الدنيا؛ سَتَر الله عليه في الدنيا والآخِرَةِ، والله في عَوْنِ العبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عونِ أَخيه".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال:
__________
(1)
انظر التعليق المتقدم (21 - الحدود/ 3).

(2/706)


"
صحيح على شرطهما". [مضى بتتمة له ج 1/ 3 - العلم/ 1].

2616 - (3) [
حسن لغيره] وروي عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إن لله عند أقوامٍ نعماً أقرها عندهم؛ ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم".
رواه الطبراني.

2617 - (4) [
حسن لغيره] وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ لله أقْواماً اختَصَّهُم بالنِّعَمِ لمنَافعِ العِبادِ، يُقرُّهُم فيها ما بَذلُوها، فإذا مَنَعُوها نَزَعها منهم، فَحوَّلها إلى غَيْرِهِمْ".
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". ولو قيل بتحسين سنده لكان ممكناً.

2618 - (5) [
حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ عبدٍ أنْعم الله عليه نِعْمةً فأسْبَغَها عليه، ثُمَّ جعلَ مِنْ حوائجِ الناسِ إليه فتَبَرَّمَ؛ فقدْ عرَّض تلكَ النِّعْمَة لِلزَّوالِ".
رواه الطبراني بإسناد جيد.

2619 - (6) [
صحيح لغيره] وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه عنْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يزالُ الله في حاجَةِ العبْدِ ما دامَ في حاجَةِ أَخيه".
رواه الطبراني، ورواته ثقات.

(2/707)


2620 - (7) [
صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
على كلِّ مسلم صدَقَةٌ".
قيلَ: أرأيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قال:
"
يَعْتمِلُ بيده فيَنفَعُ نفْسَه ويتَصدَّقُ".
قال: أرأيْتَ إِنْ لَمْ يسْتَطعْ؟ قال:
"
يُعينُ ذا الحاجَةِ الملْهوفَ".
قال: قيلَ له: أرأيتَ إنْ لَم يسْتَطعْ؟ قال:
"
يأمُرُ بالمعروفِ أوِ الخيرِ".
قال: أرأيتَ إنْ لَمْ يفْعَلْ؟ قال:
"
يُمْسِكُ عنِ الشرِّ، فإنها صدَقَةٌ".
رواه البخاري ومسلم.

2621 - (8) [
حسن لغيره] وروي عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً:
"
أفْضلُ الأعْمالِ إدخالُ السرورِ على المؤمِن؛ كَسَوْتَ عوْرَتَهُ، أوْ أشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أو قَضَيْتَ لَهُ حاجةً".
رواه الطبراني في "الأوسط". [مضى ج 1/ 8 - الصدقات/ 17/ 11].

2622 - (9) [
حسن لغيره] ورواه أبو الشيخ من حديث ابن عمر، ولفظه:
"
أحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ: سرورٌ تُدخِلُه على مسلمِ، أوْ تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَطْرُدُ عنه جَزَعاً، أوْ تَقْضي عنه دَيْناً".

(2/708)


[
مضى هناك].

2623 - (10) [
حسن لغيره] ورُوِيَ عنْ عبدِ الله بنِ عمر رضي الله عنهما:
أنَّ رجلاً جاءَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
يا رسولَ الله! أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله؟ [وأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟] (1)، فقال:
"
أحبُّ الناسِ إلى الله أنْفَعُهم لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُه على مسلمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عنه دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حاجَة؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ -يعني مسجدَ المدينَةِ- شَهْراً، ومَنْ كَظَم غيْظَهُ- ولو شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أمْضاهُ-؛ ملأَ الله قلْبَهُ يومَ القيامَةِ رِضاً، ومَنْ مَشى مَع أخيه في حاجَةٍ حتى يَقْضِيَها له؛ ثَبَّتَ الله قدَميْه يومَ تزولُ الأقْدامُ".
رواه الأصبهاني، واللفظ له.
ورواه ابن أبي الدنيا عن بعض أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2)، ولَمْ يُسَمِّهِ.
__________
(1)
قال الناجي: "سقط هذا هنا ولا بد منه".
قلت: وهو في "ترغيب الأصبهاني" (1/ 475 - 476).
(2)
قلت: وذا لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في علم المصطلح، وعليه يؤخذ على المؤلف تضعيفه للحديث بتصديره إياه بقوله: (روي)، وتقصيره في عزوه للأصبهاني دون الطبراني، وقد أخرجه في "معاجمه الثلاثة"، وهو مخرج عندي في "الروض النضير" (481)، والتضعيف غير مسلَّم بالنسبة لإسناد ابن أبي الدنيا، فإنه حسن كما هو مبين في "الصحيحة" (906)، وجهل هذا الفرق المعلقون الثلاثة، فصدروا تخريجهم للحديث بالتصريح بقولهم: "ضعيف، رواه. . ."!

(2/709)


2624 - (11) [
صحيح] وعنْ أَبِي أمامَة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ شَفَع شفَاعَةً لأَحدٍ فأُهْديَ له هَديَّةٌ عليها فَقَبلَها؛ فقد أتى باباً عظيماً مِنْ أبوابِ الربا (1) ".
رواه أبو داود عن القاسم بن عبد الرحمن عنه.
* * *
[
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم].
انتهى المجلد الثاني من "صحيح الترغيب والترهيب" والحمد لله عز وجل، ويليه إن شاء الله المجلد الثالث والأخير، وأوله:
"23 -
كتاب الأدب وغيره"
__________
(1)
الأصل: (الكبائر)، والتصويب من "أبي داود" (3541) و"المسند" (5/ 261).
وكالعادة غفل عنه المسودون!

(2/710)


صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب

تأليف
محمد ناصر الدين الألباني
رحمه الله

الجُزء الثالث

مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع
لِصَاحِبَهَا سَعد بن عَبْد الرحمن الراشِد
الريَاض

(3/1)


جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأية وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر.

الطبعة الأولى
1421
هـ - 2000 م

(
ح) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1421 هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الألباني، محمد ناصر الدين
صحيح الترغيب والترهيب للمنذري - الرياض
864
ص، 17.5 × 25 سم
ردمك: 9 - 04 - 858 - 9960 (مجموعة)
3 - 07 - 858 - 9960 (
ج 3)
1 -
الحديث - شرح
ديوي 237.3
2 -
الحديث - جوامع الفنون
0277/ 21
أ - العنوان

رقم الإيداع: 0277/ 21
ردمك: 9 - 04 - 858 - 9960 (مجموعة)
3 - 07 - 858 - 9960 (
ج 3)

مكتبة المعَارف للنّشْرِ والتوزيع
هاتف: 4114535 - 4113350
فاكس 4112932 - صَ. بَ: 3281
الريَاض الرمز البريدي 11471

(3/2)


23 -
كتاب الأدب وغيره.
1 - (
الترغيب في الحياء وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء).
2625 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ على رجلٍ مِن الأنصارِ وهو يعِظُ أخاه في الحَياء، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
دَعْهُ فإنَّ الحياءَ مِنَ الإيمانِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

2626 - (2) [
صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الحياءُ لا يأْتي إلا بِخَيْرٍ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:
"
الحياءُ خَيرٌ كُلُّهُ".

2627 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الإيمانُ بِضْعٌ وسبْعونَ أوْ بِضْعٌ وستُّونَ شُعْبةً، فأفضَلُها قولُ لا إله إلا الله، وأدْناها إماطَةُ الأَذى عنِ الطريقِ، والحياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(3/3)


2628 - (4) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الحياءُ مِنَ الإيمانِ، والإيمانُ في الجنَّةِ، والبِذاءُ (1) مِنَ الجفَاءِ، والجَفاءُ في النارِ".
رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"؛ وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".

2629 - (5) [
صحيح] وعن أبي أُمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الحياءُ والعِيُّ شُعْبَتانِ مِنَ الإيمانِ، والبِذاءُ والبَيانُ شعْبتانِ مِنَ النِّفَاقِ".
رواه الترمذي (2) وقال:
"
حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف.
و (العِيّ): قلة الكلام، و (البذاء): هو الفحش في الكلام. و (البيان): هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام، ويتفصّحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله" انتهى.

2630 - (6) [
صحيح لغيره] ورُوي عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال:
كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذُكرَ عنده الحياءُ، فقالوا: يا رسول الله! الحياءُ من الدين؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
بل هو الدِّينُ كلُّه". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1) (
البذَاء) كالمباذأة: المفاحشة. كما في "القاموس"، و (الجفاء) ضد البر. كما في "مختار الصحاح".
(2)
قلت: وجمع آخرون منهم الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأما الجهلة الثلاثة فخبطوا كعادتهم خبط عشواء، فقالوا: "حسن بشواهده"، وقد بينت جهلهم هذا وخلطهم لهذا الحديث بحديث أبي أمامة الآخر المذكور في "الضعيف"، وهو موضوع، فخلطوا بين الصحيح والموضوع، وتوسطوا بينهما فحسنوه، وقد توليت بيان ذلك كله في "الضعيفة" (6884).

(3/4)


"
إن الحياءَ والعفافَ والعِيَّ -عيَّ اللسان، لا عيَّ القلبِ-، والفقهَ (1) من الإيمانِ، وإنهن يزِدْنَ في الآخرةِ، وَينْقُصْنَ من الدنيا، وما يَزِدْنَ في الآخرةِ أكثرُ مما يَنقُصْنَ من الدنيا.
وإنّ الشُّحَّ والعَجْزَ والبذاء من النفاق، وإنهن يَزِدْنَ في الدنيا، وَينْقُصْنَ من الآخرة، وما يَنْقُصْنَ من الآخرةِ أكثر مما يَزِدْنَ من الدنيا".
رواه الطبراني باختصار، وأبو الشيخ في "الثواب"، واللفظ له.

2631 - (7) [
حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
". . .
لو كان الفحشُ رجلاً لكان رجلاً سوءاً".
رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وأبو الشيخ أيضاً، وفي إسنادهما ابن لهيعة، وبقية رواة الطبراني محتج بهم في "الصحيح".

2632 - (8) [
صحيح لغيره] وعن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه؛ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقاً، وخُلُق الإسْلامِ الحَيَاءُ".
رواه مالك.

2633 - (9) [
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه وغيره عن أنسٍ مرفوعاً.

2634 - (10) [
صحيح لغيره] ورواه أيضاً من طريق صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباسٍ قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فذكره.
__________
(1)
الأصل: "العفة"، وهو تكرار لا معنى له، والتصحيح من "مكارم ابن أبي الدنيا"، ولعل الأنسب للسياق وللمصادر الأخرى بلفظ: "والعمل" كما في رواية "تاريخ البخاري"، و"كبير الطبراني"، و"حلية الأصبهاني"، وثلاثة كتب البيهقي، منها "السنن"، وليس عندهم لفظ "العجز" إلا عند ابن أبي الدنيا، وفي "الشعب" مكانها: "والفحش"، وسياق الطبراني لا اختصار فيه إلا هذه اللفظة.

(3/5)


2635 - (11) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما كانَ الفُحْشُ في شيْءٍ إلا شانَهُ، وما كانَ الحَياءُ في شيْءٍ إلا زانَهُ".
رواه ابن ماجه، والترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب".
ويأتي في الباب بعده أحاديث في ذم الفحش إن شاء الله تعالى.

2636 - (12) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الحياءُ والإيمانُ قُرَناءُ جميعاً، فإذا رُفعَ أحدُهما رُفعَ الآخَرُ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين".

2637 - (13) [
صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس.

2638 - (14) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اسْتَحْيوا مِنَ الله حقَّ الحَياءِ".
قال: قلنا: يا نبيَّ الله! إنَّا لَنْستَحْيي والحمدُ لله. قال:
"
ليسَ ذلك، ولكنَّ الاسْتِحْياءَ مِنَ الله حقَّ الحَياءِ؛ أنْ تَحفظَ الرأْسَ وما وَعَى، وتَحْفَظَ البَطْنَ وما حَوى، ولتَذْكُرِ الموْتَ والبِلَى، ومَنْ أرادَ الآخِرةَ تركَ زِينةَ الدنيا، فَمَنْ فعلَ ذلك فقد استحيى مِنَ الله حقَّ الحَياءِ".
رواه الترمذي وقال:
"
هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبَان بن إسحاق عن الصباح بن محمد".
(
قال الحافظ): "أبان بن إسحاق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتُكُلِّم فيه لرفعه هذا الحديث، وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف. [مضى 16 - البيوع/ 5].
ورواه الطبراني مرفوعاً من حديث عائشة (1). والله أعلم".
__________
(1)
قلت: ولفظه أخصر من حديث ابن مسعود، لكن فيه زيادة كما سيأتي في (24 - التوبة/ 8)، ومن أجلها أوردته في الكتاب الآخر.

(3/6)


2 - (
الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيّئ وذمّه).
2639 - (1) [
صحيح] عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال:
سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البِرِّ والإثْمِ؟ فقال:
"
البِرُّ حسنُ الخُلُقِ، والإثْمُ ما حاكَ في صدْرِكَ، وكرِهْتَ أنْ يَطَّلعَ عليه الناسُ".
رواه مسلم والترمذي.

2640 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال:
لَمْ يَكُنْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحشاً، ولا مُتَفَحِّشاً، وكان يقول:
"
إنَّ مِنْ خِيارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أَخْلاقاً".
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

2641 - (3) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما شيْءٌ أثْقَلُ فيِ ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسنٍ، وإنَّ الله يَبْغَضُ الفاحِشَ البَذِيء".
رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".
[
صحيح] وزاد في رواية له:
"
وإنَّ صاحِبَ حُسنِ الخُلق لَيبْلُغُ بهِ درجةَ صاحِبِ الصومِ والصلاةِ".
ورواه بهذه الزيادة البزار بإسناد جيد لم يذكر فيه:
"
الفاحش البذيء".
[
صحيح] ورواه أبو داود مختصراً قال:

(3/7)


"
ما مِنْ شيْءٍ أثْقَلُ في الميزانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ".
(
البذيء) بالذال المعجمة ممدوداً: هو المتكلم بالفحش ورديء الكلام.

2642 - (4) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أكْثَرِ ما يُدخِلُ الناسَ الجنَّةَ؟ فقال:
"
تَقْوى الله وحُسنُ الخُلُقِ".
وسُئِلَ عن أكْثَرِ ما يُدخِلُ الناسَ النارَ؟ فقال:
"
الفَمُ والفَرْجُ".
رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "الزهد" وغيره.
وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح غريب".

2643 - (5) [
صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالتْ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ المؤمنَ ليُدرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القائمِ".
[
صحيح] رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما"، ولفظه:
"
إنَّ المؤمِنَ لَيُدرِكُ بحسْنِ الخُلُقِ درَجاتِ قائمِ الليْلِ وصائمِ النهارِ".

2644 - (6) [
حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة؛ إلا أنه قال:
"
إنَّ الرجُلَ لَيُدْرِكُ بحسْنِ خُلُقِه درَجةَ القائِم باللَّيْلِ، الظامِئ بالهَواجِرِ".

2645 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله لَيُبْلغُ العَبْدَ بحُسْنِ خُلُقِهِ درجَةَ الصومِ والصلاةِ".

(3/8)


رواه الطبراني في "الأوسط"، [والحاكم] وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2646 - (8) [
حسن صحيح] ورواه أبو يعلى من حديث أنسٍ، وزاد في أوله:
"
أكْمَلُ المؤمِنين إيماناً أَحْسَنُهم خُلُقاً".

2647 - (9) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ المسلمَ المسدِّدَ لَيُدْرِكُ درجَةَ الصوَّامِ القوَّامِ بآياتِ الله بِحُسْنِ خُلُقِهِ، وكرمِ ضَريبَتِه".
رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، ورواة أحمد ثقات؛ إلا ابن لهيعة. (1)
(
الضَّرِيبَة): الطبيعة وزناً ومعنىً.

2648 - (10) [
حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنا زعيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجنَّة لِمَنْ تركَ المِراءَ وإنْ كان مُحِقاً، وبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرك الكَذِبَ وإنْ كانَ مازِحاً، وبِبَيْتٍ في أعْلى الجنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ".
رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه والترمذي (2)، وتقدم لفظه [3 - العلم/ 11]، وقال:
"
حديث حسن".
__________
(1)
قلت: لكنه قد رواه عنه عبد الله بن المبارك، وهو صحيح الحديث عنه كما كنت بينته في "الصحيحة" (522)، وغفل المعلقون الثلاثة كعادتهم عن هذا، فضعفوا الحديث.
(2)
قلت: لكنه عنده من رواية أنس كما تقدم التنبيه عليه هناك (3 - العلم/ 11) حيث ذكر لفظ الترمذي من حديث أبي أمامة أيضاً! وانطلى الأمر على الحافظ الناجي هنا (193/ 2) وهناك!

(3/9)


2649 - (11) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إليَّ، وأقْرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القيامة؛ أحْسَنَكُم أخْلاقاً" الحديث.
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

2650 - (12) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ألا أُخْبِرُكم بأحَبِّكُم إليَّ وأقْرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القِيامَة؟ ". فأعادَها مرَّتَيْنِ أو ثلاثاً.
قالوا: نعم يا رسولَ الله! قال:
"
أَحْسَنُكم خُلُقاً".
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه".

2651 - (13) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أخُبِرُكُم بخِيارِكم؟ ".
قالوا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
أطْوَلُكم أعْماراً، وأحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً".
رواه البزار، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية ابن إسحاق؛ ولم يصرح فيه بالتحديث (1).

2652 - (14) [
صحيح] وعن أسامة بن شريكٍ رضي الله عنه قال:
كنَّا جُلوساً عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأَنَّما على رُؤوسِنا الطيرُ، ما يتكَلَّمُ منّا
__________
(1)
قلت: وكذلك رواه أحمد (2/ 235 و403)، لكن له شاهد من حديث جابر صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي.

(3/10)


مُتَكلِّمٌ، إذ جاءَهُ أُناسٌ فقالوا: مَنْ أحبُّ عبادِ الله إلى الله تعالى؟ قال:
"
أحْسَنُهم خُلُقاً".
رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح] وفي رواية لابن حبان بنحوه، إلا أنه قال:
قالوا: يا رسولَ الله! فما خيرُ ما أُعْطِيَ الإنْسانُ؟ قال:
"
خُلُقٌ حَسَنٌ".
ورواه الحاكم والبيهقي بنحو هذه، وقال الحاكم:
"
صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه، لأنَّ أسامة ليس له سوى راوٍ واحد".
كذا قال؛ وليس بصواب، فقد روى عنه زياد بن علاقة وابن الأقمر وغيرهما.

2653 - (15) [
حسن] وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال:
كنتُ في مجْلسٍ فيه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسمرة وأبو أمامة، فقال:
"
إنَّ الفُحْشَ والتَّفَحُّشَ ليسا مِنَ الإسْلامِ في شَيْءٍ، وإنَّ أَحْسَن الناسِ إسْلاماً أحْسَنُهم خُلُقاً".
رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد جيد، ورواته ثقات.

2654 - (16) [
حسن] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما:
أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أراد سفراً فقال: يا نبيَّ الله! أوصني، قال:
"
اعْبدِ اللهَ لا تشركْ به شيئاً".
قال: يا نبي الله! زِدني، قال:
"
إذا أَسَأتَ فأحسِنْ".

(3/11)


قال: يا نبي الله! زِدني، قال:
"
استَقِمْ، وليَحْسُنْ خُلُقُكَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2655 - (17) [
حسن لغيره] وعن أبي ذرٍّ قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اتَّقِ الله حيْثُما كنتَ، وأتْبعِ السيِّئة الحَسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

2656 - (18) [
صحيح لغيره] وعن عمير بن قتادة رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! أيُّ الصلاةِ أفْضَلُ؟ قال:
"
طولُ القُنوتِ".
قال: فأيُّ الصدقة أفْضَلُ؟ قال:
"
جُهْدُ المُقِلِّ".
قال: أيُّ المؤمنينَ أكْمَلُ إيماناً؟ قال:
"
أحْسَنُهم خُلُقاً".
رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية سويد بن إبراهيم أبي حاتم، ولا بأس به في المتابعات.

2657 - (19) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
اللهُمَّ كما أحْسَنْتَ خَلْقي؛ فأحْسِنْ خُلُقي".
رواه أحمد، ورواته ثقات.

2658 - (20) [
حسن لغيره] وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أحبَّكم إليَّ؛ أحاسِنُكم أَخْلاقاً، الموَطّؤونَ أكْنافاً، الذين يَأْلِفونَ

(3/12)


ويُؤْلَفون، وإنَّ أَبْغَضَكُم إليَّ؛ المشَّاؤونَ بالنمِيمَةِ، المفَرِّقونَ بينَ الأحِبَّةِ؛ الملْتَمِسونَ لِلْبُرآءِ العَيْبَ".
رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط".

2659 - (21) [
حسن لغيره] ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعودٍ باختصار.
ويأتي في "النميمة" [18 - باب] إن شاء الله حديث عبد الرحمن بن غَنْم بمعناه.

2660 - (22) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أَكْمَلُ المؤمِنينَ إيماناً أحْسَنُهم خُلقاً، وخيارُكم خيارُكُمْ لأَهْلِه".
رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن صحيح".
[
حسن صحيح] والبيهقي؛ إلا أنه قال:
"
وخياركم خياركم لنسائهم".
والحاكم دون قوله:
"
وخياركم خياركم لأهله". [مضى 17 - النكاح/ 3].
ورواه بدونه أيضاً محمد بن نصر المروزي (1)

2661 - (23) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّكم لن تَسَعوا الناسَ بأموالكم، ولكنْ يسعهم منكم بَسْطُ الوجه، وحُسْنُ الخُلُق".
رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدها حسن جيد.
__________
(1)
يعني في "تعظيم قدر الصلاة". وقال المؤلف في الأصل:
"
وزاد فيه: وإن المرء ليكون مؤمناً؛ وإنّ في خلقه شيئاً، فينقص ذلك من إيمانه". ولما كانت هذه الزيادة منكرة فقد حذفتها، وبينت نكارتها في "الضعيفة" (6767).

(3/13)


2662 - (24) [
صحيح لغيره] وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أَحبَّكُم إليَّ وأَقْرَبكم منِّي في الآخِرَة محاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وإنَّ أَبْغَضَكُم إليَّ وأبْعَدَكُم منِّي في الآخِرَة أسْوَؤكم أَخْلاقاً، الثَرْثارون المتَفَيْهِقون المتَشَدِّقونَ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه".

2663 - (25) [
حسن صحيح] ورواه الترمذي من حديث جابرٍ وحسَّنه؛ لم يذكر فيه:
"
أسْوَؤكُم أخْلاقاً".
وزاد في آخره:
قالوا: يا رسولَ الله! قد علمنا (الثرثارون) و (المتشدِّقون)، فما (المتفيهقون)؟ قال:
"
المتكبّرون".
(
الثرثار) بثاءين مثلثتين مفتوحتين: هو الكثير الكلام تكلُّفاً.
و (المتشدِّق): هو المتكلم بملء شدقه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه.
و (المتفيهق): أصله من (الفهق)؛ وهو الامتلاء، وهو بمعنى المتشدِّق؛ لأنه الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه إظهاراً لفصاحته وفضله، واستعلاءً على غيره. ولهذا فسره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمتكبِّر.

(3/14)


3 - (
الترغيب في الرفق والأناة والحلم).
2664 - (1) [
صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله رفيقٌ يُحِبُّ الرفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ".
رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم:
"
إنَّ الله رفيقٌ يُحبُّ الرفْقَ، ويُعْطي على الرفقِ ما لا يُعْطي على العُنْفِ، وما لا يُعْطي على ما سِواهُ".

2665 - (2) [
صحيح] وعنها أيضاً عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الرفْقَ لا يكونُ في شيْءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلا شَانَهُ".
رواه مسلم (1).

2666 - (3) [
حسن لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ لَيُعْطي على الرفْقِ ما لا يُعْطِي على الخَرْقِ، وإذا أحَبِّ الله عَبْداً أعطاهُ الرفْقَ، ما مِنْ أهْلِ بَيْتٍ يُحْرَمون الرفْقَ؛ إلا حُرِموا الخَيْرَ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات.
[
صحيح] ورواه مسلم وأبو داود مختصراً:
"
مَنْ يُحْرَمِ الرفْقَ؛ يُحْرَمِ الخَيْرَ".
زاد أبو داود: "كلَّه".

2667 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أُعْطِيَ حظَّه مِنَ الرفْقِ فقد أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْر، ومَنْ حُرِمَ حَظَّهُ
__________
(1)
قلت: ورواه أبو داود وأحمد، وفيه عنده (6/ 125 و171) قصة، فانظر "الصحيحة" (524).

(3/15)


مِنَ الرفْقِ فَقد حُرِمَ حظَّه مِنَ الخَيْرِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

2668 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي أُمامَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ الرفْقَ ويرضاهُ، ويُعينُ عليه ما لا يُعينُ على العُنْفِ".
رواه الطبراني من رواية صدقة بن عبد الله السمين، وبقية إسناده ثقات.

2669 - (6) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها:
"
يا عائشةُ! ارْفِقي؛ فإنَّ الله إذا أرادَ بأهْلِ بيْتٍ خَيْراً أدْخَلَ عليهمُ الرفْقَ".
رواه أحمد.

2670 - (7) [
حسن صحيح] والبزار من حديث جابر، ورواتهما رواة الصحيح.

2671 - (8) [
حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما أُعْطِيَ أهْلُ بيتٍ الرفْقَ إلا نَفَعَهُمْ".
رواه الطبراني بإسناد جيد.

2672 - (9) [
حسن صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما كانَ الرفْقُ في شيْءٍ قَطُّ إلا زانَه، ولا كانَ الخَرْقُ في شَيْءٍ قَطُّ إلا شانَهُ، وإنَّ رَفيقٌ يحبُّ الرفْقَ".
رواه البزار بإسناد لين، وابن حبان في "صحيحه"؛ وعنده:
"
الفحش" مكان "الخرق"، ولم يقل: "وإنَّ الله. . ." إلى آخره.

2673 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
بالَ أعْرابِيُّ في المسْجِد، فقامَ الناسُ إليه لِيَقعوا فيه، فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(3/16)


"
دَعوهُ، وأرِيقوا على بَوْلهِ سَجْلاً مِنْ ماءٍ -أوْ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ-، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرينَ، ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرينَ.
رواه البخاري.
(
السَّجْلُ) بفتح السين المهملة وسكون الجيم: هي الدلو الممتلئة ماء.
و (الذَّنُوب) بفتح الذال المعجمة: مثل السجل، وقيل: هي الدلو مطلقاً، سواءٌ كان فيها ماء أو لم يكن، وقيل: دون الملأى.

2674 - (11) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
يسِّروا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا".
رواه البخاري ومسلم.

2675 - (12) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
ما خُيِّر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ، إلا أَخَذ أيْسَرهُما ما لَمْ يكُنْ إثْماً، فإنْ كانَ ثَمَّ إِثْمٌ، كانَ أبْعَد الناسِ مِنْه، وما انْتَقَم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنفْسِه في شيْءٍ قَطُّ، إلا أَنْ تُنْتَهكَ حُرمَةُ الله فيَنْتَقِمُ لله تَعالى.
رواه البخاري ومسلم.

2676 - (13) [
صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أخْبِرُكُم بِمَنْ يَحْرُمُ على النارِ -أوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عليه النارُ-؟ تَحْرُمُ على كلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
[
صحيح لغيره] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه في إحدى رواياته:
"
إنَّما تَحْرُمُ النارُ على كُلِّ هَيِّنٍ لَيّن قَريبٍ سَهْلٍ".

(3/17)


2677 - (14) [
حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
التأَنِّي منَ الله والعَجَلَةُ مِنَ الشيْطانِ، وما أحَدٌ أكثرُ معاذيرَ مِنَ الله، وما مِنْ شيءٍ أحبُّ إلى الله مِنَ الحَمْدِ".
رواه أبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح".

2678 - (15) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأَشَجِّ:
"
إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبِّهما الله ورَسولُه: الحِلمُ والأَنَاةُ".
رواه مسلم.

2679 - (16) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
كنتُ أمْشي معَ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه بُرْدٌ نَجْرانِيٌّ غَليظُ الحاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرابِيٌّ، فجذَبَهُ بِردائه جَذْبةً شديدةً، فنَظرْتُ إلى صفْحَة عُنُقِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أثّر بها حاشِيَةُ الرِداءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِه، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّد مُرْ لي مِنْ مالِ الله الذي عِنْدَك، فالْتَفَتَ إليْه فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَر له بعَطَاءٍ.
رواه البخاري ومسلم.

2680 - (17) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
كأنِّي أَنْظُر إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْكي نبِيّاً مِنَ الأنْبِياءِ ضَرَبهُ قومُه فأدْموهُ وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ ويقولُ: "اللهم اغفر لِقَوْمي فإنَّهم لا يَعْلَمونَ".
رواه البخاري ومسلم.

2681 - (18) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليسَ الشديدُ بالصُّرعَةِ، إنَّما الشديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عندَ الغَضَبِ".
رواه البخاري ومسلم.
(
قال الحافظ): "وسيأتي" [10 -] باب في الغضب ودفعه" إن شاء الله تعالى".

(3/18)


4 - (
الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام، وغير ذلك مما يذكر).
2682 - (1) [
صحيح] عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَحقِرنَّ مِنَ المعروفِ شَيئاً، ولوْ أَنْ تَلْقى أَخاك بوَجْهٍ طَليقٍ (1) ".
رواه مسلم.

2683 - (2) [
صحيح لغيره] وعن الحسن عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مِنَ الصَّدقَةِ أنْ تُسلِّم على الناسِ وأَنْتَ طَليقُ الوَجْهِ".
رواه ابن أبي الدنيا، وهو مرسل. (2)

2684 - (3) [
صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلُّ معروفٍ صدقَةٌ، وإنَّ مِنَ المعْروفِ أنْ تَلْقى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ، وأنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ أخيكَ".
رواه أحمد، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
وصدره في "الصحيحين" من حديث حذيفة وجابر (3).
__________
(1)
كذا الأصل، وفي "مسلم": (طَلْق). لكن قال النووي. "روي على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، و (طليق) بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط".
قلت: والحديث في "مسند أحمد" (5/ 173) كرواية "مسلم" الأولى: (طلْق).
(2)
قلت: لكن يشهد له ما بعده من الأحاديث.
(3)
قال الناجي: "ليس كذلك، إنما رواه البخاري منفرداً به عن مسلم من حديث جابر مختصراً، وليس هو من حديث حذيفة عند واحد منهما، فيتعين إفراد "الصحيح"، وإسقاط ذكر حذيفة". فأقول: قلده الثلاثة المعلقون -ولا يملكون غيره! وهو وهم، فقد رواه مسلم (3/ 82) عن حذيفة أيضاً!

(3/19)


2685 - (4) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تَبَسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لكَ صدقَةٌ، وأمْرُكَ بالمعروف ونهْيُكَ عنِ المنْكَرِ صدقَةٌ، وإرْشادُكَ الرجُلَ في أرضِ الضَّلالِ لكَ صدقَةٌ، وإماطَتُك الأَذى والشوكَ والعَظْمَ عنِ الطريقِ لك صَدقَةٌ، وإفْراغُكَ مِنْ دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيكَ لكَ صدَقَةٌ".
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه" وزاد:
"
وبَصرُكَ للرجُلِ الرديءِ البَصرِ لكَ صدَقَةٌ".

2686 - (5) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ تَبَسُّمَك في وجهِ أخيكَ يُكْتَبُ لَك به صدَقَةٌ، [وإن إفراغك من دَلوك في دلو أخيك يكتب لك به صدقة] (1)، وإماطَتُكَ الأَذى عنِ الطريقِ يُكْتَبُ لكَ به صدَقَةٌ، وإنَّ أمْرَكَ بالمعروفِ صدقَةٌ، [ونهيك عن المنكر يكتب لك به صدقة]، وإرشادَكَ الضَّالَّ يُكْتَبُ لكَ بِه صَدقَةٌ".
رواه البزار والطبراني من رواية يحيى بن أبي عطاء، وهو مجهول.

2687 - (6) [
صحيح] وعن أبي جُرَيّ الهجيمي رضي الله عنه قال:
أتَيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إنا قومٌ مِنْ أهلِ الباديَةِ، فعلِّمْنا شيئاً ينْفَعُنا الله بِه؟ فقال:
"
لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْروفِ شَيْئاً، ولوْ أنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ المُسْتَقي، ولوْ أَنْ تُكَلِّمَ أخاكَ ووَجْهُك إليه مُنْبَسِطٌ، وإيَّاك وإسْبالَ الإزارِ؛ فإنَّه مِنَ
__________
(1)
سقطت من الأصل هي والتي بعدها، واستدركتهما من "كشف الأستار" (2/ 454/ 956) -والسياق له-، والطبراني في "الأوسط" (9/ 8338/157)، و"مجمع الزوائد" (3/ 134).

(3/20)


المَخِيلَةِ، ولا يُحِبُّها الله، إنِ امْرؤٌ شَتَمك بما يَعْلَمُ فيك، فلا تَشْتُمْهُ بما تَعْلَمُ فيه؛ فإنَّ أجْرَهُ لكَ، وَوبَالَهُ على مَنْ قَالَهُ".
رواه أبو داود، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
والنسائي مفرقاً، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.
[
صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي (1): فقال:
"
لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المعروفِ شَيْئاً أنْ تَأتِيَه ولوْ أنْ تَهبَ صِلَة الحَبْلِ، ولوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ المُسْتَقي، ولَوْ أَنْ تَلْقَى أخاكَ المسلِمَ وَوَجْهُكَ بِسْطٌ إليه (2)، ولَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانَ بِنَفْسكَ، ولَوْ أَنْ تَهبَ الشِّسَعَ".

2688 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
". . .
والكلمةُ الطيِّبَةُ صَدقَةٌ".
رواه البخاري ومسلم في حديث. [مضى 5 - الصلاة/ 9].

2689 - (8) [
صحيح] وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اتَّقوا النارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فبِكَلِمَةٍ طيِّبَةٍ".
رواه البخاري ومسلم.

2690 - (9) [
صحيح] وعن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! حدثني بشَيْءٍ يوجِبُ لي الجنَّةَ؟ قال:
"
موجِبُ الجنَّةِ؛ إطْعامُ الطَّعامِ، وإفْشاءُ السَّلامِ، وحسْنُ الكَلامِ".
__________
(1)
وهي رواية لأحمد، وإسناده صحيح، فهي أولى بالعزو، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (3422).
(2)
أي: منبسط منطلق كما في "النهاية".

(3/21)


رواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما ثقات، وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" والحاكم؛ إلاَّ أنَّهُما قالا:
"
عليكَ بحُسْنِ الكَلامِ، وبَذْلِ الطَّعامِ".
وقال الحاكم: "صحيح، ولا علة له". (1)

2691 - (10) [
صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث أنس قال:
قال رجل للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: علِّمْني عَملاً يُدْخِلُني الجنَّةَ؟ قال:
"
أطْعِمِ الطعامْ، وأفْشِ السلامْ، وأطِبِ الكَلامْ، وصَلِّ بالليل والناسُ نِيامْ؛ تَدخُلِ الجنَّةَ بسَلام".

2692 - (11) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ في الجنَّة غُرفةً يُرى ظاهِرُها مِنْ باطِنها، وباطِنُها مِنْ ظاهِرها".
فقال أبو مالك الأشْعريِّ: لِمَنْ هِيَ يا رسولَ الله؟ قال:
"
لِمَنْ أطابَ الكَلامْ، وأطْعَمَ الطعامْ، وباتَ قائماً والناسُ نِيامْ".
رواه الطبراني، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".
وتقدمت جملة من أحاديث هذا النوع في [6 - النوافل/ 11] "قيام الليل" و [8 - الصدقات/ 17] "إطعام الطعام".
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي في "تلخيصه" (1/ 23) خلافاً لقول الجهلة: "وتعقبه الذهبي فقال: علته أن هانئ بن يزيد -والد شريح- ليس له راوٍ غير ابنه"! والواقع أن هذه العلة -إنما حكاها الحاكم عن الشيخين، ثم ردها، ووافقه الذهبي!! والحديث مخرج في "الصحيحة" رقم (1939). ثم إنَّ جملة "وحسن الكلام" في رواية الطبراني أضافها المؤلف من روايته الأخرى.

(3/22)


5 - (
الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله، وترهيب المرء من حب القيام له).
2693 - (1) [
صحيح] عن عبدِ الله بْنِ عَمْرِو بنِ العاصي رضي الله عنهما:
أنَّ رجلاً سأَل رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الإسْلامِ خَيرٌ؟ قال:
"
تُطْعِمُ الطعامَ، وتَقْرأُ السلامَ، على مَنْ عَرَفتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

2694 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَدْخُلونَ الجنَّةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تَحابُّوا، ألا أدُلُّكُم على شَيْءٍ إذا فَعَلْتُموه تحابَبْتُم؟ أَفْشوا السلامَ بَيْنَكُم".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

2695 - (3) [
حسن لغيره] وعنِ ابْنِ الزبيرِ (1) رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
دَبَّ إليْكُم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم؛ البَغْضَاءُ وَالحَسَدُ، والبغضاء هيَ الحالِقَةُ، ليسَ حالِقَةَ الشعَرِ، ولكنْ حالِقَةُ الدينِ.
والذي نفْسي بيده لا تَدْخلونَ الجَنَّة حتى تُؤمِنوا، ولا تؤْمنوا حتَّى تحابُّوا، ألا أُنَبِّئُكُم بِما يُثَبِّتُ لكم ذلك؟ أَفْشوا السلامَ بَيْنَكُم".
رواه البزار بإسناد جيد.
__________
(1)
كذا وقع عند البزار (رقم - 2002 - كشف الأستار)، ورواه الترمذي وغيره لكن قالوا: (عن الزبير بن العوام)، وأشار إلى هذه الرواية البزار، وذكر الترمذي الخلاف في ذلك، ومداره على مولى للزبير لا يعرف، لكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 260).

(3/23)


2696 - (4) [
حسن] وعن البراء رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أفْشوا السلامَ تَسْلَموا".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

2697 - (5) [
صحيح] وعن أبي يوسف عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يا أيُّها الناسُ! أَفْشوا السلامَ، وأطْعِموا الطعامَ، وصَلُّوا باللَّيْلِ والناسُ نِيامٌ؛ تَدْخُلوا الجنَّةَ بِسَلامٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

2698 - (6) [
صحيح لغيره] وعن عبدِ الله بْنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اعبُدوا الرحمن، وأفْشوا السلامَ، وأطْعِموا الطعامَ، تدْخلوا الجِنَانَ".
رواه الترمذي وصحَّحه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.
(
قال الحافظ): "وتقدم غير ما حديث من هذا النوع في [8 - الصدقات/ 17] "إطعام الطعام" وغيره".

2699 - (7) [
صحيح] وعن أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه أنَّه قال:
يا رسولَ الله! أخْبِرْني بِشيءٍ يوجِبُ لي الجنَّةَ؟ قال:
"
طِيبُ الكَلامِ، وبَذْلُ السَّلامِ، وإطْعامُ الطَّعامِ".
رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه" في حديث، والحاكم وصحَّحه، وتقدم [قبل ثمانية أحاديث]. (2)
__________
(1)
قلت: فاته البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 787).
(2)
سبق هناك بيان أن الحديث صحيح رداً على الجهلة الذين نسبوا إلى الذهبي أنَّه رد على الحاكم تصحيحه وأعله! ومن تمام جهلهم أنهم هناك حسنوه بشواهده!! أما هنا فقالوا: "حسن"!!

(3/24)


[
صحيح] وفي رواية جيدة للطبراني قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! دُلَّني على عَملٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ؟ قال:
"
إنَّ مِنْ موجِبَاتِ المَغْفِرَةِ بَذْلَ السلامِ، وحُسْنَ الكَلامِ".

2700 - (8) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حقُّ المسلمِ على المسلمِ خَمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادَةُ المريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابَةُ الدعْوَةِ، وتشميتُ العاطِسِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
[
صحيح] ولمسلم:
"
حقُّ المسلم على المسْلِم سِتٌّ".
قيلَ: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال:
"
إذا لَقِيتَهُ فسلِّمْ عليه، وإذا دعَاك فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحكَ فانْصَحْ لَهُ، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ الله فشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتْبَعْهُ".
ورواه الترمذي والنسائي بنحو هذه. (1)

2701 - (9) [
حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أفْشوا السلامَ كَيْ تعلوا".
رواه الطبراني بإسناد حسن. (2)
__________
(1)
قلت: لعله سقط من الناسخ أو الطابع عزوه لمسلم، فقد عزاه إليه فيما يأتي (25 - الجنائز/ 13).
(2)
وكذا قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 64)، ونحوه قول الهيثمي (8/ 30): "وإسناده جيد". وعنده كالأصل: (تعلوا). وعند الحافظ: (تسلموا)، فإن صح هذا فهو كحديث البراء المتقدم في الباب برقم (4)، فإني لم أقف عليه في "المعجم الكبير" لأن المجلد الذي فيه أحاديث أبي الدرداء لم يطبع بعد.

(3/25)


2702 - (10) [
حسن] وعنِ الأغَرِّ -أغَرِّ مُزَيْنَةَ- رضي الله عنه قال:
كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرَ لي بجَرِيبٍ مِنْ تَمرٍ، عند رجلٍ مِنَ الأنْصارِ، فمَطَلني بِه، فكلَّمتُ فيه رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
اُغْدُ يا أبا بكْرٍ، فخُذْ له تَمْرَهُ".
فوَعدني أبو بكْرٍ المسْجِدَ إذا صَلَّيْنا الصُّبْحَ، فوجَدْتُه حيثُ وَعدني، فانْطلَقْنا، فكُلَّما رأى أبو بكرٍ رجُلاً مِنْ بعيدٍ سلَّم عليه، فقالَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: أمَا ترى ما يصيبُ القومُ عليكَ مِنَ الفَضلِ؟ لا يَسْبِقْكَ إلى السلامِ أحَدٌ، فكنَّا إذا طَلَع الرجُلُ مِنْ بعيدٍ بادَرْناهُ بالسلام قَبْلَ أنْ يُسلِّمَ علينا.
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وأحد إسنادي "الكبير" رواته محتج بهم في "الصحيح".

2703 - (11) [
صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أوْلى الناسِ بالله مَنْ بَدأَهُمْ بالسلامِ".
رواه أبو داود، والترمذي وحسنه. ولفظه:
قيل: يا رسول الله! الرجُلانِ يَلْتَقِيانِ أيَّهما يَبْدَأُ بالسَلام؟ قال:
"
أوْلاهُما بالله تعالى".

2704 - (12) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُسَلِّم الراكِبُ على الماشي، والماشي على القاعِدِ، والماشِيانِ أيُّهما بَدأ فهو أَفْضَلُ".
رواه البزار، وابن حبان في "صحيحه" (1).
__________
(1)
فيه عنده عنعنة أبي الزبير، لكنه قد صرّح بالتحديث عند "البزار" (2006)، وكذا عند البخاري في "الأدب المفرد" (983 و994)، لكن وقع عنده موقوفاً.

(3/26)


2705 - (13) [
حسن صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعودٍ- رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
السلامُ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ الله تعالى؛ وضَعَه في الأرْضِ، فأفْشوهُ بَيْنَكُم، فإنَّ الرجلَ المسلمَ إذا مَرَّ بقومٍ فسلَّم عليهم فَردُّوا عليه؛ كانَ لَهُ عليهم فَضْلُ درَجَةٍ بتَذْكيرهِ إيَّاهُم السلامَ، فإنْ لَمْ يَردُّوا عليهِ ردَّ عليه مَنْ هُوَ خيرٌ مِنْهُمْ".
رواه البزار والطبراني، وأحد إسنادي البزار جيد قوي.

2706 - (14) [
حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
"
كنَّا إذا كنَّا معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُفَرِّقُ بيْنَنا شجَرةٌ، فإذا الْتَقيْنا يُسَلِّم بعْضُنا على بَعْضٍ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.

2707 - (15) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا انْتَهى أحَدُكُم إلى المْجلِس فَلْيُسَلِّمْ، فإذا أرادَ أنْ يقومَ فَلْيُسلِّمْ، فليْسَتِ الأولى بأَحَقِّ مِنَ الآخِرَةِ".
رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي.

2708 - (16) [
صحيح لغيره] وروى أحمد من طريق ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال:
"
حقٌّ على مَنْ قامَ على جماعَةٍ أنْ يُسَلِّم عليهم، وحقٌّ على مَنْ قام مِنْ مَجْلِسٍ أنْ يُسَلِّمَ".
فقامَ رجلٌ ورسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتكَلَّمُ فلَمْ يُسَلِّم، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما أسْرَعَ ما نَسِيَ".

(3/27)


2709 - (17) [
صحيح موقوف] وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال:
يا بُنيَّ! إذا كنتَ في مجْلسٍ ترجو خَيْرَهُ فَعجِلَتْ بكَ حاجَةٌ؛ فقُلْ: السلامُ عليكُمْ؛ فإنَّك شريكُهُم فيما يُصيبونَ في ذلك المَجْلِسِ.
رواه الطبراني موقوفاً هكذا ومرفوعاً، والموقوف أصح.

2710 - (18) [
صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (السلامُ عليكُمْ). فردَّ عليه، ثُمَّ جلَس. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عَشْرٌ". ثُمَّ جاءَ آخرُ فقال: (السلامُ عليكُمْ ورَحْمَةُ الله). فردَّ، فجَلَس. فقال:
"
عِشرونَ". ثُمَّ جاءَ آخَرُ فقال: (السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبَركاتُه).
فردَّ، فجلَس، فقال:
"
ثَلاثون".
رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، والبيهقي وحسنه أيضاً.

2711 - (19) [
صحيح لغيره] ورُوي عن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ قال: (السلامُ عليكُمْ) كُتِبَتْ له عَشْرُ حسنَاتٍ، ومَنْ قال: (السلامُ عليكُمْ ورحمةُ الله) كتِبَتْ له عشرونَ حَسنةً، ومَنْ قال: (السلامُ عليكُمْ ورحمةُ الله وبركاتُه) كُتِبَتْ له ثلاثونَ حَسنةً".
رواه الطبراني.

2712 - (20) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رجُلاً مرَّ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مجلسٍ فقال: (سلامٌ عليكم).

(3/28)


فقال:
"
عشْرُ حسَناتٍ". ثُمَّ مرَّ آخَرُ فقال: (سلامٌ عليكم ورحمةُ الله). فقال: "عِشرونَ حسنَةً". ثُمَّ مرَّ آخَرُ فقال: (سلامٌ عليكُمْ ورحمةُ الله وبَركاتُه)، فقال:
"
ثلاثونَ حسنةً".
فقامَ رجُلٌ مِنَ المْجلِسِ ولَمْ يُسَلِّمْ؛ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما أوْشَكَ ما نَسِيَ صاحِبُكُم.
إذا جاءَ أحدُكم إلى المْجلِسِ فلْيُسَلِّمْ، فإنْ بَدا له أنْ يجْلِسَ فلْيَجْلِسْ، وإنْ قامَ فَلْيُسَلِّمْ، فليْسَتِ الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
(
ما أوْشَكَ) أي: ما أسرع.

2713 - (21) [
صحيح] وعنِ ابْنِ عَمْروٍ (1) عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أرْبعون خَصْلَةً، أعلاهُنَّ مَنيحَةُ العَنزِ، ما مِنْ عاملٍ يعملُ بخَصْلَةٍ منها رَجاءَ ثوابِها، أوْ تصديقَ موْعودِها؛ إلا أدْخَلَهُ الله بها الجنَّة".
قال حسَّانُ: فعدَدْنا ما دونَ مَنيحَةِ العَنْزِ مِنْ ردِّا لسلامِ، وتشْميتِ العاطِسِ، وإماطَةِ الأذَى عنِ الطريقِ، ونحوِهِ، فَما اسْتَطَعْنا أنْ تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَة.
رواه البخاري وغيره.
(
العنز): الأنثى من المعز.
__________
(1)
الأصل: (ابن عمر)، وهو خطأ صححته من (البخاري - الهبة)، وكذلك رواه أبو داود (1683)، وأحمد (2/ 160). وحسان المذكور في الحديث هو ابن عطية كما وقع مصرّحاً به في إسناده.

(3/29)


2714 - (22) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أعْجَزُ الناسِ مَنْ عَجِزَ في الدُّعاءِ، وأبْخَلُ الناسِ مَنْ بَخِلَ بالسَّلامِ".
رواه الطبراني في "الأوسط" وقال:
"
لا يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بهذا الإسناد".
(
قال الحافظ): "وهو إسناد جيد قوي".

2715 - (23) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مغفلٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أسْرَقُ الناسِ الذي يَسْرِقُ صلاتَهُ".
قيلَ: يا رسولَ الله! وكيفَ يسرِقُ صلاتَهُ؟ قال:
"
لا يُتِمُّ ركوعَها ولا سُجودَها، وأبْخَلُ الناسِ مَنْ بَخِلَ بالسَّلامِ".
رواه الطبراني بإسناد جيد. [مضى برواية معاجميه الثلاثة 6 - الصلاة/ 34].

2716 - (24) [
حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّ لِفُلانٍ في حائطي عِذْقاً، وإنَّه قد آذاني، وشقَّ عليَّ مكانُ عِذْقِه، فأرسلَ إليه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
بِعْني عِذْقَك الذي في حائط فلانٍ".
قال: لا. قال:
"
فهَبْهُ لي".
قال: لا. قال:
"
فبِعْنيهِ بِعذْقٍ في الجنَّة".
قال: لا. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما رأيْتُ الذي هو أبْخَلَ مِنْكَ إلا الذي يَبْخَلُ بالسَّلامِ".

(3/30)


رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد لا بأس به (1).
(
قال الحافظ):
"
وتقدم في [14 - الذكر/ 14] "ما يقول إذا دخل بيته" أحاديث من السلام، فأغنى عن إعادتها هنا".

2717 - (25) [
صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أحبَّ أنْ يَتَمثَّل (2) له الرجالُ قِياماً؛ فلْيتَبَّوأْ مقْعَدَهُ مِنَ النارِ".
رواه أبو داود بإسناد صحيح، والترمذي وقال:
"
حديث حسن".
__________
(1)
قلت: ووجهه أن فيه زهير بن محمد التميمي الخراساني؛ وقد ضُعِّف في رواية الشاميين عنه، وهذا ليس منها، فإنه من رواية أبي عامر العقدي عنه، واسمه عبد الملك بن عمرو القيسي، وهو بصري، وهو مخرج في "الصحيحة" (3383)، وجهل ذلك المعلقون الثلاثة، وزعموا أنه "حسن بشواهده"، وكذبوا، ولكنها (شنشنة. .).
(2)
كذا الأصل، وكأنه مركب من رواية أبي داود والترمذي، فإن لفظ هذا: "من سره أن يتمثل. . ."، ولفظ أبي داود: "من أحب أن يمْثُل. . ."، أفاده الناجي وقال:
"
و (يمثل) بفتح الياء وإسكان الميم وضم المثلثة؛ أي: ينتصبوا. يقال: مثل يمثل مثولاً فهو ماثل إذا انتصب قائماً، بوزن قعد يقعد قعوداً فهو قاعد". وهذا الحديث وأكثر أحاديث الباب أخرجها البخاري في "الأدب المفرد".

(3/31)


6 - (
الترغيب في المصافحة، والترهيب من الإشارة في السلام، وما جاء في السلام على الكفار).
2718 - (1) [
صحيح لغيره] عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ مسلمَيْنِ يَلْتَقيانِ فيتَصافَحانِ؛ إلا غُفِرَ لهما قَبْلَ أنْ يَتَفرَّقا".
رواه أبو داود والترمذي؛ كلاهما من رواية الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء. وقال الترمذي:
"
حديث حسن غريب".

2719 - (2) [
حسن] وعنه [يعني أنس بن مالكٍ رضي الله عنه] قال:
كانَ أصْحابُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تلاقَوْا تَصافَحوا، وإذا قَدِموا مِنْ سَفَرٍ تعانَقوا.
رواه الطبراني (1)، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

2720 - (3) [
صحيح لغيره] وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ المؤمِنَ إذا لَقِيَ المؤمِنَ فسلَّمَ عليه، وأخَذَ بيدِه فصافَحَهُ؛ تناثَرتْ خطاياهُما كما يتَناثَرُ ورَقُ الشَّجَرِ".
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً.

2721 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ حُذَيْفَةَ، فأرادَ أنْ يُصافحَه، فَتَنَحَّى حُذَيْفَةُ، فقال: إنِّي كنتُ، جُنُباً. فقال:
__________
(1)
قلت: يوهم بإطلاقه أنه في "المعجم الكبير" له، وليس كذلك، فإنه إنما رواه في "الأوسط"، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (2647).

(3/32)


"
إنَّ المسلمَ إذا صافَح أخاه تحاتَّتْ خطاياهُما كما يتَحاتُّ ورَقُ الشَّجَرِ".
رواه البزار من رواية مصعب بن ثابت (1).

2722 - (5) [
صحيح] وعن قتادة قالَ:
قلتُ لأنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه: أكانَتِ المُصَافَحةُ في أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قال: نعم.
رواه البخاري والترمذي.

2723 - (6) [
حسن] ورُوي عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال:
"
ليسَ مِنَّا مَنْ تَشبَّهَ بِغَيْرِنا، لا تَشبَّهُوا باليهودِ ولا بالنَّصارى، فإنَّ تسليمَ اليهودِ الإشارَةُ بالأصابعِ، وإنَّ تسليمَ النصارى [الإشارة] (2) بالأكُفِّ".
[
حسن لغيره] رواه الترمذي، والطبراني وزاد:
"
ولا تَقُصُّوا النَّواصي، واحْفوا الشوارِبَ، واعْفوا الَّلحى، ولا تَمْشوا في المساجِدِ والأسْواقِ وعليكم القُمُصُ إلا وتحتها الأُزُرُ".

2724 - (7) [
حسن لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تسليمُ الرجل بأصْبَعٍ واحدٍ يشيرُ بِها فِعْلُ اليَهودِ".
رواه أبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح"، والطبراني واللفظ له.
__________
(1)
قلت: وقد وجدت له شاهداً من حديث حذيفة نفسه بسند جيد؛ خرجته في "الصحيحة" (526).
(2)
زيادة من الترمذي (2696).

(3/33)


2725 - (8) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تَبْدؤوا اليهودَ والنَّصارى بالسلامِ، وإذا لَقيتُم أحدَهم في طريقٍ، فاضْطَرُّوهُم إلى أضْيَقِهِ".
رواه مسلم -واللفظ له-، وأبو داود والترمذي.

2726 - (9) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا سلَّم عليكُمْ أهلُ الكِتابِ؛ فقولوا: وعلَيْكُمْ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
ومن نوع هذين الحديثين كثير ليس من شرط كتابنا فتركناها.

(3/34)


7 - (
الترهيب أن يَطَّلعَ الإنسانُ في دارٍ قبْلَ أنْ يَسْتَأْذِنَ).
2727 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنِ اطَّلَع في بيتِ قومٍ بغيرِ إذْنِهم؛ فقد حلَّ لَهُمْ أنْ يَفْقَؤوا عيْنَه".
رواه البخاري (1) ومسلم، وأبو داود؛ إلا أنَّه قال:
"
فَفَقَؤوا عيْنَه، فقد هُدِرَتْ".
[
صحيح] وفي رواية للنسائي: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنِ اطَّلَع في بيْتِ قومٍ بغير إذْنِهم، فَفَقؤوا عَيْنَه؛ فلا دِيَةَ له ولا قصاصَ".

2728 - (2) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أيما رجلٍ كَشَفَ سِتْراً، فأدخلَ بصرَه قبل أن يؤذنَ له؛ فقد أتى حدّاً لا يحلُّ له أنْ يأتيَهُ، ولو أن رجلاً فقأَ عينَه لهُدِرَتْ، ولو أن رجلاً مرّ على بابٍ لا سترَ له، فرأى عورةَ أهلِهِ فلا خطيئةَ عليه، إنما الخطيئةُ على أهلِ المنزلِ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا ابن لهيعة.
ورواه الترمذي وقال:
"
حديث غريب حسن (2)، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة".
__________
(1)
ليس هذا لفظه، وإنما هو لمسلم فقط؛ كما قال الناجي (195/ 1)، فانظر "إرواء الغليل" (رقم - 2289).
(2)
قلت: التحسين المذكور لم يرد في بعض المطبوعات من "السنن"، فلعلها كانت في نسخة المؤلف منه، وهو اللائق بحال إسناده، لأنه فيه من رواية قتيبة بن سعيد، وهو صحيح الحديث عن ابن لهيعة كما قال الذهبي، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (3463).

(3/35)


2729 - (3) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً اطَّلَع مِنْ بعضِ حُجَر النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقامَ إليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمشْقَصٍ أوْ بِمشاقِصَ، فكأنِّي أنْظر إليه يَخْتِلُ الرجلَ ليَطْعَنَهُ.
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، ولفظه:
أنَّ أعرابياً أتى بابَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فألْقَم عينَه خَصاصةَ البابِ، فبصُرَ به النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتوَخّاه بِحديدَةٍ أوْ عودٍ لَيَفْقَأَ عيْنَهُ، فلمّا أنْ أبْصَره انْقَمَع، فقال له النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أمَا إنَّك لو ثَبَتَّ لفَقَأْتُ عينَك".
(
المِشْقَصُ): بكسر الميم بعدها شين معجمة ساكنة وقاف مفتوحة: هو السهم له نصل عريض. وقيل: طويل. وقيل: هو النصل العريض نفسه. وقيل: الطويل.
(
يَخْتِلُه): بكسر التاء المثناة فوق، أي: يخدعه ويراوغه.
و (خَصاصة الباب): بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الثقب فيه والشقوق، ومعناه أنّه جعل الشقَّ الذي في الباب محاذياً عينَه.
(
توخَّاه): بتشديد الخاء المعجمة، أي: قصده.

2730 - (4) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً اطَّلَع على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُجرٍ في حُجرَةِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِدرَاةٌ (1) يحُكُّ بها رأْسَهُ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لو علِمْتُ أنَّك تنظُر لَطَعَنْتُ بها في عيْنِكَ، إنَّما جُعِلَ الاسْتِئذانُ مِنْ أجْلِ البَصَرٍ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
__________
(1)
المِدْراة و (المدْرى): شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشَّعر المتلبد، ويستعمله من لا مشط له. كذا في "النهاية".

(3/36)


2731 - (5) [
حسن] وعن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا تَأْتُوا البيوتَ مِنْ أبْوابِها، ولكنِ ائْتوها مِنْ جَوانبِها، فاسْتَأْذِنوا، فإنْ أُذِنَ لكُم فادْخُلوا، وإلا فارْجِعِوا".
رواه الطبراني في "الكبير" من طرق أحدها جيد (1).
__________
(1)
قلت: ليراجع إسناده إن أمكن فإن "مسند عبد الله بن بُسر" من "المعجم الكبير" لم يطبع بعد؛ فإني أخشى أن يكون شاذاً، فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وغيره بسند صحيح من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما بينته في "المشكاة" (4673/ التحقيق الثاني).

(3/37)


8 - (
الترهيب من أن يستمع حديث قوم يكرهون أنْ يسمعه).
2732 - (1) [
صحيح] عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ تَحَلَّم (1) بِحُلْمٍ لَمْ يَرهُ، كُلِّفَ أنْ يْعقِدَ بين شَعيرتَيْنِ، ولَنْ يَفْعَل، ومنِ اسْتَمعَ إلى حديثِ قومٍ وهُمْ له كارِهون صُبَّ في أذُنَيْهِ الآنُكُ يومَ القِيامَةِ، ومَنْ صَوَّرَ صورَةً عُذِّبَ، أو كُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فيها الروحَ، وليسَ بنافِخٍ".
رواه البخاري وغيره.
(
الآنُك) بمد الهمزة وضم النون: هو الرصاص المذاب.
__________
(1)
أي: من تكلف الحلم، لأن باب التفعل للتكلف، وقوله: (لم يره) جملة وقعت صفة لتحلم. وقوله: (كُلف) على صيغة المجهول؛ أي: كلف يوم القيامة، أي: يعذب بذلك، وذكر التكليف نوع من العذاب. (ولن يفعل) أي: ولن يقدر على ذلك. وقوله: (وكلف) يحتمل أن يكون عطفاً تفسيرياً لقوله: (عذب) وأنْ يكون نوعاً آخر. والله أعلم.

(3/38)


9 - (
الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط).
2733 - (1) [
صحيح] عن عامرِ بْنِ سَعْدٍ قال:
كان سعدُ بْنُ أبي وقَّاصٍ في إِبِلهِ (1)، فجاءَهُ ابْنُه عُمَرُ، فلمّا رآهُ سعدٌ قال: أعوذ بالله مِنْ شَرِّ هذا الراكِبِ، فنَزَل، فقالَ لَهُ. أنزْلْتَ في إبِلِكَ وغَنَمِكَ؛ وتركتَ الناسَ يتَنازَعونَ المُلْكَ بيْنَهُم؟! فضرَب سَعْدٌ في صَدْرِه، فقال: اسْكتْ، سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الله يُحِبُّ العبدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَّ".
رواه مسلم.
(
الغني) أي: الغني النفس القنوع.

2734 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:
قال رجلٌ: أيُّ الناسِ أفْضَلُ يا رسولَ الله؟ قال:
"
مؤمِنٌ يجاهِدُ بنفْسِهِ ومالِه في سبيل الله".
قال: ثُمَّ مَن؟ قال:
"
ثُمَّ رجلٌ مُعْتزِلٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعابِ يعبُدُ ربَّه".
وفي رواية:
"
يتَّقي الله، ويدعُ الناسَ مِنْ شَرِّهِ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ورواه الحاكم بإسناد على شرطهما؛ إلا أنه قال:
__________
(1)
الأصل: (بيته)، والتصحيح من "صحيح مسلم" (8/ 214)، وأحمد أيضاً (1/ 168). وله عنده (1/ 177) طريق أخرى.

(3/39)


عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل: أيُّ المؤمنين أفضل؟ قال:
"
الذي يجاهد بنفسه وماله، ورجلٌ يعبدُ ربَّه في شِعْبٍ من الشِّعابِ، وقد كفى الناسَ شرَّه" [مضى 12 - الجهاد/ 9].

2735 - (3) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يوشِكُ أنْ يكونَ خيرُ مالِ المسلمِ غَنَمٌ يَتَتَبَّعُ بها شَعَفَ الجِبال، ومواقعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدينهِ مِنَ الفِتَنِ".
رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
(
شَعَف الجبال) بالشين المعجمة والعين المهملة مفتوحتين: هو أعلاها ورؤوسها.

2736 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال:
"
مِنْ خيرِ معاشِ الناسِ لهم رجلٌ مُمْسِكٌ عِنانَ فرسِه في سبيلِ الله، يطيرُ على مَتْنِه، كلَّما سمعَ هَيْعَةً أو فَزْعَةً طارَ عليه يَبْتَغي القَتْلَ أوِ الموْتَ مظَانَّهُ، (1) ورجلٌ في غُنَيْمَةٍ في رأسِ شَعْفَةٍ مِنْ هذه الشَّعَفِ، أو بطْنِ وادٍ مِنْ هذه الأوْديَةِ، يقيمُ الصلاةَ، وُيؤْتي الزكاةَ، ويعبدُ ربَّه حتى يأتيَهُ اليَقينُ، ليسَ مِنَ الناس إلا في خَيْرٍ".
رواه مسلم. وتقدم بشرح غريبه في الجهاد. [12 - الجهاد/ 9].

2737 - (5) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ألا أخْبِرُكُم بخَيرِ الناسِ؟ رجلٌ مُمْسِكٌ بعِنانِ فَرسِه في سبيلِ الله. ألا أخبِرُكُم بالَّذي يَتْلوهُ؟ رجُلٌ معْتَزِلٌ في غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حقَّ الله فيها، ألا أُخْبِرُكم بِشَرِّ الناسِ؟ رجلٌ يُسْأَلُ بالله ولا يُعْطِي".
__________
(1)
انظر تفسيره ودلالته على جواز العمليات الفدائية فيما تقدم.

(3/40)


رواه النسائي والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن غريب".
[
صحيح] وابن حبان في "صحيحه" ولفظه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَج عليهم وهُمْ جلوسٌ في مَجْلِسٍ لهم فقال:
"
ألا أُخْبِرُكم بخَيْرِ الناسِ مَنْزِلاً؟ ".
قالوا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
رجُلٌ آخِذٌ برأسِ فَرسِه في سبيلِ الله حتى يموتَ أو يُقْتَلَ. ألا أُخْبِرُكُم بالَّذي يليه؟ ".
قُلْنا: بلى يا رسولَ الله! قال:
"
امْرؤٌ معْتَزِلٌ في شِعْب؛ يقيمُ الصلاةَ، ويُؤْتي الزكاةَ، ويَعْتَزِلُ شرورَ الناسِ. ألا أُخبِركُم بشرِّ الناس؟ ".
قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال:
"
الذي يُسأل بالله ولا يُعْطِي".
ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب العزلة" من حديثه.
ورواه أيضاً هو والطبراني من حديث أم مبشر الأنصارية أطول منه. [مضى 12 - الجهاد/ 9].

2738 - (6) [
صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ جاهَد في سبيلِ الله كان ضامناً على الله، ومَنْ عادَ مريضاً كان ضامِناً على الله، ومَنْ دخَل على إِمامِه يُعَزِّرُه كان ضامِناً على الله، ومَنْ جلَس في بَيْتِه لَمْ يَغْتَبْ إنْساناً كانَ ضامِناً على الله". [مضى هناك].
رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان واللفظ له.
[
صحيح] وعند الطبراني:

(3/41)


"
أوْ قَعَد في بَيْتِه فسَلِمَ الناسُ منه وسَلِمَ مِنَ الناسِ".
وهو عند أبي داود بنحوه، وتقدم لفظه [هناك/ 6].

2739 - (7) [
صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عائشة، ولفظه: قال:
"
خصالٌ ستٌّ؛ ما من مسلمٍ يموتُ في واحدة منهنّ؛ إلا كان ضامناً على الله أن يدخلَ الجنةَ، -فذكر منها:- ورجل في بيته لا يغتاب المسلمين، ولا يَجُرُّ إليهم سَخَطاً ولا نقمةً".

2740 - (8) [
حسن لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
طوبى لِمَنْ مَلكَ لِسانَهُ، ووَسِعَهُ بيتُه، وبكى على خَطيئَتِه".
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وحسن إسناده. (1)

2741 - (9) [
صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! ما النجاةُ؟ قال:
"
أمْسِكْ (2) عليكَ لِسانَكَ، ولْيَسَعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئَتِكَ".
رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي؛ كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد [عن القاسم عن أبي أمامة عنه]. وقال الترمذي:
"
حديث حسن".
__________
(1)
كذا في الأصل، وليس في المعجمين المذكورين التحسين المزبور، ولكنه في "الصغير" وثق رجاله، فكأن المصنف استلزم منه التحسين. والله أعلم.
(2)
كذا في (الترمذي) طبعة حمص، وكذلك في شرحه: (العارضة)، لكنْ في "تحفة الأحوذي" (املك). وكذلك عزاه إليه الحافظ المزي في "تحفته" (7/ 308)، وتبعه النابلسي في "الذخائر"، والسيوطي في "الجامع"، وهو الراجح الذي مال إليه الحافظ الناجي (ق 197/ 2).
ويؤيده أنه وقع كذلك في "المسند" من هذه الرواية وغيرها. انظر "الصحيحة" (890 و891) وحديث ابن عباس الآتي (2464). راجع "عزلة الخطابي".

(3/42)


2742 - (10) [
صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ بين أيديكم فِتناً كَقِطَعِ الليلِ المظْلِمِ، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمِناً ويُمسِي كافِراً، ويُمْسِي مؤمِناً ويُصْبِحُ كافِراً، القاعِدُ فيها خيرٌ مِنَ القائمِ، والقائمُ فيها خيرٌ مِنَ الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِنَ الساعي".
قالوا: فما تَأْمُرنا؟ قال:
"
كونوا أحْلاسَ بُيوتِكم".
رواه أبو داود. وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة في "الصحاح" وغيرها.
(
الحِلْسُ): هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القِتب. يعني الزموا بيوتكم في الفتن، كلزوم الحلس لظهر الدابة.

2743 - (11) [
صحيح] وعن المقداد بن الأسود قال: ايم الله (1) لقد سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، ولَمنِ ابْتُلِيَ فصَبر فواهاً".
رواه أبو داود.
(
واهاً): كلمة معناها التلهف، وقد توضع للإعجاب بالشيء.

2744 - (12) [
حسن صحيح] وعن ابن عَمروٍ (2) رضي الله عنهما قال:
بيْنَما نحنُ حولَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَكَر الفِتْنَةَ فقال:
"
إذا رأيتُم الناسَ قد مَرِجَتْ عُهودُهم، وخَفَّتْ أماناتُهم، وكانوا هكذا"، وشبَّك بين أصابِعه.
__________
(1)
هذا من ألفاظ القَسَم، كقولك: لعمر الله، وعهد الله.
(2)
الأصل: (ابن عباس)، والتصحيح من "السنن"، راجع "الأحاديث الصحيحة" (205).

(3/43)


قال: فقُمْتُ إليه فقلْتُ: كيفَ أفْعَلُ عند ذلك جعلَني الله تبارَك وتعالى فداكَ؟ قال:
"
الْزَمْ بيتَك، وابْكِ على نَفْسِكَ، وامْلُكْ عليكَ لِسانَكَ، وخُذْ ما تَعْرِفُ، ودَعْ ما تُنْكِرُ، وعليكَ بأمْرِ خاصَّةِ نَفْسِكَ، ودَعْ عنكَ أَمْرَ العامَّةِ".
رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن.
(
مرجت) أي: فسدت. والظاهر أن معنى قوله: (خفت أماناتهم) أي: قلَّت؛ من قولهم خف القوم: أي قلوا. والله أعلم.

(3/44)


10 - (
الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه، وما يفعل عند الغضب).
2745 - (1) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قالَ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أوْصني؟ قال:
"
لا تَغْضَبْ". فردَّدَ مراراً، قال:
"
لا تَغْضَبْ".
رواه البخاري.

2746 - (2) [
صحيح] وعن حميد بن عبد الرحمن عن رجلٍ مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
قال رجلٌ: يا رسول الله! أوْصني. قال:
"
لا تَغْضَبْ".
قال: فَفَكَّرْتُ حينَ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قالَهُ، فإذا الغَضَبُ يجْمَعُ الشَّرِّ كُلِّه.
رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

2747 - (3) [
حسن] وعن ابن عمر [و] رضي الله عنهما:
أنَّه سأل رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما يُباعِدُني مِنْ غَضَبِ الله عزَّ وجلَّ؟ قال:
"
لا تَغْضَبْ".
رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال:
"
ما يَمْنَعُني".

(3/45)


2748 - (4) [
صحيح] وعن جارية بن قدامة:
أنَّ رجُلاً قال: يا رسولَ الله! قُلْ لي قوْلاً، وأقْلِلْ، لَعلِّي أَعِيَه؟ قال:
"
لا تَغْضَبْ".
فأعادَ عليه مِراراً، كلُّ ذلك يقولُ:
"
لا تَغْضَبْ".
رواه أحمد -واللفظ له- ورواته رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح] ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"؛ إلا أنه قال: عن الأحنف بن قيس عن عمه -وعمه جارية بن قدامة- أنه قال:
يا رسول الله! قل لي قولاً ينفعني الله به، فذكره.
[
صحيح] وأبو يعلى؛ إلا أنه قال: عن جارية بن قدامة: أخبرني عم أبي أنه قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . فذكر نحوه. ورواته أيضاً رواة "الصحيح".

2749 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قالَ رجلٌ لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
دُلَّني على عَملٍ يُدخِلُني الجنَة؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَغْضَبْ، ولَك الجَنَّةُ".
رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح.

2750 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليسَ الشديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَه عند الغَضَبِ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً:
"
ليس الشديدُ مَن غَلَبَ الناسَ، إنما الشديدُ من غَلَبَ نفسَه".

(3/46)


(
قال الحافظ):
" (
الصُّرَعة) بضم الصاد وفتح الراء: هو الذي يصرع الناس كثيراً بقوَّته. وأما (الصُّرْعة) بسكون الراء: فهو الضعيف الذي يصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت مع أحد.
وكل من يكثر عنه الشيء يقال فيه: (فُعَلَة) بضم الفاء وفتح العين مثل (حُفَظَة) و (خُدَعَة) و (ضُحَكَة) وما أشبه ذلك، فإذا سكنت ثانيه فعلى العكس، أي الذي يفعل به ذلك كثيراً".

2751 - (7) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً. . . وكان فيما قال:
"
إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن (1) الله مستخلفُكُم فيها فناظرٌ كيف تعملون. ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء".
وكان فيما قال:
"
ألا يمنعَنّ رجلاً هيبةُ الناسِ أَنْ يقولَ بحقٍّ إذا عَلِمَه".
قال: فبكى أبو سعيد وقال: وقد والله رأينا أشياء فَهِبْنا، وكان فيما قال:
"
ألا إنه ينصبُ لكلّ غادرٍ لواءٌ [يوم القيامة] بقدرِ غَدْرَتِه، ولا غَدْرَةَ أعظمُ من غَدْرةِ إمام عامةٍ يُركَزُ لَواؤه عند اسْتِه. . . . . . . . . . . .".
رواه الترمذي وقال:
"
حديث حسن". (2)

2752 - (8) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ جُرْعَةٍ أعْظَمُ أجْراً عند الله مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كظَمها عبدٌ ابْتِغاءَ وجْهِ الله".
رواه ابن ماجه، ورواته محتج بهم في "الصحيح".
__________
(1)
الأصل: "إن الدنيا خضرة حلوة، إن الله"، والتصحيح من "الترمذي".
(2)
كذا قال، وهو وإن كان يعني أنه حسن لغيره، فلا يصح ذلك على إطلاقه، لأن كثيراً من فقراته المشار إليها بنقاط هنا لا شاهد لها، ولذلك أوردته كاملاً في "الضعيف" هنا، وأوردت هنا ما هو ثابت منه، وما بين المعكوفتين سقط من الأصل، فاستدركته.

(3/47)


2753 - (9) [
حسن لغيره] وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كَظم غَيْظاً وهو قادِرٌ على أن يُنْفِذَهُ؛ دعاهُ الله سبحانَه على رؤوس الخَلائق [يومَ القِيامَةِ] (1) حتى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحورِ العِينِ ما شاءَ".
رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه؛ كلهم من طريق أبي مرحوم -واسمه عبد الرحيم بن ميمون- عن سهل بن معاذ عنه. ويأتي الكلام على سهل وأبي مرحوم إنْ شاء الله تعالى. [يعني في آخر كتابه].

2754 - (10) [
صحيح] وعن سليمان بن صُرَدٍ رضي الله عنه قال:
اسْتَبَّ رجلانِ عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعَل أحدُهما يَغْضَبُ وَيحْمَرُّ وجْهُه، وتنْتَفِخُ أوْداجُه، فنظَر إليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
إنِّي لأعْلَمُ كَلِمةً لوْ قالَها لذَهَب ذا عنهُ؛ (أعوذُ بالله مِنَ الشيْطانِ الرَجيمِ) ".
فقامَ إلى الرجلِ رجلٌ مِمَّنْ سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: هل تدْري ما قالَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آنِفاً؟ قال: لا. قال:
"
إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمةً لو قالَها لَذهَب ذا عنه؛ (أعوذُ بالله مِنَ الشيْطانِ الرجيم) ".
فقال له الرجلُ: أمَجْنوناً تَراني؟
رواه البخاري ومسلم (2).
__________
(1)
سقطت من الأصل وكذا من مطبوعة (عمارة)، واستدركتها من أبي داود (4777)، والترمذي (2022 و2495)، وابن ماجه (4186).
(2)
قال الناجي: "إنما هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري أخصر منه. و (صرد) مصروف غير معدول".
قلت: هو عند البخاري في "بدء الخلق"، وكذلك رواه أبو داود (4781). وقوله: (وتنتفخ أوداجه) إنما هو في رواية أخرى لمسلم. وقد صححت منه بعض الأخطاء كانت في الأصل.

(3/48)


11 - (
الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر).
2755 - (1) [
صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَقاطَعوا، ولا تَدابَرُوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدُوا، وكونوا عبادَ الله إِخْواناً، ولا يَحِلُّ لمسْلمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فوْقَ ثلاثٍ".
رواه مالك والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
ورواه مسلم أخصر منه. (1)
[
صحيح لغيره] والطبراني، وزاد فيه:
"
يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخيرُهُم الَّذي يَبْدأُ بالسلامِ. . " (2).
قال مالك: (3)
"
ولا أَحْسِبُ التدابُرَ إلا الإعْراضَ عنِ المسْلمِ؛ يُدْبِرُ عنه بِوَجْهِهِ".

2756 - (2) [
صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يَهْجُر أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فيُعْرِضُ هذا، ويُعْرِضُ هذا، وخيرُهما الَّذي يَبْدأُ بالسلامِ".
رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.
__________
(1)
قلت: لا فرق بين رواية مسلم والبخاري إلا في أنه لم يذكر الجملة الأولى، ولكنها قد ثبتت عنده (8/ 9) من طريقين عن أنس.
(2)
قلت: هنا زيادة بلفظ: "والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة" فحذفتها لنكارتها، كما بينت في "الضعيفة" (6770)، ثم هي في "الأوسط" لا في "الكبير" كما يوهمه إطلاق المؤلف.
(3)
في "الموطأ" (3/ 100).

(3/49)


2757 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يَهْجُر أخاه فوقَ ثلاثٍ، فَمنْ هجَر فوْقَ ثلاثٍ فماتَ؛ دخَل النارَ".
رواه أبو داود والنسائي بإسناد على شرط البخاري ومسلم.
روفي رواية لأبي داود: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يحلُّ لمؤمنٍ أن يهجرَ مؤمناً فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلْقَه فليسلمِ عليه، فإن رَدَّ عليه السلامَ فقد اشتركا في الأجرِ، وإن لم يردّ عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلِّمُ من الهجر".

2758 - (4) [
حسن صحيح] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يكونُ لمسْلم أنْ يَهْجُر مسلماً فوقَ ثلاثَةِ أيَّامٍ، فإذا لَقِيَهُ سلَّم عليه ثلاثَ مراتٍ؛ كلُّ ذلك لا يَرُدُّ عليه؛ فقد باءَ بإثْمِهِ".
رواه أبو داود.

2759 - (5) [
صحيح] وعن هشام بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحِلُّ لمسْلمٍ أنْ يَهْجُرَ مسلِماً فوْقَ ثلاثِ لَيالٍ، فإنَّهُما ناكِبانِ عنِ الحقِّ. ما داما على صِرامِهِما، وأَوَّلُهما فَيْئاً يكونُ سَبْقُه بالْفَيءِ كَفارَةً له، وإنْ سلَّم فلَمْ يَقْبَلْ ورَدَّ عليه سلامَهُ؛ ردَّتِ عليهِ الملائكةُ، وردَّ على الآخَرِ الشيطانُ، فإنْ ماتا على صِرامِهما؛ لَمْ يدخُلا الجنَّة جميعاً أبداً".
رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"
لم يدخلا الجنة ولم يجتمعا في الجنة".
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة؛ إلا أنَّه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(3/50)


"
لا يَحِلُّ أنْ يَصْطَرِما فوقَ ثلاثٍ، فإنِ اصْطَرما فوقَ ثلاثٍ؛ لَمْ يَجْتَمعا في الجنَّةِ أبَداً، وأيما بدأَ صاحِبَه كُفِّرَتْ ذنوبُه، وإنْ هو سلَّم فلَمْ يَرُدَّ عليه ولَمْ يقبَلْ سلامَهُ؛ ردَّ عليه الملَكُ، ورَدَّ على ذلك الشيْطانُ".

2760 - (6) [
صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحلُّ الهجرُ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ، فإنِ الْتَقيا فسلَّم أحدُهما فَردَّ الآخَرُ اشْتَركا في الأَجْرِ، وإنْ لمْ يَرُدَّ بَرِئَ هذا مِنَ الإِثْم، وباءَ به الآخَرُ -وأحسبه قال:- وإنْ ماتا وهُما مُتَهاجِرانِ لا يَجْتَمِعانِ في الجنَّةِ".
رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم، واللفظ له وقال:
"
صحيح الإسناد".

2761 - (7) [
حسن لغيره] وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ هَجَر أخاه فوقَ ثلاثٍ فهو في النارِ، إلا أنْ يَتداركَهُ الله برَحْمَتِه".
رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح".

2762 - (8) [
صحيح] وعن أبي حراشٍ حدرد بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ هَجر أخاه سَنةً؛ فهو كَسَفْكِ دَمِه".
رواه أبو داود والبيهقي.

2763 - (9) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الشيطانَ قد يَئسَ أنْ يَعْبُدَه المصلُّون في جزيرَةِ العَربِ؛ ولكن في التحريشِ بَيْنَهُم".
رواه مسلم.

(3/51)


(
التحريش): هو الإغراء وتغيير القلوب والتقاطع.

2764 - (10) [
صحيح لغيره موقوف] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
لا يتهاجَرُ الرجلانِ قد دخلا في الإسلام؛ إِلا خرجَ أحدُهما منه حتى يرجعَ إلى ما خرج منه، ورجوعُه أن يأتيه فيسلم عليه.
رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد.

2765 - (11) [
صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لو أنّ رجلين دخلا في الإسلامِ فاهتجرا؛ لكان أحدُهما خارجاً من الإسلامِ حتى يرجعَ. يعني الظالم منهما".
رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح".

2766 - (12) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تُعْرَضُ الأعْمالُ في كلِّ [يوم] اثْنَينٍ وخميسٍ، فيَغْفِرُ الله عزَّ وجلَّ في ذلك اليومِ لِكُلِّ امْرئٍ لا يُشْرِكُ بالله شيْئاً، إلا امْرأً كانَتْ بينَهُ وبينَ أخيهِ شَحْنَاءُ فيقولُ: ارْكُوا (1) هذَيْن حتّى يَصْطَلِحا".
رواه مالك ومسلم -واللفظ له-.
وأبو داود والترمذي وابن ماجه بنحوه.
وفي رواية لمسلم: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تُفْتَح أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثْنَيْنِ والخَميسِ، فيُغْفرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يُشرِكُ بالله
__________
(1)
الأصل هنا وفيما تقدم (9 - الصيام/ 10): (اتركوا)، وكأنه رواية بالمعنى، والتصحيح من "مسلم"، قال الناجي (196/ 1): "هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل أي: أخروا. يقال: ركاه يركوه ركواً: إذا أخَّره". ولم يتنبه لهذا التصحيح المعلقون الثلاثة كما هي عادتهم! لا هنا ولا هناك، كما لم يستدركوا الزيادة!!

(3/52)


شيْئاً، إلا رجلاً كان بينَهُ وبين أخيه شَحْناءُ، فيقالُ: أَنْظِروا هذَيْنِ حتّى يصْطَلِحا، أنْظِروا هذَيْنِ حتى يَصْطَلِحا، أنْظِروا هذين حتّى يَصْطَلِحا".
[
مضى 9 - الصيام/ 10].
قال أبو داود:
"
إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء، فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هجر بعض نسائه أربعين يوماً، وابن عمر هجر ابناً له إلى أن مات" انتهى.

2767 - (13) [
حسن صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يطَّلعُ الله إلى جَميعِ خَلْقهِ ليلةَ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ، فيغْفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنِ".
رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

2768 - (14) [
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري.

2769 - (15) [
صحيح لغيره] والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه بنحوه؛ بإسناد لا بأس به (1).

2770 - (16) [
صحيح لغيره] وعن مكحول عن كثير بن مرة عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
في لَيْلَةِ النصْفِ مِنْ شَعبانَ يَغْفِرُ الله عزَّ وجلَّ لأَهْلِ الأرْضِ؛ إلا مشْرِكٍ أوْ مُشاحِنٍ".
رواه البيهقي وقال: "هذا مرسل جيد".
__________
(1)
قلت: وقد أخرج هذه الأحاديث الإمام الدارقطني في جزء النزول، وقد استنسخت منه نسخة إعداداً لها لتحقيقها.

(3/53)


2771 - (17) [
صحيح لغيره] (قال الحافظ): ورواه الطبراني والبيهقي أيضاً عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يطَّلعُ الله إلى عِبادِه لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ؛ فيَغْفِرُ لِلْمُؤمِنينَ، ويُمْهِلُ الكافِرينَ، ويَدعُ أهْلَ الحِقْدِ بحِقْدِهم حتَّى يَدعُوهُ".
قال البيهقي: "وهو أيضاً بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد".
(
قال الحافظ):
"
ويأتي [هنا/ 21] في "باب الحسد" حديث أنس الطويل إن شاء الله تعالى".

(3/54)


12 - (
الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر!).
2772 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا قال الرجلُ لأَخِيهِ: يا كافِرُ! فقد باءَ بِها أحدُهما، فإنْ كانَ كما قالَ، وإلا رجَعَتْ عليهِ".
رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

2773 - (2) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ومَنْ دعا رجلاً بالكفْرِ أو قال: عدوَّ الله! وليسَ كذلك؛ إلا حارَ عليهِ".
رواه البخاري، ومسلم في حديث. (1)
(
حارَ) بالحاء المهملة والراء، أي: رجع.

2774 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ قال لأخيه: يا كافِر! فقد باءَ بِها أحَدُهُما".
رواه البخاري.

2775 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما أَكفَر رجلٌ رجلاً؛ إلَا باءَ أحَدُهُما بِها: إنْ كان كافِراً، وإلا كَفَر بتَكْفِيرِه".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

2776 - (5) [
صحيح] وعن أبي قِلابَة؛ أنَّ ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخْبَره:
أنَّه بايَع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحتَ الشجَرةِ، وأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
__________
(1)
قلت: واللفظ له، ولفظ البخاري (6045): "إلا ارتدت عليه"، وهو مخرج في "الصحيحة" (2891).

(3/55)


"
مَنْ حلَف على يمينٍ بِملَّةٍ غير الإسْلامِ كاذِباً متَعَمِّداً فهو كما قالَ، ومَنْ قتل نَفْسَهُ بشيْءٍ عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ، وليس على رجلٍ نذْرٌ فيما لا يَمْلِكُ، ولعنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رمى مؤمِناً بكُفْرٍ؛ وكَقَتْلِه، ومَنْ ذَبحَ نفْسَه بشيْء عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ".
رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] ورواه أبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليسَ على المرْءِ نذرٌ فيما لا يَمْلِكُ، ولاعِنُ المؤمِنِ كقاتِلِه، ومَنْ قذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فهو كَقاتلِه، ومَنْ قتَل نفْسَه بشَيْءٍ عَذَّبه الله (1) بما قَتلَ به نَفْسَه يومَ القِيامَةِ". [مضى 21 - الحدود/ 10].

2777 - (6) [
صحيح لغيره] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا قال الرجلُ لأَخيه: يا كافِرُ! فهو كَقَتْلِهِ".
رواه البزار، ورواته ثقات.
__________
(1)
الأصل: (عُذِّب)، والصواب ما أثبتُّ، وهكذا تقدم هناك، وهو مما غفل عنه الغُفَّل الثلاثة.

(3/56)


13 - (
الترهيب من السباب واللعن سيما لمعيّن، آدمياً كان [أو دابة] أو غيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سبِّ الديك والبرغوث (1) والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك).
2778 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
المستَبَّانِ ما قالا فعلى البادِئ منهُما؛ حتى يَتعدَّى المظلُومُ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

2779 - (2) [
صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سِبابُ المُسْلمِ فُسوقٌ، وقِتالُه كُفْرٌ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

2780 - (3) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رفعه قال:
"
سِبابُ المسْلمِ كالمُشْرِفِ على الهَلَكَةِ".
رواه البزار بإسناد جيد.

2781 - (4) [
صحيح] وعن عياض بن حمارٍ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا نبيَّ الله! الرجلُ يَشْتُمُني وهُوَ دوني، أعَليَّ مِنْ بأْسٍ أَنْ أنْتَصِرَ منه؟ قال:
"
المسْتَبَّانِ شيْطانانِ يتَهاتَرانِ، ويَتكاذَبانِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
انظر حديثه في "الضعيف".

(3/57)


2782 - (5) [
صحيح] وعن أبي جُرَيّ جابر بن سليم رضي الله عنه قال:
رأيتُ رجلاً يصْدُرُ الناسُ عنْ رأْيِه، لا يقولُ شيْئاً إلا صدَروا عنه، قلتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلتُ: عليكَ السلامُ يا رسولَ الله! قال:
"
لا تَقُلْ: عليكَ السلامُ، [فإنَّ] (عليكَ السلامُ) تَحيَّةُ الميِّتِ، قُلْ: السلامُ عَليْكَ".
قال: قلتُ: أنتَ رسولُ الله؟ قال:
"
أنا رسولُ الله الذي إذا أصابَك ضُرٌّ فدعوتَهُ؛ كَشف عنكَ، وإنْ أصابَك عَامُ سَنَةٍ فدعَوْتَه؛ أنْبَتَها لك، وإذا كنْتَ بأرضِ قفرٍ أو فلاةٍ، فَضَلَّتْ راحِلَتُكَ، فَدَعَوْتَه؛ ردَّها عليك".
قال: قلتُ: اعْهدْ إِليَّ. قال:
"
لا تَسُبَّنَّ أحَداً".
[
قال:] فما سَبَبْتُ بعده حُرّاً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاةً. قال:
"
ولا تَحقرَنَّ شيئاً مِنَ المعروفِ، وأنْ تُكلِّم أخاك وأنْتَ مُنْبَسِطٌ إليه وجْهُكَ؛ إنَّ ذلك مِنَ المعروفِ، وارْفَعْ إزارَك إلى نِصْفِ الساقِ، فإنْ أبَيْتَ فإلى الكعْبينِ، وإيَّاك وإسْبالَ الإِزار، فإنَّها مِنَ المَخِيلَةِ، وإنَّ اللهَ لا يحبُّ المَخِيلَةَ، وإنِ امْرؤٌ شَتَمك وعَيَّرَكَ بما يعْلَمُ فيك، فلا تُعَيِّرْهُ بما تَعْلَمُ فيه، فإنَّما وبالُ ذلِكَ عليهِ".
رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
وابن حبان في "صحيحه"، والنسائي مختصراً.
[
صحيح لغيره] وفي رواية لابن حبَّان نحوه، وقال فيه:
"
وإن امْرؤٌ عيَّركَ بشَيْءٍ يَعْلَمُه فيك، فلا تُعَيِّرْهُ بشَيْءٍ تَعْلَمُه فيه، ودَعْهُ

(3/58)


يكونُ وبَالُه عليه، وأجْرُهُ لكَ، ولا تَسُبَّنَّ شَيْئاً".
قال: فما سَبَبْتُ بعدَ ذلك دابَّةً ولا إنْساناً.
(
السَّنة): هي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء أنزل غيث أو لم ينزل.
(
المخيلة): بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من (الاختيال): وهو الكبر واستحقار الناس.

2783 - (6) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ مِنْ أكْبرِ الكبائرِ أنْ يلْعنَ الرجلُ والِدَيْهِ".
قيلَ: يا رسولَ الله! وكيفَ يلْعَنُ الرجلُ والديه؟ قال:
"
يَسبُّ أبا الرجلِ فيَسبُّ أباه، ويسبُّ أُمَّهُ فيسُبُّ أُمَّهُ".
رواه البخاري وغيره. [مضى 21 - البر/ 2].

2784 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا ينْبَغي لِصِدِّيقٍ أنْ يكونَ لَعَّاناً".
رواه مسلم وغيره.
[
صحيح] والحاكم وصححه، ولفظه: قال:
"
لا يَجْتَمعُ أنْ تكونوا لعَّانِينَ صِدِّيقينَ".

2785 - (8) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
مرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي بكْرٍ وهو يلْعَنُ بعضَ رقيقِهِ، فالْتَفتَ إليه وقال:
"
لعَّانينَ وصِدِّيقينَ؟! كلا وربِّ الكَعْبةِ".
فعَتقَ أبو بكرٍ رضي الله عنه يومَئذٍ بعضَ رَقيقِهِ. قال. ثُمَّ جاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: لا أَعود.
رواه البيهقي (1).
__________
(1)
قلت: في "الشعب" (4/ 294/ 5154)، ولقد أبعد النجعة، فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (319)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (4/ 42/ 1 - 2)، وسنده صحيح.

(3/59)


2786 - (9) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يكونُ اللعَّانون شُفَعاءَ ولا شُهَداء يومَ القِيامَةِ".
رواه مسلم وأبو داود ولم يقل: "يوم القيامة".

2787 - (10) [
صحيح] وعن ابن عمر (1) رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يكون المؤمِنُ لعَّاناً".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

2788 - (11) [
صحيح] وعن جُرمُوذ الجهني رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! أوْصِني؟ قال:
"
أوصيكَ لا تكونُ لَعَّاناً".
رواه الطبراني من رواية عبيد بن هودة عن جرموذ، وقد صححها ابن أبي حاتم، وتكلم فيها غيره، ورواته ثقات. (2) ورواه أحمد، فأدخل بينهما رجلاً لَمْ يُسَمَّ.

2789 - (12) [
حسن لغيره] وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تلاعنوا بلعنةِ الله، ولا بغضبه، ولا بالنار".
رواه أبو داود، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
رووه كلهم من رواية الحسن البصري عن سمرة، واختلف في سماعه منه. (3)
__________
(1)
الأصل: (ابن مسعود) والصواب ما أثبت، انظر "تخريج السنة" لابن أبي عاصم (رقم 1014)، فقد ذكرت هناك لفظ حديث ابن مسعود ومن خرَّجه من الأئمة.
(2)
قلت: وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (3/ 41/ 1).
(3)
قلت: لكن له شاهد مرسل صحيح، خرجته مع الحديث في "الصحيحة" (892).

(3/60)


2790 - (13) [
صحيح] وعن ثابت بن الضَّحَّاكِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ حلَف على يمينٍ بملَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كاذِباً متَعَمِّداً؛ فهو كما قالَ، ومنْ قتلَ نفْسهُ بشَيْءٍ؛ عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ، وليسَ على رجلٍ نَذرٌ فيما لا يَمْلِكُ، ولَعْنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ".
رواه البخاري ومسلم. وتقدم [هنا/ 12].

2791 - (14) [
صحيح] وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:
كنَّا إذا رأيْنا الرجُلَ يلعنُ أخاه، رأيْنا أنْ قد أتَى باباً مِنَ الكَبائِر.
رواه الطبراني بإسناد جيد.

2792 - (15) [
حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إن العبدَ إذا لَعَنَ شيئاً صعدتِ اللعنةُ إلى السماءِ، فتُغْلَقُ أبوابُ السماءِ دونها، ثم تهبطُ إلى الأرض فتغلقُ أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجدْ مساغاً رجعت إلى الذي لُعِنَ، فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها".
رواه أبو داود.

2793 - (16) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إن اللَّعنَة إذا وُجِّهتْ إلى مَنْ وُجِّهَتْ إليه؛ فإنْ أصابَتْ عليه سَبيلاً، أوْ وجَدتْ فيه مَسْلَكاً، وإلا قالَتْ: يا ربِّ! وُجِّهتُ إلى فلانٍ فلَمْ أجِدْ فيه مَسْلَكاً، ولَمْ أجِدْ عليه سَبيلاً، فيقالُ لها: ارْجِعي مِنْ حيثُ جِئْتِ".
رواه أحمد، وفيه قصة، وإسناده جيد إنْ شاء الله تعالى.

2794 - (17) [
صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال:
بينما رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعضِ أسْفارِه، وامْرأَةٌ مِنَ الأنْصارِ على ناقَةٍ، فَضَجِرَتْ فلعَنتْها، فسمعَ ذلك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:

(3/61)


"
خُذوا ما علَيْها ودَعوها فإنَّها مَلْعونَةٌ! ".
قال عمران: فكأَنِّي أراها الآن تَمْشي في الناسِ ما يَعْرِضُ لها أحَدٌ.
رواه مسلم وغيره.

2795 - (18) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
سارَ رَجلٌ مع النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلعنَ بعيرَه، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا عبدَ الله! لا تَسِرْ معنا على بَعيرٍ ملْعونٍ".
رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد.

2796 - (19) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفَرٍ يسيرُ، فلَعن رجلٌ ناقَةً، فقال:
"
أينَ صاحِبُ الناقَةِ؟ ".
فقال: الرجلُ: أنا. فقال:
"
أخَّرْها، فقد أُجيبَ فيها".
رواه أحمد بإسناد جيد.

2797 - (20) [
صحيح] وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَسبُّوا الديكَ؛ فإنَّه يوقِظُ للِصلاةِ".
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"
فإنَّه يَدْعُو للِصلاةِ".
ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً.

2798 - (21) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عنه:
أنَّ ديكاً صرخَ عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسبَّهُ رجلٌ،
"
فنهى عن سبِّ الدِّيكِ".

(3/62)


رواه البزار بإسناد لا بأس به، والطبراني؛ إلا أنه قال فيه:
"
لا تَلْعَنْه، ولا تسبّه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة".

2799 - (22) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما:
أنَّ ديكاً صرَخ قريباً مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رجلٌ: اللهمَّ الْعَنْهُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَهْ! كلا، إنَّه يدْعو إلى الصَّلاةِ".
رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا عباد بن منصور.

2800 - (23) [
صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما:
أنَّ رجُلاً لعنَ الريحَ عند رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
لا تلْعَنِ الريحَ؛ فإنَّها مأمورَةٌ، مَنْ لَعنَ شيْئاً ليسَ له بأهْلٍ؛ رجعَتِ اللعْنَةُ عليهِ".
رواه أبو داود والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديت غريب، لا نعلم أحداً أسنده غير بشر بن عمر".
(
قال الحافظ):
"
وبشر هذا ثقة، احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، ولا أعلم فيه جرحاً".

2801 - (24) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اجْتَنِبوا السبعَ الموِبقاتِ".
قالوا: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال:
"
الشركُ بالله، والسِّحرُ، وقتلُ النفْسِ التي حرَّمَ الله إلا بالحقّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزحْفِ، وقذفُ المْحصَناتِ الغافِلاتِ المؤمِنَاتِ".

(3/63)


رواه البخاري ومسلم. [مضى 12 - الجهاد/ 11].
وفي كتاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبه إلى أهل اليمن قال:
"
وإنَّ أكْبَر الكبائِر عندَ الله يوم القِيامَة: الإشْراكُ بالله، وقتلُ النفْسِ المؤمِنَة بغيرِ الحقّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزحْفِ، وعقوقُ الوالدينِ، ورميُ المحصَنَةِ، وتعلُّمُ السِّحْرِ" الحديث.
رواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده. [مضى هناك].

2802 - (25) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ قَذَفَ مَمْلوكَهُ بالزنا يُقام عليه الحدُّ يومَ القيامَة؛ إلاَّ أنْ يكونَ كما قالَ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي، وتقدم لفظه في "الشفقة" [20 - القضاء/ 10].
(
قال الحافظ): ". . . وتقدم في "الشفقة" أحاديث من هذا الباب لم نعِدْها هنا".

(3/64)


14 - (
الترهيب من سبِّ الدهر).
2803 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله تعالى: يسبُّ بنو آدَم الدهرَ، وأنَا الدَّهْرُ، بِيَدي الليلُ والنَّهارُ".
وفي رواية:
"
أُقَلِّبُ لَيْلَهُ ونَهارَهُ، وإذا شئتُ قَبَضْتُهُما".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وفي رواية لمسلم:
"
لا يَسُبُّ أحدُكم الدهرَ؛ فإن الله هو الدَّهْرُ".
[
صحيح] وفي رواية للبخاري:
"
لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكرْمَ، ولا تقولوا: خَيْبَةَ الدَّهرِ؛ فإنَّ الله هو الدَّهْرُ".

2804 - (2) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: يُؤْذيني ابْنُ آدَم؛ يقول: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ! فلا يَقُلْ أحدُكم: يا خَيْبَةَ الدهْرِ؛ فإنِّي أنا الدهْرُ، أُقَلِّبُ ليلَهُ ونَهارَهُ".
رواه أبو داود، والحاكم (1) وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
[
صحيح] ورواه مالك مختصراً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَقُلْ أحدُكم يا خَيْبَةَ الدهْرِ؛ فإنَّ الله هو الدَّهْرُ"
__________
(1)
قلت: لم يروه بهذا التمام إلا الحاكم وزاد: "وإذا شئت قبضتهما".
ثم إن في هذا التخريج من المؤلف رحمه الله قصوراً وأوهاماً، أهمها أن الحديث رواه مسلم بلفظ الحاكم وزيادته كما بينته في "الصحيحة" (523)، ولم يتنبه لهذا الحافظ الناجي، بله المقلدة الثلاثة.

(3/65)


[
صحيح لغيره] وفي رواية للحاكم: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقول الله: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري ما يقول: وادهراه! وادهراه! وأنا الدهر".
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". (1)
[
حسن] ورواه البيهقي. ولفظه: قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَسُبُّوا الدَّهْر، قال الله عزَّ وجلَّ: أنا الدَّهْرُ، الأيَّامُ واللَّيالي أُجَدِّدُها وأُبْلِيها، وآتي بِمُلوكٍ بَعْدَ مُلوكٍ".
(
قال الحافظ): "ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر؛ اعتقاداً منهم أن الذي أصابه فعلُ الدهر، كما كانت العرب تستمطر بالأنواء وتقول: مُطِرنا بنوء كذا، اعتقاداً أن ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله، فنهاهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. وكان ابن داود (2) ينكر رواية أهل الحديث: "وأنا الدهر" بضم الراء ويقول: لو كان كذلك كان (الدهر) اسماً من أسماء الله عز وجل، وكان يرويه: "وأنا الدهرَ أقلب الليل والنهار" بفتح راء الدهر على الظرف؛ معناه: أنا طولَ الدهر والزمان، أقلب الليل والنهار.
ورجح هذا بعضهم. ورواية من قال: "لا، فإن الله هو الدهر". يرد هذا، والجمهور على ضم الراء. والله أعلم".
__________
(1)
كذا قال! وفيه عنعنة محمد بن إسحاق، ولم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة، وبالعنعنة رواه أحمد أيضاً وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (3477) بمتابعة إبراهيم بن طهمان لابن إسحاق، ولهذا نقلته إلى هذا "الصحيح".
(2)
قلت: أبو بكر محمد بن داود الظاهري مشهور هو وأبوه رضي الله عنهما. كذا في "العجالة" (196/ 2).

(3/66)


15 - (
الترهيب من ترويع المسلم، ومن الإشارة إليه بسلاحٍ ونحوه جادّاً أو مازحاً).
2805 - (1) [
صحيح] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدَّثنا أصْحابُ محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أنَّهم كانوا يسيرون معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنامَ رجلٌ منهم، فانْطَلق بعضُهم إلى حَبْلٍ معه فأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يُرَوِّعَ مسْلِماً".
رواه أبو داود.

2806 - (2) [
حسن صحيح] وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال:
كنَّا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسيرٍ، فَخفَقَ رجلٌ على راحِلَتِه، فأخذَ رجلُ سَهْماً مِنْ كِنانَته، فانْتَبه الرجلُ فَفَزِعَ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحِلُّ لرجلٍ أنْ يُرَوِّعَ مسْلِماً".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.

2807 - (3) [
صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث ابن عمر مختصراً:
"
لا يَحِلُّ لمسلمٍ أو مؤْمِن أَنْ يُرَوِّعُ مسْلِماً".
(
خَفَقَ) الرجل: إذا نَعس (1).
__________
(1)
هذا تجوّز في العبارة، والذي قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة: " (خفق الرجل): إذا حرك رأسه وهو ناعس". ذكره الناجي.

(3/67)


2808 - (4) [
حسن] وعن عبد الله بن السائب بن يزيدَ عن أبيه عن جده رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا يأخُذَنَّ أحدُكم متَاعَ أخيهِ لاعِباً ولا جادّاً".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

2809 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يُشِرْ أحدُكم إلى أخيه بالسِّلاحِ؛ فإنَّه لا يَدْري لعلَّ الشيْطانَ يَنْزِع في يَدِه فيَقَعُ في حُفْرَةٍ مِنَ النارِ".
رواه البخاري ومسلم.
(
يَنْزِع) بالعين المهملة وكسر الزاي؛ أي: يرمي، وروي بالمعجمة مع فتح الزاي، ومعناه أيضاً يرمي ويفسد، وأصل النزع الطعن والفساد.

2810 - (6) [
صحيح] وعنه قال: قال أبو القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحَديدَةٍ؛ فإنَّ الملائكة تَلْعَنُه حتى يَنْتَهيَ، وإنْ كان أخاه لأَبيهِ وأُمِّهِ".
رواه مسلم.

2811 - (7) [
صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا تواجَه المسلمان بسَيْفَيْهِما، فالقاتِلُ والمقْتولُ في النارِ".
وفي رواية:
"
إذا المسلمانِ حَمَل أحدُهما على أخيه السلاحَ؛ فهُما على حرْفِ جَهنَّم، فإذا قَتَل أحَدُهُما صاحبَه؛ دخلاها جَميعاً".

(3/68)


قال: فقلْنا: -أو قيلَ:- يا رسولَ الله! هذا القاتلُ، فما بالُ المقْتولِ؟ قال:
"
إنَّه قدْ أرادَ قَتْلَ صاحبِه".
رواه البخاري ومسلم.

2812 - (8) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سِبابُ المؤمِنِ فُسوقٌ، وقِتالُهُ كُفْرٌ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
والأحاديث من هذا النوع كثيرة تقدم بعضها.

(3/69)


16 - (
الترغيب في الإصْلاحِ بين الناسِ).
2813 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلُّ سُلامى مِنَ الناسِ عليه صَدقَةٌ كلَّ يومٍ تَطْلُعُ فيه الشمسُ، يَعْدِلُ بينَ الاثْنَيْنِ صدقَةٌ، ويعينُ الرجُلَ في دابَّتِه فيَحْمله عليها، أو يَرْفَعُ له علَيْها متَاعَةُ صدقَةٌ، والكلِمَةُ الطيَّبَةُ صَدقَةٌ، وبِكُلِّ خطوَةٍ يَمْشيها إلى الصلاةِ صَدقَةٌ، ويُميطُ الأَذَى عنِ الطريقِ صَدقَةٌ".
رواه البخاري ومسلم.
(
يعدل بين الاثنين) أي: يصلح بينهما بالعدل.

2814 - (2) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أخْبِرُكم بأفْضَلَ مِنْ درَجَةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقَةِ؟ ".
قالوا: بَلى؟ قال:
"
إصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البيْنِ هِيَ الحالِقَةُ".
رواه أبو داود والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث صحيح".
[
حسن لغيره] قال: ويروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال:
"
هي الحالقةُ، لا أقول تحلقُ الشعرَ، ولكنْ تحلقُ الدينَ" انتهى. (1)

2815 - (3) [
صحيح] وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيطٍ رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لَمْ يَكْذِبْ مَنْ نَمَى بينَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ".
__________
(1)
وصله الترمذي وغيره عن الزبير، وقيل: (ابن الزبير)، وقد مضى في الكتاب برواية البزار (5 - باب).

(3/70)


وفي رواية:
"
ليسَ بالكاذِبِ مَنْ أصْلَح بينَ الناسِ فقالَ خيْراً، أوْ نَمَى خَيْراً".
رواه أبو داود (1).
(
قال الحافظ): "يقال: (نميت الحديث) بتخفيف الميم: إذا بلغته بخير على وجه الإصلاح، وبتشديدها، إذا كان على وجه إفساد ذات البين. كذا ذكر ذلك أبو عبيد وابن قتيبة والأصمعي والجوهري وغيرهم".

2816 - (4) [
حسن] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما عُمِلَ شَيءٌ أفْضَلَ مِنَ الصلاةِ، وصَلاحِ ذاتِ البَيْنِ، وخُلُقٍ جائزٍ بَيْنَ المسْلمِين".
رواه الأصبهاني (2).

2817 - (5) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أفْضَلُ الصدقَةِ إصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ".
رواه الطبراني والبزار، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم.

2818 - (6) [
حسن لغيره] وروي عن أنس رضي الله عنه:
أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي أيوبَ:
__________
(1)
قال الناجي: "هذا عجيب! فقد رواه بنحو هذا اللفظ البخاري ومسلم والترمذي والنسائي".
قلت: وهو مخرج في "الصحيحة" (545) بزيادة في التخريج والتحقيق.
(2)
قلت: في "الترغيب" (1/ 104/ 180)، ولقد أبعد النجعة، فقد أخرجه البخاري في "التاريخ"، وسنده حسن كما بينته في "الصحيحة" (1448)، مع شاهد له صحيح قاصر عن أبي الدرداء، وتقدم قبله بحديث.

(3/71)


"
ألا أدلُّك على تجارةٍ؟ ".
قال: بلى. قال:
"
صِلْ بين الناسِ إذا تفاسدوا، وقرِّب بينهم إذا تباعدوا".
رواه البزار.

2819 - (7) [
حسن لغيره] والطبراني، وعنده (1):
"
ألا أدلُّك على عملٍ يرضاه الله ورسوله؟ ".
قال: بلى. . فذكره

2820 - (8) [
حسن لغيره] ورواه الطبراني أيضاً والأصبهاني عن أبي أيوبَ قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا أبا أيّوب! ألا أَدُلُّكَ على صدَقةٍ يُحِبُّها الله ورسولُه؟ تُصْلِحُ بينَ الناسِ إذا تَباغَضُوا وتفَاسَدوا". لفظ الطبراني.
ولفظ الأصبهاني: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أدُلُّكَ على صدَقَةٍ يحِبُّ الله مَوْضِعَها؟ ".
قال: قلتُ: بَلى بأبي أنتَ وأمِّي! قال:
"
تُصْلِحُ بينَ الناسِ؛ فإنَّها صدقَةٌ يُحِبُّ الله مَوْضِعَها" (2).

17 - (
الترهيب من أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره).
[
لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].
__________
(1)
ظاهر كلامه أنه عنده من حديث أنس، وليس كذلك، وإنما هو في "المعجم الكبير" (8/ 307/ 7999) من حديث أبي أمامة، وفيه من لا يعرف، ولفظه: "تصلح" مكان: "صِلْ".
(2)
قلت: له خمسة طرق أحدها مرسل صحيح، خرجتها في "الصحيحة" (2644).

(3/72)


18 - (
الترهيب من النميمة).
2821 - (1) [
صحيح] عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عيه وسلم -:
"
لا يَدْخُلُ الجنَّة نَمَّامٌ -وفي رواية: قَتَّاتٌ-".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
(
قال الحافظ):
" (
القتَّاتُ) و (النَّمَّامُ) بمعنى واحد. وقيل: (النمام): الذي يكون مع جماعة يتحدَّثون حديثاً فيَنِمُّ عليهم. و (القتات): الذي يتسمع عليهم، وهم لا يعلمون، ثم يَنِمُّ".

2822 - (2) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بقبرينِ يُعَذَّبانِ، فقالَ:
"
إنَّهما يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ، بَلى إنَّه كبيرٌ، أمَّا أحَدُهما فكانَ يَمْشي بالنَّميمَةِ، وأما الآخَرُ فكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه. . ." الحديث.
رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه. [مضى لفظه 4 - الطهارة/ 4].

2823 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كنَّا نَمْشي معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمَررْنا على قبرْينِ، فقامَ، فقُمْنا مَعَهُ، فجعَلَ لَوْنُه يَتَغيَّرُ، حتى رُعِدَ كُمٌّ قَميصِه. فقُلْنا: مالَك يا رسولَ الله؟! فقال:
"
أمَا تَسْمعونَ ما أسْمَعُ؟ ".
فقلنا: وما ذاك يا نبيَّ الله؟ قال:
"
هذانِ رجُلانِ يُعَذِّبانِ في قبورِهما عذاباً شديداً، في ذَنْبٍ هَيِّنٍ".
قلنا: فيمَ ذاك؟ قال:
"
كانَ أحدُهما لا يَسْتَنْزِهُ مِنَ البَوْلِ، وكان الآخَرُ يُؤذي الناسَ بلِسانِه،

(3/73)


وَيمْشي بيْنَهُم بالنمِيمَةِ".
فدعا بجريدَتَيْنِ مِنْ جرائِد النخلِ، فجعَل في كلِّ قبرٍ واحِدةً.
قلنا: وهلْ يَنْفَعُهم ذلك؟ قال:
"
نعم؛ يُخَفِّفُ عنهما ما دامَتا رَطِبَتَيْنِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
قوله: (في ذنب هيّن) أي: هين عندهما وفي ظنهما؛ لا أنه هيّن في نفس الأمر، فقد تقدم في حديث ابن عباس قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
بَلى إنَّه كبيرٌ".
وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله تعالى.

2824 - (4) [
حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ يبلُغُ بِه النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خيارُ عبادِ الله الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله، وشرارُ عبادِ الله المشَّاؤونَ بالنَّميمَةِ، المفَرِّقونَ بينَ الأحِبَّةِ، البَاغونَ لِلْبُرآءِ العَيْبَ".
رواه أحمد عن شهر عنه، وبقية إسناده محتج بهم في "الصحيح".

2825 - (5) [
حسن لغيره] ورواه أبو بكر بن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن شهر عن أسماء عنِ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إلا أَنَّهما قالا:
"
المفْسِدونَ بينَ الأَحِبَّةِ".

2826 - (6) [
حسن لغيره] والطبراني من حديث عبادة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

2827 - (7) [
حسن لغيره] وابن أبي الدنيا أيضاً في "كتاب الصمت" عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وحديث عبد الرحمن أصح، وقد قيل: إن له صحبة.

(3/74)


[
صحيح] وتقدم في "باب الإصلاح" [هنا/ 16] حديث أبي الدرداء عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ألا أُخْبِرُكُم بأفْضَلَ مِنْ درجَةِ الصيامِ والصلاةِ والصدَقَةِ؟ ".
قالوا: بَلى. قال:
"
إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ".
[
حسن لغيره] رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والترمذي وصححه، ثم قال:
ويروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال:
"
هي الحالقة، لا أقولُ تحلقُ الشعرَ، ولكن أقولُ تحلقُ الدينَ".

(3/75)


19 - (
الترهيب من الغيبة والبَهت وبيانهما. والترغيب في ردهما).
2828 - (1) [
صحيح] عن أبي بكرة رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خُطبَتِه في حِجَّةِ الوَداعِ:
"
إنَّ دماءَكُم وأمْوالَكُم وأعْراضَكُم حَرامٌ عليْكُم، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بلدِكُمْ هذا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

2829 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
كلُّ المسْلِم على المسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُه وعِرْضُه ومالُه".
رواه مسلم والترمذي في حديث [يأتي هنا/ 21].

2830 - (3) [
صحيح لغيره] وعن البراء بن عازِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الرِّبا اثْنانِ وسبْعونَ باباً؛ أدْناها مِثْلُ إتْيانِ الرجلِ أُمَّهُ، وإنَّ أرْبَى الرِّبا اسْتَطالَةُ الرجُلِ في عْرِضِ أَخِيهِ".
رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية عمر بن راشد. [مضى 16 - البيوع/ 19].

2831 - (4) [
صحيح لغيره] وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
خَطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَر أمْرَ الرِّبا، وعظَّمَ شَأْنَهُ وقال:
"
إنَّ الدِّرْهَم يصيبُه الرجلُ مِنَ الرِّبا أعْظَمُ عندَ الله في الخَطيئَةِ مِنْ ستٍّ وثَلاثينَ زَنْيَةً يَزْنيها الرجُلُ، وإنَّ أَرْبى الرِّبى عِرْضُ الرجُلِ المسْلِمِ".
رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب ذم الغيبة" [مضى أيضاً هناك].

2832 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مِنْ أرْبى الرِّبا اسْتَطالَةُ المرْءِ في عِرْضِ أَخيهِ".

(3/76)


[
صحيح لغيره] رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي، وهو في بعض نسخ أبي داود؛ إلا أنه قال:
"
إنَّ مِنْ الكَبائِر اسْتِطالةُ الرجُلِ في عِرْضِ رجلٍ مسلمٍ بغيرِ حَقٍّ، ومِنَ الكبائر السُّبَّتان بالسُّبَّة".

[
صحيح لغيره] رواه ابن أبي الدنيا أطول منه. ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الرِّبا سَبْعون حُوْباً، وأيْسَرُها كَنِكاحِ الرجُلِ أُمَّهُ، وإنَّ أرْبى الربا عِرْضُ الرجلِ المسْلِمِ".
(
الحُوب) بضم الحاء المهملة: هو الإثم.

2833 - (6) [
صحيح] وعن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إن مِنْ أربى الرِّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المسْلِمِ بغيرِ حَقٍّ".
رواه أبو داود.

2834 - (7) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
قلتُ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذا وكذا -قال بعضُ الرواةِ: تعني قصيرَة- فقال:
"
لقد قلْتِ كَلمةً لوْ مُزِجَتْ بماءِ البَحْرِ لَمزَجَتْهُ".
قالتْ: وحكيتُ لَهُ إنْساناً فقال:
"
ما أُحِبُّ أنِّي حَكَيتُ إنْساناً؛ وأنَّ لي كذا وكذا".
رواه أبو داود والترمذي والبيهقي، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".

2835 - (8) [
حسن لغيره] وعن عائشة أيضاً:
أنه اعتَلَّ بعيرٌ لصفيةَ بنت حُيَيّ، وعندَ زينبَ فضلُ ظهرٍ، فقال النبي

(3/77)


-
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزينب:
"
أعطيها بعيراً".
فقالتْ: أنا أُعطي تلك اليهودية؟! فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهجرها ذا الحجة، والمحرم، وبعض صفر.
رواه أبو داود عن سمية عنها. وسمية لم تنسب.

2836 - (9) [
حسن لغيره] وعن عَمْرِو بْنِ شعيبٍ عن أبيه عن جده:
أنَّهم ذَكروا عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً فقالوا: لا يَأْكُلُ حتى يُطْعَمَ، ولا يَرْحَلُ حتى يُرَحَّلَ له! فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اغْتبْتُموه".
فقالوا: يا رسول الله! إنَّما حدَّثْنا بِما فيه. قال:
"
حسْبُكَ إذا ذكَرْتَ أخاكَ بِما فيه".
رواه الأصبهاني بإسناد حسن.

2837 - (10) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
كنَّا عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقامَ رجلٌ، فوقَع فيه رجلٌ مِنْ بَعْدِه، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تَخَلَّلْ! ".
فقال: وممَّا أتَخَلَّلُ؟ ما أكَلْتُ لحماً! قال:
"
إنَّك أكَلْتَ لَحْمَ أخيكَ".
حديث غريب، رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني -واللفظ له-، ورواته رواة "الصحيح". (1)
__________
(1)
قلت: له شاهد قوي من حديث أنس بن مالك نحوه، وفيه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى لحم المستغاب بين أنياب من استغابه. وهو مخرج في "الصحيحة" (2608).

(3/78)


2838 - (11) [
صحيح] وعن عمرو بن العاصي رضي الله عنه:
أنَّه مرَّ على بَغْلٍ مَيْتٍ فقال لبعْضِ أصْحابِه:
لأَنْ يأكُلَ الرجلُ مِنْ هذا حتى يَمْلأ بَطْنَهُ، خيرٌ له مِنْ أنْ يأكُلَ لحْمَ رجلٍ مسْلِمَ.
رَواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره موقوفاً.

2839 - (12) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بقومٍ لَهُم أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ، يَخْمِشونَ وُجوهَهُم وصدورَهُم، فقلتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: هؤلاءِ الذين يأْكلونَ لُحومَ الناسِ، ويقَعونَ في أعْراضِهِمْ".
رواه أبو داود؛ وذكر أن بعضهم رواه مرسلاً.

2840 - (13) [
حسن لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
كنَّا معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فارْتَفَعتْ ريحٌ مُنْتِنَةٌ. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتَدْرونَ ما هذِه الريحُ؟ هذه ريحُ الذين يَغْتابونَ المؤْمِنيْنَ".
رواه أحمد وابن أبي الدنيا، ورواة أحمد ثقات.

2841 - (14) [
حسن صحيح] وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال:
بينا أنا أماشي رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو آخذٌ بِيَدي، ورجُلٌ عَنْ يَسارِه، فإذا نحنُ بقبرينِ أمامَنا، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ، وبَلى، فأيُّكم يَأْتيني بجَريدَةٍ؟ "، فاسْتَبَقْنا، فسَبَقْتُه فأتَيْتُه بِجَريدَةٍ، فكسَرها نِصْفَيْنِ، فألقى على ذا القَبرِ قِطعَةً، وعلى ذا القَبْرِ قِطْعَةً، وقال:

(3/79)


"
إنَّه يُهَوِّنُ عليهما ما كانَتا رَطِبَتَيْنِ، وما يُعَذَّبانِ إلا في الغِيْبَةِ والبَوْلِ".
رواه أحمد وغيره بإسناد رواته ثقات [مضى بلفظ "الأوسط" 4 - الطهارة/ 4].

2842 - (15) [
صحيح لغيره] وعن يعلى بن سيابة (1) رضي الله عنه:
أنَّه عَهِد النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتى على قَبْرٍ يُعَذَّبُ صاحِبُهُ، فقال:
"
إنَّ هذا كان يأكُلُ لُحومَ الناسِ". ثُمَّ دعا بجريدةٍ رَطْبَةٍ فوضَعَها على قبْرِه وقال:
"
لعلَّه أنْ يُخَفِّفَ عنه ما دامَتْ هذه رَطْبَةً".
رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات؛ إلا عاصم بن بهدلة.
(
قال الحافظ): "وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة مشهورة في الصحاح وغيرهما عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفي أكثرها "أنهما يعذبان في النميمة والبول".
والظاهر أنه اتفق مروره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة بقبرين يعذب أحدهما في النميمة، والآخر في البول، ومرة أخرى بقبرين يعذب أحدهما في الغيبة والآخر في البول. والله أعلم".

2843 - (16) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أتدرونَ مَنِ المفْلِسُ؟ ".
قالوا: المفْلِسُ فينا مَنْ لا درْهَمَ له ولا مَتاعَ. فقال:
"
إنَّ المفْلِسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأْتي يومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ وصيامٍ وزَكاةٍ، ويأْتي قد شَتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دَم هذا، وضرَبَ هذا،
__________
(1) (
السَّيابة) بفتح المهملة والباء الأخيرة المخففة وبالموحدة بوزن (السحابة): هي البلحة.
قاله الجوهري وغيره، ويعلى هذا صحابي مشهور ثقفي، و (سيابة) أمه في قول ابن معين وغيره؛ نسب إليها؛ وهو ابن مرة. قاله الناجي.

(3/80)


فيُعْطَى هذا منْ حَسَناته، وهذا مِنْ حَسناتِه، فإنْ فَنِيَتْ حسَناتُه قَبْلَ أنْ يَقْضِيَ ما عليه؛ أُخِذ مِنْ خَطاياهُم فطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ".
رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

2844 - (17) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أتَدرونَ ما الغيبَةُ؟ ".
قالوا: الله ورسولُه أعْلَمُ. قال:
"
ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ".
قيلَ: أفَرأيتَ إنْ كان في أخي ما أَقولُ؟ قال:
"
إنْ كان فيه ما تقولُ فقدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يكُنْ فيه ما تقولُ فقد بَهَتَّهُ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة، اكتفينا بهذا عن سائرها، لضرورة البيان.

2845 - (18) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ قالَ في مؤمِنٍ ما ليسَ فيه؛ أسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الخَبالِ، حتّى يَخْرُج مِمَّا قالَ".
رواه أبو داود في حديث [مضى 20 - القضاء/ 8].
(1)
والحاكم بنحوه وقال: "صحيح الإسناد" (1).
(
رَدْغَةُ الخَبالِ): هي عصارة أهل النار، كذا جاء مفسراً مرفوعاً (2)، وهو بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة، (والخبال) بفتح الخاء المعجمة وبالموحدة.
__________
(1)
هنا زيادة حذفتها لما تقدم هناك.
(2)
قلت: يشير إلى حديث جابر المتقدم (21 - الحدود/ 6).

(3/81)


2846 - (19) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خمسٌ ليس لهن كفارةٌ: الشكُّ بالله، وقتلُ النفسِ بغيرِ حقٍّ، وبَهْتُ مؤمنٍ، والفرارُ من الزحفِ، ويمينٌ صابرةٌ يَقْتَطعُ بها مالاً بغير حق".
رواه أحمد من طريق بقية، وهو قطعة من حديث [مضى بتمامه 12 - الجهاد/ 11].

2847 - (20) [
صحيح لغيره] وعن أسماءَ بنتِ يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
من ذَبَّ عن عِرْضِ أخيه بالغَيبة؛ كان حقاً على الله أنْ يعتقه من النار".
رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والطبراني، وغيرهم.

2848 - (21) [
صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ ردَّ عنْ عِرضِ أخيهِ؛ ردَّ الله عن وجْهِهِ النارَ يومَ القِيامَةِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في "كتاب التوبيخ"، ولفظه: قال:
"
مَن ذبَّ عَنْ عِرْضِ أخيه؛ ردَّ الله عنهُ عذابَ النارِ يومَ القِيامَةِ". (1)

2849 - (22) [
حسن لغيره موقوف] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
من نصر أخاه المسلمَ بالغيب؛ نصرَهُ اللهُ في الدنيا والآخرة.
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً (2).
__________
(1)
هنا زيادة: "وتلا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، فحذفتها لأني لم أجد لها شاهداً.
(2)
ورواه بعضهم مرفوعاً. انظر "الصحيحة" (1217).

(3/82)


20 - (
الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام).
2850 - (1) [
صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ المسلمينَ أَفْضَلُ؟ قال:
"
مَنْ سَلِمَ المسلمون مِنْ لِسانِه ويدِهِ" (1).
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

2851 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بْنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ مِنْ لِسانِه ويدِه، والمهاجِرُ (2) مَنْ هجَرَ ما نَهى الله عَنْهُ".
رواه البخاري ومسلم.

2852 - (3) [
صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ:
يا رسولَ الله! أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ قال:
"
الصلاةُ على ميقاتِها".
قلتُ: ثُمَّ ماذا يا رسولَ الله؟ قال:
"
أنْ يَسْلَم الناسُ مِنْ لِسَانِكَ".
__________
(1)
معناه: من لم يؤذ مسلماً بقول ولا فعل، وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال بها.
(2) (
المهاجر) في الأصل: هو الذي فارق عشيرته ووطنه. وهذا من أصعب الأمور الشاقة على النفس، ففيه الحث على التخلق بالصفات الحميدة، والتباعد عن الصفات الذميمة. فإن قيل: ما حكم المسلمات في ذلك لأنه اقتصر على جمع التذكير؟ يقال: إن هذا من باب التغليب؛ فإن المسلمات يدخلن فيه كما في سائر النصوص والمخاطبات.

(3/83)


رواه الطبراني بإسناد صحيح، وصدره في "الصحيحين". [مضى لفظهما 5 - الصلاة/ 14].

2853 - (4) [
صحيح] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال:
جاءَ أعْرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! علّمْني عمَلاً يُدْخِلُني الجنَّةَ؟ قال:
"
إنْ كنتَ أقْصَرْتَ الخُطْبَةَ لقد أعْرَضْتَ المسأَلَة، أَعْتقِ النَّسمَةَ، وفُكَّ الرقَبَة، فإنْ لَمْ تُطِقْ ذلك فأطْعِمِ الجائعَ، واسْقِ الظمْآنَ، وأمُرْ بالمعْروفِ، وانْهَ عنِ المنكَرِ، فإنْ لمْ تُطِقْ ذلك فَكُفَّ لِسانَك إلا عَنْ خَيْرٍ" مختصر.
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. وتقدم بتمامه في "العتق" [16 - البيوع/ 25].

2854 - (5) [
صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! ما النجاةُ؟ قال:
"
أمْسكْ (1) عليكَ لِسانَكَ، ولْيَسَعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئَتِكَ".
رواه أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا في "العزلة" وفي "الصمت"، والبيهقي في "كتاب الزهد" وغيره؛ كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عنه. وقال الترمذي:
__________
(1)
كذا وقع هنا، وكذلك فيما تقدم (23 - الأدب/ 9) وقد أعاده كذلك فيما يأتي (24 - الزهد/ 7)، وهو في بعض نسخ "الترمذي"، وفي نسخ أخرى "املك"، وهو الأرجح كما سبق بيانه فيما تقدم. وقد زاد في التخريج هنا (أبو داود)، وما أراه إلا وهماً، فإني لم أجده عنده، ولا وجدت أحداً عزاه إليه. بل رأيت ابن الأثير في "الجامع" (9344) والسيوطي في "جامعه" والنابلسي في "الذخائر" عزوه للترمذي فقط. وغفل عن هذا -كعادتهم- مدعو التحقيق- فاكتفوا في التعليق هنا على القول: "سبق تخريجه برقم (4037) "! وهناك ليس لأبي داود ذكر!! ثم إن للحديث طريقاً أخرى مخرجة في "الصحيحة" كما تقدم.

(3/84)


"
حديث حسن غريب". [مضى هنا/ 9].

2855 - (6) [
حسن لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
طوبى لمنْ ملَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بيتُه، وبَكى على خَطيئَتِه".
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وحسن إسناده. [مضى هناك مع التعليق عليه].

2856 - (7) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ يَضْمَنْ لي (1) ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ؛ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ".
رواه البخاري والترمذي. [مضى 21 - الحدود/ 7].

2857 - (8) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وقاهُ الله شرَّ ما بيْنَ لَحْيَيْهِ، وشرَّ ما بينَ رِجْلَيْهِ؛ دَخَل الجنَّةَ".
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". [مضى هناك].
[
صحيح لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا؛ إلا أنَّه قال:
"
مَنْ حَفِظَ ما بَيْن لَحْيَيْهِ".

2858 - (9) [
صحيح موقوف] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
والذي لا إله غَيْرُه ما على ظَهْرِ الأرْضِ شيْءٌ أحْوَجُ إلى طولِ سَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ.
رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح.
__________
(1)
أي: يؤدي الحق الذي عليه.
وقوله: (لحييه) هو بفتح اللام وسكون الحاء المهملة تثنية (لحي)، وهما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما اللسان، وبما (بين رجليه): الفرج. ولا شك أن أعظم البلاء على الإنسان في الدنيا اللسان والفرج، فمن وقي من شرهما فقد وقي أعظم الشر. نسأل الله الحماية.

(3/85)


2859 - (10) [
صحيح لغيره] وعن عطاءِ بْنِ يَسارٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ وقاهُ الله شرَّ اثْنَينْ وَلَجَ الجنَّةَ". فقال رجل: يا رسولَ الله! ألا تُخْبِرُنا؟ فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعادَ رسولُ الله مقالَتَهُ. فقال الرجلُ: ألا تُخْبِرُنا يا رسولَ الله؟ ثمَّ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثلَ ذلك أيْضاً. ثمَّ ذهَب الرجلُ يقولُ مقالَتَهُ، فأسْكَتَهُ رجلٌ إلى جَنْبِه قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ وقاهُ الله شرَّ اثْنَيْنِ؛ وَلَجَ الجنَّةَ: ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بَيْنَ رِجْلَيْهِ".
رواه مالك مرسلاً هكذا.
(
وَلَجَ الجنَّة) أي: دخل الجنة.

2860 - (11) [
حسن صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ حَفِظَ ما بَيْنَ فَقْمَيْهِ وفَرْجَه؛ دخَلَ الجنَّةَ".
رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى -واللفظ له-، ورواته ثقات.
وفي رواية للطبراني: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أُحَدِّثُك بثِنْتَيْن مَنْ فَعَلهُما دخَلَ الجَنَّةَ؟ ".
قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
يَحْفَظُ الرجلُ ما بَيْنَ فَقْمَيْهِ، وما بينَ رِجْلَيْهِ". [مضى 21 - الحدود/ 7].
والمراد بـ (ما بين فقميه): هو اللسان، وبـ (ما بين رجليه): هو الفرج. و (الفَقْمان) بفتح الفاء وسكون القاف: هما اللَّحْيان.

2861 - (12) [
حسن صحيح] وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ حَفظَ ما بين فَقْمَيْه وفَخذَيْه؛ دخَلَ الجَنَّة".
رواه الطبراني بإسناد جيد.

(3/86)


2862 - (13) [
حسن صحيح] وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! حدِّثني بأمرٍ أعْتَصِمُ به. قال:
"
قُلْ: ربِّي الله، ثُمَّ اسْتَقِمْ".
قال. قلتُ: يا رسولَ الله! ما أخْوَفُ ما تَخافُ عَليَّ؟
فأَخَذ بلسانِ نَفْسِه ثُمَّ قال: "هذا".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2863 - (14) [
حسن صحيح] وعنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! أيَّ شيْءٍ أتَّقي؟ فأشارَ بيدِه إلى لِسانِهِ.
رواه أبو الشيخ ابن حيان في "الثواب" بإسناد جيد. (1)

2864 - (15) [
صحيح] وعن الحارث بن هشامٍ رضي الله عنه أنَّه قال لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أخْبِرْني بأمْرٍ أعْتَصِمُ به. فقالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
امْلِكْ هذا". وأشارَ إلى لسانِهِ.
رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد.

2865 - (16) [
حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَسْتقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقيمَ قلْبُه، ولا يَسْتَقيم قلْبُه حتى يَسْتَقيمَ لِسَانُه، ولا يدخُلُ الجنَّةَ رجلٌ لا يأْمَنُ جارُهُ بواثِقَهُ".
__________
(1)
قلت: لقد أبعد النجعة، فقد رواه أحمد (3/ 413 و4/ 384 - 385). وأما قول الثلاثة: "رواه ابن أبي الدنيا في الصمت رقم (1) "، فهو من تخاليطهم، فإنما هو عنده بالرواية التي قبل هذه!

(3/87)


رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في "الصمت"؛ كلاهما من رواية علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عنه. [مضى 22 - البر/ 5].

2866 - (17) [
صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال:
كنتُ معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سَفَرٍ، فأصْبَحْتُ يَوْماً قَريباً منهُ ونحنُ نَسيرُ، فقلتُ: يا رسول الله! أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجنَّةَ، ويُباعِدُني مِنَ النارِ؟ قال:
"
لقد سَأَلْتَ عن عَظيمٍ، وإنَّه لَيَسيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه. تَعْبُدُ الله ولا تُشْرِكُ به شَيْئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤْتي الزكاةَ، وتصومُ رَمضانَ، وتحجُّ البَيْتَ". ثُمَّ قال:
"
ألا أَدُلُّكَ على أبْوابِ الخَيْرِ؟ ".
قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
الصومُ جُنَّةٌ، والصَدقَةٌ تطْفِئُ الخَطيئَةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجُل مِنْ جوفِ اللّيْلِ (1) ". ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قالَ:
__________
(1)
قلت: في الأصل وطبعة عمارة زيادة: "شعار الصالحين"! قال الناجي (197/ 2):
"
هذه الزيادة مقحمة في الحديث بلا شك، لم تسمع فيه قط، قلد المؤلف فيها صاحب "جامع الأصول"، ولا أدري من أين أخذها هو. والمعنى أن صلاة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة أيضاً كالصدقة".
والحديث في "جامع الأصول" برقم (7274)، وقد أوهم المعلق عليه أن لهذه الزيادة أصلاً بقوله فيها: "ليست في أكثر نسخ "الترمذي"! والصواب القطع بأنها مقحمة في الحديث لا أصل لها فيه؛ لا عند الترمذي ولا عند غيره. وقد أفسد المعلقون الثلاثة لقلة فهمهم، وعدم رجوعهم إلى الأصول كلام الشيخ الناجي، فأوهموا أنه أراد جملة "وصلاة. . الصالحين"! وهي ثابتة عند مخرجيها؛ إلا الزيادة فقط، فتنبه.

(3/88)


"
ألا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وعَمُودِه وذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ ".
قلْتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
رأسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وعَمودُهُ الصلاةُ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجِهَادُ". ثمَّ قالَ:
"
ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّه؟ ".
قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
كُفَّ عليكَ هذا". وأشارَ إلى لسانِهِ.
قلتُ: يا نَبِيَّ الله! وإنَّا لمُؤاخَذُونَ بِما نَتَكلَّمُ بِهِ؟ قال:
"
ثَكِلَتْكَ (1) أُمُّكَ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجُوهِهِمْ -أو قالَ: على مَناخِرِهمْ- إلا حَصائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ ".
رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه؛ كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ. وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح". [مضى طرف منه 8 - الصدقات/ 9].
(
قال الحافظ): "وأبو وائل أدرك معاذاً بالسن، وفي سماعه منه عندي نظر، وكان أبو وائل بالكوفة، ومعاذ بالشام. والله أعلم. قال الدارقطني:
"
هذا الحديث معروف من رواية شهر بن حوشب عن معاذ، وهو أشبه بالصواب على اختلاف علمه فيه".
كذا قال! وشهر -مع ما قيل فيه- لم يسمع معاذاً.
ورواه البيهقي وغيره عن ميمون بن أبي شيبة عن معاذ. وميمون هذا كوفي ثقة ما أراه
__________
(1)
بفتح الثاء المثلثة وكسر الكاف؛ أي: فقدتك. و (الثكل): فقد الولد، دعا عليه بالموت، والموت يعم كل أحد، فإذن الدعاء عليه كلا دعاء، وهو في الحقيقة لا يقصد به الدعاء، بل من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب، ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: "ترِبت يداك"، و"قاتلك الله".

(3/89)


سمع من معاذ، بل ولا أدركه؛ فإنّ أبا داود قال: "لم يدرك ميمونُ بن أبي شيبة عائشةَ"، وعائشة تأخرت بعد معاذ نحواً من ثلاثين سنة. وقال عمرو بن علي: كان يحدِّث عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس عندنا في شيء منه يقول: "سمعتُ"، ولم أُخْبَرْ أنَّ أحداً يزعم أنه سمعَ مِنْ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" انتهى.
[
حسن لغيره] ورواه الطبراني مختصراً قال:
يا رسول الله! أكلُّما نتكلَّمُ به يُكتَبُ علينا؟ قال:
"
ثكلَتْكَ أمُّكَ، وهل يكبُّ الناسَ على مناخرِهمْ في النارِ إلا حَصائدُ ألسِنَتِهمْ؟ (1) إنَّك لنْ تزالَ سالماً ما سكَتَّ، فإذا تكلَّمْتَ كُتِبَ لك أو عليك".
ورواه أحمد وغيره عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم:
أن معاذاً سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟
فقال: الصلاةُ بعدَ الصلاةِ المفْروضَةِ؟ قال:
"
لا، ونِعِمَّا هيَ".
قال: الصومُ بعدَ صيامِ رمضانَ؟ قال:
"
لا، ونِعمَّا هي".
قال: فالصدَقةُ بعدَ الصدقَةِ المفروضَةِ؟ قال:
"
لا، ونِعمَّا هي".
قال: يا رسولَ الله! أيُّ الأعْمال أفْضَلُ؟ قال:
فأخْرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسانَهُ ثُمَّ وضَع إصْبَعَهُ عليه.
__________
(1) (
الحصائد): ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه، واحدتها (حصيدة)، تشبيهاً بما يحصد من الزرع، وتشبيهاً للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به.

(3/90)


فاسْتَرْجَعَ معاذٌ فقال: يا رسولَ الله! أنُؤاخَذُ بما نقول كلِّه، ويكتَبُ علينا؟ قال: فضَرب رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنكِبَ معاذٍ مراراً، فقال:
"
ثكِلَتْكَ أمُّك يا ابْنَ جَبلٍ! وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرِهمْ في نارِ جهنَّمَ إلا حصائُد ألسِنَتِهِمْ؟! ".

2867 - (18) [
صحيح] وعن أسود بن أصرم رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! أوصِني قال:
"
تَمْلِكُ يَدَك".
قلتُ: فما أمْلِكُ إذا لَمْ أمْلِكْ يَدي؟ قال:
"
تَملِك لسانَك".
قال: قلتُ: فماذا أمْلِكُ إذا لمْ أمْلِكْ لساني؟ قال:
"
لا تبسُطْ يَدك إلا إلى خيرٍ، فلا تقُلْ بِلسانِكَ إلاَّ مَعْروفاً".
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني بإسناد حسن، والبيهقي. (1)

2868 - (19) [
صحيح لغيره] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال:
. . . . . . . . . . . . . . . .
قلت: يا رسول الله! أوصني. قال:
"
أوصيك بتقوى الله؛ فإنها زين لأمرك كله".
قلت: يا رسول الله! زدني. قال:
عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله عز وجل؛ فإنه ذكرٌ لك في السماءِ، ونور لك في الأرض".
. . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(1)
قلت: تحسينه فقط فيه نظر، وإن تبعه الهيثمي (10/ 300)، وقلدهما الثلاثة المعلقون! ذلك لأنَّ أحد إسنادي الطبراني صحيح، رجاله كلهم ثقات، وكذلك البيهقي في "الشعب" (4/ 240/ 4931)، وبيان هذا في "الصحيحة" (891).

(3/91)


قلت: يا رسول الله! زدني. قال:
"
وإياك وكثرةَ الضحكِ، فإنه يميتُ القلبَ، ويُذْهِبُ بنورِ الوجه".
قلت: زدني، قال:
"
قل الحق وإن كان مراً".
قلت: زدني. قال:
"
لا تخف في الله لومة لائم".
رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له وقال:
"
صحيح الإسناد". [مضى 20 - القضاء/ 5]. (1)

2869 - (20) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! أوْصنِي. قال:
"
عليكَ بتقوى الله، فإنَّها جِماعُ كلِّ خيرٍ، وعليك بالجِهادِ في سبيلِ الله، فإنَّها رَهْبانِيَّةُ المسْلِمينَ، وعليك بذِكْرِ الله وتِلاوَةِ كتابِهِ، فإنَّه نورٌ لكَ في الأرضِ، وذِكرٌ لكَ في السماءِ. . . " (2).
رواه الطبراني في "الصغير"، وأبو الشيخ في "الثواب"؛ كلاهما من رواية ليث بن أبي سليم.
ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ أيضاً موقوفاً عليه مختصراً.

2870 - (21) [
حسن لغيره] وعن معاذٍ رضي الله عنه؛ أنَّه قال:
يا رسول الله! أوْصِني. قال:
__________
(1)
قلت: عزوه لأحمد والحاكم فيه نظر بينته في الأصل، والمثبت هنا منه فلشواهده، وهو بتمامه في الكتاب الآخر "الضعيف".
(2)
إلى هنا رواه أحمد أيضاً من طريق آخر، وهو مخرج في "الصحيحة" (555)، وله شاهد من حديث أبي ذر، وهو الذي تراه قبيل هذا.

(3/92)


"
اعْبُدِ الله كأنَّك تَراهُ، واعْدُدْ نَفْسَك في المَوْتَى، وإنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بما هو أَمْلَكُ بِكَ مِنْ هذا كُلِّهِ؟ ". قال:
"
هذا". وأشارَ بيدِهِ إلى لِسَانِه.
رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد.

2871 - (22) [
حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه رفعه قال:
"
إذا أصبحَ ابن آدمَ فإنَّ الأعْضاءَ كلَّها تُكَفِّر (1) اللِّسَانَ فتقولُ: اتَّقِ الله فينا، فإنَّما نحنُ بِكَ، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا".
رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهما، وقال الترمذي:
"
رواه غير واحد عن حماد بن زيد، ولم يرفعوه". قال: "وهو أصح".

2872 - (23) [
صحيح] وعن أبي وائلٍ عن عبد الله:
أنَّه ارْتَقى الصَّفا، فأخذَ بِلسَانِه فقال:
يا لسانُ! قُلْ خيراً تَغْنَمْ، واسْكُتْ عنْ شرٍ تَسْلَمْ، مِن قَبْلِ أنْ تَنْدَمَ. ثُمَّ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
أكثرُ خطايا (2) ابْنِ آدَم في لِسانِه".
رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"، وأبو الشيخ في "الثواب"، والبيهقي بإسناد حسن.
__________
(1)
أي: تخضع وتذل. قال الجوهري: " (التكفير): أن يخضع الإنسان كغيره كما يكفر العلج للدهاقين: يضع يده على صدره ويتطامن له". ذكره الناجي.
(2)
الأصل: (خطأ)، والتصويب من الطبراني وغيره. انظر "الصحيحة" (534). وغفل عن هذا المعلقون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ في طبعتهم المزخرفة الظاهر! مع أنَّ الناجي قد نبَّه على ذلك.

(3/93)


2873 - (24) [
صحيح] وعن أسْلَمَ:
أنَّ عمَر دخَل يوماً على أبي بكرٍ الصِّديقِ رضي الله عنهما، وهو يجْبِذُ لِسانَهُ! فقال عمر: مه! غَفَر الله لكَ. فقال له أبو بكرٍ:
إنَّ هذا أورَدَني (1) المَوارِدِ.
رواه مالك وابن أبي الدنيا والبيهقي.
[
صحيح] وفي لفظ للبيهقي: قال:
إنَّ هذا أوْرَدني (2) الموَارِدِ، إنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه ولم - قال:
"
ليسَ شيْءٌ مِنَ الجَسدِ إلا يشكو ذَرَبَ اللِّسانِ على حِدَّتِهِ".
(
مه) أي: اكفف عما تفعله.
و (ذرب اللسان) بفتح الذال المعجمة والراء جميعاً: هو حدَّته وشرّه وفحشه.

2874 - (25) [
صحيح] وعن ابن عمروٍ (3) رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ صَمتَ نَجا".
رواه الترمذي وقال: "حديث غريب"، والطبراني، ورواته ثقات.

2875 - (26) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ العبدَ لَيتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ ما يتَبيَّنُ فيها؛ يَزِلُّ بها في النارِ أبْعَدَ ما بينَ
__________
(1)
الأصل في الموضعين: (شر الموارد)! وهي زيادة لا أصل لها في شيء من تلك المصادر، ولا في غيرها مما هو مخرج في "الصحيحة" (535).
(2)
الأصل في الموضعين: (شر الموارد)! وهي زيادة لا أصل لها في شيء من تلك المصادر، ولا في غيرها مما هو مخرج في "الصحيحة" (535).
(3)
الأصل: (ابن عمر). قال الناجي (198/ 1): "وهو وهم بلا شك، إنما هو عبد الله بن عمرو بن العاص، والحديث سنده مصري، فيه ابن لهيعة، ويرويه أبو عبد الرحمن عنه، وروايته عنه عند مسلم والأربعة مشهورة، ولا رواية له عن ابن عمر، فاستفد هذا".
قلت: وقد رواه عن ابن لهيعة بعض العبادلة، وقرنه أحدهم مع عمرو بن الحارث، كما بينته في "الصحيحة" (536).

(3/94)


المشْرِقِ والمغْرِبِ".
رواه البخاري ومسلم والنسائي.
[
حسن صحيح] ورواه ابن ماجه والترمذي؛ إلا أنهما قالا:
"
إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرى بها بأْساً؛ يَهْوِي بها سَبْعينَ خَرِيفاً".
قوله: (ما يتبين فيها)؛ أي: ما يتفكر هل هي خير أو شر؟

2876 - (27) [
صحيح لغيره] وروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
". . . .
إن العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لا يلقي لها بالاً؛ يهوي بها في جهنم".
رواه مالك، والبخاري واللفظ له، والنسائي، والحاكم وقال:
[
حسن صحيح] "صحيح على شرط مسلم"، ولفظه:
"
إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بَلَغَتْ؛ يهوي بها سبعين خريفاً في النار".

2877 - (28) [
حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ألا هل عسى رجلٌ منكم أنْ يتَكلَّم بالكَلِمَةِ يُضْحكُ بها القوْمَ؛ فيَسْقُطُ بها أبْعدَ منَ السماءِ، ألا عَسى رجلٌ يتكلَّمُ بالكَلِمَةِ يُضحِكُ بها أصْحابَة؛ فيَسْخَطُ اللهَ بها عليهِ؛ لا يَرْضَى عنه حَتَّى يُدْخِلَهُ النارَ".
رواه أبو الشيخ أيضاً بإسناد حسن.
ورواه عن علي بن زيد عن الحسن مرسلاً.

2878 - (29) [
حسن] وعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الرجلَ لَيتكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ الله ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما

(3/95)


بلَغتْ، يكتُبُ الله تعالى لهُ بها رضْوانَهُ إلى يومِ يَلْقَاهُ، وإنَّ الرجلَ ليتَكلَّمُ بالكلِمَةِ مِنْ سخَطِ الله ما كان يظُنُّ أنْ تبلُغَ ما بلغَتْ، يكْتبُ الله له بها سخَطهُ إلى يومِ يَلْقاهُ".
رواه مالك والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

2879 - (30) [
صحيح] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الله كرِهَ لكم ثلاثاً: قيلَ وقالَ، وإضاعَةَ المالِ، وكثْرةَ السُّؤَالِ".
رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وأبو داود (1).

2880 - (31) [
صحيح] ورواه أبو يعلى وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه (2).

2881 - (32) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المرْءِ تركُهُ ما لا يَعْنيهِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث غريب".
__________
(1)
عزوه لأبي داود خطأ جزم به الناجي. فانظر "العجالة" (198/ 1).
(2)
قال الناجي: "هذا عجيب، فهو في مسلم".
وأقول: هو طرف من حديث عنده (5/ 130)، وهو مخرج في "الصحيحة" (685)، وقد أورده الهيثمي في "الموارد"، وليس على شرطه، فكأنه غفل عن كونه في مسلم تبعاً للمؤلف!

(3/96)


(
قال الحافظ):
"
رواته ثقات إلا قرة بن حيويل، ففيه خلاف. وقال ابن عبد البر النمري: هو محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات" انتهى.
فعلى هذا يكون إسناده حسناً، لكن قال جماعة من الأئمة: الصواب أنه عن علي بن حسين عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل. كذا قال أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم. وهكذا رواه مالك عن الزهري عن علي بن حسين.
ورواه الترمذي أيضاً عن قتيبة عن مالك به. وقال:
"
وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة". والله أعلم".

2882 - (33) [
صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
تُوفّيَ رجلٌ، فقال رجلٌ آخر -ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع-: أبشرْ بالجنةِ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أوَ لا تدري؟! فلعله تكلم فيما لا يعنيه، أو بخل بما لا يَنْقُصُه".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
(
قال الحافظ): "رواته ثقات.

2883 - (34) [
حسن لغيره] وروى ابن أبي الدنيا وأبو يعلى عن أنسٍ أيضاً قال:
"
استشهد رجلٌ منا يوم أُحُدٍ، فوجد على بطنه صخرة مربوطةٌ من الجوع، فمسحت أمُّه التراب عن وجهه وقال: هنيئاً لك يا بني الجنةَ! فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يدريك؟! لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، وبمنع ما لا يضرُّه".

2884 - (35) [
صحيح لغيره] وروى أبو يعلى أيضاً والبيهقي عن أبي هريرة قال:
قُتل رجل على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهيداً، فبكت عليه باكيةٌ، فقالت واشهيداه! فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما يدريك أنه شهيد؟! لعله كانَ يتكلم فيما لا يَعْنيه، أو يبخل بما لا يَنقصه".

(3/97)


21 - (
الترهيب من الحسد، وفضل سلامة الصدر).
2885 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إيَّاكمْ والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ، ولا تحسسوا، ولا تَجَسَّسوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخْواناً كما أمَركُمْ.
المسْلِمُ أخو المسلِمِ، لا يظْلمُه، ولا يَخْذُلُه، ولا يَحْقِرُه، التقوى ههُنا، التقْوى ههُنا، التقْوى هَهُنا -ويشيرُ إلى صدْره-[ثلاث مرات]. بِحَسْبِ امْرئٍ مِنَ الشرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المسْلِمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حَرامٌ دَمُه وعِرْضُهُ ومالُه".
رواه مالك والبخاري ومسلم -واللفظ له، وهو أتم الروايات (1) -، وأبو داود والترمذي.

2886 - (2) [
حسن] وعنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَجْتَمعُ في جوفِ عبدٍ غُبارٌ في سبيلِ الله وفَيْحُ جهنَّمَ، ولا يجتَمعُ في جوفِ عبدٍ الإيمانُ والحَسدُ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، ومن طريقه البيهقي (2).
__________
(1)
هذا يوهم أنَّه كذلك في حديث واحد، وإنما هو ملفق متناً وسنداً من ثلاث روايات، فمن أوله إلى قوله: (إخواناً) في حديث مستقل من طريق "الموطأ"، وقوله: (كما أمركم) في رواية أخرى، وفيها (أمركم الله)، وقوله: (المسلم أخو المسلم. . .) إلى آخره في أثناء رواية ثالثة، وعند مسلم: (التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات). والأول لفظ البخاري. لكنْ أبدل (تنافسوا) بـ (تناجشوا)، وعند أبي داود (الظن، والتحسس، والتجسس) فقط، وعند الترمذي ذكر (الظن) فقط. ذكره الناجي (198/ 2). وانظر "الإرواء" (2516).
(2)
قلت: لقد أبعد النجعة، فقد أخرجه النسائي أيضاً في "الجهاد" (2/ 55).

(3/98)


2887 - (3) [
حسن] وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما لَمْ يتَحاسَدُوا".
رواه الطبراني، ورواته ثقات.

2888 - (4) [
حسن لغيره] وعن [ابن] (1) الزبير رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
دبَّ إليكم داءُ الأمَمِ قبلَكُم: الحسَدُ والبَغْضاءُ، والبغْضَاءُ هي الحالِقَةُ، أما إنِّي لا أقولُ: تَحلِقُ الشعرَ، ولكنِ تحلق الدينَ".
رواه البزار بإسناد جيد، والبيهقي، وغيرهما. [مضى هنا/ 5].

2889 - (5) [
صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمْروٍ رضي الله عنهما قال:
قيلَ: يا رسول الله! أيُّ الناسِ أفضَلُ؟ قال:
"
كلُّ مَخْمومِ القلْبِ، صدوق اللِّسانِ".
قالوا: (صدوقُ اللِّسانِ) نَعرِفه، فما (مَخْمومُ القَلْبِ)؛ قال:
"
هو التقيُّ النقيُّ، لا إثْمَ فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَد".
رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والبيهقي وغيره أطول منه. [يأتي هنا/ 24].
__________
(1)
سقطت من الأصل هنا، وثبتت فيما تقدم (22 - البر/ 5)، وهو الصواب المطابق لما في "كشف الأستار" (2002)، ولم يتنبه لذلك الحافظ الناجي حيث وقع في نسخته في الموضعين كما وقع هنا (194/ 1 و198/ 2).

(3/99)


22 - (
الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار).
2890 - (1) [
صحيح لغيره] عن عياضِ بن حمارٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله أوْحَى إليَّ أنْ تَواضَعوا؛ حتّى لا يَفْخَر أحَدٌ على أحَدٍ، ولا يَبْغي أحَدٌ على أحَدٍ".
رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.

2891 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما نَقصت صدقَةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْداً بِعَفْوٍ إلا عِزّاً، وما تَواضَع أحَدٌ لله إلا رفَعَهُ الله".
رواه مسلم والترمذي. [مضى 8 - الصدقات/ 9].

2892 - (3) [
صحيح] وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ ماتَ وهو بريءٌ مِنَ الكِبْرِ والغُلولِ والدَّيْنِ دخَلَ الجَنَّةَ".
رواه الترمذي -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".
وقد ضبطه بعض الحفاظ (الكنز) بالنون والزاي، وليس بمشهور. وتقدم الكلام عليه في "الدِّين". [مضى 16 - البيوع/ 15].

2893 - (4) [
صحيح موقوف] وعن طارق قال:
خَرجَ عمرُ رضي الله عنه إلى الشام، ومَعَنا أبو عُبَيْدَة، فأتَوا على مَخاضَةٍ، وعُمَرُ على ناقَةٍ لهُ، فنزَل وخَلعَ خفَّيْهِ فوضعهُما على عاتِقِهِ (1)،
__________
(1)
كذا الأصل تبعاً لأصله "مستدرك الحاكم" (1/ 61 - 62)، وقد استنكرت هذه الجملة "فوضعهما على عاتقه"، والظاهر أنها خطأ من بعض النساخ، والصواب ما في "شعب الإيمان" (6/ 291/ 8196): "فأمسكهما بيده"، ونحوه في "الحلية" (1/ 47).

(3/100)


وأخذ بزِمامِ ناقَتِه فخاضَ [بها المخَاضةَ] فقال أبو عُبَيْدَة: يا أميرَ المؤمنينَ! أأنْتَ تفعَل هذا؟ ما يَسُرُّني أنَّ أهْلَ البلَدِ اسْتَشْرَفوكَ! فقالَ:
أَوَّهْ لو يَقلْ (1) ذا غيرُك أبا عُبيدَةَ جعَلْتُه نَكالاً لأمَّةِ مُحمَّد، إنَّا كنَّا أذلَّ قومٍ فأعَزَّنا الله بالإِسْلامِ، فمهْما نَطْلُبِ العِزَّ بغيرِ ما أعَزَّنا الله به أذَلَّنا الله.
رواه الحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

2894 - (5) [
صحيح] وعن عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه -لا أعلَمُه إلا رفَعهُ- قال:
"
يقولُ الله تبارَك وتعالى: مَنْ تواضَع لي هكذا -وجعلَ يزيدُ باطِنَ كفِّهِ إلى الأرْضِ وأدْناها- رفَعْتُه هكذا -وجعَل باطِنَ كفِّه إلى السَّماءِ ورفَعَها نَحْوَ السَّماءِ-".
رواه أحمد والبزار، ورواتهما محتج بهم في "الصحيح".

2895 - (6) [
حسن لغيره] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ آدَميٍّ إلا في رأْسِه حَكَمَةٌ بيد مَلَكٍ، فإذا تَواضَع قيلَ لِلْمَلَكِ:
ارْفَعْ حَكَمَتَهُ، وإذا تكَبَّر قيلَ لِلْمَلِكِ: ضَعْ حَكَمَتهُ".
رواه الطبراني.

2896 - (7) [
حسن لغيره] والبزار بنحوه من حديث أبي هريرة، وإسنادهما حسن (2).
__________
(1)
الأصل (أواه ولو يقول)، والتصحيح من "المستدرك" (1/ 61 - 62). قال في "النهاية": " (أوْهِ) كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجع، وهي ساكنة الواو مكسورة الهاء، وربما قلبوا الواو ألفاً فَقالوا: (آهِ من كذا)، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء وقالوا: (أوِّهْ)، وربما حذفوا الهاء وقالوا: (أوّ)، وَبعضهم يفتح الواو مع التشديد فيقول: (أوَّه) ".
(2)
كذا قال، وفيه نظر بينته في "الصحيحة" (538)، وبخاصة حديث البزار عن ابن عباس، ففي إسناده ضعيف، وفي متنه زيادة منكرة، ولذلك خرجته في "الضعيفة" (6259).

(3/101)


(
الحَكَمَةُ) بفتح الحاء المهملة والكاف: هي ما تجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه.

2897 - (8) [
صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ مِنْ أحبَّكم إليَّ وأقرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القيامَةِ أحاسِنَكم أخْلاقاً، وإنَّ أبغَضكُم إليَّ وأبْعَدكُم منِّي مجْلِساً يومَ القِيامَةِ الثِّرثارونَ، والمتَشَدِّقونَ، والمتَفَيْهِقُونَ".
قالوا: يا رسولَ الله! قد علِمْنا الثرثارونَ والمتشدِّقُونَ، فما المتَفَيْهِقونَ؟ قال:
"
المتَكَبِّرُونَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".
ورواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ثعلبة وتقدم. [هنا/2].
(
الثِّرْثَارُ) بثائين مثلثتين مفتوحتين وتكرير الراء: هو الكثير الكلام تكلفاً.
و (المتَشَدِّقُ): هو المتكلم بملء شدقيه تفاصحاً وتعاظماً واستعلاءً على غيره، وهو معنى (المتَفَيْهِقِ) أيضاً.

2898 - (9) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
العِزُّ إزارُه، والكِبْرِياءُ رداؤه، فَمنْ يُنازِعُني [بشيء منهما] (1) عَذَّبْتُه".
رواه مسلم.
__________
(1)
هذه الزيادة من "الأدب المفرد" للبخاري (145/ 552)، وكان الأصل: "يقول الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي" فصححته منه ومن مسلم (8/ 35 - 36)، والظاهر أنه من تصرف بعض النساخ ناظرين إلى رواية البرقاني، ومن هذا القبيل زيادة: "عن الله عز وجل"، كنت نقلتها من بعض نسخ "الأدب" في "الصحيحة" (541)، وهي في "مسند أحمد" من طريق آخر كما تراه هناك.

(3/102)


ورواه البُرقاني في "مستخرجه" من الطريق الذي أخرجه مسلم، ولفظه:
"
يقولُ الله عزَّ وجلَّ: العِزُّ إزاري، والكِبْرِياءُ رِدائي، فَمَنْ نازَعَني شيْئاً مِنْهُما عَذَّبْتُه".
[
صحيح لغيره] ورواه أبو داود وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة وحده: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله تعالى: الكِبْرياءُ رِدائي، والعَظَمَةُ إزاري، فَمن نَازَعني واحداً مِنْهُما قَذفْتُه في النارِ".

2899 - (10) [
صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقولُ الله جلَّ وعَلا: الكِبْرِياءُ رِدائي، والعَظَمَةُ إزاري، فَمَنْ نازَعني واحداً مِنْهُما ألقَيْتُه في النارِ".
رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية عطاء بن السائب (1).

2900 - (11) [
صحيح] وعن فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثَةٌ لا تسأل (2) عنهم: رجلٌ نازَعَ الله رِداءَهُ، فإنَّ رداءَهُ الكِبْرُ، وإزارَهُ العِزُّ، ورجلٌ في شكٍّ مِنْ أَمْرِ الله، والقَنوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ (3) ".
رواه الطبراني -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه" أطول منه (4).
__________
(1)
قلت: يشير إلى أنه كان اختلط، لكن قد رواه عنه سفيان الثوري، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط. أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عنه، ومنه يتبين تقصير المؤلف في تخريجه. انظر "الصحيحة" (541).
(2)
الأصل: (يسأل الله)، والتصويب من "الطبراني" (18/ 307) وغيره.
(3)
أي: اليائس من رحمته تعالى، وهو الثالث.
(4)
وكذلك أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وغيره. انظر "الصحيحة" (542).

(3/103)


2901 - (12) [
صحيح] وعن حارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ألا أُخْبِرُكُمْ بأهْلِ النارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستَكبرٍ".
رواه البخاري ومسلم.
(
العُتُلّ) بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الغليظ الجافي.
و (الجَوَّاظُ) بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة: هو الجَموع المنوع. وقيل: الضخم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين.

2902 - (13) [
صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يدخلُ الجنَّةَ الجوَّاظُ، ولا الجَعْظَرِيُّ". قال: والجوَّاظُ: الغليظُ الفَظُّ.
رواه أبو داود.

2903 - (14) [
صحيح لغيره] وعن سُراقَةَ بن مالكٍ بن جُعْشَمٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يا سُراقَةُ! ألا أُخْبِرُكَ بأهْلِ الجنَّةِ وأهْلِ النارِ؟ ".
قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
أمَّا أهْلُ النارِ؛ فكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُستَكبرٍ، وأمَّا أهْلُ الجَنَّةِ؛ فالضُّعفَاء المغْلوبونَ".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

2904 - (15) [
صحيح لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
كنَّا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنازةٍ قال:

(3/104)


"
ألا أخبركم بشَرِّ عبادِ اللهِ؟ الفظُّ المستكبرُ. ألا أخبرُكم بخيرِ عبادِ اللهِ؟ الضعيفُ المستضعفُ، ذو الطمرين (1)، لا يؤبه له، لو أقسمَ على اللهِ لأبرّه".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا محمد بن جابر.

2905 - (16) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال:
"
احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنارُ، فقالَتِ النارُ: فيَّ الجبَّارونَ والمتَكَبِّرونَ. وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ المسْلمِينَ ومساكِينُهمْ. فقَضى الله بَيْنَهُما: إنَّكِ الجنَّةُ رَحْمَتي؛ أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وإنَّكِ النارُ عَذابي؛ أُعذِّبُ بِكِ مَنْ أَشاءُ، ولِكلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها".
رواه مسلم (2).

2906 - (17) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا يزكِّيهمْ، ولا ينْظُر إليْهِمِ، ولهمْ عذابٌ أَليمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مسْتَكْبِرٌ".
رواه مسلم والنسائي. [مضى 21 - الحدود/ 7].
(
العائل) بالمد: هو الفقير.

2907 - (18) [
حسن] وعنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أربَعةٌ يُبْغِضُهُم الله: البَيَّاعُ الحَلافُ، والفَقيرُ المخْتَالُ، والشيْخُ الزَّاني،
__________
(1)
تثنية (الطمر): وهو الثوب الخَلَق.
(2)
قلت: أخرجه في "الجنة"، إلا أنه لم يَسُقْ لفظه، وإنما أحال على لفظ حديث أبي هريرة قبله، وقد أخرجه بهذا اللفظ أحمد (3/ 79) عن أبي سعيد، وإسناده إسناد مسلم.

(3/105)


والإمامُ الجَائرُ".
رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 20 - القضاء/ 2].

2908 - (19) [
صحيح] وعن سلمانَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ لا يدْخُلونَ الجَنَّةَ: الشيخُ الزَّاني، والإمامُ الكَذَّابُ، والعائلُ المزهوُّ".
رواه البزار بإسناد جيد.
(
المَزْهُوّ): هو المعجب بنفسه المتكبر. [مضى 22 - الحدود/ 7].

2909 - (20) [
حسن] وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال:
الْتَّقى عبدُ الله بنُ عُمَر، وعبدُ الله بْنُ عَمْرو بنِ العاصي رضي الله عنْهُمْ على المَرْوَةِ، فتَحدَّثا، ثُمَّ مَضى عبدُ الله بْنُ عَمْروٍ، وبَقِيَ عبدُ الله بْنُ عُمَر يَبْكي، فقال له رجلٌ: ما يُبْكيكَ يا أبا عَبْدِ الرَّحْمنِ؟ قال: هذا -يعني عبدَ الله بْنَ عَمْروٍ- زعَم أنَّهُ سَمعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ؛ كَبَّهُ الله على وجْهِهِ في النارِ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".
[
صحيح لغيره] وفي أخرى له أيضاً رواتها رواة "الصحيح": سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا يدخلُ الجنةَ إنسانٌ في قَلْبِه مِثْقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ".

2910 - (21) [
حسن] وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه:
أنَّه مَرَّ في السوقِ وعليه حُزْمَةٌ مِنْ حطَبٍ، فقيلَ لَهُ: ما يَحْمِلُكَ على هذا

(3/106)


وقد أغْناكَ الله عَنْ هذا؟ قال: أَرَدْتُ أَنْ أدْمَغَ الكِبْرَ، سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
لا يدخلُ الجنَّةَ مَنْ في قلْبِهِ خَرْدَلَةٌ مِنْ كِبْرٍ".
[
حسن صحيح] رواه الطبراني بإسناد حسن، (1) والأصبهاني؛ إلا أَنَّهُ قال:
"
مثقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ".

2911 - (22) [
حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده [عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (2) قال:
"
يُحْشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القِيامَةِ أمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَر الرجَالِ، يَغْشاهُمُ الذُّلُّ من كُلِّ مكانٍ، فيُساقُون إلى سِجْنٍ في جهنَّمَ يقالُ له: (بُولَسُ)، تَعْلوهُمْ نارُ الأَنْيارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصارَةِ أهْلِ النارِ: طينَةِ الخَبالِ".
رواه النسائي والترمذي -واللفظ له-، وقال:
"
حديث حسن".
(
بُوْلَسُ) بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام بعدها سين مهملة.
و (الخَبَالُ) بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة.

2912 - (23) [
صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يدخلُ الجَنَّةَ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ".
فقال رجلٌ: إنَّ الرجلَ يُحِبُّ أنْ يكونَ ثَوْبُه حَسناً، ونَعْلُه حَسَناً؟ قال:
__________
(1)
قلت: وكذا رواه عبد الله بن أحمد في "الزهد" (ص 182)، فهو بالعزو أولى، لا سيما ومن طريقه أخرجه الطبراني في رواية، وهو مخرج في "الصحيحة" (3257).
(2)
زيادة من الترمذي وغيره سقطت من الأصل. قال الناجي (199/ 2):
"
هذا أحد المواضع التي سقط فيها ذكر رفع الحديث من هذا الكتاب، وهي ثابتة في الأصول المنقول عنها، ولا أدري سبب ذلك".
قلت: وهو مما غفل عنه المغفلون الثلاثة، فالحديث موقوف عندهم!!

(3/107)


"
إن الله جَميلٌ يحِبُّ الجمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ الناسِ".
رواه مسلم والترمذي.
(
بَطَرُ الحَقِّ) بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة جميعاً: هو دفعه ورده.
و (غَمْطُ الناسِ) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم، وكذلك (غمصهم) (1) بالصاد المهملة.
[
صحيح لغيره] وقد رواه الحاكم فقال:
"
ولكِنَّ الكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الَحقِّ وَازْدَرى الناسَ". وقال:
"
احتجا برواته". (2)

2913 - (24) [
صحيح] وعنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
بيْنَما رجلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكم يَجُرُّ إزارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ خُسِفَ بِهِ، فهو يتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يومِ القِيامَةِ".
رواه البخاري والنسائي وغيرهما.
(
الخُيَلاءُ) بضم الخاء المعجمة وتكسر وبفتح الياء ممدوداً: هو الكبر والعجب.
و (يتَجَلْجَلُ) بجيمين، أي: يغوص وينزل فيها.

2914 - (25) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
بينا رجلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكم خَرجَ في بُرْدَيْنِ أخْضَرَيْنِ يَخْتالُ فيهِما؛ أَمَر الله الأَرْضَ فأخَذَتْهُ، فهو يَتَجلْجَلُ فيها إلى يَوْمِ القِيامَةِ".
__________
(1)
قلت: وهو لفظ الترمذي: "وغمص الناس". فلو نبَّه عليه المؤلف لكان حسناً.
(2)
قلت: ووافقه الذهبي!! وهو من أوهامهما، فإن (يحيى بن جعدة) -راويه عن ابن مسعود- ليس من رجالهما كما في "كاشف الذهبي" وغيره، ثم هو لم يسمع من ابن مسعود كما قال ابن معين وأبو حاتم.

(3/108)


رواه أحمد والبزار بأسانيد، رواة أحدها محتج بهم في "الصحيح". (1)

2915 - (26) [
صحيح لغيره] وعن جابر رضي الله عنه أحسبه رفعه:
"
إنَّ رجلاً كانَ في حُلَّةٍ. . .، فَتَبخْتَر واخْتَالَ فيها، فَخَسف الله بِه الأَرْضَ، فهو يَتَجلْجَلُ فيها إلى يومِ القِيامَةِ".
رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح".

2916 - (27) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نَفْسُه، مُرَجَّلٌ رأْسَه يَخْتالُ في مِشْيَتِه، إذْ خسَف الله بِهِ، فهو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ".
رواه البخاري ومسلم.
(
مرجَّل) أي: ممشط.

2917 - (28) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ جَرَّ ثوبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله إليهِ يوَمَ القِيامَةِ".
فقال أبو بَكْرٍ رضي الله عنهُ: يا رسول الله! إنَّ إزاري يَسْتَرْخي، إلا أنْ أتَعاهَدَهُ؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُه خُيَلاءَ".
رواه مالك والبخاري -واللفظ له، وهو أتم-، ومسلم والترمذي والنسائي.
وتقدم في "اللباس" أحاديث منها هذا، [18/ 1].
__________
(1)
قلت: وهو للبزار (3/ 364/ 2951) من طريق أبي صالح عنه؛ وليس فيه "بردين أخضرين"، وإنما قال: "حلة"، والسياق لأحمد (3/ 40) وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف يتقوى بما قبله دون (البردين الأخضرين).

(3/109)


2918 - (29) [
صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
مَنْ تَعظَّم في نَفْسِه أوِ اخْتَال في مِشْيَتِه؛ لَقِي الله تبارك وتعالى وهو عليه غَضْبانُ".
رواه الطبراني في "الكبير" -واللفظ له، ورواته محتج بهم في "الصحيح"-، والحاكم بنحوه وقال:
"
صحيح على شرط مسلم" (1).

2919 - (30) [
صحيح لغيره] وعن خوْلَةَ بنْتِ قيْسٍ رضي الله عَنْها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا مشَتْ أُمَّتي المُطَيْطاءَ، وخَدمَتْهُمْ فارِسُ والرومُ، سُلِّطَ بعضُهُمْ على بعْضٍ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

2920 - (31) [
صحيح لغيره] ورواه الترمذي وابن حبان أيضاً من حديث ابن عمر.
(
المُطَيْطاءَ) بضم الميم وفتح الطاءين المهملتين بينهما ياء مثناة تحت ممدوداً ويقصر: هو التبختر ومد اليدين في المشي.

2921 - (32) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَوْ لَمْ تُذْنِبوا لخَشيتُ علَيْكُم ما هو أكَبَرُ منْهُ؛ العُجْبُ".
رواه البزار بإسناد جيد.

2922 - (33) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لَينْتَهِيَنَّ أقْوامٌ يفْتَخِرونَ بآبائِهِمُ الَّذين مَاتوا، إنَّما هم فَحْمُ جَهَّنم، أو
__________
(1)
قلت: إنما هو على شرط البخاري، وفاته أنه رواه أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد". انظر "الصحيحة" (543).

(3/110)


لَيكونُنَّ أهْونَ على الله مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدهُ الخُرْءَ بأنْفِهِ، إنَّ الله [قد] (1) أذْهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ وفَخْرَها بالآباءِ، إنَّما هو مؤمِنٌ تَقِيٌّ، وفاجِرٌ شَقِيٌّ، الناسُ [كلُّهُمْ] (2) بنو آدَمَ، وآدَمُ خُلِقَ مِنَ التُّرابِ".
رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن".
وستأتي أحاديث من هذا النوع في "الترهيب من احتقار المسلم"، إن شاء الله.
(
الجُعَلُ) بضم الجيم وفتح العين المهملة: هو دويبة أرضية.
(
يُدَهْدِهُ) أي: يدحرج؛ وزنه ومعناه.
و (العُبِّيَّةُ) بضم العين المهملة وكسرها وتشديد الباء الموحدة وكسرها وبعدها ياء مثناة تحت مشددة أيضاً: هي الكبر والفخر والنخوة.
__________
(1)
زيادتان من "الترمذي".
(2)
زيادتان من "الترمذي".

(3/111)


23 - (
الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع: يا سيدي، أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم).
2923 - (1) [
صحيح] عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تقولوا للْمنافِقِ: سَيِّداً، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّداً؛ فقدْ أسْخَطْتُم ربَّكم عزَّ وجَلَّ".
[
صحيح لغيره] رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، والحاكم، ولفظه قال:
"
إذا قال الرجلُ للْمنافِقِ: يا سيِّد! فقدْ أغْضَبَ ربَّه".
وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال (1).
__________
(1)
يشير إلى أن في إسناد الحاكم ضعيفاً، وهو كذلك، ولكنه لا يضر، لأنه قد توبع عند الأوَّلين، انظر "الصحيحة" (371).

(3/112)


24 - (
الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب).
2924 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بن كعب بن مالكٍ قال:
سمعتُ كَعْبَ بنَ مالك يُحدِّثُ حديثَهُ حينَ تخلَّفَ عَنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزْوَةِ (تبوك)، قال كعبُ بْنُ مالك:
لَمْ أتَخلَّفْ عنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غَزْوَةٍ غَزاها قَطُّ إلا في غَزْوَةِ (تَبوك)، غيرَ أنِّي قد تخلَّفتُ في غزْوَةِ (بَدْرٍ)، ولَمْ يُعاتِبْ أَحداً تَخلَّفَ عنْها، إنَّما خَرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون يريدونَ عِيرَ قُريشٍ، حتَّى جمَعَ الله بيْنَهُمْ وبينَ عَدوِّهم على غير ميعاد، ولقدْ شَهِدْتُ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلةَ العقَبةِ حين تَواثَقْنا على الإسْلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهدَ (بَدْرٍ)، وإنْ كانَتْ (بَدْرُ) أَذْكَرُ في الناسِ مِنْها.
وكانَ مِنْ خَبري حينَ، تخَلَّفْتُ عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في (1) غزوَةِ (تبوك) أنِّي لَم أَكُنْ قَطُّ أَقْوى ولا أيْسَرَ مِنِّي حينَ تَخلَّفْتُ عنه في تِلكَ الغَزْوةِ، والله ما جَمَعْتُ قبلها راحِلَتَيْنِ قَطُّ، حتى جمعتُهما في تلكَ الغَزْوَةِ، -ولَمْ يكُنْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريدُ غزوةً إلا وَرَّى (2) بِغَيْرِها حتَّى كانَتْ تِلْكَ الغزوة- (3) فغَزاها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرٍّ شَديدٍ، واسْتَقْبَل سَفَراً بَعيداً ومَفازاً، واسْتقْبلَ عَدُوّاً كثيراً، فَجَلَى لِلْمُسْلِمينَ أمرَهُمْ؛ ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهْم، وأخْبَرهُمْ بَوجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، والمسلمونَ مَع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرٌ، ولا يَجْمَعُهم كتابٌ حافِظٌ
__________
(1)
الأصل: (من)، والتصحيح من "مسلم - التوبة" وقد صححت منه أحرفاً أخرى وقعت في الأصل خطأ، لا ضرورة للتنبيه عليها.
(2)
أي: أوهم غيرها كما يأتي من المؤلف في شرح غريبه.
(3)
ما بين المعترضتين لم يرد في رواية مسلم هذه، ولذلك لم يذكرها المؤلف فيها في "مختصر مسلم" (1918)، وإنما هي في رواية أخرى لمسلم، لكن اللفظ للبخاري في "المغازي".

(3/113)


-
يريد بذلك الديوانَ-، قال كعبٌ: فَقَلَّ رجل يريدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ (1) أنَّ ذلك سَيَخْفَى [له] ما لَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْيٌ مِنَ الله عزَّ وجَلَّ.
وغَزا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلكَ الغزوةَ حينَ طابَتِ الثمارُ والظلالُ، فأنا إليْها أَصْعَرُ (2)، فتَجهَّزَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون مَعَهُ، وطَفِقْتُ أَغدو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعهُمْ، فأرْجعُ ولَمْ أَقْضِ مِنْ جهازِي شَيْئاً، وأَقُولُ في نفسي: أنا قادِرٌ على ذلك إذا أرَدْتُ، فلَمْ يَزَلْ ذلك يتَمادى بِي حتَّى اسْتَمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصْبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غادِياً والمسلمونَ معَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهازي شيْئاً، ثُمَّ غدوْتُ فرجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ ذلك يَتَمادى بي حتَّى أسْرعوا وتَفَارَطَ (3) الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فأدْرِكَهم، -فيا لَيْتَني فعلْتُ- ثُمَّ لَمْ يُقدَّرْ لي ذلك.
وطفِقْتُ إذا خَرجْتُ في الناسِ بعدَ خُروجِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْزُنُني أَنِّي لا أرى لي أُسْوَةً إلا رَجُلاً مَغْموصاً (4) عليه في النِّفاقِ، أو رَجُلاً مِمَّنْ عَذر الله مِنَ الضُعفَاءِ، ولَمْ يَذْكُرْني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بلَغَ (تبوكَ)، فقالَ وهو جالِسٌ في القْوِم بـ (تبوك):
"
ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مالكٍ؟ "،
فقالَ رجلٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ: يا رَسولَ الله! حبَسهُ بُرْداهُ، والنَّظرُ في عِطْفَيْهِ.
فقال له معاذُ بْنُ جَبلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، والله يا رسولَ الله! ما علِمْنا عليهِ إلا خَيْراً. فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبيَنْا هو على ذلك رأى رجُلاً مُبَيِّضاً يزولُ
__________
(1)
لفظ مسلم: (يظن).
(2)
أي: أميل كما يأتي في الكتاب.
(3)
أي: فات، وكان الأصل: (وتفاوت)، والتصحيح من "الصحيحين".
(4)
بالغين المعجمة والصاد المهملة: أي: مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق كما في "الفتح" وغيره. ووقع في الأصل (مغموضاً) بالضاد المعجمة وبذلك قيده المؤلف كما يأتي، وهو من أوهامه رحمه الله، وتبعه عليه وعلى غيره مما يأتي التنبيه عليه المعلقون الثلاثة!!

(3/114)


به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كُنْ أبا خَيْثَمَة".
فإذا هو أبو خَيْثَمِةَ الأنْصارِيّ، وهو الذي تَصدَّقَ بصاعِ التمْرِ حينَ لَمَزَه المُنافِقونَ.
قال كعبٌ: فلمَّا بلَغني أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تَوجَّه قافِلاً مِنْ (تبوك) حَضَرني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتَذكر الكَذِبَ، وأقولُ: بِمَ أَخْرُج مِنْ سخَطِه غَداً؟ وأسْتَعينُ على ذلك بِكُلِّ ذي رأيٍ مِنْ أَهْلي، فلمَّا قيل: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أظلَّ (1) قادِماً، زاحَ عنِّي الباطِلُ، حتَّى عَرَفْتُ أنِّي لَنْ أنْجُوَ منهُ بِشَيْءٍ أَبداً، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ.
وأصَبح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادِماً، وكانَ إذا قدِمَ مِنْ سَفَرٍ بدأ بالمسْجِدِ فركَع فيه ركْعَتين، ثُمَّ جلَس لِلناسِ، فلمَّا فَعلَ ذلك جاءَه المخلَّفون، فَطفِقوا يَعْتَذِرونَ إليه وَيحْلِفونَ له، وكانوا بِضْعَةً وثَمانينَ رجُلاً، فَقبِلَ مِنْهُمْ علانِيَتَهُمْ، وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، ووَكَلَ سَرائِرَهُمْ إلى الله، حتَّى جِئْتُ، فلمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قال:
"
تعالَ". فجئْتُ أمْشي حتى جَلَسْتُ بيْنَ يديْهِ، فقال لي:
"
ما خَلَفكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ ".
قلتُ: يا رسول الله! إنِّي والله لو جلَسْتُ عندَ غيرِكَ مِنْ أهْل الدنيا لرأَيْتُ أنِّي سَأخْرُج مِنْ سخَطِهِ بِعُذْرٍ، ولقدْ أُعطِيْتُ جَدلاً، ولكنِّي والله لقدْ علِمْتُ لَئْن حدَّثْتُكَ اليومَ حَديثَ كذبٍ ترضَى به عنِّي؛ ليوشِكنَّ اللهُ أن يُسْخِطكَ عليَّ، ولَئِنْ حدَّثتْكُ حديثَ صدق تَجِدُ عليَّ فيه؛ إنّي لأَرْجو فيه عُقْبى الله عزَّ وجلَّ -في رواية: عفو الله- والله ما كانَ لي مِنْ عُذْرٍ، ما كنْتُ قَطُّ أَقْوى
__________
(1)
أي: دنا قدومه، كأنه ألقي على ظله.
و (زاخ) بالزاي، أي: زال. ووقع في الأصل بالراء.

(3/115)


ولا أَيْسَر مِنِّي حين تَخلَّففْتُ عنكَ. قال: فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أمَّا هذا فَقدْ صدَقَ، فَقُمْ حتى يَقْضِيَ الله فيكَ".
فقُمْتُ، وثارَ رِجالٌ مِنْ بني سَلِمَةَ فاتَّبعوني فقالوا: والله ما علمْناكَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قبلَ هذا، لقدْ عَجَزْتَ في أنْ لا تكونَ اعتذرْتَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِما اعْتَذَر [به] إليْهِ المُخلَّفونَ! فقدْ كان كافيكَ ذَنْبَكَ استغفارُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَ، قال: فوالله ما زالوا يُؤَنِّبونَني حتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجعَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأُكَذِّب نفسي. قال: ثمَّ قلتُ لهمْ: هَلْ لَقِيَ هذا مَعي أحَدٌ؟ قالوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ معكَ رَجلانِ قالا مثلَ ما قُلْتَ، فقيلَ لَهُما مثلَ ما قيلَ لكَ. قال: قلتُ مَنْ هُما؟ قالوا: مُرارَةُ بْنُ رَبيعَةَ العامِريّ (1) وهِلالُ بْنُ أُميَّةَ الواقِفيّ. قال: فذكروا لي رَجُلَيْنِ صالِحينِ قد شَهِدا (بَدْراً) فيهما أُسْوَةٌ. قال: فَمضَيْتُ حينَ ذَكروهُما لي.
قال: ونَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمينَ عَنْ كلامِنا أيُّها الثَلاثةُ مِنْ بينِ مَنْ تَخلَّفَ عنه. قال: فاجْتَنَبَنَا الناسُ، وقال: تَغَيَّروا لنا حتّى تَنَكَّرَتْ لي في نفسي الأرْضُ، فما هِيَ بالأرضِ التي أعْرِفُ. فلَبثْنا على ذلك خَمْسينَ لَيلَةً، فأمَّا صاحِبايَ فاسْتكانا وقَعَدا في بُيوتِهِما يَبْكِيانِ، وأمَّا أنا فكُنْتُ أَشَبَّ القومِ وأجلدَهُم، فكنتُ أَخْرجُ فأشْهَدُ الصلاةَ وأطوفُ في الأسْواقِ، ولا يُكَلِّمُني أحَدٌ، وآتي رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مَجْلسِه بعدَ الصلاةِ فأُسَلِّمُ (2)، فأقولُ في نَفْسي: هلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السلام أمْ لا؟ ثُمَّ أُصلِّي قريباً منه وأسارِقُهُ النظَر، فإذا أقْبَلْتُ على صلاتي نَظَر إليَّ، فإذا التفَتُّ نحوَهُ أعْرضَ عنِّي، حتَّى إذا
__________
(1)
كذا وقع في "مسلم"، وهو خطأ، والصواب ما في رواية البخاري: ". . . بن الربيع العَمري" انظر "فتح الباري" -غزوة تبوك، و"العجالة" (200/ 1)، وهو مما غفل عنه مدعو التحقيق!
(2)
في مسلم: (فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة).

(3/116)


طالَ عليَّ ذلك مِنْ جَفْوَة المسلمين مَشَيْتُ حتى تَسوَّرْتُ جِدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابْنُ عمِّي، وَأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فَوالله مال رَدَّ عليَّ السلام، فقلتُ له: يا أبا قتادة! أَنْشُدُكَ بالله! هل تَعْلِّمُني أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَه؟ قال: فَسكتَ. فعُدْتُ فناشَدْتُه، فسكَتَ، فعُدْتُ فناشَدْتُه، فقال: الله ورسولُه أَعْلَمُ. فَفاضتْ عينايَ، وتَولَّيْتُ حتَّى تَسوَّرْتُ الجِدارَ.
فبينا أنا أمْشي في سوقِ المَدينَة إذا نَبَطِيٌّ مِنْ أنْباطِ أهْلِ الشامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بطعام يبيعُه بالمدينَة يقولُ: مَنْ يَدُلُّ على كعْبِ بْنِ مالكٍ؟ قال: فطَفَقَ الناسُ يُشيرونَ لَهُ إليَّ حتَّى جاءَني فدَفَع إليَّ كتاباً مِنْ مَلِك غَسَّانَ، وكنْتُ كاتِباً فقَرأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ قد بلَغَنا أن صاحِبَكَ قد جَفاك، ولَمْ يَجْعَلْكَ الله بدارِ هَوانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالْحَقْ بِنا نواسِكَ، قال: فَقُلْتُ حين قَرْأتُها: وهذه أيْضاً مِنَ البَلاءِ، فَتَيمَّمْتُ (1) بها التَنُّورَ فَسَجرْتُها [بها]، حتَّى إذا مَضَتْ أرْبَعونَ مِنَ الخَمْسينَ، واسْتَلْبَثَ الوَحْيُ إذا [رسولُ] رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتيني، فقالَ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَاْمُرك أَنْ تَعْتَزِلَ امْرأَتَك. قال: فقلتُ: أُطَلِّقُها أمْ ماذا أفْعَل؟ قال: لا، بَلِ اعْتَزِلْها فلا تَقْرَبَنَّها، وأرْسَل إلى صاحِبيَّ بِمْثلِ ذلك.
قال: فقلتُ لامْرَأتي: الْحَقي بأَهْلِكِ فكوني عندَهُمْ حتى يَقْضِيَ الله في هذا الأَمْرِ. قال: فجاءَتِ امْرأَةُ هِلالِ بْنِ أمَيَّةَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسولَ الله! إنَّ هلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضَائعٌ؛ ليسَ له خادِمٌ، فهل تَكْرَهُ أنْ أخْدِمَهُ؟ قال:
"
لا، ولكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ".
__________
(1)
هذا لفظ البخاري. وأما مسلم -والسياق له- فلفظه: (فتياممتُ)، قال الناجي (200/ 1): "وهو في جميع نسخ "مسلم" في بلادنا، وهي لغة في (تيممت) التي هي لفظ البخاري والموجود في نسخ "الترغيب"، وليس بجيد منه".
قلت: ويؤيده أنه وقع على الصواب في "مختصر مسلم" للمؤلف (رقم - 1918 - بتحقيقي).

(3/117)


قالتْ: إنَّه والله ما بِه حَركَةٌ إليَّ، ووالله ما زالَ يَبْكي مُنْذُ كانَ مِنْ أمْرِه ما كانَ إلى يَوْمِه هذا.
قال: فقال لي بعضُ أهْلي: لوِ اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[في امرأتك] فقد أَذِنَ لامْرَأةِ هلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدِمَهُ. قال: فقلتُ: لا أسْتَأْذِن فيها رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يُدْريني ما [ذا] يقولُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اسْتَأْذَنْتُه فيها وأنا رجلٌ شاب؟ قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ لَيالٍ، فكَمُلَ لَنا خمسونَ لَيلة مِنْ حِينِ نَهى عنْ كلامِنَا.
قال: ثمَّ صَلَّيْتُ صلاةَ الفَجْرِ صباحَ خَمْسينَ لَيلة على ظهْرِ بَيْتٍ مِنْ بيُوتِنا، فبينَا أنا جالِسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ الله عزَّ وجلَّ مِنَّا، قد ضَاقَتْ عَليَّ نَفْسي وضاقَتْ عليَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سمعتُ صوتَ صارِخ أوْفَى على (سَلْع) يقولُ بأعْلى صوتِه: يا كَعْبَ بْنَ مالكٍ! أبْشِرْ. قال: فَخَررْتُ ساجِداً وعَرَفتُ أَنْ قد جاءَ فَرجٌ.
قال: فآذَنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناسَ بتوبةِ الله علينا حينَ صلَّى صلاةَ الفَجْرِ، فذهَبَ الناسُ يُبَشِّرونَنا، فذَهب قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، ورَكض رجلٌ إليَّ فَرساً، وسَعى ساعٍ مِنْ أسْلمَ قِبَلي، وأَوْفَى على الجبَلَ، فكانَ الصوتُ أَسْرعَ مِنَ الفَرسِ، فلمَّا جاءَني الذي سمعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني، نَزَعْتُ له ثَوْبَيَّ فكَسَوْتُهما إيَّاه بِبَشَارَتِه، والله ما أمْلكُ غيرَهُما يومَئذٍ، واسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْن فَلَبسْتُهما. وانْطَلقْتُ أتأمَّم رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَتلقَّاني الناسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهنِّئوني بالتوبَةِ، وَيقولُونَ: لتَهنِئك توبةُ الله عليك. حتَّى دخلنا المسجدَ، فإذا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حولَه الناسُ، فقامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْد [الله] يُهَرْوِلُ حَتّى صافَحَني وهَنَّأَنِي، والله ما قامَ إليَّ رجلٌ مِنَ المهاجِرينَ غيرُه، قال: فكان كَعْبٌ

(3/118)


لا يَنْساها لِطَلْحَةَ، قال كَعْبٌ: فلمَّا سَلَّمْتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وهو يبرُقُ وَجهُهُ مِنَ السرورِ:
"
أبْشِرْ بخيرِ يَوْمٍ مَرَّ عليكَ منْذُ وَلَدتْكَ أُمُّكَ".
قال: فقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يا رسولَ الله! أمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ قال:
"
بَلْ مِنْ عندِ الله".
وكانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ، حتى كأنَّ وجههُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، قال: وكنَّا نَعْرِف ذلك مِنْهُ. قال: فلمَّا جَلستُ بينَ يَديْهِ؛ قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّ مِنْ توبَتي أنْ أَنْخَلعَ مِنْ مالي صَدَقةً إلى الله وإلى رسولهِ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أمْسِكْ عليكَ بَعْض مالِكَ، فهوَ خَيْرٌ لكَ".
قال: فقلْتُ: فإنِّي أمسِكُ سَهْميَ الذي بخَيْبَر. قال: وقلتُ: يا رسولَ الله! إنَّما أنْجاني الله بالصدْقِ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ لا أُحدِّثَ إلا صِدْقاً ما بَقيتُ.
قال: فَوَالله ما علمْتُ [أن] أحداً [من السلمين] أبْلاهُ الله في صِدْقِ الحَديثِ مُنْذ ذكرتُ ذلك لِرَسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إلى يومي هذا] أحْسَنَ ممَّا أبْلاني الله [به]، والله ما تَعمَّدْتُ كَذبةً منذ قلتُ ذلك لرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومي هذا، وإنِّي لأَرْجو أنْ يَحْفَظني اللَّه فيما بَقِيَ.
قال: فَأنْزلَ الله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، حتى بلَغَ {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}، حتى بلَغَ {[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
قال كعبْ: والله ما أنْعَم الله على مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بعدَ إذْ هَداني الله للإِسْلامِ أَعْظَمَ في نفْسي مِنْ صدْقي لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ لا أكونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كما

(3/119)


هَلَك الذين كَذبوا، إنَّ الله قال لِلَّذين كَذَّبوا حينَ أَنْزلَ الوحَي شَرَّ ما قالَ لأَحدٍ، فقال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
قال كَعْبٌ: كنَّا خُلِّفْنا أيُّها الثَلاثَةُ عَنْ أمْرِ أولئكَ الذين قَبِلَ منهمْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ حَلَفوا له، فبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، وأَرْجأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَنا حتَّى قَضَى الله تعالى فيه، فبذلك (1) قال الله عزَّ وجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليسَ الذي ذكَره مما خُلِّفَنا تَخَلُّفُنا عَنِ الغَزْوِ، وإنَّما هو تَخْليفُه إيَّانا، وإرْجَاؤه أَمْرَنا عَمَّنْ حَلَف له واعْتَذَرَ إليه، فقَبِلَ مِنْهُ".
رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له.
ورواه أبو داود والنسائي بنحوه مفرقاً مختصراً.
وروى الترمذي قطعة من أوله ثم قال: "وذكر الحديث".
قوله: (وَرَّى) عن الشيء: إذا ذكره بلفظ يدل عليه أو على بعضه دلالة خفية عند السامع.
(
المَفَازُ) والمفازة هي: الفلاة لا ماء بها.
(
يَتَمادَى بي) أي: يتطاول ويتأخر.
وقوله: (تَفَارَطَ الغزو) أي: فات على من أراده وَبَعُدَ عليه إدراكه.
(
المَغْمُوْضُ) بالغين والضاد المعجمتين (2): هو المعيب المشار إليه بالعيب.
__________
(1)
الأصل: (بذلك)، والتصويب من "الصحيحين"، وهو مما غفل عنه المدعون التحقيق! كالذي بعده!!
(2)
قوله في الصاد أنها معجمة خطأ كما تقدم، قال الناجي: "وإنما هو بالصاد المهملة بلا خلاف بين أهل اللغة والغريب".

(3/120)


(
ويزولُ به السَّرابُ) أي: يظهر شخصه خيالاً فيه.
(
أوْفَى على سَلْعٍ) أي: طلع عليه. و (سلع): جبل معروف في أرض المدينة.
(
أُيَمِّمُ) أي: أقصد.
(
أرجأ أمرنا): أخره، والإرجاء: التأخير.
وقوله: (فأنا إليه أَصْعَر) بفتح الهمزة والعين المهملة جميعاً، وسكون الصاد المهملة: أي أميل إلى البقاء فيها واشتهي ذلك؛ و (الصعر): الميل، وقال الجوهري: في الخد خاصة.

2925 - (2) [
صحيح لغيره] وعن عبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اضْمَنوا لي سِتّاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ؛ أَضْمَنْ لَكُمُ الجَنَّةَ: اصْدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأوْفوا إذا وَعَدْتُم، وأدُّوا إذا ائْتُمِنْتُم، واحْفَظوا فروجَكُمْ، وغُضُّوا أبصارَكُمْ، وكُفُّوا أيدِيَكُمْ".
رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي؛ كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".
(
قال الحافظ): "المطلب لم يسمع من عبادة". [مضى 17 - النكاح/ 1].

2926 - (3) [
صحيح لغيره] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تَقَبَّلوا لي سِتّاً أَتَقبَّل لكُمْ بِالجَنَّةِ: إذا حَدَّثَ أحدُكم فلا يَكْذِبْ، وإذا وَعَد فلا يُخْلِفْ، وإذا ائْتُمِنَ فَلا يَخُنْ، غُضُّوا أبْصارَكُم، وكُفُّوا أْيدِيَكُمْ، واحْفَظُوا فُروجَكُمْ".
رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى والحاكم والبيهقي، ورواتهم ثقات؛ إلا سعد بن سنان.

(3/121)


2927 - (4) [
حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أنا زعيمٌ ببَيْتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرك الكَذِبَ وإنْ كان مازِحاً".
رواه البيهقي بإسناد حسن. (1) ورواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه في حديث تقدم في "حسن الخلق". [مضى 23 - الأدب/ 2].

2928 - (5) [
حسن لغيره] عن عبد الرحمن بن الحارث عن (2) أبي قُرادٍ السلَميِّ رضي الله عنه قال:
كنَّا عندَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدَعا بِطَهورٍ، فَغَمس يَدَه فَتَوضَّأَ، فتتبَّعناهُ فَحَسوْنَاهُ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما حَمَلكُمْ على ما فَعَلْتُمْ؟ ".
قلنا: حُبُّ الله ورسولِه. قال:
"
فإنْ أَحْبَبْتُمْ أنْ يُحِبُّكُمُ الله ورسولُه؛ فأَدُّوا إذا ائْتُمِنْتُم، واصْدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأحْسِنوا جِوارَ مَنْ جاوَرَكُمْ".
رواه الطبراني (3).

2929 - (6) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أربَعٌ إذا كُنَّ فيكَ فلا عليكَ ما فاتَكَ مِنَ الدنيا: حِفْظُ أمانَةٍ، وصِدقُ
__________
(1)
قلت: لا أدري ما وجه تقديم البيهقي على الآخرين، وهم أعلى طبقة منه، لا سيما وهو قد رواه (6/ 242/ 8017) بسنده عن أبي داود، وهذا في "سننه" (4800).
(2)
الأصل: (بن)، والتصحيح من "المعجم الأوسط"، وكذا في كنى "الإصابة" من رواية ابن أبي عاصم وابن السكن. وفي رواية غيرهم عن عبد الرحمن بن أبي قراد. انظر "الصحيحة" (2998).
(3)
أي في "الأوسط" كما تقدم، وكذا في "المجمع" (4/ 145).

(3/122)


حديثٍ، وحُسْنُ خَليقَةٍ، وعِفَّةٌ في طُعْمَةٍ".
رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة. [مضى 16 - البيوع/ 5].

2930 - (7) [
صحيح] وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال:
حَفِظْتُ مِنْ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
دَعْ ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ، فإنَّ الصدْقَ طُمأْنِينَةٌ، والكَذِبَ رِيبَةٌ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، [مضى 16 - البيوع/ 6].

2931 - (8) [
صحيح] وعنْ عبدِ الله بْنِ عَمْروٍ بْنِ العَاصِ رضيَ الله عنهما قال:
قلنا: يا نَبِيَّ الله! مَنْ خَيرُ الناسِ؟ قال:
"
ذو القَلبِ المَخْمُوم، واللِّسانِ الصَادقِ".
قال: قلنا: يا نبيَّ الله! قد عرفنا اللِّسانَ الصادِقَ، فما القلبُ المَخْموم؟ قال:
" [
هو] التقيُّ النقيُّ؛ الذي لا إِثْمَ فيه، ولا بَغْيَ ولا حَسَدَ".
قال: قلنا: يا رسول الله! فَمَنْ على أَثَرِهِ؟ قال:
"
الذي يَشْنَأُ الدنيا، ويُحِبُّ الآخِرَةَ".
قلنا: ما نَعْرِفُ هذا فينا إلا رافع مَوْلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ على أَثَرِهِ؟ قال:
"
مؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ".
قلنا: أمَّا هذه فإنها فينا. (1)
رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وتقدم لفظه [هنا/ 21]، والبيهقي وهذا لفظه، وهو أتم.
__________
(1)
الأصل: (ففينا)، والتصحيح من "شعب الإيمان" (5/ 264)، ومنه الزيادة.

(3/123)


2932 - (9) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عليكُم بالصدْقِ؛ فإنَّ الصدْق يَهْدي إلى البرِّ، والبِرّ يَهْدي إلى الجنَّةِ، وما يَزالُ الرجلُ يَصْدُقُ، وَيتَحرَّى الصِدْقَ حتى يُكْتَبَ عندَ الله صِدِّيقاً، وإيَّاكُمْ والكَذِب! فإنَّ الكَذِبَ يَهدِي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفُجورَ يَهْدِي إلى النارِ، وما يزالُ العَبْد يَكْذِبُ ويتَحرَّى الكَذِبَ، حتى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كذَّاباً".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وصححه واللفظ له.

2933 - (10) [
صحيح] وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عليكُمْ بالصدْقِ؛ فإنَّه مَع البِرِّ، وهُما في الجنَّةِ، وإيَّاكمْ والكَذِبَ؛ فإنَّه مَعَ الفجورِ، وهُما في النارِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

2934 - (11) [
صحيح لغيره] وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عليكم بالصدقِ فإنه يهدي إلى البِرِّ، وهما في الجنةِ، وإيَّاكم والكَذِبَ فإنه يهدي إلى الفُجورِ، وهما في النار".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

2935 - (12) [
صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبيِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
رأيتُ الليلةَ رجُلَيْن أتَياني قالا لي (1): الذي رأيْتَه يُشَقُّ شِدْقُهُ فكذَّابٌ، يكذِبُ بالِكذْبَةِ تُحمَلُ عنهُ حتى تَبْلُغَ الآفاقَ، فيُصْنَعُ به هكَذا إلى يومِ القِيامَةِ".
__________
(1)
لفظة (لي) ليست في البخاري. قاله الناجي (200/ 1).
قلت: وكذلك ليس عنده لفظة (هكذا)، وكذا (الليلة)، وإنما هذه في الحديث المطول المتقدم.

(3/124)


رواه البخاري هكذا مختصراً في "الأدب" من "صحيحه". وتقدم بطوله في "ترك الصلاة" [5 - الصلاة/ 40].

2936 - (13) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
آيَةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وَعَد أخْلَف، وإذا ائتُمنَ خان (1) ".
رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية له:
"
وإنْ صامَ وصلَّى وزَعَم أنَّهُ مُسلِمٌ".

2937 - (14) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كان فيه خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِفاقِ حتَّى يَدَعها:
إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّث كَذبَ، وإذا عاهدَ غَدر، وإذا خَاصم فَجَر".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

2938 - (15) [
حسن لغيره] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه فهو مُنافِقٌ، وإنْ صامَ وصَلَّى، وحَجَّ واعْتَمَر، وقال:
إنِّي مسْلمٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وَعَد أخْلفَ، وإذا ائْتُمِنَ خَانَ".
رواه أبو يعلى من رواية يزيد الرقاشي، وقد وثق، ولا بأس به في المتابعات.
__________
(1)
الأصل: "وإذا عاهد غدر"! قال الناجي:
"
هذا تحريف قبيح، ليس في هذا الحديث بلا نزاع: "وإذا عاهد غدر"، إنما بدله: "وإذا ائتمن خان"، وأما اللفظ المذكور فإنما هو في حديث ابن عمرو الذي بعده".
قلت: وسيأتي قريباً على الصواب هنا في (30 - إنجاز الوعد).

(3/125)


2939 - (16) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يُؤْمِنُ العَبْدُ الإِيْمانَ كُلِّهُ حتَّى يَتْرُكَ الكَذبَ في المُزاحَةِ، والمِراءَ وإنْ كانَ صادِقاً".
رواه أحمد والطبراني.

2940 - (17) [
صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يبلُغُ العبدُ صريحَ الإيمانِ حتَّى يدَعَ المُزاحَ والكَذِبَ، ويَدعَ المِراءَ وإنْ كانَ مُحقّاً".
وفي أسانيدهم من لا يحضرني حاله، ولمتنه شواهد كثيرة.

2941 - (18) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
ما كانَ مِنْ خُلُقٍ أبْغَضَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الكَذِبِ، ما اطَّلَعَ على أحَدٍ مِنْ ذلك بِشَيْءٍ فيَخْرُجَ مِنْ قَلْبِهِ، حتَّى يَعْلَمَ أنَّه قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً.
رواه أحمد والبزار واللفظ له.
[
صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قالت:
ما كانَ مِنْ خُلُقٍ أبغَضَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الكَذِب، ولقد كانَ الرجلُ يكذِبُ عندَه الكِذْبَةَ، فما يزَالُ في نَفْسِه، حتَّى يَعْلَمَ أنَّهُ قد أحْدَثَ فيها تَوْبةً.
[
صحيح لغيره] ورواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، ولفظه: قالتْ:
"
ما كانَ شيءٌ أبْغَضَ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الكَذِبِ، وما جَرَّبَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أحدٍ وإنْ قَلَّ فيَخْرُج لَهُ مِنْ نَفْسِه، حتى يُجَدِّدَ لَهُ تَوْبَةً".

(3/126)


2942 - (19) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:
"
مَنْ قالَ لِصَبِيٍّ. تعالَ هاكَ، ثمَّ لَمْ يُعْطِهِ، فَهِيَ كِذْبَةٌ".
رواه أحمد وابن أبي الدنيا؛ كلاهما عن الزهري عن أبي هريرة، ولم يسمع منه.

2943 - (20) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عامرٍ رضي الله عنه قال:
دَعَتْني أمِّي يَوْماً ورسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعِدٌ في بيْتِنا، فقالَتْ: ها تعالَ أُعْطيكَ. فقالَ لَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما أرَدْتِ أنْ يُعْطيَهُ؟ ".
قالتْ: أرَدْتُ أَنْ أعْطِيَهُ تَمْراً، فقالَ لها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أما إنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كتِبَتْ عليكِ كَذِبَةً".
رواه أبو داود والبيهقي عن مولى عبد الله بن عامر -ولم يسمياه- عنه.
ورواه ابن أبي الدنيا فسماه زياداً.

2944 - (21) [
حسن] وعن بَهْزِ بْنِ حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
وْيلٌ لِلَّذي يُحَدِّثُ بالحديثِ لِيُضْحِكَ به القومَ فيَكْذِبُ، ويلٌ لَهُ، وْيلٌ لَهُ".
رواه أبو داود والترمذي -وحسنه- والنسائي والبيهقي.

2945 - (22) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُم الله يَوْمَ القيامَةِ، ولا يُزَكِّيهمْ، ولا يَنْظُرُ إلَيْهِم، ولَهُمْ عَذابٌ أليمٌ؛ شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مسْتَكْبِرٌ".
رواه مسلم وغيره. [مضى 21 - الحدود/ 7].

(3/127)


2946 - (23) [
صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ لا يَدْخُلونَ الجَنَّةَ؛ الشيْخُ الزَّاني، والإِمامُ الكذابُ، والعائِل المَزْهُوُّ".
رواه البزار بإسناد جيد. [مضى هناك وهنا في الأدب/ 22].
(
العَائِل): هو الفقير.
(
المَزْهُوُّ): هو المعجب بنفسه المتكبر.

(3/128)


25 - (
ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين).
2947 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
تَجدونَ الناسَ مَعادِنَ، خِيَارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فَقِهُوا، وتَجِدونَ خِيَارَ الناسِ في هذا الشأْنِ أشَدَّهُم له كَراهَةً، وتَجِدونَ شرَّ الناسِ ذا الوجْهَيْنِ؛ الذي يأْتي هؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وهؤُلاءِ بِوَجْهٍ".
رواه مالك والبخاري ومسلم.

2948 - (2) [
صحيح] وعن محمد بن زيدٍ:
أنَّ ناساً قالوا لجَدِّه عبدِ الله بْنِ عُمرَ رضيَ الله عنهما: إنَّا نَدْخُلُ على سُلْطانِنا فنقول بِخِلافِ ما نَتَكَلَّمُ إذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِهم؟ فقال:
"
كنَّا نَعُدُّ هذا نِفاقاً على عَهْدِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه البخاري.

2949 - (3) [
صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ كانَ له وَجْهانِ في الدنيا؛ كانَ لَهُ يومَ القيامَةِ لِسانانِ مِنْ نارٍ".
رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه".

2950 - (4) [
صحيح لغيره] ورُوي عن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ كانَ ذا لِسانَيْن؛ جَعَل الله له يومَ القِيامَةِ لِسانَيْنِ مِنْ نارٍ".
رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" والطبراني والأصبهاني وغيرهم.

(3/129)


26 - (
الترهيب مِنَ الحلفِ بغير الله سِيَّما بالأمانَةِ، ومِنْ قولِه: "أنا بريء من الإسلام" أو "كافر"، ونحو ذلك).
2951 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله تعالى ينهاكُمْ أنْ تَحلِفوا بآبائكمْ، مَنْ كانَ حالِفاً فلْيَحْلِفْ بالله، أوْ لِيَصْمُتْ".
رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[
حسن] وفي رواية لابن ماجه عنه (1) قال:
سمعَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يحلِفُ بأبيه فقال:
"
لا تَحْلِفوا بآبائكمْ، مَنْ حلَف بالله فَلْيَصْدُقْ، ومَنْ حُلِفَ لَهُ بالله فَلْيَرْضَ، ومَنْ لَمْ يَرْضَ بالله فليْسَ مِنَ الله".

2952 - (2) [
صحيح] وعنه (2):
أنه سمعَ رجلاً يقولُ: لا والكَعْبَةِ. فقال ابْنُ عمر: لا تحلِفْ بغير الله؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ حلَف بغيرِ الله فقد كفَر أوْ أشْرَك".
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".
__________
(1)
الأصل: (من حديث بريدة)، والتصحيح من "ابن ماجه" (2101).
(2)
أي: ابن عمر، وهذا يعني أن ابن عمر نفسه هو الذي روى قصته مع الرجل، وهذا خطأ مخالف للرواية، فإنها من طريق سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع. . . الحديث. هكذا هو عند الترمذي (1535)، والسياق له، ونحوه رواية ابن حبان (1177 - موارد)، فالصواب أن يبدأ الحديث بقوله: "وعن سعد بن عبيدة أن ابن عمر. . ".

(3/130)


[
صحيح لغيره] وفي رواية للحاكم: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
كلُّ يمينٍ يُحلَفُ بها دونَ الله شِرْكٌ".

2953 - (3) [
صحيح موقوف] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
لأَنْ أحْلِفَ بالله كاذِباً أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أحْلِفَ بغيرِهِ وأنا صادِقٌ.
رواه الطبراني موقوفاً، ورواته رواة "الصحيح".

2954 - (4) [
صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ حلفَ بالأمانَةِ فليسَ مِنَّا".
رواه أبو داود.

2955 - (5) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ حلفَ فقال: إنِّي بَريءٌ مِنَ الإسلام، فإنْ كان كاذِباً فهو كما قال، وإنْ صادقاً فلَنْ يرجعَ إلى الإسْلامِ سالماً".
رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما" (1).

2956 - (6) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ حلَف على يمينٍ فهو كما حلَف؛ إنْ قال: هو يهوديٌّ؛ فهو يهَوديٌّ، وإنْ قال: هو نَصرانيٌّ؛ فهو نَصرانيٌّ، وإن قال: هو بريءٌ مِنَ الإسْلامِ؛ فهو بريءٌ مِنَ الإسْلامِ، ومَنْ دَعى دعاءَ الجاهِلِيَّةِ، فإنَّه مِنْ جُثا (2) جهنَّم".
قالوا: يا رسولَ الله! وإنْ صامَ وصلَّى؟ قال:
__________
(1)
قلت: فاته النسائي؛ فإنه أخرجه في "الأيمان والنذور" من "سننه".
(2)
قال في "النهاية": " (الجُثا) جمع (جثوة) بالضم: وهو الشيء المجموع".

(3/131)


"
وإنْ صامَ وصلّى".
رواه أبو يعلى والحاكم -واللفظ له- وقال:
"
صحيح الإسناد". كذا قال.

2957 - (7) [
صحيح] وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ حلَف بِملَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كَاذِباً؛ فهو كما قالَ. . .".
رواه البخاري ومسلم في حديث، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. [مضى بتمامه 21 - الحدود/ 10].

(3/132)


27 - (
الترهيب من احتقار المسلم، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى).
2958 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
المسْلمُ أخو المسْلم، لا يَظْلِمُه، ولا يَخْذُلهُ، ولا يَحْقِرُه، التَّقْوى ههُنا، التَقْوى ههُنا، التَقْوى ههُنا، -ويشيرُ إلى صدْره [ثلاث مرات] (1) -، بحَسْبِ امْريء مِنَ الشرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ المسْلمِ على المسْلمِ حَرامٌ؛ دَمُه وعِرْضُه ومَالهُ".
رواه مسلم وغيره.

2959 - (2) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يدخُل الجنَّةَ مَنْ في قلْبِه مثقالُ ذَرَّة مِنَ كِبْرٍ".
فقال رجلٌ: إن الرجلَ يحبَّ أنْ يكونَ ثَوْبُه حَسناً ونَعْلُه حَسناً؟ فقال:
"
إن الله تعالى جَميلٌ يحِبُّ الجمالَ، الكِبْرُ بَطرُ الحَقِّ، وغَمْطُ الناسِ".
[
صحيح لغيره] رواه مسلم والترمذي والحاكم؛ إلا أنه قال:
"
ولكِنَّ الكِبرَ مَنْ بطَر الحَقِّ، وازْدَرى الناسَ".
وقال الحاكم:
"
احتجا برواته".
(
بطَر الحقِّ): دَفْعهُ وردُّه.
و (غَمْطُ الناسِ) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم؛ كما جاء مفسراً عند الحاكم. [مضى هنا/ 22].
__________
(1)
زيادة من مسلم. انظر "الضعيفة" (6906).

(3/133)


2960 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا سمعتَ الرجلَ يقول: (هَلَك الناسُ)، فهو أَهْلَكُهم".
رواه مالك ومسلم (1)، وأبو داود وقال (2):
"
قال أبو إسحاق: سمعته بالنصب والرفع، ولا أدري أيهما قال. يعني بنصب الكاف من (أهلكهم) أو رفعها".
وفسره مالك: "إذا قال ذلك معجباً بنفسه مزدرياً بغيره فهو أشد هلاكاً منهم، لأنه لا يدري سرائر الله في خلقه" انتهى.

2961 - (4) [
صحيح] وعن جُنْدُبِ بْنِ عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال رجلٌ: والله لا يَغْفِرُ الله لِفُلانٍ، فقالَ الله عزَّ وجلَّ: مَنْ ذا الَّذي يَتأَلَى عَليَّ أنْ لا أغْفِرَ له؟ إنِّي قد غَفَرْتُ له، وأحْبَطْتُ عَملكَ".
رواه مسلم.

2962 - (5) [
صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أنْسابَكُم هذه ليسَتْ بِسِبابٍ على أحَدٍ، وإنَّما أنْتُم وَلدُ آدَم، طَفُّ الصَّاعِ (3) لَمْ تَمْلؤُوه، ليسَ لأَحدٍ فَضْلٌ عَلى أحَدٍ إلا بالدِّينِ، أو عَملٍ صَالِحٍ،
__________
(1)
قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (759) من طريق مالك، وهو في "الموطأ" (3/ 251) وعنه الآخرون، لكن له عند مسلم (2623) متابع.
(2)
قلت: يعني أبا داود كما هو ظاهر، وهو خطأ، فإن قول أبي إسحاق المذكور لم يرد في "سنن أبي داود"، وإنما في "صحيح مسلم" عقب الحديث، ولفظه: "قال أبو إسحاق: لا أدري (أهلكَهم) بالنصب أو (أهلكُهم) بالرفع". وأبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد راوي "صحيح مسلم". أفاده الناجي.
(3)
بفتح الطاء المهملة وتشديد الفاء: هو أن يقرب أن يمتلئ فلا يفعل، قاله الناجي. وفي "النهاية": "والمعنى: كلكم في الانتساب إلى أب واحد بمنزلة واحدة في النقص والتقاصر عن غاية التمام، وشبههم بالكيل الذي لم يبلغ أن يملأ المكيال".

(3/134)


[
حسْبُ الرجل أنْ يكون فاحشاً بذيّاً، بخيلاً، جباناً] (1) ".
رواه أحمد والبيهقي؛ كلاهما من رواية ابن لهيعة (2). ولفظ البيهقي قال:
"
ليسَ لأَحَدٍ على أَحَدٍ فَضْلٌ إلا بِالدِّينِ أو عَملٍ صَالحٍ. حَسْبُ الرجلِ أنْ يكونَ فاحِشاً بذيّاً بَخِيلاً".
وفي رواية له:
"
ليسَ لأَحَدٍ على أحَدٍ فضْلٌ إلا بِدِينٍ أوْ تَقْوىً، وكَفى بالرجلِ أنْ يكونَ بَذيّاً فاحِشاً بَخيلاً".
قوله: (طفُّ الصَّاعِ) بالإضافة، أي: قريب بعضكم من بعض.

2963 - (6) [
حسن لغيره] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:
"
انظر! فإنَّك لسْتَ بِخَيْرٍ مِنْ أحْمَر ولا أسْودَ، إلا أن تَفْضُلَهُ بِتَقْوى".
رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون، إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر.

2964 - (7) [
صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أوْسَطِ أيَّامِ التشْرِيقِ خُطْبَةَ الوَداعِ فقال:
"
يا أيُّها النَّاسُ! إنَّ ربَّكُمْ واحِدٌ، وإنَّ أباكُمْ واحِدٌ، ألا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ على عَربيٍّ، ولا لأَحْمرَ على أسْوَدَ، ولا لأَسْودَ على أحْمرَ؛ إلا بِالتقْوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ألا هَلْ بلَّغْت؟ ".
قالوا: بَلى يا رسولَ الله. قال:
__________
(1)
زيادة من "المسند" (4/ 145)، وكذا الطبراني (17/ 295/ 814).
(2)
قلت: لكن رواه عنه ابن وهب في "الجامع"، وهو صحيح الحديث عنه كما ذكر غير ما واحد من الحفاظ، وقد خرجته في "الصحيحة" (1038)، وعزاه في "منهاج السنة" (4/ 201) لأبي داود، وما أظنه إلا وهماً.

(3/135)


"
فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"، ثم ذكرَ الحديثَ في تحريمِ الدماءِ والأمْوالِ والأعْراضِ.
رواه البيهقي وقال:
"
في إسناده بعض من يجهل" (1).
[
صحيح] وتقدم في أول "كتاب العلم" [3/ 1] حديث أبي هريرة الصحيح، وفيه:
"
مَنْ بَطَّأَ به عَملُه؛ لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُه".

2965 - (8) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ أذْهَبَ عنكُم عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ وفَخْرَها بالآباءِ، الناسُ بَنو آدَم، وآدَمُ مِنْ تُرابٍ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وفاجِرٌ شَقِيٌّ، لَينتَهُنَّ أقْوامٌ يَفْتَخِرونَ برجالٍ إنَّما هم فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جهَنّمَ، أوْ لَيكونُنَّ أهْونَ على الله مِنَ الجِعْلانِ (2)؛ التي تَدفَعُ النَّتَن بأُنُفها".
رواه أبو داود والترمذي -وحسَّنه، وتقدم لفظه، [هنا/ 22]- والبيهقي بإسناد حسن أيضاً، واللفظ له. وتقدم معنى غريبه في "الكِبر" [هناك في آخره].
__________
(1)
قلت: يشير إلى شيبة أبي قلابة، لكن رواه أحمد وغيره من غير طريقه، وهو مخرج في "الصحيحة" (2700).
(2)
بكسر أوله وإسكان ثانيه، وهو جمع (الجُعَل) مثل: صُرَد وصِرْدان، ونُغَر ونِغْران. كذا في "العجالة". وبلفظ المفرد وقع في رواية الترمذي المتقدمة. وهو دويبة أرضية كما سبق من المؤلف (ص 111).

(3/136)


28 - (
الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق، وغير ذلك مما يذكر).
2966 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الإيمانُ بِضْعٌ وستُّونَ أو سَبْعونَ شُعْبةً، أدْناها إماطَةُ الأَذى عنِ الطريقِ، وأرْفَعُها قولُ: "لا إلهَ إلا الله".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(
أَمَاطَ) الشيء عن الطريق؛ نحّاه وأزاله.
والمراد بـ (الأذى): كل ما يؤذي المار كالحجر والشوكة والعظم والنجاسة، ونحو ذلك.

2967 - (2) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عُرِضَتْ عليَّ أعمالُ أُمَّتي حَسنُها وسيِّئُها، فوجَدْتُ في محاسِنِ أعمالِها الأَذَى يُماطُ عَنِ الطريقِ، ووجدْتُ في مساوِئ أعْمالِها النُّخَامَةُ تكونُ في المسْجِدِ لا تُدْفَنُ".
رواه مسلم وابن ماجه.

2968 - (3) [
صحيح] وعن أبي بَرْزةَ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا نبيَّ الله! إنِّي لا أدْري نَفْسي تَمْضي أَوْ أبْقَى بَعْدَكَ؛ فَزوِّدْني شيْئاً ينْفَعُني الله بِهِ، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
افعلْ كَذا، افعَلْ كَذا، وأمِرّ الأَذَى عنِ الطريقِ".
وفي رواية:
قال أبو برزة:
قلت: يا نبيَّ الله! عَلِّمْني شيْئاً أَنْتَفعُ بِه، قال:
"
اعْزِلِ الأَذى عَنْ طريقِ المسْلمِينَ".

(3/137)


رواه مسلم وابن ماجه.

2969 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلُّ سُلامى مِنَ الناسِ عليهِ صَدقَةٌ كُلَّ يوم تَطْلُع فيهِ الشمْسُ؛ يَعْدِلُ بينَ الاثْنَيْنِ صدَقةٌ، ويُعينُ الرجلَ في دابَّتِهِ فيَحْمِلُهُ عليها، أوْ يَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صدقَةٌ، والكَلمةُ الطيِّبَةُ صدَقةٌ، وبِكُلِّ خُطْوَةٍ يَمْشيها إلى الصلاةِ صدَقةٌ، ويُميطُ الأَذى عنِ الطريقِ صدَقةٌ".
رواه البخاري (1) ومسلم.

2970 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليْسَ مِنْ نَفْسِ ابْنِ آدم إلا عَليْها صدَقَةٌ في كلِّ يومِ طلَعتْ فيهِ الشمسُ".
قيل: يا رسولَ الله! مِنْ أيْنَ لنا صدَقةٌ نتصَدَّقُ بها كلَّ يومٍ؟ فقال:
"
إنَّ أبْوابَ الخيرِ لَكثيرَةٌ: التسبيحُ والتحميدُ والتكبيرُ والتهليلُ، والأمْرُ بالمعروفِ، والنهيُ عَنِ المنكَرِ، وتُميطُ الأَذى عَنِ الطريقِ، وتُسْمعُ الأصَمَّ، وتَهدِي الأعْمى، وتَدُلُّ المسْتَدِلَّ على حاجَتِه، وتَسْعَى بِشِدَّةِ ساقَيْكَ معَ اللهْفانِ المسْتَغيثِ، وتَحمِلُ بشِدَّةِ ذِراعَيْكَ معَ الضعيف؛ فهذا كلُّه صدَقة مِنْكَ على نفْسكَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مختصراً (2).
[
صحيح لغيره] وزاد (3) في رواية:
__________
(1)
في "الجهاد - باب من أخذ بالركاب ونحوه"، والسياق له، ومسلم في "الزكاة" (رقم - 56).
(2)
قلت: عزوه لأحمد (5/ 168) أولى لأن إسناده صحيح وأعلى، ومتنه أتم، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي نحوه وحسنه، وهو مخرج في "الصحيحة" (575).
(3)
كذا الأصل بصيغة الإفراد أي البيهقي، ولعل الصواب (وزادا)، فقد رواها ابن حبان أيضاً (864 و865)، ورقم الرواية الأولى (862).

(3/138)


"
وتَبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ صدقَةٌ، وإماطَتُكَ الحَجَر والشوْكَةَ والعَظْمَ عنْ طريقِ النَّاسِ صَدقةٌ، وهديُكَ الرجُلَ في أرضِ الضالَّةِ لكَ صَدقةٌ".

2971 - (6) [
صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
في الإنْسانِ ستُّونَ وثَلاثُمائةِ مِفْصَلٍ، فعَليْهِ أنْ يتَصدَّقَ عَنْ كلِّ مِفْصَلٍ منها صدقَةً".
قالوا: فَمنْ يُطيقُ ذلك يا رسولَ الله؟ قال:
"
النُّخاعَةُ في المسْجِد تَدْفِنُها، والشيءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطريقِ، فإنْ لَمْ تَقْدِرْ فركْعَتا الضُّحى تُجزي عَنْكَ".
رواه أحمد -واللفظ له- وأبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

2972 - (7) [
حسن لغيره] وعن المستنير بن أخضر بن معاوِيةَ عن أبيه قال:
كنتُ معَ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ رضي الله عنه في بعضِ الطُّرُقاتِ، فمَررْنا بأَذىً، فأَماطَ أو نَحَّاهُ عنِ الطريقِ، فرأيْتُ مِثْلَهُ، فأخَذْتُه فنَحَّيْتُه، فأخَذَ بيَدي وقال:
يا ابْنَ أَخي! ما حَمَلك على ما صَنَعْتَ؟ قلتُ: يا عَمِّ! رأيْتُك صَنَعْتَ شَيْئاً فصَنَعْتُ مثلَهُ. فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ أماطَ أذىً مِنْ طريقِ المسْلمينَ؛ كُتِبَتْ له حسنَةٌ، ومَنْ تُقُبِّلَتْ منهُ حَسنَة؛ دخَل الجَنَّةَ".
رواه الطبراني في "الكبير" هكذا.
ورواه البخاري في "كتاب الأدب المفرد"، فقال: "عن المستنير بن أخضر بن معاوية ابن قرة عن جده".
(
قال الحافظ): "وهو الصواب".

(3/139)


2973 - (8) [
حسن] وعن أبي شيبة الهروي قال:
كان معاذٌ يمشي ورجلٌ معَهُ، فَرفَع حَجراً مِنَ الطريقِ فقال: ما هذا؟ فقال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
مَنْ رفَع حَجراً مِنَ الطريقِ؛ كتِبَتْ له حَسنَةٌ، ومَنْ كانَتْ له حَسنَةٌ؛ دَخَل الجَنَّةَ".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.

2974 - (9) [
حسن لغيره] ورواه في "الأوسط" من حديث أبي الدرداء؛ إلا أنَّه قال:
"
مَنْ أخْرجَ مِنْ طريقِ المسْلمِين شَيْئاً يُؤذِيهِمْ، كتَب الله لَه بِه حَسنَةً، ومَنْ كتَب لهُ عِنْدَهُ حَسنَةً أدْخَلَهُ بِها الجنَّةَ".

2975 - (10) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
خُلِقَ كلُّ إنسان منْ بني آدَم على ستِّينَ وثلاثِمِائَةِ مِفْصَلٍ، فَمَنْ كَبَّر الله، وحَمِدَ الله، وهَلَّلَ الله، وسبَّحَ الله، واسْتَغْفَر الله، وعَزَلَ حَجراً عَنْ طرِيقِ المسْلمِينَ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْماً عَنْ طريقِ المسْلمِينَ، وأمرَ بمعْروفٍ، أو نَهى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَد تلْكَ الستينَ والثلاثِمِائَةِ؛ فإنَّه يُمْسي يَوْمَئذٍ وقد زَحْزَحَ نفْسَه عنِ النارِ". قال أبو توبة وربما قال: "يمشي". يعني بالمعجمة.
رواه مسلم والنسائي.

2976 - (11) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
بينما رجلٌ يَمشي بِطريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شوْكٍ، فأخَّرهُ؛ فشكَر اللهُ له، فَغفَرَ لهُ".
رواه البخاري ومسلم.

(3/140)


[
صحيح] وفي رواية لمسلم قال:
"
لقد رأيتُ رجلاً يتقَلَّبُ في الجنَّةِ في شَجرةٍ قطَعها مِنْ ظَهْرِ الطريقِ، كانَتْ تُؤْذي المسْلمِينَ".
وفي أخرى له:
"
مَرَّ رجلٌ بِغُصْنِ شجَرةٍ على ظَهْرِ الطريقِ، فقالَ: والله لأُنَحِّيَنَّ هذا عنِ المسْلمِينَ؛ لا يُؤذيهِم، فأُدْخِلَ الجنَّةَ".
[
حسن صحيح] ورواه أبو داود ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نَزعِ رجلٌ لَمْ يَعْملْ خَيراً قَطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَريقِ -إمَّا قال: "كانَ في شجرةٍ فَقطَعهُ [فألقاه]، وإمّا: -كان مَوْضوعاً فأماطَهُ؛ فشكرَ الله ذلك لَه، فأدْخَلهُ الجنَّةَ".

2977 - (12) [
حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
كانَتْ شَجرةٌ تُؤْذي الناسَ، فأتاها رجلٌ فَعزَلها عَنْ طريقِ الناسِ، قال:
قال نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
فلقد رأيْتُه يتقلَّبُ في ظِلِّها في الجَنَّةِ".
رواه أحمد وأبو يعلى، ولا بأس بإسناده في المتابعات.

(3/141)


29 - (
الترغيب في قتل الوزغ، وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر).
2978 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ قَتلَ وزَغَةً في أوَّلِ ضرْبةٍ فلَهُ كذا وكذا حَسنةً، ومَنْ قتَلها في الضربَةِ الثانيةِ فلَهُ كَذا وكَذا حسنةً؛ لِدونِ الحسَنةِ الأولى، ومَنْ قَتلها في الضربَةِ الثالِثَةِ، فلَهُ كذا وكذا حسنةً؛ لِدونِ الثانِيَةِ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم:
"
مَنْ قتلَ وزغاً في أوَّلِ ضرْبَةٍ كُتِبَتْ له مئَةُ حَسنةٍ، وفي الثانية دونَ ذلك، وفي الثالِثَةِ دونَ ذلِكَ. (1)
(
الوَزَغُ): الكبار من سام أبرص.

2979 - (2) [
صحيح لغيره] وعن سائِبَةَ مولاةِ الفاكهِ بْنِ المغيرة:
أنَّها دخَلتْ على عائِشةَ رضي الله عنها فَرأَتْ فى بَيْتِها رُمْحاً موضوعاً، فقالتْ: يا أمَّ المؤمنينَ! ما تصْنَعينَ بِهذا؟
قالَتْ: أقْتُل به الأَوْزاغَ؛ فإنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخْبرَنا:
__________
(1)
قال المؤلف عقبها: "وفي أخرى لمسلم وأبي داود أنه قال:
"
في أول ضربة سبعين حسنة".
(
قال الحافظ): "وإسناد هذه الرواية الأخيرة منقطع؛ لأن سهيلاً قال: حدثتني أختي عن أبي هريرة. وفي بعض نسخ مسلم: (أخي)، وعند أبي داود: (أخي أو أختي) على الشك. وفي بعض نسخ: (أخي وأختي) بواو العطف، وعلى كل تقدير فأولاد أبي صالح -وهم سهيل وصالح وعباد وسودة- ليس منهم من سمع من أبي هريرة، وقد وجد في بعض نسخ "مسلم" في هذه الرواية: قال سهيل: حدثني أبي؛ كما في الروايتين الأوليين. وهو غلط. والله أعلم".

(3/142)


"
أنَّ إِبْراهيمَ عليه السلامُ لما أُلْقِيَ في النارِ لَمْ تكُنْ دابَّةٌ في الأرضِ إلا أطْفأَتِ النارَ عنهُ غيرَ الوَزَغِ؛ فإنَّه كان يَنْفُخ عليهِ، فأمَر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقَتْلِهِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والنسائي بزيادة.

2980 - (3) [
صحيح] وعن أم شريك رضي الله عنها:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بقتْلِ الأوْزاغِ، وقال:
"
كان يَنْفخُ على إبْراهيمَ".
رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي باختصار ذكر النفخ.

2981 - (4) [
صحيح] وعن عامر بن سعدٍ عن أبيه رضي الله عنه:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بقَتْلِ الوزَغِ، وسمَّاهُ فُوَيْسِقاً.
رواه مسلم وأبو داود.

2982 - (5) [
صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اقْتُلوا الحيَّاتِ كلَّهُنَّ، فمَنْ خافَ ثأرهُنَّ فليسَ مِنِّي".
رواه أبو داود والنسائي والطبراني بأسانيد رواتها ثقات؛ إلا أن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود لم يسمع من أبيه.

2983 - (6) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما سالَمْناهُنَّ منذُ حارَبْناهُنَّ -يعني الحيَّاتِ-، ومَنْ تركَ قَتْلَ شيْءٍ مِنْهُنَّ خِيفَةً؛ فليسَ مِنَّا".
رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه".

(3/143)


2984 - (7) [
صحيح لغيره] وعن ابْن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ تَركَ الحيَّاتِ مخافَة ظُلْمِهِنَّ؛ فليسَ مِنَّا، ما سالَمْناهُنَّ منذُ حارَبْناهُنَّ".
رواه أبو داود، ولم يجزم موسى بن مسلم -راويه- بأن عكرمة رفعه إلى ابن عباس.

2985 - (8) [
صحيح] ويروى عن ابن عباسٍ:
"
الجِنَّانُ مَسْخُ الجنِّ، كما مُسِخَتِ القِردَةُ مِنْ بني إسْرائيلَ" (1).

2986 - (9) [
صحيح] وعن نافعٍ قال:
كان ابنُ عُمَر يقتل الحيَّاتِ كلُّهُنَّ حتى حدَّثنا أبو لُبابَة:
"
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنْ قَتْلِ جِنّانِ البيُوتِ"، فأمْسكَ.
رواه مسلم.
[
صحيح] وفي رواية له [و] (2) لأبي داود: قال أبو لبابة: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نهى عن قتْلِ الجِنَّانِ التي تكونُ في البيُوتِ، إلا الأبْترَ وذا الطُّفْيَتَيْنِ (3) فإنَّهما اللَّذان يخْطُفانِ البصَرَ، وُيتبعانِ ما في بطونِ النساءِ".

2987 - (10) [
صحيح] وعن أبي السائب:
أنَّه دخلَ على أبي سعيدٍ الخدْريِّ في بيْتِه، قال: فوجَدْتُه يصلِّي، فجلَسْتُ أنْتَظِرُه حتى يَقْضِيَ صلاتَهُ، فسمعْتُ تحريكاً في عَراجينَ (4) في
__________
(1)
قلت: رواه أحمد بسند صحيح عنه موقوفاً، وقد صح عنه مرفوعاً. وهو مخرج في "الصحيحة" (1824).
(2)
سقطت من الأصل، ومع ظهوره لم يتنبه له المعلقون الثلاثة مع عزوهم الحديث لمسلم (2233) وأبي داود (5253) بالأرقام، مما يؤكد أنهم ينقلونها لإيهام القراء أنهم يحققون، ولا شيء منه البتة! هداهم الله.
(3)
يأتي تفسيره بعد حديث.
(4)
جمع (العرجون): وهو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. كما في "النهاية".
وقال: أراد بها الأعواد التي في سقف البيت، شبهها بالعراجين.

(3/144)


ناحيَةِ البيْتِ، فالتفتُّ فإذا حيَّةٌ، فوثَبْتُ لأقْتُلَها، فأشارَ إليَّ أنِ اجْلِسْ فجلَسْتُ، فلمَّا انْصرَف أشارَ إلى بيْتٍ في الدارِ فقالَ: أترى هذا البيْتَ؟ فقلتُ: نعم. قال:
كان فيهِ فتىً منَّا حديثُ عهد بعُرْسٍ، قال: فخرجْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الخَنْدَقِ، فكانَ ذلك الفتَى يسْتَأْذِنُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنْصافِ النهارِ فيرجعُ إلى أهْلِه، فاسْتأْذَنُه يَوْماً، فقالَ لَهُ:
"
خُذْ عليكَ سِلاحَكَ، فإنِّي أخْشَى عليك قرَيْظَةَ".
فأخذَ الرجلُ سِلاحَهُ ثمَّ رَجَع، فإذا امْرأَتُه بينَ البابَيْن قائِمةً، فأهْوى إلَيْها بالرُّمْحِ لِيَطْعَنها به، وأصابَتْهُ غَيْرة، فقالَتْ له: اكفُفْ علَيْكَ رُمْحَك، وادْخُلِ البَيْتَ حتى تَنْظُرَ ما الَّذي أخْرَجَني، فدَخَل فإذا بحَيَّةٍ عَظيمَةٍ مَنْصوبَةٍ على الفراشِ، فأهْوى إليْها بالرُّمْحِ، فانْتَظمها بِهِ ثُمَّ خَرج، فَركزَهُ في الدارِ، فاضْطَربَتْ عليهِ، فما يُدْرى أيُّهمَا كانَ أسْرَع مَوْتاً الحيَّةُ أَمِ الفَتى.
قال: فجئْنا رَسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذَكرْنا ذلك له، وقُلْنا: ادْعُ الله أنْ يُحْيِيَهُ لَنا. فقال:
"
اسْتَغْفِروا لِصاحِبِكُم". ثُمَّ قال:
"
إنَّ بالمدينَة جِنّاً قدْ أسْلَموا، فإذا رأيْتُم منهُمْ شَيْئاً فآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فإنْ بَدا لَكُمْ بعدَ ذلك فاقْتُلوه، فإنَّما هو شَيْطانٌ".
وفي رواية نحوه وقال فيه: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ لهذهِ البيوتِ عَوامِرَ، فإذا رأيْتُم مِنْها شَيْئاً فَحرِّجُوا عليها ثَلاثاً، فإنْ ذَهَب، وإلا فاقْتُلوهُ فإنَّهُ كافِرٌ". وقال لهم:
"
اذْهَبوا فادْفِنوا صاحِبَكُمْ".
رواه مالك ومسلم وأبو داود.

(3/145)


2988 - (11) [
صحيح] وعنِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما:
أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطُبُ على المنبَرِ يقولُ:
"
اقْتلوا الحيَّاتِ، واقْتُلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبْتَر، فإنَّهما يَطْمِسَان البَصَر، ويُسْقِطانِ الحَبَل".
قال عبد الله: فبَيْنا أنا أُطارِدُ حَيَّةً أقْتُلها ناداني أبو لُبَابَة: لا تَقْتُلْها. فقلْتُ:
"
إنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَرَ بقَتْلِ الحيّاتِ". قال:
"
إنَّه نَهى بعد ذلكَ عَنْ ذاوتِ البُيوتِ، وهُنَّ العَوامِرُ".
رواه البخاري ومسلم.
ورواه مالك وأبو داود والترمذي بألفاظ متقاربة.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمُرُ بقَتْلِ الكِلاب يقول:
"
اقْتُلوا الحيَّاتِ والكِلابَ، واقْتلُوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبْتَر، فإنَّهما يَلْتَمسَان البَصَر، وَيَسْتَسْقِطان الحُبالى".
-
قال الزهري: ونُرى ذلك من سُمَّيْهِما والله أعلم- قال سالم: قال عبدُ الله بنُ عُمَرَ: فلبِثْتُ لا أتْركُ حيَّةً أراها إلا قتلْتُها، فبينا أنا أطارِدُ حَيَّةً يوماً مِنْ ذواتِ البيُوتِ مَرَّ بي زيدُ بْنُ الخطَّابِ أوْ أبو لُبابَةَ وأنا أطارِدُها، فقال: مَهْلاً يا عبد الله! فقلتُ:
"
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بِقَتْلِهِنَّ". قال:
"
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عنْ ذَواتِ البُيوتِ".
[
صحيح] وفي رواية لأبي داود قال:

(3/146)


إنَّ ابْنَ عمر وَجَد بعد ما حدَّثَهُ أبو لُبابَة حيَّةً في دارِه، فأمَر بِها فأُخْرِجَتْ إلى البَقيع. قال نافعٌ: ثُمَّ رأيتُها بعدُ في بَيْتِهِ.
(
الطُّفْيَتَانِ) بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء: هما الخطان الأسودان في ظهر الحية.
وأصل (الطفية): خُوْصَةُ المُقْل (1)، شبه الخطين على ظهر الحية بخوصتي المُقل. وقال أبو عمر النمري:
"
يقال: إن ذا الطفيتين جنس يكون على ظهره خطان أبيضان".
و (الأَبْتَرُ): هو الأفعى. وقيل: جنس أبتر كأنه مقطوع الذنب. وقيل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب إذا نظرت إليه الحامل ألقت. قال النضر بن شميل. وقوله:
" (
يلتمسان البصر) معناه: يطمسانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله فيهما".
(
قال الحافظ):
"
قد ذهب طائفة من أهل العلم إلى قتل الحيات أجمع؛ في الصحارى والبيوت بالمدينة وغير المدينة، ولم يستثنوا في ذلك نوعاً ولا جنساً ولا موضعاً، واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة كحديث ابن مسعود المتقدم وأبي هريرة وابن عباس.
وقالت طائفة: تقتل الحيات أجمع إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها، فإنهن لا يقتلن، لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات.
وقالت طائفة: تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها، فإن بَديْنَ بعد الإنذار قُتِلْنَ، وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار.
__________
(1)
في اللسان: "و (المقل) حمل (الدَّوم)، واحدته فعلة، و (الدوم): شجرة تشبه النخلة في حالاتها".

(3/147)


وقال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد. واستدل هؤلاء بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ لهذه البُيوتِ عوامِرَ، فإذا رأيْتُم منها شَيْئاً فحرِّجوا عليها ثلاثاً فإنْ ذَهَب وإلا فَاقْتُلوهُ".
واختار بعضهم أن يقول لها ما ورد في حديث أبي ليلى المتقدم (1).
وقال مالك: يكفيه أن يقول: أُحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا ولا تؤذينا.
وقال غيره: يقول لها أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع.
وقالت طائفة: لا تنذر إلا حيات المدينة فقط؛ لما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم من إسلام طائفة من الجن بالمدينة، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت فتقتل من غير إنذار، لأنا لا نتحقق وجود مسلمين من الجن ثَمَّ، ولقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خَمسٌ مِنَ الفَواسِقِ تُقْتَلُ في الحِلِّ والحَرمِ". وذكر منهن الحية.
وقالت طائفة: يقتل الأبتر وذو الطفيتين من غير إنذار، سواء كن بالمدينة وغيرها لحديث أبي لبابة: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نَهى عنْ قتْلِ الجِنَّانِ التي تكون في البُيوتِ، إلا الأَبْتَر وذَا الطُّفْيَتَيْنِ".
ولكل من هذه الأقوال وجه قوي، ودليل ظاهر. والله أعلم".

2989 - (12) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ نَملةً قرصَتْ نبيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ، فأَمر بقَرْيةِ النَّمْلِ فأُحْرِقَتْ، فأَوْحَى الله إليه [أ] في أنْ قَرَصَتْكَ نَمْلةٌ أحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأمَمِ تُسَبِّحُ؟! ".
(
زاد في رواية:)
"
فَهَلا نَملَةً واحِدَةً؟ ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
__________
(1)
قلت: هو في "الضعيف"، فراجعه في هذا الباب، فيكتفى بالتخريج المذكور في الحديث الصحيح رقم (10 - هنا).

(3/148)


وفي رواية لمسلم وأبي داود: قال:
"
نزَلَ نبيٌّ مِنَ الأَنْبياءِ تَحْتَ شَجرةٍ، فلَدغَتْهُ نَمْلةٌ، فأمر بِجِهَازِهِ فأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِها، ثُمَّ أَمر فأُحْرِقَتْ، فأَوْحى الله إليهِ: هلا نَملةً واحِدةً؟ ".
(
قال الحافظ): "قد جاء من غير ما وجه أن هذا النبي هو عزير عليه السلام. وفي قوله:
(
فهلا نملة واحدة) دليل على أن التحريق كان جائزاً في شريعتهم، وقد جاء في خبر (1):
"
أنَّه مرَّ بِقَرْيَةٍ أوْ بمدينَةٍ أهْلكَها الله تعالى فقال: يا ربِّ كانَ فيهِمْ صِبْيانٌ ودَوابٌّ ومَنْ لَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْباً، ثُمَّ إنَّهُ نَزلَ تحْتَ شَجَرةٍ، فجَرتْ بِهِ هذه القِصَّةُ التي قدَّرهَا الله على يَديْهِ، تَنْبيهاً له على اعتِراضِه على بَديعِ قُدْرَةِ الله وقَضائه في خَلْقِهِ، فقال: إنَّما قَرصَتْكَ واحِدَةٌ فهلا قَتلْتَ واحِدةً؟ ".
وفي الحديث تنبيه على أن المنكر إذا وقع في بلد لا يؤمَن العقاب العام".

2990 - (13) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
"
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنْ قتلِ أرْبعٍ مِنَ الدوابِّ: النملةِ، والنحْلَةِ، والهُدْهُدِ، والصُّرَدِ".
رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".
(
الصُّرَدُ) بضم الصاد المهملة وفتح الراء: طائر معروف ضخم الرأس والمنقار، له ريش (2) عظيم نصمه أبيض ونصفه أسود.
__________
(1)
قلت: ما أراه إلا من الإسرائيليات، وقد حكى الحافظ في "الفتح" (6/ 255) قولين في اسم المذكور، قيل هو العزير. وروى الحكيم الترمذي أنه موسى عليه السلام.
قال الحافظ: وبذلك جزم الكلاباذي في "معاني الأخبار"، والقرطبي في "التفسير".
قلت: ولا وجه للجزم بشيء من ذلك ما دام أنه غير مرفوع، فتنبه. ثم أشار الحافظ إلى تضعيف هذا الخبر بقوله: "ويقال: إن لهذه القصة سبباً، وهو أن النبي مر. . فذكره".
(2)
قال الناجي (201/ 2): "كذا وجد هنا، وكذا في "حواشي السنن" له، وهو تصحيف، وإنما هو: (له برثُن) بضم الموحدة والمثلثة بينهما مهملة ساكنة، وآخره نون. قال الأصمعي: (البراثن) من السباع والطير، وهي بمنزلة الأصابع من الإنسان، قال: و (المخلب): ظفر البرثن".

(3/149)


(
قال الخطابي): "أما نهيه عن قتل النمل، فإنما أراد نوعاً منه خاصاً، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال؛ لأنها قليلة الأذى والضرر. وأما النحلة فلما فيها من المنفعة، وأما الهدهد والصرد، فإنما نهى عن قتلهما لتحريم لحمهما، وذلك أن الحيوان إذا نُهِيَ عن قتله ولم يكن ذلك لحرمة ولا لضرر فيه، كان ذلك لتحريم لحمه".

2991 - (14) [
صحيح] وعن عبد الرحمن بن عثمان (1) رضي الله عنه:
"
أنَّ طبيباً سأل النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضِفْدعٍ يَجْعَلُها في دَواءٍ؟ فَنهاهُ عَنْ قَتْلِها".
رواه أبو داود والنسائي.
(
قال الحافظ):
"
الضفدع بكسر الضاد والدال؛ وفتح الدال ليس بجيد. والله أعلم".
__________
(1)
الأصل: (بن عبادة)، قال الناجي: "وهو تصحيف قبيح بلا شك، وإنما هو ابن عثمان ابن عبيد الله القرشي التيمي ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة".

(3/150)


30 - (
الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة، والترهيب من إخلافه، ومن الخيانة والغدر وقتل المعاهد أو ظلمه).
2992 - (1) [
صحيح لغيره] عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تَقَبَّلُوا إليَّ ستّاً أتَقبَّلْ لكمُ بِالجَنَّةِ: إذا حدَّثَ أحدُكم فلا يكْذِبْ، وإذا وَعد فلا يُخْلِفْ، وإذا ائْتُمِنَ فلا يَخُنْ" الحديث.
رواه أبو يعلى والحاكم والبيهقي. وتقدم في "الصدق" [هنا/ 24 - باب].

2993 - (2) [
صحيح لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اضْمَنوا لي ستّاً أَضْمَنْ لكُم الجَنَّةَ: اصدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأَوفوا إذا وَعَدتُم، وأدُّوا إذا ائْتُمِنْتُم" الحديث.
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي. وتقدم [17 النكاح/ 1].

2994 - (3) [
صحيح] وعن حذيفة قال: حدثنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الأمانَة نَزلَتْ في جَذْرِ قُلوبِ الرجَالِ، ثُمَّ نَزلَ القُرآنُ، فَعَلِموا مِنَ القُرآنِ، وَعَلِموا مِنَ السُنَّةِ".
ثُمَّ حدَّثنا عنْ رَفْع الأمانَةِ؛ فقال:
"
ينامُ الرجَلُ النومَةَ، فَتقْبَضُ الأمانَة مِنْ قَلْبِهِ، فيظَلُّ أَثرُهَا مثلَ الوَكْتِ، ثمَّ ينامُ الرجل النَّومةَ، فتقبضُ الأمانةُ من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل أثر المَجْل، كجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ على رجْلِكَ فنَفِطَ (1)، فتراه مُنْتَبِراً وليسَ فيهِ شيْءٌ، -ثُمَّ
__________
(1)
يقال: (نفطت يده -من باب تعب- نفطاً ونفيطاً): إذا صار بين الجلد واللحم ماء.
وتذكير الفعل المسند إلى (الرِّجل) وكذا تذكير قوله: (فتراه منتبراً) مع أن (الرجل) مؤنثة باعتبار معنى العضو.

(3/151)


أخَذَ حَصاةً فَدَحْرَجَها على رِجْلِه -فيصْبِحُ الناسُ يَتبايَعونَ لا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَة، حتَّى يقالَ: إنَّ في بني فُلان رَجلاً أميناً، حتَّى يقالَ لِلرجُلِ: ما أظْرَفَهُ! ما أعْقَلَهُ! وما في قلبهِ مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ".
رواه مسلم وغيره (1).
(
الجَذْرُ) بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: هو أصل الشيء.
و (الوَكْتُ) بفتح الواو وإسكان الكاف بعدها تاء مثناة: هو الأثر اليسير.
و (المَجْلُ) بفتح الميم وإسكان الجيم: هو تنفط اليد من العمل وغيره.
وقوله: (منتبراً) بالراء، أي: مرتفعاً.

2995 - (4) [
حسن] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
"
القتلُ في سبيلِ الله يكفّرُ الذنوبَ كلَّها، إلا الأمانة". قال:
"
يؤتى بالعبدِ يومَ القيامةِ وإن قُتِلَ في سبيل الله، فيقالُ: أدِّ أمانَتَك، فيقول: أيْ ربِّ! كيف وقد ذهبتِ الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنْطَلَقُ به إلى الهاويةِ، وتُمثَّلُ له أمانتُه كهيئتها يوم دُفِعَتْ إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركَها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظنَّ أنه خارجٌ؛ زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين". ثم قال:
"
الصلاةُ أمانةٌ، والوضوءُ أمانةٌ، والوزنُ أمانةٌ، والكيلُ أمانةٌ -وأشياءُ عدَّدها-، وأشدُّ ذلك الودائع".
__________
(1)
قال الناجي: "وكذا البخاري، لكن ليس عنده دحرجة الحصاة".
قلت: أخرجه كذلك في ثلاثة مواطن: "الرقاق" و"الفتن" و"الاعتصام"، وأخرجه الترمذي (2180) بتمامه وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (5/ 383)، وابن ماجه أيضاً (4053)؛ إلا أنه أوقف جملة الحصاة فقال: "ثم أخذ حذيفة كفاً من حصى فدحرجه على ساقه"، وإسناده صحيح.

(3/152)


قال -يعني زاذان-:
فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال:
كذا، قال: كذا.
قال: صَدَق، أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}؟!
رواه أحمد والبيهقي موقوفاً. [مضى 16 - البيوع/ 19]. (1)
وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في "كتاب الزهد"؛ أنه سأل أباه عنه؟ فقال:
"
إسناده جيد".

2996 - (5) [
صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
خَيْرُكم قَرْني، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكونُ بَعْدَهُم قومٌ يشْهَدُون ولا يُسْتَشْهَدونَ، وَيخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، وَينْذُرون ولا يُوفُونَ، وَيظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ".
رواه البخاري ومسلم.

2997 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
آيةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَب، وإذا وَعَد أخْلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خانَ".
رواه البخاري ومسلم.
وزاد مسلم في رواية:
"
وإنْ صامَ وصلّى وزَعم أنَّهُ مسلمٌ" [مضى هنا/ 24].
__________
(1)
قلت: لم يعزه المصنف هناك لأحمد، ولا ذكر عنه تجويده لإسناده، فاستدركه الناجي ثمة عليه، فكان الأَولى به أن يعزوه إليه، ونقل الثلاثة تجويد الإمام أحمد إياه، ثم تعالوا عليه بجهل بالغ، تقدم بيانه هناك.

(3/153)


2998 - (7) [
حسن لغيره] ورواه أبو يعلى من حديث أنسٍ؛ ولفظه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ فهو مُنافِقٌ، وإنْ صام وصلَّى وحَجَّ واعْتَمَر، وقالَ: إنِّي مسلمٌ" فذكر الحديث. [مضى هناك].

2999 - (8) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كانَتْ فيه خَصْلَةُ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدعَها: إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر".
رواه البخاري ومسلم. [مضى هناك].

3000 - (9) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا جمَع الله الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القِيامَة يُرفَعُ لِكُل غادرٍ لِواءٌ، فقيلَ: هذه غَدْرَة فلانِ ابْنِ فلانٍ (1) ".
رواه مسلم وغيره (2).
__________
(1)
الأصل وكثير من نسخ "مسلم": (فلان بن فلان) بإسقاط ألف (ابن) وهو خطأ، لأنه إنما تسقط بين اسمين علمين. قال الناجي (202/ 1): "هذا أحد المواضع التي لا تحذف فيها الألف من (ابن) كتابة، ومنه حديث الصعود بالروح فيقولون: فلان ابن فلان، وكذلك الكريم ابن الكريم ابن الكريم. . . يؤتى بالألف في (ابن) من الأربعة بخلاف تتمة الحديث المذكور: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإنها تحذف إلا أن تقع (ابن) أول السطر".
(2)
قلت: ورواه البخاري في مواطن مختصراً ومطولاً أتمها في "الأدب"، لكن ليس عنده ما قبل "يُرفع. . .".

(3/154)


3001 - (10) [
صحيح] وفي رواية لمسلم (1):
"
لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يومَ القِيامَةِ يُعْرَفُ به؛ يُقالُ: هذه غَدْرَةُ فُلانٍ".

3002 - (11) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
اللَّهُم إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الجوعِ؛ فإنَّه بئسَ الضَّجيعُ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الخيانَةِ؛ فإنَّها بئْسَتِ البِطانَةُ".
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

3003 - (12) [
صحيح] وعن يزيد بن شريكٍ قال:
رأيتُ عليّاً رضي الله عنه على المنبَرِ يخطُبُ فسمعتُه يقولُ:
لا والله ما عندنا مِنْ كتابٍ نَقرؤه إلا كتابَ الله، وما في هذه الصحيفَةِ، فَنَشرها، فإذا فيها أسْنانُ الإبِلِ، وأشياءُ مِنَ الجِراحَاتِ، وفيها:
قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ذِمَّةُ المسْلِمِينَ واحِدَةٌ، يَسْعَى بها أَدْناهُمْ، فَمنْ أخْفَر مُسْلِماً فعلَيْهِ لَعْنَةُ الله والملائكَةِ والناسِ أجْمَعينَ، لا يَقْبَلُ الله منهُ يومَ القِيامَةِ عَدْلاً ولا صَرْفاً" الحديث.
رواه مسلم وغيره (2).
يقال: (أَخْفَرَ بالرجل): إذا غدره ونقض عهده.
__________
(1)
هذا يوهم أنها من حديث ابن عمر أيضاً، وإنما هي من حديث ابن مسعود، كما قال الناجي (202/ 1)، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً، وهي عند البخاري أيضاً في آخر "الجزية". وقد خفي هذا والذي قبله على الجهلة المقلدة!
(2)
قلت: بل رواه البخاري مع مسلم وغيرهما كما تقدم في "النكاح" (17/ 8) بأتم مما هنا.

(3/155)


3004 - (13) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
ما خطَبنَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا قالَ:
"
لا إيمانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عهْدَ لَهُ".
رواه أحمد والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"
خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال في خطْبَتِه" فذكر الحديث.
ورواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" من حديث ابن عمر، وتقدم. (1)

3005 - (14) [
صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما نقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلا كانَ القتْل بيْنَهُم، ولا ظَهرتِ الفَاحِشَةُ في قوْمٍ إلا سُلِّطَ عليهِمُ الموتُ، ولا مَنَع قومٌ الزكاة إلا حُبِسَ عنهمُ القَطْرُ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 21 - الحدود/ 8].

3006 - (15) [
حسن] وعن صفوان بن سليمِ عن عِدَّةٍ مِنْ أبْناءِ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ آبائهم [دِنْيةً] (2)؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
" [
ألا] مَنْ ظَلَم مُعاهَداً أوِ انْتقَصَهُ، أوْ كلَّفَهُ فوْقَ طاقَتِه، أوْ أخَذ منهُ شَيْئاً بغير طيبِ نَفْسٍ؛ فأنا حَجيجُهُ يَوْمَ القِيامَةِ".
رواه أبو داود، والأبناء مجهولون (3).

3007 - (16) [
حسن] وعن عمرو بن الحمِق رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
أيُّما رجلٍ أمَّنَ رجلاً على دَمِه ثُمَّ قَتَلَه؛ فأنا مِنَ القاتِلِ بَريءٌ، وإنْ كانَ المقْتولُ كافِراً".
__________
(1)
في "الضعيف" (5 - الصلاة/ 13).
(2)
بوزن (قِنْية) منصوبة على المصدرية في موضع الحال، أي: لاصقو النسب.
(3)
قلت: لَكنهم بلغوا حد التواتر الذي لا تشترط فيه العدالة، ففي "سنن البيهقي" أنهم ثلاثون، ولذلك قال العراقي: إسناده جيد كما في "العجالة"، وانظر "غاية المرام" (471).

(3/156)


رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له.
وقال ابن ماجه:
"
فإنَّه يَحْمِلُ لِواءَ غَدْرٍ يومَ القِيامَةِ".

3008 - (17) [
صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ قَتَل نَفْساً مُعاهَدةً بغير حَقِّها لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجنَّةِ، وإنَّ رِيحَ الجنَّةِ ليوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ مِئَةِ عامٍ" (1).
رواه ابن حبان في "صحيحه" (2).
وهو عند أبي داود والنسائي بغير هذا اللفظ، وتقدم [21 - الحدود/ 9 آخره].
قوله: (لم يرح)؛ قال الكسائي:
"
هو بضم الياء؛ من قوله: أرحتُ الشيء، فأنا أريحه إذا وجدتَ ريحه".
وقال أبو عمرو: " (لم يَرِح) بكسر الراء؛ من رُحت أريح إذا وجدتَ الريح".
وقال غيرهما: "بفتح الياء والراء، والمعنى واحد، وهو شم الرائحة".

3009 - (18) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ألا من قتل نفساً معاهدةً له ذمة الله وذمة رسوله؛ فقد أخفر بذمة الله؛ فلا يُرَحْ رائحةَ الجنَّة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً".
رواه ابن ماجه والترمذي، واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن صحيح" (3).
__________
(1)
في الأصل هنا رواية أخرى بلفظ: "خمسمئة عام"، وهي من حصة الكتاب الآخر، أما الجهلة الثلاثة فقد ساقوهما مساقاً واحداً، وحسنوا الحديث بالروايتين، وذلك من الأدلة الكثيرة جداً على جهلهم بهذا العلم الشريف.
(2)
قلت: وكذا الحاكم (1/ 44) وقال: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(3)
وصححه الحاكم أيضاً (2/ 127). ووافقه الذهبي، وفيه نظر مبين في الأصل، لكن له شاهد من حديث أبي بكرة تقدم في (21 - الحدود/ 9 آخره).

(3/157)


31 - (
الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حبِّ الأشرار وأهلِ البدع لأن المرء مع من أحب).
3010 - (1) [
صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَد بِهنَّ حلاوَةَ الإيمانِ: مَنْ كانَ اللهُ ورَسولُهُ أحبَّ إليهِ ممَّا سواهُما، ومَنْ أحبَّ عَبْداً لا يُحِبُّهُ إلا لله، ومَنْ يكَرهُ أنْ يعودَ في الكفْرِ بعدَ أنْ أنْقذَهُ الله منه؛ كما يكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النارِ".
[
صحيح] وفي رواية:
"
ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَجَد حلاوَةَ الإيمانِ وطَعْمَهُ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليهِ ممَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ في الله ويُبْغِضَ فى الله، وأنْ توقَدَ نارٌ عظيمةٌ فيقَعَ فيَها؛ أحبَّ إليه مِنْ أنْ يُشرِكَ بالله شَيْئاً".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (1).

3011 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله تعالى يقولُ يومَ القيامَةِ: أيْنَ المُتحابُّونَ بَجَلالي؟ اليومَ أُظِلُّهم في ظِلِّي يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلِّي".
رواه مسلم.

3012 - (3) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ سَرَّهُ أنْ يَجِدَ حلاوةَ الإيمانِ؛ فلْيُحِبَّ المرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا لله".
رواه الحاكم من طريقين، وصحح أحدهما.
__________
(1)
قلت: الرواية الثانية هي للنسائي وحده دون الآخرين، كما حققه الناجي، وقد خرجتها في "الصحيحة" (3423).

(3/158)


3013 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأ في عبادَةِ الله، ورجلٌ قلْبُه مُعلَّقٌ في المساجِدِ، ورجُلانِ تَحابَّا في الله اجْتَمعا عليهِ وتَفَرَّقا عليهِ، ورجلٌ دَعتْهُ امْرأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ فقال: إنِّي أخافُ الله، ورجلٌ تَصَّدقَ بصدَقةٍ فأخْفاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يَمينُه، ورجلٌ ذَكرَ الله خالِياً ففَاضَتْ عَينْاهُ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [مضى 5 - الصلاة/ 10].

3014 - (5) [
حسن صحيح] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنهُ قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما تَحابَّ رجلانِ في الله إلا كانَ أحبَّهما إلى الله عزَّ وجلَّ أشَدّهما حبّاً لِصاحِبِه".
رواه الطبراني وأبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا مبارك بن فضالة.
ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم؛ إلا أنَّهما قالا:
"
كانَ أفْضَلَهُما أشَدّهما حُبّاً لِصاحِبِه". وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".

3015 - (6) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خيرُ الأصْحابِ عندَ الله خيرُهُم لِصاحِبهِ، وخيرُ الجيرانِ عندَ الله خيرُهم لِجاره".
رواه الترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

(3/159)


3016 - (7) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال:
"
ما مِنْ رجُلَيْنِ تحابَّا في الله بظَهْرِ الغَيْبِ إلا كانَ أحبَّهُما إلى الله أشدُّهما حُبّاً لِصَاحِبِه".
رواه الطبراني (1) بإسناد جيد قوي.

3017 - (8) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنَّ رجُلاً زارَ أخاً لَهُ في قَرْيةٍ أخْرى، فأرْصَدَ الله [له] على مَدْرَجَتِه مَلَكاً، فلمَّا أتَى عليهِ قال: أيْنَ تريدُ؟ قال: أريدُ أخاً لي في هذه القرَيةِ، قال: هَلْ لكَ عليه مِنْ نعْمةٍ تَرُبُّها؟ قال: لا؛ غيرَ أنّي أُحِبَّه في الله، قال: فإنِّي رسولُ الله إليَكَ أنَّ الله قدْ أَحبَّك كما أحْبَبْتَهُ فيه".
رواه مسلم.
(
المدْرَجَةُ) بفتح الميم والراء: هي الطريق.
وقوله: (ترُبها): أي: تقوم بها وتسعى في صلاحها. [مضى 22 - البر/ 6].

3018 - (9) [
صحيح] وعن أبي إدريس الخولاني قال:
دخلْتُ مسجدَ (دِمشْقَ) فإذا فَتىً بَرَّاقُ الثنايَا وإذا الناسُ مَعُه، فإذا اخْتَلَفوا في شَيْءٍ أسْنَدوهُ إليه، وصَدروا عَنْ رأْيِهِ، فسأَلْتُ عنه؟ فقيلَ: هذا مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، فلمَّا كانَ مِنَ الغَدِ هَجَّرتُ، فوَجَدْتُه قد سَبَقني بالتَهْجيرِ (2) ووجدْتُه يُصلِّي، فانْتَظَرْتُه حتى قَضى صلاتَه، ثُمَّ جِئْتُه مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فسلَّمْتُ عليه، ثُمَّ قلْتُ لَهُ: والله إنِّي لأُحِبُّكَ لله، فقال: آلله؟ فقلتُ: الله، فقال: آلله؟ فقلتُ: الله، فأخَذَ بِحَبْوَةِ رِدائي فجذَبَني إليه فقال: أَبْشِرْ فإنِّي سمعتُ رسولَ
__________
(1)
أي: في "الأوسط" (رقم 5275 - ط).
(2)
هو السير في الهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر.

(3/160)


الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قال الله تبارَك وتعالى: وجَبتْ مَحبَّتي لِلْمُتحابِّينَ فيَّ، وللمُتجالِسينَ فيَّ، وللمُتَزَارينَ فيَّ، وللمتباذِلين فيَّ".
رواه مالك بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه" (1).

3019 - (10) [
صحيح] وعن أبي مسلمٍ قال:
قلتُ لمعاذٍ: والله إنِّي لأُحِبُّكَ لغير دُنْيا أرْجو أنْ أُصيبَها منكَ، ولا قرابَةٍ بيني وبينَك، قال: فلأيِّ شَيْءٍ؟ قلتُ: لله، قال: فجَذَب حبوتي، ثم قال:
أبشِرْ إنْ كنتَ صادِقاً؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
المتحابُّون في الله في ظلِّ العرشِ يومَ لا ظِلِّ إلا ظِلُّه، يَغْبِطُهُم بِمكَانِهم النبيُّونَ والشُّهداءُ".
قال: ولقيتُ عبادةَ بنَ الصامتِ فحدثتُه بحديث معاذ، فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ عن ربِّه تبارَك وتعالى:
"
حَقَّتْ (2) مَحبَّتي على المتحابِّين فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتَناصِحينَ فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتَباذِلينَ فيَّ، هُمْ على مَنابِرَ مِنْ نورٍ، يَغْبِطُهُم النَّبيُّونَ والشُّهداءُ والصِّديقُونَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح] وروى الترمذي حديث معاذ فقط، ولفظه: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قالَ الله عزَّ وجلَّ: المتَحابُّون في جَلالي لَهُم منابِرُ مِنْ نورٍ، يَغْبِطُهُم النَّبِيُّونَ والشُهداءُ".
وقال: "حديث حسن صحيح".
__________
(1)
قلت: وأحمد، والحاكم (4/ 168 - 170)، وصححه، ووافقه الذهبي.
(2)
بفتح الحاء؛ أي: وجبت، مثل اللفظ الآخر، قاله الناجي.
قلت: ويقال: بالضم كما في قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}.

(3/161)


3020 - (11) [
صحيح] وعن عبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأثِرُ عَنْ رَبّه تبارَك وتَعالى يقولُ:
"
حَقَّتْ مَحَبَّتي لِلْمُتحابِّينَ فيَّ، وحَقَّتْ محبَّتي للمُتَواصِلينَ فيَّ، وحَقَّتْ محبَّتي للمتَزاوِرينَ فيَّ، وحَقَّتْ محبَّتي للمُتَباذِلينَ فيَّ".
رواه أحمد بإسناد صحيح.

3021 - (12) [
حسن صحيح] وعن شرحبيل بن السَّمْط:
أنه قال لعمرو بن عبسة: هل أنتَ مُحدِّثي حديثاً سمعتَهُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليسَ فيه نِسْيانٌ ولا كَذِبٌ؟
قال: نَعْم؛ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: قد حَقَّتْ محبَّتي للَّذينَ يتَحابُّونَ مِنْ أجْلي، وقد حَقَّتْ مَحبَّتي لِلَّذينَ يَتَزاوَرونَ مِنْ أجْلي، وقد حَقَّتْ مَحبَّتي لِلَّذينَ يتَباذَلون مِنْ أَجْلي، وقد حَقَّتْ محبَّتي للَّذينَ يَتصادَقون مِنْ أجْلي".
رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني في "الثلاثة"، واللفظ له، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". (1)

9022 - (13) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إن لله جُلساءَ يومَ القيامَة عن يمين العرشِ، وكلتا يدي الله يمينٌ، على منابرَ من نورٍ، وجوهُهم من نور، ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ ولا صديقين".
قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال:
"
هم المتحابون بجلال اللهِ تبارك وتعالى".
__________
(1)
لم أره عنده من حديث عمرو بن عبسة. وأما المعلقون الثلاثة فزعموا أنه "رواه الحاكم (4/ 169) "! وهذا من تخاليطهم الكثيرة، فإن الموجود عنده في المكان المشار إليه إنما هو حديث أبي إدريس المتقدم قبل حديثين.

(3/162)


رواه أحمد بإسناد لا بأس به (1).

3023 - (14) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ مِنْ عبادِ الله عباداً لَيْسوا بأنْبِياءَ، يَغْبِطُهم الأنْبِياءُ والشُهَداءُ".
قيل: مَنْ هُمْ؟ لَعلَّنا نُحِبُّهم؛ قال:
"
هُمْ قومٌ تَحابُّوا بِنُورِ الله، مِنْ غَيرِ أرْحامٍ ولا أَنْسابٍ، وجوهُهُم نُورٌ، على منابِرَ مِنْ نُورٍ، لا يخافُونَ إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزَنونَ إذا حَزِنَ الناسُ، ثمَّ قَرأَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ".
رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وهو أتم.

3024 - (15) [
صحيح] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: المتَحابُّون بِجَلالي في ظِلِّ عَرْشي، يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلِّي".
رواه أحمد بإسناد جيد.

3025 - (16) [
حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَيَبْعَثنَّ الله أقْواماً يومَ القِيامَةِ في وُجوهِهِمُ النورُ، على مَنابِرِ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبطُهُم الناسُ، لَيْسوا بأنْبِياءَ ولا شُهَداءَ".
قال: فَجثَى أعْرابِيٌّ على رُكْبَتيْهِ، فقالَ: يا رسولَ الله! جَلِّهِمْ لنا نَعْرِفْهُمْ؟ قال:
"
هُم المتَحابُّونَ في الله مِنْ قَبائلَ شَتَّى، وبِلادٍ شَتَّى يَجْتَمِعونَ، على ذِكْرِ الله يَذْكُرونَهُ".
رواه الطبراني بإسناد حسن (2).
__________
(1)
عزوه لأحمد وهم أو خطأ من بعض الناسخين، وإنما رواه الطبراني كما قال الهيثمي، وهو في معجمه "الكبير" (12/ 134/ 12686)، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، لكن له شواهد يتقوى بها، منها حديث عمرو بن عبسة المتقدم (14 - الذكر/ 2).
(2)
وكذا قال الهيثمي (10/ 77).

(3/163)


3026 - (17) [
صحيح لغيره] وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ مِنْ عبادِ الله لأُناساً ما هُمْ بأنْبِياءَ ولا شُهدَاءَ، يَغْبِطُهُم الأَنبِياءُ والشُّهَداءُ يومَ القِيامَةِ بمكانِهِمْ مِنَ الله".
قالوا: يا رسولَ الله! فخَبِّرْنا مَنْ هُمْ؟ قال:
"
هُم قومٌ تَحابُّوا بِرُوحِ الله على غَيْرِ أرْحامٍ بَيْنَهُمْ، ولا أَمْوالٍ يَتَعاطَونَها، فوالله إنَّ وجُوهَهُم لَنورٌ، وإنَّهم لَعلى نورٍ، ولا يَخافُونَ إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزَنُونَ إذا حَزِنَ الناسُ. وقَرأَ هذهِ الآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ".
رواه أبو داود.

3027 - (18) [
صحيح لغيره] وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال:
"
يا أيها الناس! اسمعوا، واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجلّ عباداً ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغْبِطُهم النبيون والشهداءُ على منازلهم وقربهم من الله".
فجثى رجلٌ من الأعرابِ من قاصيةِ الناسِ، وألوى إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله! ناسٌ من الناسِ ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالسهم وقربهم من الله، انْعَتْهم لنا، حلّهم لنا -يعني صفهم لنا، شكِّلْهم لنا-، فسُرَّ وجه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسؤال الأعرابي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هم ناس من أفناءِ الناس (1) ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحامٌ متقاربةٌ، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامةِ منابرَ من نور فيجلسون عليها، فيجعل وجوهَهم نوراً، وثيابَهم نوراً، يفزعُ الناس يومَ القيامةِ
__________
(1)
أي: لا يُعلم من هم. و (النوازع): الذي ينزع إلى أهله وعشيرته؛ أي: يشتاق ويحن.

(3/164)


ولا يفزعون، وهم أولياءُ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون".
رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". (1)

3028 - (19) [
حسن] وعن معاذ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أَعْطَى لله، ومَنَع لله، وأحَبَّ لله، وأبْغَضَ لله، وأنْكَحَ لله؛ فقَدِ اسْتَكْمَلَ إيْمانَهُ".
رواه أحمد والترمذي وقال: حديث "منكر"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، والبيهقي وغيرهم.

3029 - (20) [
حسن صحيح] وعن أبي أُمامَة رضيَ الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أَحبَّ لله، وأبْغَضَ لله، وأعْطَى لله، ومَنَع لله؛ فقدِ اسْتَكْمَل الإِيْمانَ".
رواه أبو داود.

3030 - (21) [
حسن لغيره] وعن البراءِ بْنِ عازِبٍ رضي الله عنه قال:
كُنَّا جلوساً عِندَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
أيُّ عُرَى الإسْلامِ أَوْثَقُ؟ ".
قالوا: الصَلاةُ. قال:
"
حَسنةٌ؛ وما هِيَ بِها".
قالوا: صِيامُ رَمَضانَ. قال:
__________
(1)
كذا قال، ولم يروه الحاكم من حديث أبي مالك، وإنما من حديث ابن عمر (4/ 170 - 171)، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (3464).

(3/165)


"
حَسنٌ؛ وما هُوَ بِهِ".
قالوا: الجِهادُ. قال:
"
حسَنٌ؛ وما هُوَ بِهِ". قال:
"
إنَّ أوْثَقَ عُرى الإيمانِ أنْ تُحِبُّ في الله، وتُبْغِضَ في الله".
رواه أحمد والبيهقي؛ كلاهما من رواية ليث بن أبي سُليم.

3031 - (22) [
حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث ابن مسعودٍ أخصر منه.

3032 - (23) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً سأَلَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: متى الساعَةُ؟ قال:
"
وما أعْدَدْتَ لَها؟ ".
قال: لا شَيْءَ، إلا أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ. فقال:
"
أنتَ معَ مَنْ أحْبَبْتَ".
قال أنسٌ: فَما فَرِحْنا بَشَيْءٍ فَرَحَنا بقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنتَ معَ مَنْ أحْبَبْتَ".
قال أنسٌ: فأنا أُحِبُّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبا بكرٍ وعُمَرَ، وأرْجو أَنْ أكونَ مَعَهُم بِحُبِّي إيَّاهُم [وإنْ لَمْ أَعْمَلْ عَملَهُمْ] (1).
رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية للبخاري:
"
أنَّ رجلاً مِنْ أهْلِ البادِيَةِ (2) أتى النبيَّ فقالَ: يا رسولَ الله! مَتى الساعَةُ قائمةٌ؟ قال:
__________
(1)
زيادة من "البخاري"، والسياق له، وقد أخرجه في "مناقب عمر"، والرواية الأخرى له أخرجها في "الأدب"، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها منه.
(2)
هو الأعرابي الذي بال في المسجد؛ كما في حديث آخر ذكره في "فتح الباري".

(3/166)


"
وْيلكَ! وما أعْدَدْتَ لَها؟ ".
قال: ما أَعْدَدْتُ لَها، إلا أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ. قال:
"
إنَّكَ معَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
فقلنا (1): ونحنُ كذلك؟ قال:
"
نعم".
فَفَرِحْنا يَوْمَئذٍ فَرَحاً شَديداً.
ورواه الترمذي (2)، ولفظُه: قال:
رأيتُ أصْحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرِحوا بِشَيْءٍ لَمْ أَرهُم فَرِحُوا بِشَيْءٍ أَشَدَّ منهُ.
قال رجلٌ: يا رسول الله! الرجلُ يُحِبُّ الرجلَ على العَمَلِ مِنَ الخَيْرِ يَعْمَلُ به ولا يَعْمَلُ بِمِثْلِهِ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
المرءُ معَ مَنْ أَحبَّ".

3033 - (24) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كيفَ تَرى في رجلٍ أحبَّ قوماً ولَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
المرءُ معَ مَنْ أَحبَّ".
رواه البخاري ومسلم.
__________
(1)
الأصل: (قال)، والتصحيح من البخاري، ورواه أحمد (3/ 192) بلفظ: "قال: قال أصحابه".
(2)
كذا الأصل، ولعله سبق قلم أو خطأ من الناسخ؛ فإن اللفظ المذكور إنما هو لأبي داود في "الأدب" رقم (5127 - حمص)، وأما الترمذي فرواه (2386) نحو رواية البخاري الثانية، وصححه.

(3/167)


3034 - (25) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد بإسناد حسن مختصراً من حديث جابرٍ:
"
المرءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ".

3035 - (26) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال:
يا رسول الله! الرجلُ يُحِبُّ القومَ ولا يَسْتَطيعُ أنْ يَعمَل بِعَملِهِمْ؟ قال:
"
أنتَ يا أبا ذرٍّ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ".
قال: فإنِّي أحِبُّ الله ورسولَهُ. قال:
"
فإنَّك مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ".
قال: فأعادَها أبو ذرٍّ، فأعادَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه أبو داود.

3036 - (27) [
حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدْرِيِّ رضيَ الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
لا تُصاحِبْ إلا مُؤْمِناً، ولا يَأْكُلْ طعَامَك إلاَّ تَقِيٌّ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

3037 - (28) [
صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثٌ هُنَّ حَقٌّ: لا يَجْعَلُ الله مَنْ لَهُ سَهْمٌ في الإسْلامِ كَمَنْ لا سَهْمَ لَهُ، ولا يَتَولى الله عبْداً فيُولِّيهِ غَيْرَهُ، ولا يُحبُّ رجلٌ قَوْماً إلا حُشِرَ مَعَهُمْ".
رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" بإسناد جيد.
__________
(1)
قال الناجي (203/ 1): "عزوه إلى ابن حبان -وقد رواه أبو داود والترمذي وحسنه- عجيب، مع أنه ذكره في "مختصر السنن"، لكن الذي وقع له في هذا الكتاب لم يقع له في غيره"!

(3/168)


3038 - (29) [
صحيح لغيره] ورواه في "الكبير" من حديث ابن مسعودٍ. (1)

3039 - (30) [
صحيح لغيره] وعن عائِشَة رضيَ الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثٌ أحْلِف علَيْهِنَّ: لا يَجعَلُ الله مَنْ له سَهْمٌ في الإسْلامِ كَمَنْ لا سَهْمَ لهُ، وأسْهُمُ الإسْلامِ ثَلاثَةٌ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاةُ، ولا يَتولَّى الله عبْداً في الدنيا فيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ولا يُحِبُّ رجلٌ قوماً إلا جَعَلهُ الله مَعَهُمْ" الحديث.
رواه أحمد بإسناد جيد. [مضى 5 - الصلاة/ 13].
__________
(1)
قلت: الظاهر من إطلاقه أنه يعني: مرفوعاً، والواقع أنه أخرجه في "الكبير" (9/ 175 - 176) من طريق عبد الرزاق، وكذلك رواه هذا في "المصنف" (11/ 199/ 20318)، وكذلك ذكره الهيثمي (1/ 38) وأعلّه بالانقطاع. ثم رواه الطبراني بإسناد آخر، ولكنه موقوف منقطع أيضاً، إلا أنه في حكم المرفوع. وقد رواه البيهقي في "الشعب" (6/ 489 - 490) من الوجه الأول.

(3/169)


32 - (
الترهيب من السحر، وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والحصى أو نحو ذلك وتصديقهم).
3040 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اجْتَنِبوا السبْعَ الموِبقَاتِ".
قالوا: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال:
"
الشركُ بالله، والسِحْرُ، وقَتلُ النَفْسِ التي حَرَّمَ الله إلا بِالْحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، والتَولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المؤْمِنَاتِ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [16 - البيوع/ 19].

3041 - (2) [
صحيح لغيره] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليسَ مِنّا مَنْ تَطيَّر أوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ لَهُ، أو سَحَر أوْ سُحِرَ لَهُ، ومَنْ أتى كاهِناً فصدَّقَهُ بما يقولُ؛ فقدْ كَفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه البزار بإسناد جيد.

3042 - (3) [
صحيح لغيره] ورواه الطبراني من حديث ابن عباسٍ دون قوله:
"
ومن أتى" إلى آخره، بإسناد حسن.

3043 - (4) [
صحيح لغيره] وروى ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده:
في كتابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبَه إلى أهلِ اليمنِ في الفرائضِ والسننِ والدياتِ والزكاة، فذكر فيه:
"
وإن أكبَر الكبائِر عندَ اللهِ يومَ القيامةِ: الإشراكُ باللهِ، وقتلُ النفسِ

(3/170)


المؤمنةِ بغيرِ الحقِّ، والفرارُ في سبيلِ اللهِ يومَ الزحفِ، وعقوقُ الوالدين، ورميُ المحصنة، وتعلمُ السحرِ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيم". [مضى 12 - الجهاد/ 11].

3044 - (5) [
صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أتى كاهِناً فصدَّقَهُ بما قالَ؛ فقد كفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه البزار بإسناد جيد قوي.

3045 - (6) [
حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَنْ ينالَ الدَرجاتِ العُلى مَنْ تَكَهَّنَ، أوِ اسْتَقْسَم، أو رَجَع مِنْ سَفرٍ تَطَيُّراً".
رواه الطبراني بإسنادين رواةُ أحدهما ثقات.

3046 - (7) [
صحيح] وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعضِ أزْواجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (1) قال:
"
مَنْ أتى عَرَّافاً فسألَهُ عنْ شَيْءٍ فصَدَّقَهُ (2)؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أرْبَعينَ يَوْماً" (3).
رواه مسلم.
(
العَرَّافُ) بفتح العين المهملة وتشديد الراء كالكاهن، وقيل: هو الساحر. وقال البغوي:
__________
(1)
سقطت من الأصل واستدركتها من "مسلم" ومن "مختصره" المؤلف (رقم - 1496 - بتحقيقي).
قال الناجي: "وهو أحد المواضع العجيبة التي سقط منها ذكر الرفع في هذا الكتاب، لا شك في ذلك ولا خفاء لا سيما إتيانه بعد ذكر الأنثى بقوله: (قال) ".
(2)
كذا الأصل، وليس في مسلم "فصدقه"، وفيه "ليلة" بدل "يوماً". وإنما هو في "مسند أحمد" (4/ 68 و5/ 380) بلفظ الكتاب وزيادته، وخفي هذا على المعلقين الثلاثة!!
(3)
كذا الأصل، وليس في مسلم "فصدقه"، وفيه "ليلة" بدل "يوماً". وإنما هو في "مسند أحمد" (4/ 68 و5/ 380) بلفظ الكتاب وزيادته، وخفي هذا على المعلقين الثلاثة!!

(3/171)


"
العراف: هو الذي يدّعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه، ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك. ومنهم من يسمي المنجم كاهناً" انتهى.

3047 - (8) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أَتى عَرَّافاً أَوْ كاهِناً فَصدَّقَهُ بِما يقولُ؛ فقد كَفَر بِما أُنْزِلَ على مُحمَّدٍ".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وفي أسانيدهم كلام ذكرته في "مختصر السنن"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

3048 - (9) [
صحيح موقوف] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
مَنْ أَتى عَرَّافاً أوْ ساحِراً أوْ كاهِناً، فسَألَهُ فصَدَّقَهُ بما يقولُ؛ فَقَدْ كَفر بِما أُنْزِل على مُحمِّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد موقوفاً.

3049 - (10) [
صحيح] وعنه قال:
"
مَنْ أَتى عَرَّافاً (1) أوْ كاهِناً، يُؤْمِنُ بِما يَقول؛ فقدْ كَفَر بِما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.
__________
(1)
في الأصل زيادة: (أو ساحراً)، فحذفتها لعدم ورودها عند الطبراني في "الكبير" (10/ 93/ 10005)، ولا في "الأوسط" أيضاً (2/ 270/ 1476)، ولا في "المجمع" (5/ 118)، وإنما هي في الرواية التي قبلها.

(3/172)


3050 - (11) [
حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَدخُل الجنَّةَ مدْمِنُ خَمْرٍ، ولا مؤمِنٌ بِسِحْرٍ، ولا قاطعُ رَحِمٍ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3051 - (12) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنِ اقْتَبس عِلْماً مِنَ النجومِ؛ اقْتَبسَ شُعْبَةً مِنَ السحْرِ زادَ ما زَادَ".
رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما.
(
قال الحافظ):
"
والمنهي عنه من علم النجوم هو ما يدَّعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان، كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغيّر الأسعار، ونحو ذلك. ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان. . وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة؛ من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى من الليل والنهار، وكم بقي فإنه غير داخل في النهي. والله أعلم" (1).
__________
(1)
قلت: ومن ذلك عندي التنبؤ بنزول المطر، وتساقط الثلج، وهبوب الرياح، ونحوها، فإن لمعرفة ذلك اليوم موازين دقيقة سخرها الله للناس في هذا الزمان، مثل الساعات التي يعرف بها الوقت، فلا علاقة لذلك البتة بعلم النجوم المذموم.

(3/173)


33 - (
الترهيب من تصوير الحيوانات والطيور في البيوت وغيرها) (1).
3052 - (1) [
صحيح] عن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الذينَ يَصْنَعونَ هذه الصُّوَرَ (2) يُعَذَّبُون يومَ القِيامَة؛ يُقالَ لَهُمْ: أَحْيُوا ما خَلَقْتُمْ".
رواه البخاري ومسلم.

3053 - (2) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
قَدِمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ فيه تَماثِيلُ، فلمَّا رآهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلوَّن وجْهُهُ، وقال:
"
يا عائشةُ! أشدُّ الناسِ عَذاباً عندَ الله يومَ القِيامَةِ؛ الَّذينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله".
قالتْ: فَقطَّعْناهُ، فجعَلْنا منهُ وِسَادةً أوْ وِسادَتَيْنِ.
وفي رواية: قالَتْ:
دَخَل علَيَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي البيتِ قِرامٌ فيه صوَرٌ، فتَلوَّنَ وجْهُهُ ثُمَّ تناوَل الستْرَ فَهَتَكَهُ، وقال:
__________
(1)
قلت: سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وسواء صورت بالقلم والريشة، أو بالآلة، كل ذلك حرام إلا ما لابد منه كلعب البنات ونحوها؛ كما كنت بينته في "آداب الزفاف" ثم في "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام"، والتفريق بين الصور الفوتوغرافية والصور اليدوية ظاهرية عصرية ابتلي بها كثير ممن يدعي العلم، ولم يتفقهوا بالسنة المحمدية، وما مثلهم إلا مثل من يبيح الأصنام والتماثيل التي صنعت بالآلة، ولم تُنحت باليد! وأنا حين أقول هذا أعلم أن هناك من اشتط في الضلال، فأباح الصور والتماثيل بزعم أنها حرمت تحريماً زمنياً، وهؤلاء لا وزن لهم، لأنهم خرقوا بذلك إجماع السلف، وخالفوا أحاديث الباب.
(2)
أي: غير المجسمة، أو التي لا ظل لها، بدليل القرام في حديث عائشة الآتي بعده، وأما المجسمة فهي داخلة فيه من باب أولى. فتنبه.

(3/174)


"
إنَّ مِنْ أشدِّ الناسِ عَذاباً يومَ القيامَةِ الَّذينَ يصَوِّرونَ هذه الصُّوَرَ".
وفي أخْرى:
أنَّها اشْتَرتْ نُمْرُقةً فيها تصاويرُ، فلمَّا رآها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قامَ على البابِ فلَمْ يَدْخُلْ، فَعرْفتُ في وَجْهِهِ الكَراهِيَةَ. قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ الله! أتوبُ إلى الله وإلى رسولِه، ماذا أذْنَبْتُ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
"
ما بالُ هذه النُّمرُقَةِ؟! ".
فقلتُ: اشْتَريْتُها لَكَ لِتَقْعُدَ علَيها وتَوَسَّدها، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أصْحابَ هذهِ الصُّورِ يُعَذَّبُونَ يومَ القِيامَةِ؛ فيُقالُ لَهُمْ: أَحْيُوا ما خَلَقْتُمْ". وقال:
"
إنَّ البيْتَ الَّذي فيه الصُّوَرُ لا تَدْخُلُه الملائِكَةُ" (1).
رواه البخاري ومسلم.
(
السَّهْوَةُ) بفتح السين المهملة: هي الطاق في الحائط يوضع فيه الشيء. وقيل: هي الصفة. وقيل: المخدع بين البيتين. وقيل: بيت صغير كالخزانة الصغيرة.
و (القِرامُ) بكسر القاف: هو الستر.
و (النُّمْرُقَةُ) بضم النون والراء أيضاً -وقد تفتح الراء- وبكسرهما: هي المخدَّة.

3054 - (3) [
صحيح] وعن سعيد بن أبي الحسن قال:
جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما فقالَ: إنِّي رجلٌ أصَوِّرُ هذهِ الصُّوَرَ، فأَفْتِني فيها، فقالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّي، فدَنا، ثُمَّ قال: ادْن مِنِّي، فدنا حَتَّى وضَع يَدهُ على رَأْسِه وقالَ: أُنَبِّئُكَ بما سمِعْتُ مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
__________
(1)
زاد أبو بكر الشافعي: "قالت: فما دخل حتى أخرجتها". انظر "آداب الزفاف". والمراد بـ"الصورة" هنا هي المطرزة، كما يدل عليه السياق، فهي غير مجسمة، فتنبه.

(3/175)


سمِعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
كلُّ مُصَوِّرٍ في النارِ، يجْعَلُ لَه بِكلِّ صورَةٍ صوَّرَها نَفْساً فتُعذِّبه في جَهنَّمَ".
قال ابنُ عبَّاسٍ: فإنْ كنتَ لا بُدَّ فاعِلاً، فاصْنَع الشَّجَر وما لا نَفْسَ لَهُ. رواه البخاري ومسلم. (1)
وفي رواية للبخاري (2) قال:
كنتُ عندَ ابْنِ عبَّاسٍ إذْ جاءَهُ رجلٌ فقال: يا أبا (3) عبَّاسٍ: إنِّي رجلٌ إنَّما معيشَتي مِنْ صَنْعَةِ يَدي، وإنِّي أصْنَعُ هذه التصاويرَ؟
فقال ابْنُ عبَّاسٍ: لا أحدِّثُكَ إلا ما سمِعْتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعْتُه يقول:
"
مَنْ صَوَّرَ صورَةً فإنَّ الله مُعَذِّبُهُ حتى يَنْفُخَ فيها الروحَ، وليْسَ بِنَافِخٍ فيها أَبداً".
فَربا الرجلُ رَبْوَةً شَديدةً [واصفر وجهه]، فقال: وَيْحكَ! إنْ أبَيْتَ إلا أنْ تَصْنعَ فعليكَ بهذا الشجَرِ، وكلِّ (4) شيْءٍ ليسَ فيه روحٌ.
__________
(1)
هذا اللفظ لمسلم فقط (6/ 161)، لم يرو البخاري الا الرواية الآتية، وبذلك جزم الناجي، وغفل عنه الغافلون -كعادتهم- في تعليقهم، وأكدوا جهلهم فيما سموه بـ "تهذيب الترغيب" (ص 518) فنسبوا الروايتين للشيخين بالأرقام فزادوا في الخطأ أنهم نسبوا الثانية لمسلم أيضاً!!
(2)
قال الناجي: "هذه العبارة موهمة أن السياق الأول للشيخين، وأن الثاني رواية أخرى للبخاري، وليس هو عند كل منهما إلا من طريق واحد، لكن اللفظ الأول لمسلم، والثاني للبخاري لا غير".
قلت: وهو عند أحمد (1/ 308) باللفظ الأول.
(3)
الأصل: (ابن)، والتصحيح من "البخاري" آخر (البيوع)، والزيادة منه، وغفل عن هذا كله مدعو التحقيق.
(4)
كذا الأصل بإثبات الواو، وهو رواية أبي نعيم، وأما رواية البخاري فحَذَفَتْها على أنه بدل كل من بعض، وقد جوّزه بعض النحاة. انظر "الفتح".

(3/176)


(
رَبَا) الإنسان: إذا انتفخ غيظاً أو كبراً.

3055 - (4) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
إن أشَدَّ الناسِ عَذَاباً يومَ القِيامَةِ؛ المصَوِّرونَ.
رواه البخاري ومسلم.

3056 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قال الله تعالى: ومَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَب يَخْلُقُ كَخَلْقي، فلْيَخْلُقوا ذَرَّةً، ولْيَخْلُقوا حَبَّةً، ولْيَخْلُقوا شَعيرَةً".
رواه البخاري ومسلم.

3057 - (6) [
صحيح] وعن حيان بن حصين قال:
قال لي عليٌّ رضي الله عنه:
ألاَّ أبْعَثُكَ على ما بَعثَني عليهِ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
"
أنْ لا تدعَ صورَةً إلا طَمَسْتَها، ولا قَبْراً مُشْرِفاً إلا سَوَّيتَهُ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

3058 - (7) [
صحيح] وعن أبي طلحة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تدخُل الملائكةُ بيتاً فيهِ كلْبٌ ولا صورَةٌ".
رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفي رواية لمسلم:

(3/177)


"
لا تدخلُ الملائِكةُ بَيْتاً فيهِ كلْبٌ، ولا تَماثيلُ (1) ".

3059 - (8) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
واعدَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يأتِيَهُ، فراثَ عليهِ حتَّى اشْتَدَّ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخرَج، فلَقِيَهُ جِبْريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَشكا إليْهِ، فقالَ:
"
إنَّا لا نَدْخُل بيتاً فيهِ كلْبٌ ولا صورَةٌ".
رواه البخاري.
(
راثَ) بالثاء المثلثة غير مهموز؛ أي: أبطأ.

3060 - (9) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أَتاني جبريلُ عليه السلامُ فقال لي: أتَيْتُكَ البارِحَةَ فلَمْ يَمْنَعْني أنْ أكونَ دخلتُ إلا أنَّه كانَ على البَابِ تَماثيلُ، وكانَ في البيْتِ قِرامُ سِتْرٍ فيه تَماثيلُ، وكان في البيتِ كَلْبٌ، فَمُرْ برَأْسِ التمثَالِ الذي في البيْتِ يُقَطَّعْ فيصيرَ كَهَيْئَةِ الشجرةِ، ومُرْ بالستْرِ فلْيُقطَّعْ فيُجْعَلَ منهُ وسادَتَيْنِ مَنْبوذَتَيْنِ توطآنِ، ومُرْ بالكَلْبِ فلْيُخْرَجْ".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".
وتأتي أحاديث من هذا النوع في [41 - باب] "اقتناء الكلب" إن شاء الله تعالى.
__________
(1)
أي: صور. قال الناجي: (203/ 2): "وكذا البخاري، لكن لفظه: (ولا صورة تماثيل)، وله في رواية: (ولا تصاوير)، وفي أخرى: (بيتاً فيه الصور) ".

(3/178)


3061 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يَخْرجُ عُنقٌ مِنَ النارِ يومَ القِيامَةِ لهُ عَيْنانِ تُبْصِرانِ، وأُذُنانِ تَسْمَعانِ، ولسانٌ ينْطِقُ، يقولُ: إنِّي وُكِّلْتُ بثَلاثَةٍ: بِمَنْ جعَل مَع الله إلهاً آخَر، وبكُلِّ جَبَّارٍ عَنيدٍ، وبالمُصَوِّرِينَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب" (1).
(
عُنُقٌ) بضم العين والنون؛ أي: طائفة وجانب من النار.
__________
(1)
قلت: ورواه أحمد أيضاً. انظر "الصحيحة" (512)، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها من الترمذي.

(3/179)


34 - (
الترهيب من اللعب بالنرد (1)).
3062 - (1) [
صحيح] عن بريدة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدَشيرِ؛ فكأنَّما صَبَغ يَدَهُ في لحمِ خنزيرٍ ودَمِهِ (2) ".
رواه مسلم. وله ولآبي داود وابن ماجه:
"
فكأنَّما غَمسَ يَدهُ في لَحْمِ خِنْزيرٍ ودَمِهِ".

3063 - (2) [
حسن] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ لَعِبَ بنَرْدٍ أوْ نرْدَشيرٍ؛ فقد عَصَى الله ورسولَهُ".
رواه مالك -واللفظ له-، وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي، ولم يقولوا:
"
أو نردشير". وقال الحاكم:
"
صحيح على شرطهما".
(
قال الحافظ):
"
قد ذهب جمهور العلماء إلى أن اللعب بالنرد حرام، ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه، واختلفوا في اللعب بالشطرنج، فذهب بعضهم إلى إباحته؛ لأنه يستعان به في أمور الحرب ومكائده، لكن بشروط ثلاثة:
أحدها: أن لا يؤخر بسببه صلاة عن وقتها.
__________
(1) (
النرد) بفتح النون وسكون الراء: لعب معروف، ويسمى: الكعاب، والنردشير. قال النووي: (النردشير) هو النرد، فـ (النرد) عجمي معرب و (شير) معناه حلو.
(2)
الأصل: (دم خنزير)، والتصحيح من مسلم (7/ 50)، والفرق بين روايته والرواية التي بعدها هو في لفظ (غمس) فقط. ولم يتنبه لهذا المعلقون الثلاثة! لا هنا ولا فيما سموه بـ"التهذيب"، بل جاؤوا بتخليط آخر فنسبوا الرواية الأولى على خطئها للثلاثة المذكورين وبالأرقام!!

(3/180)


والثاني: أن لا يكون فيه قمار.
والثالث: أن يحفظ لسانه حال اللعب عن الفحش والخناء ورديء الكلام، فمتى لعب به أو فعل شيئاً من هذه الأمور كان ساقط المروءة مردود الشهادة. وممن ذهب إلى إباحته سعيد بن جبير والشعبي، وكرهه الشافعي كراهة تنزيه.
وذهب جماعات من العلماء إلى تحريمه كالنرد وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء منها إسناداً صحيحاً ولا حسناً. والله أعلم".

(3/181)


35 - (
الترغيب في الجليس الصالح، والترهيب من الجليس السيّئ، وما جاء في من جلس وسط الحلقة، وأدب المجلس وغير ذلك).
3064 - (1) [
صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّما مَثلُ الجَليس الصَّالحِ والجَليسِ السُّوءِ كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكيرِ، فحامِلُ المِسْكِ إمَّا أنْ يُحذِيكَ، وإمَّا أنْ تَبْتَاع مِنْهُ، وإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً، ونَافِخُ الكير إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِد مِنْهُ ريحاً خَبيثَةً".
رواه البخاري ومسلم.
(
يحذيك) أي: يعطيك.

3065 - (2) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ومثَلُ الجَليس الصَّالحِ كمثلِ صاحِبِ المِسْكِ، إنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أصابَك مِنْ ريحِهِ، ومَثلُ الجَليسِ السُّوءِ كَمثَلِ صاحِبِ الكيرِ، إنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوادِهِ أصابَكَ مِنْ دُخانِهِ".
رواه أبو داود والنسائي.

3066 - (3) [
صحيح] وعن الشرِيد بن سُوَيدٍ رضي الله عنه قال:
مَرَّ بي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا جالِسٌ، وقد وضَعْتُ يديَ اليُسْرى خلْفَ ظهْرِي واتَّكَأْتُ على ألْيَةِ يَدي، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَقْعُدْ قِعْدَةَ المَغْضوبِ علَيْهِمْ".
رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وزاد: قال ابن جريج:

(3/182)


"
وضَعَ راحَتَيْه على الأَرْضِ [وراء ظهره] (1) ".

3067 - (4) [
حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقامَ لَهُ رجلٌ عَنْ مَجْلِسِه، فذهَب لِيَجْلِسَ فيهِ، فنَهاهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه أبو داود.

3068 - (5) [
صحيح] وفي روايةٍ له عن سعيد بن أبي الحسن قال:
جاءَ أبو بكرةَ في شهادَةٍ، فقامَ لَهُ رجلٌ مِنْ مَجْلسِه، فأبى أنْ يَجْلِسَ فيهِ، وقال:
"
إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنْ ذا".

3069 - (6) [
صحيح] وعن ابن عمر أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يُقيمَنَّ أحَدُكم رجلاً مِنْ مَجْلِسه ثُمَّ يَجْلِسُ فيه، ولكنْ تَوسَّعُوا وتَفَسَّحوا؛ يَفْسَحِ الله لَكُمْ".
وفي رواية: قال:
وكان ابن عمر إذا قام له رجلٌ مِنْ مَجْلِسِه لَمْ يَجْلِسْ فيهِ.
رواه البخاري ومسلم.

3070 - (7) [
حسن لغيره] وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال:
"
كنا إذا أتينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلسَ أحدُنا حيث ينتهي".
__________
(1)
زيادة من (ابن حبان/ 5645 - الإحسان)، وسقطت من "الموارد" (1956) أيضاً، ولم أفهم لهذه الجملة هنا معنى، لأن ابن جريج هو الذي روى السياق الأول: "يدي اليسرى". فلعل الأصل: "وقال ابن جريج مرة. ."، والله أعلم. انظر التعليق على كتابي "صحيح الموارد" (32 - الأدب/ 15).

(3/183)


رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه".

3071 - (8) [
حسن] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَحِلُّ لرجلٍ أنْ يُفَرِّقَ بيْنَ اثْنَيْنِ إلا بِإذْنِهِما".
رواه أبو داود والترمذي وقال:
"
حديث حسن".
[
حسن] وفي رواية لأبي داود:
"
لا يَجْلِسْ بَيْنَ رجُلَيْنِ إلا بإذْنِهِما".

3072 - (9) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا قامَ أحدُكُم مِنْ مَجْلسٍ ثُمَّ رجَع إليه؛ فهوَ أحَقُّ بِه".
رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.

3073 - (10) [
صحيح] وعن وهب بن حذيفة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الرجلُ أحَقُّ بمَجلِسه، فإذا خَرجَ لحاجَتِه ثُمَّ رجَع؛ فهوَ أحَقُّ بمَجلِسه".
رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه".

3074 - (11) [
حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
خيرُ المَجالِس أَوْسَعُها".
رواه أبو داود.

3075 - (12) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ أيضاً؛ أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إيَّاكمْ والجلوسَ بالطُّرقاتِ".
قالوا: يا رسولَ الله! ما لَنا بُدّ مِنْ مَجالِسنا نتحدَّثُ فيها؟ فقال رسولُ

(3/184)


الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنْ أَبَيْتُمْ؛ فأَعْطوا الطريقَ حَقَّهُ".
قالوا: وما حَقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال:
"
غَضُّ البصَرِ، وكفُّ الأَذى، وردُّ السلامِ، والأَمْرُ بالمعروفِ، والنهيُ عَنِ المنكَرِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

(3/185)


36 - (
الترهيب من أن ينام المرء على سطح لا تحجير له، أو يركب البحر عند ارتجاجه).
3076 - (1) [
صحيح لغيره] عن عبد الرحمن بن عليّ -يعني ابن شيبان- عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ باتَ على ظهْرِ بيْتٍ ليسَ له حِجارٌ، (1) فقدْ بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّةُ".
رواه أبو داود.
(
قال الحافظ): "هكذا وقع في روايتنا "حجار" بالراء بعد الألف. وفي بعض النسخ "حجاب" بالباء الموحدة، وهو بمعناه".

3077 - (2) [
صحيح] وروي عن جابرٍ رضي الله عنه قال:
"
نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ ينامَ الرجلُ على سطْحٍ ليس بمَحْجُورٍ علَيْهِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث غريب".

3078 - (3) [
حسن] وروي عن أبي عمران الجَوْني قال:
كنَّا بفارِس وعلينا أميرٌ يُقالُ له: (زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ الله)، فأبْصَر إنْساناً فوْقَ بَيْتٍ أوْ إجّارٍ ليسَ حوله شَيْءٌ، فقال لي: سمعتَ في هذا شيْئاً؟ قلتُ: لا.
قال: حدَّثَني رجلٌ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ باتَ فوْقَ إِجَّارٍ أو فوْقَ بيْتٍ ليسَ حوْلَهُ شيءٌ يرُدُّ رِجلَهُ؛ فقد بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّةُ، ومَنْ رَكِبَ البَحْرَ بَعْدَ ما يَرتَجُّ؛ فقد بَرِئَتْ منه الذِمَّةُ".
رواه أحمد مرفوعاً هكذا وموقوفاً، ورواتهما ثقات، والبيهقي مرفوعاً.
__________
(1)
أي: فوقع فمات كما يأتي في الحديث الآتي آخر الباب.

(3/186)


[
حسن لغيره] وفي رواية للبيهقي عن أبي عمران أيضاً قال:
كنتُ مَع زُهَيْر الشَّنَوِي (1)، فأتَيْنا على رجلٍ نائمٍ على ظهْرِ جِدَارٍ، وليسَ لَهُ ما يَدْفَعُ رجْلَيْهِ، فضرَبَهُ بِرِجْلِه، ثُمَّ قال: قُمْ، ثُمَّ قال زهيرٌ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ باتَ على ظَهْرِ جِدارٍ وليسَ لَهُ ما يَدْفَعُ رِجْلَيْه، فوقَعَ فَمات؛ فقد بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّة، ومَنْ رَكِبَ البَحْرَ في ارْتِجَاجِهِ، فَغَرِقَ؛ فقد بَرِئَتْ منه الذِّمَّةُ".
قال البيهقي:
"
ورواه شعبة عن أبي عمران عن محمد بن أبي زهير، وقيل: عن محمد بن زهير بن أبي علي، وقيل: عن زهير بن أبي جبل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل غير ذلك (2) ".
(
الإِجَّارُ) بكسر الهمزة وتشديد الجيم: هو السطح.
و (ارتجاج البحر): هيجانه.
__________
(1)
بفتح الشين المعجمة والنون وكسر الواو، وأصله (الشنائي) بهمزة مقصورة، والأول على إرادة التسهيل، وهو منسوب إلى (أزد شَنُوءة) بمعجمة مفتوحة ثم نون مضمومة ثم همزة ممدودة ثم هاء تأنيث. كذا في "العجالة".
(2)
قلت: قد اتفق ثلاثة من الثقات على روايته عن أبي عمران عن زهير بن عبد الله عن الرجل كما في الرواية الأولى، وصرح بعضهم أنه صحابي، وجهالة الصحابي لا تضر، فتصدير المؤلف الحديث بصيغة التمريض؛ لا وجه له، انظر "الصحيحة" (828).

(3/187)


37 - (
الترهيب من أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر).
3079 - (1) [
حسن صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
مَرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجلٍ مضْطَجعٍ على بطْنِهِ، فغَمزَهُ برِجْلهِ، وقال:
"
إنَّ هذه ضِجْعَةٌ لا يحِبّها الله عزَّ وجلَّ".
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له (1). وقد تكلم البخاري في هذا الحديث.

3080 - (2) [
حسن لغيره] وعن يعيش بن طخفة بن قيسٍ الغفاري قال:
. . .
كان أبي مِنْ أصحابِ الصُّفَّةِ.
قال: فبينا أنا مُضْطَجعٌ مِنَ السَّحرِ على بَطْني إذ جاءَ رجلٌ يُحرِّكني بِرجْلِه، فقال:
"
إنَّ هذه ضِجْعَةٌ يُبْغِضُها الله".
قال: فَنظرْتُ فإذا هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه أبو داود، واللفظ له.
ورواه النسائي عن قيس بن طغفة (بالغين المعجمة) قال: حدثني أبي فذكره، وابن ماجه عن قيس بن طهفة (بالهاء) عن أبيه مختصراً.
__________
(1)
قلت: وفاته أنه رواه الترمذي (2769) باللفظ المذكور، وكذا ابن أبي شيبة (9/ 115/ 6730)، والحاكم (4/ 271) وصححه، وأقره الذهبي، وأعله البخاري في "التاريخ" (2/ 2/ 366)، ثم البيهقي في "الشعب" (4/ 177/ 4720) بما لا يقدح؛ لأنه من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقد صرح محمد بن عمرو بالتحديث في رواية لأحمد (2/ 287)، وهي رواية الترمذي، وأشار إلى مخالفة يحيى بن أبي كثير، فرواه عن أبي سلمة عن يعيش ابن طخفة، وهي الآتية بعده. لكن الحاكم دفع هذه المخالفة بأنه اختلف في إسناده على يحيى بن أبي كثير، ووافقه الذهبي.

(3/188)


ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن قيس بن طغفة (بالغين المعجمة) عن أبيه كالنسائي.
قال أبو عمر النمري:
"
اختلف فيه اختلافاً كثيراً، واضطرب فيه اضطراباً شديداً. فقيل: طهفة بن قيس (بالهاء)، وقيل: طحفة (بالحاء). وقيل: طغفة (بالغين). وقيل: طقفة (بالقاف والفاء). وقيل: قيس بن طخفة. وقيل: عبد الله بن طخفة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل: طهفة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وحديثهم كلهم واحد قال: كنتُ نائماً بالصُّفَّةِ فركَضَني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرجْلِه وقال: "هذه نوْمَةٌ يُبْغِضُها الله". وكانَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ. ومِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ يقولُ: إنَّ الصُّحْبَةَ لأبيه عبد الله، وإنهَ صاحبُ القِصَّةِ" انتهى.
وذكر البخاري فيه اختلافاً كثيراً وقال:
"
طغفة (بالغين) خطأ. والله أعلم".

(3/189)


38 - (
الترهيب من الجلوس بين الظل والشمس، والترغيب في الجلوس مستقبل القبلة).
3081 - (1) [
صحيح] عن أبي عياض عن رجلٍ مِنْ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى أنْ يَجْلِسَ الرجلُ بيْنَ الضَّحِّ والظِّلِّ، وقال:
"
مَجْلِسُ الشيْطانِ".
رواه أحمد بإسناد جيد.

3082 - (2) [
صحيح لغيره] والبزار بنحوه من حديث جابر.

3083 - (3) [
حسن صحيح] وابن ماجه بالنهي وحده من حديث بريدة.
(
الضَّحّ) بفتح الضاد (1) المعجمة وبالحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. وقال ابن الأعرابي: "هو لون الشمس".

3084 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا كانَ أحدُكم في الفَيْءِ -وفي رواية: في الشمس- (2)، فقَلصَ عنهُ الظِّلُّ، فصارَ بعضُه في الشمسِ وبعضُه في الظِّلِّ؛ فلْيَقُمْ".
رواه أبو داود، وتابعيُّه مجهول (3).
__________
(1)
قال الناجي: كذا وقع: (بفتح الضاد)، وهو خطأ بلا خلاف فيه، إنما هو عند أهل اللغة بكسرها على وزن (الظل) ".
(2)
قلت: والسياق يأباها، فهي شاذة. فتأمل.
(3)
قلت: هذا التعبير غير دقيق لأنه يشعر أن الراوي عنه غير تابعي كما هو الغالب، وليس الأمر كذلك هنا، لأنه عند أبي داود (4821) من طريق محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول. . . فإن ابن المنكدر تابعي أيضاً. وأما الحاكم فرواه من طريق أخرى لكنها معلولة.
انظر "الصحيحة" (838).

(3/190)


[
صحيح] والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". ولفظه:
"
نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يجلِسَ الرجلُ بينَ الظِّلِّ والشمْسِ".

3085 - (5) [
حسن] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ لكلِّ شيْءٍ سيِّداً، وإنَّ سيِّد المَجالِسِ قِبالَةَ القِبْلَةِ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.

(3/191)


39 - (
الترغيب في سكنى الشأم (1) وما جاء في فضلها).
3086 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اللهُمَّ بارِكْ لنا في شامِنَا، [اللهم] (2) باركْ لنا في يَمَنِنا".
قالوا: وفي نَجْدِنا؟ (3) قال:
"
اللَّهمَّ بارِكْ لنا في شامِنَا، وبارِكْ [لنا] في يَمَنِنَا".
قالوا: وفي نَجْدِنا؟ قال:
"
هنالك الزلازِلُ والفِتَنُ، وبِها -أو قال: منها- يَخْرُج قرنُ الشيْطانِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن [صحيح] (4) غريب".

3087 - (2) [
صحيح] وعن ابن حوالة -وهو عبد الله- قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سَيَصيرُ الأمْرُ أنْ تكونوا أجْناداً مُجنَّدَةً، جُندٌ بِالشامِ، وجندٌ باليَمَنِ، وجُنْدٌ بالعِراقِ".
قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله! إنْ أدْرَكتُ ذلك. فقال:
__________
(1)
بسكون الهمزة، وتخفف؛ الإقليم الشمالي من شبه (جزيرة العرب)، ويشمل سوريا والأردن وفلسطين إلى عسقلان. انظر "معجم البلدان".
(2)
الأصل: (وبارك)، والتصويب من (الترمذي) والبخاري أيضاً في رواية له، وهو مما فات المؤلف عزوه إليه، وهو مخرج في "الصحيحة" (2246)، كما فات ذلك كله المعلقين الثلاثة، لأنهم مقلدة لا يحسنون البحث والتحقيق، إنما هم مجرد نقلة كما يأتي في التعليق (4).
(3)
أي: (عراقنا) كما في رواية للطبراني وغيره. انظر كتابي "تخريج فضائل الشام" رقم (8).
(4)
قلت: سقطت من الأصل، واستدركتها من "الترمذي" (3948)، وقد استدركها المعلقون الثلاثة -على خلاف عادتهم، ولكن لحداثتهم بالتحقيق لم يحصروها بين معكوفتين أولاً! ثم إنهم استدركوها بواسطة "عجالة الإملاء" ثانياً. وفات المؤلف عزوه لـ (البخاري)، فإنه أخرجه نحوه في "الفتن". انظر المصدر السابق.

(3/192)


"
عليكَ بالشام فإنَّها خِيرَةُ الله مِنْ أرْضِهِ، يَجْتَبِي إليْها خِيرَتَهُ منْ عِبَادِه، فأمَّا إنْ أبَيْتُم فعلَيْكُم بِيَمَنِكُم، واسْقوا مِنْ غُدُرِكم (1)، فإنَّ الله تَوكَّل (وفي رواية: تكفَّل) لي بالشامِ وأهْلِهِ".
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

3088 - (3) [
صحيح لغيره] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أنَّه قامَ يوماً في الناسِ فقال:
يا أيُّها الناسُ! توشِكونَ أنْ تكونوا أجْناداً مجنَّدَةً، جُنْدٌ بالشامِ، وجُنْدٌ بالعراقِ، وجندٌ باليَمنِ".
فقال ابنُ حَوالةَ: يا رسول الله! إنْ أدْرَكني ذلك الزمانُ فاخْتَرْ لي قال:
"
إنِّي أختارُ لكَ الشامَ، فإنَّه خِيرَة المسْلمِينَ، وصَفْوَةُ الله مِنْ بلادِه، يَجْتَبي إليْها صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِه. فَمَنْ أبى فَلْيَلْحَقْ بيَمَنِه، ولَيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فإنَّ الله قد تكفَّل لي بالشامِ وأهْلِه".
رواه الطبراني، ورواته ثقات. (2)

3089 - (4) [
حسن صحيح] ورواه البزار والطبراني أيضاً من حديث أبي الدرداء بنحوه بإسناد حسن.

3090 - (5) [
صحيح لغيره] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُجنَّد الناسُ أجناداً، جندٌ باليمَنِ، وجُنْدٌ بالشامِ، وجندٌ بالمشْرِقِ،
__________
(1)
بضمتين، وكذا (الغدران) جمع (غدير): وهو القطعة من الماء يغادرها السيل، أي يتركها. كذا في "العجالة".
(2)
كذا قال! وتبعه الهيثمي (10/ 59)، وفيه فضالة بن شريك، قال أبو حاتم: "لا أعرفه". ولم يوثقه أحد!

(3/193)


وجندٌ بالمغْرِبِ".
فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! خِرْ لي، إنِّي فَتىً شَابٌّ، فلَعلِّي أُدْرِكُ ذلك، فأيُّ ذلك تَأْمُرُني؟ قال:
"
عليكَ بالشَّامِ".
رواه الطبراني من طريقين إحداهما حسنة.
[
صحيح] وفي رواية له عنه قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمان ومعاذِ بْنِ جَبلٍ وهُما يَسْتَشِيرانِه في المَنْزلِ، فأَوْمَأَ إلى الشَّام، ثُمَّ سَألاه؟ فأَوْمَأَ إلى الشام، قال:
"
عليكم بالشامِ؛ فإنَّها صَفْوَةُ بلادِ الله، يسْكُنُها خِيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ، فَمَنْ أبى فَلْيَلْحَقْ بيَمَنِه، وليسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فإنَّ الله تكَفَّل لي بالشام وأهْلِهِ".

3091 - (6) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ستكونُ هجرةٌ بعدَ هجرةٍ، فخيارُ أهلِ الأرضِ ألزَمُهم مُهاجَر (1)! إبراهيمَ، ويبقى في الأرض أشرارُ أهلِها تلفظُهم أَرَضُوهم، وتَقْذَرُهم نَفْسُ اللهِ، وتحشرهم النارُ مع القردة والخنازير".
رواه أبو داود عن شهر عنه، والحاكم عن أبي هريرة عنه، وقال:
"
صحيح على شرط الشيخين". كذا قال! (2)
__________
(1)
بفتح الجيم: موضع المهاجرة، ويريد بلاد الشام، لأن إبراهيم عليه السلام لما خرج من أرض العراق مضى إلى الشام وأقام به. "نهاية".
(2)
يشير المؤلف إلى أنه ليس على شرط الشيخين لأن فيه عنده (4/ 510 - 511) (عبد الله بن صالح المصري)، لم يرو له الشيخان، وروى له البخاري تعليقاً، ثم إن فيه ضعفاً من قبل حفظه، وهو عنده (4/ 486) من طريق (شهر) أيضاً، وإن من أوهام الشيخ الناجي أنه أنكر في "عجالته" (205/ 1) أن يكون الحاكم رواه عن أبي هريرة عن ابن عمرو!! ومن تخليطات الثلاثة وخبطهم أنهم =

(3/194)


3092 - (7) [
صحيح] وعنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنِّي رأيْتُ كأنَّ عَمودَ الكتابِ انْتُزِع مِنْ تحتِ وسادَتي، فأتْبَعْتُه بَصرِي، فإذا هو نورٌ ساطعٌ، عُمِدَ بِه إلى الشامِ، ألا وإنَّ الإيمانَ إذا وقَعَتِ الفِتَنُ بالشَّامِ".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما". (1)

3093 - (8) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث عمرو بن العاصي.

3094 - (9) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
بينا أنا نائِمٌ رأيتُ عمود الكِتابِ احْتُمِل مِنْ تحْتِ رأْسي فَعُمِدَ به إلى الشام، ألا وإنَّ الإِيمانَ حِينَ تَقَعُ الفِتَنُ بالشامِ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".

3095 - (10) [
صحيح] وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً ونحنُ عنْدَهُ:
"
طويى لِلشَامِ، إنَّ ملائِكَةَ الرَّحْمنِ باسِطَةٌ أجْنِحَتها علَيْهِ".
__________
=
عزوه للحاكم بالرقم الأول وقالوا: "وفيه شهر بن حوشب. . ."، وإنما هذا عنده بالرقم الآخر كما تقدم. ثم إنهم ضعفوه لجهلهم بالطريق التي صححها الحاكم، ولا علقوا عليه!! وقد خرجته من طريقيه مع شاهد له في "الصحيحة" (3203).
(1)
هنا في الأصل: "وفي رواية للطبراني: "إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام")، فحذفته لضعفه، وهو مخرج في "الضعيفة" (6776)، وخلط هنا المعلقون كعادتهم غير متقين ربهم في حديث نبيهم فشملوا الصحيح والضعيف بقولهم: "حسن. . " دون تمييز!! فجاروا على الصحيح، فأنزلوه من رتبته، وتكرموا فرفعوا من رتبة الضعيف!!

(3/195)


رواه الترمذي وصححه، وابن حبان في "صحيحه".

3096 - (11) [
صحيح] وعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سَيَخْرُج عليكُم في آخِرِ الزَّمانِ نارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُر الناسَ".
قال: قلنا: بما تأْمُرنا يا رسولَ الله؟ قال:
"
عليكم بالشامِ".
رواه أحمد والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".

3097 - (12) [
صحيح] وعن أبي الدرداء؛ أنه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
يومُ (1) المَلْحَمةِ الكُبْرى فُسْطاطُ المسْلِمينَ بأرْضٍ يقالُ لها: (الغوْطَةُ)؛ فيها مَدينَةٌ يقال لها: (دِمَشْق)؛ خيرٌ مَنازِلِ المسْلمينَ يَوْمَئذٍ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
قوله: "فسطاط المسلمين" بضم الفاء؛ أي: مجتمع المسلمين.
__________
(1)
الأصل وطبعة عمارة (في)، والتصحيح من "المستدرك". وسنده ضعيف، وقد أبعد المؤلف النجعة، فقد رواه أبو داود وأحمد بلفظ: "فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى. . .".
وسندهما صحيح، وهو مخرج في "فضائل الشام" (الحديث - 15).

(3/196)


40 - (
الترهيب من الطيرة).
3098 - (1) [
صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطيَرةُ شِرْكٌ، الطيَرةُ شِرْكٌ، وما مِنّا إلا، ولكنَّ الله يُذْهبُه بالتُّوكُّلِ".
رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".
(
قال الحافظ): "قال أبو القاسم الأصبهاني (1) وغيره: "في الحديث إضمار، والتقدير: وما منا إلا وقد يقع في قلبه شيء من ذلك؛ يعني قلوب أمته، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل على الله، ولا يثبت على ذلك".
هذا لفظ الأصبهاني، والصواب ما ذكره البخاري وغيره أن قوله: "وما منا. . . ". إلى آخره من كلام ابن مسعود؛ مدرج غير مرفوع.
(
قال الخطابي): وقال محمد بن إسماعيل: "كان سليمان بن حرب ينكر هذا الحرف ويقول: ليس من قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكأنه قول ابن مسعود". وحكى الترمذي عن البخاري أيضاً عن سليمان بن حرب نحو هذا (2) ".

3099 - (2) [
حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَنْ ينالَ الدَّرجاتِ العُلى مَنْ تَكَهَّنَ أو اسْتَقْسَمَ، أوْ رَجع مِن سَفرٍ تَطَيُّراً".
رواه الطبراني والبيهقي، وأحد إسنادي الطبراني ثقات. [مضى 32 - باب].
__________
(1)
في كتابه "الترغيب والترهيب" (1/ 309)، وصححت منه خطأً كان في الأصل.
(2)
قلت: والراجح عندي أنه مرفوع من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما هو مبين في "الأحاديث الصحيحة" (430)؛ ولذلك جعلته بين الأهلة".

(3/197)


41 - (
الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية).
3100 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنِ اقْتَنى كَلْباً إلا كلبَ صَيْدٍ أو مْاشِيَةٍ، فإنَّه يَنْقصُ مِنْ أَجْرِهِ كلُّ يومٍ قيراطانِ".
رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. (1)
وفي رواية للبخاري: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَن اقْتَنى كلباً ليْسَ بِكَلْبِ ماشِيَةٍ أوْ ضارية (2)؛ نَقَصَ كلَّ يومٍ مِنْ عمله قِيراطَان". ولمسلم:
"
أيُّما أَهْل دارٍ اتَّخَذوا كلباً إلا كَلْبَ ماشِيَة أوْ كلْبَ صائدٍ؛ نَقصَ منْ عَمَلِهمْ كلَّ يومِ قِيراطانِ".

3101 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أَمْسكَ كَلْباً فإنَّه يَنْقُص مِنْ عَملِه كلَّ يومٍ قيراطٌ؛ إلا كَلْبَ حرْثٍ أوْ ماشِيَةٍ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:
"
مَنِ اقْتَنى كَلْباً ليس بِكَلْبِ صَيْدٍ ولا ماشِيَةٍ ولا أرْضٍ؛ فإنَّه يُنْقَصُ مِنْ أجْرِه قِيراطَان كلَّ يومٍ".
__________
(1)
قلت: والسياق له؛ إلا أنه قال: "نقص. . " إلى آخره، ليس عنده: "فإنه ينقص"، وهو عند البخاري (5481)؛ إلا أنه قال: "إلا كلب ماشية أو ضارياً". ومنه يبدو أن المؤلف لفق الحديث من روايتين! وقد مضى له أمثلة.
(2)
الأصل: (صيد)، والتصويب من البخاري (5480 - فتح).

(3/198)


3102 - (3) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال:
إنِّي لَمِمَّنْ يرفَعُ أغْصانَ الشجرةِ عَنْ وَجْهِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يَخْطُبُ فقالَ:
"
لَوْلا أنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِها، فاقْتُلوا مِنْها كلَّ أَسْودَ بَهِيمٍ، وما مِنْ أهْلِ بيْتٍ يَرْتَبِطونَ كَلْباً؛ إلا نَقصَ مِنْ عَملِهمْ كلَّ يومٍ قيراطٌ إلا كَلْبَ صيْدٍ، أوْ كلبَ حَرْثٍ، أو كلْبَ غَنمٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه، إلا أنه قال:
"
وما مِنْ قوم اتَّخذوا كلْباً إلا كَلْبَ ماشِيَةِ، أو كلْبَ صَيْدٍ، أو كلْبَ حَرْثٍ؛ إلاَّ نقَصَ مِنْ أُجورِهِم كلَّ يومٍ قِيراطَانِ".

3103 - (4) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
واعدَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبرْيلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ساعَةٍ أن يَأْتِيَهُ، فجاءَتْ تلكَ الساعةُ ولَمْ يَأتِه، قالَت: وكانَ بِيَدِهِ عصاً فطَرَحها مِنْ يَدِه، وهو يقول:
"
ما يُخْلِفُ الله وعدَه ولا رُسلُه".
ثُمَّ الْتَفَتَ فإذا جَرْوُ كَلْبٍ تحتَ سَريرِه، فقال:
"
متى دَخَل هذا الكلْبُ؟ ".
فقلتُ: والله ما دريتُ؟ فأمرَ به فأُخْرِجَ، فجاءَهُ جِبْريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
وَعَدْتَني فجلَسْتُ لكَ ولَمْ تأتني"، فقال: منَعني الكلبُ الذي كانَ في بَيْتِكَ، إنَّا لا نَدْخل بَيْتاً فيه كَلْبٌ ولا صورَةٌ.
رواه مسلم.

(3/199)


3104 - (5) [
صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه قال:
احْتَبسَ جبريلُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لَهُ:
"
ما حَبسَك؟ "، فقالَ:
"
إنَّا لا ندخُلُ بَيْتاً فيه كلْبٌ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".

3105 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتاني جِبْريلُ فقال: إنِّي كنتُ أَتيْتُك البارِحَةَ فلَمْ يَمْنعني أنْ أكونَ دخلتُ عليك البيتَ الذي كنتَ فيه إلا أنَّه كانَ في بابِ البَيْتِ تِمثالُ الرجالِ، وكانَ في البيتِ قِرامُ سِتْرٍ فيه تَماثيلُ، وكان في البيتِ كلْبٌ، فَمُرْ برأْسِ التمثالِ الذي بالبابِ فليُقَطَّعْ فيصيرَ كهَيْئَةِ الشجَرةِ، ومُرْ بالسّتْرِ فلْيُقَطَّعْ، ويُجْعَل منه وسادَتَيْنِ منتَبَذَتَيْن تُوطآنِ، ومُرْ بالكَلْبِ فيُخرَجَ".
فَفعلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ذلك الكلبُ جَرواً للحُسيْنِ أو للحَسن تحت نَضَدٍ له، فأُمِرَ به فأُخْرِجَ".
رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه". [مضى هنا/ 33].
(
الَّضَد) بفتح النون والضاد المعجمة: هو السرير؛ لأنه ينضد عليه المتاع.

3106 - (7) [
حسن صحيح] وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:
دخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه الكآبةُ، فسألتهُ ما له؟ فقال:
"
لم يأتني جبريلُ منذ ثلاثٍ". فإذا جرو كلبٍ بين بيوته. . .، فبدا له جبريلُ عليه السلام، فهشَّ إليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:

(3/200)


"
ما لكَ لم تأتني؟ ". فقال:
"
إنا لا ندخلُ بيتاً فيه كلبٌ ولا تصاويرُ".
رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح" (1).
ورواه الطبراني في "الكبير" بنحوه.
وقد روى هذه القصة غير واحد من الصحابة بألفاظ متقاربة، وفيما ذكرنا كفاية.
__________
(1)
قلت: في إسناده (5/ 203) (الحارث بن عبد الرحمن)، وهو العامري، ليس من رجال "الصحيح"، وقد وثقه غير واحد، ولم يروِ عنه إلا واحد، والقصة محفوظة عن جمع من الصحابة كما أشار إلى ذلك المؤلف، لكن ليس في شيء من طرقهم قوله في الكلب: "فأمر به فقتل"، فهو منكر، أو شاذ على الأقل، ولذلك حذفته مشيراً إليه بالنقط، ولا يقويه رواية الطبراني التي عقب بها المؤلف، فإنها عنده في "المعجم الكبير" (1/ 125/ 387) من طريق خالد بن يزيد العمري. . . ولفظه: "قال أسامة: فوضعت يدي على رأسي فصحت، فقال: ما لك يا أسامة؟ فقلت: كلب، فأمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقتل. . ."، فإن العمري هذا كذاب، وهو مخرج في "الضعيفة" (6778).
وانظر "صحيح الترغيب" هنا، و"آداب الزفاف" (190 - 197/ المكتبة الإسلامية - عمان).

(3/201)


42 - (
الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط، وما جاء في: خير الأصحاب عدة (1)).
3107 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لو أنَّ الناسَ يعلَمونَ مِنَ الوِحْدَةِ ما أعَلَمُ، ما سارَ راكبٌ بلَيلٍ وَحْدَهُ".
رواه البخاري والترمذي، وابن خزيمة في "صحيحه".

3108 - (2) [
حسن صحيح] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده:
أنَّ رجلاً قَدمَ مِنْ سَفرٍ، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ صَحِبْتَ؟ ".
قال: ما صَحِبْتُ أحَداً. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الراكبُ شيطانٌ، والراكبانِ شَيْطانان، والثلاثَةُ رَكبٌ".
رواه الحاكم وصححه، وروى المرفوع منه مالك وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" وبوب عليه: "باب النهي عن سفر (2) الاثنين، والدليل على أن ما دون الثلاثة من المسافرين عصاة؛ إذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أعلم أن الواحد شيطان والاثنين شيطانان، ويشبه أن يكون معنى قوله: "شيطان" أي: عاص كقوله: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} معناه: عصاة الإنس والجن" اانتهى.

3109 - (3) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الواحِدُ شيْطانٌ، والاثْنانِ شَيْطانانِ، والثلاثَةُ رَكْبٌ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".
__________
(1)
يشير بذلك إلى حديث ابن عباس: خير الصحابة أربعة. . . "، وهو في "الضعيف".
(2)
الأصل: (سير)، وكذا في مطبوعة "صحيح ابن خزيمة" (4/ 151)، والصواب ما أثبته كما يدل عليه السياق.

(3/202)


43 - (
ترهيب المرأة من أن تسافر وحدها بغير محرم).
3110 - (1) [
صحيح] عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ أنْ تُسافِرَ سَفَراً يكونُ ثلاثَةَ أيّامٍ فَصاعِداً إلا ومَعها أبوها، أوْ أخوها، أوْ زوجُها، أو ابْنُها، أوْ ذو مَحْرَمٍ منها".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وفي رواية للبخاري ومسلم:
"
لا تُسافِر المرأَةُ يومَيْنِ مِنَ الدهر إلا ومَعها ذو مَحْرَمٍ منها أوْ زَوْجُها" (1).

3111 - (2) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ ثلاثاً إلا ومَعها ذو مَحْرَمٍ منها".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
__________
(1)
قال الناجي (205/ 2): "اللفظ الأول ليس في "البخاري" بلا شك، إنما هو في مسلم وأبي داود والترمذي، وهو عند ابن ماجه بلفظ: "لا تسافر المرأة"، وأما لفظه الثاني فلمسلم، ورواه الشيخان أيضاً نحوه في حديث دون قوله: (من الدهر) ".
قلت: وأما المعلقون الثلاثة، المدعون للتحقيق، فلم يتورعوا عن التدليس وتعمية الحقيقة على القراء عمداً أو جهلاً، فقالوا: "رواه البخاري (1197)، ومسلم (827) "!! والرقم الأول يشير إلى الحديث الذي أشار إليه الناجي، وفيه حديث الباب مختصراً جداً بلفظ: "لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم": والرقم الثاني يشير إلى حديث آخر في النهي عن الصلاة بعد العصر والفجر! وصواب رقم الرواية الأولى عند مسلم (1340)، والأخرى (1338/ 2)، وهم اغتروا بالرقم الذي وضعه (محمد فؤاد عبد الباقي)، وهو غير دقيق لأنه يشير إلى طرف من الحديث الذي جاء في "الحج" كاملاً، وتقدم الطرف الذي أشار إليه في "الصلاة"! وهم لحداثتهم وجهلهم لا ينتبهون لمثل هذه الاصطلاحات!

(3/203)


3112 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ تسافِرُ مسيرَةَ يومٍ وليلَةٍ إلا مَعَ ذي مَحْرَمٍ عليها".
[
صحيح] وفي رواية:
"
مسيرَةَ يَوْمٍ".
[
صحيح] وفي أخرى:
"
مسيرَةَ ليلةٍ إلا ومَعها رجلٌ ذو مَحْرَمٍ منها".
رواه مالك، والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه". (1)
__________
(1)
هنا في الأصل: "وفي رواية لأبي داود وابن خزيمة: أن تسافر بريداً". وهي شاذة، فحذفتها من هنا، وبيان ذلك في "الضعيفة" (2727)، وأما الجهلة الثلاثة فشملوها بالتصحيح!

(3/204)


44 - (
الترغيب في ذكر الله لمن ركب دابته).
3113 - (1) [
حسن صحيح] عن أبي لاسٍ الخزاعي رضي الله عنه قال:
حَملَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إِبِلٍ مِنْ إبِل الصَّدقةِ بُلَّحٍ، فقلنا: يا رسولَ الله! ما نَرى أنْ تَحمِلَنا هذه. فقال:
"
ما مِنْ بَعيرٍ إلا في ذِرْوَتِه شيطانٌ، فاذْكروا اسْمَ الله عزَّ وجلَّ إذا رَكِبْتُموها كما أمرَكمُ الله، ثُمَّ امْتَهِنوها لأنْفُسِكُمْ، فإنَّما يَحْمِلُ اللهُ عَزَّ وجلَّ".
رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه" (1).
قوله: (بُلَّحٍ) هو بضم الموحدة وتشديد اللام بعدها حاء مهملة، ومعناه: أنها قد أعيت وعجزت عن السير، يقال: (بَلَّحَ الرجل) بتخفيف اللام وتشديدها؛ إذا أعيا فلم يقدر أن يتحرك. واسم أبي لاسٍ -بالسين المهملة- عبد الله بن غَنَمَةٍ، وقيل: زياد، له حديثان عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أحدهما هذا.

3114 - (2) [
حسن صحيح] وعن محمد بن حمزة بن عمروٍ الأسلمي؛ أنه سمع أباه يقول: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
على كلِّ بعيرٍ شيطانٌ، فإذا ركِبْتُموها فسَمُّوا الله عزَّ وجلَّ، ولا تَقْصُروا عنْ حَاجاتِكُمْ".
رواه أحمد والطبراني وإسنادهما جيد.
__________
(1)
قلت: وعلقه البخاري في "صحيحه"، انظر "مختصري لصحيح البخاري (1/ ص 434 - 242 معلق) "، وهو مخرج في "الصحيحة" (2271).

(3/205)


45 - (
الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره).
3115 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَصْحَبُ الملائِكَةُ رُفقةً فيها كلبٌ أو جَرسٌ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

3116 - (2) [
صحيح] وعنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الجَرَسُ مزاميرُ الشيْطانِ".
رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه".

3117 - (3) [
حسن لغيره] وعن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تَصْحَبُ الملائِكَةُ رُفْقَةً فيها جَرَسٌ".
رواه أبو داود والنسائي.
[
حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه". ولفظه: قال:
"
إنَّ العيرَ التي فيها الجَرسُ لا تَصْحَبُها الملائكَةُ".

3118 - (4) [
صحيح] وعن عائشةَ رضي الله عنها:
"
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بالأجْراسِ أنْ تُقَطَّعَ مِنْ أعْناقِ الإِبِل يومَ بَدْرٍ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1).

3119 - (5) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه:
"
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بقَطْعِ الأجْراسِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه" أيضاً.
__________
(1)
قلت: وأحمد أيضاً (6/ 150).

(3/206)


3120 - (6) [
حسن لغيره] وعن بُنانة مولاة عبد الرحمن بن حيان (1) الأنصاري:
أنها كانت عند عائشة إذ دُخِل عليها بجارية وعليها جلاجل يصوتن، فقالت:
لا تُدْخِلْنَها عليَّ إلا أنْ تُقَطّعْنَ جَلاجِلَها، وقالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا تدخُلُ الملائكةُ بيتاً فيه جَرَسٌ".
رواه أبو داود.
(
بُنانة): بضم الباء الموحدة ونونين.

3121 - (7) [
صحيح لغيره] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تَصْحَبُ الملائكةُ رُفْقةً فيها جُلْجُلٌ (2) ".
[
صحيح لغيره] وفي رواية: قال أبو بكر بن أبي شيخ:
كنتُ جالساً مع سالمٍ فمرَّ بنا ركبٌ لأُمِّ البنين مَعهُم أجْراسٌ، فَحدَّث سالِمٌ عن أبيه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تصحبُ الملائكةُ رَكْباً معهم جُلْجُلٌ".
كمْ تَرى معَ هؤلاءِ مِنْ جُلْجُلٍ؟!
رواه النسائي.
__________
(1)
بفتح المهملة والمثناة التحتية كما في "العجالة" (206/ 2)، ووقع في الأصل بالموحدة! وفي مطبوعة حمص: (حسان)! وعلى هامشه: "في نسخة (حيان) بالياء".
(2)
هو الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها. كما في "النهاية".

(3/207)


46 - (
الترغيب في الدُّلْجة -وهو السير بالليل-، والترهيب من السفر أوله (1)، ومن التعريس في الطرق، والافتراق في المنزل، والترغيب في الصلاة إذا عَرَّسَ الناس).
3122 - (1) [
صحيح لغيره] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عليكم بالدُّلْجةِ؛ فإنَّ الأرضَ تُطوى باللَّيْلِ".
رواه أبو داود (2).

3123 - (2) [
صحيح لغيره] وعن جابرٍ -هو ابن عبد الله- رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تُرْسِلوا فَواشِيَكُم [وصِبْيانَكُمْ] (3) إذا غابَتِ الشمسُ حتّى تذهبَ
__________
(1)
قلت: هذا مما لم يظهر لي دلالة أحاديث الباب عليه. وإن كان قد سبقه إلى ذلك جمع كالبغوي وغيره، وهي وغيرها مما ذكروا -خاصة بحالة الإقامة- بقرينة حبس الصبيان وغيرهم، كالأمر بغلق الأبواب وغيره مما جاء في "الصحيحين" وغيرهما، وما زال المسلمون منذ العهد الأول إلى اليوم يسافرون أول الليل، لا يفرقون بينه وبين وسطه وآخره، ويدل عليه عموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل"، وهو الذي مال إليه ابن الأثير، وقد شرحت ذلك في "الضعيفة" تحت الحديث (6847).
(2)
قلت: وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقد أُعلَّ بما لا يقدح كما بينته في "الصحيحة" (681 و682).
(3)
زيادة من "مسلم". و" (الفواشي) جمع (فاشية): وهي الماشية التي تنتشر من المال كالإبل والبقر والغنم السائمة، لأنها تفشو؛ أي: تنتشر في الأرض"؛ كما في "النهاية". وكان الأصل (مواشيكم)، فصححته من "مسلم" و"أبي داود" و"المسند" أيضاً (3/ 312 و386 و395). وفيه عنعنة أبي الزبير عن جابر، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه، لكن قد صرح في رواية الحميدي في "مسنده" بالتحديث، لكن ليس فيها ذكر (فواشيكم)، وكذلك لم ترد في حديث عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار عن جابر عند الشيخين وغيرهما، فأخشى أن لا تكون محفوظة، فإن وجد لها طريق آخر أو شاهد، وإلا فهي منكرة أو شاذة كما حققته في "الصحيحة" (3454).

(3/208)


فَحْمةُ العشَاءِ، فإنَّ الشياطين تَعْبَثُ (1) إذا غابَتِ الشمسُ حتى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشَاءِ". (2)
رواه مسلم وأبو داود والحاكم، ولفظه:
"
احْبِسوا صبْيانَكُم حتى تَذْهَبَ فوْعَةُ العشَاءِ (2)، فإنَّها ساعَةٌ تَخْتَرِقُ فيها الشَياطينُ".
وقال: "صحيح على شرط مسلم".

3124 - (3) [
صحيح لغيره] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أقِلُّوا الخُروجَ إذا هَدَأتِ الرِّجْلُ، إنَّ الله يَبُثُّ في لَيْلهِ مِنْ خَلْقِه ما شاءَ".
رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

3125 - (4) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا سافَرْتُمْ في الخِصْبِ فأعْطوا الإبِلَ حَظَّها مِنَ الأَرْضِ، وإذا سافَرْتُمْ في الجَدْبِ فأسْرِعوا علَيها السَيْرَ، وبادِروا بها نِقْيَها، وإذا عَرَّسْتُم فاجْتَنِبوا الطريقَ؛ فإنَّها طريقُ الدَّوابِّ ومَأْوى الهوامِّ باللَّيْلِ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
(
نِقْيَها) بكسر النون وسكون القاف بعدها ياء مثناة تحت؛ أي: مخّها، ومعناه:
__________
(1)
كذا الأصل. وفي نقل الناجي (تبعث) وقال: "كذا وجد في نسخ "الترغيب"، وإنما لفظ مسلم (تنبعث) من الانبعاث، ولفظ أبي داود (تعيث) من العيث".
قلت: وما في الأصل لفظ أحمد.
(2)
قوله: (فوعة العشاء) بالفاء والواو: أوله. و (تخترق) أي: تنتشر، وهي بمعنى (فحمة العشاء). قال في "النهاية": "هي إقباله وأول سواده، يقال للظلمة التي بين صلاتي العشاء: (الفحمة)، وللظلمة التي بين العتمة والغداة (العَسْعَسْة) ".

(3/209)


أسرعوا حتى تصلوا مقصدكم قبل أن يذهب مخّها من ضَنْك السير والتعب.

3126 - (5) [
حسن لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إيَّاكُمْ والتعريسَ على جَوادّ الطريقِ. . .، (1) فإنَّها مأْوى الحيّاتِ والسِّبَاعِ، وقضاءَ الحاجَةِ عليها؛ فإنَّها الملاعِنُ".
رواه ابن ماجه؛ ورواته ثقات.
(
التعريس): هو نزول المسافر آخر الليل ليستريح.

3127 - (6) [
صحيح] وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال:
كان الناسُ إذا نَزلوا تفرَّقوا في الشِّعابِ والأوْدِيَةِ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ تَفُرُّقَكُم في الشِّعابِ والأوْدِيَةِ إنَّما ذلكم مِنَ الشيْطانِ".
فلَمْ يَنْزِلوا بعدَ ذلك مَنْزِلاً إلا انْضَمَّ بعضُهُم إلى بَعْضٍ.
رواه أبو داود والنسائي (2).
__________
(1)
هنا في الحديث: "والصلاة عليها".، فحذفته، لأنه لا شاهد معتبر له. وأما المعلقون الثلاثة الظلمة فقالوا: "حسن بشاهده المتقدم"، وليس فيه الصلاة كما ترى!
(2)
فاته أحمد في "المسند" (4/ 193)، وزاد: "حتى إنك لتقول: لو بسطت عليهم كساء لعمهم، أو نحو ذلك".

(3/210)


47 - (
الترغيب في ذكر الله لمن عَثَرت دابته).
3128 - (1) [
صحيح] عن أبي المليِح عن أبيه رضي الله عنه قال:
كنتُ رديفَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعَثَرَ بَعيرُنا، فقلتُ: تَعِسَ الشيطانُ، فقال لي النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَقُلْ تَعِسَ الشيطانُ؛ فإنَّه يَعْظُم حتى يَصيرَ مثلَ البَيْتِ، ويقولُ:
بقُوَّتي، ولكنْ قُلْ: بِسْمِ الله؛ فإنَّه يَصْغُر حتى يَصيرَ مِثْلَ الذُّبابِ".
رواه النسائي (1)، والطبراني، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

3129 - (2) [
صحيح] وعن أبي تميمة الهجيمي عَمَّنْ كان رِدفَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
كنتُ رِدْفَهُ على حمارٍ فَعَثَرَ الحِمارُ، فقلتُ: تَعِسَ الشيطانُ. فقال لي النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا تَقُلْ تَعِسَ الشيطانُ؛ فإنَّك إذا قلتَ: تَعِسَ الشيطانُ؛ تَعاظَم في نَفْسِهِ، وقال: صرَعْتُه بقُوَّتي، وإذا قلتَ: بِسْمِ الله؛ تَصاغَرتْ إليه نَفْسُهُ حتى يكونَ أَصْغَرَ مِنْ ذُبابٍ".
[
صحيح] رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي، والحاكم؛ إلا أنه قال:
"
وإذا قيلَ: بِسْمِ الله؛ خَنَسَ حتى يصيرَ مِثْلَ الذبابِ".
وقال: "صحيح الإسناد".
__________
(1)
أي: في "اليوم والليلة"؛ كما في "العجالة".

(3/211)


48 - (
الترغيب في كلمات يقولهن من نزل منزلاً).
3130 - (1) [
صحيح] عن خولة بنت حكيمٍ رضي الله عنها قالَتْ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ نَزلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قال: (أعوذُ بِكَلِماتِ الله التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلقَ)؛ لَمْ يَضُرَّهُ شيْءٌ حتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِه ذلكَ".
رواه مالك ومسلم والترمذي، وابن خزيمة في "صحيحه".

(3/212)


49 - (
الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر).
3131 - (1) [
صحيح] عن أم الدرداء قالت: حدثني سيدي (1)؛ أنه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إذا دعا الرجلُ لأَخيه بِظَهْرِ الغَيْبِ قالتِ الملائِكَةُ: ولكَ بِمِثْلٍ".
رواه مسلم، وأبو داود واللفظ له.
(
قال الحافظ): "أم الدرداء هذه هي الصغرى، تابعية، واسمها (هُجيمة) ويقال: (جهيمة) بتقديم الجيم، ويقال: (جمانة) ليس لها صحبة، إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى، واسمها (خيرة) وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث، قاله غير واحد من الحفاظ".

3132 - (2) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثَلاثُ دَعواتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوةُ الوالِدِ، ودَعوَةُ المظْلومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ".
رواه أبو داود والترمذي في موضعين وحسنه في أحدهما. [مضى 15 - الدعاء/ 6].

3133 - (3) [
حسن] وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ثلاثَةٌ تُسْتَجابُ دَعْوَتُهم: الوالِدُ والمُسافِرُ والمظْلومُ".
رواه الطبراني في حديث بإسناد جيد. [مضى 20 - القضاء/ 5].
__________
(1)
تعني زوجها أبا الدرداء. وهي الصغرى كما قال المؤلف، وأما أم الدرداء الكبرى فهي زوجته أيضاً، وقد توفيت قبله، فتزوج بعدها الصغرى. انظر "العجالة".

(3/213)


50 - (
الترغيب في الموت في الغربة).
3134 - (1) [
حسن] عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال:
ماتَ رجلٌ بالمدينَةِ مِمَّنْ وُلدَ بها، فَصلَّى عليه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قال:
"
يا لَيْتَهُ ماتَ بِغَيْر مَوْلِدِه".
قالوا: ولِمَ ذاكَ يا رسولَ الله؟ قال:
"
إنَّ الرجلَ إذا ماتَ بغيرِ مَوْلِده قِيسَ لَهُ مِنْ (1) مَوْلِدِه إلى مُنْقَطَع أثَرِه (2) في الجنَّةِ".
رواه النسائي واللفظ له، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
الأصل: (قيس بين مولده)، والتصحيح من "النسائي" (1/ 259)، وكذا هو في المصدرين الآخرين. ومع خطأ ما في الأصل وفساد معناه لم يتنبه له الثلاثة المعروفون، فأثبتوه كما هو (3/ 667)!
(2)
أي: أجله. قال السندي رحمه الله: "لعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرد بذلك: يا ليته مات بغير المدينة، بل أراد يا ليته كان غريباً مهاجراً إلى المدينة ومات بها، فإن الموت في غير مولده فيمن مات بالمدينة كما يتصور بأن يولد في المدينة ويموت في غيرها -كذلك يتصور بأن يِولد في غير المدينة ويموت بها، فليكن التمني راجعاً إلى هذا الشق حتى لا يخالفَ الحديثُ حديث فضل الموت بالمدينة المنورة".
وأقول: إرجاع التمني إلى الشق المذكور ينافيه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ليته مات بغير مولده" أي: بغير المدينة، فكيف يحمل على من مات في المدينة؟! والذي يبدو لي أن الحديث على ظاهره، وأنه لا ينافي فضل الموت بالمدينة، لأن هذا الفضل خاص بمن سكنها وصبر على لأوائها حتى الممات كما أشار إلى ذلك المؤلف فيما تقدم [11 - الحج/ 15]: "الترغيب في سكنى المدينة حتى الممات. . ."، وحينئذ فإذا مات هذا الساكن في المدينة في الغربة يكون أفضل له مما لو مات فيها. والله أعلم.

(3/214)


24 -
كتاب التوبة والزهد.
1 - (
الترغيب في التوبة والمبادرة بها وإتْباع السيئة الحسنة).
3135 - (1) [
صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ يَبسُطُ يَدهُ بالليلِ لِيَتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويَبْسُطُ يدَهُ بالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ الليلِ حتى تَطْلُعَ الشمسُ منْ مَغْرِبِها" (1).
رواه مسلم والنسائي.

3136 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ تابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِها؛ تابَ الله عَليْهِ".
رواه مسلم.

3137 - (3) [
حسن] وعن صفوان بن عسَّالٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ مِنْ قِبَلِ المغْرِبِ لَباباً مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أرْبعونَ عاماً، أوْ سَبعون سنَةً، فَتَحهُ الله عزَّ وجلَّ للتوْبَةِ يومَ خَلقَ السَّمواتِ والأَرْضَ، فلا يُغْلِقُه حتى تَطْلُعَ الشمسُ منهُ".
رواه الترمذي في حديث، والبيهقي واللفظ له، (2) وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".
__________
(1)
حقيقة التوبة: العزم على أن لا يعاود الذنب، والإقلاع عنه في الحال، والندم عليه في الماضي، وإن كان في حق آدمي فلا بد من أمر رابع، وهو التحلل منه، هكذا فسرها كثير من العلماء.
(2)
قلت: أخرجه في "الشعب" (5/ 400/ 7076) مرفوعاً. وقوله: (أو سبعون سنة) شك من بعض الرواة، وأكثر الرواة على (أربعون عاماً) كما حققته في "الضعيفة" تحت لفظ ثالث منكر تحت رقم (6951).

(3/215)


وفي رواية له وصححها أيضاً:
قال زِرٌّ -يعني ابن حبيش-: فما بَرِح -يعني صفوان- يحدثني حتى حدثني:
"
أنَّ الله جعَلَ بالمغْرِبِ باباً عَرْضُهُ مسيرَةُ سَبْعين عاماً لِلتوبَةِ، لا يُغْلَقُ ما لَمْ تَطْلُع الشمسُ مِنْ قِبَلِه، وذلك قولُ الله تَعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية".
وليس في هذه الرواية ولا الأولى (1) تصريح برفعه كما صرح به البيهقي، وإسناده صحيح أيضاً.

3138 - (4) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لوْ أخْطَأْتُمْ حتَّى تبلُغَ السماءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ؛ لَتابَ الله عليْكُمْ".
رواه ابن ماجه بإسناد جيد.

3139 - (5) [
حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوابُونَ".
رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم؛ كلهم من رواية علي بن مسعدة، وقال الترمذي:
"
حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة". وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".
__________
(1)
قلت: يعني روايتي الترمذي؛ بخلاف رواية البيهقي الصريحة في الرفع، وقوله: "وإسناده صحيح" فيه تسامح، وإنما هو حسن فقط لأن فيه عندهم جميعاً عاصم بن أبي النجود، ومن طريقه رواه أحمد (4/ 239 - 240)، وابن ماجه (4070)، والحميدي في "مسنده" (881)؛ كلهم صرحوا برفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم المحفوظ في الحديث (أربعين عاماً) كما تقدم آنفاً.

(3/216)


3140 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ عبْداً أصابَ ذَنباً فقالَ: يا ربِّ! إنِّي أذْنَبْتُ ذَنْباً فاغْفِرْهُ لي، فقال لهُ ربُّه: عَلمَ عبْدي أنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَنبَ ويأخُذُ بِه، فَغفَر لَهُ، ثُمَّ مكَثَ ما شاءَ الله ثُمَّ أَصابَ ذَنْباً آخَرَ، ورُبَّما قال: ثُمَّ أذْنَب ذَنْباً آخَرَ، فقال: يا ربِّ! إنِّي أذْنَبْتُ ذَنْباً آخَر فاغْفِرْهُ لي، قال ربُّه: عَلِمَ عَبْدي أنَّ لَهُ ربّاً يغْفِرُ الذنْبَ ويأْخُذُ بِهِ؛ فَغَفَر لَهُ، ثُمَّ مكَثَ ما شاءَ الله، ثُمَّ أصابَ ذَنْباً آخَرَ ورُبَّما قال: ثُم أذْنَب ذَنباً آخَرَ، فقال: يا ربِّ! إنِّي أذْنبْتُ ذَنْباً فاغْفِرْهُ لي، فقال ربُّه: علِمَ عبْدي أنَّ لَهُ ربّاً يغْفِرُ الذنْبَ ويأْخُذُ بِه، فقال ربُّه: غَفَرْتُ لِعَبْدي، فلْيَعْمَلْ ما شَاءَ".
رواه البخاري ومسلم.
قوله: "فليعمل ما شاء" معناه والله أعلم أنه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله: "ثم أصاب ذنباً آخر" فليفعل -إذا كان هذا دأبه- ما شاء؛ لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه، فلا يضره، لا أنه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده؛ فإن هذه توبة الكذابين.

3141 - (7) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ المؤمِنَ إذا أذْنَبَ ذَنْباً كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْداءُ في قلْبِهِ، فإنْ تابَ ونَزَع واسْتَغْفر صُقِلَ مِنْها، وإنْ زاد زادَتْ حتى يُغَلَّفَ قلْبُه، فذلك الرَّانُ الَّذي ذكرَ الله في كتابِه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ".
رواه الترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له من طريقين قال في أحدهما:
"
صحيح على شرط مسلم". [مضى 15 - الدعاء/ 2].
[
حسن] ولفظ ابن حبان وغيره:

(3/217)


"
إنَّ العَبْدَ إذا أخْطَأ خَطيئَةً يُنْكَتُ في قَلْبهِ نُكْتَةٌ، فإنْ هُوَ نَزعَ واسْتَغْفَر وتابَ صُقِلَتْ، فإنْ عادَ زِيدَ فيها حتّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ" الحديث.

3142 - (8) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
قالتْ قريشٌ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادْعُ لنا ربَّك يَجْعَلْ لنا الصَّفا ذَهَباً، فإنْ أصْبحَ ذَهباً اتَّبَعْناك، فدعَا ربَّه، فأتاهُ جبريلُ عليه السلامُ فقال: إنّ ربَّك يُقْرِئُكَ السلامَ ويقولُ لَك: إنْ شئْت أصْبَح لهُم الصَّفا ذَهباً، فَمْن كَفَر منهم عَذَّبْتُه عَذاباً لا أعَذِّبُه أحَداً مِنَ العَالَمينَ، وإنْ شئْتَ فَتَحْتُ لهم بابَ التوْبَةِ والرحْمَةِ، قال:
"
بَلْ بابَ التوْبَةِ والرحْمَةِ".
رواه الطبراني (1)، ورواته رواة "الصحيح".

3143 - (9) [
حسن] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله يقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ ما لَمْ يُغَرْغِرْ".
رواه ابن ماجه والترمذي وقال:
"
حديث حسن [غريب] " (2).
(
يُغَرْغِرْ) بغينين معجمتين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، وبراء مكررة، معناهُ: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به.
__________
(1)
لقد أبعد النجعة وإن تبعه الهيثمي (10/ 196)، فقد أخرجه أحمد أيضاً فى "المسند" (1/ 242 و345)، وصححه الحاكم (4/ 240)، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(2)
زيادة من الترمذي (3531)، وفاته "المستدرك" (4/ 257)، وصححه، ووافقه الذهبي، وكذا ابن حبان (2449 - موارد).

(3/218)


3144 - (10) [
حسن لغيره] وعن معاذِ بْنِ جَبلٍ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! أوْصِني. قال:
"
عليكَ بتَقْوى الله ما اسْتَطَعْتَ، واذْكرِ الله عندَ كلِّ حَجرٍ وشَجَرٍ، وما عَمِلْتَ مِنْ سوءٍ فأَحْدِثْ له تَوْبَةً، السرُّ بالسرِّ، والعَلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ".
رواه الطبراني بإسناد حسن؛ إلا أن عطاء لم يدرك معاذاً. ورواه البيهقي فأدخل بينهما رجلاً لم يسمَّ (1).

3145 - (11) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
التائِبُ مِنَ الذنْبِ كمَنْ لا ذنْبَ لَهُ".
رواه ابن ماجه والطبراني؛ كلاهما من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه. ورواة الطبراني رواة "الصحيح".

3146 - (12) [
صحيح] وعن حميدٍ الطويل قال: قلتُ لأنسِ بن مالكٍ: أقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الندمُ تَوْبَةٌ"؟ قال: نَعَمْ.
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3147 - (13) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مَعْقِل (2) قال:
دخلت أنا وأبي على ابن مسعود، فقال له أبي: سمعتَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
__________
(1)
قلت: لكن له طرق يتقوى بها، ويأتي من طريق أخرى قريباً، ولبعضه شاهد عن أبي ذر تقدم (8 - الصدقات/ 4)، وله طريق ثالث يأتي بلفظ آخر في "الضعيف".
(2)
الأصل: (مغفل)، وكذا وقع في "المستدرك" (4/ 243)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتنا، وأبوه معقل هو ابن مقرن المزني صحابي معروف، وعلى الصواب أخرجه ابن ماجه (4252)، وأحمد (1/ 376 و423 و433)، وهذا التصحيح مما غفل عنه أولئك المعلقون الثلاثة، فأثبتوا التصحيف!! وهذا مما يدل على بالغ جهلهم، لأن (مغفلاً) لم يدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!!!

(3/219)


"
الندمُ توبةٌ"؟ قال: نَعَمْ.
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3148 - (14) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليس أحدٌ أحبَّ إليه المدحُ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذلك مَدَح نَفسَه، وليسَ أحدٌ أغْيَرَ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذلك حَرَّم الفَواحِشَ (1)، وليس أحدٌ أحبَّ إليه العُذْرُ (2) مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذلك أنْزلَ الكِتابَ وأرْسَل الرُّسُلَ".
رواه مسلم.

3149 - (15) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
والَّذي نفْسي بِيَدهِ لَوْ لَمْ تُذنِبوا لَذَهبَ الله بِكُمْ، ولَجاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبونَ فيَسْتَغْفِرونَ الله، فيَغْفِرُ لَهُمْ".
رواه مسلم وغيره.

3150 - (16) [
صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه:
أنَّ امْرأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتتْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهِي حُبْلَى مِنَ الزنا؛ فقالَتْ: يا رسول الله! أصَبْتُ حدّاً، فأقِمْهُ علَيَّ، فدعا نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَّها؛ فقال:
"
أحْسِنْ إلَيْها، فإذا وَضَعَتْ فأْتِني بها".
فَفَعل، فَأمَر بِها نَبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشُدَّتْ عَليْها ثِيابُها، ثُمَّ أَمَر بها فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلّى علَيْها، فقال له عمر: تُصلِّي علَيْها يا رسولَ الله! وقد زَنَتْ؟ قال:
"
لَقدْ تابَتْ تَوْبةً لو قُسِمَتْ بينَ سَبْعينَ مِنْ أهْلِ المدينَةِ لَوَسِعَتْهُم، وهل
__________
(1)
زاد مسلم في رواية: "ما ظهر منها وما بطن"، ورواه البخاري (4634) بالزيادة، دون جملة العذر. لكن أخرجه (7416) بتمامه من حديث المغيرة نحوه.
(2)
أي: الاعتذار.

(3/220)


وجدْتَ [توبةً] (1) أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل! ".
رواه مسلم.

3151 - (17) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
كانَ فيمَنْ كان قبْلَكُم رجلٌ قتلَ تسْعَةً وتسعينَ نَفْساً، فسأَل عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ؟ فدُلَّ على راهبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتل تِسْعةً وتِسْعينَ نَفساً، فهلْ له مِنْ تَوْبَة؟ فقال: لا! فَقَتَلَهُ، فكَمَّلَ به مئَةً.
ثُمَّ سأل عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ؟ فَدُلَّ على رجلٍ عالِمٍ، فقال: إنَّه قَتل مِئَةَ نَفسٍ، فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقال: نَعَمْ؛ مَنْ يَحولُ بَيْنَهُ وبينَ التوبَةِ؟ انْطَلقْ إلى أرْضِ كذا وكذا؛ فإنَّ بِها أُناساً يَعبُدونَ الله، فاعْبُدِ الله معَهم، ولا تَرْجعْ إلى أرْضِك؛ فإنَّها أرضُ سوءٍ.
فانْطلَقَ حتَّى إذا نَصَفَ الطريق، أَتاهُ الموتُ، فاخْتَصَمتْ فيه ملائكةُ الرحمةِ وملائكة العَذابِ، فقالتْ ملائكةُ الرحمةِ: جاءَ تائباً مُقْبِلاً بقَلْبِه إلى الله تعالى، وقالتْ ملائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خيراً قَطُّ، فأتاهم مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ، فجَعَلوهُ بَيْنَهُم، فقال: قِيسوا ما بَيْن الأرْضَين، فإلى أيَّتِهِما كانَ أَدْنى فهُوَ لَه، فقاسوا! فوَجَدوهُ أَدْنَى إلى الأَرْضِ الَّتي أَراد (2)، فَقبَضَتْهُ ملائِكَةُ الرحمةِ".
__________
(1)
سقطت من الأصل، واستدركتها من (مسلم)، ورواه جمع آخر من أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 366/ 2333).
(2)
أي: بشبر؛ كما في الرواية التالية وهي لمسلم، وكذا البخاري (3470)، وفيها جملة النأي الآتية؛ جعلها من الحديث المسند. وهو رواية لمسلم (8/ 104)، وفيها تصريح قتادة بسماعه للحديث من أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد، فلا أدري لم آثر المؤلف روايته عن الحسن المشعرة بأن الجملة مدرجة؟! وسياق الأولى لمسلم.

(3/221)


[
صحيح] (وفي رواية):
"
فكان إلى القرية الصالحةِ أقربَ بشبر، فَجُعِلَ من أهلها".
[
صحيح] وفي رواية:
"
فأوحى الله إلى هذه أنْ تَباعَدي، وإلى هذه أنْ تَقرَّبي، وقال: قيسوا بيْنَهُما، فوجَدوه إلى هذِه أقْربَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ له".
وفي رواية: قال قتادة: قال الحسن:
"
ذُكِرَ لنا أنَّه لمَّا أتاهُ ملَكُ الموْتِ نَأى بصَدْرِهِ نَحْوَها".
رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بنحوه.

3152 - (18) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي، وأنَا معَهُ حيث يذكُرني، -والله! للهُ أَفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحدِكم يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ-، ومَنْ تَقرَّبَ إليَّ شِبْراً تَقَرَّبتُ إليهِ ذراعاً، ومَنْ تَقرَّبَ إليَّ ذراعاً تَقرَّبتُ إليه باعاً؛ وإذا أقْبلَ إليَّ يَمْشي أقْبَلْتُ إليه أهَرْوِلُ" (1).
رواه مسلم واللفظ له، والبخاري بنحوه. (2)
__________
(1)
قلت: فيه دلالة ظاهرة على أن لله قُرْباً يقوم به، بفعله القائم بنفسه. وهذا مذهب السلف وأئمة الحديث والسنة، خلافاً للكلابية وغيرهم ممن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى، ومن ذلك نزوله تعالى إلى السماء الدنيا. انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (5/ 240 - 250)، ومنه دنوه عشية عرفة، وكل ذلك خاص بالمؤمنين، فراجع كلامه فإنه هام جداً.
(2)
قلت: ولفظه (7405): "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
قلت: وكذلك رواه مسلم أيضاً (8/ 62)، وأحمد (2/ 251 و413 و480)، وله عنده طريق أخرى (2/ 482).
ومن لفظ البخاري المذكور يتبين أن قول المؤلف: "والبخاري نحوه" فيه تساهل، لأنه ليس فيه =

(3/222)


3153 - (19) [
صحيح] وعن شريحٍ -هو ابن الحارث- قال:
سمعت رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: يا ابْنَ آدَم! قُمْ إليَّ أمْشِ إليك، وامْشِ إليَّ أُهَرْوِلْ إليْكَ".
رواه أحمد بإسناد صحيح.
__________
= (
جملة التوبة)، فكان ينبغي الإشارة إلى ذلك بمثل قوله: "باختصار" أو نحوه، هذا هو المعهود عند العلماء بصورة عامة، ويتأكد ذلك هنا بصورة خاصة؛ لأن هذه الجملة مدرجة في هذا الحديث، فقد أخرجه مسلم في مكان آخر (8/ 91): حدثني سويد بن سعيد: حدثني. . فذكره بإسناده الصحيح عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. . فعُصِّبَتِ العلة بسويد لأنه كان يتلقن ما ليس من حديثه كما قال الأئمة النقاد، وظننت أنه مما لقنه، وقد وجدت مع البحث والتحقيق أنه قد سبقه إلى هذا الإدراج زهير بن محمد الخراساني، أخرجه أحمد عن شيخيه: عبد الله بن عمرو (2/ 524)، وروح بن عبادة (2/ 534)، قالا: ثنا زهير به. وزهير هذا وإن كان الغالب على حديثه الاستقامة فيما رواه غير الشاميين عنه، كهذا فإن الشيخين بصريان، لكن ذلك لا ينفي إنه يشذ أحياناً، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف":
"
ثقة يغرب، ويأتي بما ينكر".
فغلب على ظني أن هذا الحديث مما ينكر عليه، وأنه دخل عليه حديث في حديث، فإن الجملة المذكورة قد جاءت عن جمع من الصحابة منفردة عن الحديث القدسي، وهو مخرج في "الضعيفة" تحت الحديث (3048)، والحديث القدسي رواه الأعمش: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظه الذي ذكرته أعلاه، وله عند أحمد (2/ 482) طريق آخر نحوه مختصراً. وفي أخرى له (2/ 550) التصريح بالفصل بينهما، فذكر الجملة مرفوعاً، ثم قال: "وقال أبو القاسم: قال الله عز وجل. . " نحوه.
(
تنبيه): من الحداثة في هذا العلم إشارة المعلقين الثلاثة إلى أن الحديث في مسلم برقم (2675) أي في طبعة (محمد عبد الباقي)، وهو في موضعين منه أحدهما في مكانه المناسب لتسلسل الأرقام: وهو بجنب حديث الأعمش، والآخر بجنب حديث (سُويد)! وهذا من سوء الترقيم الذي لا يتنبه له الثلاثة، فيضلون القراء لأنهم لا يرجعون بداهة إلا إلى الموضع الأول، فلا يجدون ثمة إلا حديث البخاري، فينسبون الخطأ إلى المؤلف، وإنما هو منهم، والله المستعان.
وخطأ آخر أنهم عزوا لفظه للبخاري أيضاً فيما سموه "تهذيب الترغيب. . " فقالوا (543):
"
رواه البخاري (. . . . .) ومسلم (. . . .) "!!

(3/223)


3154 - (20) [
صحيح] وعن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لله أَفْرَحُ بتَوبَةِ عبدِه مِنْ أَحَدِكُم سَقَط على بَعيرِهِ وقَدْ أضَلَّهُ بأرْضِ فَلاةٍ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:
"
لله أشَدُّ فَرحاً بتوْبَةِ عَبْدهِ حينَ يَتوبُ إليْهِ مِنْ أحَدِكُم كانَ على راحِلَتِه بأرْضِ فَلاةٍ، فانْفَلتَتْ عنه، وعلَيْها طَعامُه وشرَابُه، فأَيِسَ مِنْها، فأتى شَجرةً فاضْطَجَع في ظِلِّها قَدْ أَيِسَ مِنْ راحِلَتِه، فبينَما هو كذلِكَ إذا هُوَ بها قائمةً عندَهُ، فأخَذَ بِخُطامِها ثُمَّ قال مِنْ شِدَّةِ الفَرحِ: اللَّهُمَّ أنْتَ عَبْدي وأنا ربُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرحِ".

3155 - (21) [
صحيح] وعن الحارث بن سويدٍ عن عبد الله (1) رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
لله أفْرَحُ بتوبَةِ عَبْدِه المؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ نَزل في أرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهلكةٍ، معه راحِلَتُه، عليها طعَامُه وشَرابُه، فوضَع رأْسَه فنَام نَوْمةً، فاسْتَيقظَ وقد ذهبَتْ راحِلَتُه، فطَلبَها حتّى إذا اشْتَدَّ عليه الحرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ الله؛ قال: أرجعُ إلى مكاني الَّذي كنتُ فيه فأنامُ حتّى أموتَ، فوضَع يدَه على ساعِدهِ ليَمُوتَ، فاسْتَيْقَظ فإذا راحِلَتُه عندَهُ عليها زادُه وشَرَابُه! فالله أشَدُّ فَرحاً بتَوْبَةِ العَبْدِ المؤْمِنِ مِنْ هذا بِراحِلَتِه".
رواه البخاري ومسلم.
(
الدّوِّيَّة) بفتح الدال المهملة وتشديد الواو والياء جميعاً: هي الفلاة القفر والمفازة.
__________
(1)
هو ابن مسعود رضي الله عنه.

(3/224)


3156 - (22) [
حسن] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أَحْسَن فيما بَقيَ؛ غُفِرَ له ما مَضى، ومَنْ أَساءَ فيما بَقِيَ؛ أُخِذَ بِما مَضى وما بَقِيَ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.

3157 - (23) [
صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
إنَّ مثَل الذي يَعملُ السّيئاتِ ثُمَّ يعملُ الحَسنَاتِ، كمثَل رجُل كانَتْ عليه دِرْعٌ ضَيِّقَة قد خَنَقتْهُ ثُمَّ عمِلَ حسنةً فانْفكَّتْ حَلَقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ حسنةً أُخْرى فانْفكَّتْ أُخْرى، حتى يَخْرُج إلى الأَرْضِ".
رواه أحمد والطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة "الصحيح".

3158 - (24) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما:
أنَّ معاذَ بْنَ جبلٍ أرادَ سفَراً فقال: يا رسول الله! أوْصِني. قال:
"
اعْبدِ الله ولا تُشرِكْ به شيْئاً".
قال: يا رسولَ الله! زِدْني، قال:
"
إذا أَسأْتَ فأحْسِنْ، ولْيَحْسُنْ خُلُقك".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

3159 - (25) [
حسن لغيره] ورواه الطبراني بإسناد رواته ثقات (1) عن أبي سلمة عن معاذٍ قال: يا رسول الله! أوصِني. قال:
"
اعْبُدِ الله كأنَّك تَراهُ، واعْدُدْ نفْسَك في الموْتَى، واذْكُرِ الله عندَ كُلِّ
__________
(1)
الأصل: "ورواه الطبراني بإسناد، ورواته ثقات، وعن". وهو خطأ ظاهر من الطابع أو الناسخ.

(3/225)


حَجرٍ وعندَ كُلِّ شَجرٍ، وإذا عمِلْتَ سَيِّئَةً فاعْمَلْ بِجَنْبِها حَسَنةً، السرُّ بالسرِّ، والعلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ".
وأبو سلمة لم يدرك معاذاً (1).

3160 - (26) [
حسن] وعن أبي ذرٍّ ومعاذ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اتَّقِ الله حيثُما كنْتَ، وأَتْبعِ السيِّئَةَ الحَسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسنٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

3161 - (27) [
حسن لغيره] وروى أحمد بإسناد جيد عن أبي ذرٍّ (2) رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ستَّةَ أيَّام ثُمَّ اعْقِلْ يا أبا ذرٍّ! ما يُقالُ لكَ بَعْدُ".
فلمَّا كانَ اليوم السابعُ؛ قال:
"
أوصيكَ بتقوى الله في سرِّ أمْرِكَ وعلانِيَته، وإذا أسَأْتَ فأَحْسِنْ، ولا تَسْأَلنَّ أحداً شيْئاً وإنْ سَقَط سَوْطُكَ، ولا تَقْبِضْ أمانَةً". [8 - الصدقات/ 4].

3162 - (28) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ (3) رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسول الله! أوْصِني. قال:
__________
(1)
قلت: وكذا قال الهيثمي، ووافق المؤلف على إعلاله بالانقطاع، لكن له طرق أخرى وشواهد خرجتها في "الصحيحة" (1475)، يرتقي بها إلى درجة الحسن، وقد مضى نحوه من طريق أخرى قريباً.
(2)
الأصل: (ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما)، وهو خطأ من الطابع أو الناسخ.
(3)
الأصل: (أبي الدرداء)، والتصويب من "المسند"، قال الناجي (209/ 2):
"
هذا عجيب، إنما هو أبو ذر صحفه بأبي الدرداء".
قلت: وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم - 1373).

(3/226)


"
إذا عَمِلْتَ سيِّئَةً فأتْبِعْها حَسنةً تَمْحُهَا".
قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أمِنَ الحَسنَاتِ لا إله إلا الله! قال:
"
هي أفْضَلُ الحَسنَاتِ".
رواه أحمد عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه عنه.

3163 - (29) [
صحيح] وعن عبد الله (1) رضي الله عنه قال:
إنَّ رجلاً أصابَ مِنِ امْرأَةٍ قُبْلَةً، -وفي رواية-:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إنِّي عالَجْتُ امْرأَةً في أَقْصى المدينَةِ، وإنِّي أصَبْتُ مِنْها ما دونَ أنْ أمَسَّها، فأنا هذا؛ فاقْضِ فيَّ ما شئْتَ.
فقال له عُمَرُ: لقد سَتَرك الله لوْ سَترْتَ نفْسَك.
قال: فَلَمْ يَرُدَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئاً، فقامَ الرجلُ فانْطلَق، فأتْبَعَهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجُلاً فدَعاه، فَتَلا عليْهِ هذه الآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}.
فقال رجل (2) منَ القومِ: يا نَبِيَّ الله! هذا له خاصَّةً؟ قال:
"
بَلْ لِلناسِ كافَّةً".
رواه مسلم وغيره.
__________
(1)
هو ابن مسعود رضي الله عنه، وكان الأصل: (أبي هريرة)، وهذا خطأ محض لعله من النساخ، فإنه لم ينبه عليه الناجي، والتصحيح من "مسلم". وكذلك رواه أبو داود (4468)، والترمذي (3111) وقال "حديث حسن صحيح".
(2)
في الرواية الأولى (8/ 101): أنه الرجل نفسه، وفي أخرى لمسلم: (معاذ). وهي رواية لأحمد (1/ 449)، وفي أخرى له (1/ 445) أنه عمر. وهي رواية لمسلم. والله أعلم.

(3/227)


3164 - (30) [
صحيح] عن أبي طويل شطب الممدود؛ أنَّه أتى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
أرأيتَ مَنْ عمِلَ الذنوبَ كلَّها ولَمْ يتْرُكْ منها شيْئاً وهو في ذلك لَمْ يَتْرُكْ حاجَّةً ولا داجّةً (1) إلا أتاها، فَهلْ لذلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قال:
"
فهلْ أسْلَمْتَ؟ ".
قال: أمَّا أنا فأشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّك رسولُ الله. قال:
"
تَفْعَلُ الخَيْراتِ، وتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ؛ فَيَجْعَلُهُنَّ الله لَك خَيْراتٍ كلَّهُنَّ".
قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال:
"
نعم".
قال: الله أكبَرُ، فما زالَ يُكَبِّرُ حتَّى تَوارى.
رواه البزار، والطبراني واللفظ له، وإسناده جيد قوي.
و (شطب) قد ذكره غير واحد في الصحابة، إلا أن البغوي ذكر في "معجمه" أن الصواب (2) عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلاً: أن رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طويل شطب و (الشطب) في اللغة الممدود، فصحفه بعض الرواة وظنه اسم رجل. والله أعلم.
__________
(1)
هكذا جاء في رواية بالتشديد. قال الخطابي: (الحاجَّة): القاصدون البيت. و (الداجَّة): الراجعون، والمشهور بالتخفيف، وأراد بـ (الحاجة): الحاجة الصغيرة، وبـ (الداجة): الحاجة الكبيرة. كذا في "النهاية".
(2)
في "الإصابة" عن "المعجم": "أظن أن الصواب. . "، وهذا أقرب، والله أعلم، وانظر "الصحيحة" (3391).

(3/228)


2 - (
الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى، والترهيب من الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها).
3165 - (1) [
صحيح] عن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقولُ ربُّكم: يا ابْنَ آدَمَ! تَفرَّغ لِعبَادَتي؛ أمْلأْ قلْبَكَ غِنىً، وأمْلأْ يَديْكَ رِزْقاً، يا ابْنَ آدَم! لا تُباعِدْ مِنِّي، أَمْلأْ قلْبَك فَقْراً، وأمْلأ يديْك شُغْلاً".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3166 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
تلا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} الآية قال:
"
يقولُ الله: ابْنَ آدَمَ! تَفَرَّغْ لعبادَتي؛ أمْلأْ صَدْرَك غِنىً، وأسُدَّ فَقْرَكَ، وإلا تَفْعَلْ؛ ملأْتُ صدرَك شُغْلاً، ولَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ".
رواه ابن ماجه والترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن".
وابن حبان في "صحيحه" باختصار؛ إلا أَنَّه قال:
"
مَلأْتُ بَدنَك شُغْلاً". والحاكم والبيهقي في "كتاب الزهد"، وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".

3167 - (3) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما طلَعتْ شمسٌ قَطُّ إلا بُعِثَ بجَنْبتَيها مَلَكانِ؛ إنَّهُما لَيُسمِعَانِ أهلَ الأرْضَ إلا الثَّقلَيْنِ: يا أيُّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى ربِّكم؛ فإنَّ ما قلَّ وكفَى، خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وأَلْهَى، وما غَربَتْ شَمْسٌ قَطُّ إلا وبُعِثَ بَجَنْبَتيها مَلَكانِ يُنادِيَانِ:
اللَّهُمَّ عَجَّلْ لِمُنْفِقٍ خَلَفاً، وعَجَّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفاً".
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له، وقال:

(3/229)


"
صحيح الإسناد".
ورواه البيهقي من طريق الحاكم، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ يَومٍ طلعَتْ شَمسُه إلا وكان بَجَنْبَتَيْها مَلَكانِ يُنادِيان نِداءً يسْمَعُه ما خَلقَ الله كلُّهم غيرُ الثَّقلَيْنِ: يا أيُّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى ربِّكُم، إنَّ ما قلَّ وكفَى خَيرٌ مِمّا كثرَ وأَلْهى، ولا آبَتِ الشمسُ إلا وكان بِجَنْبَتَيْها مَلَكانِ يُنادِيَانِ نِداءً يَسْمَعهُ خَلْقُ الله كلُّهم غيرُ الثَّقلَيْنِ: اللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وأَعْطِ مُمْسِكاً تلَفاً، وأنْزَل الله في ذلك قُرْآناً في قولِ المَلكَيْنِ: "يا أيُّها الناسُ هَلُمُّوا إلى رَبِّكُمْ" في سورةِ {يونُس}: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وأنْزل الله في قوْلِهما "اللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلفاً، وأَعْطِ مُمْسِكاً تلَفاً": {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} إلى قولِهِ {لِلْعُسْرَى} ". [مضى 8 - الصدقات/ 15].

3168 - (4) [
صحيح] وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ كانَتِ الدنيا هَمَّه فَرَّقَ الله عليه أَمْرَهُ، وجَعلَ فَقْرَهُ بيْنَ عَيْنَيْهِ؛ ولمْ يأْتِهِ مِنَ الدنيا إلا ما كُتبَ له، ومَنْ كانَتِ الآخِرَة نيَّتَهُ جمَع الله له أمْرَهُ، وجعَل غِنَاهُ في قلْبِه؛ وأتَتْهُ الدنيا وهِيَ راغِمَةٌ".
رواه ابن ماجه، ورواته ثقات. [مضى 3 - العلم/ 3].
[
صحيح لغيره] والطبراني (1) ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
هذا الإطلاق يوهم أنه في "المعجم الكبير"، وليس هو إلا في "المعجم الأوسط" (8/ 7267/133) من طريق أخرى عن زيد في حديث له، وإسناد ابن ماجه صحيح، وصححه ابن حبان في حديث سبق هناك في "3 - العلم".

(3/230)


"
إنَّه مَنْ تكُنِ الدنيا نِيَّتَهُ يَجْعلُ الله فَقْرَهُ بيْنَ عَيْنَيْهِ، ويُشَتِّتْ عليه ضَيْعَتَهُ، ولا يأْتِه مِنْها إلا ما كتِبَ له، ومَنْ تَكُنِ الآخِرَة نيتَهُ يَجْعَلُ الله غِناهُ في قلْبِه، وَيكْفيهِ ضَيْعَتَهُ، وتأتيهِ الدنيا وهيَ راغِمَةٌ".
رواه في حديث بإسناد لا بأس به.
ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه، وتقدم لفظه في "العلم" [3 - باب].
قوله: "شتَّتَ عليه ضَيْعَتَه" بفتح الضاد المعجمة وإسكان المثناة تحت. معناه: فرَّق عليه حاله وصناعته ومعاشه، وما هو مهتم به، وشعَّبه عليه ليكثر كده، ويعظم تعبه.

3169 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ كانَتِ الآخِرَة هَمَّه؛ جعَل الله غِناهُ في قلْبِه، وجَمَع له شَمْلَهُ، وأَتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَةٌ، ومَنْ كانتِ الدنيا هَمَّه؛ جعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيهِ، وفرَّقَ عليه شَمْلَهُ، ولَمْ يأْتِهِ مِنَ الدنيا إلا ما قُدِّرَ له".
رواه الترمذي عن يزيد الرّقَاشي عنه. ويزيد قد وثق ولا بأس به في المتابعات.
ورواه البزار، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ كانَتْ نيَّتَه الآخِرةُ؛ جعَل الله تبارَك وتعالى الغِنَى في قَلْبِه، وجَمَع لَهُ شَمْلَهُ، ونَزَع الفقر مِنْ بَيْن عَيْنَيْهِ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَةٌ، فلا يُصْبِحُ إلا غَنِياً ولا يُمْسي إلا غَنِيّاً، ومَنْ كانَتْ نيَّتَه الدنيا؛ جَعَل الله الفَقْرَ بيْنَ عَيْنَيْهِ، فلا يُصْبِحُ إلا فَقيراً، ولا يُمسي إلا فَقيراً".
ورواه الطبراني بلفظ تقدم في "الاقتصاد" [16/ 4].

3170 - (6) [
حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ جَعل الهَمَّ هَمًّا واحِداً؛ كَفاهُ الله هَمَّ دُنْياهُ، ومَنْ تَشعَّبَتْهُ الهُمومُ لَم

(3/231)


يُبالِ الله في أيِّ أوْدِيَةِ الدنيا هَلَك".
رواه الحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".

3171 - (7) [
حسن لغيره] ورواه ابن ماجه في حديث عن ابن مسعود.
وفي رواية له عن ابن مسعود أيضاً قال:
سمعتُ نَبيَّكُم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ جعلَ الهُمومَ همّاً واحِداً هَمَّ المعادِ؛ كَفاهُ الله هَمَّ دُنْياهُ، ومَنْ تَشعَّبَتْ بهِ الهمُومُ [في] أحوالِ الدنيا؛ لَمْ يُبالِ الله في أيِّ أوْدِيَتِهِ هَلَك".
(
قال الحافظ):
"
وتقدم في [16 - البيوع/ 4] "الاقتصاد في طلب الرزق" وغيره غير ما حديث يليق بهذا الباب، ويأتي في "الزهد" [هنا/ 6] إن شاء الله تعالى أحاديث".

(3/232)


3 - (
الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان).
3172 - (1) [
صحيح لغيره] عن أبي ثعلبة الخشني قال:. . . قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
". . . .
فإنّ من ورائكم أيامَ الصبرِ، الصبرُ فيهن مثلُ القبضِ على الجمرِ، للعاملِ فيهن مثلُ أجرِ خمسين رجلاً يعملون مثلَ عمله".
رواه ابن ماجه، والترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب"،
وأبو داود، وزاد:
قيل: يا رسول الله! أجرُ خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال:
"
بل أجر خمسين منكم".

3173 - (2) [
صحيح] وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
عِبادَةٌ في الهَرَجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ".
رواه مسلم والترمذي (1) وابن ماجه.
(
الهَرَجُ): هو الاختلاف والفتن، وقد فُسِّر في بعض الأحاديث بالقتل؛ لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسيَّب مقام السبب.
__________
(1)
وقال (2202): "حديث حسن صحيح". وأخرجه أحمد أيضاً (5/ 25 و27) بلفظ:
"
العمل. . .". وفي رواية: "العبادة في الفتنة. . .".

(3/233)


4 - (
الترغيب في المداومة على العمل وإن قل).
3174 - (1) [
صحيح] عن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ:
كان لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حصيرٌ وكان يُحَجِّره (1) باللَّيْلِ فيُصَلِّي عليه، ويَبسُطُه بالنهارِ فيَجْلِسُ عليه، فجعَل الناسُ يثوبُون إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصَلُّونَ بصَلاتِه حتَّى كَثُروا، فأقْبلَ عَليْهِمْ فقال:
"
يا أيُّها الناسُ! خُذوا مِنَ الأَعْمالِ ما تُطيقونَ؛ فإنَّ الله لا يَمَلّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأَعْمالِ إلى الله ما دَامَ وإنْ قَلَّ".
[
صحيح] وفي رواية:
"
وكانَ آلُ مُحَمَّدٍ إذا عَمِلُوا عَملاً أثبَتُوهُ" (2).
[
صحيح] وفي رواية: قالتْ:
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئلَ: أيُّ الأَعْمالِ أحَبُّ إلى الله؟ قال:
"
أدْوَمُه وإنْ قَلَّ".
[
صحيح] وفي رواية: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
سدِّدُوا وقارِبُوا، واعْلَموا أنَّه لَنْ يُدخِلَ أحدَكم عَملُه الجنَّةَ، وإنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى الله أدْوَمُها وإنْ قَلَّ".
__________
(1)
أي: يجعله لنفسه دون غيره، "نهاية". وقال الحافظ: "أي: يتخذه مثل الحجرة".
(2)
هذه الرواية هي تمام الرواية الأولى عند مسلم (رقم - 215)، ولكن الرواية الأولى ليست بهذا السياق عنده، ولا عند البخاري، وقد أخرجها في "اللباس"، وفي "الأذان" بعضه، وقد جمعت بين روايتيه في "مختصري لصحيح البخاري" (رقم - 383)، فكأن المصنف لفَّق بين روايتي الشيخين فجعل منهما رواية واحدة، وهذا ليس بجيد، وقد أشار إلى ذلك الناجي في "العجالة"، (ق 209/ 2).

(3/234)


رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] ولمالك والبخاري أيضاً: قالت:
"
كان أحبّ العمل (1) إلى [رسول] الله [- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الَّذي يدومُ عليهِ صاحِبُه".
[
صحيح] ولمسلم:
"
كانَ أحبَّ الأَعْمالِ إلى الله أدْوَمُها وإنْ قَلَّ، وكانَتْ عائشَةُ إذا عمِلَتِ العملَ لَزِمَتْهُ".
[
حسن صحيح] ورواه أبو داود. ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اكْلُفوا مِنَ العَملِ ما تَطيقُونَ؛ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَملُّوا، وإنَّ أحَبَّ العَملِ إلى الله أدْوَمُه وإنْ قَلَّ. وكَانَ إذا عمِلَ عَملاً أثْبَتَهُ".
[
صحيح] وفي رواية له [عن علقمة] (2) قال:
سَألتُ عائشةَ: كيفَ كانَ عملُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ هَلْ كان يَخُصُّ شيْئاً مِنَ الأيَّامِ؟ قالتْ:
لا، كانَ عمله دِيمةً، وأيُّكمْ يَسْتَطيعُ ما كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستطيع؟!
ورواه الترمذي، ولفظه:
"
كان أحبَّ الأَعْمالِ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ديمَ عليْهِ".
__________
(1)
الأصل: (الأعمال)، والتصحيح من موطأ مالك والبخاري، ومنهما الزيادتان، وغفل عن هذا كله، وعن الذي بعده المعلقون الثلاثة!
(2)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "أبي داود" (1370)، وقد روى هذه الشيخان والترمذي؛ كما قال الناجي.
قلت: وكذلك عندهما الرواية التى قبلها، وهي المكان المشار إليه من "المختصر" دون جملة الإثبات.

(3/235)


[
صحيح لغيره] وفي رواية له: سُئلَتْ عائشةُ وأُمُّ سلَمةَ: أيُّ العَملِ كانَ أحبَّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالتا (1):
"
ما دِيمَ عليهِ وإنْ قَلَّ".
(
يُحَجِّره) أي: يتخذه حجرة وناحية ينفرد عليه فيها.
(
يثوبون) بثاء مثلثة ثم واو ثم باء موحدة؛ أي: يرجعون إليه ويجتمعون عنده.

3175 - (2) [
صحيح] وعن أم سلمة قالت:
"
ما ماتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى كان أكْثَرُ صَلاتِه وهو جالِسٌ، وكانَ أحبَّ العَملِ إليهِ ما داوَمَ عليه العَبْدُ وإنْ كان شَيْئاً يَسيراً".
رواه ابن حبان في "صحيحه" (2).
__________
(1)
الأصل: (قال)، والتصحيح من الترمذي، وفي طبعة الثلاثة (4/ 31) (قالا)! ومن تظاهرهم بالتحقيق قالوا في التعليق: "في (ح): قالت"! ومن نظر فيما تقدم من التصحيحات في هذا الحديث فقط برواياته يتبين له كم هم متشبعون بما لم يعطوا، ولا سيما إذا علم الناظر أنهم شملوا كل هذه الروايات بكلمة "صحيح" مع اختلاف مراتبها!!
(2)
قلت: وإسناده صحيح، وكذلك رواه النسائي في "قيام الليل" لكن ليس عنده "وإن كان شيئاً يسيراً"، وإنما هي عنده من حديث عائشة، وكذلك رواه أحمد (6/ 113)، والأصح حديث أم سلمة.

(3/236)


5 - (
الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم).
3176 - (1) [
صحيح] عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ بينَ أيْديكم عَقَبةً كَؤوداً لا يَنْجو منها إلا كلُّ مُخِفٍّ".
رواه البزار بإسناد حسن.

3177 - (2) [
صحيح] وعن أمِّ الدرْداءِ عن أبي الدرْداءِ قالت:
قلتُ لَهُ: ما لكَ لا تَطْلُبُ ما يطْلُب فلانٌ وفُلانٌ؟
قال: إنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ وراءَكُمْ عقَبةً كَؤُوداً لا يَجُوزُها المُثْقِلونَ".
فأنا أُحِبُّ أنْ أتَخفِّفَ لتِلكَ العقَبةِ.
رواه الطبراني بإسناد صحيح.
(
الكَؤُودُ) بفتح الكاف وبعدها همزة مضمومة: هي العقبة الصعبة.

3178 - (3) [
صحيح] وعن أبي أسماء:
أنه دخل على أبي ذر وهو بـ (الربذة) وعندَهُ امْرأَةٌ سَوْداءُ مُسْغَبَة (1) ليسَ عليها أَثرُ المحاسِنِ ولا الخَلوقِ، فقال: ألا تَنْظرونَ إلى ما تَأْمُرني هذه السويداءُ؟ تأْمُرني أنْ آتيَ العِراقَ، فإذا أتَيْتُ العِراقَ مالوا على بدُنْياهُمْ، وإنَّ
__________
(1)
الأصل، (مُشْعَثَة)، والمثبت من "المسند"، وفي "المجمع" (10/ 258): (بشعة)، ولعل الصِواب ما أثبت؛ فإنه الموافق لما في "جامع المسانيد" (13/ 797). ثم رأيت الناجي نقله بلفظ: "مُشنَّعَة" وقال: "هو بضم الميم وفتح الشين والنون المشددة، قال ابن الأثير: في "النهاية": أي قبيحة، يقال: منظر شنيع وأشنع وشنع"، واعتمده المعلقون دون أي تعليق أو تحقيق!

(3/237)


خَليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إليَّ:
أنَّ دونَ جِسْرِ جَهنَّمَ طَريقاً ذا دَحْضٍ ومَزَلَّةٍ، وإنا أنْ نأْتي عليه وفي أحْمالِنا اقْتِدارٌ واضْطِمارٌ أَحْرى أنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عليه ونَحْنُ مَواقِيرُ (1).
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".
(
الدَّحضُ) بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين وبفتح الحاء أيضاً وآخره ضاد معجمة: هو الزلق.

3179 - (4) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النَّبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله لَيَحْمي عبدَهُ المؤْمِنَ الدنيا وهو يُحِبُّه، كما تَحْمونَ مريضَكُم الطعامَ والشرابَ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3180 - (5) [
صحيح لغيره] وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا أحبَّ الله عزَّ وجلَّ عبْداً حَماهُ الدُّنْيا، كما يَظلُّ أحدُكم يَحْمي سَقيمَهُ الماءَ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.

3181 - (6) [
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم بلفظه من حديث قتادة (2)، وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".
__________
(1)
جمع (موقر)، يقال: رجل موقر: ذو وقر؛ أي: حمل.
(2)
الأصل: (أبي قتادة)، وهو خطأ. قال الناجي (210/ 1): "وهو قتادة بن النعمان الأنصاري الظفري أخو أبي سعيد لأمه، فكان يتعين نسبته". والحديث رواه الترمذي وابن ماجه أيضاً كما في "المشكاة" (5250)، وفي ترجمة قتادة هذا أخرجه الطبراني (19/ 12/ 17).

(3/238)


3182 - (7) [
صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اطلَعْتُ في الجنَّةِ، فرأَيْتُ أكْثَر أهْلِها الفقَراءَ، واطَّلَعْتُ في النارِ فرأيتُ أكثَر أهْلِها النساءَ".
رواه البخاري ومسلم.

3183 - (8) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:
"
هَلْ تَدْرونَ أوَّلَ مَنْ يَدْخل الجنَّةَ مِنْ خَلْقِ الله عزَّ وجلَّ؟ ".
قالوا: الله ورسولُه أعْلَمُ. قال:
"
الفقَراءُ المُهاجِرونَ الَّذين تُسَدُّ بِهمُ الثُّغورُ، وتُتَّقى بِهمُ المَكارِهُ، ويموتُ أحَدُهم وحاجَتُه في صَدْرِه؛ لا يَسْتَطيعُ لَها قَضاءً، فيقولُ الله عزَّ وجلَّ لِمَنْ يشاءُ مِنْ ملائكَتِه: ائْتُوهُمْ فَحيُّوهُمْ، فتقولُ الملائِكَة: ربَّنا نَحْنُ سكَّانُ سَمائكَ، وخيرَتُك (1) مِنْ خَلْقِكَ، أفَتَأْمُرنا أَنْ نأْتِيَ هؤلاءِ فَنسَلَّمَ علَيْهِمْ؟ قال: إنَّهُمْ كانوا عِباداً يَعْبدوني ولا يُشْرِكونَ بي شيْئاً، وتُسَدُّ بهم الثُّغورُ، وتُتَّقى بِهمُ المكارِهُ، ويموتُ أحَدُهم وحاجَته في صَدْرِه؛ لا يَسْتَطيعُ لها قَضاءً، قال: فَتَأْتِيهمُ الملائِكَةُ عند ذلك فيَدْخلون علَيْهِمْ مِنْ كلِّ بابٍ {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ".
رواه أحمد والبزار، ورواتهما ثقات، وابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
فيه إشارة قوية إلى تفضيل جنس الملائكة على جنس بني آدم، وعليه يدل مفهوم قوله تعالى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، وفي المسألة خلاف معروف.

(3/239)


3184 - (9) [
صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ حَوْضي ما بَيْن (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ)، (1) أكْوابُه عددُ النُّجومِ: ماؤهُ أشَدُّ بياضاً مِنَ الثلْجِ، وأحْلَى مِنَ العَسلِ، وأكْثَرُ الناسِ وُروداً عليه (2) فُقَراءُ المُهاجِرِينَ".
قلنا: يا رسولَ الله! صِفْهُم لَنا؟ قال:
"
شُعْثُ الرُّؤوسِ، دُنْسُ الثيابِ، الَّذينَ لا يَنْكحِون المتَنَغِّماتِ، ولا تُفْتَحُ لَهُم السُّدَد، الَّذينَ يُعطُونَ ما عَلَيْهِم، ولا يُعطَوْنَ ما لَهُمْ".
رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"، وهو في الترمذي وابن ماجه بنحوه.
(
السُّدَدُ) هنا: هي الأبواب.

3185 - (10) [
صحيح] وعن أبي سلاَّمٍ الأسْوَدِ؛ أنَّه قال لِعُمَرَ بن عبدِ العَزيزِ:
سمعتُ ثوبانَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
حَوْضي ما بَيْن (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ البَلْقاءِ)، ماؤه أشَدُّ بَياضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى مِنَ العَسَلِ، وأوانِيه عَدَدُ النجومِ، مَنْ شَرِبَ منهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمأْ
__________
(1)
بالفتح والتشديد، وهي (عَمَّان البلقاء) كما في الحديث الذي بعده، وهى عاصمة الأردن اليوم.
(2)
كذا الأصل، وفي الطبراني (2/ 98/ 1443): "أول من يرده"، وفي إسناده ضعف وانقطاع بيَّنه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 327/ 710)، لكنه ثبت بإسناد صحيح في طريق أخرى للحديث عند الطبراني (2/ 96/ 1437)، وفي "الأوسط" أيضاً (1/ 398/251)، بل وفي "المسند" (5/ 275) وغيره، وهو الآتي في الكتاب بعده عن أبي سلام، وله عنه طريق آخر بسند صحيح أيضاً كما في "الظلال" (2/ 225/ 706)، وله شاهد من حديث ابن عمر، يأتي في (26 - البعث/ 4 - فصل).
نعم قد جاءت جملة (الأكثر وروداً) عند الطبراني (2/ 96/ 1437) من طريق أخرى عن أبي سلاَّم، وإسنادها صحيح، لكنها شاذة عندي لمخالفتها للطرق المتقدمة، فالظاهر -والله أعلم- أنها من تلفيقات المؤلف بين الروايات، وقد سبقت له أمثلة، وأنها سبق ذهن أو قلم.

(3/240)


بَعْدَها أبداً، وأوَّلُ الناسِ وُروداً عليهِ فُقراء المُهاجِرينَ، الشُّعْثُ رُؤُوساً، الدُّنْسُ ثِياباً، الَّذين لا يَنْكِحون المُنَعَّماتِ، ولا تُفْتَحُ لَهُم السُّدَدُ".
قال عمر: لكني قدْ نَكَحْتُ المنعَّماتِ فاطِمَة بِنْتَ عَبْدِ المَلِكِ، وفُتِحَتْ إليَّ السُّدَدُ، لا جَرمَ أنّي لا أَغْسِلُ رَأْسي حتَّى يَشْعَثَ، ولا ثَوْبي الَّذي يَلي جَسَدي حتى يَتَّسِخَ.
رواه الترمذي وابن ماجه، والحاكم واللفظ له، وقال:
"
صحيح الإسناد".

3186 - (11) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يَدْخُلُ فُقراءُ أُمَّتي الجنَّةَ قَبْلَ أغْنِيائِهم بأرْبَعينَ خَرِيفاً".
فقيلَ: صِفْهُم لنا؟ قال:
"
الدَّنِسَةُ ثِيابُهم، الشَّعِثَةُ رُؤوسُهم، الَّذين لا يُؤْذَنُ لهم على السُّداتِ، ولا يَنْكحونَ المُنعَّمَاتِ، تُوَكَّلُ بِهِمْ مشارِقُ الأَرْضِ ومغَارِبُها، يُعطُونَ كُلَّ الذى علَيْهم، ولا يُعطَوْن كلَّ الذي لَهُمْ".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورواته ثقات.
[
صحيح] ورواه مسلم مختصراً: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
إنَّ فقراءَ أُمَّتي المهاجِرينَ، يَسْبِقونَ الأَغْنِياءَ يومَ القِيامَةِ بأرْبَعينَ خَرِيفاً".
ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً أيضاً، وقال:
"
بأربعين عاماً".

3187 - (12) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يَجْتَمِعونَ يومَ القِيامَةِ فيُقالُ: أينَ فُقراءُ هذه الأُمَّةِ؟ قال: فيُقالُ لَهُمْ:

(3/241)


ماذا عمِلْتُم؟ فيَقولُون: ربَّنا ابْتَليْتَنا فصَبرْنا، ووَلَّيْتَ السلْطانَ والأمْوالَ غيرَنا، فيقولُ الله جلَّ وعَلا: صدَقْتُم، قال: فيَدْخُلونَ الجَنَّةَ قبْلَ الناسِ، وتَبْقَى شِدَّةُ الحِسَابِ على ذَوي الأَمْوالِ والسُّلْطانِ".
قالوا: فأيْنَ المؤمِنونَ يَوْمَئذٍ؟ قال:
"
توضَعُ لَهُم كَراسيُّ مِنْ نُورٍ، وتُظَلِّلُ عليهِمُ الغَمائمُ، يكونُ ذلكَ اليومُ أقْصَرَ على المؤمِنين مِنْ ساعَةٍ مِنْ نَهارٍ".
رواه الطبراني وابن حبان في "صحيحه".

3188 - (13) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال:
كنتُ عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً وطلَعَتِ الشَمْسُ، فقال:
"
يأْتي قومُ يومَ القِيامَةِ، نورُهم كنورِ الشمْسِ".
قال أبو بَكْرٍ: نحن هُمْ يا رسولَ الله؟ قال:
"
لا؛ ولَكُمْ خَيرٌ كثيرٌ؛ ولكِنَّهُم الفُقراءُ المهاجِرونَ الَّذينَ يُحْشَرونَ مِنْ أَقْطارِ الأَرْضِ" فذكر الحديث.
رواه أحمد، والطبراني وزاد:
"
ثم قال: طوبَى لِلْغُرَباء". قيلَ: مَنِ الغُرَبَاءُ؟ قال:
"
أناسٌ صالِحونَ قليلٌ، في ناسٍ سَوءٍ كثيرٍ، مَنْ يَعْصيهِمْ أكْثَرُ ممَّنْ يُطيعُهُمْ".
وأحد إسنادي الطبراني رواته رواة "الصحيح".

3189 - (14) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يدْخُل فُقَراءُ المسْلمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِياءِ بنِصْفِ يومٍ، وهو خَمْسُمِئَةِ عامٍ".

(3/242)


رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".
(
قال الحافظ): "ورواته محتج بهم في (الصحيح) ".

3190 - (15) [
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه بزيادة من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله ابن دينار عن عبد الله بن عمر.

3191 - (16) [
صحيح] وعن أسامة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
قُمْتُ على بابِ الجنَّةِ، فكانَ عامَّةُ مَنْ دخَلها المساكينُ، وأصحابُ الجَدِّ مَحْبوسونَ، غير أنَّ أصْحَابَ النارِ قد أُمِرَ بِهِمْ إلى النارِ، وقُمْتُ على بابِ النارِ، فإذا عامَّةُ مَنْ دخَلها النسَاءُ".
رواه البخاري ومسلم.
(
الجَدّ) بفتح الجيم: هو الحظ والغنى.

3192 - (17) [
حسن لغيره] وروي عن أنسٍ رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اللهم أحْيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشُرني في زُمرة المساكين يوم القيامة. . . . . .".
رواه الترمذي، وقال:
"
حديث غريب". (1)
[
صحيح لغيره] وتقدم فى صلاة الجماعة [5/ 16] حديث ابن عباسٍ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أتاني الليلةَ (2) رَبِّي".
__________
(1)
يعني ضعيف، وهو كما قال، لكن الشطر الأول منه حسن لشواهده، وهي مخرجة في "الإرواء" (3/ 358 - 363).
(2)
هنا زيادة: "آت من"، ولا أصل لها في الحديث، وقد تكررت بتكرر الحديث كما نبهت هنا، وغفل عن ذلك كله الغافلون الثلاثة! ولعلها آخر غفلاتهم.

(3/243)


وفي رواية:
"
رأيتُ ربِّي في أحسَنِ صورَةٍ" فذكر الحديث؛ إلى أنْ قال:
"
قال: يا مُحّمَّدُ! قلتُ: لبَّيْكَ وسَعْديكَ، فقال: إذا صلَّيْتَ قلِ: اللَّهُمَّ إني أسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْراتِ، وتَرْكَ المنْكَراتِ، وحبِّ المسَاكِينِ، وإذا أَرَدْتَ بعبادِكَ فِتْنَةً فاقْبِضْني إليكَ غَيْرَ مَفتونٍ" الحديث.
رواه الترمذي وحسنه.

3193 - (18) [
حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
اللهُمَّ أحْيني مِسْكيناً، وتَوفَّنِي مِسْكيناً، واحْشُرْني في زُمْرَةِ المَساكِينِ".
رواه ابن ماجه.

3194 - (19) [
صحيح] وعن عائذ بن عمروٍ:
أنَّ أبا سُفْيانَ أتى على سلمانَ وصُهَيْبٍ وبِلالٍ في نَفَرٍ فقالوا: [والله] (1) ما أَخَذَتْ سيوفُ الله مِنْ عُنُقِ عَدوِّ الله مَأْخَذها! فقالَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: أتَقولونَ هذا لَشيْخِ قُريش وسَيِّدِهمْ؟! فأتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخْبَرهُ، فقال:
"
يا أبا بَكْرٍ! لَعلَّكَ أغْضبْتَهُم، لِئنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُم لقد أغْضَبْتَ ربَّكَ".
فأتاهُمْ أبو بَكْرٍ فقال: يا إخْوَتاهُ! أغضَبْتكم؟
قالوا: لا، يَغْفِرُ الله لَك يا أَخي.
رواه مسلم وغيره.

3195 - (20) [
صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال:
أوْصاني خَليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِصال مِنَ الخَيْرِ؛ أوْصاني:
__________
(1)
زيادة من "مسلم".

(3/244)


"
أنْ لا أنْظُرَ إلى مَنْ هو فَوْقي وأَنْظُرَ إلى مَنْ هو دوني، وأوْصاني بحبِّ المساكِينَ والدُّنوِّ منْهُم، وأوْصاني أنْ أَصِلَ رَحِمي وإنْ أدْبَرتْ" الحديث.
رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه". [مضى نحوه 8 - الصدقات/ 4].

3196 - (21) [
صحيح] وعن حارثة بن وهبٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ألا أُخْبِركُم بأهْلِ الجنَّةِ؟ كلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعَّف (1)، لوْ أقْسَمَ (2) على الله لأَبَرَّهُ، أَلا أُخْبِركُمْ بأهْلِ النَارِ؟ كلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكبِرٍ".
رواه البخاري ومسلم وابن ماجه. [مضى الشطر الثاني منه 23 - الأدب/ 22].
(
العُتُلّ) بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الجافي الغليظ.
و (الجَوَّاظ) بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره ظاء معجمة: هو الضخم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين. وقيل: الجموع المنوع.

3197 - (22) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
أهلُ النارِ كلُّ جَعْظرِيٍّ جَوَّاظٍ مسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ، وأهلُ الجنَّةِ الضُّعَفاءُ المَغْلُوبونَ".
رواه أحمد والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
(
الجَعْظَريّ) بفتح الجيم وإسكان العين المهملة وفتح الظاء المعجمة. قال ابن فارس:
"
هو المنتفخ بما ليس عنده".
__________
(1)
الأصل: "مستضعف".
(2)
وفي نسخة: (لو يقسم) بدل (لو أقسم).

(3/245)


3198 - (23) [
صحيح لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنازةٍ فقال:
"
ألا أخبرُكم بشرِّ عباد الله؟ الفظّ المستكبر. ألا أخبرُكم بخيرِ عبادِ الله؟ الضعيفُ المستضعفُ ذو الطَّمرين، لا يؤبَهُ له، لو أقسم على الله لأبرَّه".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا محمد بن جابر.
(
الطَّمر) بكسر الطاء: هو الثوب الخَلَق. [مضى هناك].

3199 - (24) [
صحيح لغيره] وعن سراقة بن مالك بن جعشُمٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يا سُراقَةُ! ألا أُخْبِرُكَ بأهْلِ الجنَّةِ وأهْلِ النارِ؟ ".
قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال:
"
أمَّا أهلُ النارِ، فكلُّ جَعْظَريٍّ جَوّاظ مُسْتَكْبِرٍ، وأمَّا أهل الجنَّةِ فالضُّعَفاءُ المغلوبونَ".
رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم" [مضى ثمة].

3200 - (25) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
احْتَجَّتِ الجنَّةُ والنارُ؛ فقالتِ النارُ: فيَّ الجبّارونَ والمتكَبِّرونَ، وقالتِ الجنَّةُ: فى ضُعفَاء المسْلِمينَ ومساكِينُهم، فقَضى الله بينَهُما: إنَّكِ الجنَّةُ رَحْمَتي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وإنَّكِ النارُ عَذابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشاءُ، ولِكلَيْكُما عليَّ مِلْؤها".
رواه مسلم. [مضى ثمة].

(3/246)


3201 - (26) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّه لَيأتي الرجلُ العظيمُ السَّمين يومَ القِيامَةِ؛ لا يَزِنُ عند الله جَناحَ بَعوضَةٍ، [اقْرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}] (1) ".
رواه البخاري ومسلم.

3202 - (27) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال:
مَرَّ رجلٌ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لرجُلٍ عنده جالسٍ:
"
ما رأيُكَ في هذا؟ ".
فقال: رجلٌ مِنْ أشْراف الناسِ؛ هذا والله حَرِيٌّ إنْ خَطب أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَع أنْ يُشَفع، وإنْ قال أنْ يُسْمَع لِقَوْلِه! [قال:] فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمَّ مَرَّ رجلٌ، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما رأيُكَ في هذا".
فقال: يا رسولَ الله! هذا رجلٌ مِنْ فقراءِ المسْلِمينَ، هذا حَرِيٌّ إنْ خَطب أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَع أنْ لا يُشَفَّع، وإنْ قال أنْ لا يُسْمعَ لِقَولِهِ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هذا خيرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ [من] (2) مِثْلِ هذا".
رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.
__________
(1)
زيادة من "الصحيحين" لعل المصنف سها عنها، ولم يتنبه لها الغافلون!
(2)
زيادة من "البخاري" (6447)، ولم يعزه المزي في "التحفة" (4/ 114/ 4720)، ولا الحافظ في "الفتح"، ومن قبلهما البيهقي في "الشعب" (7/ 330 - 331) إلا للبخاري، فعزوه لمسلم من أوهام المؤلف، تبعه عليه الخطيب التبريزي في "المشكاة" (5236)، وهو مما فات الشيخ الناجي التنبيه عليه، وعزاه الثلاثة للبخاري رقم (5091)، ولفظه يختلف عن لفظه هنا، وهذا من تحقيقهم المزعوم!

(3/247)


3203 - (28) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا أبا ذرٍّ! أترى كَثْرةَ المالِ هو الغِنَى؟ ".
قلتُ: نعم يا رسولَ الله! قال:
"
فترى قِلَّةَ المالِ هو الفَقْرُ؟ ".
قلتُ: نَعم يا رسولَ الله! قال:
"
إنَّما الغِنى غِنَى القَلْبِ، والفَقْر فَقْرُ القَلْبِ".
ثُمَّ سأَلني عن رجُلٍ مِنْ قُرْيشٍ؛ قال:
"
هل تَعْرِفُ فلاناً؟ ".
قلتُ: نعم يا رسولَ الله! قال:
"
فكيفَ تَراه -أو تُراه-؟ ".
قلتُ: إذا سأَل أُعطِيَ، إذا حَضَر أُدخِلَ.
قال: ثمَّ سألَنيٍ عن رجُلٍ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ؛ فقال:
"
هلْ تعرِفُ فلاناً؟ ".
قلتُ: لا والله ما أعْرِفُه يا رسولَ الله! فما زالَ يُحلِّيه وَينْعَتُه حتى عَرفْتُه، فقلْتُ: قد عَرفْته يا رسولَ الله! قال:
"
فكيفَ تَراهُ -أو تُراه-؟ ".
قلتُ: هو رجلٌ مسكينٌ مِنْ أهْلِ الصُّفَّة قال:
"
فهو خيرٌ مِنْ طِلاع الأرْضِ (1) مِنَ الآخَرِ".
قلتُ: يا رسول الله! أفلا يُعطَى مِنْ بَعْض ما يُعْطَى الآخَرُ؟ فقال:
"
إذا أعطِيَ خَيْراً فهو أَهْلُه، وإذا صُرِفَ عنهُ فَقَدْ أُعطِيَ حسَنَةً".
رواه النسائي مختصراً، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له.
__________
(1)
أي: ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل. "نهاية".

(3/248)


3204 - (29) [
صحيح] وعنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
انْظُرْ أرْفَعَ رجلٍ في المسْجِدِ".
قال: فنظَرْتُ، فإذا رجلٌ عليه حُلَّةٌ؛ قلتُ: هذا. قال: قالَ لي:
"
انْظُرْ أوْضَعَ رجُلٍ في المسْجِد".
قال: فنَظَرْتُ، فإذا رجلٌ عليه أخْلاقٌ (1)؛ قال: قلتُ: هذا. قال: فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَهذا عندَ الله خَيْرٌ يومَ القِيامَةِ مِنْ مِلءِ الأرْضِ مثْلَ هذا".
رواه أحمد بأسانيد رواتها محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه".

3205 - (30) [
صحيح] وعن مصعب بن سعد قال:
رأى سعدٌ رضي الله عنه أنَّ له فَضْلاً على مَنْ دُونَهُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هَلْ تُنْصَرونَ وتُرْزَقونَ إلا بِضُعَفائِكُمْ".
رواه البخاري، والنسائي وعنده: فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّما تُنْصَرُ هذه الأُمَّةُ بَضُعَفائِها؛ بِدَعْوَتِهِمْ وصَلاتِهِمْ وإخْلاصِهِمْ".
[
مضى 1 - الإخلاص/ 1].

3206 - (31) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ابغوني في ضعفائكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم".
رواه أبو داود والترمذي (2) والنسائي.
__________
(1)
أي: ثياب بالية.
(2)
وقال (1702): "حديث حسن صحيح"، وهو مخرج في "الصحيحة" (780).

(3/249)


3207 - (32) [
صحيح] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال:
كنتُ في أصْحابِ الصُّفَّةِ، فلقد رأيتُنا وما مِنَّا إنْسانٌ عليه ثَوب تامٌّ، وأخَذَ العَرَقُ في جلودِنا طريقاً مِنَ الغُبارِ والوَسَخِ؛ إذْ خَرج عَليْنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
لِيُبْشِرْ فُقَراءُ المُهاجِرينَ"، إذْ أَقْبَل رجلٌ عليه شارَةٌ حَسنةٌ، فجعَلَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يَتَكلَّمُ بِكَلامٍ إلا كَلَّفَتْهُ نَفْسُه أنْ يأْتيَ بِكَلامٍ يَعْلو كلامَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلمَّا انْصَرفَ قال:
"
إنَّ الله لا يُحِبُّ هذا وأضْرابَهُ، يَلْوُونَ ألْسِنَتَهُم لِلنَاسِ لَيَّ البَقَرِ بِلِسانِها المَرْعَى، كذلك يَلْوِي الله تَعالى ألْسِنَتَهُم وَوُجُوهَهُم في النارِ".
رواه الطبراني بأسانيد أحدها صحيح (1).

3208 - (33) [
صحيح] وعن العرباض بن سارية رضيَ الله عنه قال:
كانَ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخرجُ إلينا في الصُّفَّةِ وعلينا الحَوْتَكِيَّةُ، فقال:
"
لوْ تَعْلَمونَ ما ذُخِرَ لَكُمْ ما حَزِنْتُم على ما زُوِيَ عنكُم، ولَتُفْتَحَنَّ عليكم (2) فارِسُ والرومُ".
رواه أحمد بإسناد لا بأس به.
(
الحَوْتَكِيَّة) بحاء مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم تاء مثناة فوق، قيل: هي عمّة يتعمَّمها الأعراب يسمونها بهذا الاسم.
وقيل: هو مضاف إلى رجل يسمى (حوتكاً) كان يتعمَّمها. و (الحوتك): القصير.
__________
(1)
قلت: وهو كما قال؛ إلا في قوله: "بأسانيد" فليس له إلا إسناد واحد، وإن تبعه الهيثمي، وقلدهما الثلاثة إلا فيما أصابا، فقالوا: "حسن"!! وهو في "الصحيحة" (3426).
(2)
وكذا في "المجمع" (1/ 261). وفي "المسند" (4/ 128): (لكم)، ولعله أصح، وكان الأصل (دخر) بالدال المهملة فصححته منه، وهو في "الصحيحة" (2168).

(3/250)


وقيل: هي خميصة منسوبة إليه أو إلى القِصَر، وهذا أظهر، والله أعلم.

3209 - (34) [
صحيح] وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ، وشَهِدَ أنِّي رَسولُك، فحبِّبْ إليهِ لقاءَك، وسَهِّلْ عليه قَضاءَك، وأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدنْيا، (1) ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ، ويَشْهَدْ أنِّي رسولُكَ؛ فَلا تُحبِّبْ إليه لِقاءَك، ولا تُسَهِّلْ عليهِ قَضاءَك، وكَثِّرْ عليه مِنَ الدنْيا".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، وأبو الشيخ في "الثواب".

3210 - (35) [
صحيح] وعن محمود بن لبيدٍ؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اثْنَتان يَكْرَهُهُما ابْنُ آدَم: الموْتُ؛ والموْتُ خيرٌ مِنَ الفِتْنَةِ، ويكْرَهُ قِلَّةَ المالِ؛ وقِلَّةُ المالِ أَقلُّ لِلْحِسابِ".
رواه أحمد بإسنادين، رواة أحدهما محتج بهم في "الصحيح".
ومحمود له رؤية، ولم يصح له سماع فيما أرى، وتقدم الخلاف في صحبته في [1 - الإخلاص/ 2/ 11] "باب الرياء" وغيره. والله أعلم.

3211 - (36) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
رُبَّ أشْعَثَ (2) مَدْفوعٍ بالأَبْوابِ، لوْ أَقْسَم على الله لأَبَرَّهُ".
رواه مسلم.
__________
(1)
قد يُشْكِل هذا مع دعائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخادمه أنس بالمال والولد كما هو معروف، ومخرج في "الصحيحة" (2241)، ولا إشكال؛ لأن هذا خاص أولاً، ثم هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم أن من يدعو له ليس ممن يخشى عليه الفتنة؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} فتنبه.
(2)
كان في الأصل زيادة: (أغبر)، فحذفتها لعدم ورودها في مسلم (8/ 36 و154)، ومن =

(3/251)


3212 - (37) [
صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
رُبَّ أشعثَ أَغْبَر ذي طِمْرَيْن مُصَفَّحٍ (1) عَنْ أبْوابِ النّاسِ، لَوْ أَقْسَم على الله لأَبرَّهُ".
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا عبد الله بن موسى التيمي.
(
قال الحافظ):
"
ويأتي بقية أحاديث هذا الباب في الباب بعده إن شاء الله تعالى".
__________
=
طريقه البغوي في "شرح السنة" (13/ 269)، وقال: "حديث صحيح"، وقد سقط منه شيخ مسلم (سُويد بن سعيد)، ومن طريقه -دونها- أخرجه البيهقي في الشعب (7/ 331/ 10482)؛ لكن تابعه ابن وهب دونها أيضاً بلفظ: "رب أشعثَ ذي طمرين، لو أقسم. . ". أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6449)، وله طريق آخر عن أبي هريرة، وشاهد من طرق عنه مخرجة في "تخريج مشكلة الفقر" (79/ 125).
(1)
أي: معرض عنه مدفوع.

(3/252)


6 - (
الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل، والترهيب من حبِّها والتكاثر فيها والتنافس، وبعض ما جاء في عيش النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المأكل والملبس والمشرب، ونحو ذلك).
3213 - (1) [
حسن لغيره] عن سهلِ بْنِ سعْدٍ الساعدِيِّ رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! دُلَّني على عَملٍ إذا عمِلْتُه أحَبَّني الله، وأحَبَّني الناسُ؟ فقال:
"
ازْهَدْ في الدنْيا يُحِبَّك الله، وازْهَدْ فيما في أيْدي الناسِ يُحِبَّكَ الناسُ".
رواه ابن ماجه، وقد حسَّن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بُعد؛ لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأموي السعيدي، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم عن سهل، وخالد هذا قد تُرك واتهم، ولم أر من وثّقه؛ لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راويه ضعيفاً أن يكون النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني عن سفيان، ومحمد هذا قد وثَّق على ضعفه، وهو أصلح حالاً من خالد. والله أعلم.

3214 - (2) [
حسن لغيره] وعن ابراهيم بن أدهم قال:
جاء رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! دُلَّني على عَملٍ يُحِبُّني الله عليه وُيحِبُّني الناسُ عليه؟ فقال:
"
أمَّا العَملُ الَّذي يُحِبُّكَ الله عليه فالزُّهْدُ في الدُّنيا، وأمَّا العَملُ الذي يُحِبُّك الناسُ علَيهِ فانْبِذْ إلَيْهِمْ ما في يَديْكَ مِنَ الحُطَامِ".
رواه ابن أبي الدنيا هكذا معضلاً.

(3/253)


ورواه بعضهم عنه عن منصور عن ربعي بن حراش قال: جاء رجل، فذكره مرسلاً.

3215 - (3) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما -لا أَعْلَمُه إلا رفَعه- قال:
"
صَلاحُ أوَّلِ هذهِ الأمَّةِ بالزُّهْدِ واليَقينِ، وهلاكُ آخِرِها بالبخْلِ والأَمَلِ".
رواه الطبراني، وإسناده محتمل للتحسين، ومتنه غريب.

3216 - (4) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الدنيا حلْوَةٌ خَضرَةٌ، وإنَّ الله تَعالى مُسْتَخْلِفُكم فيها، فَينْظُرَ كيفَ تعْملُونَ، فاتَّقوا الدُّنيا، واتُّقوا النساءَ؛ [فإنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَني إسْرائيلَ كانَتْ في النسَاء] (1) ".
رواه مسلم.

3217 - (5) [
صحيح] والنسائي وزاد:
"
فما تَركتُ بَعْدي فِتْنَةً أضَرَّ على الرجالِ مِنَ النساءِ" (2).

3218 - (6) [
صحيح] وعن عمرة بنت الحارث رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
زيادة من "مسلم" (2742) سقطت من قلم المؤلف، وكذلك رواه أحمد (3/ 22) من الوجه الذي رواه مسلم، وأخرجه هو (3/ 19)، والترمذي (2192) وصححه، وابن ماجه (4000) من طريق أخرى عن أبي سعيد دون الزيادة. ولم أجد الحديث في "صغرى النسائي"، فلعله في "الكبرى" له.
(2)
هذه الزيادة ليست تمام الحديث الذي قبله كما حققه الحافظ الناجي رحمه الله، بل هو حديث مستقل عن صحابي آخر، وهو أسامة بن زيد عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في الصحيحة" (2701).

(3/254)


"
الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرةٌ، فَمنْ أخذَها بِحَقِّها؛ بارَك الله لَهُ فيها، ورُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مالِ الله ورَسولِه لَهُ النارُ يَوْمَ القِيامَةِ".
رواه الطبراني بإسناد حسن (1).

3219 - (7) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمنْ أخَذَها بِحَقِّه بُورِكَ لَهُ فيها، ورُبَّ مُتَخَوِّضٍ فيما اشْتَهَتْ نَفْسُه ليسَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ إلا النارُ".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.

3220 - (8) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
لا يُصيبُ عبدٌ مِنَ الدُّنيا شيْئاً إلا نَقَص مِنْ دَرَجاتِهِ عندَ الله؛ وإنْ كانَ عليه كَريِماً.
رواه ابن أبي الدنيا، وإسناده جيد، وروي عن عائشة مرفوعاً، والموقوف أصح.

3221 - (9) [
حسن] وعن أبي عسيبٍ رضي الله عنه قال:
خَرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلاً فَمرَّ بي فَدعاني، فخَرجْتُ إليه، ثمَّ مَرَّ بأبي بَكْرٍ رحِمَهُ الله فدعَاهُ، فخرَج إلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بعُمَر رَحِمَهُ الله فدَعاهُ، فَخرَج إلَيْهِ، فانْطَلقَ حتَّى دخَل حائِطاً لِبَعْضِ الأَنْصارِ، فقالَ لِصاحِبِ الحائِطِ: أطْعِمْنا [بسراً]، فجاءَ بعذْقٍ فَوضَعَهُ، فأَكَل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُهُ، ثُمَّ دَعا بِماءٍ بارِدٍ فشَرِبَ، فقال:
__________
(1)
قلت: ورواه عبد الله في "زوائد المسند" وغيره، وله شاهد من حديث خولة عند الترمذي وصححه، والبخاري مختصراً، وهو في "الصحيحة" (1592).

(3/255)


"
لتُسْأَلنَّ عن هذا يوم القيامَةِ".
قال: فأخَذَ عُمرُ رَحمةُ الله العِذْقَ فَضَرب بِه الأَرْضَ، حتَّى تَناثَر البُسْرُ قِبَلَ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ثمَّ قالَ: يا رسول الله! إنَّا لَمسؤولونَ عَنْ هذا يومَ القِيامَةِ؟ قال:
"
نَعمْ، إلا مِنْ ثَلاثٍ: خِرْقَةٍ كَفَّ بها [الرجلُ] عَوْرَتَهُ، أوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بها جَوْعَتَهُ، أوْ جُحْرٍ يَتدخَّلُ فيه مِنَ الحَرَّ والقَرِّ".
رواه أحمد، ورواته ثقات.

3222 - (10) [
حسن] وعن أبي عبد الرحمن الحُبُلي (1) قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاصي وسألهُ رجلٌ فقال:
ألَسْتُ مِنْ فُقَراءِ المهاجِرينَ؟ فقال له عبد الله: ألَك امْرأَةٌ تَأْوي إلَيْها؟ قالَ: نَعَمْ. قال: ألَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنه؟ قال: نَعمْ. قال: فأَنْتَ مِنَ الأَغْنِياءِ.
قالَ: فإنَّ لي خادِماً. قال:
فأنْتَ مِنَ المُلوكِ.
رواه مسلم موقوفاً.

3223 - (11) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أوَّلُ ما يحاسَبُ به العبدُ يومَ القِيامَةِ؛ أنْ يُقالَ لَهُ: ألَمْ أُصِحَّ لكَ جسْمَك، وأرْوِكَ مِنَ الماءِ البارِدِ؟ ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
__________
(1)
الأصل: (الجيلي)، وفي طبعة عمارة (الجُبُلي)، وفي كنى "التقريب" (الحَبَلي)، وكل ذلك خطأ، والصواب ما أثبتنا، وهو بضم المهملة والموحدة.

(3/256)


3224 - (12) [
حسن] وعن أبي سفيان عن أشياخه قال:
قدم سعدٌ على سلمانَ يعوده، قال: فبَكَى، فقال سعدٌ: ما يُبْكيكَ يا أبا عبد الله؟ تُوفِّيَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عَنْكَ رَاضٍ، وتَرِدُ عليهِ الحوْضَ، وتَلْقَى أصْحابَكَ، فقال: ما أبْكي جَزَعاً مِنَ الموْتِ، ولا حِرْصاً على الدنيا؛ ولكنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عهِدَ إليْنا عَهْداً قال:
"
لِيَكُنْ بُلغةُ (1) أحدِكم مِنَ الدنيا كَزادِ الراكِبِ"،
وحَوْلي هذهِ الأساوِدُ! قال: وإنَّما حولَهُ إجَّانَةٌ (2) وجَفْنَةٌ ومَطْهَرةٌ! فقال سعد: اعْهَدْ إلَيْنا، فقال:
يا سَعْد! اُذْكُرِ الله عندَ هَمَّكَ إذا هَمَمْتَ، وعند يَدَيْكَ إذا قَسَمْتَ، وعند حُكْمِكَ إذا حكَمْتَ.
رواه الحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". كذا قال.
قوله: (وحولي هذه الأساود) قال أبو عبيد:
"
أراد الشخوص من المتاع، وكل شخص سواد، من إنسان أو متاع أو غيره".

3225 - (13) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
اشتَكى سَلْمانُ، فعادَهُ سَعْدٌ، فَرآهُ يَبْكي، فقالَ لَهُ سعدٌ: ما يُبْكيكَ يا أَخي؟ ألَيْسَ قد صَحِبْتَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أليسَ، أليسَ؟
__________
(1)
بضم الموحدة: ما يتبلغ به من العيش.
(2)
بكسر الهمزة وتشديد الجيم وفتحها وبالنون: شيء تغسل فيه الثياب.
و (الجفنة) كالقصعة بفتح أولها.
و (المطهرة): إداوة الماء، ذكرها الجوهري بفتح الميم وكسرها ثم قال: والفتح أعلى. كذا في "العجالة" (211/ 1).

(3/257)


قال سلْمانُ: ما أبْكي واحِدَةً مِنِ اثْنَتَيْنِ، ما أبْكي ضَنّاً على الدُّنْيا، ولا كَراهِيَةَ الآخِرَةِ؛ ولكِنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إليْنا عَهْداً، ما أَراني إلا قد تَعَدَّيْتُ.
قال: وما عَهِدَ إليْك؟ قال:
عَهِدَ إليْنا أنَّه:
"
يكْفي أحدَكم مثل زاد الراكِبِ".
ولا أُراني إلا قَدْ تَعدَّيْتُ.
وأمَّا أنتَ يا سَعْدُ! فاتَّقِ الله عندَ حُكْمِكَ إذا حَكَمْتَ، وعندَ قَسْمِكَ إذا قَسَمْتَ، وعند هَمِّكَ إذا هَمَمْتَ.
قال ثابت: فبلَغَني أنَّه ما تَرك إلا بِضْعَةً وعِشْرينَ دِرْهَماً مع نُفَيقَةٍ كَانَتْ عنْدَهُ.
رواه ابن ماجه، ورواته ثقات احتج بهم الشيخان؛ إلا جعفر بن سليمان، فاحتج به مسلم وحده.
[
صحيح موقوف] (قال الحافظ): "وقد جاء في "صحيح ابن حبان":
أن مال سلمان رضي الله عنه جُمع، فبلغ خمسةَ عشر درهماً. (1) وسيأتي إن شاء الله تعالى [آخر هذا الباب] ".
وفي الطبراني: أن متاع سلمان "بيع فبلغ أربعة عشر درهماً" (2).

3226 - (14) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما طَلعتْ شمسٌ قَطُّ إلا بُعِثَ بَجَنْبتَيْها مَلكانِ يُنادِيانِ يُسْمِعانِ أهْلَ
__________
(1)
هذا طرف الحديث الآتي في الفصل التالي في هذا الباب.
(2)
قلت: هذا لم يصح إسناده كما سيأتي هناك في "الضعيف".

(3/258)


الأَرْضِ إلاَّ الثَّقَليْنِ: يا أيّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى ربُّكُمْ؛ فإنَّ ما قلَّ وكفَى، خيرٌ مِمَّا كَثُر وأَلْهَى".
رواه أحمد في حديث تقدم [8 - الصدقات/ 15]، ورواته رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد.

3227 - (15) [
صحيح] وعن فضالة بن عبيدٍ؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
طُوبى لِمَنْ هُدِيَ للإسْلامِ، وكانَ عَيْشُه كَفَافاً وقَنَعَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم" (1) [مضى هناك].

3228 - (16) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
قد أفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ورُزِقَ كَفافاً، وقَنَّعَهُ الله بِما أَتاهُ".
رواه مسلم والترمذي وابن ماجه. [مضى هناك]. (2)
(
الكَفَافُ): الذي ليس فيه فضل عن الكفاية. روى أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب" عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل: ما الكفاف من الرزق؟ قال: شبع يوم، وجوع يوم. (3)
__________
(1)
قلت: وصححه ابن حبان أيضاً (2541 - موارد).
(2)
وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم 129)، وأخرجه الحاكم أيضاً (4/ 122).
(3)
قلت: وعن أبي الشيخ رواه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 126)، ورواه ابن عساكر في "التاريخ" (21/ 207)، ولعل الأولى تفسير (الكفاف) بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أصبح منكم آمناً في سربه. . عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"، حسنه الترمذي، وتقدم (8 - الصدقات/4).

(3/259)


3229 - (17) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قوتاً، -وفي روايةٍ-: كَفافاً".
رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه.

3230 - (18) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يَتْبَعُ الميتَ ثَلاثٌ: أهْلُهُ، ومالُه، وعَملُه، فيَرْجعُ اثْنانِ، وَيبْقَى واحِدٌ، يَرْجعُ أهْلُه ومالُه، وَيبْقَى عمَلُه".
رواه البخاري ومسلم.

3231 - (19) [
حسن صحيح] وعن النعمانِ بْنِ بَشيرٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ عَبْدٍ ولا أَمَةٍ إلا ولهُ ثَلاثة أخِلاَّء؛ فخلَيلٌ يقولُ: أنَا معكَ، فَخُذْ ما شِئْتَ ودع ما شِئْتَ؛ فذلِكَ مالُه. وخليلٌ يقولُ: أنا معَكَ، فإذا أتيْتَ بابَ المَلِك تركتُكَ؛ فذلك خَدمُه وأهْلُه. وخليلٌ يقولُ: أنا معَك حيْثُ دخَلْتَ وحيثُ خَرْجت؛ فذلِكَ عَملُه".
رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح.
[
حسن صحيح] ورواه في "الأوسط"، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَثَلُ الرجلِ ومثلُ الموْتِ؛ كَمَثَلِ رجُلٍ لَهُ ثلاثَةُ أخِلاّء؛ فقالَ أحَدُهم: هذا مالي؛ فَخذْ منه ما شئْتَ، وأَعْطِ ما شِئتَ، ودع ما شِئْتَ، وقال الآخَرُ: أنا مَعكَ أخْدِمُك؛ فإذا مِتَّ تركْتُكَ، وقال الآخَرُ: أنا مَعَك؛ أدْخُل مَعكَ، وأخْرُج معَكَ إن مِتَّ وإنْ حَيِيْتَ، فأمَّا الَّذي قال: هذا مالي فَخُذْ منه ما شِئْتَ، ودعْ ما شِئْتَ، فهو مالُه، والآخَرُ عَشيرَتُه، والآخَرُ عَملُه، يَدْخل

(3/260)


معَهُ ويَخرُج مَعَهُ حيْثُ كانَ" (1).

3232 - (20) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مثَلُ ابْنِ آدَم ومالِه وأهلِه وعملِه كرجُلٍ لَهُ ثَلاثَةُ إخْوَةٍ، أو ثَلاثَةُ أصْحابٍ، فقال أحَدُهم: أنا معَك حياتَكَ، فإذا مِتَّ فلسْتُ منكَ ولَسْتَ منِّي؛ فهو مالُه، وقالَ الآخَرُ: أنا مَعَك، فإذا بَلغْتَ تِلْكَ الشجرةَ فلَسْتُ منكَ ولسْتَ مِنِّي، وقال الآخَرُ: أنا معَكَ حيَّا ومَيِّتاً".
رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح" (2).

3233 - (21) [
صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقولُ العبْدُ: مالي مالي! إنَّما لَهُ مِنْ مالِه ثلاثٌ: ما أَكلَ فأفْنَى، أوْ لَبِسَ فأبلَى، أوْ أَعْطَى فأقنى، وما سِوى ذلك فهو ذاهِبٌ وتارِكه للِناسِ".
رواه مسلم.

3234 - (22) [
صحيح] وعن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال:
أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال:
"
يقولُ ابْنُ آدَم: مالي مالي! وهلْ لكَ يا ابْنَ آدم مِنْ مالِكَ إلا ما أكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أو لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أوْ تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيْتَ؟! ".
رواه مسلم والترمذي والنسائي.
وتقدمت أحاديث من هذا النوع في "الصدقة" وفي "الإنفاق".
__________
(1)
قلت: مضى له شاهد من حديث أنس (8 - الصدقات/ 15).
(2)
وكذا في "مجمع الزوائد" (10/ 252)، وفيه محمد بن عجلان، ولم يحتجا به، وهو مخرج في "الصحيحة" (2481).

(3/261)


3235 - (23) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بالسوقِ [داخلاً من بعض العالية] (1) والناسُ كَنَفَتَيْه، فَمرَّ بجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ، فتناوَله بأُذُنِهِ ثُمَّ قال:
"
أيُّكُمْ يُحِبُّ أنَّ هذا لَهُ بِدرهَمٍ؟ ".
فقالوا: ما نُحِبُّ أَنَّه لَنا بشَيْءٍ، وما نَصْنَعُ به؟ قال:
"
أتُحِبُّون أنَّه لَكُمْ؟! ".
قالوا: والله لوْ كان حيّاً لكانَ عَيْباً فيه؛ لأنَّهُ أسَكُّ، فكيفَ وهو مَيِّتٌ؟ فقال:
"
والله للدُّنْيا أهْوَنُ على الله مِنْ هذا علَيْكُمْ".
رواه مسلم.
قوله: (كَنَفَتيَه) أي: عن جانبيه.
و (الأَسَكّ) بفتح الهمزة والسين المهملة أيضاً وتشديد الكاف: هو الصغير الأذن.

3236 - (24) [
صحيح لغيره] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما قال:
مَرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ قد ألْقاها أهْلُها، فقال:
"
والَّذي نَفْسي بيَدِه للدُّنْيا أهْوَنُ على الله مِنْ هذهِ على أهْلِها".
رواه أحمد بإسناد لا بأس به.

3237 - (25) [
صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
مَرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدِمنةِ قومٍ فيها سَخْلَةٌ ميتةٌ، فقال:
"
ما لأهلها فيها حاجة؟ ".
__________
(1)
زيادة من مسلم (8/ 210).

(3/262)


قالوا: يا رسول الله! لو كانَ لأهلِها فيها حاجةٌ ما نبذوها، فقال:
"
والله للدُّنيا أهونُ على الله من هذه السخلةِ على أهلها، فلا ألفِينّها أهلكت أحداً منكم".
رواه البزار (1).

3238 - (26) [
صحيح لغيره] والطبراني في "الكبير" من حديث ابن عمر بنحوه، ورواتهما ثقات. (2)

3239 - (27) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث أبي هريرة، ولفظه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرّ بسَخْلَةٍ جَرْباءَ قد أخْرَجها أهْلُها، فقال:
"
أتَرونَ هذه هَيِّنَةً على أهْلِها؟ ".
قالوا: نَعمْ. قال:
"
للَدُّنْيا أهْوَنُ على الله مِنْ هذه على أَهلِها". (3)
(
الدِّمنة) بكسر الدال: هي مجتمع الدِّمْن، وهو السرجين المبلد بعضه على بعض (4).
و (السخلة): الأنثى من ولد الضأن.
وقوله: (فلا ألفينها) بالفاء وتشديد النون، أي: فلا أجدنها.
__________
(1)
وقال البزار: "قد روي هذا الحديث من وجوه، وأعلى من رواه أبو الدرداء، وإسناده صحيح شاميون، وفيه زيادة: (فلا ألفينها. .). .". وهو مخرج في "الصحيحة" (3392).
(2)
قلت: يعني هذا وحديث أبي الدرداء الذي قبله، وليس فيه الزيادة التي في حديث أبي الدرداء، ولذلك فكان الأَولى ذكره عقب حديث ابن عباس المتقدم، أو حديث أبي هريرة الآتي.
(3)
في الأصل هنا قوله: "وفي رواية للطبراني من حديث ابن عمر أيضاً نحوه، وزاد فيه: "ولو كانت تعدل عند الله مثقال حبة من خردل لم يعطها إلا لأوليائه وأحبابه من خلقه".
قلت: وهو ضعيف جداً، فيه (البابلتي) ومن هو أشد ضعفاً منه، وهو مخرج في "الضعيفة" (6693).
(4)
يعني: المزبلة.

(3/263)


3240 - (28) [
صحيح لغيره] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَوْ كانَتِ الدنْيا تَعدِلُ عندَ الله جَناحَ بَعوضَةٍ، ما سَقى كافِراً مِنْها شُرْبَةَ ماءٍ".
رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال:
"
حديث حسن صحيح".

3241 - (29) [
صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال:
جاءَ قومٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ لَهُمْ:
"
ألَكُمْ طَعامٌ؟ ".
قالوا: نَعَمْ. قال:
"
فلكُمْ شرابٌ؟ ".
قالوا: نَعَمْ. قال:
["
فَتُصَفُّونه؟ "، قالوا: نعم. قال]
"
وَتَبَرَّزونَه؟ (1) ".
قالوا: نَعَمْ. قال:
"
فإنَّ معادَهُما كمَعادِ الدُّنْيا؛ يقومُ أحدُكم إلى خَلفِ بَيْتِه، فيُمْسِكُ أنْفَهُ مِنْ نَتَنِهِ".
رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

3242 - (30) [
صحيح لغيره] وعن الضَّحاك بن سفيانَ رضي الله عنه؛ أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:
"
يا ضحَّاكُ! ما طعَامُك؟ ".
__________
(1)
الأصل: "وتبردونه"، والتصويب من الطبراني (6/ 304 - 305)، والزيادة منه، وغفل عن هذا كله المدعون!

(3/264)


قال: يا رسولَ الله! اللَّحْمُ واللَّبَنُ. قال:
"
ثمَّ يصيرُ إلى ماذا؟ ".
قال: إلى ما قَدْ علِمْتَ. قال:
"
فإنَّ الله تعالى ضَرَب ما يَخْرُج مِنِ ابْنِ آدَمَ مَثلاً لِلدنْيا".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا علي بن زيد بن جدعان [مضى ج 2/ 19 - الطعام/ 7].

3243 - (31) [
صحيح لغيره] وعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ مَطْعَم ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مثَلاً للدُّنيا، وإنْ قَزَّحَهُ ومَلَحَهُ، فانْظُرْ إلى ما يَصيرُ".
رواه عبد الله بن أحمد، وابن حبان في "صحيحه".
قوله: (قزَّحَهُ) بتشديد الزاي: هو من (القزح) وهو التابل، يقال: قزحت القدر إذا طرحت فيها الأبزار.
(
ومَلَحه) بتخفيف اللام معروف. [مضى هناك].

3244 - (32) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الدنْيا مَلْعونَةٌ، ملعونٌ ما فيها؛ إلا ذِكْرَ الله ومَا والاه، وعالِمٌ أو متَعَلَّمٌ".
رواه ابن ماجه، والبيهقي، والترمذي وقال: "حديث حسن". [مضى 3 - العلم/ 1].

3245 - (33) [
صحيح] وعن المستورد أخي بني فهرٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما الدنْيا في الآخِرَةِ (1) إلا كَما يَجْعَلُ أَحَدُكُم إصْبَعَهُ هذهِ في اليَمِّ
__________
(1)
أي: ما الدنيا بالنسبة للآخرة في قصر مدتها وفناء لذتها، ودوام الآخرة ودوام لذتها ونعيمها.

(3/265)


-
وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة-، فَلْيَنْظُر بِمَ يَرْجِعُ".
رواه مسلم.

3246 - (34) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، وعبدُ الدرْهَمِ، وعبدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتكَس، وإذا شِيك فلا انْتَقشَ، طوبى لِعبد آخِذٍ بِعِنانِ فَرسِه في سبيلِ الله، أشْعَثَ رأسُه، مُغْبَرَّةٍ قَدماهُ، إنْ كانَ في الحِراسَةِ كانَ في الحِراسَةِ، وإنْ كانَ في الساقَةِ كان في الساقَةِ؛ إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَع لَمْ يُشَفَّعْ".
رواه البخاري. وتقدم مع شرح غريبه في "الرباط" [ج 2/ 12 - الجهاد/ 1].

3247 - (35) [
صحيح لغيره] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
من أحبَّ دُنياه؛ أضرَّ بآخرته، ومن أحبَّ آخرتَه؛ أضرَّ بدُنياه، فآثِروا ما يبقى على ما يفْنى".
رواه أحمد، ورواته ثقات، والبزار، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، والبيهقي في "الزهد" وغيره، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى، وقال الحاكم:
"
صحيح على شرطهما".
(
قال الحافظ): "المطلب لم يسمع من أبي موسى (1)، والله أعلم".
__________
(1)
قلت: نعم، ولكني وجدت له شاهداً عزيزاً من حديث أبي هريرة، خرجته في "الصحيحة" (3287)، وأشرت تحته إلى حديث أبي موسى هذا الذي كنت أخرجته في "الضعيفة" (5650) لانقطاعه، ورددتُ فيه على أحد الدكاترة الذي حسنه اعتباطاً -كما يفعل الثلاثة- وهو يرى إعلال المؤلف إياه بالانقطاع، ولكنه كتمها، ونقل عنه قوله: "ورجاله ثقات" فقط!!

(3/266)


3248 - (36) [
صحيح] وعن أبي مالك الأشْعَريِّ رضيَ الله عنه:
أنهُ لمَّا حضَرتْهُ الوَفاةُ قال: يا مَعْشَر الأشْعَرِّيين! ليُبلِّغِ الشاهِدُ الغائِبَ؛ إنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
حلاوَةُ الدنيا مُرَّةُ الآخِرَةِ، ومُرَّةُ الدنْيا حلاوَةُ الآخِرَةِ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3249 - (37) [
صحيح] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ في قولِه تعالى: {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} قال:
"
في الدنيا".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو في مسلم (1) بمعناه في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى [مضى ج 2/ 16 - البيوع/ 3].

3250 - (38) [
صحيح] وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما ذِئْبانِ جائِعانِ أرْسِلا في غَنَمٍ، بأفْسدَ لها مِنْ حِرْصِ المَرْءِ على المالِ والشرف لدينه".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن حبان في "صحيحه".

3251 - (39) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما ذئْبانِ ضارِيَانِ جائِعانِ باتا في زَريبَةِ غَنَمٍ، أغْفَلها أهْلُها، يَفْتَرِسان ويأكُلانِ؛ بَأسْرَعَ فيها فَساداً مِنْ حُبِّ المالِ والشرَفِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ".
رواه الطبراني واللفظ له، وأبو يعلى بنحوه، وإسنادهما جيد.
__________
(1)
كذا قال هنا، وقال فيما مضى: "وهو في (الصحيحين) "، وهو الصواب كما سيأتي هناك في الحديث الثالث من الأحاديث الستة آخر الكتاب. نسأل الله حسن الخاتمة ودخول الجنة برحمته وفضله.

(3/267)


3252 - (40) [
حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما ذئْبانِ ضارَيانِ في حَظيرَةٍ يَأْكلانِ ويُفْسِدانِ؛ بأضَرَّ فيها مِنْ حُبِّ الشرفِ وحُبِّ المالِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ".
رواه البزار بإسناد حسن.

3253 - (41) [
صحيح] وعن كعب بن عياضٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ لِكلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وفِتْنَةُ أمَّتي المالُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

3254 - (42) [
صحيح] وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
رحِمَ الله مَنْ سمعَ مقالَتي حتَّى يُبَلِّغها غَيْرَهُ، ثلاثاً لا يَغِلُّ عليهِنَّ قلتُ امْرئٍ مسْلمِ: إخْلاصُ العَملِ لله، والنصْحُ لأئِمَّةِ المسْلمينَ، واللُّزومُ لِجمَاعَتهِمْ، فإنَّ دُعاءَهُمْ يُحِيطُ مَنْ وراءَهم. إنَّه مَنْ تكُنِ الدنْيا نِيَّتَهُ يَجْعلِ الله فَقْرَهُ بيْنَ عينيْهِ، ويشَتِّتْ عليه ضَيْعَتَهُ، ولا يَأْتِيهِ منها إلا ما كتِبَ له. ومَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ نِيَّتَه يَجْعَلِ الله غِناهُ في قَلْبِه، ويَكْفِيه ضَيْعَتَهُ، وتأتيه الدنيا وهي راغِمَةٌ".
رواه ابن ماجه، وتقدم لفظه وشرح غريبه في "الفراغ للعبادة" [هنا/2]، والطبراني واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم لفظه في سماع الحديث [3 - العلم/ 3].

3255 - (43) [
صحيح] وعن عمرو بن عوفٍ الأنصاري رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَثَ أبا عبيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ رضيَ الله عنه إلى البَحرينِ يأتي بجِزْيتها، فقَدمَ بِمالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فسمِعَتِ الأَنْصارُ بِقُدومِ أبي عُبَيْدَة، فوافَوْا صلاةَ الفَجرِ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمَّا صَلّى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصرَفَ، فَتعَّرضوا له، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ رآهُمْ، ثم قال:

(3/268)


"
أَظُنّكُم سمِعْتُم أنَّ أبا عُبَيْدَة قَدِمَ بشَيْءٍ مِنَ البَحْرَيْنِ؟ ".
قالوا: أجَلْ يا رسولَ الله! فقال:
"
أبْشِروا وأَمِّلوا ما يَسرُّكم، فوَالله ما الفَقْرَ أخْشَى عليكُمْ؛ ولكِنْ أخْشَى أنْ تُبْسَط الدنيا عليكُم كما بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قَبْلَكُم، فتَنافَسُوها كما تَنافَسُوها، فتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ".
رواه البخاري ومسلم.

3256 - (44) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما أخْشى عليكُم الْفَقْرَ؛ ولكِنْ أخْشى عليكُمُ التكَاثُرَ، وما أَخْشى عليكُمُ الخَطأَ؛ ولكنْ أخْشَى عليكُمْ التَّعَمُّدَ".
رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

3257 - (45) [
صحيح لغيره] وعن عوفِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أصحابه فقال:
"
آلفقرَ تخافون أو العوز، أم تهمكم الدنيا؟ فإن الله فاتحٌ عليكم فارسَ والرومَ، وتصب عليكم الدنيا صباً حتى لا يُزيغكم بعدي إنْ أزاغكم (1) إلا هي".
رواه الطبراني، وفي إسناده بقية. (2)
(
العَوَز) بفتح العين والواو: هو الحاجة.
__________
(1)
الأصل: (بعد أن زغتم)، وكذا هو عند الطبراني (18/ 52/ 93)، والمثبت من "المسند" (6/ 24)، وإسناده جيد، فكان ينبغي عزوه من المصنف إليه لسلامته من تدليس بقية الذي أعله به، وقد تبعه -مع الأسف- الهيثمي، واغتر بهما المعلقون الثلاثة فضعفوا الحديث بسببه!
(2)
وكذا في "المجمع"، وفاتهما عزوه لأحمد، وقد صرح بالتحديث (6/ 24)، انظر "الصحيحة" (688).

(3/269)


3258 - (46) [
صحيح لغيره] وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛
أنَّه كانَ يُعْطي الناسَ عَطاءَهُم، فجاءَهُ رجَلٌ فأعْطاهُ ألْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قال: خُذْها؛ فإنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
إنَّما أَهْلَك مَنْ قبْلَكُم الدينارُ والدِرْهَمُ، وهما مُهْلِكاكُمْ".
رواه البزار بإسناد جيد.

3259 - (47) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:
جلسَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنْبَر وجلَسْنَا حولَهُ فقال:
"
إنَّ مِمَّا أخافُ عليكُمْ ما يَفْتَحُ الله عليكُم مِنْ زَهْرَةِ الدنْيا وزينَتِها".
رواه البخاري ومسلم في حديث.

3260 - (48) [
صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال:
كنتُ أمْشي مَعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حَرَّةٍ بالمَدينَة، فاسْتَقْبَلَنا أُحُدٌ، فقالَ:
"
يا أبا ذرّ! ".
قلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال:
"
ما يَسُرُّني أنَّ عندي مثلَ أُحُدٍ هذا ذَهباً، يَمْضي عليه ثالِثَةٌ وعِنْدي منهُ دينارٌ؛ إلا شَيْءٌ أرْصدُه لِدَيْنٍ؛ إلا أنْ أقولَ في عبادِ الله هكذا، وهكذا، وهكذا -عنْ يَمينِه، وعنْ شمَالِه، وعنْ خَلْفِهِ-". ثُمَّ سارَ فقال:
"
إنَّ الأكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يومَ القِيامَةِ إلاَّ مَنْ قال هكذا، وهكَذا، وهكذا -عنْ يَمينِه، وعنْ شِمالَهِ، ومِنْ خَلْفِهِ-، وقَليلٌ ما هُمْ". ثم قال لي:
"
مكانَك لا تَبْرَحْ حتى آتِيَكَ" الحديث.
رواه البخاري واللفظ له، ومسلم، وفي لفظ لمسلم: قال:
انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو جالِسٌ في ظلِّ الكَعْبَةِ، فلمَّا رآني قال:

(3/270)


"
هُمُ الأَخْسَرونَ ورَبِّ الكَعْبَةِ".
قال: فجئْتُ حتى جلَسْتُ، فلَمْ أتقَارَّ (1) أنْ قُمْتُ، فقلتُ: يا رسول الله! فِداكَ أبي وأمِّي، مَنْ هُمْ؟ قال:
"
هُم الأكْثَرون أمْوالاً، إلا مَنْ قال هكذا، وهكذا، وهكذا -مِنْ بَيْنِ يديْه، ومِنْ خَلْفه، وعَنْ يَمينِه، وعَنْ شِمالِهِ-، وقليلٌ ما هُمْ" الحديث.
[
حسن] ورواه ابن ماجه مختصراً:
"
الأكْثَرونَ هُم الأَسْفَلونَ يومَ القِيامَةِ، إلا مَنْ قال هكذا، وهكذا". (2)

3261 - (49) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كنتُ أمْشي مَعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نَخْلٍ لِبَعْضِ أهْلِ المدينَةِ، فقال:
"
يا أبا هريرة! هلَكَ المكْثِرونَ إلا مَنْ قال هكذا، وهكذا، وهكذا -ثلاثَ مَرَّاتٍ، حثا بكفَّيْهِ عَنْ يَمينِه، وعنْ يَسارِه، ومِنْ بيْنِ يدَيْهِ- وقليلٌ ما هُمْ" الحديث.
رواه أحمد، ورواته ثقات، وابن ماجه بنحوه.

3262 - (50) [
صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نحن الآخِرون (3)، الأوَّلونَ يومَ القِيامَةِ، وإنَّ الأكْثَرينَ همُ الأسْفَلونَ، إلا مَنْ قالَ هكذا، وهكذا -عَنْ يَمينِه؛ وعنْ يَسارِه، ومِنْ خَلْفِهِ، وبيْنَ يَديْهِ، ويَحْثي بثَوبه-".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
[
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه باختصار، وقال في أوله:
__________
(1)
أي: لم ألبث. أصله (أتقارر)، فأدغمت الراء في الراء.
(2)
في آخر الحديث زيادة: "وكسبه من طيب"، فحذفتها لشذوذها، ومخالفتها لطرق الحديث الأخرى، وهي مخرجة في "الصحيحة" (1766)، وفاتني هناك التنبيه على شذوذها، فليستدرك.
(3)
أي: ظهوراً في الدنيا، (الأولون يوم القيامة) أي: دخولاً الجنة، وقد جاء هذا نصاً عن أبي هريرة في مسلم (3/ 7).

(3/271)


"
ويْلٌ للمُكْثِرين".
(
قال الحافظ): "وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تدور على هذا المعنى اختصرناها".

فصل في عيش السلف (1).
3263 - (51) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"
ما شَبعَ آلُ مُحمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَعامٍ ثلاثَةَ أيَّام تِباعاً حتى قُبِضَ".
وفي رواية: قال أبو حازم: رأيتُ أبا هريرة يُشيرُ بإصْبَعِه مِراراً يقول:
"
والذي نَفْسُ أبي هريرةَ بيده ما شَبِعَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وأهلُه] ثلاثَة أيَّامٍ تباعاً مِنْ خبْزِ حِنْطَةٍ حتى فارَقَ الدنْيا".
رواه البخاري ومسلم (2).

3264 - (52) [
صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"
كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبيتُ اللَّياليَ المتَتَابِعَةَ وأهْلُه طاوِينَ، لا يَجِدونَ عَشاءً، وإنَّما كانَ أكْثَر خُبْزِهم الشعيرُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

3265 - (53) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
"
ما شبعَ آلُ محمَّدٍ مِنْ خُبْزِ الشعيرِ يَوميْنِ مُتَتابِعَيْنِ حتى قُبِضَ رسولُ الله".
__________
(1)
أي: في كيفية معيشتهم في أيام حياتهم، وبيان كيفية معيشة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أيام حياته إلى وقت قبض روحه الشريفة -بأبي وأمي أفديه-.
(2)
ذكر الناجي (ق 211/ 2) أن الحديث من أفراد مسلم بالروايتين، ففاته أن الرواية الأولى عند البخاري في أول "كتاب الأطعمة"، وهو ثاني حديث منه؛ وقد أخرجه الترمذي أيضاً (2359) وقال: "حديث حسن صحيح".

(3/272)


رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم: قالت:
"
لقد ماتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما شَبعَ مِنْ خُبزٍ وزَيْتٍ في يومٍ واحدٍ مرَّتَيْنِ".

3266 - (54) [
صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال:
"
خَرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولَمْ يَشْبَعْ هو ولا أَهْلُه مِنْ خُبْزِ الشعيرِ"
رواه البزار بإسناد حسن.

3267 - (55) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّه مَرَّ بقومٍ بينَ أيْديِهمْ شاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدعَوهُ فأبى أنْ يأكُلَ، وقال:
"
خَرج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الدنْيا ولَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبزِ الشعيرِ".
رواه البخاري والترمذي.
(
مَصْليَّة) أي: مشويَّة.

3268 - (56) [
صحيح لغيره] ورُوي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:
"
ما شبعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم شبعتين حتى فارق الدنيا".
رواه الطبراني.

3269 - (57) [
صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
"
ما كان يَبْقَى على مائدَةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُبْزِ الشعيرِ قَليلٌ ولا كَثيرٌ".
رواه الطبراني بإسناد حسن.
[
صحيح لغيره] وفي رواية له:
"
ما رُفِعَتْ مائدَةُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منْ بيْنِ يَديْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلَيْها فُضْلَةٌ مِنْ طَعامٍ قَطُّ".

(3/273)


[
صحيح لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا؛ إلا أنه قال:
"
وما رُفعَ بين يَديْهِ كِسْرَةٌ فَضْلاً حتى قُبِضَ".

3270 - (58) [
صحيح] وللترمذي وحسَّنه من حديث أبي أمامة قال:
"
ما كان يَفْضُلُ عَنْ أهْلِ بيْتِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُبْزُ الشعيرِ".

3271 - (59) [
حسن] وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال:
أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأيتُه متَغَيِّراً فقلتُ: بأبي أنْتَ؛ ما لي أراكَ متَغَيِّراً؟ قال:
"
ما دخَل جَوْفي ما يدخُل جوْفَ ذاتِ كَبِدٍ منذُ ثَلاثٍ".
قال: فذهَبْتُ فإذا يهَودِيٌّ يَسْقي إِبِلاً لَهُ، فسَقَيْتُ له على كلِّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ، فَجمَعْتُ تَمْراً؛ فأتَيْتُ بِه النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
"
مِنْ أيْنَ لك يا كَعْبُ؟ "، فأخْبرتُه، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتُحِبُّني يا كعْبُ؟ ".
قلتُ: بأبي أنْتَ؛ نَعَمْ. قال:
"
إنَّ الفَقْرَ أسْرَعُ إلى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السيْلِ إلى مَعادِنِه، وإنَّهُ سَيُصيبُكَ بَلاءٌ، فأعِدَّ له تَجْفافاً".
قال: فَفَقَدَهُ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
ما فَعلَ كعْبٌ؟ ".
قالوا: مريضٌ، فخَرجَ يَمْشي حتَّى دخَل عليْه، فقالَ لَهُ:
"
أبْشِرْ يا كعْبُ! ".
فقالتْ أمَّهُ: هَنيئاً لكَ الجَنَّةَ يا كعْبُ! فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ هذه المُتأَلِّيَةُ على الله؟ ".
قلتُ: هِيَ أمِّي يا رسولَ الله! قال:

(3/274)


"
ما يُدْريكِ يا أمَّ كَعْبٍ؟ لَعلَّ كعْباً قال ما لا يَنْفَعُه، ومَنَع ما لا يُغْنِيهِ".
رواه الطبراني، ولا يحضرني الآن إسناده، إلا أن شيخنا الحافظ أبا الحسن رحمه الله كان يقول: إسناده جيد. (1)

3272 - (60) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
"
لَمْ ياْكُلِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على خِوانٍ (2) حتَّى ماتَ، ولَمْ يأْكُلْ خُبزاً مُرَقِّقاً حتى مات".
[
صحيح] وفي رواية:
"
ولا رأَى شاةً سَميطاً بعَيْنِه قَطُّ".
رواه البخاري.

3273 - (61) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال:
"
ما رأى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّقيِّ (3) مِنْ حينِ ابْتَعَثهُ الله تعالى حتَّى قَبضَهُ الله".
فقيلَ: هلْ كانَ لكُم في عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْخُلٌ؟ قال:
"
ما رأى رسولُ الله مُنْخُلاً مِنْ حِينِ ابْتَعَثهُ الله تعالى حتى قَبَضهُ الله".
فقيلَ: فكيفَ كنتُمْ تأْكُلونَ الشعيرَ غيرَ منْخولٍ؟ قال:
كنَّا نَطْحَنُه ونَنْفُخه، فَيطيرُ ما طَار، وما بَقِيَ ثَرَّيْناهُ.
رواه البخاري.
(
النَّقِيُّ): هو الخبز الأبيض الحواري.
__________
(1)
قلت: وكذا قال الهيثمي، وهو مخرج في "الصحيحة" (3103).
(2) (
الخوان): بكسر الخاء المعجمة: هو ما يوضع عليه الطعام.
(3)
هو خبز الدقيق الحواري، وهو النظيف الأبيض.

(3/275)


(
ثَرَّيْنَاهُ) بثاء مثلثة مفتوحة وراء مشددة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون، أي: بللناه وعجنّاه.

3274 - (62) [
حسن صحيح] وروي عن أم أيمن (1) رضي الله عنها:
أنَّها غَرْبَلَتْ دَقيقاً، فصَنَعتْهُ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغيفاً، فقال:
"
ما هذا؟ ".
قالتْ: طعامٌ نَصْنَعُه بأرْضِنا، فأحْبَبْتُ أن أصْنَع لك منة رَغيفاً، فقال:
"
رُدِّيهِ فيهِ ثُمَّ اعْجِنيهِ".
رواه ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع"، وغيرهما.

3275 - (63) [
صحيح] وعن النعمانِ بن بَشيرٍ رضي الله عنهما قال:
ألَسْتُمْ في طعامٍ وشَرابٍ ما شِئْتُمْ؟
لقد رأيتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ ما يَمْلأُ بَطْنَهُ.
رواه مسلم والترمذي.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم عن النعمان قال:
ذكر عمرُ ما أصابَ الناسُ مِنَ الدنْيا؛ فقالَ:
"
لقد رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظَلُّ اليومَ يَلْتَوِي ما يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ ما يَمْلأُ بَطْنَهُ".
(
الدَّقَلُ) بدال مهملة وقاف مفتوحتين: هو رديء التمر.

3276 - (64) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
أرسلَ إلينا آلُ أبي بكرٍ بقائِمَةِ شاةٍ لَيْلاً، فأمْسَكْتُ، وقطعَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو
__________
(1)
هي بركة الحبشية، خادمة أم حبيبة رضي الله عنها.

(3/276)


قالتْ: فأمْسكَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقطَعتُ، قال: فيقولُ الذي تُحدِّثهُ: هذا على غيرِ مِصْباح؟ [قالتْ عائشةُ: إنَّه لَيأْتي على آلِ محمَّدٍ الشهرُ ما يخْتَبِزَونَ خُبْزاً، ولا يطْبُخون قدراً] (1) ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".
والطبراني وزاد:
فقلتُ: يا أمّ المؤْمنين! على [غيرِ] مصْباحٍ؟
قالتْ: لو كان عندَنا دُهْنُ مصباحٍ لأكَلْناه (2).

3277 - (65) [
صحيح] وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها كانت تقول:
والله يا ابْنَ أختي! إنْ كنّا لنَنْظُر إلى الهلالِ، ثمَّ الهلالِ، ثمَّ الهلالِ؛ ثلاثَة أهِلَّةٍ في شهْرَيْن، وما أُوقدَ في أبْياتِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نارٌ.
قلتُ: يا خالة! فما كان يُعِيشُكُم؟
قالتْ: الأسْوَدان: التمرُ والماءُ، إلا أنَّه كان لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيرانٌ منَ الأنْصارِ، وكانَتْ لهم مَنايحُ، فكانوا يُرْسِلونَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ألْبانِها، فيَسْقِينَاه".
رواه البخاري ومسلم.

3278 - (66) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
مَنْ حدَّثكُم أنّا كنّا نشْبَعُ مِنَ التمْرِ فقد كَذَبَكُم؛ فلمَّا افْتَتَحَ رسولُ الله
__________
(1)
زيادة من "المسند" (6/ 94) لا أدري لم أسقطها المؤلف، وهي موضع الشاهد.
(2)
قلت: هذه الزيادة عند أحمد أيضاً (6/ 217) في رواية، وفيها كالتي قبلها لفظة (غير)، وسقطت من رواية الطبراني، يعني في "الأوسط" (9/ 403)، ولذلك جعلتها بين معكوفتين، ووقعت في الأصل في قوله بعدُ: ". . . غير مصباح لأكلناه"! وهو خطأ واضح.

(3/277)


-
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُريظَةَ) أصَبْنا شيْئاً منَ التمْرِ والوَدَكِ.
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3279 - (67) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
جئتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً فوجَدْتُه جالِساً وقدْ عَصَب بَطْنَهُ بِعِصابَةٍ، فقلتُ لبعْضِ أصْحابه: لِمَ عصَب رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطْنَهُ؟ فقالوا: منَ الجوعِ. فذهبتُ إلى أبي طَلْحَة وهو زَوْجُ أمِّ سُلَيم، فقلتُ: يا أَبتاه! قد رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عصَب بطْنَهُ بعِصابَةٍ؛ فسألتُ بعض أصْحابه؟ فقالوا: مِنَ الجوع، فدخَل أبو طَلْحةَ على أمِّي فقال: هلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فقالت: نعم، عندي كِسَرٌ مِنْ خبْزٍ وتمراتٌ، فإنْ جاءَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحدَهُ أشْبَعْناهُ، وإنْ جاءَ آخَرُ معَه قَلَّ عنهم" فذكر الحديث.
رواه البخاري ومسلم (1).

3280 - (68) [
صحيح] ورواه [يعني حديث ابن عباس الذي في "الضعيف"] ابن حبان في "صحيحه" مختصراً من حديث أبي هريرة، ولفظهُ: قال:
جلَس جِبْريلُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنظَر إلى السَّمَاءِ، فإذا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فقال لَهُ جبريلُ. هذا المَلَكُ ما نزَل مُنْذُ خُلِقَ قَبْلَ هذه الساعَة، فلمّا نَزل قال: يا مُحمَّد! أرْسلَني إليك ربُّكَ؛ أمَلِكاً أجْعَلُكَ، أمْ عَبْداً رسولاً؟ قال لَهُ جبريلُ: تواضَعْ لِرَبِّكَ يا محمَّدٍ! فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا بَلْ عبْداً رسولاً".

3281 - (69) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
قال الناجي:
"
هذا لمسلم وحده، ولم يروه البخاري إلا بمعناه، فكان يتعين عزوه لمسلم فقط".

(3/278)


"
لقد أُخِفْتُ في الله وما يُخافُ أَحَدٌ، ولقد أوذيتُ في الله وما يُؤْذَى أَحَدٌ، ولقد أتَتْ عليَّ ثلاثون مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ ولَيْلةٍ؛ وما لي ولبِلالٍ طعامٌ يأْكُله ذو كَبِدٍ، إلاّ شَيْءٌ يُوارِيه إبْطُ بِلال".
رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح. ومعنى هذا الحديث: حين خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هارباً مِنْ مَكَّة ومعه بِلالٌ؛ إنَّما كان معَ بِلالٍ مِنَ الطعامِ ما يَحْمل تَحْتَ إبْطِه" انتهى.

3282 - (70) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
نامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حَصيرٍ، فقامَ وقد أثَّرَ في جَنْبِه، قُلْنا: يا رسولَ الله لوِ اتَّخَذْنا لكَ وِطاءً (1)، فقال:
"
ما لي وللدُنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكِبٍ اسْتَظلَّ تحْتَ شَجَرةٍ، ثُمَّ راح وتركَها".
رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

3283 - (71) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخَل عليه عُمر وهو على حَصيرٍ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فقال: يا رسولَ الله! لو اتَّخذْتَ فِراشاً أوْثَر مِنْ هذا، فقال:
"
ما لي وللِدُّنْيا، ما مَثَلي وَمَثْلُ الدنيا إلا كَراكبٍ سافَر في يومٍ صائفٍ، فاسْتَظلَّ تحتَ شجَرةٍ ساعةً، ثُمَّ راحَ وتركَها".
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

3284 - (72) [
حسن] وعنه قال: حدثني عمر بن الخطاب قال:
دخلتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على حَصيرٍ، قال: فجلسْتُ، فإذا عليه
__________
(1)
هو ما يُفترش على الأرض.

(3/279)


إزارُه، وليسَ عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبِه، وإذا أنا بقَبضةٍ مِنْ شَعيرٍ نَحْوَ الصاعِ، وقَرَظٍ في ناحِيَةٍ في الغُرْفَةِ، وإذا إهابٌ مُعَلَّقٌ، فابْتَدرتْ عينايَ، فقال:
"
ما يُبْكيكَ يا ابْنَ الخطَّابِ؟ ".
فقال: يا نبيَّ الله! وما لي لا أبْكي وهذا الحَصيرُ قد أثَّر في جنْبِكَ، وهذه خِزانَتُكَ لا أرى فيها إلا ما أَرى، وذاك كِسْرى وقيصَرُ في الثِّمارِ والأَنْهارِ، وأنتَ نبيُّ الله وصفْوَتُه، وهذه خِزانَتُكَ. قال:
"
يا ابْنَ الخطَّابِ! أما تَرضى أنْ تكونَ لنا الآخِرَةُ ولهمُ الدُنْيا؟ ".
[
قلتُ: بَلَى].
[
حسن] رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم" (1). ولفظه:
قال عمرُ رضي الله عنه:
اسْتَأْذَنْتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخلْتُ عليهِ في مَشْرُبَةٍ، وإنَّه لمضْطَجعٌ على خَصَفَةٍ (2) إنَّ بعضَهُ لَعلى التُّرابِ، وتحتَ رأْسِه وِسادَةٌ مَحشُوَّةٌ لِيفاً، وإنَّ فوْقَ رأْسِهِ لإهَاباً عَطِناً (3)، وفي ناحِيَةِ المَشْرُبَةِ قَرَظٌ، فسلَّمْتُ عليهِ فجلَسْتُ فقلْتُ: أنتَ نبيُّ الله وصفْوَتُه، وكِسْرى وقيْصَرُ على سُررِ الذَّهَبِ وفرُشِ الديباجِ والحَريرِ! فقال:
__________
(1)
قلت: فيه تقصير ووهم؛ فإن الحديث في "صحيح مسلم" (1479) في آخر الحديث الطويل في إيلائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعتزاله نساءه، فلا وجه لاستدراك الحاكم عليه، ولا لعدم عزوه إليه.
(2)
حصير من الخوص.
(3)
أي: منتناً. في "النهاية": يقال: عَطِن الجلد، فهو عطن ومعطون: إذا مرق شعره وأنتن في الدباغ".

(3/280)


"
أولئك عُجِّلَتْ لهُمْ طيِّباتُهم، وهي وشِيكَةُ الانْقِطَاعِ، وإنَّا قومٌ أُخِّرتْ لنا طيِّباتُنا في آخِرَتِنا".

3285 - (73) [
صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن أنسٍ:
أن عمر دخل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر نحوه.
(
المَشْرُبَةُ) بفتح الميم والراء وبضم الراء أيضاً: هي الغرفة.
(
وشِيكَةُ الانْقِطاعِ) أي: سريعة الانقطاع.

3286 - (74) [
صحيح] وعنها قالت [يعني عن عائشة رضي الله عنها]:
"
إنَّما كان فِراشُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي ينامُ عليه أَدَماً حَشْوُه لِيفٌ".
وفي رواية:
"
كان وسادُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يَتَّكِئُ عليه مِنْ أَدَمٍ حشْوُهُ لِيفٌ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

3287 - (75) [
حسن لغيره] وعنها قالت:
دخلَتْ عليَّ امْرأَةٌ مِنَ الأَنْصارِ، فرأتْ فِراشَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطيفَةً (1) مَثْنِيَّةً (2)، فَبعثَتْ إليَّ بِفراشٍ حشْوهُ الصُّوفُ، فدخَل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
__________
(1)
كساء له خمْل.
(2) (
مثنيّة) أي: معطوف بعضه على بعض، يقال: ثنى الشيء -كرمى- عطفه ورد بعضه على بعض، وكأن ذلك لِيَلين، وهذا واضح، وأما الشيخ عمارة فجاء بعجيب من العبارة، فإنه قال: "مثنية: مربوطة بحبلين بَأحد طرفيها، ويسمى ذلك الحبل: الثناية، ومنه حديث عمر: "كان ينحر بدنته مثنية": أي معقولة بعقالين"! وهذا خلط غريب لا داعي لإطالة القول في بطلانه، وبيان عدم علاقة هذا المعنى بالكلمة هنا.

(3/281)


"
ما هذا يا عائشةُ؟! ".
قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله: فلانةُ الأنْصارِيَّةُ دخلَتْ فرأَتْ فراشَكَ، فذهبَتْ فبعَثتْ إليَّ بهذا، فقال:
"
رُدِّيهِ يا عائشةُ! فوالله لوْ شِئْتُ لأَجْرى الله معي جبالَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ".
رواه البيهقي من رواية عباد بن عباد المهلبي عن مجالد بن سعيد.
ورواه أبو الشيخ في "الثواب" عن ابن فضيل عن مجالد عن يحيى بن عباد عن امرأة من قومهم لم يسمِّها قالت:
"
دخلتُ على عائشةَ فمسَسْتُ فِراشَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو خَشِنٌ، وإذا داخِلُه بَردِيٌّ أوْ ليفٌ، فقلتُ: يا أمَّ المؤْمنينَ! إنَّ عندي فِراشاً أحْسَنَ مِنْ هذا وألْيَن" فذكره أطول منه.

3288 - (76) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
"
خرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ غَداةٍ وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شعْرٍ أسْودَ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي ولم يقل: (مرحل).
(
المِرْط) بكسر الميم وإسكان الراء: هو كساء من صوف أو خَزّ يؤتزر به.
و (المرحَّل) بتشديد الحاء المهملة مفتوحة: هو الذي فيه صور الرحال. [مضى ج 2/ 18 - اللباس/ 7].

3289 - (77) [
صحيح] وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال:
أخْرَجتْ لنا عائشةُ كِساءً مُلَبَّداً وإزاراً غَليظاً فقالتْ:
"
قُبِضَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذَيْنِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم.

(3/282)


قوله: (مُلَبَّداً) أي: مرقعاً، وقد لَبَدْتُ الثوب بالتخفيف، ولَبَّدته بالتشديد، يقال للرقعة التي يرقع بها صدر القميص: (اللِّبْدة)، والرقعة التي يرقع بها قَبُّ القميص: (القَبيلة). [مضى هناك].

3290 - (78) [
صحيح] وعن أسماء بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالتْ:
"
صنَعْتُ سُفْرةً (1) لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بَيْتِ أبي بكرٍ (2) حين أرادَ أنْ يُهاجِرَ إلى المَدينَةِ، فلَمْ نَجِدْ لسُفْرَتِه ولا لِسقائِه ما نَرْبُطُهما بهِ، فقلتُ لأبي بكرٍ: والله ما أجِدُ شيْئاً أرْبُطُ به إلا نِطاقي. قال: فشُقِّيه باثْنَيْن، وارْبطي بِواحدٍ السِقاءَ، وبالآخَرِ (3) السُّفْرةَ. ففَعَلْتُ. فلِذلك سُمِّيَتْ ذات النطاقين.
رواه البخاري.
(
النِّطَاقُ) بكسر النون: شيء تشدُّ به المرأة وسطها لترفع به ثوبها عن الأرض عند قضاء الأشغال.

3291 - (79) [
صحيح] عن عبد الواحد بن أيمن قال: حدثني أبي قال:
دخلتُ على عائِشةَ رضي الله عنها وعليها دِرْعُ قِطْرٍ ثمنُ (4) خمسةِ
__________
(1) (
السفرة): طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به.
(2)
قال الناجي: "إنما لفظه: للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر".
قلت: لعل هذا في بعض نسخ البخاري، وإلا فلفظ الكتاب هو الموجود في النسخ المعروفة اليوم، ومنها نسخة "الفتح" (2979)، ومنه صححت بعض الأخطاء.
(3)
الأصل: (وبواحد)، والتصويب من البخاري (الجهاد/ باب حمل الزاد. . .).
(4)
كان الأصل هكذا: "عن عائشة أن رجلاً دخل عليها وعندها جارية لها، عليها درع ثمنه"، وهذا خطأ فاحش وتحريف عجيب، لا أجد له سبباً إلا الاعتماد على الذاكرة، وعدم الرجوع إلى الأصول، وأفحش ما فيه جعل أول القصة من مسند عائشة وإنما هو من مسند أيمن والد عبد الواحد، وقد سبق له قريباً نحوه في الباب (الحديث رقم 5).

(3/283)


دَراهم، فقالت: ارْفَعْ بصَرك إلى جارِيَتي، انْطرْ إليْها فإنَّها تُزهَى (1) أنْ تَلْبِسَه في البيْتِ، وقد كان لي منْهُنَّ دِرْعٌ على عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فما كانَتِ امْرأَةٌ تُقَيِّنُ (2) بالمَدينَةِ إلا أرْسلَت إليَّ تَسْتَعيرُه.
رواه البخاري.

3292 - (80) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
تُوفِّيَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما في بيتي من (3) شيْءٍ يأكُله ذو كَبِدٍ إلا شَطْرُ شعيرٍ في رَفٍّ لي، فأكَلْتُ منهُ حتَّى طالَ عليَّ، فكِلْتُه فَفَنِيَ.
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

3293 - (81) [
صحيح] وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال:
"
ما تَرك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْد مَوْتهِ درْهماً ولا دِيناراً ولا عبْداً ولا أَمَةً ولا شيْئاً؛ إلا بَغْلَتهُ البَيضاءَ التي كانَ يرْكَبُها، وسلاحَهُ، وأرْضاً جعَلها لابْنِ السبيلِ صدَقةً".
رواه البخاري.

3294 - (82) [
صحيح] وعن عُلَيِّ بْنِ رَباحٍ قال: سمعتُ عمْرَو بْنَ العاصي رضي الله عنه يقول:
لقد أصْبَحْتم وأمْسَيْتُم تَرْغَبون فيما كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزهَدُ فيه،
__________
(1)
بضم أوله، أي: تأنف وتتكبر. وهو من الحروف التي جاءت بلفظ البناء للمفعول، وإن كانت بمعنى الفاعل مثل (عُني) بالأمر "فتح". وكان الأصل (تزهو).
(2)
أي: تزين لزفافها، و (التقيين): التزيين.
(3)
الأصل: (ليس عندي)، والتصويب من البخاري (3097)، وكذا رواه ابن ماجه (3345)، ولفظ مسلم (8/ 218): "رفي" مكان "بيتي"، وهو رواية للبخاري (6451)، والترمذي نحوه (2469)، وصححه، وكذا ابن حبان (8/ 110/ 6381).

(3/284)


أصْبَحْتم تَرْغَبونَ في الدنيا، وكانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزْهَدُ فيها، والله ما أتَتْ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةٌ مِنْ دَهرِهِ إلا كانَ الذي علَيْهِ أكْثَرُ مِنَ الذي له".
قال: فقال بعضُ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قد رأيْنا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْلِفُ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".
[
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً:
"
كان نَبِيُّكُمْ أزْهَدَ الناسِ في الدنْيا، وأصْبَحْتُم أرْغَبَ الناسِ فيها".

3295 - (83) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
"
تُوفِّي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودِرْعُه مَرْهونَةٌ عندَ يَهودِيٍّ في ثلاثينَ صاعاً مِنْ شَعيرٍ" (1).
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

3296 - (84) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال:
خرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يومٍ أوْ ليلةٍ، فإذا هو بأَبي بكْرٍ وعُمرَ رضي الله عنهما فقال:
"
ما أخْرجَكُما مِنْ بُيوتِكما هذه الساعَةَ؟ ".
قالا: الجوعُ يا رسولَ الله! فقال:
"
وأنا والَّذي نفْسي بيَدِه [لـ] أخرجني الذي أخْرَجَكُما، قوموا".
فقاموا معَهُ، فأتَوْا رجُلاً مِنَ الأنْصارِ، فإذا هو ليْسَ في بَيْتِه، فلمَّا رأتْهُ المرْأَةُ قالَتْ: مَرْحَباً وأهْلاً، فقال لها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
زاد البخاري في رواية: "لأهله".

(3/285)


"
أينَ فلانٌ؟ ".
قالَتْ: ذهبَ يَسْتَعْذِبُ لَنا [مِنَ] الماءِ، إذْ جاءَ الأنْصارِيُّ، فنظَر إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحِبَيْهِ ثم قال: الحمدُ لله، ما أحَدٌ اليومَ أكرمَ أضْيافاً منِّي، فانْطلقَ فجاءَهُمْ بِعِذْقٍ فيه بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ، وقال: كلُوا [من هذه] وأخَذَ المدية، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إيَّاك والحَلُوب".
فذبَح لَهُمْ، فأكَلوا مِنَ الشَّاةِ ومِنْ ذلك العِذْق، وشَرِبُوا، فلمَّا أنْ شَبِعوا ورَوُوا، قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكْرٍ وعُمَر رضي الله عنهما:
"
والّذي نفسي بيده لتُسْأَلُنَّ عن هذا النَّعيمِ يومَ القِيامَة، [أخْرَجكُمْ منْ بُيوتِكُم الجوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعوا حتّى أصَابَكُم هذا النعِيمُ] " (1).
رواه مالك بلاغاً باختصار، ومسلم واللفظ له، والترمذي بزيادة.
والأنصاري المبهم هو أبو الهيثم بن التَّيِّهان بفتح المثناة فوق وكسر المثناة تحت وتشديدها. كذا جاء مصرحاً به في "الموطأ" والترمذي.

3297 - (85) [
صحيح لغيره] وفي "مسند أبي يعلى" و"معجم الطبراني" من حديث ابن عباسٍ أنه أبو الهيثم.

3298 - (86) [
صحيح لغيره] وكذا في "المعجم" أيضاً من حديث ابن عمر.
وقد رويت هذه القصة من حديث جماعة من الصحابة مصرح في أكثرها بأنه أبو الهيثم.
(
العِذْقُ) هنا بكسر العين: وهو الكِباسة والقِنو، وأما بفتح العين: فهو النخلة.
وتقدم حديث جابر في "الترهيب من الشبع" [19 - الطعام/ 7].
__________
(1)
زيادة من "مسلم".

(3/286)


3299 - (87) [
صحيح موقوف] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
رأيتُ عُمَر -وهو يومَئذٍ أميرُ المؤْمِنينَ- وقد رقَعَ بين كَتِفَيْهِ برِقاعٍ ثَلاثٍ، لَبَّد بَعْضَها على بَعْضٍ.
رواه مالك. [مضى ج 2/ 18 - اللباس/ 7].

3300 - (88) [
صحيح لغيره موقوف] وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال:
رأيت عثمانَ بنَ عفانَ يوم الجمعة على المنبر عليه إزارٌ عَدَني غليظٌ، ثمنُه أربعةُ دراهمَ أو خمسةٌ، ورَيْطَةٌ (1) كوفيةٌ مُمَشّقةٌ، ضَرِبَ اللحمِ، طويلَ اللحيةِ، حَسَنَ الوجه.
رواه الطبراني بإسناد حسن (2)، وتقدم في [ج 2/ 18/ 7] "اللباس" مع شرح غريبه.

3301 - (89) [
صحيح] ورواه [يعني حديث ابن عمر الذي في "الضعيف"] ابن حبان في "صحيحه" عن عطاء بن السائب أيضاً عن أبيه عن علي قال:
جَهَّز رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاطمة في خميلةٍ، ووسادةِ أَدَم حشوها ليف.

3302 - (90) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ قال:
كانَتْ فينا امْرأَةٌ تجعلُ [على أربِعاءَ] (3) في مَزْرَعةٍ لها سِلْقاً، فكانَتْ إذا
__________
(1) (
الرَّيْطَة): كل ملاءة ليست بِلفْقَيْن. وقيل: كل ثوب رقيق لين، والجمع: (ريَط، ورياط)؛ كما في "النهاية".
و (كوفية): هي نسيج يلبس على الرأس تحت العقال، أو يدار حول الرقبة، وهي مولّدة كما في "الوسيط".
(2)
قلت: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف؛ إلا ما استثني، وقد عزاه المؤلف فيما مضى للبيهقي، وهو عنده من رواية ابن وهب عنه، وهي صحيحة، ولذلك صححته هناك مطلقاً، وهنا لغيره، وهذا من الدقة التي جريتُ عليها في هذه الطبعة، ونصصت عليها في المقدمة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأما المعلقون الثلاثة فحسنوه هنا وهناك تقليداً للمؤلف والهيثمي! دون تفريق بين الروايتين!
(3)
جمع (ربيع) وهو النهر الصغير، وهي زيادة من البخاري كالتي بعدها.

(3/287)


كان يومُ الجُمعَةِ تَنْزِعُ أصولَ السِّلقِ فتجْعَلُه في قدرٍ، ثمَّ تجْعَلُ [عليه] قبضَةً مِنْ شَعيرٍ تَطْحَنُها، فتكونُ أصولُ السِّلْقِ عَرقَهُ (1).
-
قال سهل:- كنّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاة الجُمعَةِ فنُسَلِّم عليها، فتُقَرَبُ ذلك الطعامَ إلَيْنا [فنلْعَقُه]، فكنّا نَتَمنَّى يوَم الجُمعَةِ لطِعامِها ذلك.
وفي رواية:
"
ليسَ فيها شَحْمٌ ولا وَدَكٌ، فكنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمعَةِ".
رواه البخاري (2).

3303 - (91) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
والَّذي لا إله إلا هو إنْ كُنْتُ لأعْتَمِدُ بِكَبِدي على الأرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كنتُ لأشُدُّ الحَجر على بَطْني مِنَ الجوعِ، ولقدْ قعدْتُ يوماً على طريقِهمُ الذي يخْرُجونَ مِنْه، فمرَّ بي أبو بكْرٍ فسألتُه عَنْ آيةٍ في كتاب الله ما سألْتُه إلاَّ ليُشْبِعَني، فمرّ فلم يفعل؛ ثم مرَّ عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعَني، ثمَّ مرَّ أبو القاسِمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتَبسَّم حينَ رآني، وعرفَ ما في وَجْهِي، وما في نَفْسي، ثمَّ قال:
"
يا أبا هريرة! ".
قلت: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال:
"
اِلحْقْ".
__________
(1)
أي: عَرْق الطعام، و (العَرْق): اللحم الذي على العظم، والمراد أن السِّلق يقوم مقامه عندهم. "فتح".
(2)
في آخر "الجمعة"، والرواية الأخرى في "المزارعة"، وله روايات أخرى فيها زيادات أخر وقد جمعتها في الرواية الأولى في كتابي "مختصر البخاري" (رقم - 482). والحديث من أفراد البخاري كما صرح بذلك الحافظ في "الفتح"، خلافاً لما يوهم صنيع النابلسي في "الذخائر".

(3/288)


ومَضى فاتَّبَعْتُه، فدخَل، فاسْتَأْذَن، فأُذِنَ له، فدخَل فوجَد لَبناً في قَدَحٍ، فقال:
"
مِنْ أيْنَ هذا اللَّبَنُ؟ ".
قالوا: أهداهُ لك فلانٌ أو فلانَةٌ. قال:
"
يا أبا هريرة! ".
قلتُ: لَبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال:
"
الْحَقْ إلى أهْلِ الصُّفَّةِ فادْعُهم لي".
قال: وأهلُ الصُّفَّةِ أضْيافُ الإسْلامِ، لا يَأْوون على أهْلٍ ولا مالٍ، ولا على أحَدٍ، إذا أتَتْهُ صدَقةٌ بعَث بِها إلَيْهِمْ، ولَمْ يتَناوَلْ مِنْها شيْئاً، وإذا أتَتْهُ هَديَّةٌ أرسَلَ إلَيْهِمْ وأصاب مِنْها وأشْرَكَهُم فيها، فساءَني ذلك، فقلتُ: وما هذا اللَّبَنُ في أهْلِ الصُّفَّةِ، كنتُ أَحَقَّ أنْ أُصيبَ مِنْ هذا اللَّبَنِ شَرْبةً أتقَوَّى بها، فإذا جاؤا أمَرني فكنتُ أنا أُعطيهِمْ، وما عَسى أنْ يَبْلُغَني مِنْ هذا اللَّبَنِ؟ ولَم يَكُنْ مِنْ طاعةِ الله وطاعَةِ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدٌّ، فأتَيْتُهم، فدَعَوْتُهمْ، فأقْبَلوا، واسْتَأذَنوا، فأَذِنَ لَهُمْ، وأخَذوا مَجالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ. قال:
"
يا أبا هريرة! ".
قلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال:
"
خُذْ فأَعْطِهِمْ".
فأخَذْتُ القَدَح فجعلْتُ أُعطيهِ الرجُلَ، فيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يردُّ عليَّ القدحَ، حتّى انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رَوى القومُ كلُّهم، فأخَذ القَدح فوضَعهُ على يَدِه فتَبسَّم، فقال:
"
يا أبا هريرة! ".
فقلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال:

(3/289)


"
بقيتُ أنا وأنْتَ".
قلتُ: صدقتَ يا رسولَ الله! قال:
"
اُقْعُدْ فاشْرَبْ".
فشرِبْتُ، فقال:
"
اشْرَبْ".
فشربْتُ، فما زالَ يقولُ: "اشْرَبْ" حتى قلتُ: لا والَّذي بعثَك بالحَقِّ لا أجِدُ له مسْلَكاً. قال:
"
فأرِني".
فأعطَيْتُه القَدح، فَحمِدَ الله تعالى وسَمَّى وشرِبَ الفَضْلَةَ.
رواه البخاري (1) وغيره، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

3304 - (92) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال:
إنَّ الناسَ كانوا يقولون: أكْثَر أبو هريرةَ، وإنِّي كنتُ ألْزَمُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشِبَع بَطْني، حينَ لا آكُلُ الخَميرَ، ولا ألْبَسُ الحريرَ، ولا يخْدِمُني فلانٌ وفلانَةُ، وكنتُ أُلْصِقُ بَطْني بالحَصْباءِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كنتُ لأسْتَقْرِئ الرجُلَ الآية هِيَ مَعي لِكَيْ يَنْقَلِبَ بي فيُطْعِمَني، وكانَ خيرَ الناسِ لِلْمساكِين جَعْفَرُ ابْنُ أبي طالِبِ، كان يَنْقَلِبُ بنا فَيُطْعِمُنا ما كانَ في بَيْتِه، حتَّى إنْ كان لَيُخْرِج إلَيْنا العُكَّةَ (2) الَّتي ليسَ فيها شَيْءٌ فنَشقُّها، فنَلْعَقُ ما فيها.
رواه البخاري.
__________
(1)
في "الرقاق"، وأحمد (2/ 515).
(2)
هي وعاء من جلود مستدير يختص بالسمن والعسل، وهو بالسمن أخص. "نهاية".

(3/290)


3305 - (93) [
صحيح موقوف] وعن محمد بن سيرين قال:
كنَّا عندَ أبي هريرةَ رضيَ الله عنه وعليه ثَوْبانِ مُمَشِّقانِ مِنْ كُتَّانٍ، فمَخطَ في أحَدِهما، ثُمَّ قال: بخٍ بخٍ! يَمتَخِطُ أبو هريرةَ في الكَتَّانِ! لقَدْ رأيتُني وإنِّي لأخِرُّ فيما بين مِنْبرِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحُجرةٍ عائِشةَ مِنَ الجوعِ مَغْشيّاً عليَّ، فيَجيءُ الجائي فيَضعُ رجْلَهُ على عُنقي يَرى أنَّ بيَ الجنونَ، وما هو إلا الجوعُ.
رواه البخاري، والترمذي وصححه.
(
المِشق) بكسر الميم: المغرة، و (ثوب ممشّق): مصبوغ بها.

3306 - (94) [
صحيح] وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا صلَّى بالناسِ يَخِرُّ رِجالٌ مِن قامَتِهم في الصلاة منَ الخَصاصَةِ، وهُمْ أصْحابُ الصَّفَّة، حتى يقولَ الأَعْرابُ: هؤلاءِ مَجانينَ (1) أو مَجانُون، فإذا صلَّى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرف إلَيْهِم، فقال:
"
لو تَعْلَمونَ ما لَكُمْ عندَ الله لأحْبَبْتُم أنْ تَزْدادوا فاقَةً وحاجةً".
رواه الترمذي، وقال: "حديث صحيح"، وابن حبان في "صحيحه".
(
الخَصاصَةُ) بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الفاقة والجوع.

3307 - (95) [
صحيح موقوف] وعن عبد الله بن شقيقٍ قال:
أقمتُ معَ أبي هريرةَ رضي الله عنه بالمدينَةِ سنَةً، فقال لي ذاتَ يَوْمٍ ونحنُ عند حُجرة عائشةَ: لقدْ رأَيْتُنا وما لَنا ثيابٌ إلا البُردُ المتَفتَّقَةُ، وإنَّه لَيأْتي على أحدِنا الأيَّامُ ما يَجِدُ طعاماً يُقيمُ به صلْبَهُ حتّى إنْ كانَ أحدُنا ليأْخذ الحَجر فيشُدَّ بهِ على أخْمَصِ بطْنِه، ثُمَّ يشُدَّه بثَوْبه لِيُقيمَ صُلْبَهُ.
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".
__________
(1)
قال في "النهاية": "جمع تكسير لـ (مجنون)، وأما (مجانون) فشاذ كما شذ (شياطون) في (شياطين) ".

(3/291)


3308 - (96) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
نَظر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجوع في وجُوه أصْحابِه فقال:
"
أبْشِروا؛ فإنَّهُ سيَأْتى عليكُم زَمانٌ يُغْدى على أحدِكم بالقَصْعَةِ مِنْ الثَّريدِ، ويُراح عليه بمِثْلِها".
قالوا: يا رسولَ الله! نحن يومئذٍ خيرٌ؟ قال:
"
بلْ أنْتم اليومَ خيرٌ منكُم يومَئذٍ".
رواه البزار بإسناد جيد، [مضى 19 - الطعام/ 7].

3309 - (97) [
صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
بعثَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمَّر علينا أبا عبيْدةَ رضي الله عنه نَتَلَقَّى (1) عيراً لِقُرَيْشٍ، وزَوَّدَنا جِراباً مِنْ تَمْرٍ، لمْ يَجِد لنا غَيرَهُ، فكانَ أبو عُبَيْدةَ يُعطينا تمرةً تمرةً، فقَيلَ لَهُ: كيف كُنتُمْ تَصنَعونَ بِها؟ قال: نَمُصُّهَا كما يَمُصُّ الصبيُّ، ثمَّ نَشْرَبُ عليها مِنَ الماءِ فَتكْفينا يَوْمَنا إلى الليلِ، وكنَّا نَضْرِبُ بعِصيِّنا الخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّه [بالماء] فنأكُلُه، فذكر الحديث.
رواه مسلم. (2)

3310 - (98) [
حسن موقوف] وعن محمد بن سيرين قال:
إنْ كانَ الرجلُ مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي عليه ثلاثةُ أيّامٍ لا يَجِدُ شَيْئاً يأكُلُه، فيأخُذ الجِلْدةَ فيَشْويها فيأكُلُها، فإذا لَمْ يَجدْ شيْئاً أخَذً حَجراً فشدَّ صُلْبَهُ.
__________
(1)
الأصل: (نلتقي)، وكذا فى مطبوعة (عمارة)، وكذا الثلاثة المعلقون، وهو خطأ ظاهر كما قال الناجي، والتصحيح من "مسلم" (رقم 1935)، وأبي داود أيضاً (3840).
(2)
قلت: غمزه الناجي بأنه من رواية أبي الزبير عن جابر. يشير إلى أن (أبا الزبير) مدلس، وفاته أنه صرح بالتحديث في رواية صحيحة لأحمد (3/ 311)، والبيهقي (9/ 251)، فكان ينبغي للمؤلف أن يعزوه إلى أحدهما على الأقل.

(3/292)


رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع" بإسناد جيد.

3311 - (99) [
صحيح] وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال:
إنِّي لأوَّلُ العَربِ رمى بسَهْمٍ في سبيلَ الله، ولقد كنَّا نَغْزو معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لنا طعامٌ إلا ورَقُ الحُبْلَةِ وهذا السَّمُر، حتَّى إنْ كان أحدُنا ليضَعُ كما تَضعُ الشاءُ، ما لَهُ خِلْطٌ (1).
رواه البخاري ومسلم.
(
الحُبْلَة) بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة، و (السَّمُر) بفتح السين المهملة وضم الميم؛ كلاهما من شجر البادية.

3312 - (100) [
صحيح] وعن خالد بن عميرٍ العَدَوي قال:
خطَبنا عتبةُ بنُ غَزْوانَ رضيَ الله عنه -وكانَ أميراً بالبَصْرَةِ-، فحمِد الله وأثْنى عليه ثمَّ قال:
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْم، وولَّت حَذَّاءَ، ولم يَبْقَ منها إلا صُبابَةٌ كصُبابَةِ الإناءِ يتَصابُّها صاحبُها، وإنَّكُمْ منْتَقِلونَ منها إلى دارٍ لا زَوالَ لها، فانْتَقِلوا بخيرِ ما بِحضْرتكم (2)؛ فإنَّه قد ذُكِرَ لنا:
أنَّ الحَجر يلْقى مِنْ شَفير (3) جَهَنَّم فيَهْوِي فيها سَبْعينَ عاماً لا يُدرِكُ لها قَعْراً، والله لتُمْلأَنَّ، أفعجِبْتُم؟
ولقد ذُكرَ لنا:
أنَّ ما بينَ مِصْراعَيْنِ مِنْ مصاريعِ الجنَّةِ مسيرةُ أرْبَعين عاماً، وليَأْتِيَنَّ عليها
__________
(1) (
الخِلط): ما خالط الشيء. وفي "النهاية": "أي لا يختلط نجوهم بعضه ببعض لجفافه ويبسه".
(2)
الأصل: (يحضرنّكم)، والتصحيح من مسلم (2967)، وأحمد أيضاً (4/ 174).
(3)
في مسلم: (شفة)، والمثبت رواية أحمد، والمعنى واحد.

(3/293)


يومُ وهو كَظيظٌ مِنَ الزِّحامِ.
ولقد رأَيتُني سابعَ سبْعَةٍ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لنا طعامٌ إلا ورَقُ الشَّجر، حتى قَرِحَتْ أشْداقُنا، فالْتَقطْتُ بُرْدَةً فشقَقْتُها بيني وبين سعدِ بْنِ مالكٍ، فاتَّزَرْتُ بِنِصْفِها، واتَّزَر سَعْدٌ بِنصْفِها، فما أصْبَح اليومَ منَّا أحدٌ إلا أصْبَح أميراً على مصْرٍ منَ الأمْصارِ، وإنِّي أعوذُ بالله أنْ أكونَ في نفسي عَظيماً، وعند الله صَغيراً، [وإنَّها لَمْ تكنْ نبوَّة قَطُّ إلا تنَاسَختْ حتى يكونَ آخرُ عاقِبَتِها مُلْكاً، فَستَخْبُرونَ وتُجرّبونَ الأمراء بَعْدَنا] (1).
رواه مسلم وغيره.
(
آذنَتْ) بمد الألف، أي: أعلمت.
(
بصُرْمٍ) هو بضم الصاد وإسكان الراء: بانقطاع وفناء.
(
حَذَّاءَ) هو بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة ممدوداً: يعني سريعة.
و (الصُّبابَةُ) بضم الصاد: هي البقية اليسيرة من الشيء.
(
يتصابُّها) بتشديد الموحدة قبل الهاء، أي: يجمعها.
و (الكَظِيظُ) بفتح الكاف وظائين معجمتين: هو الكثير الممتلئ.

3313 - (101) [
صحيح] وعن خَباب بن الأرتّ رضي الله عنه قال:
هاجَرْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نلتَمِسُ وجْهَ الله، فوقَع أجْرُنا على الله، فمنَّا مَنْ ماتَ؛ لَم يأْكُلْ مِنْ أجْرِه شيْئاً، منهم مُصعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يومَ أُحُدٍ، فلم نَجِدْ ما نُكَفِّنُه به (2) إلا بُرْدَةً، إذا غَطَّيْنا بها رأسَهُ خرجَتْ رِجْلاه، وإذا غْطَّيْنا رجْلَيهِ خرجَ رأْسُه، فأمرَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نُغَطِّيَ رأْسَه، وأنْ نَجْعلَ على
__________
(1)
زيادة من مسلم وأحمد، ولم يتنبه لهذا ولا للتصحيح المذكور المغفلون الثلاثة!!
(2)
أي: فوق ثيابه التي استشهد فيها.

(3/294)


رجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ، ومِنَّا مَنْ أيْنَعتْ له ثَمَرَتُهُ، فهو يَهْدُبُها.
رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود باختصار.
(
البُرْدَة) كساء مخطط من صوف، وهي النَّمِرة.
(
أيْنَعَتْ) بياء مثناة تحت بعد الألف؛ أي: أدركت ونضجت.
(
يَهْدُبُها) بضم الدال المهملة وكسرها بعدها موحدة؛ أي: يقطعها ويجنيها.

3314 - (102) [
حسن] وعن إبراهيم -يعني ابن الأشتر-:
أنَّ أبا ذرٍّ حضره الموتُ وهو بـ (الرَّبَذَةِ)، فبكَتِ امْرأَتُه، فقال: ما يُبْكيكِ؟ فقالتْ: أبْكي؛ فإنَّه لا يَدَ لي بنَفْسِكَ، وليسَ عندي ثَوْبٌ يَسعُ لك كفَناً! قال: لا تَبْكي؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ذات يوم، وأنا عنده في نفر] يقول:
"
ليموتَنَّ رجلٌ منكم بفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، يشْهَدُه عِصابةٌ مِنَ المؤمنينَ".
قال: فكلُّ مَنْ كانَ معي في ذلك المجلسِ ماتَ في جماعَةٍ وفُرقَةٍ، فلَمْ يَبْقَ منهم غَيْري، وقد أصْبَحْتُ بالفَلاةِ أموتُ، فراقِبي الطريقَ؛ فإنَّكِ سَوْفَ تَرَيْن ما أقولُ، فإنّي والله ما كَذَبتُ، ولا كُذِّبتُ، قالتْ: وأنَّى ذلك وقد انْقطَع الحاجُّ؟ قال: راقِبي الطريق.
قال: فبينَما هيَ كذلك إذا هي بالقومِ تَخُبُّ (1) بهم رواحلُهم كأنَّهمِ الرُّخُمُ (2)، فأقْبلَ القومُ حتى وقَفوا عليْها، فقالوا: ما لك؟ فقالَتِ: امْرؤٌ مِن
__________
(1)
بضم المعجمة على غير القياس من (الخبب) محركة: ضرب من العَدْو، أو هو أن ينقل الفرس أيامنه جميعاً وأياسره جميعاً، كما في "القاموس" وشرحه. ووقع في "المسند" (تخد) بالدال المهملة بدل الموحدة ولعله تصحيف؛ فقد وقع في "المجمع" (9/ 331) أو "موارد الظمآن" (2260) كما هنا. ومن المحتمل أنه تحريف من (تجد)، فإنه هكذا وقع في "المستدرك" (3/ 345) وفيه: "أن ابن المديني قال: قلت ليحيى بن سليم: (تجد أو تخب؟) قال: بالدال". والمعنى: تسرع.
(2)
نوع من الطير معروف موصوف بالغدر، والموق (الغباوة)، وقيل: بالقذر. كما في "النهاية"، ولعل وجه التشبيه بالرخم ما كانوا عليه من الوساخة بسبب السفر.

(3/295)


المسْلمِين تُكَفِّنونَهُ وتؤجرون فيه. قالوا: ومَنْ هو؟ قالَتْ: أبو ذرٍّ، فَفَدَوْهُ بآبائِهم وأمَّهاتِهِمْ، ووَضَعوا سِياطَهُم في نحورِها يبْتَدرِونَهُ، فقال:
أبْشروا، فإنَّكم النَّفَرُ الَّذين قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكُم ما قال، ثمَّ [قد] أصبحتُ اليومَ حيثُ تَروْنَ، ولَوْ أنَّ لي ثوباً مِنْ ثِيابي يَسَعُ كَفني لَمْ أُكفَّنْ إلا فيه، فأُنشِدُكمْ بالله لا يُكَفِّنُني رجل منكمْ كان عريفاً أوْ أميراً أوْ بريداً، فكلُّ القوم قد نالَ من ذلك شيئاً إلا فتيً مِنَ الأنْصارِ، وكانَ معَ القوم، قال: أنا صاحَبُكَ، ثوبان في عَيْبتي مِنْ غَزْل أُمِّي، وأجَدُ ثَوبَي هذَيْن اللَّذَين عليَّ.
قال: أنتَ صاحِبي [فكفنِّي] (1).
رواه أحمد -واللفظ له- ورجاله رجال الصحيح، والبزار بنحوه باختصار.
(
العَيْبَةُ) بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت بعدها موحدة: هي ما يجعل المسافر فيها ثيابه.

3315 - (103) [
صحيح موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
لقد رأيتُ سَبْعين مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ ما مِنْهُم رجلٌ عليه رِداءٌ، إمَّا إزازٌ وإمَّا كِساءٌ، قد رَبَطوا في أعْناقِهِم، منها ما يَبْلُغ نِصْفَ الساقَيْنِ، ومِنْها ما يَبْلُغ الكَعْبَيْنِ، فيَجْمَعهُ بيَدِه كراهِية أَنْ تُرى عَوْرَته.
رواه البخاري، والحاكم مختصراً وقال:
"
صحيح على شرطهما".

3316 - (104) [
صحيح] وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال:
اسْتكْسَيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكَساني خَيْشَتَيْن، فلقد رأيْتُني وأنا أكْسَى أصْحابَي.
رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش.
__________
(1)
زيادة من "المسند".

(3/296)


(
الخَيْشَة) بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت بعدهما شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مُشاقة (1) الكتان يغزل غليظاً وينسج رقيقاً. [مضى ج 2/ 18 - اللباس/ 7].

3317 - (105) [
صحيح] وعن يحيى بن جعدة قال:
عاد خبَّاباً ناسٌ مِنْ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: أبْشرْ يا أبا عبدِ الله! تَرِدُ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحوضَ، فقال: كيفَ بِهذا وأشارَ إلى أعْلى البيْتِ وأسْفَلِه؟ وقد قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنما يكْفي أحدَكُم كزادِ الراكِبِ".
رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد.

3318 - (106) [
حسن لغيره] وعن أبي وائل قال:
جاءَ معاويةُ إلى أبي هاشمِ بْنِ عُتْبَةَ وهو مريضٌ يعودُهُ، فوجَده يَبْكي، فقال: يا خال! ما يُبْكيكَ؟ أوَجَعُ يُشْئزُك، أمْ حِرْصٌ على الدنيا؟
قال: كلاَّ، ولكنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِد إلَيْنا عَهْداً لَمْ آخُذْ به.
قال: وما ذاك؟ قال: سمِعْتُه يقول:
"
إنما يكْفي مِن جَمْعِ المالِ خادمٌ ومرْكَبٌ في سبيلِ الله".
وأجِدُني اليومَ قد جَمعْتُ.
رواه الترمذي والنسائي.
ورواه ابن ماجه عن أبي وائل عن سمرة بن سهم عن رجل من قومه لم يُسَمِّيه قال:
نزلت على أبي هاشم بن عتبة فجاءه معاوية، فذكر الحديث بنحوه.
__________
(1)
ما سقط من الكتان ونحوه بعد مشقه بالممشقة.

(3/297)


ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن سمرة بن سهم قال:
نزلت على أبي هاشم بن عتبة وهو مطعون فأتاه معاوية فذكر الحديث. (1)
(
يُشْئزُك) بشين معجمة ثم همزة مكسورة وزاي؛ أي: يقلقك؛ وزنه ومعناه.

3319 - (107) [
صحيح] وعن عامر بن عبد الله:
أنَّ سلمان الخيرَ رضي الله عنه حينَ حضَرهُ الموتُ عَرفوا منهُ بعض الجَزعِ، فقالوا ما يُجزِعُكَ يا أبا عبدِ الله! وقد كانَتْ لك سابقَةٌ في الخيرِ؟ شهِدْتَ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مغازيَ حسَنةً، وفُتوحاً عِظاماً.
قال: يُجْزِعُني أنْ حَبيبَنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ فارقَنا عَهِدَ إليْنا، قال:
"
لَيَكْفي المرء منكُم كزادِ الراكِبِ".
فهذا الَّذي أجْزَعني.
فجُمعَ مالُ سلْمانَ فكان قيمَتُه خمْسَةَ عَشرَ دِرْهَماً.
رواه ابن حبان في "صحيحه".
(
قال الحافظ):
"
ولو بسطنا الكلام على سيرة السلف وزهدهم لكان من ذلك مجلدات، لكنه ليس من شرط كتابنا، وإنما أملينا هذه النبذة استطراداً تبركاً بذكرهم، ونموذجاً من سيرهم، والله الموفق من أراد، لا رب غيره".
__________
(1)
في الأصل هنا: (وذكره رزين فزاد فيه:
"
فلما ماتَ حُصِر ما خَلَّفَ فبلغَ ثلاثين درهماً، وحَسَبْتُ فيه القَصْعَةَ التي كان يَعْجنُ فيها، وفيها يأكل").

(3/298)


7 - (
الترغيب في البكاء من خشية الله).
3320 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
سبعةٌ يظِلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشأَ في عبادَةِ الله عزَّ وجلَّ، ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ بالمساجد، ورجُلان تحابَّا في الله؛ اجْتَمَعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعتْهُ امْرأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ فقالَ: إنِّي أخافُ الله، [ورجلٌ تصَدَّق بصَدقَة فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنِفقُ يمينُه] (1)، ورجلٌ ذَكَر الله خالِياً ففاضَتْ عَيناهُ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

3321 - (2) [
حسن لغيره] وعن أبي ريحانة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حُرّمت النارُ على عين دمعتْ أو بكتْ من خشية الله، وحرّمت النار على عينٍ سهرت في سبيل الله، -وذكر عيناً ثالثة-".
رواه أحمد، واللفظ له، والنسائي، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 2].

3322 - (3) [
صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
عَينان لا تَمَسهما النارُ: عينٌ بكَتْ مِنْ خشْيَةِ الله، وعينٌ باتَتْ تحْرُسُ في سبيلِ الله".
رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن غريب". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 2].

3323 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حُرِّمَ على عَيْنَين أن تنالَهُما النارُ: عينٌ بكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وعينٌ باتَتْ
__________
(1)
سقطت من الأصل، فاستدركتها مما سبق في (5 - الصلاة/ 10) وغيره.

(3/299)


تحْرسُ الإسْلامَ وأهْلَه مِنَ الكُفْرِ".
رواه الحاكم، وفي سنده انقطاع. [مضى هناك].

3324 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَلجُ النارَ رجلٌ بكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حتى يعودَ اللَّبَنُ في الضِّرْعِ، ولا يجْتَمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودُخانُ جَهنَّمَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
والنسائي، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
[
مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 6].
(
لا يَلِجُ) أي: لا يدخل.

3325 - (6) [
حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عَيْنانِ لا تَمَسَّهما النارُ: عينٌ باتَتْ تَكْلأُ في سبيلِ الله، وعينٌ بكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله".
رواه أبو يعلى ورواته ثقات.
والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنَّه قال:
"
عَيْنانِ لا ترَيانِ النارَ" [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 2].

3326 - (7) [
حسن لغيره] وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثةٌ لا ترى أعيُنهم النارَ: عينٌ حرسَتْ في سبيل الله، وعين بكت من خشيةِ الله، وعينٌ كَفَّت عن محارم الله".
رواه الَطبراني، ورواته ثقات؛ إلا أن أبا حبيب العنقري (1) لا يحضرني حاله الآن. [مضى هناك].
__________
(1)
راجع له التعليق تحت حديثه المتقدم في (ج 2/ 12 - الجهاد/ 2).

(3/300)


3327 - (8) [
حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليسَ شيءٌ أحبَّ إلى الله مِنْ قَطْرتَيْنِ وأَثَرْينِ: قطْرةِ دموعٍ مِنْ خَشْيَةِ الله وقطْرةِ دَمٍ تُهرَاقُ في سبيلِ الله. وأمَّا الأَثرانِ: فأَثَرٌ في سبيلِ الله، وأَثَرٌ في فريضَةٍ مِنْ فرائضِ الله".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

3328 - (9) [
صحيح موقوف] وعن ابن أبي مليكة قال:
جلسنا إلى عبد الله بن عمروٍ في الحِجْر فقال:
ابْكوا، فإنْ لَمْ تجدوا بُكاءً فتَباكَوْا، لوْ تَعْلَموا العِلْم لَصلَّى أحَدُكم حتى يَنْكَسِرَ ظَهْرُه، ولَبَكى حتى ينْقَطعَ صوْتُه.
رواه الحاكم موقوفاً (1) وقال: "صحيح على شرطهما".

3329 - (10) [
صحيح] وعن مطرف عن أبيه قال:
"
رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلِّي ولصَدْرِه أزيزٌ كأزيزِ الرِّحا مِنَ البُكاءِ".
رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، وقال بعضهم:
"
ولجوفِه أزيزٌ كأزيزِ المرجلِ".
قوله: "أزيز كأزيز الرحا" أي: صوت كصوت الرحا، يقال: أزَّت الرحا إذا صوتت.
و (المرجل): القِدر، ومعناه: إن لجوفه حنيناً كصوت غليان القدر إذا اشتد. [مضى ج 1/ 5 - الصلاة/ 34].
__________
(1)
الأصل: (مرفوعاً)، وهو خطأ ظاهر مخالف لسياق الحاكم، ومع ذلك غفل عنه الثلاثة! نعم قد روى أحد الضعفاء جملة البكاء عن ابن أبي مليكة بإسناد آخر عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. رواه ابن ماجه (4196)، وهو عنده في رواية أخرى (1337) قطعة من حديث تقدم في "ضعيف الترغيب" (13 - قراءة القرآن/ 4)، وكذلك رويت الجملة في حديث لأنس بن مالك يأتي في "الضعيف" (27 - صفة النار/ 11 - فصل).

(3/301)


3330 - (11) [
صحيح] وعن عليّ رضي الله عنه قال:
ما كانَ فينا فارِسٌ يومَ بَدْرٍ غيرَ المِقْدادِ، ولقد رأيْتُنا وما فينا إلا نائمٌ، إلا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحْتَ شجَرةٍ يصَلي وَببْكي حتَّى أصْبحَ.
رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى هناك].

3231 - (11) [
صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! ما النَّجاة؟ قال:
"
أمْسِكْ (1) عليك لِسانَكَ، ولْيَسعْكَ بيتُك، وابْكِ على خطيئَتِك".
رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي؛ كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عنه. وقال الترمذي:
"
حديث حسن غريب". [مضى 23 - الأدب/ 9].

3332 - (13) [
حسن لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
طوبى لِمَنْ ملكَ لسانَهُ، ووسِعَهُ بيْتُه، وبَكى على خطيئَتِه".
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وحسن إسناده. [مضى هناك].
__________
(1)
كذا ذكره المؤلف هنا وفيما تقدم أيضاً. وهو كذلك في بعض نسخ الترمذي، وفي أخرى (املك)، وهو الأرجح كما تقدم بيانه في التعليق على الحديث هناك.

(3/302)


8 - (
الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل، والمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت).
3333 - (1) [
حسن صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أكْثروا ذِكْرَ هاذِمِ (1) اللَّذَّات. يعني الموْتَ".
رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه.
[
حسن] ورواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، وابن حبان في "صحيحه" وزاد:
"
فإنَّهُ ما ذَكَرهُ أحَدٌ في ضِيقٍ إلا وَسَّعَهُ، ولا ذَكره في سَعَةٍ إلا ضيَّقها عَلَيْهِ".

3334 - (2) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بمجلِسٍ وهم يضْحَكُونَ، فقال:
"
أكثِروا مِنْ ذِكْرِ هاذمِ اللَّذَّاتِ -أحْسِبُه قال:-، فإنَّه ما ذَكَرة أحَدٌ في ضِيْقٍ مِنَ العَيْشِ إلا وَسَّعَهُ، ولا في سَعَةٍ إلا ضَيَّقَهُ علَيْهِ".
رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار.

3335 - (3) [
حسن] ورواه [يعني حديث ابن عمر الذي في "الضعيف"] ابن ماجه مختصراً بإسناد جيد، (2) والبيهقي في "الزهد" (3)، ولفظه:
__________
(1)
أي: قاطع، وهو بالذال المعجمة، وقيل: بالمهملة، والأول هو الذي جزم به جمع كما في "عجالة الإملاء" للشيخ الناجي (213/ 1 - 2).
(2)
كذا قال، وفيه مجهول كما قال البوصيري، والعمدة على رواية البيهقي -وكذا البزار- فإن سندها حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(3)
قلت: لقد أبعد النجعة، فقد أخرجه من هو أعلى منه كما يأتي.

(3/303)


أن رجلاً قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ المؤمنين أفضلُ؟ قال:
"
أحسنُهم خُلُقاً".
قال: فأيُّ المؤمنين أكيَسُ؟ قال:
"
أكثرهم للموت ذِكِرْاً، وأحسنُهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياسُ".

3336 - (4) [
؟] وذكره رزين في كتابه بلفظ البيهقي من حديث أنس، ولم أره.

3337 - (5) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اسْتَحْيوا مِنَ الله حَقَّ الحَياء".
قال: قلْنا: يا نبيَّ الله! إنَّا لنَسْتَحْيِي والحمدُ لله. قال:
"
ليسَ ذلك، ولِكنَّ الاسْتِحْياءَ مِنَ الله حقَّ الحَياءِ؛ أنْ تحفَظَ (1) الرأْسَ وما وَعى، وتَحفظَ (1) البطْنَ وما حَوى، ولتَذْكُرِ (1) الموتَ والبِلى، ومَنْ أرادَ الآخِرَة تركَ زينَةَ الدنْيا، فَمنْ فَعل ذلك؛ فقدِ اسْتَحْيا مِنَ الله حَقَّ الحَياءِ".
رواه الترمذي وقال:
"
حديث غريب، وإنما نعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد".
(
قال الحافظ): "أبان والصباح مختلف فيهما، وقد قيل: إن الصباح إنما رفع هذا الحديث وهماً منه، وضُعِّفَ برفعه، وصوابه موقوف. والله أعلم". [مضى 23 - الأدب/ 1].

3338 - (6) [
حسن] وعن البراء رضي الله عنه قال:
كنَّا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جَنازَةٍ، فجلسَ على شفيرِ القَبْرِ، فبَكى حتَّى بَلَّ الثَّرى، ثُمَّ قال:
"
يا إخْواني! لِمثْلِ هذا فأَعِدُّوا".
رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
__________
(1)
في الأصل الأفعال الثلاثة بياء المضارعة (يحفظ) و. . . إلخ، وغفل عنه الثلاثة مع ذكرهم رقم الترمذي (2460). لكن لفظ أحمد والحاكم: "ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى. . ." إلخ.

(3/304)


3339 - (7) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -لا أَعْلَمُه إلا رَفَعه- قال:
"
صلاحُ أول هذه الأمَّةِ بالزّهادَةِ واليَقينِ، وهَلاكُ آخِرِها بالبُخْلِ والأَمَلِ".
رواه الطبراني؛ وفي إسناده احتمال للتحسين. [مضى هنا/ 6].

3340 - (8) [
حسن لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني؛ كلاهما من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نَجا أوَّلُ هذه الأُمَّةِ باليَقينِ والزُّهْدِ، وَيَهْلِكُ آخِرُ هذه الأُمَّةِ بالبُخْلِ والأَملِ".

3341 - (9) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمر قال:
أخَذ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنْكِبَيَّ، فقال:
"
كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ".
وكانَ ابْنُ عمر يقولُ:
إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِر الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِر المساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرضِكَ، ومِنْ حيَاتِكَ لموتِكَ.
رواه البخاري.
[
حسن لغيره] والترمذي، ولفظه: قال:
أخَذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَعْضِ جَسدِي، فقال:
"
كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابرُ سَبيل، وعُدَّ نفْسَك في أصْحابِ القُبورِ (1) "، -وقال لي:-
"
يا ابْنَ عُمرَ! إذا أصْبَحْتَ فلا تُحَدِّثْ نَفْسَك بالمساءِ، وإذا أمْسَيْتَ فلا
__________
(1)
ذكره في "المشكاة" (5274) برواية البخاري! وإنما عنده الشطر الأول منه كما رأيت.
وهكذا على الصواب ذكره في مكان آخر (1604)، فاقتضى التنبيه.

(3/305)


تُحَدِّثْ نفسَك بالصباحِ، وخُذْ منْ صحَّتِكَ قبلَ سَقْمِك (1)، ومِنْ حياتِكَ قَبْلَ موْتِك، فإنكَ لا تَدْري يا عبد اللهَ ما اسمك غَداً".
ورواه البيهقي وغيره بنحو الترمذي.

3342 - (10) [
حسن لغيره] وعن معاذٍ قال:
قلتُ: يا رسول الله! أوْصِني؟ قال:
"
اعْبُدِ الله كأنَّك تَراهُ، واعْدُدْ نفْسَك في المَوْتَى، واذْكرِ الله عند كلِّ حَجرٍ، وعندَ كلِّ شَجرٍ، وإذا عمِلْتَ سيِّئَة فاعْمَلْ بِجَنْبِها حَسنةً، السِّرُّ بالسِّرِّ، والعَلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ".
رواه الطبراني بإسناد جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً بين أبي سلمة ومعاذ. [مضى هنا/ 1].

3343 - (11) [
صحيح] وعن عبد الله بن عَمْروٍ (2) رضي الله عنهما قال:
مَرَّ بي النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أُطَيِّنُ حائطاً لي أنَا وأمِّي، فقال:
"
ما هذا يا عبدَ الله؟ ".
فقلتُ: يا رسولَ الله! وهى، فنحنُ نُصْلِحُه (3). فقال:
"
الأمْرُ أسْرَعُ مِنْ ذلِكَ".
[
صحيح] وفي رواية قال:
__________
(1)
قلت: لقوله: "خذ من صحتك. . ." إلخ شاهد من حديث ابن عباس يأتي قريباً بلفظ: "اغتنم خمساً قبل خمس. . ." الحديث.
(2)
الأصل ومطبوعة (عمارة): (ابن عمر)، والصواب ما أثبتناه، فإنه كذلك في كل المصادر التي ذكرها المؤلف إلا "ابن ماجه"، فإنه وقع فيه (4160) كما في الأصل، ولعله خطأ مطبعي.
ويؤيده أن الإمام أحمد أخرجه في "مسند عبد الله بن عمرو بن العاص" (2/ 161).
(3)
كذا الأصل، والسياق لأبي داود، وفيه: "شيء أصلحه". ولفظ الترمذي: "قد وهى فنحن نصلحه"، فالظاهر أن المؤلف ركب من رواية أبي داود والترمذي سياقاً واحداً، وليس هذا بجيد، وإن كان هو يكثر من ذلك.

(3/306)


مَرَّ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحنُ نُعالِجُ خُصَّا لنَا وهَى، فقال:
"
ما هذا؟ ". فقلْنا: خُصٌّ لنا وهى، فنحنُ نُصْلِحُه. فقال:
"
مما أَرى الأمْرَ إلا أَعْجَل مِنْ ذلِكَ".
رواه أبو داود، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".

3344 - (12) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
خطَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطّاً مُرَبَّعاً، وخطَّ خطّاً في الوسَطِ خارِجاً منه، وخطَّ خُطُطاً صِغاراً إلى هذا الَّذي في الوَسَطِ منْ جانِبِه الَّذي في الوَسَطِ فقال:
"
هذا الإنْسانُ، وهذا أَجلُه مُحيطٌ به، أوْ قَدْ أحاطَ بِهِ، وهذا الَّذي هو خارِجٌ أمَلُه، وهذه الخُطُطُ الصِغارُ الأَعْراضُ، فإنْ أخْطَأَهُ هذا نَهَشهُ هذا، وإنْ أَخْطأهُ هذا نَهَشُه هذا".
رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وهذه صورَةُ ما خطَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآلهِ وسلَّم:

أجله
الإنسان. . . أمله
أجله (1)
الأعراض. . . أجله
أجله
__________
(1)
قلت: هذه الصورة غير مطابقة لقوله: "وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط"، فالصواب جعل الخطوط الصغيرة في داخل المربع. ومع وضوح هذا فقد عرض الحافظ في "الفتح" خمس صور أخرى أقربها إلى ما ذكرنا الأولى منها، لولا أن فيها خطوطاً أخرى حول الخط الخارج ولم تذكر في الحديث، وقال: "والأول المعتمد".

(3/307)


3345 - (13) [
صحيح] وعنْ أنَسٍ رضيَ الله عنه قال:
خطَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطّاً وقال:
"
هذا الإنْسانُ". وخطَّ إلى جَنْبِه خطّاً، وقال:
"
هذا أجَلُه". وخطَّ آخَر بعيداً منه، فقال:
"
هذا الأمَلُ، فبينَما هو كذلك إذ جاءَهُ الأقْرَبُ".
رواه البخاري واللفظ له، والنسائي بنحوه.

3346 - (14) [
حسن صحيح] وعنه قال: قالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هذا ابْن آدمَ، وهذا أجَلُه -ووضع يده عند قفاه ثم بسطها (1) وقال:- وثّمَّ أملُهُ، وثَمَّ أملُه".
رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه"، ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه بنحوه.

3347 - (15) [
صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هل تدرونَ ما مَثَل هذهِ وهذهِ؟ ". ورَمى بحَصاتَيْنِ.
قالوا: الله رسولُه أعْلَمُ. قال:
"
هذا الأَمُل، وذاكَ الأَجَلُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

3348 - (16) [
حسن] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اقْتَربَتِ الساعَةُ، ولا تَزْدادُ مِنْهُم إلا بُعْداً".
رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح".
__________
(1)
زاد ابن ماجه (4232): "أمامه"، ورواه أحمد بلفظ: "ثم رمى بيده أمامه"، وهو مخرج في "الصحيحة" (3428).

(3/308)


3349 - (17) [
صحيح] وعن عبدِ الله (1) عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الجنَّةُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِنْ شِراكِ نَعْلِه، والنارُ مِثْلُ ذلكَ".
رواه البخاري وغيره.

3350 - (18) [
حسن لغيره] ورواه [يعني حديث سعد بن أبي وقاص الذي في "الضعيف"] الطبراني من حديث ابن عمر قال:
أتى رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! حدِّثْني بحديثٍ، واجْعَلْه موجَزاً؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
صَلِّ صَلاةَ مُودِّعٍ، فإنَّكَ إنْ كنْتَ لا تَراهُ فإنَّه يراكَ، وايْأَس مِمّا في أيْدي الناسِ تكُنْ غَنِيَّاً، وإيَّاك وما يُعْتَذرُ مِنْهُ".

3351 - (19) [
حسن لغيره] وروى الطبراني عن رجل من بني النخع قال:
سمعتُ أبا الدرداءِ حينَ حضرَتْهُ الوَفاةُ قال: أحدِّثكُم حديثاً سمِعْتُه مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمِعْتُه يقول:
"
اعْبدِ الله كأنَّك تَراه، فإنْ لَمْ تكُنْ تَراه فإنَّه يراكَ، واعْدُدْ نفْسَك في الموْتَى، وإيَّاك ودَعْوةَ المظْلومِ فإنَّها تُسْتَجابُ" الحديث.

3352 - (20) [
صحيح لغيره موقوف] وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال:
نزلنا من المدائن على فرسخٍ، فلما جاءت الجمعةُ حضر [أبي، و] (2)
__________
(1)
هو ابن مسعود رضي الله عنه الراوي للحديث قبله، فكان ينبغي عطفه عليه فيقال: "وعنه" كما هي عادته في مثله، وإلا أوهم أنه غيره كما لا يخفى.
(2)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "ذم الدنيا" (65/ 157)، و"الحلية" و"تفسير الطبري" (27/ 51)، وسنده صحيح دون إسناد الحاكم، فقد رده الذهبي (4/ 609) بما لا ضرورة لبيانه هنا. ومن تخاليط الجهلة أنهم نقلوا (4/ 143) عن الذهبي أنه أعله بالانقطاع بين أبي قلابة وأبي ذر، وهذا حديث آخر اختلط عليهم بهذا!! وانظر تخريج هذا الأثر في تعليق الدكتور ضياء السلفي على "الزهد" لأبي داود (ص 267). والحديث مخرج عندي في "الضعيفة" تحت الحديث (4872).

(3/309)


حضرتُ [معه]، فَخَطَبَنا حذيفةُ، فقال:
إن اللهَ عز وجل يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، ألا وإن الساعةَ قد اقتربت، ألا وإن القمرَ قد انشقَّ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراقٍ، ألا وإن اليومَ المضمارُ، وغداً السباقُ.
فقلت لأبي: أيَسْتَبِق الناسُ غداً؟
قال: يا بني! إنك لجاهل، إنما يعني العملَ اليومَ، والجزاءَ غداً.
فلما جاءتِ الجمعة الأخرى حَضَرْنا، فَخَطَبَنا حذيفةُ، فقال:
إن الله يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراقٍ، ألا وإنّ اليومَ المضمارُ، وغداً السباق، ألا وإن الغايةَ النارُ، والسابقُ من سبق إلى الجنةِ.
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3353 - (21) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
بادِروا بالأَعْمالِ فِتناً كَقِطَعٍ الليلِ المظْلمِ، يُصْبِح الرجلُ مؤِمناً ويُمْسي كافِراً، ويُمْسي مؤْمِناً ويصْبح كافِراً، يَبيعُ دينَهُ بعَرضٍ مِنَ الدنْيا".
رواه مسلم.

3354 - (22) [
صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
بادِروا بالأَعْمالِ سِتّاً: طلوعَ الشمْس مِنْ مَغْرِبها، أو الدخانَ، أو الدَّجَّالَ، أوِ الدابَّةَ، أو خاصَّةَ أحَدِكُم (1)، أو أمْرَ العامَّةِ (2) ".
رواه مسلم.
__________
(1)
أي: الواقعة التي تخص أحدكم، قيل: يريد الموت أو الشواغل الخاصة به.
(2) (
أو أمر العامة) أي: الفتنة التي تعم الناس، وهي الساعة كما قال قتادة عند أحمد في رواية له في الحديث (2/ 337 و372 و407 و511).

(3/310)


3355 - (23) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عمْهما قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجلٍ وهو يَعِظُه:
"
اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".

3356 - (24) [
صحيح] وعن مصعب بن سعدٍ عن أبيه -قال الأعْمش: ولا أعلمه إلا- عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الَتَّؤُدَةُ في كلِّ شيْءٍ خَيْرٌ، إلا في عَملِ الآخِرَةِ".
رواه أبو داود والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم:
"
صحيح على شرطهما".
(
قال الحافظ): "لم يذكر الأعمش فيه من حدَّثهُ، ولم يجزم برفعه". (1)
(
التّؤُدَة) بفتح المثناة فوق وبعدها همزة مضمومة ثم دال مهملة مفتوحة وتاء تأنيث: هي التأني والتثبت وعدم العجلة.

3357 - (25) [
صحيح] وعن أنسٍ رضيَ الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا أرادَ الله بعبدٍ خيراً اسْتَعْمَلَهُ".
قيل: كيفَ يَسْتَعْمِلهُ؟ قال:
"
يُوَفِّقُه لِعَملٍ صالح قَبْلَ الموْتِ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".

3358 - (26) [
صحيح] وعن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا أحبَّ الله عبداً عَسَلَه" (2).
__________
(1)
انظر الجواب عن هذه العلة في "الصحيحة" (1794).
(2)
هو بتخفيف السين كما قال الناجي.

(3/311)


قالوا: ما عَسَلهُ يا رسولَ الله؟ قال:
"
يُوَفِّقُ له عملاً صالِحاً بينَ يَديْ أَجَلَه (1) حتى يَرْضَى عنهُ جِيرانُه -أو قال: مَن حَوْلَهُ-".
رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرهما.
(
عَسَلَه) بفتح العين والسين المهملتين من (العَسْل): وهو طيب الثناء.
وقال بعضهم: "هذا مثَلُ، أي وفَّقه الله لعمَل صالحٍ يتحفه به، كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العَسَل".

3359 - (27) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أعْذَرَ (2) الله إلى امرئٍ أخَّر أجَلهُ حتى بلغَ ستينَ سنَةً".
رواه البخاري.

3360 - (28) [
صحيح] وعن سهلٍ مرفوعاً:
"
مَنْ عُمِّرَ مِنْ أمَّتي سَبْعينَ سنَةً؛ فقد أعْذَر الله إليه في العُمُرِ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".

3361 - (29) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألا أُنَبِّئُكُمْ بخَيْرِكُمْ؟ ".
قالوا: نَعَمْ. قال:
"
خِيارُكُمْ أَطْوَلُكم أعْماراً، وأحْسَنكُم أعْمالاً".
__________
(1)
الأصل: (رحلته)، والتصحيح من "الحاكم" (1/ 340)، والسياق له. ولفظ ابن حبان والبيهقي: (موته)، وهذا رواه في "الزهد" (308/ 818) من غير طريق الحاكم.
(2) (
الإعذار): إزالة العذر، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به.

(3/312)


رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. [مضى نحوه 23 - الأدب/ 2].

3362 - (30) [
صحيح] ورواه الحاكم من حديث جابر؛ وقال: "صحيح على شرطهما".

3363 - (31) [
صحيح لغيره] وعن أبي بَكْرةَ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! أيُّ الناسِ خَيرٌ؟ قال:
"
مَنْ طالَ عُمُره، وحَسُنَ عَملُه".
قال: فأيُّ الناسِ شَرٌّ؟ قال:
"
مَنْ طالَ عُمرهُ، وساءَ عَملُه".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والطبراني بإسناد صحيح، والحاكم، والبيهقي في "الزهد" وغيره.

3364 - (32) [
صحيح] وعن عبدِ الله بن بُسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خيرُ الناسِ مَنْ طالَ عمُره وحَسُنَ عَملُه".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

3365 - (33) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كانَ رجلان مِنْ (بَلِيٍّ) [حي] (1) من (قضاعة) أسْلَما معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاسْتشُهِدَ أَحَدُهما وأُخِّر الآخَرُ سنَةً. قال طَلْحة بنُ عُبَيْدِ الله: [فأُريتُ الجنَّةَ] فرأيتُ المؤخَّر مِنْهما أدخِلَ الجنَّةَ قبْلَ الشهيدِ. فتَعجَّبْتُ لذلك، فأصْبَحْتُ فذكرتُ [ذلك] للنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أليْسَ قد صامَ بعدَهُ رمضانَ؟ وصلَّى ستَّةَ آلافِ رَكْعَةً، وكذا وكذا ركعةً صلاةَ سَنَةٍ؟ ".
رواه أحمد بإسناد حسن. [مضى 5 - الصلاة/ 13].
__________
(1)
سقطت من "المسند" كما تقدم بيانه هناك في (5 - الصلاة).

(3/313)


3366 - (34) [
صحيح] ورواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي؛ كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه؛ وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره:
"
فَلَما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض". [مضى هناك].

3367 - (35) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بنِ شدَّادٍ:
أنَّ نَفراً مِنْ بني عُذْرةَ (1) ثلاثَةً أَتَوُا النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسْلَموا. قال: فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ يَكْفِيهمْ؟ ".
قال طَلْحَةُ: أنا. قال: فكانوا عندَ طَلْحَة، فبعثَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثاً فخرَج فيهِ أحَدُهم فاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بعَثَ بَعْثاً فخَرج فيه آخَرُ فاسْتُشْهِدَ، ثمَّ ماتَ الثالِثُ على فِراشِه. قال طَلْحَةُ. فرأيتُ هؤلاءِ الثلاثَة الَّذينَ كانوا عِندي في الجنَّةِ، فرأيتُ الميِّتَ على فراشِه أمامَهُمْ، ورأيتُ الذي اسْتُشْهِدَ أخيراً يَليهِ، ورأْيتُ أوَّلَهم آخرَهُمْ. قال: فداخَلَني مِنْ ذلك! فأتَيْتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرتُ ذلك لَهُ، فقال:
"
وما أنْكرتَ مِنْ ذلك؟ ليسَ أحَدٌ أفْضَلَ عِنْد الله عزَّ وجلَّ مِنْ مؤْمنٍ يُعَمِّرُ في الإسْلامِ؛ لِتَسْبيحهِ وتَكْبيرِهِ وتَهْليلهِ".
رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتهما رواة "الصحيح". وفي أوله عند أحمد إرسال كما مرَّ (2)، ووصله أبو يعلى بذكر طلحة فيه.
__________
(1)
هو عذرة بن سعد هُذَيم بن زيد، وإنما قيل: سعد هُذَيم؛ لأن سعداً هذا حضنه عبد حبشي اسمه هذيم فغلب عليه كما في "اللباب"، ووقع في مطبوعة (عمارة): (عَذرة) بفتح المهملة، وهو خطأ ظاهر.
(2)
يعني في أول الحديث، وكونه مرسلاً ظاهر؛ لأن عبد الله بن شداد -وهو ابن الهاد- تابعي لم يدرك القصة، لكن يشهد له ما قبله، إن لم يكن تلقاها عن طلحة كما يشعر بذلك قوله فيما بعد: "قال طلحة. . ." ويؤيده رواية أبي يعلى (2/ 9)، فإنها موصولة كما ذكر المؤلف، والله أعلم.

(3/314)


3368 - (36) [
صحيح] وعن أم الفضل رضي الله عنها:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلَ على العبَّاسِ وهو يَشْتَكي، فتمنَّى الموْتَ، فقال:
"
يا عبَّاسُ عمَّ رسولِ الله! لا تَتمنَّ الموْتَ، إنْ كُنْتَ مُحْسِناً تَزْدادُ إحْسَاناً إلى إحْسانِكَ خيرٌ لَك، وإنْ كنْتَ مُسيئاً فأنْ تُؤَخَّرَ تَسْتَعتِبُ (1) مِنْ إساءَتِكَ خيرٌ لك، لا تَتَمنَّ الموْتَ".
رواه أحمد، والحاكم واللفظ له، وهو أتم، وقال:
"
صحيح على شرطهما".

3369 - (37) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَتمنَّى أحدُكم الموْتَ، إمَّا محْسِناً فلعَلَّهُ يزدادُ، وإمَّا مُسيئاً فلعلَّه يَسْتَعْتِبُ".
رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم:
"
لا يتَمنَّى أحدُكم الموْتَ ولا يدْعو بهِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهُ، وإنَّه إذا ماتَ انْقطَع عَملُه، وإنَّه لا يريدُ المؤمِنَ عُمرُه إلا خيراً".

3370 - (38) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَتَمنَّى أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزَل بهِ، فإنْ كانَ ولا بدَّ فاعِلاً فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِني ما كانتِ الحَياةُ خَيْراً لي، وتَوفَّني إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْراً لي".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
__________
(1)
أي: تطلب الرضا برجوعك عن الإساءة.

(3/315)


9 - (
الترغيب في الخوف، وفضله).
3371 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
سبعةٌ يظِلُّهم الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه -فذكرهم إلى أن قال:- ورجلٌ دَعَتْهُ امْرأَةٌ ذاتَ مَنْصِبٍ وجمالٍ فقالَ: إنِّي أخافُ الله".
رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه [5 - الصلاة/ 10].

3372 - (2) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خرجَ ثلاثَةٌ فيمَنْ كانَ قبْلَكُم يَرْتادون لأَهْلِهم، فأصابَتْهُم السماءُ، فلَجؤُوا إلى جَبلٍ، فوقَعتْ عليهِمْ صَخْرَةٌ، فقال بَعْضُهم لِبعْضٍ: عفَا الأَثَرُ، ووقَع الحَجرُ، ولا يَعْلَمُ بمكانِكُمْ إلا الله، فادْعوا الله بأوْثَقِ أعْمالِكُم.
فقالَ أحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ! إنْ كنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَتِ امْرأَةٌ تُعْجِبُني، فطَلْبتُها فأبَتْ عليَّ، فجَعَلْتُ لها جُعْلاً، فلمَّا قَرَّبَتْ نَفْسَها تَركْتُها، فإنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي إنَّما فعلْتُ ذلك رجاءَ رحْمَتِكَ، وخشيةَ عذابِكَ، فافرُجْ عنَّا، فزال ثُلثُ الحَجَرِ.
وقال الآخَرُ: اللهُمَّ! إنْ كُنْتَ تعلَمُ أنَّه كان لي والدانِ، فكنتُ أَحلِبُ لَهما في إنائِهما، فإذا أتَيْتُهما وهما نائِمان قُمْتُ حتى يَسْتَيْقِظا، فإذا اسْتَيْقظا شَربا، فإنْ كنتَ تَعْلَمُ أنِّي فعلتُ ذلك رجاءَ رحْمَتِكَ، وخشْيةَ عذابِكَ، فافْرُجْ عنَّا، فزالَ ثُلثُ الحَجَرِ.
وقال الثالِثُ: اللَّهُمَّ! إنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجيراً يوماً فعَمِلَ إلى نِصْفِ النهارِ، فأعْطَيْتُه أجْراً فسَخِطَهُ، ولَمْ يأْخُذهُ، فَوَفَّرتُها عليه حتَّى صارَ مِنْ كلِّ (1) المالِ، ثُمَّ جاءَ يطلُب أجْرَهُ، فقلتُ خُذْ هذا كُلَّهُ، ولو شِئْتُ لَمْ أُعْطِهِ إلا
__________
(1)
الأصل: (صارت ذلك المال)، والتصويب من "الموارد" ومما تقدم.

(3/316)


أَجْرَهُ الأوَّلَ، فإنْ كنْتَ تعلَمُ أنِّي فعلْتُ ذلك رَجاءَ رحْمَتِكَ، وخشْيَةَ عذابِكَ فافْرُجْ عنَّا، فزالَ الحَجرُ، وخَرجوا يتَماشُونَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، [مضى ج 2/ 22 - البر/ 1].
ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث [ابن] عمر بنحوه، وتقدم (برقم 1).

3373 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
كان رجُلٌ يُسرِفُ على نَفْسِه، فلما حضَره الموْتُ؛ قال لِبَنيهِ: إذا أنا مِتُّ فأحْرِقوني، ثُمَّ اطْحَنوني، ثُمَّ ذُرُّوني في الريحِ، فوَالله لئنْ قدِرَ الله عليَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذاباً ما عذَّبَه أحَداً، فلمَّا ماتَ فُعِلَ به ذلك، فأمرَ الله الأرْضَ فقالَ: اجْمَعي ما فيكِ [منه]، ففَعلَتْ، فإذا هو قائِمٌ، فقال: ما حَملكَ على ما صَنعْتَ؟ قال: خَشيتُكَ يا ربِّ! -أو قال: مخَافَتُك-، فَغُفِرَ لَهُ". (1)
وفي رواية: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
قال رجلٌ لَمْ يعملْ حسنةً قَطُّ لأهْلهِ: إذا ماتَ فحرِّقوه، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَه في البرِّ، ونِصْفهُ في البَحْرِ، فوالله لَئنْ قَدِرَ الله عليه لَيُعَذِّبَنَّه عَذاباً لا يُعَذِّبُه أحداً مِنَ العالَمينَ، فلمّا ماتَ الرجلُ فَعلوا به ما أمَرَهُم، فأمرَ الله البَرَّ فَجمعَ ما فيه، وأمرَ البَحْرَ فَجَمَعَ (2) ما فيهِ، ثمَّ قالَ: لِمَ فعَلْتَ هذا؟ قال: مِنْ خَشْيَتِكَ يا ربِّ! وأنتَ أَعْلَمُ، فعَفَر الله تعالَى له".
رواه البخاري ومسلم (3). ورواه مالك والنسائي بنحوه.
__________
(1)
وفي حديث حذيفة وأبي مسعود البدري: "قال: يا ربِّ! لم يكن لك أحد أعصى لك مني، ولا أحد أجرأ على معاصيك مني، فرجوت أن أنجو، فقال الله: تجاوزوا عن عبدي، فغفر له".
أخرجه ابن فضيل الضبي في "الدعاء" (108 - 109) بسند صحيح، وأصله في "البخاري" (3452).
(2)
الأصل: (أن يجمع)، وكذا في طبعة الثلاثة! وهو خطأ مخالف لما في "الصحيحين" و"الموطأ"، والحديث مخرج في "الصحيحة" (30480).
(3)
قلت: والرواية الثانية له (8/ 97)، وصححت منه بعض الأخطاء كانت في الأصل، والأولى للبخاري في آخر "الأنبياء"، والزيادة منه.

(3/317)


3374 - (4) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ رجلاً كانَ قبلَكم رَغَسَه الله مالاً، فقال لِبَنيه لمَّا حُضِر: أيُّ أبٍ كنتُ لكُم؟ قالوا: خيرَ أبٍ. قال: فإنِّي لَمْ أعْمَلْ خيراً قَطُّ، فإذا مُتَّ فأحْرِقوني، ثُمَّ اسْحَقُوني، ثُمَّ ذَرُّوني في يومٍ عاصِفٍ، فَفعَلوا، فَجمَعهُ الله؛ فقال: ما حَملَك؟ قال: مخَافَتُك. فتلَقَّاه برَحْمَتِه".
رواه البخاري ومسلم.
(
رَغَسه) بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما سين مهملة. قال أبو عبيدة: معناه أكثر له منه، وبارك له فيه.

3375 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يقول الله عزَّ وجلَّ: إذا أرادَ عبدي أنْ يعْمَل سيِّئَةً فلا تكْتُبوها عليه حتَّى يَعْمَلَها، فإنْ عمِلَها فاكْتُبوها بِمِثْلِها، وإنْ تَركَها مِنْ أَجْلي فاكْتُبوها لَهُ حسنةً" الحديث.
رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ مسلم:
"
إنْ تَركها فاكْتُبوها لَهُ حسنَةً، إنَّما تَركها مِنْ جَرَّايَ". أي: من أجلي.
وتقدم بتمامه في "الإخلاص" (1) [1/ 1/ الحديث 8].

3376 - (6) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فيما يروي عن ربَّه جل وعلا؛ أنه قال:
"
وعزَّتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمَّنته
__________
(1)
كانت هذه الجملة في الأصل عقب قوله: "البخاري ومسلم" فوضعتها هنا لتشمل لفظ مسلم أيضاً لأنه تقدم أيضاً.

(3/318)


يوم القيامة، وإذا أمِنني في الدنيا أخفته في الآخرة".
رواه ابن حبان في صحيحه.

3377 - (7) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ خافَ أَدْلَجَ، ومَنْ أدْلَج بلَغ المَنْزِلَ، ألا إنّ سِلْعَةَ الله غاليةً، ألا إنَّ سِلْعَة الله الجنَّةُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
(
أَدْلَجَ) بسكون الدال: إذا سار من أول الليل. ومعنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفاً من القواطع والعوائق.

3378 - (8) [
حسن موقوف صحيح] وعن بهز بن حكيم قال:
أمَّنا زُرارةُ بنُ أوفى رضي الله عنه في مسجد (بني قُشير)، فقرأ: {المدثر}، فلما بلغ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}؛ خرَّ ميّتاً.
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1)

3379 - (9) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو يَعلَمُ المؤْمِنُ ما عندَ الله مِنَ العُقوبَةِ ما طمعَ بجنَّتَهِ أحَدٌ، ولَوْ يعلَمُ
__________
(1)
قلت: ليس في النسخة المطبوعة من "المستدرك" (2/ 506) هذا التصحيح، ولا حكاه السيوطي في "الدر" (6/ 282) عنه، وعن الحاكم البيهقي في "الشعب" (1/ 531/ 939)، ورواه من طريق ابن أبي الدنيا، وإسناده حسن، رجاله ثقات، فيه (عتاب - تحرف فيه إلى غياث) بن المثنى، وهو القشيري، وهكذا على الصواب وقع في "طبقات ابن سعد" (7/ 150)، ولم يوثقه أحد، لكن روى عنه جمع، وعزوا أثره هذا إلى الترمذي، ولم أره في "سننه".
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" (247)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 298)، ومن طريقه المزي في "التهذيب" (19/ 294).
وبهز بن حكيم حسن الحديث، وتابعه أبو جناب القصاب -واسمه عون بن ذكوان- عند ابن حبان في "ثقاته" (4/ 266)، وعبد الله أيضاً في "الزوائد" من طريق هدبة بن خالد القيسي عنه. وإسناده صحيح.

(3/319)


الكافِرُ ما عندَ الله مِنَ الرحْمَةِ ما قنِطَ مِنْ جنته [أَحَد] ".
رواه مسلم (1).

3380 - (10) [
حسن] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال:
قرأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} حتى خَتَمها، ثُمَّ قال:
"
إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، وأسْمَعُ ما لا تَسْمَعونَ، أطَّتِ السَّماءُ، وحُقَّ لَها أنْ تَئطَّ، ما فيها موْضعُ قَدم إلا مَلَكٌ واضعٌ جَبْهَتهُ ساجِداً لله، والله لوْ تعلَمون ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُم قليلاً، ولبَكيْتُم كَثيراً، وما تَلذَّذْتُم بالنساءِ على الفُرش، ولَخرجْتُم إلى الصُّعُداتِ تَجْأَرونَ إلى الله، والله لوَدْدِتُ أنّي شَجرةٌ تُعْضَدُ".
رواه البخاري باختصار (2)، والترمذي؛ إلا أنه قال:
"
ما فيها موضع أربع أصابع".
والحاكم، واللفظ له وقال: "صحيح الإسناد".
(
أطَّتْ) بفتح الهمزة وتشديد الطاد المهملة من (الأطيط): وهو صوت القَتَب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله. ومعناه: أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين أثقلها حتى أطَّت.
__________
(1)
قلت: ورواه الترمذي (3536) وأبن حبان في "صحيحه" (2503 - موارد) مثله، قال الناجي: "ورواه البخاري في حديث. . ."، ثم ذكره بنحوه. وهو مخرج في "الصحيحة" (1634)، ومن شاء الوقوف على لفظه فليرجع إلى "صحيح الجامع الصغير" رقم (1759 - الطبعة الأولى الشرعية).
(2)
قلت: هذا وهم، فليس له من هذا الحديث شيء من رواية أبي ذر، كما يدل على ذلك صنيع الحافظ المزِّي في "التحفة". نعم له منه قوله: "لو علمتم. . . ولبكيتم كثيراً" من حديث غيره من الصحابة، مثل حديث أنس الآتي بعده، وحديث عائشة في خطبة الكسوف. انظره إن شئت في "مختصر البخاري" (552)؛ ولذلك تعجب منه الناجي وقال: "فيجب حذف البخاري منه".

(3/320)


و (الصُعُدات) بضم الصاد والعين المهملتين: هي الطرقات.

3381 - (11) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
خطَبَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبةً ما سمِعْتُ مثْلَها قَطُّ، فقال:
"
لوْ تَعْلَمونَ ما أعلَمُ لَضَحِكْتُم قَليلاً، ولبَكَيْتُمْ كَثيراً".
فَغطى أصْحابُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجُوهَهُم لهُم خَنِيْنٌ.
رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية:
بَلغَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ أصْحابِه شيْءٌ، فَخَطب فقالَ:
"
عُرِضَتْ عليَّ الجنَّةُ والنارُ، فلَمْ أرَ كاليَوْمِ في الخَيْرِ والشَرِّ (1)، ولو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَليلاً ولبَكَيْتُمْ كثيراً".
فما أتى على أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومُ أشَدُّ مِنْه، غَطُّوا رُؤوسَهُم ولَهُمْ خنيَنٌ.
(
الخَنِينُ) بفتح الخاء المعجمة بعدها نون: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الآنف.
__________
(1)
أي: لم أر خيراً أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شراً أكثر مما رأيته اليوم في النار.

(3/321)


10 - (
الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل سيما عند الموت).
3382 - (1) [
حسن لغيره] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قال الله تعالى: يا ابْنَ آدمَ! إنَّك ما دَعْوتَني ورجَوْتَني غفرْتُ لَك على ما كانَ فيكَ (1) ولا أُبالي. يا ابْنَ آدمَ! لو بَلغَتْ ذُنوبُكَ عَنانَ السماءِ ثمَّ اسْتَغْفَرْتَني غفَرْتُ لكَ [ولا أُبالي] (2). يا ابْنَ آدَم! لَوْ أتَيْتَني بقُرابِ الأَرضِ خَطايا ثُمَّ لَقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيْئاً لأَتَيْتُك بقُرابِها مَغْفِرَةً".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
(
قُراب الأرض) بكسر القاف، وضمها أشهر: هو ما يقارب ملأها، [مضى ج 2/ 14 - الذكر/ 16].

3383 - (2) [
حسن صحيح] وعن أنسٍ أيضاً:
أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على شابٍّ وهو في الموتِ فقال:
"
كيفَ تَجِدُكَ؟ ".
قال: أرجو الله يا رسولَ الله! وإنِّي أخافُ ذُنوبي، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لا يَجْتَمِعانِ في قَلْبِ عبدٍ في مِثْلِ هذا المَوْطِن إلا أعْطاهُ الله ما يَرْجو، وأمَّنَهُ مِمَّا يخَافُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث غريب"، وابن ماجه وابن أبي الدنيا؛ كلهم من رواية جعفر بن سليمان الضَّبعي عن ثابت عن أنس.
__________
(1)
الأصل ومطبوعة عمارة والثلاثة المعلقين: (منك)، وكذلك وقع فيما تقدم، وفي "الجامع الصغير" وغيره، وهو مخالف لما أثبتناه نقلاً عن "الترمذي" (3534) وغيره، ولشاهد له من حديث أبي ذر، وهو مخرج مع حديث الباب في "الصحيحة" (127)، وقد نبه على هذا الخطأ الناجي رحمه الله.
(2)
سقطت من الأصل ومن مطبوعة الثلاثة! واستدركتها من "الترمذي" ومما تقدم.

(3/322)


(
قال الحافظ): "إسناده حسن، فإن جعفراً صدوق صالح، احتج به مسلم، ووثقه النسائي، وتكلم فيه الدارقطني وغيره".
(
قال الحافظ:) "وتقدم في الباب قبله حديث الغار وغيره، وفي الباب أحاديث كثيرة جداً تقدمت في هذا الكتاب ليس فيها تصريح بفضل الخوف والرجاء، وإنما هي ترغيب أو ترهيب في لوازمهما ونتائجهما لم نُعد ذلك، فليطلبه من شاء".

3384 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، وأنا مَعُه حين (1) يذكُرُني" الحديث.
رواه البخاري ومسلم. [مضى ج 2/ 14 - الذكر/ 1].

3385 - (4) [
صحيح] وعن جابر رضي الله عنه:
أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبلَ موْتِه بثلاثَة أيَّامٍ يقول:
"
لا يَموتُنَّ أحدُكم إلا وهو يُحْسِنُ الظَّنِّ بُالله عزَّ وجلَّ".
رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.

3386 - (5) [
صحيح] وعن حيان أبي النضر قال:
خرجْتُ عائداً لِيَزِيدَ بْنِ الأَسْودِ، فلَقِيتُ واثِلَة بْنَ الأسْقَع وهو يريدُ عِيادَتَهُ، فدخَلْنا عليه، فلمَّا رأى واثِلَةَ بَسط يَدَه، وجعلَ يُشيرُ إليَهِ، فأقْبَل واثلَةُ حتى جَلَس، فأخَذ يَزيدُ بكَفَّيْ واثِلَة، فجعَلَهُما على وَجْهِه، فقال لَه واثِلَةُ: كيفَ ظَنُّك بالله؟ قال: ظَنِّي بالله والله حسَنٌ، قال: فأبْشِرْ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
قال الله جلَّ وعَلا: أنا عندَ ظَنِّ عبْدي بي، إنْ ظَنَّ خيراً فَلَهُ، وإنْ ظَنَّ شَرّاً فله".
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.
__________
(1)
الأصل: (حيث)، والمثبت لفظ مسلم، ولفظه فيما تقدم: (إذا)، وهو للبخاري.

(3/323)


25 -
كتاب الجنائز وما يتقدمها.
1 - (
الترغيب في سؤال العفو والعافية).
3387 - (1) [
حسن صحيح] وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال:
قام أبو بكر الصديق (1) على المنبر ثم بكى فقال:
قام فينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامَ أوَّلِ على المنْبَر، ثُمَّ بَكى: فقال:
"
سَلوا الله العَفْوَ والعافِيَةَ، فإَنَّ أحداً لَمْ يُعْطَ بعدَ اليقينِ خَيْراً مِنَ العافِيَةِ".
رواه الترمذي من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل. وقال حديث "حسن غريب".
ورواه النسائي من طرق وعن جماعة من الصحابة وأحد أسانيده صحيح (2).

3388 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ دَعْوَةٍ يدعو بها العبدُ أفْضَلُ مِنْ (3) (اللهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ المُعافاةَ في الدُّنْيا والآخرَةِ) ".
رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
__________
(1)
الأصل: (وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قام)، والتصويب من "الترمذي" (3553)، وهو تصرف غير حسن من المؤلف سبق له غيره، وغفل عن ذلك الثلاثة كعادتهم، فأثبتوا الخطأ!
(2)
قلت: وقد خرجت بعضها في "إرواء الغليل" (2/ 222)، وخرج بعضها الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة".
(3)
قلت: هنا في الأصل: "اللهم أني أسألك العفو والعافية. وفي رواية". فحذفتها لأنه لا أصل لها في (ابن ماجه)، بل ولا في غيره، وإنما عند (ابن ماجه) ما أثبته فقط، وهو مخرج في "الصحيحة" (1138)، وقد غفل عنها الثلاثة أيضاً فأثبتوها!

(3/324)


3389 - (3) [
صحيح] وعن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبيه:
أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كيفَ أقوالُ حينَ أسْأَلُ ربِّي؟ قال:
"
قلِ: (اللهُمَّ اغْفِرْ لي، وارْحَمْني، وعَافِني، وارزُقْني) -ويَجْمَعُ أصابِعَهُ إلا الإبْهامَ- فإنَّ هؤلاءِ تَجْمَعُ لكَ دُنْياكَ وآخِرَتَكَ".
رواه مسلم.

3390 - (4) [
حسن صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يا عبّاسُ عَمَّ النبيِّ! أكْثِرْ مِنَ الدعاء بالعافِيَةِ".
رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط البخاري".

3391 - (5) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
قلتُ: يا رسولَ الله! أَرأَيْتَ إنْ علمتُ ليلةَ القدْرِ؛ ما أقولُ فيها؟ قال:
"
قولي: (اللهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ؛ فاعْفُ عَنِّي) ".
رواه الترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

(3/325)


2 - (
الترغيب في كلماتٍ يقولهنَّ من رأى مبتلىً).
3392 - (1) [
صحيح لغيره] عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ رأى صاحِبَ بلاءٍ فقال: (الحمدُ لله الَّذي عَافاني مِمَّا ابْتَلاك به، وفَضَّلني على كَثيرٍ مِمَّنْ خَلق تَفْضيلاً)؛ لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

3393 - (2) [
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر (1).
__________
(1)
هنا في الأصل جملة: (ورواه البزار، والطبراني في "الصغير" من حديث أبي هريرة وحده، وقال فيه: "فإنه إذا قال ذلك شكر تلك النعمة"، وإسناده حسن).
قلت: بل هو ضعيف، فيه (عبد الله بن عمر العمري) المكبَّر، وبه أعله الحافظ، والمحفوظ:
"
لم يصبه ذلك البلاء"، وهو المذكور أعلاه.
وحديث العمري هذا مخرج في "الضعيفة" (6889)، وأما الجهلة فخلطوا كعادتهم بين المحفوظ والمنكر، وشملوهما بقولهم: "حسن"!!

(3/326)


3 - (
الترغيب في الصبر سيّما لمن ابتليَ في نفسه أو ماله، وفضل البلاء والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره).
3394 - (1) [
صحيح] عن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحمدُ لله تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحانَ الله والحمدُ لله تمْلآنِ -أو تَمْلأُ- ما بين السماءِ والأرْضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدَقةُ بُرْهانٌ، والصبرُ ضِيَاءٌ، والقُرْآنُ حُجَّة لكَ أوْ عليكَ، كلُّ الناسِ يَغْدو، فبائعُ نَفْسَه؛ فمُعْتِقُها أوْ مُوِبقها".
رواه مسلم. [مضى 4 - الطهارة/ 7].

3395 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ومَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعْطِيَ أحدٌ عَطاءً خيراً وأوْسَعَ مِنَ الصبْرِ".
رواه البخاري ومسلم في حديث تقدم في "المسألة" [8 - الصدقات/ 4].

3396 - (3) [
صحيح] ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة مختصراً:
"
ما رَزقَ الله عبداً خيراً له ولا أوْسَعَ مِنَ الصبْرِ".
وقال: "صحيح على شرطهما".

3397 - (4) [
صحيح موقوف] وعن علقمة قال: قال عبد الله:
الصبْرُ (1) نصْفُ الإيمانِ، واليَقينُ الإيمانُ كُلُّه.
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته رواة "الصحيح"، وهو موقوف، وقد رفعه بعضهم.
__________
(1)
هو العمل مقروناً بالإيمان.

(3/327)


3398 - (5) [
صحيح] وعن صهيبٍ الرومي رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عَجباً لأَمْرِ المؤمِنِ، إنَّ أَمْرَهُ كلَّهُ له خَيْرٌ، وليسَ ذلك لأَحدٍ إلاَّ لِلْمؤْمِنِ؛ إنْ أَصابَتْهُ سرَّاءُ شَكَر فكانَ خَيْراً له، وإنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر فكانَ خيراً لَهُ".
رواه مسلم.

3399 - (6) [
صحيح] وعن كعبِ بْنِ مالكٍ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَثلُ المؤْمِنِ كمثَلِ الخَامة مِنِ الزرْعِ، تُفَيِّئُها (1) الريحُ؛ تَصْرعُها مرَّةً، وتَعْدِلُها أُخْرى، حتى تَهيجَ -وفي رواية: حتى يأْتِيَهُ أجَلُه-، ومثلُ الكافِرِ (2) كمثْلِ الأَرْزَة المُجْذِية (3) على أصْلها، لا يُصِيبُها شَيْءٌ حتى يكونَ انْجِعافُها مَرَّةً واحِدَةً".
رواه مسلم. (4)

3400 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَثلُ المؤْمِنِ كمثَلِ الزرْعِ؛ لا تزَالُ الرِياحُ تُفَيِّئهُ، ولا يَزال المؤْمِنُ يُصيبُه بَلاءٌ، ومَثَلُ المنافِقِ كَمَثَلِ شَجرة الأرْزِ؛ لا تَهْتَرُّ حتى تُسْتَحْصَد".
رواه مسلم، (5) والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن صحيح".
__________
(1)
أي: تميلها. (تصرعها) أي: تخفضها، يعني بالبلاء. (تهيج) أي: تيبس.
(2)
قلت: وفي الرواية المذكورة: (المنافق). انظر "صحيح مسلم" (8/ 136).
(3)
هي الثابتة المنتصبة المستقرة. و (الأرزة) هي شجرة الصنوبر على الأشهر كما يأتي من المؤلف في الحديث التالي، وبذلك جزم ابن القيم في "إعلام الموقعين". و (انجعافها): انقلاعها.
(4)
قلت: وأخرجهما البخاري أيضاً، كما في "الصحيحة" (2283).
(5)
قلت: وأخرجهما البخاري أيضاً، كما في "الصحيحة" (2283).

(3/328)


(
الأَرْزُ) بفتح الهمزة وتُضم (1) وإسكان الراء بعدهما زاي: هي شجرة الصنوبر، وقيل: شجرة الصنوبر الذكر خاصة. وقيل: شجرة العرعر. والأول أشهر.

3401 - (8) [
حسن] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالتْ: سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما ابْتَلى اللهُ عبداً بِبَلاءٍ وهو على طريقَةٍ يكْرَهُها؛ إلا جَعل الله ذلك البَلاءَ كفَّارةً وطَهوراً ما لَمْ يُنْزِل ما أصابَهُ مِنَ البَلاءِ بِغَيْرِ الله، أوْ يَدْعو غيرَ الله في كَشْفِه".
رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب المرض والكفارات".
وأم عبد الله ابنة أبي ذئاب لا أعرفها.

3402 - (9) [
صحيح] وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الناس أشدُّ بَلاءً؟ قال:
"
الأَنبِياءُ! ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ، يُبْتَلى الرجلُ على حَسْبِ دينِه، فإنْ كانَ دينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤه، وإنْ كان في دينِه رِقَّةٌ ابْتَلاهُ الله على حَسْبِ دينِه، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حتى يَمْشِيَ على الأرْضِ وما عليهِ خَطيئَةٌ".
رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".
ولابن حبان في "صحيحه" من رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد قال:
سئِلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الناسِ أشَدُّ بَلاءً؟ قال:
"
الأنبياءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ، يُبْتَلى الناسُ على قَدْرِ دينِهمْ، فَمَنْ ثَخُنَ
__________
(1)
قال الناجي (215/ 1): "لم يذكر الأكثرون سوى الفتح".

(3/329)


دينُه اشْتَدَّ بَلاؤه، ومَنْ ضَعُفَ دينُه ضَعُفَ بَلاؤه، وإنَّ الرجُلَ لَيُصيبُه البَلاءُ حتَّى يَمْشِيَ في الناسِ ما عليه خَطيئَةٌ".

3403 - (10) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه:
أنه دخلَ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مَوْعوكٌ عليه قَطيفَةٌ، فوضَع يدَه فَوْقَ القَطيفَةِ، فقال: ما أشَدَّ حُمَّاك يا رسول الله! قال:
"
إنَّا كذلك يُشَدَّدُ علينا البَلاءُ، ويضاعَفُ لنا الأَجْرُ".
ثم قال: يا رسولَ الله! مُنْ أشدُّ الناسِ بلاءً؟ قال:
"
الأَنبِياءُ".
قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال:
"
العُلَماءُ".
قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال:
"
الصالِحونَ، وكان أحدُهم يُبْتَلى بالقَمْلِ حتى يَقْتُلَه، وُيبْتَلى أحدُهم بالفَقْرِ حتى ما يجِدَ إلا العَباءةَ يلبَسُها، ولأَحدُهم كان أشدَّ فَرحاً بالبَلاءِ مِنْ أحَدِكُمْ بالْعَطاءِ".
رواه ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في "كتاب المرض والكفارات"، والحاكم واللفظ له، وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
وله شواهد كثيرة.

3404 - (11) [
حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يوَدُّ أهلُ العافِيَةِ يومَ القِيامَةِ، حِينَ يُعطَى أهْلُ البَلاءِ الثوابَ؛ لوْ أنَّ جُلودَهُمْ كانَتْ قُرِضَتْ بالمقَاريضِ".

(3/330)


رواه الترمذي وابن أبي الدنيا من رواية عبد الرحمن بن مغراء، وبقية رواته ثقات.
وقال الترمذي: "حديث غريب". (1)

3405 - (12) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
من يُرِدِ الله به خَيْراً يُصِبْ منه".
رواه مالك والبخاري.
(
يصب منه) أي: يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء.

3406 - (13) [
صحيح] وعن محمود بن لبيدٍ؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا أحبَّ الله قوْماً ابْتَلاهُم، فَمَنْ صبَر فلَهُ الصَّبْرُ، ومَنْ جَزِعَ فلَهُ الجَزَعُ".
رواه أحمد، ورواته ثقات، ومحمود بن لبيد رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واختلف في سماعه منه.

3407 - (14) [
حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مَع عِظَمِ البَلاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابْتَلاهُمْ، فَمنْ رَضِيَ فلَهُ الرِّضا، ومَنْ سَخِطَ فله السخَطُ".
رواه ابن ماجه والترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب".

3408 - (15) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الرجُلَ لَيكونُ له عندَ الله المنزِلَةُ، فما يَبْلُغها بِعَمَلٍ، فما يَزالُ يَبْتَليهِ بما يَكْرَهُ حتّى يُبْلِغَهُ إيَّاها".
رواه أبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" من طريقه، وغيرهما.
__________
(1)
في الأصل هنا قوله: ورواه الطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود موقوفاً عليه، وفيه رجل لم يسم". وهو ضعيف.

(3/331)


3409 - (16) [
صحيح لغيره] وعن محمد بن خالدٍ عن أبيه عن جده -وكانت له صحبةٌ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ العبدَ إذا سبَقتْ له مِنَ الله منزلةٌ فلَمْ يَبْلُغْها بعَملٍ؛ ابْتَلاهُ الله في جسَدهِ أوْ مالِه أو في وَلدِه، ثُمَّ صبَر على ذلك حتى يُبلِغَهُ المنْزِلَة التي سَبَقتْ له مِنَ الله عزَّ وجلَّ".
رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ومحمد بن خالد لم يرو عنه غير أبي المُلَيْحِ الرقِّي، ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد. والله أعلم.

3410 - (17) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما يُصِيبُ المؤْمِنَ مِنْ نَصَب ولا وَصَب، ولا هَمّ ولا حَزَنٍ، ولا أَذىً ولا غَمٍّ، حتى الشوْكَةِ يُشاكُها؛ إلا كَفَّر الله بها مِنْ خطَاياهُ".
رواه البخاري.
[
صحيح] ومسلم، ولفظه:
"
ما يصيبُ المؤْمِنَ مِنْ وَصبٍ ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ، حتى الهَمِّ يُهَمُّه؛ إلا كُفِّرَ بهِ مِنْ سيِّئاتِه".

3411 - (18) [
صحيح] ورواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وحده. وفي روايةٍ له:
"
ما مِنْ مؤْمِنٍ يُشاكُ بشَوْكَةٍ في الدنْيا يَحْتِسبُها؛ إلا قُصَّ بِها مِنْ خَطاياهُ يومَ القِيامَةِ".
(
النَّصَب): التعب.
(
الوَصَب): المرض.

(3/332)


3412 - (19) [
حسن صحيح] وعن أبي بُردة قال:
كنتُ عند معاوَيةَ، وطبيبٌ يعالِجُ قُرْحةً في ظَهْرِه، وهو يَتَضرَّرُ، فقلْتُ له: لوْ بعضُ شبابِنا فعلَ هذا لَعِبْنا ذلك عليهِ! فقال: ما يَسُرُّني أنِّي لا أجِدُه، سمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ مُسْلمٍ يُصيبُه أذَىً مِنْ جَسَدِه؛ إلا كانَ كَفَّارةً لِخَطاياهُ".
رواه ابن أبي الدنيا.
[
حسن صحيح] وروى المرفوع منه أحمد بإسناد رواته محتج بهم في "الصحيح"؛ إلا أنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ شَيْءٍ يصيبُ المؤْمِنَ في جَسدِهِ يُؤْذيه؛ إلا كَفَّرَ الله بِه عنْهُ مِنْ سيِّئاتِه".
ورواه الطبراني، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".

3413 - (20) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ مُصيبةٍ تصيبُ المسلمَ؛ إلا كَفَّر الله عنه بها، حتّى الشوْكَةِ يُشاكُها".
رواه البخاري ومسلم.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم:
"
لا يصيبُ المؤْمِنَ شوكةٌ فما فَوْقَها؛ إلا قَصَّ (1) الله بها مِنْ خَطيئَتِه".
[
صحيح] وفي أخرى:
__________
(1)
الأصل: (نقص)، والمعنى واحد، وصححت هذا وغيره من "مسلم"، وغفل عنه النقلة الجهلة!

(3/333)


"
إلا رفَعهُ الله بها درجةً، وحَطَّ عنه بِها خَطيئَةً".
[
صحيح] وفي أخْرى له: قال:
دخلَ شَبابٌ مِنْ قرْيشٍ على عائشَةَ وهي بِمِنىً وهُمْ يَضْحَكونَ، فقالَتْ: ما يُضْحِكُكُم؟ قالوا: فلانٌ خَرَّ على طُنُبِ فُسْطاطٍ فكادَتْ عُنُقُه أوْ عَيْنُه أنْ تَذْهَب! فقالَتْ: لا تَضْحَكوا، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ مسلمٍ يُشاكُ شوكةً فَما فَوْقَها؛ إلا كُتِبَتْ له بها درَجةٌ، ومُحيَتْ عنه بها خَطِيئَةٌ".

3414 - (21) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما يزالُ البَلاءُ بالمؤْمِنِ والمُؤْمِنَةِ في نفْسهِ ووَلَدِه ومَالهِ حتى يَلْقَى الله تعالى وما علَيْهِ خَطيئَةٌ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".

3415 - (22) [
حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ شَيْءٍ يصيبُ المؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ ولا حَزَنٍ ولا وَصَبٍ، حتى الهمِّ يُهَمُّه؛ إلا يُكَفِّرُ الله عنه به [من] سيِّئَاتِهِ".
رواه ابن أبي الدنيا، والترمذي وقال: "حديث حسن" (1).
__________
(1)
قلت: لكنه شاذ بهذا اللفظ، فإنه في "الصحيحين" بلفظ "من سيئاته، وقد تقدم قريباً قبل خمسة أحاديث. نعم له شواهد في الباب تقوِّيه، واعتقادي أن الترمذي إنما حسنه لذلك، لأنه اقتصر على قوله: "حسن"، ولم يقل: "حسن غريب" كما هو اصطلاحه المذكور في آخر كتابه. والله أعلم، ثم زال الشذوذ بالزيادة التي استدركتها من "كفارات ابن أبي الدنيا" (75/ 127) و"شعب البيهقي" (7/ 157 - 158)، وكذا أحمد (3/ 4 و44)، فانظر "الصحيحة" (2503).

(3/334)


3416 - (23) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
وَصبُ المؤْمِنِ كفَّارَةٌ لِخَطاياهُ".
رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3417 - (24) [
صحيح] وعن عائشة أيضاً؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا اشْتَكى المؤمِنُ؛ أخْلَصَهُ الله مِنَ الذُّنوبِ كما يُخلِّصُ الكيرُ خَبَثَ الحديدِ".
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه".

3418 - (25) [
صحيح] وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس:
ألا أُريكَ امْرأَةً مِنْ أهْل الجنَّةِ؟ قلتُ: بلى. قال. هذهِ المرأة السَّوْداءُ، أتَتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: إنِّي أُصرَعُ، وإنِّي أَتَكَشَّفُ، فادْعُ الله لي. قال:
"
إنْ شِئْتِ صَبرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإنْ شئْتِ دعوتُ الله أن يُعافِيَكِ".
فقالَتْ: أصْبرُ.
فقالَتْ: إنِّي أَتَكَشَّفُ، فادْعُ الله لي أنْ لا أَتَكشَّفَ، فدعَا لها.
رواه البخاري ومسلم (1).

3419 - (26) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاءَتِ امْرأةٌ بِها لَمَمٌ (2) إلى رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسول الله! ادْعُ الله لي. فقال:
__________
(1)
قلت: وكذا أحمد (1/ 346 - 347).
(2) (
اللمم): طرف من الجنون يَلُمُّ بالإنسان، أي: يقرب منه ويعتريه. "نهاية"، وإن من جهل المعلقين الثلاثة تفسيرهم (اللمم) هنا بقولهم: "مقاربة المعصية، ويعبر به عن الصغيرة"! وهذا باطل هنا بداهة. والله المستعان على فساد الزمان، وتكلم (الرويبضة) فيه!

(3/335)


"
إنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله فشَفاكِ، وإنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولا حسابَ عليْكِ".
قالت: بَل أصْبِرُ ولا حسابَ عَليَّ.
رواه البزار، وابن حبان في "صحيحه".

3420 - (27) [
صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا مَرِضَ العبدُ أوْ سافَر؛ كُتِبَ له مثلُ ما كانَ يعْمَلُ مُقيماً صَحيحاً".
رواه البخاري وأبو داود. (1)

3421 - (28) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ أحَدٍ مِنَ الناسِ يُصابُ بِبَلاءٍ في جَسَده؛ إلا أمَر الله عزَّ وجلَّ الملائكةَ الَّذين يَحْفَظونَهُ؛ قال: اكْتُبوا لِعَبْدي في كلِّ يوْمٍ ولَيْلَةٍ ما كانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ ما كانَ في وثاقِي".
رواه أحمد واللفظ له، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".
[
صحيح] وفي رواية لأحمد: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ العبدَ إذا كان على طريقةٍ حَسَنةٍ مِنَ العبادَةِ، ثُمَّ مَرِضَ، قيلَ لِلْملَكِ الموكَّلِ بِه: اكْتُبْ مثلَ عمَلِه إذا كان طليقاً حتى أطْلِقَه، أو أكْفِتَة إليَّ".
وإسناده حسن.
قوله: "أَكْفِتَه إليَّ" بكاف ثم فاء ثم تاء مثناة فوق؛ معناه: أضمّه إليَّ وأقبضه.

3422 - (29) [
حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا ابْتَلى الله عزَّ وجلَّ العبدَ المسْلمَ ببلاءٍ في جسَدِه، قال الله عزَّ وجلَّ
__________
(1)
قلت: فيه إبراهيم السكسكي، وفيه كلام معروف، فانظر "الإرواء" (2/ 346)، و"الروض النضير" (1015 و1018).

(3/336)


لِلْملَكَ: اكْتُبْ لَهُ صالِحَ عمَلِه الذي كانَ يَعمَلُ، وإنْ شفاه غَسَله وطَهَّرَهُ، وإنْ قَبضَهُ غَفَر لَهُ ورَحِمَهُ".
رواه أحمد، ورواته ثقات.

3423 - (30) [
حسن] وعن أبي الأشْعَثِ الصَّنْعانيِّ:
أنَّه راحَ إلى مَسْجِد دِمَشْقَ وهَجَّر الرواحَ، فلَقِيَ شدَّادَ بْنَ أوْسٍ والصنابحيّ معَه، فقلتُ: أيْن تُريدانِ يْرحَمُكُما الله تعالى؟ فقالا: نريدُ ههُنا، إلى أخٍ لنا مِنْ مضَرَ نعودُه، فانْطلَقْتُ معهما حتى دخَلا على ذلك الرجل، فقالا له: كيفَ أصْبَحْتَ؟ فقال: أصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ، فقال شدَّادُ: أبْشِرْ بكفَّاراتِ السيِّئَات وحطِّ الخَطايا، فإنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الله يقول: [إني] (1) إذا ابْتَلَيْتُ عبداً مِنْ عِبادي مؤْمِناً فَحَمَدني على ما ابْتَلَيْتُه، [فإنَّه يقومُ مِنْ مضْجَعِه ذلك كيَوْمَ ولَدتْهُ أمُّه مِنَ الخَطايا، ويقولُ الربُّ عزَّ وجلَّ [للحفَظَة]: أنا قَيَّدْتُ عبدي [هذا] وابْتَلَيْتُه، (1)، فأجْروا له كما كُنْتُم تُجْرونَ له وهو صحِيحٌ".
رواه أحمد من طريق إسماعيل بن عياش عن راشد الصنعاني (2) والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وله شواهد كثيرة.
__________
(1)
زيادة من "المسند" (4/ 123) و"المعجم الأوسط" (5/ 357 - 358)، وفيه زيادة (للحفظة) و"المعجم الكبير" (7/ 336/ 7136)، وفيها الزيادة الثانية، وهذا كله مما فات استدراكه على المعلقين الثلاثة، مع أن وضوح انقطاع الكلام في الأصل، مما لا يخفى على كل من عنده ذرة من فهم، مما يكفي أن يحملهم على البحث والاستدراك، لو كانوا يعلمون وينصحون.
(2)
هو من (صنعاء دمشق)، وليس من (صنعاء اليمن) كما يشعر به كلام المؤلف، وصرح به الهيثمي، واغتر به الجهلة.

(3/337)


3424 - (31) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله تبارك وتعالى: "إذا ابْتَلْيتُ عبدي المؤْمِنَ فلَمْ يَشكُني إلى عُوّادِه؛ أطْلَقْتُه مِنْ إساري، ثُمَّ أَبْدَلْتُه لَحْماً خيراً مِنْ لَحْمِه، ودَماً خيراً مِنْ دمِه، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ العَملَ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".

3425 - (32) [
صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لا يَمْرَضُ مؤْمِنٌ ولا مؤْمِنَةٌ ولا مسْلِمٌ ولا مُسْلِمَةٌ إلا حطَّ الله به خطيئَتَهُ".
[
صحيح] وفي رواية:
"
إلا حطَّ الله عنه مِنْ خَطاياهُ".
[
صحيح لغيره] رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"
إلا حطَّ الله بذلك خَطاياه، كما تَنْحَطُّ الوَرَقَةُ عَنِ الشجرةِ".

3426 - (33) [
صحيح لغيره] وعن أسد بن كرزٍ رضي الله عنه؛ أنه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
المريضُ تَحاتُّ خَطاياه كما يتَحاتُّ ورَقُ الشجرِ".
رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده"، وابن أبي الدنيا بإسناد حسن.

3427 - (34) [
صحيح] وعن أم العلاء -وهي عمة حكيم بن حِزام- (1) وكانَتْ مِنَ المُبَايِعاتِ رضي الله عنها- قالتْ:
عادَني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا مريضَةٌ فقال:
"
أبْشِري يا أمَّ العلاء! فإنَّ مَرضَ المسلمِ يُذْهِبُ الله بِه خطاياهُ كما تُذهِبُ
__________
(1)
كذا الأصل بالزاي، والصواب (حرام) بالراء كما حققه الناجي (216/ 2 - 217/ 1).

(3/338)


النارُ خَبَث الذهبِ (1) والفِضَّةِ".
رواه أبو داود.

3428 - (35) [
صحيح] وعن أبي هريرة قال:
لما نَزلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بَلغَتْ مِنَ المُسْلِمين مَبْلَغاً شَديداً، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قارِبُوا وسَدِّدُوا، ففي كلِّ ما يُصَابُ بِه المُسْلِمُ كَفَّارَة، حتى النَّكبَةِ يُنْكَبُها، أوِ الشوكةِ يُشاكُها".
رواه مسلم.

3429 - (36) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ رجلاً تلا هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، فقال: إنَّا لَنُجْزى بكلِّ ما عمِلْنا هَلكْنا إذاً، فَبلغَ ذلك رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ:
"
نَعم، يُجْزَى به في الدنيا مِنْ مُصيبَةٍ؛ في جَسدهِ مِمّا يُؤْذِيِه".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3430 - (37) [
صحيح] وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال:
يا رسولَ الله! كيفَ الصلاحُ بعدَ هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية؛ وكلُّ شيْءٍ عمِلْناهُ جُزِينَا به؟ فقال:
__________
(1)
الأصل: (الحديد)، والتصويب من "أبي داود" (3092)، وإنما جاءت في بعض الروايات عند الطبراني وغيره، ولعلها أصح. وقد سقطت فيما يأتي بعد عشرة أحاديث، وليس فيه هناك قوله هنا: "وهي عمة حكيم بن حزام"، ولا هو في "أبي داود"، فهو من المؤلف، وكذلك فعل في "مختصر السنن" (4/ 274)، وقال: "حسن". وهو مخرج في "الصحيحة" (714).

(3/339)


"
غَفر الله لك يا أبا بكْرٍ! ألَسْتَ تَمْرَضُ؟ ألسْتَ تَحْزَنُ؟ ألَسْتَ يُصيبُكَ اللأْواءُ؟ ".
قال: قلتُ: بلى. قال:
"
هو ما تُجْزَوْنَ به".
رواه ابن حبان في "صحيحه" أيضاً (1).
(
اللأْواء) بهمزة ساكنة بعد اللام وهمزة في آخره ممدودة: هي شدة الضيق.

3431 - (38) [
حسن لغيره] وعن عطاء بن يسارٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا مَرِضَ العبدُ بعثَ الله إليه مَلَكيْنِ فقال: انْظُروا ما يقولُ لِعُوَّادِه؟ فإنْ هُوَ إذا جَاؤوهُ حَمِدَ الله وأثْنى عليه، رَفعا ذلك إلى الله، وهو أعْلَمُ، فيقولُ: لِعَبْدي عَليَّ إنْ تَوَفَّيْتُه [أن] أُدْخلَهُ الجنَّةَ، وإنْ أنا شَفَيْتُه أنْ أُبدِلَه لحْماً خيراً مِنْ لَحْمِه، ودَماً خيراً مِنْ دَمِه، وأنْ أُكَفِّر عنْهُ سيِّئَاتِه".
رواه مالك مرسلاً، وابن أبي الدنيا، وعنده:
"
فيقولُ الله عزَّ وجلَّ: إنَّ لِعَبْدي هذا عليَّ إنْ أنا تَوفَّيْتُه أدْخلْتُه الجنَّةَ، وإنْ أنا رَفَعْتُه أنْ أُبْدِلَه لَحْماً خيراً مِنْ لَحْمِه، ودَماً خيراً مِنْ دَمهِ، وأغْفِرَ لَه " (2).

3432 - (39) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
دخلتُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وهو يوعك]، فمسَسْتُه [بيدي]، فقلتُ: يا رسولَ الله! إنَّك تُوعَكُ وَعْكاً شديداً، فقال:
"
أجل؛ إنِّي أوعَكُ كما يوعَكُ رجُلانِ منكمْ".
__________
(1)
قلت: فاته أحمد والترمذي، وأخرجه الضياء في "المختارة" (رقم 64 و65 - بتحقيقي).
(2)
يشهد له أحاديث الباب، وبخاصة حديث أبي هريرة المتقدم قبل ستة أحاديث.

(3/340)


قلتُ: ذلك بأنَّ لك أجْرَيْن؟ قال:
"
أجلْ؛ ما مِنْ مسلمٍ يُصيبُه أذىً مِنْ مَرضٍ فما سِواهُ؛ إلا حطَّ الله به سيِّئاتِه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورَقَها".
رواه البخاري ومسلم (1).

3433 - (40) [
حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً مِنَ المسْلمين قال: يا رسولَ الله! أرأيْتَ هذه الأعْراضَ التي تصيبُنا، ما لَنا بها؟ قال:
"
كفَّاراتٌ".
قال أُبَيٌّ (2): يا رسولَ الله: وإنْ قلَّت؟ قال:
"
وإنْ شَوْكةً فما فَوْقَها".
فدعا على نَفْسِه أنْ لا يفارِقَهُ الوَعْكُ حتى يَمُوتَ، وأنْ لا يُشْغِلَهُ عَنْ حَجّ ولا عُمْرةٍ، ولا جهادٍ في سبيل الله، ولا صَلاةٍ مكْتوبَةٍ في جَماعَةٍ. قال: فما مَسَّ إنْسانٌ جَسَده إلا وجَد حَرَّها حتَّى ماتَ.
رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" (3).
(
الوَعْك): الحمى.

3434 - (41) [
حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
صُداعُ المؤْمن، أو شوكة يُشاكُها، أو شَيءٌ يُؤْذيه؛ يَرْفَعُه الله بها يومَ
__________
(1)
قلت: واللفظ له، والزيادات منه وتصحيح بعض الأخطاء.
(2)
يعني أُبيّ بن كعب كما صرحت رواية ابن أبي الدنيا في "الكفارات" (ق 66/ 2).
(3)
قلت: وثبت إسناده الحافظ في ترجمة (أُبيّ) من "الإصابة"، وحسن إسناد شاهده الآتي بعد عشرة أحاديث. انظر طبعة البجاوي منه.

(3/341)


القِيامةِ درجةً، وُيكَفِّر عنه بِها ذُنوبَهُ".
رواه ابن أبي الدنيا، ورواته ثقات.

3435 - (42) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الله لَيَبْتَلي عبْدَه بالسِّقَمِ حتى يُكَفِّرَ ذلك عنه كلُّ ذَنْبٍ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".

3436 - (43) [
صحيح] وعن أبي أُمامة الباهِليِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ عبد يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرضٍ؛ إلا بعَثَهُ الله مِنْها طاهِراً".
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.

3437 - (44) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلَ على أمِّ السائِب -أو أمِّ المسيِّب- فقال:
"
ما لَكِ تُزَفْزِفينَ؟ ".
قالَت: الحُمَّى؛ لا باركَ الله فيها، فقال:
"
لا تَسُبِّي الحُمَّى؛ فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَم؛ كما يُذْهِبُ الكيرُ خَبَث الحَديدِ".
رواه مسلم.
(
تزفزفين) روي براءين وبزاءين، ومعناهما متقارب، وهو الرعدة التي تحصل للمحموم.

3438 - (45) [
صحيح] وعن أمِّ العلاء رضي الله عنه قالتْ:
عادَني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا مريضَةٌ، فقال:
"
أبْشِري يا أمَّ العَلاءِ! فإنَّ مَرضَ المسْلِم يُذهِبُ الله بِه خَطاياه؛ كما

(3/342)


تُذْهِبُ النارُ خَبَث [الذّهَبِ و] الفِضَّةِ". (1)
رواه أبو داود. [مضى قبل عشرة أحاديث].

3439 - (46) [
حسن صحيح] وعن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّما مثَلُ العَبْدِ المؤْمِنِ حين يُصيبُه الوَعْكُ والحُمّى؛ كحديدَةٍ تدْخُلُ النارَ، فَيذْهَبُ خَبثُها ويَبْقَى طِيبُها".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3440 - (47) [
صحيح لغيره] وعن فاطمة الخزاعية (2) قالتْ:
عادَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرأَةً مِنَ الأنْصارِ وهي وَجِعَةٌ، فقال لها:
"
كيفَ تَجِدينَكِ؟ ".
قالتْ: بخَيْرٍ، إلا أنَّ أُمَّ مِلْدَمٍ قد بَرَّحَتْ بي (3). فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اصْبِري؛ فإنَّها تُذْهِبُ خَبَثَ ابْنِ آدَم؛ كما يُذْهِبُ الكيرُ خَبثَ الحَديدِ".
رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح".

3441 - (48) [
حسن] وعنه [يعني الحسن البصري] قال:
"
كانوا يَرْجونَ في حُمَّى ليلَةٍ كفَّارةً لِما مَضى مِنَ الذُّنوبِ".
رواه ابن أبي الدنيا أيضاً، ورواته ثقات.
__________
(1)
هذا لفظ أبي داود، ولفظ الطبراني في "الكبير" (25/ 141/ 340): "خبث الحديد". ولعله أصح.
(2)
قلت: فاطمة هذه ليست صحابية، ولا هي من رواة "الصحيح"، فقول المؤلف والهيثمي: "ورواته رواة الصحيح" يوهم أنها صحابية فتنبه، ولا تكن من الغافلين! كما فعل الثلاثة، فإنهم سكتوا عن قول المذكورين، بل وقالوا: حسن!
(3)
أي: الحمى أصابني منها (البُرحاء): وهو شدتها.

(3/343)


3442 - (49) [
صحيح] وعن جابرٍ رضيَ الله عنه قال:
اسْتَأْذَنَتِ الحُمَّى على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
مَنْ هذه؟ ".
قالَتْ: أَمُّ مِلْدَمٍ، فأَمر بِها إلى أَهْلِ قُبا، فَلَقُوا منها ما يَعْلَمُ الله، فأتَوْهُ فشَكَوْا ذلك إلَيْهِ، فقال:
"
ما شِئْتُمْ؛ إنْ شِئْتُم دَعَوْتُ الله فكشَفَها عنْكُم، وإنْ شِئْتُم أنْ تكونَ لَكُمْ طَهوراً".
قالوا:
أوَ تَفْعَلُه؟ قال:
"
نَعَمْ". قالوا: فدَعْها.
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه".

3443 - (50) [
صحيح] ورواه الطبراني بنحوه من حديث سلمان، وقال فيه:
فشَكُو الحُمَّى إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
ما شِئْتُم، إنْ شِئْتُم دَعْوتُ الله فَدفَعها عنْكُمْ، وإنْ شِئْتُم تركْتُموها وأسْقِطَتْ بَقيَّة ذنوبكُمْ".
قالوا: فدَعْها يا رسولَ الله!

3444 - (51) [
حسن لغيره] وعن محمد بن معاذ بن أُبيّ بن كعبٍ عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله! ما جَزاءُ الحُمّى؟ قال:
"
يُجْزِي الحَسنَاتِ على صاحِبها ما اخْتَلجَ عليه قدَمٌ، أو ضَرَب عليه عِرْقٌ".
قال أبيٌّ: اللهُمَّ إنّي أسْأَلُك حُمّىً لا تَمْنَعُني خُروجاً في سبيلِكَ، ولا

(3/344)


خُروجاً إلى بَيْتِكَ، ولا مَسْجدِ نبِيِّك.
قال: فلَمْ يُمَسَّ أُبيٌّ قَطُّ إلا وِبه حُمَّى.
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وسنده لا بأس به، محمد وأبوه ذكرهما ابن حبان في "الثقات". وتقدم حديث أبي سعيدٍ بقصة أُبَيّ أيضاً [قبل عشرة أحاديث].

3445 - (52) [
صحيح لغيره] وعن أبي رَيْحانَة رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الحُمّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ، وهيَ نَصيبُ المؤْمِنِ مِنَ النارِ".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني؛ كلاهما من رواية شهر بن حوشب عنه.

3446 - (53) [
صحيح لغيره] وعن أبي أمامَةَ رضيَ الله عنه عَنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الحمَّى كِيرٌ مِنْ جهَنَّم، فما أصابَ المؤْمِنَ منها؛ كان حظُّه مِنْ جَهنَّمَ".
رواه أحمد بإسناد لا بأس به.

3447 - (54) [
صحيح لغيره] وعن عائشة رضيَ الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
الحُمَّى حَظُّ كلِّ مؤْمِنٍ مِنَ النَارِ".
رواه البزار بإسناد حسن.

فصل
3448 - (55) [
صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: إذا ابْتَليْتُ عبدي بحَبيبَتَيْهِ فصَبر؛ عَوَّضْتُه مِنْهُما الجنَّةَ. يريدُ عَيْنَيْهِ".
رواه البخاري، والترمذي ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقولُ الله عزَّ وجلَّ: إذا أخَذْتُ كريمَتَيْ عَبْدي في الدنْيا؛ لَمْ يَكُنْ له

(3/345)


جَزاءٌ عندي إلا الجَنَّةَ".

3449 - (56) [
صحيح لغيره] وفي روايةٍ له (1):
"
مَنْ أذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْه فصَبر واحْتَسب؛ لَمْ أرْضَ له ثَواباً دونَ الجنَّةِ".

3450 - (57) [
حسن لغيره] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يعني عن ربِّه تبارك وتعال؛ أنَّه قال:
"
إذا سلَبْتُ مِنْ عبدي كريمَتَيْهِ، وهو بهما ضَنِينٌ، لَمْ أرْضَ له ثواباً دونَ الجنَّة إذا هو حَمِدَني علَيْهِما".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3451 - (58) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا يَذْهَبُ الله بحَبِيبتَيْ عبدٍ فيَصْبِرُ ويحْتَسِبُ؛ إلا أدْخَلَهُ الله الجنَّةَ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3452 - (59) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقول الله: إذا أخذتُ كريمتَيْ عبدي فصبَر واحْتَسب؛ لَمْ أرْضَ له ثواباً دونَ الجنَّةِ".
رواه أبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
يعني الترمذي عن أنس، وهذا من أوهامه رحمه الله، فإن هذه الرواية إنما هي عنده (رقم - 2403) من حديث أبي هريرة، وصححه، أورده عقب حديث أنس الذي قبلها وحسنه؛ لأن طريقه غير طريق رواية البخاري، لكن له شاهد حسن عن أبي أمامة، وآخر عن ابن عباس يأتي بعد حديث، ونحوه حديث العرباض الذي عقبه.

(3/346)


4 - (
الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده).
3453 - (1) [
صحيح] عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه:
أنَّه شكا إلى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجعاً يجِدُه في جَسدِه منذ أسْلَم، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ضَعْ يدكَ على الذي تألم مِنْ جَسدِك وقل: (بِسْمِ الله) ثلاثاً، وقُلْ سبع مراتٍ: (أعوذُ بالله وقدْرَتِه مِنْ شرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ) ".
رواه مالك والبخاري (1) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وعند مالك:
"
أعوذُ بِعزَّةِ الله وقُدْرَتِه مِنْ شرِّ ما أجِدُ".
قال: فَفَعلْتُ ذلك فأَذْهَبَ الله ما كان بي، فلَمْ أزَلْ آمُر بها أهْلي وغيرهم.
وعند الترمذي وأبي داود مثل ذلك، وقالا في أول حديثهما:
أتاني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبي وجَعٌ قد كاد يُهْلِكُني، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
امْسَحْ بِيَمينِك سَبْعَ مرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْ: (بعزَّةِ الله وقُدْرَتِه) " الحديث.

3454 - (2) [
حسن لغيره] وعن محمد بن سالمٍ قال:
قال لي ثابت البُنَاني: يا محمد! إذا اشْتَكَيْتَ فضَعْ يَدك حيثُ تَشْتَكي، ثُمَّ قُلْ: (بِسْمِ الله، أعوذُ بِعزَّةِ الله وقُدرَتِه، مِنْ شرِّ ما أجِدُ مِنْ وجَعي هذا)؛ ثُمَّ ارْفَعْ يَدك، ثُمَّ أَعِدْ ذلك وِتْراً؛ فإنَّ أنسَ بْنَ مالكٍ حدَّثني: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدَّثَه بذلك.
رواه الترمذي.
__________
(1)
ذِكْر البخاري هنا لعله سبق قلم من المؤلف أو الناسخ فإنه لم يروه البتة، ولذلك لم يعزه إليه المصنفَ نفسه في "مختصر السنن"، كما نبه عليه الناجي رحمه الله.

(3/347)


5 - (
الترهيب من تعليق التمائم والحروز).
3455 - (1) [
صحيح] وعن عقبة [يعني ابن عامر] أيضاً:
أنَّه جاءَ في ركْبِ عَشْرَةٍ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايع تِسْعَةً، وأمسكَ عَنْ رجلٍ منهم، فقالوا: ما شَأْنُه؟ فقال:
"
إنَّ في عَضُدِه تَميمَةً"، فقطَّعَ الرجُلُ التَّميمَةَ، فبايَعهُ، رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قال:
"
مَنْ عَلَّقَ فقد أَشْرَكَ".
رواه أحمد، والحاكم واللفظ له، ورواة أحمد ثقات.
(
التميمة) يقال: إنها خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها تدفع عنهم الآفات، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا الله، ولا دافع غيره. ذكره الخطابي.

3456 - (2) [
حسن لغيره] وعن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (1) قال:
دخلتُ على عبد الله بن عُكَيْمٍ [أبي معبد الجهني نعوده] وبه حُمْرةٌ (2)، فقلتُ: ألا تُعَلِّقُ شيئاً؟ (3).
فقال: الموت أقرب مِنْ ذلك، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ تعَلَّقَ شيئاً وُكِلَ إلَيْهِ".
__________
(1)
الأصل ومطبوعة الثلاثة: (عيسى بن حمزة)، والتصويب من الترمذي وكتب الرجال، وعزوه لأبي داود وهم كما بينته في "غاية المرام في تخريج الحلال والحرام" (297)، وذكرت له فيه شاهداً من حديث الحسن البصري، وقد وصله بعض الضعفاء عن أبي هريرة مرفوعاً بأتم منه، وقد مضى في الكتاب الآخر (23 - الأدب/ 32).
(2)
هي داء من جنس الطواعين يعتري الناس، فيحمر موضعه ويرم.
(3)
الأصل: (تميمة)، وهو خطأ صححته من الترمذي، والطبراني (22/ 385 / 960)، وفي الأصل أيضاً: (نعوذ بالله من ذلك)، ولم أره، والمثبت من الترمذي.

(3/348)


رواه أبو داود، والترمذي؛ إلا أنَّه قال:
فقلْنا: ألا تُعلِّقُ شَيْئاً؟ فقال: الموتُ أقْربُ مِنْ ذلك.
وقال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى".
قال أبو سليمان الخطابي:
"
والمنهي عنه من الرقى ما كان بغير لسان العرب، فلا يدرى ما هو؟ ولعله قد يدخله سحر أو كفر، فأما إذا كان مفهومَ المعنى، وكان فيه ذكر الله تعالى، فإنه مستحب متبّرك به. والله أعلم".

3457 - (3) [
صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه:
أنَّه دخَل على امْرأَتِه وفي عُنقِها شيءٌ مَعْقودٌ، فجذَبَهُ فقَطَّعه، ثم قال: لقد أصْبَح آلُ عبدِ الله أَغْنياء أنْ يُشرِكوا بالله ما لَمْ يُنزِّل بِهِ سُلْطاناً، ثم قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّ الرُّقى والتَّمائِمَ والتِّولَةَ شِرْكٌ".
قالوا: يا أبا عبدِ الرحمن! هذه الرُّقَى والتمائم قد عَرْفناهُما؛ فما (التِّوَلَة)؟
قال: شيءٌ تَصْنَعُه النِساءُ يتَحبَّبْن إلى أزْواجِهِنَّ.
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم باختصار عنه وقال:
"
صحيح الإسناد". (1)
__________
(1)
قلت: قد حققت صحته في "الصحيحة" (2972)، كما حققت ضعف رواية أخرى مطولة هي في الأصل قبل هذه، فكانت من حصة "ضعيف الترغيب"، وأما الثلاثة الجهلة، فسووا بين الروايتين، فقالوا في كل منهما: "حسن بشواهده"! رغم أن هذه صححها ابن حبان والحاكم، والذهبي أيضاً، كما أن الرواية الأخرى أعلها المؤلف بالجهالة، فحسنوها خبط عشواء (خبط لزق) كما يقولون في سوريا!

(3/349)


(
التِّوَلَةُ) بكسر المثناة فوق وبفتح الواو: شيء شبيه بالسحر أو من أنواعه، تفعله المرأة ليحبّبها إلى زوجها.

3458 - (4) [
صحيح موقوف] وعن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ:
ليسَ التميمَةُ ما يُعلَّقُ به بعدَ البَلاءِ، إنَّما التميمَةُ ما يُعَلَّقُ به قَبْلَ البَلاءِ.
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

(3/350)


6 - (
الترغيب في الحجامة، ومتى يحتجم).
3459 - (1) [
صحيح] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنْ كانَ في شيء مِنْ أدْوِيَتِكُم خيرٌ؛ ففي شَرْطَةِ مِحْجَم (1)، أوْ شَرْبةٍ مِنْ عَسلٍ، أو لَذعَةٍ (2) بنارٍ، وما أُحِبُّ أنْ أَكتَوِيَ".
رواه البخاري ومسلم.

3460 - (2) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنْ كانَ في شيْءٍ مما تداوَيْتُم به خيرٌ فالحجَامةُ".
رواه أبو داود وابن ماجه.

3461 - (3) [
حسن] وعن سَلْمى خادِمِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَتْ:
ما كانَ أحَدٌ يَشْتَكي إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجَعاً في رأسِه إلا قال:
"
احْتَجِمْ".
ولا وَجعاً في رِجْلَيْه إلا قال:
"
اخضُبْهُما".
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال:
__________
(1)
في "النهاية": "بالكسر؛ الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المصّ. و (المحجم) أيضاً مشرط الحجام".
قلت: ومن الظاهر أن الثاني هو المراد هنا.
(2)
بالذال المعجمة والعين المهملة، وقع في طبعة عمارة: (لدغة) بالمهملة ثم المعجمة! واللدغ إنما هو للحية، لا للنار.

(3/351)


"
حديث غريب، إنما نعرفه من حديث فائد".
(
قال الحافظ): "إسناده غريب". (1)
(
فائد) هو مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع، يأتي الكلام عليه وعلى شيخه عبد الله بن علي. [يعني في آخر كتابه].

3462 - (4) [
صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
حَدَّثَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ليلة أُسْرِيَ به أنَّه:
"
لَمْ يَمُرَّ على مَلأٍ مِنَ الملائكَةِ إلا أَمروه: أنْ مُرْ أُمَّتكَ بالْحِجَامَةِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".
(
قال الحافظ): "عبد الرحمن لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود، وقيل: سمع".

3463 - (5) [
صحيح لغيره] وقال [يعني ابن عباس]:
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيثُ عُرِجَ به ما مَرَّ على مَلأ مِنَ الملائِكَةِ إلا قالوا: علَيْكَ بالحِجامَةِ. وقال:
"
إنَّ خَيْرَ ما تَحْتَجِمون فيه يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَة، ويومَ تِسْعَ عَشْرَة، ويومَ إحْدى وعِشْرينَ".
رواه الترمذي وقال:
"
حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور. يعني الناجيَّ".
وروى ابن ماجه منه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي بمَلأٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلا كُلُّهم يقولُ لي: عليْكَ يا مُحَمَّد بِالْحِجَامَةِ".
__________
(1)
قلت: بل هو حسن، وبيانه في "الصحيحة" (2059).

(3/352)


ورواه الحاكم بتمامه مفرقاً في ثلاثة أحاديث، وقال في كل منها: "صحيح الإسناد".

3464 - (6) [
حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
"
كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَجِمُ في الأخْدَعَيْنِ والكاهِلِ، وكان يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرةَ وتِسْعَ عَشْرةَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".
وأبو داود، ولفظه:
"
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجم ثَلاثاً في الأخْدَعيْنِ والكاهِل".
قال معمر: احْتَجْمتُ، فذهَب عَقلي حتى كنْتُ أُلقِّنُ فاتِحةَ الكتابِ في صَلاتي. وكانَ احْتَجمَ على هامَتِه.
(
الهامة): الرأس.
و (الأخدع) بخاء معجمة ودال وعين مهملتين؛ قال أهل اللغة: "هو عرق في سالفة العنق (1) ".
و (الكاهل): ما بين الكتفين.

3465 - (7) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنِ احْتَجم لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الشهْرِ كان لَه شفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".
ورواه أبو داود أطول منه قال:
"
مَنِ احْتَجم لِسبعَ عَشْرةَ وتِسْعَ عَشْرةَ وإحدى وعِشرينَ كان شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ".
__________
(1) (
السالفة): جانب العنق، وهما سالفتان، وهما عرقان باطنان غير ظاهرين.

(3/353)


3466 - (8) [
حسن لغيره] وعن نافع؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما قال له:
يا نافعُ! تَبَيَّغَ بيَ الدمُ فالْتَمِسْ لي حجَّاماً، واجْعَلْهُ رَفيقاً إنِ اسْتَطعْتَ، ولا تَجْعَلْة شَيْخاً كبيراً، ولا صبِيّاً صغيراً، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الحِجامَةٌ على الريِّقِ أمْثَل، وفيها شفاءٌ وبَركَةٌ، وتَزيدُ في العَقْل وفي الحِفْظِ، واحْتَجِموا على بَركةِ الله يومَ الخميسِ، واجْتَنِبوا الحِجَامة يومَ الأرِبْعاءِ والجُمُعَةِ والسبْتِ والأحَدِ تحرِّياً، واحْتَجِموا يومَ الاثْنَيْنِ والثُّلاثَاءِ؛ فإنَّه اليومُ الذي عافى الله فيه أيّوبَ، وضربَه بالبَلاءِ يومَ الأربعاءِ، فإنَّه لا يَبْدو جُذَامٌ ولا بَرَصٌ إلا يومَ الأربعاءِ، وليلةَ الأرِبْعاءِ".
رواه ابن ماجه عن سعيد بن ميمون -ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل- عن نافع.
وعن الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن نافع. ويأتي الكلام على الحسن ومحمد.
ورواه الحاكم عن عبد الله بن صالح: حدثنا عطاف بن خالد عن نافع.
(
قال الحافظ):
"
عبد الله بن صالح هذا كاتب الليث، أخرج له البخاري في "صحيحه"، واختلف فيه، وفي عطاف، ويأتي الكلام عليهما". [يعني في آخر كتابه].
(
تبيّغ به الدم): إذا غلبه حتى يقهره. وقيل: إذا تردد فيه مرة إلى هنا، ومرة إلى هنا فلم يجد مخرجاً، وهو بمثناة فوق مفتوحة ثم موحدة ثم مثناة تحت مشدّدة ثم غين معجمة.

(3/354)


7 - (
الترغيب في عيادة المرضى وتأكيدها، والترغيب في دعاء المريض).

3467 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حقُّ المسْلمِ على المسلمِ خمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادَةُ المريضِ، واتِّباعُ الجَنائز، وإجابَةُ الدعْوةِ، وتشْميتُ العاطِسِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه.
[
صحيح] وفي رواية لمسلم:
"
حقُّ المسلم على المسْلم سِتٌّ".
قيلَ: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال:
"
إذا لَقِيتَهُ فسلمْ عليه، وإذا دَعاك فأجبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحكَ فانصَحْ له، وإذا عَطسَ فحمِدَ الله فشمِّتْهُ (1)، وإذا مرِضَ فعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ".
ورواه الترمذي والنسائي بنحو هذا. [مضى 23 - الأدب/ 5].

3468 - (2) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَم! مرِضْتُ فلَمْ تَعُدْني (2).
قال: يا ربِّ! كيفَ أعودُك وأنْتَ ربُّ العالمَينَ؟ قال: أما علِمْتَ أنَّ عبْدي فلاناً مرِضَ فلَمْ تَعُدْه؟ أما عَلِمْتَ أنَّك لوْ عُدْتَهُ لوجَدْتَني عنده؟
يا ابْنَ آدَم! اسْتَطْعَمْتُكَ فلم تُطْعِمني. قال: يا ربِّ! وكيفَ أُطْعِمُكَ
__________
(1)
وفي رواية للبخاري: "فحق على كل مسلم سمعه أن يشمِّتهُ". انظر "فتح الباري" (10/ 550). وهذا نص في أن التشميت ليس من فروض الكفاية، بل هو فرض عين على كل من سمع حَمْدَه.
(2)
أضاف المرض إليه، والمراد العبد تشريفاً له وتقريباً. كما تقدم هناك.

(3/355)


وأنتَ ربُّ العالَمينَ؟ قال: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعمَك عَبدي فلانٌ فَلمْ تُطْعِمْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أَطْعَمْتَهُ لوَجْدتَ ذلك عِنْدي؟
يا ابْنَ آدَم! اسْتَسْقَيتُكَ فلَمْ تَسْقِني. قال: يا ربِّ! وكيفَ أَسْقيكَ وأنْتَ ربُّ العَالمين؟ قال: اسْتَسْقاكَ عَبْدي فلانٌ فلَمْ تَسْقِه، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذلك عندي".
رواه مسلم. [مضى 8 - الصدقات/ 17].

3469 - (3) [
حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عودوا المريضَ، واتَّبِعوا الجنائِزَ تُذَكِّركُمُ الآخِرَةَ".
رواه أحمد والبزار وابن حبان في "صحيحه".

3470 - (4) [
صحيح] وعنه؛ أنَّه سمِعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
خَمْسٌ مَنْ عمِلَهُنَّ في يومٍ كتبَهُ الله مِنْ أهلِ الجنَّةِ: مَنْ عادَ مريضاً، وشهِدَ جنازةً، وصامَ يوماً، وراحَ إلى الجُمعَةِ، وأعْتَق رقَبةً".
رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 7 - الجمعة/ 1].

3471 - (5) [
صحيح] وعن معاذ بْنِ جبلٍ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
خمْسٌ مَنْ فَعل واحدةً مِنْهُنَّ كان ضامِناً على الله عزَّ وجلَّ: مَنْ عادَ مريضاً، أو خَرج معَ جَنازَةٍ، أوْ خَرج غازِياً، أوْ دخَل على إِمامٍ يريدُ تَعْزيرَه وتوْقيرَه، أو قعَد في بَيْتِه فسَلِمَ الناسُ مِنْهُ وسَلِمَ مِنَ الناسِ".
رواه أحمد والطبراني -واللفظ له-، وأبو يعلى وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 6].

(3/356)


3472 - (6) [
صحيح] وروى أبو داود نحوه من حديث أبي أمامة. وتقدم في "الأذكار".
[
ج 2/ 14/ 14].

3473 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أصْبَح منكمُ اليومَ صائماً؟ ".
فقال أبو بكْرٍ: أنا. فقال:
"
مَنْ أطْعَم منكمُ اليومَ مسكيناً؟ ".
فقال أبو بكْرٍ: أنا. فقال:
"
مَنْ تَبعَ منكمُ اليومَ جَنازَةً؟ ".
قال أبو بكْرٍ: أنا. قال:
"
مَنْ عادَ منكم اليومَ مَريضاً؟ ".
قال أبو بكْرٍ: أنا. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما اجْتَمعتْ هذه الخِصالُ قَطُّ في رجلٍ [في يوم] (1) إلا دخَل الجَنَّةَ".
رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى 8 - الصدقات/ 17] (2).

3474 - (8) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ عاد مريضاً؛ ناداه منادٍ منَ السماءِ: طِبْتَ وطابَ مَمْشاكَ، وتَبوَّأْتَ مِنَ الجنَّةِ مَنْزِلاً".
رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من
__________
(1)
زيادة من "الأدب المفرد" للبخاري ومعناها في "صحيح مسلم".
(2)
قلت: وقد علقت هناك أنه رواه مسلم أيضاً، وأنه نبه عليه الناجي، وقد تعقبه هنا أيضاً (217/ 2) متعجباً من اقتصاره على ابن خزيمة وهو في مسلم، وقال: "ووقع له مثله في "إطعام الطعام"، ونبهت عليه هناك. وكذا ذكره في "تشييع الميت"، ولم يتنبه". يعني فيما يأتي (13 - باب).

(3/357)


طريق أبي سنان -وهو عيسى بن سنان القَسْملي- عن عثمان بن أبي سودة عنه.
[
حسن لغيره] ولفظ ابن حبان عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا عادَ الرجلُ أخاه أو زارَه قالَ الله تعالى: طِبْتَ وطابَ مَمْشَاكَ، وتبوَّأْتَ مَنْزِلاً في الجنَّةِ".

3475 - (9) [
صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ المْسلِمَ إذا عادَ أخاه المسْلِمَ لَمْ يَزلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ حتى يرجعَ".
قيلَ: يا رسولَ الله! وما خرْفَة الجَنَّةِ؟ قال:
"
جَناها".
رواه أحمد، ومسلم -واللفظ له-، والترمذي.
(
خُرْفَةُ الجَنَّةِ) بضم الخاء المعجمة وبعدها راء ساكنة: هو ما يُخْتَرف من نخلها؛ أي يُجتنَى.

3476 - (10) [
صحيح] وعن عليّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ مسلم يعودُ مسلِماً غَدوةً؛ إلا صلّى (1) عليه سَبْعون ألفَ ملَكٍ حتى يُمْسِيَ، وإنْ عادَ عَشِيَّةً؛ إلا صَلّى عليهِ سَبْعون ألْفَ ملَكٍ حتى يُصْبِحَ، وكانَ له خَريفٌ (2) في الجَنَّةِ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب، وقد رُوي عن علي موقوفاً" انتهى.
ورواه أبو داود موقوفاً على عليّ، ثم قال:
"
وأُسنِدَ هذا عن علي مِنْ غير وجه صحيح عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
__________
(1)
أي: دعا وبَرَّك.
(2)
أي: مخروف من ثمرها، فعيل بمعنى مفعول.

(3/358)


ثم رواه مسنداً بمعناه.
[
صحيح موقوف] ولفظ الموقوف:
ما مِنْ رجلٍ يعودُ مريضاً مُمْسياً إلا خرَج معه سَبْعون ألفَ ملَكٍ يَسْتَغفِرونَ له حتى يُصْبِحَ، وكان له خريفٌ في الجنَّةِ، ومَنْ أتاه مُصْبِحاً خَرج معه سَبْعُون ألفَ مَلَكٍ يسْتَغْفِرونَ لَه حتى يُمْسِيَ، وكانَ له خريفٌ في الجَنَّةِ.
[
صحيح] ورواه بنحو هذا أحمد وابن ماجه مرفوعاً، وزادا في أوله:
"
إذا عادَ المسْلِمُ أخاه مَشى في خرافَةِ الجَنَّةِ حتى يجلِسَ، فإذا جلَس غَمرتْهُ الرحْمَةُ" الحديث. وليس عندهما " وكان له خريف في الجنة".
[
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مرفوعاً أيضاً، ولفظه:
"
ما مِنْ [امرئ] مسْلِمٍ يعوُد مسْلِماً؛ إلا ابتَعَثَ الله إليه سَبْعين ألفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عليه، في أيِّ ساعاتِ النَّهارِ حتى يُمْسِيَ، وفي أيِّ ساعاتِ اللَّيْلِ حتى يُصْبِحَ".
ورواه الحاكم مرفوعاً بنحو الترمذي وقال:
"
صحيح على شرطهما".
قوله: (في خِرافة الجنة) بكسر الخاء، أي: في اجتناء ثمر الجنة، يقال: خَرَفْتُ النخلة أخرفها، فشبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب، بما يحوزه المخترف من الثمر. هذا قول ابن الأنباري.

3477 - (11) [
صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال وسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ عادَ مريضاً لَمْ يَزلْ يخوضُ في الرحْمَةِ حتى يَجْلِسَ؛ فإذا جلَس اغْتَمسَ فيها".

(3/359)


رواه مالك بلاغاً، وأحمد، ورواته رواة "الصحيح"، والبزار، وابن حبان في "صحيحه".

3478 - (12) [
صحيح لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بنحوه. ورواته ثقات.

3479 - (13) [
صحيح] وعن كعْبِ بْنِ مالكٍ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ عادَ مريضاً خاضَ في الرحْمَةِ، فإذا جلَس عندَهُ اسْتَنْقَع فيها".
رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". (1)
__________
(1)
في الأصل هنا قوله: (ورواه فيهما أيضاً من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، وزاد فيه: "فإذا قام من عنده، فلا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج". وإسناده إلى الحسن أقرب).
قلت: فيه ضعف وانقطاع، ولذلك حذفته.

(3/360)


8 - (
الترغيب في كلماتٍ يُدعى بهن للمريض، وكلمات يقولهن المريضُ).
3480 - (1) [
صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ عادَ مريضاً لَمْ يحضُرْ أجلُه فقال عنده سبْعَ مراتٍ: (أسأَلُ الله العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أنْ يَشفِيَك)؛ إلاَّ عافاه الله مِنْ ذلك المرضِ".
رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط البخاري".
(
قال الحافظ):
"
فيما دعا به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمريض، أو أمر به أحاديث مشهورة ليست من شرط كتابنا، أضربنا عن ذكرها".

3481 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنهما شهدا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال:
"
مَنْ قال: (لا إله إلا الله والله أكْبَرُ)، صدَّقَهُ ربُّه؛ فقال: لا إله إلا أَنا وأنا أكْبَرُ، وإذا قال: (لا إله إلاَّ الله وَحْدَهُ)، قال: يقولُ الله: لا إله إلا أنا وَحْدي، وإذا قال: (لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شريكَ له)، قال: يقولُ: صدَقَ عبْدي، لا إله إلاَّ أنَا وَحْدي لا شريكَ لي، وإذا قالَ: (لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لَه، لَهُ الملْكُ، ولَهُ الحَمْدُ)، قال: يقول: لا إله إلا أنا، ليَ المُلْكُ وليَ الحَمْدُ، وإذا قال: (لا إله إلا الله، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله)، قال: لا إله إلاّ أنا ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بي". وكان يقول:

(3/361)


"
مَنْ قالَها في مَرضِهَ ثُمَّ ماتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النارُ".
رواه الترمذي (1) وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم.
[
صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي (2) عن أبي هريرة وحده مرفوعاً:
"
مَنْ قالَ: (لا إله إلا الله والله أكْبَرُ، لا إله إلا الله وحدَهُ، لا إله إلا الله ولا شريك له، لا إله إلا الله لَهُ الملْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، لا إله إلا الله، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله) -يَعْقِدُهُنَّ خَمْساً بأصابِعهِ"- ثم قال:
"
مَنْ قالَهُنَّ في يومٍ أوْ في ليلَةٍ، أوْ في شَهْرٍ؛ ثُمَّ ماتَ في ذلك اليومِ أو في تلكَ الليلَةِ أوْ في ذلكَ الشهرِ غُفِرَ له ذَنْبُه".
__________
(1)
قلت: رواه مرفوعاً وموقوفاً، وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع كما هو ظاهر، وهو مخرج في "الصحيحة" (1390).
(2)
يعني في "عمل اليوم" كما قيده الناجي في "العجالة" (219/ 1)، وأفاد أن قول المؤلف (مرفوعاً) وهم، وأن الصواب أن يقال موقوفاً.
قلت: وأظنه قد وهم، والتبس عليه برواية بأخرى، أما هذه فقد جاء فيها الرفع صراحة، بلفظ (150/ 26): ". . عن أبي هريرة يرفع الحديث إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من قال .. " الحديث، وكذا هو في "السنن الكبرى" (6/ 12/ 9857). وأما الرواية الأخرى الموقوفة، فهي عنده بعد روايتين من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن الأغرّ عن أبي هريرة. . نحوه موقوفاً، وإسناده إسناد الترمذي الموقوف.

(3/362)


9 - (
الترغيب في الوصية والعدل فيها، والترهيب من تركها أو المضارة فيها (1)، وما جاء فيمن يعتق ويتصدق عند الموت).
3482 - (1) [
صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما حقُّ امْرئٍ، مسلم لَه شيْءٌ (2) يوصي فيه يَبيتُ لَيْلَتيْنِ، -وفي رواية: ثلاث ليالٍ- إلا ووَصِيَّتِّه مكْتوبَةٌ عنده".
قال نافع: سمعتُ عبدَ الله بنَ عُمرَ يقول:
ما مرَّتْ عليَّ ليلَةٌ منذُ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ ذلك إلا وعندي وصِيَّتي مكْتوبَةٌ. (3)
رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

3483 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أيُّ الصدَقَةِ أعْظَمُ أجْراً؟ قال:
"
أنْ تَصَّدَّقَ وأنتَ صحيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشى الفَقْرَ وتأَمَلُ الغِنى، ولا تُمهِلُ حتى إذا بَلَغْتَ الحُلْقومَ، قلْتَ: لِفُلانٍ كذا، ولِفلانٍ كَذا، وقدْ كان لِفُلانٍ (4) ".
[
صحيح] رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وأبو داود؛ إلا أنه قال:
"
أن تصَّدَّق وأنتَ صحيحٌ حريصٌ، تأملُ البقاءَ، وتخشى الفقر".
__________
(1)
انظر حديثه في "الضعيف".
(2)
زاد مسلم (5/ 70) في رواية: "يريد أن"، والرواية التالية له.
(3)
هذه الزيادة هي أولاً من أفراد مسلم عن البخاري، وهي ثانياً ليست من رواية نافع عنده، وإنما من رواية سالم عن أبيه، وكذلك رواه النسائي (2 - محور 125) وأحمد (2/ 4).
(4)
هنا في الأصل زيادة: (كذا)، ولا أصل لها عند أحد مخرجيه، وغفل عنها مدعو التحقيق كعادتهم.

(3/363)


10 - (
الترهيب من كراهية الإنسان الموت، والترغيب في تلقِّيه بالرضا والسرور إذا نزل حباً للقاء الله عز وجل).
3484 - (1) [
صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لِقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقاءَ الله كَرِهَ الله لقاءَهُ".
فقلت: يا نبيَّ الله! أكَراهِيَةُ الموْتِ؟ فكلُّنا يكْرَهُ الموْتَ. قال:
"
ليسَ ذلِكَ، ولكنَّ المؤْمنَ إذا بُشِّرَ برحْمَةِ الله ورضْوانِه وجنَّتِه أحَبَّ لِقاءَ الله، فأحبَّ الله لقاءَهُ، إنَّ الكافِرَ إذا بُشِّرَ بعذَابِ الله وسَخَطِه كَرِهَ لِقاءَ الله، وكَرِهَ الله لِقاءَهُ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

3485 - (2) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أَحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ الله لِقاءَهُ".
قلنا: يا رسولَ الله! كلُّنا يكْرَهُ الموْتَ؟ قال:
"
ليسَ ذلك كراهِيَةُ الموْتِ، ولكنَّ المؤْمِنَ إذا حُضِرَ جاءَهُ البَشيرُ مِنَ الله، فليسَ شيْءٌ أحَبَّ إليهِ مِنْ أنْ يكونَ قد لَقِيَ الله فأحَبَّ الله لِقاءَهُ، وإنَّ الفاجِرَ أوِ الكافِرَ إذا حُضِرَ جاءَهُ ما هو صائِرٌ إليهِ مِنَ الشَّرِّ، أو ما يَلْقَى مِنَ الشرِّ، فكَرِه لقاءَ الله، فكَرِهَ الله لِقاءَهُ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، والنسائي (1) بإسناد جيد؛ إلا أنه قال:
قيل: يا رسولَ الله! وما مِنَّا أحدٌ إلا يكْرَهُ الموتَ؟ قال:
__________
(1)
يعني في "الرقائق" من "السنن الكبرى" كما في "التحفة"، وليس في المطبوع منه "الرقائق" كما تقدم أكثر من مرة.

(3/364)


"
إنَّهُ ليسَ بكراهيَةِ الموْتِ، إن المؤْمِنَ إذا جاءَهُ البُشْرى مِنَ الله عزَّ وجلَّ لَمْ يكُنْ شيْءٌ أحبَّ إليْهِ مِنْ لِقاءِ الله، وكانَ اللهُ للِقائه أحَبَّ، وإنَّ الكافِرَ إذا جاءَهُ ما يكْرَهُ لَمْ يكُنْ شَيْءٌ أكرَه إليه مِنْ لِقاءِ الله، وكانَ الله عزَّ وجلَّ لِلِقائه أكْرهَ".

3486 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني عنِ الله عزَّ وجلَّ:
"
إذا أحبَّ عبْدي لِقائي أحْبَبْتُ لِقاءَهُ، إذا كَرِهَ لِقائي كرِهْتُ لقَاءَهُ.
رواه مالك والبخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي.

3487 - (4) [
صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لِقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ الله لقاءَهُ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

3488 - (5) [
صحيح] وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اللَّهُمَّ مَنْ آمَنْ بِكَ، وشَهِد أَنّي رسولُك؛ فحبِّبْ إليه لِقاءَك، وسَهَّلْ عليه قَضاءَكَ، وأقْلِلْ له مِنَ الدنْيا، ومَنْ لَمْ يُؤمِنْ بِكَ، ولَمْ يشْهَدْ أنِّي رسولُك؛ فلا تُحَبِّبْ إليه لِقاءَكَ، ولا تُسَهِّلْ عليه قضاءَك، وأكْثِرْ لَه مِنَ الدنْيا".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 24/ 5 - الفقر].

(3/365)


11 - (
الترغيب في كلماتٍ يقولهن من مات له ميت).
3489 - (1) [
صحيح] عن أم سلمة رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا حضَرْتُم المريضَ أوِ الميِّتَ فقولوا خيراً، فإنَّ الملائِكَة يُؤمِّنونَ على ما تَقولُونَ".
قالَتْ: فلمَّا ماتَ أبو سلَمة أتَيْتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إنَّ أبا سلَمةَ قد ماتَ، قال:
"
قولي: اللهُمَّ اغْفِرْ لي ولَهُ، وأعْقِبْني مِنهُ عُقْبى (1) حسَنَةً".
فقلتُ ذلك، فأعْقَبني الله مَنْ هو خيرٌ لي مِنْه؛ مُحمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه مسلم هكذا بالشك، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه: "الميت" بلا شك.

3490 - (2) [
صحيح] وعنها قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ عبدٍ تُصيبُه مُصيبَةٌ فيقول: (إنَّا لله وإنَّا إليْهِ راجِعونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْني في مُصيبَتي، وأخْلِفْ لي خيراً مِنْها)؛ إلا آجَرُه الله تعالى في مصيبَتِه وأخْلَفَ له خيراً منها".
قالت: فلمّا ماتَ أبو سلَمة: قلْتُ: أيُّ المسلمينَ خيرٌ مِنْ أبي سلَمة؟ أَوّلُ بَيْتٍ هاجَر إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ إنِّي قلْتُها، فأخْلَف الله لي خيراً منه رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه مسلم وأبو داود والنسائي (2).
__________
(1)
أي: بدلاً صالحاً.
(2)
لم أره في "الصغرى" له، ولا عزاه إليه في "الذخائر"، فالظاهر أنه في "الكبرى" له، وأما أبو داود فرواه مختصراً (3119)، وأما مسلم فرواه برقم (918) بلفظين جعلهما المؤلف سياقاً =

(3/366)


3491 - (3) [
حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا ماتَ ولدُ العبدِ قال الله تعالى لملائكته: قبضتُم ولدَ عبدي؟ فيقولون: نعم، [فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم] (*) فيقولُ: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيتَ الحمد".
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". [مضى ج 2/ 17 - النكاح/ 9 آخره].
__________
=
واحداً! وقد رواه أحمد (6/ 309) بنحوه. ثم رأيت الناجي قد شرح التلفيق المذكور، وصرَّح بأن النسائي إنما رواه في "اليوم والليلة" لا في "السنن" نحوه.
ثم طبعت "السنن الكبرى"، وفيه "عمل اليوم والليلة"، فهو فيه (6/ 264/ 10909) منه.

(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته وقال: «وهو موجود في المنيرية، وموطن سابق، وكذلك في جامع الترمذي وصحيح ابن حبان وغيرهما»

(3/367)


12 - (
الترغيب في حفر القبور وتغسيل الموتى وتكفينهم).
3492 - (1) [
صحيح] و [رواه] الحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، [يعني حديث أبي رافع الذي في "الضعيف" (1)]، ولفظه:
"
مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فكتَم عليه غَفَر الله له أربعين مَرَّةً، ومَنْ كفَّنَ مَيِّتاً كساهُ الله مِنْ سُنْدُسٍ وإسْتَبْرقٍ في الجنَّةِ، ومَنْ حَفَر لِمَيِّتٍ قَبْراً فأجَنَّهُ فيه أجْرى الله لَهُ مِنَ الأَجْرِ كأجرِ مسْكَنٍ أسْكَنُه إلى يوم القِيامَةِ".

3493 - (2). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (2)
__________
(1)
قلت: ولفظه فيه: "أربعين كبيرة"، وهو شاذ، والمحفوظ المثبت أعلاه، واحتفظت بهذا هنا، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 69)، وجعلت ذاك في "الضعيف"، وهو مخرج في "الضعيفة" (6781)، وفيه الرد على من خلط بينهما في التخريج أو في الحكم كالمعلقين الثلاثة.
(2)
تنبيه: حُذف نص هذا الحديث بعدما تبين لي ضعفه أخيراً والكتاب جاهز للطبع.

(3/368)


13 - (
الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه).
3494 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
حقُّ المسْلم على المسْلم سِتٌّ".
قيلَ: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال:
"
إذا لَقيتَهُ فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحك فانْصَحْ له، وإذا عَطِسَ [فحمد الله] (1) فشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعدْهُ، وإذا مات فاتَّبِعْهُ".
رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. [مضى 23 - الأدب/ 5 وهنا 7 - باب].

3495 - (2) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول:
"
المسْلمُ أخو المسْلمِ؛ لا يَظْلِمُه، ولا يَخْذُله"، -ويقول:-
"
والَّذي نَفْسي بيَدِهِ ما توادَّ اثْنانِ فيُفَرَّق بيْنَهما إلا بذَنْبٍ يُحْدِثُه أحَدُهُما". وكان يقول:
"
للمُسْلِم على المسْلمِ سِتٌّ: يُشَمِّتُه إذا عَطسَ، ويعودُه إذا مَرِضَ، وينْصَحُه إذا غَابَ أوْ شَهِدَ، ويُسَلِّمُ عليه إذا لَقِيَهُ، ويُجيبُه إذا دَعاهُ، وَيتَّبِعُه إذا ماتَ".
رواه أحمد بإسناد حسن.

3496 - (3) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
خَمْسٌ مَنْ عَمِلَهُنَّ في يومٍ كتَبهُ الله مِنْ أهْلِ الجنَّةِ: مَنْ عادَ مريضاً، وشهِدَ جَنازةً، وصامَ يوماً، وراحَ إلى الجُمعَةِ، وأعْتَق رقَبةً".
__________
(1)
زيادة من مسلم، ولم يستدركها الثلاثة مع أنها مهمة جداً!! لأن التشميت لا يجب إلا بها، كما في الحديث الثاني أيضاً.

(3/369)


رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 7 - الجمعة/ 1 وهنا/ 7 باب].

3497 - (4) [
صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
عُودوا المَرْضى، واتَّبِعوا الجَنائِزَ؛ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ".
رواه أحمد والبزار، وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم هو وغيره في "العيادة" [هنا/ 7].

3498 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ شهدَ الجَنازَة حتى يُصَلِّى علَيْها، فلهُ قيراطٌ (1)، ومَنْ شَهِدَها حتى تُدْفَنَ فلَهُ قِيراطَانِ".
قيلَ: وما القِيراطَانِ؟ قال:
"
مِثْلُ الجبلَيْنِ العَظيمَيْنِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[
حسن] وفي رواية لمسلم وغيره:
"
أصغرُهما مثلُ أحُد".
[
صحيح] وفي رواية للبخاري:
"
مَنِ اتَّبعَ جَنازَة مسْلمٍ إيماناً واحْتِساباً وكان مَعهُ حتى يُصَلِّى عليها ويُفْرغَ مِنْ دَفْنِها؛ فإنَّه يرْجعُ مِنَ الأجْرِ بقيراطَيْنِ، كلُّ قيراطٍ مثلُ أُحُدٍ، ومَنْ صَلَّى
__________
(1)
في "النهاية": (القيراط): جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين". وفي "المعجم الوسيط": "هو معيار في الوزن وفي القياس اختلفت مقاديره باختلاف الأزمنة، وهو اليوم في الوزن أربع قمحات، وفي وزن الذهب خاصة ثلاث قمحات، وفي القياس جزء من أربعة وعشرين، وهو من الفدان خمس وسبعين ومئة متر".

(3/370)


عليها ثُمَّ رجَع قبل أن تُدْفَن فإنَّه يرجعُ بقيراطٍ".

3499 - (6) [
صحيح] وعن عامر بن سعد بن أبي وقاصٍ:
أنه كان قاعداً عند ابن عمر إذ طلع خَبّاب صاحب المقصورة فقال: يا عبدَ الله بْنَ عُمَر! ألا تَسْمَعُ ما يقولُ أبو هريرة؟ يقول: إنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ خرجَ معَ جنازةٍ مِنْ بَيْتِها، وصلَّى عليها، واتَّبَعها حتى تُدْفَن؛ كانَ له قيراطانِ مِنْ أجْرٍ، كلُّ قيراطٍ مثلُ أُحدٍ، ومَنْ صلَّى عليها ثُمَّ رجَع كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مثلُ أُحدٍ".
فأرسَل ابْنُ عمر خَبَّاباً إلى عائشةَ يَسْألُها عنْ قولِ أبي هريرةَ ثم يرجعُ إليه فيُخْبِرَهُ بما قالَتْ، وأخذَ ابْنُ عمر قَبْضَةً مِنْ حَصى المسْجِد يقَلِّبُها في يَدِه حتى رَجَع [إليه الرسول]، فقال: قالَتْ عائشة: صدَق أبو هريرة، فضرَب ابْنُ عمر بِالحْصى الذي كان في يديهِ الأرضَ؛ ثُمَّ قال:
لقد فَرَّطْنا في قراريطَ كثيرةٍ.
رواه مسلم.

3500 - (7) [
صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ صلّى على جَنازَةٍ فلهُ قيراطٌ، وإنْ شَهِد دَفْنَها فلَهُ قيراطَانِ؛ القيراط مثْلُ أُحُدٍ".
رواه مسلم وابن ماجه.

3501 - (8) [
صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث أُبَيّ بن كعبٍ، وزاد آخره:
"
والَّذي نَفْسُ محمَّدٍ بيده القيراطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ هذا".

(3/371)


3502 - (9) [
صحيح] وعن ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ تَبعَ جنازَةً حتَّى يُصلِّى عليها؛ فإنَّ له قيراطاً".
فسُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن القيراطِ؟ قال:
"
مِثْلُ أُحُدٍ".
[
صحيح] وفي رواية:
قالوا: يا رسولَ الله! مثلَ قرايطنا هذه؟ قال:
"
لا، بَلْ مثلَ أُحُدٍ أوْ أعْظمَ مِنْ أُحُدٍ".
رواه أحمد، ورواته ثقات.

3503 - (10) [
صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أصْبَح منكمُ اليومَ صائماً؟ ".
قال أبو بكْرٍ: أنا. فقال:
"
مَنْ أطعَم منكمُ اليومَ مِسْكيناً؟ ".
قال أبو بكْرٍ: أنا. فقال:
"
مَنْ عادَ منكُم اليومَ مَريضاً؟ ".
فقال أبو بكْرٍ: أنا. فقال:
"
مَنْ تَبعَ منكمُ اليومَ جَنازَةً؟ ".
قال أبو بكْرٍ: أنا. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما اجْتَمعَتْ هذهِ الخِصالُ قَطُّ في رجُلٍ [في يوم] إلا دَخل الجَنَّةَ".
رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى 8 - الصدقات/ 17 (1) وهنا/ 7].
__________
(1)
وبيَّنا هناك أنه رواه مسلم أيضاً.

(3/372)


14 - (
الترغيب في كثرة المصلِّين على الجنازة، وفي التعزية).
3504 - (1) [
صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما منْ مَيِّتٍ يُصلِّي عليهِ أُمَّةٌ مِنَ المسْلِمينَ يَبْلُغونَ مِئةً، كلُّهم يَشْفَعون لَهُ، إلا شُفِّعوا فيه".
رواه مسلم والنسائي والترمذي وعنده:
"
مئة فما فوقها" (1).

3505 - (2) [
صحيح] وعن كريبٍ:
أن ابن عباس رضي الله عنهما ماتَ لَهُ ابْنٌ بـ (قُديد) أو بـ (عُسفان) فقال: يا كُرَيْبُ! انْظُرْ ما اجْتَمع لَهُ مِنَ الناسِ؟ قال: فَخَرجْتُ فإذا ناسٌ قد اجْتَمعوا، فأخْبَرْتُه فقال: تقولُ هم أرْبَعون؟ قال: قلتُ: نعم. قال: أخْرِجوه؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما مِنْ رجلٍ مسلمٍ يموتُ فيقومُ على جَنازَتِه أرْبعونَ رجلاً لا يُشْرِكونَ بالله شيئْاً؛ إلا شَفعهُم الله فيه".
رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.

3506 - (3) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما مِنْ رجلٍ يُصَلّي عليه مئَةٌ؛ إلا غَفر الله له".
رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه مبشر بن أبي المليح؛ لا يحضرني حاله (2).
__________
(1)
قلت: وقال: "حسن صحيح"، وقد أوقفه بعضهم ولم يرفعه".
(2)
قلت: أورده البخاري في "التاريخ"، وابن أبي حاتم، وابن حبان في "الثقات" (7/ 507) من رواية شعبة عنه. ولحديثه هذا شاهد صحيح من حديث أبي هريرة كما بينته في "أحكام الجنائز" (ص 126 - 127 - المعارف).

(3/373)


3507 - (4) [
حسن صحيح] وعن الحكم بن فروخ قال:
صلى بنا أبو المُلَيح على جنازَةٍ فظَنَّنا أنَّه قد كَبِّرَ، فأقْبَل علينا بِوجْهِه فقال: أقيموا صُفوفَكُم، ولْتَحْسُنْ شَفاعَتُكم.
قال أبو المليح: حدَّثني عبدُ الله عَنْ إحْدى أمهَّاتِ المؤْمِنين وهيَ مَيْمونَةُ زوجُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَتْ: أخْبرَني النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ ميِّتٍ يُصَلِّي عليه أُمَّة مِنَ الناسِ إلا شُفِّعوا فيه".
فسألْتُ أبا المليح عن الأُمَّة؟ قال: أرْبَعُونَ.
رواه النسائي.

3508 - (5) [
حسن لغيره] وروى ابن ماجه عن عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاه بمصيبةٍ؛ إلا كساه الله من حُلَلٍ الكرامة يوم القيامة". (1)
__________
(1)
انظر الكلام على إسناده، وبعض رواته في "الصحيحة" (195/ الطبعة الجديدة)، فإنه عزيز قد لا تجده في مكان آخر.

(3/374)


15 - (
الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن).
3509 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضيَ الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أسْرِعوا بالجنازَةِ، فإنْ تَكُ صالِحةً فخيرٌ تُقَدِّمونَها إلَيْهِ، وإنْ تَكُ سِوى ذلك فَشَرٌّ تَضعونَهٌ عنْ رِقابِكُمْ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

3510 - (2) [
صحيح] وعن عُيينة بن عبد الرحمن عن أبيه:
أنَّه كان في جَنازَة عُثْمانَ بْنِ أبي العاصي رضِيَ الله عنه، وكنَّا نَمْشي مشياً خَفيفاً، فلَحِقَنا أبو بَكْرةَ رضيَ الله عنه فرفَع سَوْطَه (1) وقال:
لقد رأَيْتُنا ونحنُ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرمُلُ رَمَلاً.
رواه أبو داود والنسائي.
__________
(1)
الأصل: (صوته)، وكذا في مطبوعة (عمارة)، والتصويب من "سنن أبي داود" والنسائي، وروايته أتم، وهي رواية لأبي داود، وهي مخرجة في "أحكام الجنائز" (ص 94 - المعارف).

(3/375)


16 - (
الترغيب في الدعاء للميت وإحسان الثناء عليه، والترهيب من سوى ذلك).
3511 - (1) [
صحيح] عن عثمانَ بْنِ عفَّانَ رضي الله عنه قال:
كان النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا فَرغ مِنْ دَفْن الميَّت وقَف عليه فقال:
"
اسْتَغْفِروا لأَخيكُم، واسْأَلوا لهُ بالتَّثْبيتِ؛ فإنَّه الآنَ يُسْألُ".
رواه أبو داود.

3512 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
مَرُّوا على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَنازَةٍ فأثْنَوا علَيْها خيراً، فقال:
"
وجَبَتْ".
ثُمَّ مَرُّوا بأُخْرى فأَثْنوا علَيها شرّاً. فقال:
"
وجَبَتْ". ثُمَّ قال:
"
إنَّ بعضَكُم على بعْضٍ شَهِيدٌ".
رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه.

3513 - (3) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
مُرَّ بجَنازَةٍ فأثْنِيَ عليها خيرٌ، فقالَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
وَجَبَتْ، وجَبَتْ، وجَبَتْ".
ومُرَّ بجَنازَةٍ فأثْنِيَ عليها شرٌّ، فقالَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
وجَبتْ، وجَبتْ، وجَبتْ". فقال عمرُ:
فداكَ أبي وأمِّي يا رسولَ الله! مُرَّ بجَنازةٍ، فأُثنِيَ عليها خيرٌ، فقلتَ:
"
وجَبتْ وجَبتْ وجَبتْ"، ومُرَّ بجنازَةٍ فأثنِيَ عليها شَرٌّ، فقلتَ: "وَجبتْ

(3/376)


وجَبتْ وجبتْ". فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ أثْنَيْتُم عليه خَيراً وجَبتْ لَهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أثْنَيْتُم عليه شرّاً وجَبتْ له النارُ، أنْتُمْ شُهداءُ الله في الأرْضِ".
رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه.

3514 - (4) [
صحيح] وعن أبي الأسودِ قال:
قَدِمْتُ المدينَةَ فجلسْتُ إلى عُمَر بْنِ الخطَّابِ رضي الله عنه، فَمرَّتْ بهِمْ جَنازَةٌ، فأثْنَوا على صاحِبها خيْراً، فقالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وجَبتْ، ثُمَّ مُرَّ بأُخْرى فأثْنَوْا على صاحِبِها خَيْراً، فقال عُمَرُ: وجَبتْ، ثُمَّ مُرَّ بالثالِثَةِ فأثْنوا على صاحِبها شرّاً، فقال عمر: وجَبتْ. قال أبو الأسْوَدِ: فقلتُ: ما وجَبتْ يا أمير المؤْمِنينَ؟ قال: قلتُ كما قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أيُّما مسْلمٍ شَهِدَ له أربَعةُ نفَرٍ بخَيْرٍ أدْخَلهُ الله الجَنَّةَ".
قال: فقلْنا: وثلاثَةٌ؟ فقال:
"
وثلاثَةٌ".
فقلنا: واثْنانِ؟ قال:
"
واثْنانِ".
ثُمَّ لَمْ نَسْأَلهُ عنِ الواحِد.
رواه البخاري.

3515 - (5) [
حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ مسْلمٍ يموتُ فيَشْهَدُ له أرْبعةُ أهْلِ أبْياتٍ مِنْ جِيرانِه الأَدْنَيْنَ أنَّهم لا يعلَمون إلا خيراً؛ إلا قالَ الله: قد قبِلْتُ عِلْمَكُم فيه، وغفَرْتُ له ما لا تَعْلَمون".
رواه أبو يعلى وابن حبان في "صحيحه".

(3/377)


3516 - (6) [
حسن لغيره] وروى أحمد عن شيخ من أهل البصرة لم يسمِّه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرويه عن ربَّه عزَّ وجلَّ:
"
ما مِنْ عبدٍ مسلمٍ يموتُ فيشْهَدُ له ثلاثَةُ أبْياتٍ مِنْ جيرانِه الأَدْنَيْنَ بخيرٍ؛ إلا قالَ الله عزَّ وجلَّ: قد قبِلْتُ شهادَة عِبادي على ما عَلِموا، وغَفرْتُ له ما أعْلَمُ".

3517 - (7) [
صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال:
كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دُعِيَ إلى جَنازَةٍ سأَل عنْها؟ فإنْ أثنِيَ عليها خَيرٌ قامَ فصَلى عليها، وإنْ أثْنِيَ عليها غيرُ ذلك قال لأهليها:
"
شأْنُكُمْ بِها". ولَمْ يُصَلِّ عليها.
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".

3518 - (8) [
صحيح] وعن مجاهدٍ قال: قالت عائشة رضيَ الله عنها:
ما فعلَ يزيدُ بْنُ قيْسٍ لعَنَهُ الله؟ قالوا: قد ماتَ، قالَتْ: فأسْتَغْفِرُ الله.
فقالوا لَها: ما لكِ لَعَنْتيهِ ثُمَّ قلْتِ: أسْتَغْفِرُ الله؟ قالَتْ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تَسُبُّوا الأَمْواتَ، فإنَّهمْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّموا".
[
صحيح] رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو عند البخاري دون ذكر القصة، ولأبي داود:
"
إذا ماتَ صاحِبُكم فدَعُوه، لا تَقَعوا فِيهِ".
(
قال الحافظ): وتقدم حديث أم سلمة الصحيح [هنا/ 11]، قالت:
قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون".

(3/378)


17 - (
الترهيب من النياحة على الميت والنعي ولطم الخدِّ وخمش الوجه وشقِّ الجيب).
3519 - (1) [
صحيح] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الميِّتُ يُعَذَّبُ في قَبْرِه بما نِيحَ عليه -وفي روايةٍ: ما نيحَ علَيْهِ-".
رواه البخاري ومسلم، وابن ماجه، والنسائي وقال:
"
بالنياحة عليه".

3520 - (2) [
صحيح] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
مَنْ نيحَ عليهِ، فإنَّهُ يُعذَّبُ بما نيحَ عليه يومَ القِيامَةِ" (1).
رواه البخاري ومسلم.

3521 - (3) [
صحيح موقوف] وعن النعمانِ بْن بشيرٍ رضيَ الله عنهما قال:
أُغْمِيَ على عبدِ الله بن رَواحةَ فجعَلَتْ أخْتُه تَبْكي: واجبَلاهُ! واكذا! واكذا! تُعدِّدُ عليه، فقال حين أفاقَ: ما قُلتِ شيئاً إلا قيلَ لي: أنتَ كذلك؟!
رواه البخاري. وزاد في رواية:
فلمَّا مات لم تَبْكِ عليهِ. (2)

3522 - (4) [
حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما من مَيِّتٍ يموتُ فيقومُ باكيهِمْ فيقولُ: واجَبَلاهُ! واسَيِّداهُ! أو نَحْوَ
__________
(1)
فيه إشعار بأن العذاب المذكور هو في يوم القيامة، فتفسيره بألم الميت في قبره مع أنه يستلزم علمه بنوح أهله عليه، فهذا مع كونه مما لا دليل عليه، فإنه لا يساعد عليه القيد المذكور (يوم القيامة). فتنبه لهذا ولا تكن للرجال مقلداً، فالحق أن العذاب فيه وفي غيره على ظاهره، إلا أنه مقيد بمن لم ينكر ذلك في حياته، توفيقاً بينه وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
(2)
أي: بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة.

(3/379)


ذلك، إلا وُكِّلَ به ملَكانِ يَلْهَزانِه: أهكذا أنْتَ؟! ".
رواه ابن ماجه، والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن غريب".
(
اللَّهز): هو الدفع بجميع اليد في الصدر.

3523 - (5) [
حسن لغيره] وعنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الميِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ الحيِّ، إذا قالَتْ: واعَضُداهُ! وامانِعَاهُ! واناصِراهُ! واكاسِيَاهُ! جُبِذَ الميتُ فقيلَ: أناصِرُها أنْتَ؟! أكاسِيها أنْتَ؟! ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

3524 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اثْنَتان في الناسِ هُما بِهمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، والنِّياحَةُ على الميِّتِ".
رواه مسلم.

3525 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ثلاثَةٌ مِنَ الكُفْرِ بالله: شَقُّ الجيْبِ، والنِّياحَة، والطَّعْنُ في النَّسبِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".
وفي رواية لابن حبان:
"
ثلاثَةٌ هِيَ الكُفْرُ".
وفي أخرى:
"
ثَلاثٌ مِنْ عمَلِ الجاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُهُنَّ أهْلُ الإسْلامِ" فذكر الحديث.
(
الجيب): هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في القميص ونحوه.

(3/380)


3526 - (8) [
حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
لما افْتَتَحَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكةَ، رنَّ إبليسُ رنَّةً اجتمعتْ إليه جنوده.
فقال: ايأَسوا أن تَرُدُّوا أمة محمدٍ على الشركِ بعدَ يومِكم هذا، ولكنِ افتنوهم في دينهم، وأفشوا فيهم النّوح.
رواه أحمد بإسناد حسن. (1)

3527 - (9) [
حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمارٌ عند نعمة، ورنَّةٌ عند مصيبةٍ".
رواه البزار، ورواته ثقات.

3528 - (10) [
صحيح] وعن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أربَعٌ في أُمَّتي مِنْ أمْرِ الجاهِلِيَّةِ لا يتْركونَهُنَّ (2): الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأَنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجومِ، والنِّياحَةُ".
-
وقال:-
النائِحَةُ إذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ موتِها؛ تُقامُ يَوْمَ القِيامَةِ وعليها سِرْبالٌ مِنْ قَطِرانٍ، ودِرْعٌ مِنْ جَربٍ".
رواه مسلم.
__________
(1)
كذا قال! وليس هو في "مسند أحمد"، وإنما هو في "المعجم الكبير"، وكذا أبو يعلى في "المسند الكبير"، والضياء في "المختارة"، وهو مخرج في "الصحيحة" (3417).
(2)
وكذا في "صحيح مسلم" (934)، وهو الصواب، وفي نقل الناجي (222/ 1): (لا يتركوهن)، وقال: "كذا في النسخ، وإنما لفظ الحديث والصواب: (يتركوهن) وهو ظاهر"! كذا قال، وهو غير ظاهر، لأنه إن أراد (لا النافية) فهو خطأ محض لا يخفى على مثله، وإن أراد أنها (لا الناهية) التي تستلزم حذف نون الرفع؛ فهو خطأ أيضاً، لأن المراد الإخبار وليس النهي وإن كان المراد به النهي ضمناً، فلعل في عبارته شيئاً من السقط، أو ما لم أفهمه. ثم بدا لي أن عبارته على ظاهرها، يعني بحذف لا إطلاقاً، بتقدير: يجب أن يتركوهن. والله أعلم.

(3/381)


[
صحيح لغيره] وابن ماجه، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
النياحَةُ مِنْ أمْرِ الجاهِليَّةِ، وإنَّ النائِحةَ إذا ماتَتْ ولَمْ تَتُبْ؛ قَطَّعَ الله لها ثِياباً مِنْ قَطِرانٍ، ودرْعاً مِنْ لَهبِ النارِ".
(
القَطِرانُ) بفتح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب". وقال الحسن: "هو قطران الإبل"، وقيل غير ذلك.

3529 - (11) [
صحيح] وعن أمِّ سلَمة رضي الله عنها قالتْ:
لمَّا ماتَ أبو سلَمة قُلْتُ: غريبٌ وفي أرْضِ غُرْبَةٍ، لأبْكِيَنَّه بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عنه، فكُنْتُ قد تَهيَّأْتُ لِلْبُكاءِ عليه إذ أقْبَلَتِ امْرأَةٌ تريدُ أنْ تُساعِدَني، فاسْتَقْبَلها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"
أتُريدينَ أنْ تُدخلي الشيْطانَ بيْتاً أخْرَجهُ الله منه؟ ".
فكفَفْتُ عنِ البُكاءِ، فلَمْ أبْكِ.
رواه مسلم.

3530 - (12) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
لمّا جاءَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتلُ زَيْدِ بْن حارِثَةَ وجَعْفَرِ بْنِ أبي طالبٍ وعبدِ الله بْنِ رَواحَة؛ جلسَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعْرَفُ فيه الحُزْنُ؛ قالَتْ: وأنا أطَّلعُ مِنْ شَقِّ البابِ فأتاه رجلٌ فقال: أيْ رسولَ الله! إنَّ نِساءَ جَعْفَر -وذكر بُكاءَهُنَّ -فأمَره أنْ يَنْهاهُنَّ، فذهَب الرجل ثُمَّ أتى فقال: والله لقد غَلبْنَني أو غَلَبْنَنا.
فزعَمْتُ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
فاحْثِ في أفْواهِهِنَّ التراب".
فقلتُ: أرْغَمَ الله أنْفكَ، فوالله ما أنت بفاعلٍ، ولا تركتَ رسولَ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ العَنا.

(3/382)


رواه البخاري ومسلم. (1)

3531 - (13) [
حسن] وعن حذيفةَ رضي الله عنه؛ أنَّه قالَ إذْ حُضِر:
إذا أنا مِتُّ فلا يُؤَذِّنْ عليَّ أحَدٌ (2)، إنِّي أخافُ أنْ يكونَ نَعْياً.
وإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهى عنِ النَّعْي.
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (3)
[
حسن] ورواه ابن ماجه؛ إلا أنه قال:
كان حذَيْفَةُ إذا ماتَ لَهُ الميِّتُ قال: لا تُؤْذِنُوا بِه أحَداً؛ إنِّي أخافُ أنْ يكونَ نَعْياً؛ إنِّي سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأُذنيَّ هاتَيْنِ يَنْهى عنِ النَّعْيِ.

3532 - (14) [
صحيح] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه:
أنَّ عمرَ رضيَ الله عنه لمَّا طُعِنَ عَوَّلَتْ (4) عليه حَفْصَةُ، فقالَ لها عمر: يا حَفْصَةُ! أما سَمِعْتِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
إنَّ المعوَّلَ عليه يُعَذَبُ"؟
قالَتْ: بَلى.
رواه ابن حبان في "صحيحه" (5).

3533 - (15) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليسَ مِنّا مَنْ ضرَب الخُدودَ، وشَقَّ الجيوبَ، ودَعا بدَعْوى الجاهِلِيَّةِ".
رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
__________
(1)
قلت: واللفظ للبخاري في رواية (1305).
(2)
إلى هنا يختلف عما في الترمذي فإنه بلفظ: "إذا مت فلا تُؤذنوا بي أحداً". ورواه أحمد بنحو لفظ ابن ماجه الآتي: وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 44).
(3)
هنا زيادة: "وذكره رزين فزاد فيه: فإذا مت فصلوا علي، وسلُّوني إلى ربي سلاّ"، حذفتها لأني لا أعرف لها سنداً، وإن من الثابت أن السنة إدخال الميت من مؤخر القبر، كما هو مبين فى كتابي "أحكام الجنائز" (190).
(4)
عولت: بَكَتْ وصاحَتْ.
(5)
قلت: قد رواه مسلم لكن دون قوله: "قالت: بلى". وكذلك رواه أحمد (1/ 39).

(3/383)


3534 - (16) [
صحيح] وعن أبي بردة قال:
وَجِعَ (1) أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ورأْسُه في حِجْرِ امْرأةٍ مِنْ أهلِه، فَأَقْبَلَتْ تَصيحُ بِرَنَّةٍ، فلَمْ يَسْتَطعْ أنْ يَرُدَّ عليها شيْئاً، فلمَّا أفاقَ قال:
أنا بَريءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بريءٌ مِنَ الصالِقَة، والحالِقَةِ، والشاقَّةِ.
[
صحيح] رواه البخاري ومسلم وابنِ ماجه، والنسائي؛ إلا أنه قال:
أبْرَأُ إليكُمْ كما بَرِئَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليسَ مِنّا مَنْ حَلَقَ، ولا خَرَق، ولا صَلَقَ".
(
الصالِقَةُ): التي ترفع صوتها بالندب والنياحة.
و (الحالِقَةُ): التي تحلق رأسها عند المصيبة.
و (الشاقَّةُ) التي تشقّ ثوبها.

3535 - (17) [
صحيح] وعن أَسِيد بن أبي أسِيد التابعي عنِ امْرأَةٍ مِنَ المبايِعات قالَتْ:
"
كان فيما أخَذ علينَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعْروفِ الذي أَخذَ علَيْنا: أنْ لا نَخْمِشَ وجْهاً، ولا نَدْعُوَ ويْلاً، ولا نَشُقَّ جَيْباً، ولا نَنْشُرَ شَعْراً".
رواه أبو داود.

3536 - (18) [
صحيح] وعن أبي أمامة:
"
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَن الخامِشَة وجْهَها، والشاقَّةَ جَيْبَها، والداعِيةَ بالوْيلِ والثُّبورِ".
رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
أي: مرض مرضاً شديداً حتى أغمي عليه كما يدل عليه السياق، بل في رواية النسائي الآتية: (أغمي على أبي موسى. . .).

(3/384)


18 - (
الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث).
3537 - (1) [
صحيح] عن زينب بنت أبي سلمة قالَتْ:
دخلتُ على أمِّ حبَيبةَ زوْجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ تُوفِّيَ أبوها أبو سفيانَ بْنُ حَرْبٍ فدعَتْ بطيبٍ فيه صُفْرةٌ خَلوقٌ (1) أوْ غَيْرُهُ، فدهَّنَتْ منه جارَيةً، ثُمَّ مَسَّتْ بعارِضَيْها (2)، ثُمَّ قالَتْ:
والله ما لي بالطيبِ مِنْ حاجَةٍ، غيرَ أنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ على المِنْبَرِ:
"
لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِر أن تُحِدَّ على مَيِّتٍ فوْقَ ثلاثِ لَيالٍ، إلا على زوْجٍ أرْبعةَ أشْهُرٍ وعَشْراً".
قالت زينبُ: ثمَّ دخلتُ على زْينبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها حينَ تُوُفِّيَ أخُوها، فدعَتْ بِطيب فَمَسَّتْ منه ثُمَّ قالَتْ: أما والله ما لي بالطِّيبِ مِنْ حاجَةٍ غير أنِّي سمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ على المِنْبَرِ:
"
لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِر أنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشْهرٍ وعَشْراً".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
__________
(1)
الخلوق: طيبٌ معروف مركَبٌ يُتَّخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، "نهاية" (2/ 71).
(2)
عارضا الإنسان: صفحتا خدَّيه، "نهاية" (3/ 212).

(3/385)


19 - (
الترهيب من أكل مال اليتيم بغير حق).
3538 - (1) [
صحيح] عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:
"
يا أبا ذَرّ! إنِّي أرَاك ضَعيفاً، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أحِبُّ لنَفْسي، لا تأَمَّرَنَّ (1) على اثْنَيْنِ، ولا تَوَلِّيَنَّ مالَ اليَتيم".
رواه مسلم وغيره.

3539 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
اجْتَنِبوا السبعَ الموبِقَاتِ".
قالوا: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال:
"
الشركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفْسِ التي حرَّمَ الله إلا بالْحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيم، والتولِّي يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المؤْمِنَاتِ".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [مضى 16 - البيوع/ 19].

3540 - (3) [
حسن لغيره] ورواه البزار؛ ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الكَبائرُ سَبْعٌ: أوَّلُهنَّ الإشْراك بالله، وقتْلُ النَّفْسِ بغيرْ حقِّها، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيم، والفرارُ يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ المحصناتِ، والانْتِقالُ إلى الأَعْرابِ بعد هِجْرَتِه". (2) [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 11].
(
الموِبِقَات): المهلكات.
__________
(1)
بحذف إحدى التاءين، أي: لا تتأمرن. وكذلك قوله: (تولين) أي: تتولين. وكان الأصل وتبعه عمارة: (تؤمرن) و (تلين)، فصححته من "مسلم" (1826).
(2)
قلت: وتعقبه الناجي (222/ 1 - 2) بأنه رواه أحمد أيضاً، وأخشى أن يكون وهم، لأنني استعنت عليه بالفهارس المعروفة فلم أعثر عليه في "المسند". فالله أعلم.

(3/386)


3541 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده:
أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتبَ إلى أهْلِ اليَمن بكتابٍ فيه:
"
إنَّ أكْبَر الكبائِر عندَ الله يومَ القيامَة: الإِشْراكُ بالله، وقتلُ النفْسِ المؤمِنَةِ بغيرِ الحَقِّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزَّحْفِ، وعُقوقُ الوالِدَيْنِ، ورَميُ المُحْصَنَةِ، وتعلُّمُ السِحْر، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ" فذكر الحديث. وهو كتاب طويل فيه ذكر الزكاة والديات وغير ذلك (1).
رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 11].
__________
(1)
قلت: وفي ثبوت إسناده نظر ليس هذا مجال بيانه، وإنما صححت هذا القدر منه لشواهده، فلا يشكلنَّ عليك إذا ما رأيت غير هذا منه في "الضعيف"، لأنه الأصل، ويكون مما لم نقف له على شاهد.

(3/387)


20 - (
الترغيب في زيارة الرجال القبور، والترهيب من زيارة النساء لها واتباعهنّ الجنائز).
3542 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ:
زارَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبرَ أمِّه فبَكى وأبْكَى مَنْ حولَهُ، فقال:
"
اسْتَأْذَنْتُ ربِّي في أنْ أسْتَغْفِرَ لها، فلَمْ يأْذَنْ لي، واسْتَأْذَنْتُه في أنْ أزورَ قَبْرَها فأَذِنَ لي، فَزُوروا القبورَ؛ فإنَّها تُذَكِّرُ المَوْتَ".
رواه مسلم وغيره.

3543 - (2) [
حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنِّي نَهيْتُكم عن زيارَةِ القبورِ فزوروها؛ فإنَّ فيها عِبْرةً".
رواد أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

3544 - (3) [
صحيح] وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قد كنتُ نَهيْتُكم عَنْ زيارَةِ القُبورِ، فقد أُذِنَ لمحمَّدٍ في زيارَةِ قَبْرِ أُمِّه، فزوروها، فإنَّها تذَكِّرُ الآخِرَة".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
(
قال الحافظ): "قد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن زيارة القبور نهياً عاماً للرجال والنساء، ثم أذن للرجال في زيارتها، واستمر النهي في حق النساء. وقيل: كانت الرخصة عامة (1).
وفي هذا كلام طويل ذكرته في غير هذا الكتاب. والله أعلم".
__________
(1)
قلت: وهذا هو الصواب عندنا لوجوه أربعة ذكرتها في "أحكام الجنائز" (ص 229 - 235)، لكن ذلك مقيد بأن لا يكثرن من الزيارة لحديث "لَعَنَ زوَّارات القبور" الآتي، كما هو مبين هناك.

(3/388)


3545 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
"
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَن زوّارتِ القُبورِ".
رواه الترمذي وابن ماجه أيضاً، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من رواية عمر بن أبي سلمة -وفيه كلام- عن أبيه عن أبي هريرة. وقال الترمذي:
"
حديث حسن صحيح".

(3/389)


21 - (
الترهيب من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم مع الغفلة عما أصابهم، وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكرٍ ونكيرٍ عليهما السلام).
3546 - (1) [
صحيح] عن ابن عمرَ رضي الله عنهما:
أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأَصْحابِه -يعني لمّا وصلوا الحِجْرَ ديارَ ثَمودٍ-:
"
لا تَدْخلوا على هؤلاءِ المُعَذَّبَين إلا أنْ تكونوا باكينَ؛ فإنْ لَمْ تكونوا باكين فلا تَدْخُلوا علَيْهِمْ؛ لا يُصِيبُكُمْ ما أصابَهُمْ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية قال: (1)
لما مرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (الحِجْرِ) قال:
"
لا تَدْخلوا مساكِنَ الَّذين ظَلمُوا أنْفُسَهم أنْ يُصيبَكُم ما أصابَهُمْ، إلا أنْ تكونوا باكينَ".
ثمَّ قَنَعَ رأْسَهُ وأسْرَع السَّيْرَ حتَّى أجازَ الوادي.

فصل
3547 - (2) [
صحيح] عن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ يهودِيَّة دخلَتْ عليها فذكرتْ عذابَ القَبْرِ، فقالَتْ لها: أعاذكِ الله مِنْ عذابِ القبْرِ.
قالَتْ عائشةُ: فسألْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عذابِ القبْرِ؟ فقال:
__________
(1)
قلت: هذه الرواية للبخاري (4419) دون مسلم.

(3/390)


"
نعم، عذابُ القبْرِ حَقٌّ".
قالَتْ: فما رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدُ صلَّى صَلاةً إلا تَعوَّذَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ".
رواه البخاري ومسلم.

3548 - (3) [
حسن صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الموْتَى لَيُعَذَّبونَ في قبورِهمْ، حتى إنَّ البهائم لَتَسْمَعُ أصْواتَهُم".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن (1).

3549 - (4) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لولا أنْ لا تدافَنوا لَدعْوتُ الله أنْ يُسْمِعَكُمْ عذابَ القَبرِ".
رواه مسلم.

3550 - (5) [
حسن] وعن هانئٍ مولى عثمان بن عفان قال:
كان عثمانُ رضيَ الله عنه إذا وقَفَ على قبرٍ بَكى حتى يَبُلَّ لحْيَتَهُ، فقيلَ له: تذْكُرُ الجنَّةَ والنارَ فلا تَبْكي، وتبكي من هذا (2)؟ فقال: إنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
القبرُ أوَّلُ (3) منازِل الآخِرْةِ، فإنْ نَجا منه فما بعْدَهُ أيْسَرُ مهُ، وإنْ لَمْ يَنْجُ منه فما بَعْدَهُ أشَدُّ".
__________
(1)
في أكثر النسخ: (صحيح حسن) كما في "العجالة"، وقال: "وفي بعضها (حسن) فقط، وهو الأشبه". قد يكون كذلك، ولكنه بلا شك صحيح لغيره، فإن له شواهد معروفة، وقد خرجته في "الصحيحة" (1377).
(2)
الأصل: (وتذكر القبر فتبكي)، والتصحيح من الترمذي (3309).
(3)
الأصل هنا: (منزلٍ من)، والتصحيح من الترمذي.

(3/391)


قال: وسمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما رأيتُ مَنْظَراً قَطُّ إلا القَبرُ أَفْظَعُ مِنْهُ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" (1).

3551 - (6) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أحدَكم إذا ماتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُه بالغَداة والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ فمِنْ أهْلِ الجنَّةِ، وإنْ كانَ مِنْ أهْلِ النارِ فَمِنْ أهْلِ النارِ، فيُقالُ: هذا مَقْعدُك حتّى يَبْعَثَك الله يومَ القِيامَةِ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
وأبو داود دون قوله: "فيقال. . ." إلى آخره.

3552 - (7) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إن المؤمنَ في قبره لفي روضةٍ خضراءَ، فيُرَحِّبُ له [في] قبرهِ سبعين ذراعاً، وينوّرُ له كالقمرِ ليلةَ البدرِ. أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} -قال:- أتدرونَ ما المعيشة الضَّنْكُ؟ ".
قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
__________
(1)
في الأصل هنا قوله: (وزاد رزين فيه مما لم أره في شيء من نسخ الترمذي: قال هانئ: وسمعت عثمان ينشد على قبرٍ:
فإن ننجُ منها ننجُ من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجياً)
قلت: قال الناجي (ق 222/ 2): "وكذا رواه ابن ماجه، والزيادة في آخره ليست عندهما، بل ولا عند (رزين)، إنما قلد صاحب "جامع الأصول" في نسبتها إليه توهماً لا أعرف سببه".
قلت: ولذلك حذفتها من هنا، وخفي ذلك على من حقق "الجامع" سواء منهم من حقق الطبعة المصرية أو الشامية، وهو فيها برقم (8690)، الأمر الذي يدل على أنهم كانوا لا يرجعون في تحقيقهم إلى الأصول! هذا وقد فات الناجي رحمه الله أن ينّبه أيضاً على أن سياق الحديث يختلف عنه في "الترمذي" كما تقدم مني.

(3/392)


عذابُ الكافرِ في قبرهِ، والذي نفسي بيده! إنه يُسلط عليه تسعةٌ وتسعون تنيناً، أتدرون ما التنين؟! تسعون (1) حيةٌ، لكل حيةٍ سبعُ رؤوسٍ يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة".
رواه أبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له؛ كلاهما من طريق دراج عن ابن حجيرة. (2)

3553 - (8) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر فَتَّانَ القبرِ، فقال عمر: أتُرَدُّ علينا عقولنا يا رسولَ الله؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نعم كهَيْئتِكَ اليَوْمَ".
فقال عمر: بفيهِ الحَجَر!
رواه أحمد من طريق ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد (3).

3554 - (9) [
صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
قلت: يا رسول الله! تُبتلى هذه الأمة في قبورِها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفةٌ؟ قال:
" {
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ".
رواه البزار، ورواته ثقات.
__________
(1)
الأصل: (سبعون)، وكذا في "موارد الظمآن إلى زوائد صحيح ابن حبان" (782)، والتصحيح من "مجمع الزوائد" (3/ 55) برواية أبي يعلى، و"تفسير ابن كثير" برواية ابن أبي حاتم و"المجمع" أيضاً برواية أخرى للبزار. وغفل عن هذا الجهلة كعادتهم!
(2)
قد تبين لي بعد لأي أن رواية دراج عن ابن حجيرة مستقيمة كما قال أبو داود؛ لذلك حسنتُ حديثه هذا؛ بخلاف روايته عن أبي الهيثم؛ فهي ضعيفة كما حققته في "الصحيحة" تحت الحديث (3350).
(3)
قلت: فاته ابن حبان (778)، وإسناده أصح من إسناد أحمد، وكذا الطبراني (13/ 44/ 106)؛ فإنه عندهما من طريق ابن وهب متابعاً لابن لهيعة.

(3/393)


3555 - (10) [
صحيح] وعن أنس رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ العبدَ إذا وُضعَ في قبرِهِ وتولَّى عنه أصحابُه، وإنَّه ليسْمَعُ قرْعَ نِعالِهمْ إذا انْصَرفوا؛ أَتاه مَلَكانِ، فَيُقْعِدانهِ، فيقُولانِ لَهُ: ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ محمَّدٍ؟ فأمَّا المؤْمِنُ فيقولُ: أشْهَدُ أنَّه عَبْدُ الله ورسولُه، فيُقالُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النارِ أبْدلَكَ الله بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجنَّةِ؛ -قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: -فيراهُما جميعاً.
وأمَّا الكافِرُ أوِ المُنافِقُ فيقولُ: لا أدري، كنْتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ فيه! فيقالُ: لا دَرَيتَ ولا تَلَيْتَ، ثمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حديدٍ ضَربَةً بين أذُنَيْهِ فيصيحُ صَيْحةً يسمَعُها مَنْ يَليه إلا الثَّقلَيْنِ".
رواه البخاري واللفظ له، ومسلم (1).
وفي رواية: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ المؤْمِنَ إذا وُضعَ في قبرِه أتاه ملَكٌ فيقولُ له: ما كنتَ تعبُد؟ فإنِ الله هَداه قال: كُنتُ أعْبدُ الله، فيقولُ له: ما كنتَ تَقول في هذا الرجُلِ؟ فيقولُ: هو عبدُ الله ورسولُه، فما يُسْأَل عَنْ شيْءٍ غيرها، فيُنْطَلقُ به إلى بيتٍ كان لَهُ في النارِ فيُقال له: هذا [بيتك] كان لَك في النار، ولكنَّ الله عصَمَك فأبْدلَك بِه بيْتاً في الجنَّةِ، فيراه فيقولُ: دَعوني حتَّى أذْهبَ فأُبَشِّرَ أهْلي، فيقالُ له: اسْكُنْ. قال:
وإنَّ الكافِرَ أوِ المُنافِقَ إذا وُضعَ في قبْرهِ أتاه مَلَكٌ فينْتَهِرُه فيقولُ له: ما كنتَ
__________
(1)
قلت: أخرجه في "الجنة" رقم (2870) لكن دون قوله: (وأما الكافر أو المنافق. .)، فلو عزاه لأبي داود (4752) والنسائي في "الجنائز" لكان أولى، فإنهما أخرجاه بتمامه، وكذا البخاري، وهو مخرج في "الصحيحة" (1344). وهو في "مختصر البخاري" برقم (641).

(3/394)


تعبُد؟ فيقولُ: لا أدْري! فيقالُ [له]: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ. فيقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ! فيضرِبُه بمِطراقٍ (1) [من حديد] بيْن أذُنَيْهِ فيصيحُ صيْحَةً يسمَعُها الخَلْقُ غيرُ الثَّقلَيْنِ" (2).
ورواه أبو داود نحوه، والنسائي باختصار.

3556 - (11) [
صحيح] ورواه أحمد بإسناد صحيح من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ بنحو الرواية الأولى، وزاد في آخره:
فقال بعضُ القوْمِ: يا رسولَ الله! ما أحَدٌ يقومُ علَيْهِ ملَكٌ في يدِه مطْراقٌ إلا هيل (3). فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
" {
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} ".

3557 - (12) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالَتْ:
جاءَتْ يهودِيَّة اسْتَطْعَمتْ على بابي فقالَتْ: أطْعِموني أعاذَكُم الله مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، ومِنْ فِتْنَةِ عذاب القبْرِ. قالَتْ: فلَمْ أَزَلْ أحْبِسُها حتّى جاءَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلتُ: يا رسوْلَ الله! ما تقولُ هذه اليَهودِيَّةُ؟ قال:
"
وما تقولُ؟ ".
قلتُ: تقولُ: أعاذَكُم الله مِنْ فتْنَةِ الدَّجَّالِ، ومِنْ فتْنَةِ عذابِ القَبْرِ. قالت عائشة: فقامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرفَع يَديْه مدّاً، يَسْتَعيذُ بالله مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ،
__________
(1)
آلة الطرق. وهو بمعنى (المطرقة).
(2)
قلت: لم يعز هذه الرواية لأحد، وظاهر قوله: "وفي رواية. . ." أنها للشيخين، وهو خطأ وإنما هي لأبي داود (رقم - 4751) مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، والزيادات منه، ومن تفاهة تخريجات المعلقين الثلاثة أنهم عزو الحديث لأبي داود برقم (3231)، وهذا ليس فيه من هذا الحديث الطويل ولا حرف واحد!
(3)
أي: فقد عقله.

(3/395)


ومِنْ عذابِ القَبْرِ. ثُمَّ قال:
"
أمّا فِتْنَةُ الدَّجَّال، فإنَّه لَمْ يكُنْ نَبِيٌّ إلا [قد] حَذَّر أُمَّتَهُ، وسأُحَدِّثُكُمُـ[ـوهُ] بحَديثٍ لَمْ يُحذِّرْهُ نبيٌّ أمِّتهُ: إنَّه أَعْوَرُ، وإنَّ الله ليْسَ بأَعْورَ، مكتوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرُ، يَقْرَؤهُ كلُّ مؤْمِنٍ.
فأمَّا فِتْنَةُ القَبرِ، فبِي تُفْتَنون، وعَنِّي تُسْأَلون، فإذا كانَ الرجلُ الصالِح أُجِلسَ في قبره غيرَ فَزِعٍ ولا مشْعوفٍ، ثُمَّ يقال لهُ: فيمَ كنتَ؟ فيقول في الإسْلامِ. فيقالُ: ما هذا الرجلُ الذي كانَ فيكُم؟ فيقولُ: مُحمَّد رسولُ الله، جاءَنا بالبَيِّناتِ مِنْ عندِ الله فصدَّقْناه، فَيُفْرَجُ له فُرجَةٌ قِبَلَ النارِ، فيَنْظُر إليها يحَطِمُ بعضُها بعْضاً، فيقالُ له: انْظُرْ إلى ما وقَاك الله، ثُمَّ يُفْرَجُ له فُرْجَةٌ إلى الجنَّةِ، فيَنْظُرُ إلى زَهْرَتِها وما فيها، فيُقالُ له: هذا مَقْعدُكَ منها، ويُقالُ: على اليَقين كنتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَثُ إنْ شاءَ الله.
وإذا كانَ الرجلُ السوءُ، أُجلِسَ في قبرهِ فَزِعاً مشْعوفاً فيُقالُ له: فيمَ كنتَ؟ فيقولُ: سمعتُ الناسَ يقولون قولاً فقلتُ كما قالوا، فيُفْرَجُ له فُرجةٌ إلى الجنَّةِ، فيَنْظُر إلى زَهْرَتِها وما فيها، فيقالُ له: انْظُر إلى ما صرَف الله عنك، ثُمَّ يُفْرَجُ له فُرجَةٌ قِبَلَ النارِ، فينْظُر إليْها يَحطِمُ بعضُها بعْضاً، ويقالُ [له]: هذا مَقْعَدُك منها، على الشَّكُّ كنْتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَثُ إنْ شاءَ الله، ثُمَّ يُعَذَّبُ".
رواه أحمد بإسناد صحيح.
قوله: "غير مشعوف" هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء، قال أهل اللغة:
" (
الشعف): هو الفزع حتى يذهب بالقلب".

(3/396)


3558 - (13) [
صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
خَرجْنا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جَنازَةِ رجلٍ مِنَ الأنْصارِ، فانْتَهيْنا إلى القَبْرِ، ولمَّا يُلحَدْ بعدُ، فجلسَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجلَسْنا حولَه كأنَّما على رؤوسِنا الطيرُ، وبيدهِ عودٌ ينْكُتُ به في الأرْضِ، فرفَع رأْسَهُ فقال:
"
اسْتَعيذوا بالله مِنْ عذابِ القَبْر، (مرتين أو ثلاثاً) ".
[
صحيح] زاد في رواية (1): وقال:
"
وإنَّه لَيَسْمَعُ خفْقَ نعالِهم إذا وَلَّوا مُدْبِرينَ، حينَ يُقال له: يا هذا! مَنْ ربُّك؟ وما دينُك؟ ومَنْ نَبِيُّك؟ ".
[
صحيح] وفي رواية (2):
"
ويأتيهِ ملَكانِ فيُجْلِسانِه، فيقولانِ له: مَنْ ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ الله.
فيقولانِ لَهُ: وما دينُكَ؟ فيقولُ: دينيَ الإسْلامُ، فيقولانِ له: ما هذا الرجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُمْ؟ فيقولُ: هو رسولُ الله، فيقولان له: وما يُدْريكَ؟ فيقولُ: قرأتُ كِتابَ الله، وآمنتُ وصدَّقْتُ".
[
صحيح] زاد في رواية (3):
"
فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، فيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أنْ صَدق عَبْدي، فأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وألْبِسوهُ مِنَ الجنَّةِ، وافْتَحوا لَهُ باباً إلى الجنَّةِ، فيأْتيه مِنْ رَوْحِها وطيبِها، ويُفْسَحُ له في قَبرِه مَدَّ بَصرِه.
__________
(1)
قلت: يعني جريراً الراوي عن الأعمش، وأما أصل الرواية فهي عن أبي معاوية عنه.
فاحفظ هذا فإنه يسهل عليك فهم ما يأتي من التعليق. على أن الناجي قد تعقب المؤلف في قوله هنا وفيما يأتي بقوله -وقد أحسن-: "ينبغي أن يقول: "وفي لفظ"، فإنه حديث واحد".
(2)
كان الأولى أن يقول: (وفي الرواية الأولى)؛ أي رواية أبي معاوية التي بدأ المؤلف بها.
(3)
قلت: يعني جريراً الراوي عن الأعمش، وأما أصل الرواية فهي عن أبي معاوية عنه.
فاحفظ هذا فإنه يسهل عليك فهم ما يأتي من التعليق. على أن الناجي قد تعقب المؤلف في قوله هنا وفيما يأتي بقوله -وقد أحسن-: "ينبغي أن يقول: "وفي لفظ"، فإنه حديث واحد".

(3/397)


وإنَّ الكافِرَ -فذكر موتَهُ قال:- فتُعادُ روحه في جَسَدِه، ويأتيهِ مَلكانِ فيُجْلِسانِه، فيقولانِ [له]: مَنْ ربُّك؟ فيقولُ: هاه، هاه (1)، لا أدْري.
فيقولان: ما دينُك؟ فيقولُ: هاه، هاه، لا أدْري. فيقولانِ له: ما هذا الرجلُ الذي بُعثَ فيكُمْ؟ فيقولُ: هاه، هاه، لا أدري. فينادي منادٍ مِنَ السماءِ: أنْ قد كذَبَ، فأفْرِشوهُ مِنَ النارِ، وألْبِسوهُ منَ النارِ، وافْتَحوا له باباً إلى النارِ.
فَيأْتيه مِنْ حَرِّها وسَمُومِها، ويُضَيَّقُ عليه قَبْرُه حتى تَخْتَلِفَ فيه أضْلاعُه، -زاد (2) في رواية:- ثُمَّ يُقَيَّضُ لَه أعْمى أبْكَمُ معَه مِرْزَبَةٌ (3) مِنْ حديدٍ، لو ضُرِبَ بها جبلٌ لصارَ تُراباً، فيضرِبُه بِها ضَربةً يسْمَعُها ما بينَ المشْرِقِ والمغْربِ إلا الثَّقَليْنِ، فيصيرُ تُراباً، ثُمَّ تعادُ فيه الروحُ".
رواه أبو داود.
[
صحيح] ورواه أحمد بإسناد رواته محتج بهم في "الصحيح" أطول من هذا، ولفظه قال:
خَرجْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكَر مثلَهُ إلى أنْ قال: فرفَع رأْسَه فقالَ: "اسْتَعيذوا بالله من عَذابِ القَبْرِ. (مرتين أو ثلاثاً) ". ثُمَّ قال:
"
إنَّ العبْدَ المؤمِنَ إذا كانَ في انْقِطاع مِنَ الدُّنيا وإقْبالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزل إليه مِلائكةٌ مِنَ السماء بِيضُ الوُجوهِ، كأنَّ وُجوهَهُم الشمسُ، معَهم كَفَنٌ مِنْ أكفانِ الجَنَّةِ، وحَنوطٌ مِنْ حَنوطِ الجنَّةِ، حتى يَجْلِسوا منه مَدَّ البَصِر، ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ الموْتِ عليه السلامُ؛ حتى يجْلِس عند رأْسِهِ فيقولُ: أيَّتُها النَّفْسُ
__________
(1)
هي كلمة وعيد، وهي أيضاً حكاية الضحك والنوح كما في "اللسان". ويأتي نحوه آخر الحديث من المؤلف.
(2)
انظر تعليق رقم (1 و3) في الصفحة السابقة.
(3)
بتخفيف الباء: وهي المطرقة الكبيرة كما تقدم قريباً تحت الحديث (8).

(3/398)


الطيِّبَةُ! اُخْرُجي إلى مَغْفرَةٍ مِنَ الله ورِضْوانٍ، (قال:) فَتَخْرجُ فتَسيلُ كما تسيلُ القَطْرَةُ منْ في السِّقاءِ، فيأخُذُها، فإذَا أخَذَها لَمْ يَدَعوها في يَدِه طَرْفَةَ عينٍ حتى يأْخُذوها فيَجْعَلوها في ذلك الكَفَنِ، وفي ذلك الحَنوطِ، ويَخْرجُ منها كأطيبِ نَفحةِ مِسكٍ وُجِدَتْ على وجْهِ الأرْضِ، (قال:) فيصْعَدون بها، فلا يَمُرُّونَ [يعني بها] على مَلأٍ مِنَ الملائكَةِ إلا قالوا: ما هذا الروحُ الطيِّب؟ فيقولون: فلانُ ابْنُ فلانٍ، بأحْسَنِ أسْمائه التي كانَ يسَمُّونَه بها في الدُّنيا، حتى يَنْتَهوا بِها إلى السماءِ الدُّنيا، فيَسْتَفْتِحونَ له، فيُفْتَح ل هـ[ـم]، فَيُشَيِّعهُ مِن كلِّ سماءٍ مُقَرِّبوها إلى السماءِ الَّتي تَليهِا، حتى يَنْتَهيَ بِها إلى السماءِ السابِعَةِ، فيقول الله عزَّ وجَلَّ: اكْتُبوا كتاب عبْدي في عَلِّيِّينَ، وأَعيدوه إلى الأرْضِ [فإنِّي منها خلَقْتُهم، وفيها أعيدُهم، ومنها أُخْرِجُم تارَةً أُخْرى، فتُعادُ روحُه] (1) في جَسده، فيَأْتيه مَلَكانِ فيُجْلِسانِه، فيقولانِ: مَنْ ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ الله، فيقولانِ: ما دينُكَ؟ فيقولُ: دينيَ الإسْلامُ، فيقولانِ: ما هذا الرجلُ الذي بُعِثَ فيكُمْ؟ فيقولُ: هو رسولُ الله، فيقولان له. وما عَملك (2)؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ الله فآمَنْتُ به، وصدَّقْتُه. فينادي منادٍ مِنَ السَّماءِ: أنْ صَدق عَبْدي، فأفْرِشوهُ مِنَ الجنَّةِ، [وألبسوه من الجنة]، وافْتَحوا لَه باباً إلى الجنَّة، -قال:- فَيأْتيهِ مِنْ رَوْحِها وطيبها، وُيفْسَحُ له في قبرِه مَدَّ بصَرهِ، -قال:- ويأْتيهِ رجُلٌ حَسنُ الوَجْهِ، حَسنُ الثِّيابِ، طَيِّبُ الريحِ، فيقولُ: أبْشِرْ بالَّذي يَسرُّكَ، هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ. فيقولُ: مَنْ أنْتَ؟ فوجْهُك الوَجْهُ يَجيءُ بالْخَيْرِ، فيقولُ: أنا عَمَلُكَ الصالِحُ. فيقولُ: ربِّ أقِم الساعَةَ، حتَّى أرْجعَ إلى أهْلي ومالي.
__________
(1)
زيادة من "المسند"، ومنه الزيادات الأخرى ضل عنها الثلاثة، مع أنهم عزوه إلى "المسند" بالجزء والصفحة (4/ 287)!!! وانظر "أحكام الجنائز" (ص 198 - 202).
(2)
الأصل: (ما يدريك)، والتصويب من "المسند".

(3/399)


وإنَّ العَبْد الكافِرَ إذا كان في انْقِطاعٍ مِنَ الدنيا، وإقْبال مِنَ الآخِرَة نَزل إليه [مِنَ السَماءِ] ملائكةٌ سُودُ الوجوهِ، معَهم المُسوحُ، فيَجْلِسونَ منه مَدَّ البَصرِ، ثُمَّ يَجيءُ مَلَك المَوْتِ حتى يَجْلِسَ عند رَأْسِه، فيقولُ: أيَّتُها النفْس الخَبيثَةُ! اخْرُجي إلى سخَطٍ مِنَ الله وغَضَب [قال:] فَتُفَرِّقُ في جَسَدِه، فيَنْتَزِعُها كما يُنْتَزَعُ السَّفودُ مِنَ الصوفِ المبْلولِ، فيأْخُذها، فإذا أخذَها لَمْ يَدعوها في يَدهِ طَرْفةَ عَيْنٍ حتى يَجْعَلوها في تِلْكَ المسُوح، وَيخرُج منها كأنْتَنِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأرْضِ، فيَصْعَدون بِها فلا يَمُرُّونَ بها على ملأ مِنَ الملائِكةِ إلا قالوا: ما هذا الروحُ الخَبيثُ؟ فيقولون: فلانُ ابْن فلانٍ، بأقْبَحِ أسْمائِه التي كانَ يُسَمَّى بِها في الدنيا، حَتَّى يُنْتَهى به إلى السماء الدنيا، فيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرأَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، فيقولُ الله عزَّ وجلَّ: اكتُبوا كتابَه في سجِّينٍ في الأَرْضِ السفْلى، فتُطْرَحُ روحُه طَرْحاً، ثُمَّ قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}، فتُعادُ روحُه في جَسَده، ويَأْتيه مَلَكانِ فيُجْلِسانِه، فيَقولانِ لهُ: مَنْ رَبُّك؟ فيقولُ: هاه، هاه، لَا أدْري، قال: فيقولان له: ما دينُكَ؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدْري، قالَ: فيقولانِ له: ما هذا الرجلُ الَّذي بُعثَ فيكم؟ فيقولُ: هاه، هاه، لا أدري، فينادي منادٍ مِنَ السماءِ: أنْ كَذَبَ، فأَفْرِشوهُ مِنَ النارِ، وافْتَحوا له باباً إلى النارِ، فيأتيه مِنْ حَرِّها وسَمومِها، ويُضَيَّقُ عليه قبرُه حتى تَخْتلِفَ فيه أضْلاعُه، ويأتيهِ رجل قبيحُ الوجْهِ، قبيحُ الثِيابِ، مُنْتِنُ الريح، فيقولُ له: أبشِرْ بالذي يَسُوؤكَ، هذا يومُكَ الذي كنتَ توعَدُ، فيقولَ: مَن أنْتَ؟ فوجْهُكَ الوجْة يجيءُ بالشَرِّ، فيقول: أنا عملُكَ الخَبيث. فيقولُ: ربِّ لا تُقمِ الساعَةَ".

(3/400)


[
صحيح] وفي رواية له بمعناه، وزاد:
"
فيأتيهِ آتٍ قبيحُ الوجْه قبيحُ الثياب، منتنُ الريح، فيقولُ: أبشِرْ بهَوانٍ مِنَ الله وعذَاب مُقيمٍ، فيقول: [وأنت فـ] بَشَّركَ الله بالشرِّ مَنْ أنْتَ؟ فيقولُ: أنا عَملُكَ الخَبيثُ، كنتَ بَطيئاً عَنْ طاعَةِ الله سَريعاً في مَعصِيَتِه، فجزَاك الله شرّاً. ثُمَّ يُقَيَّضُ له أعْمى أصَمُّ في يديهِ مِرْزَبَةٌ لو ضُرِبَ بها جَبلٌ كان تُراباً، فيضرِبُه ضَرْبَةً فيصيرُ تُراباً، ثُمَّ يعُيدُه الله كما كان، فيضرِبُه ضرْبةً أُخْرى؛ فيصيحُ صَيْحةً يسْمَعُه كلُّ شيْءٍ إلا الثقلَيْنِ. -قال البراء-: ثمَّ يُفتَح له بابٌ مِنَ النارِ، ويُمَهَّدُ له مِنْ فُرشِ النارِ".
(
قال الحافظ): "هذا الحديث حديث حسن، رواته محتج بهم في "الصحيح" كما تقدم، وهو مشهور بالمنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء. كذا قال أبو موسى الأصبهاني رحمه الله. والمنهال روى له البخاري حديثاً واحداً. وقال ابن معين: المنهال ثقة. وقال أحمد العِجلي: كوفي ثقة، وقال أحمد بن حنبل: تركه شعبة على عمد. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لأنه سُمع من داره صوتُ قراءةٍ بالتطريب. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: أبو بشر أحب إليَّ من المنهال، وزاذان ثقة مشهور، ألانَهُ بعضهم، وروى له مسلم حديثين في (صحيحه).
قوله: (هاه هاه): هي كلمة تقال في الضحك، وفي الإيعاد، وقد تقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث. والله أعلم.

3559 - (14) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ المؤْمِنَ إذا قُبِضَ أتَتْه ملائكةُ الرحمَة بِحَريرَةٍ بيْضاءَ، فيقولونَ: اخْرجي إلى رَوْحِ الله، فتَخْرُج كأَطْيَبِ ريحِ المِسْكِ حتى إنَّه لَيُناوِلُه بَعْضُهم

(3/401)


بَعْضاً، فيَشُمُّونَهُ، حتى يأْتون به بابَ السماءِ، فيقولونَ: ما هذه الريحُ الطيِّبَةُ التي جاءَتْ مِنَ الأرْضِ؟ ولا يَأْتُونَ سماءً إلا قالوا مِثْلَ ذلك، حتى يأْتُونَ بِه أرْواحَ المُؤْمِنينَ، فلَهُم أشَدّ فَرحاً مِنْ أَهْلِ الغائِبِ بغائِبهمْ، فيقولون: ما فَعل فلانُ؟ فيقولونَ: دَعوهُ حتى يَسْتَريحَ؛ فإنَّه كانَ في غَمِّ الدنْيا، فيقولُ: قد ماتَ، أما أتاكُم؟ فيقولون: ذُهِبَ به إلى أُمِّه الهاوِيَةِ.
وأما الكافِرُ، فَتَأْتيهِ ملائكَةُ العَذابِ بمِسَحٍ، فيقولون: اخْرُجي إلى غَضَبِ الله، فتَخْرُج كأنْتَنِ ريحِ جيفَةٍ، فيذْهَبُ به إلى بابِ الأرْضِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو عند ابن ماجه بنحوه بإسناد صحيح.

3560 - (15) [
حسن] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا قُبرَ الميِّتُ -أو قالَ: أحدُكُم- أتاه ملَكان أسْوَدان أزْرَقان، يقالُ لأحَدِهما المُنْكَرُ، وللآخَرِ النَّكيرُ، فيقولان: ما كُنْتَ تقولُ في هذا الرجُلِ؟ فيقول ما كانَ يقولُ: هو عبدُ الله ورسولُه، أشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محَمَّداً عبدُه ورسولُه. فيقولان: قد كنّا نعلَمُ أنَّك تقولُ هذا، ثُمَّ يُفْسَحُ له في قبْرهِ سبْعونَ ذراعاً في سبْعينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ له فيه، ثُمَّ يقالُ له: نَمْ، فيقولُ: أرْجعُ إلى أهْلي فأُخْبِرهُم؟ فيقولان: نَمْ كنَوْمَةِ العَروسِ الذي لا يوقِظُه إلا أحَبُّ أهْلِه إلَيْه، حتى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِه ذلك.
وإنْ كانَ منافِقاً قال: سمعتُ الناسَ يقولون قولاً فقُلْتُ مِثْلَهُ: لا أدري! فيقولان: قد كنَّا نعلَمُ أنَّك تقولُ ذلك، فيُقالُ للأَرْضِ: الْتَئِمي عليه، فتَلْتَئم عليه، فتَخْتَلِفُ أضْلاعُه، فلا يَزالُ فيها مُعَذباً حتى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مضْجَعِه ذلك".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وابن حبان في "صحيحه".

(3/402)


(
العروس): يطلق على الرجل وعلى المرأة، ما داما في أعراسهما.

3561 - (16) [
حسن] وعن أبي هريرة أيضاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الميِّتَ إذا وُضعَ في قبْرِه إنَّه يَسْمعُ خَفْقَ نِعالهم حينَ يُوَلُّون مدْبِرينَ، فإنْ كان مؤْمِناً كانتِ الصلاةُ عند رأْسِه، وكانَ الصيامُ عنْ يَمينِه، وكانَتِ الزكاةُ عَنْ شِمالَه، وكان فعلُ الخيرات منَ الصدقة والصلاةِ والمعْروفِ والإحْسانِ إلى الناسِ عند رجْلَيْهِ، فيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رأْسِه فتقولُ الصلاةُ: ما قِبلي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتى عَنْ يَمينِه فيقولُ الصيامُ: ما قِبَلي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتى عنْ يَسارِه فتقولُ الزكاةُ: ما قِبَلي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رجْلَيْه فيقولُ فِعْلُ الخيْراتِ مِنَ الصدَقَةِ والصلاةِ والمعْروفِ والإحْسانِ إلى الناسِ: ما قِبَلي مَدْخَلٌ، فيقالُ لَهُ: اجلِسْ، فيَجْلِسُ قد مَثُلَتْ لَهُ الشمْسُ، وقد آذَنَتْ (1) للْغُروبِ، فيُقال له: أرأَيْتَكَ هذا الَّذي كانَ قِبَلَكُم؛ ما تقولُ فيه، وماذا تَشْهَدُ عليه؟ فيقولُ: دعوني حتّى أُصَلِّي، فيقولونَ: إنَّكَ سَتفْعَلُ، أخْبِرْنا عَمَّا نسْأَلُك عنه؛ أرأَيْتَك هذا الرجُلَ الَّذي كان قِبَلَكُمْ؛ ماذا تَقُولُ فيه، وماذا تَشْهَدُ عليه؟ قال: فيقولُ: محَمَّدٌ؛ أشْهَدُ أنَّه رسولُ الله، - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنَّه جاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عندِ الله، فيُقالُ له: على ذلك حَيِيْتَ، وعلى ذلك مُتَّ، وعلى ذلك تُبْعَثُ إنْ شاءَ الله، ثُمَّ يُفْتَحُ له بابٌ مِنْ أبْوابِ الجَنَّةِ فيقُالُ له: هذا مَقْعَدُكَ مِنْها، وما أَعَدَّ الله لَك فيها، فَيزْدادُ غِبْطَةٌ وسروراً، ثُمَّ يُفْتَحٌ له بابٌ مِنْ أبْوابِ النارِ، فيُقالُ له: هذا مقْعَدُكَ وما أعدَّ الله لك فيها لَوْ عَصْيتَهُ، فيَزْدادُ غِبْطَةً وسُروراً،
__________
(1)
وقع في نسخة الناجي (دنت) من (الدنو). وقال: "وهو الصواب بلا شك، وفي النسخ (آذنت) من (الإيذان)، وهو تصحيف ظاهر".
قلت: وعلى الصواب وقع في "مستدرك الحاكم" (1/ 379).

(3/403)


ثُمَّ يُفْسَحُ له في قَبْرِه سَبْعون ذِراعاً، وُينَوَّرُ له فيه، ويُعادُ الجَسدُ لِما بُدِئَ مِنْهُ، فتُجْعَلُ نَسَمتُه في النَّسَم الطيِّبِ، وهي طيرٌ تَعْلُق (1) مِنْ شَجَر الجَنَّةِ، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} " الآية.
وإنَّ الكافِرَ إذا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رأْسِه لَمْ يوجَدْ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَمينِه فلا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ شِمالِه فلا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْه فلا يَوجَدُ شَيْءٌ، فيُقالُ لَهُ: اجْلِسْ، فيَجْلِسُ مَرْعوباً خائفاً، فيقالُ: أرأَيْتَك هذا الرجلَ الّذي كانَ فيكُم؛ ماذا تقولُ فيه؟ وماذا تَشْهَدُ عليه؟ فيقولُ: أيُّ رجلٍ؟ ولا يَهْتَدي لاسْمِه، فيقالُ له: مُحَمَّدٌ، فيقول: لا أدْري، سمعتُ الناسَ قالوا قولاً، فقُلْتُ كما قالَ الناسُ! فيقُالُ لَهُ: على ذلك حَيِيْتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعثُ إنْ شاءَ الله، ثُمَّ يُفْتَحُ له بابٌ مِنْ أبوابِ النار فيُقالُ له: هذا مَقْعَدُك مِنَ النار، وما أعَدَّ الله لك فيها، فيَزْدادُ حَسْرةً وثُبوراً، ثُمَّ يُفْتَح لَهُ بابٌ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ، فَيُقالُ له: هذا مَقْعَدُك مِنْها، وما أَعَدَّ الله لَك فيها لوْ أطَعْتَهُ، فيَزْدادُ حَسْرةً وثُبوراً، ثُمَّ يُضَيَّق عليه قَبرُه حتى تَخْتَلِفَ فيه أضْلاعُه، فتلك المعيشَةُ الضنكة التي قالَ الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ".
رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وزاد الطبراني: "قال أبو عمر يعني الضرير: قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ قال:
__________
(1)
قال الناجي: "بفتح اللام؛ أي: تأكل. كذا وجد في بعض النسخ، وفي بعضها بضم اللام، والضم هو المشهور المقدم في كتب اللغة والغريب. .".

(3/404)


نعم. قال أبو عمر: كان يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه؛ كان يسمع الناس يقولون شيئاً فيقوله".
[
حسن] وفي رواية للطبراني:
"
يُؤتَى الرجُلُ في قَبرِه، فإذا أُتِيَ مِنْ قِبلَ رأْسِه دفَعتْهُ تِلاوةُ القُرآنِ، وإذا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ يديْهِ دفَعتْهُ الصدَقَةُ، وإذا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رجلَيْهِ دَفعهُ مشْيُه إلى المسَاجِدِ. . ." الحديث.
(
النَّسَمة) بفتح النون والسين: هي الروح.
قوله (تعلُق) بضم اللام؛ أي: تأكل.
(
قال الحافظ):
"
وقد أملينا في "الترهيب من إصابة البول الثوب" وفي "النميمة" جملة من الأحاديث في أن عذاب القبر من البول والنميمة، لم نعد من تلك الأحاديث هنا شيئاً، والأحاديث في عذاب القبر وسؤال الملكين كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية. والله الموفق، لا ربَّ غيره".

3562 - (17) [
حسن لغيره] وقد روي عن ابن عمروٍ (1) رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ مسْلمٍ يموتُ يومَ الجُمعَةِ أوْ ليلَةَ الجُمعَةِ إلا وقَاهُ الله فِتْنَة القَبْرِ".
رواه الترمذي، وغيره، وقال الترمذي:
"
حديث غريب، وليس إسناده بمتصل" (2).
__________
(1)
الأصل وطبعة عمارة: (ابن عمر)، وهو خطأ.
(2)
قلت: لكن له طريق أخرى وشواهد عند أحمد وغيره، كما في "المشكاة" و"أحكام الجنائز"، وأخرجه الضياء في "المختارة".

(3/405)


22 - (
الترهيب من الجلوس على القبر، وكسر عظم الميت).
3563 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لأَنْ يجلِسَ أحدُكم على جَمرةٍ فتَحْرِقَ ثيابَهُ فتَخْلُصَ إلى جِلْدِه؛ خَيرٌ له مِنْ أنْ يَجْلِسَ على قَبْرٍ".
رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

3564 - (2) [
صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لأَنْ أمْشي على جَمْرَةٍ أو سَيْفٍ، أو أخْصِفَ نَعْلي بِرجْلي؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أمْشِيَ على قَبْرٍ".
رواه ابن ماجه بإسناد جيد.

3565 - (3) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
"
لأَنْ أطأَ على جَمْرَةٍ أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أطأ على قبْرِ مسْلمٍ".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وليس في أصلي رفعُه.

3566 - (4) [
صحيح لغيره] وعن عمارة بن حزم رضي الله عنه قال:
رآني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جالساً على قبرٍ فقال:
"
يا صاحبَ القبرِ! انزلْ مِن على القبرِ، لا تؤذي (1) صاحبَ القبرِ، ولا يؤذيك".
__________
(1)
كذا الأصل بإثبات حرف العلة، وكذا هو في "جامع المسانيد" لابن كثير (ج 9/ 315/ 6832) و"أطراف المسند" لابن حجر (5/ 13/ 6521)، والحديث ليس في المطبوع من "معجم الطبراني الكبير". و (لا) هنا نافية بمعنى النهي، ولم يُذكر في بعض الروايات الصحيحة.

(3/406)


رواه الطبراني في "الكبير" من رواية ابن لهيعة (1).

3567 - (5) [
صحيح] وروي عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كَسْرُ عَظْمِ المِّيتِ ككَسْرِه حَيّاً".
رواه أبو داود وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".
__________
(1)
قال الناجي (224/ 1): "وقد رواه بمعناه أحمد من حديث عمرو بن حزم".
قلت: لم أره في "مسند أحمد"، ولا عزاه إليه الهيثمي (3/ 61)، وإنما لـ"الطبراني"، وقد رواه الطحاوي في "شرح المعاني" عن ابن لهيعة أيضاً. وقد أشار البغوي في "شرح السنة" (5/ 410) إلى تضعيف هذا الحديث. وراجع لهذا تعليقي على "المشكاة" (1/ 541) الذي استفاد منه المعلق على "الشرح" دون أن ينبه عليه كما هي عادته! وقد وجدت لابن لهيعة متابعاً قوياً، وطريقاً أخرى فيها: "ولا يؤذيك"، مما استوجب ذكره في هذا "الصحيح" والحمد لله. وهو مخرج في "الصحيحة" (2960).

(3/407)


26 -
كتاب البعث وأهوال يوم القيامة.
(
قال الحافظ):
"
وهذا الكتاب بجملته ليس صريحاً في "الترغيب والترهيب"، وإنما هو حكاية أمور مهولة تَؤُول بالسعداء إلى النعيم، وبالأشقياء إلى الجحيم، وفي غضونها ما هو صريح فيها أو كالصريح، فلنقتصر على إملاء نُبَذٍ منه يحصل بالوقوف عليها الإحاطة بجميع معاني ما ورد فيه على طرف من الإجمال، ولا يخرج عنها إلا زيادةٌ شاذة في حديث ضعيف أو منكر، إذ لو استوعبنا منه كما استوعبنا من غيره من أبواب هذا الكتاب لكان ذلك قريباً مما مضى، ولخرجنا عن غير المقصود إلى الإطناب الممل. والله المستعان، وجعلناه فصولاً (1) ".

1 -
فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة
3568 - (1) [
صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال:
جاءَ أعْرابيٌّ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما الصُّورُ؟ قال:
"
قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ".
رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه".

3569 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كيفَ أنْعَمُ وقدِ التَقم صاحِبُ القْرنِ القَرنَ، وحنى جَبْهَتَهُ، وأصْغَى سَمْعَهُ؛ يَنْتَظرُ أنْ يُؤْمَر فَينْفُخَ؟! ".
فكأنَّ ذلك ثَقُلَ على أصْحابِه فقالوا: كيفَ نَفْعَلُ يا رسول الله! أوَ نَقولُ؟ قال:
"
قولوا: حَسْبُنا الله، ونِعْمَ الوكيلُ، على الله توَكَّلْنا -وربَّما قالَ: توكَّلْنا
__________
(1)
قلت: وعلى ذلك، فقد رأينا أن نعامل الفصول هنا معاملتنا للأبواب، من حيث إعطاء رقم لكل فصل؛ رقمه المتسلسل.

(3/408)


على الله-".
رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن"، وابن حبان في "صحيحه".

3570 - (3) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد، والطبراني من حديث زيد بن أرقم.

3571 - (4) [
صحيح لغيره] ومن حديث ابن عباس أيضاً.

3572 - (5) [
صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
". . .
فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوبَ فلا يطويانه، وإن الرجل لَيمْدُرُ حوضَه فلا يسقي منه شيئاً أبداً، والرجل يحلبُ ناقته فلا يشربه أبداً".
رواه الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون. (1)
(
مَدَر) الحوض، أي: طيَّنه لئلا يتسرب منه الماء.

3573 - (6) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لتَقومُ الساعَةُ وثوبُهما بَيْنَهُما لا يَتبايَعانِه ولا يَطْويانِه، ولَتَقومُ الساعَةُ وقدِ انْصرَف بلَبنِ لَقْحَتِه لا يَطْعَمُه، ولَتقومُ الساعَةُ يلوط حَوْضَهُ لا يَسْقيه، ولَتقومُ الساعَةُ وقد رفَع لُقْمَتَهُ إلى فيه لا يَطْعَمُها".
رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه" (2).
__________
(1)
كذا قال! ومثله قول الهيثمي: ". . ورجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن عبد الله مولى المغيرة، وهو ثقة".
قلت: لم يوثقه أحد، بل صرح بجهالته جمع كما بينته في "الضعيفة" (5009)؛ وأما الجهلة فحسنوه! ولا أدري لمَ لم يصححوا هذا وأمثاله؟! بل هم أنفسهم لا يدرون! (خبط عشواء)! نعم يمكن أن يكون عذرهم أنهم وجدوا للشطر المثبت هنا شاهداً من حديث أبي هريرة الآتي بعده، ولكنه عذر أقبح من ذنب؛ لأنه شاهد قاصر ليس فيه ما يشهد لهذا، ولهم من مثله كثير، وقد مضى التنبيه على ما تيسر منه، فمن عيهم وجهلهم أُتوا!!
(2)
قلت: والسياق لابن حبان، ورواه البخاري (6506) في حديث نحوه، ومسلم (8/ 210) دون الجملة الأخيرة.

(3/409)


(
لاطَه) بالطاء المهملة بمعنى: مَدَرَه (1).

3574 - (7) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما بينَ النَّفْخَتَيْنِ أربَعون".
قيل: أربَعون يوماً؟ قال أبو هريرة: أبَيْتُ، قالوا: أربعونَ شَهْراً؟ قال: أبَيْتُ، قالوا: أربعون سنَةً؟ قال: أبَيْتُ.
ثُمَّ ينْزِلُ مِنَ السماءِ ماءٌ فيَنْبُتونَ كما يَنْبُت البَقْلُ، وليسَ مِنَ الإنْسانِ شيْءٌ إلا يَبْلَى إلاَّ عَظْمٌ واحِدٌ، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، منه يُرَكَّبُ الخَلْقُ يومَ القِيامَةِ.
رواه البخاري ومسلم. ولمسلم قال:
"
إنَّ في الإنْسانِ عَظْماً لا تأْكُله الأرْضُ أبداً، فيه يُرَكَّبُ الخَلْقُ يومَ القِيامَةِ".
قالوا: أيُّ عظْمٍ هو يا رسولَ الله؟ قال:
"
عَجْبُ الذَّنَبِ".
[
صحيح] ورواه مالك وأبو داود، والنسائي باختصار وقال:
"
كلُّ ابْنِ آدَم تأْكُله الأرْضُ إلا عَجْبُ الذَّنَبِ، منه خُلِقَ، وفيه يَركَّبُ".
(
عَجْب الذَّنب) بفتح العين وإسكان الجيم بعدها باء أو ميم، وهو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب، وأصل الذنب من ذوات الأربع.

3575 - (8) [
صحيح] وعنه [يعني أبا سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه]:
أنَّه لمّا حضَره الموتُ دَعا بثِيابٍ جُدُدٍ فلَبِسَها، ثُمَّ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
__________
(1)
و (المدر): هو الطين المتماسك.

(3/410)


"
الميِّتُ يُبْعَثُ في ثيابِه التي يَموتُ فيها".
رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وفي إسناده يحيى بن أيوب، وهو الغافقي المصري، احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، وله مناكير، وقال أبو حاتم: "لا يحتج به".
وقال أحمد: "سيئ الحفظ". وقال النسائي: "ليس بالقوي".
وقد قال كل من وقفت على كلامه من أهل اللغة: إن المراد بقوله: "يبعث في ثيابه التي قبض فيها"؛ أي: في أعماله. قال الهروي:
"
وهذا كحديثه الآخر: "يبُعث العبد على ما مات عليه". قال: وليس قول من ذهب إلى الأكفان بشيء، لأن الميت إنما يكفن بعد الموت" انتهى.
(
قال الحافظ):
"
وفِعل أبي سعيد راوي الحديث يدل على إجرائه على ظاهره، وأن الميت يبعث في ثيابه التي قبض فيها. وفي "الصحاح" وغيرها أن الناس يبعثون عراة؛ كما سيأتي في الفصل بعده إن شاء الله. فالله سبحانه أعلم" (1).
__________
(1)
قلت: انظر وجهاً آخر للجمع في "الفتح" (11/ 383).

(3/411)


2 -
فصل في الحشر وغيره.
3576 - (1) [
صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطُبُ على المِنْبَرِ يقولُ:
"
إنَّكُمْ ملاقو الله حُفاةً عُراةً غُرْلاً -زاد في رواية: مُشاةً-".
[
صحيح] وفي رواية قال:
قامَ فينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْعِظَةٍ فقال:
"
يا أَيُّها الناسُ! إنَّكم مَحْشورونَ إلى الله حُفاةً عُراةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، ألا وإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى [يوم القيامة] إبْراهيمُ عليه السلامُ، ألا وإنَّهُ سيُجَاءُ برِجالٍ مِنْ أُمَّتي فيُؤْخذ بِهمِ ذاتَ الشمالِ، فأقولُ: يا ربِّ! أَصْحابي! فيقولُ: إنَّكَ لا تَدْري ما أحْدَثوا بَعْدَك، فأقولُ كما قال العَبْدُ الصالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله: {العَزِيزُ الحَكِيمُ}، قال: فيُقال لي: إنَّهم لَمْ يزالوا مُرْتَدِّين على أعْقابِهم مُنْذُ فارَقْتَهُم". (1)

3577 - (2) [
صحيح] زاد في رواية:
"
فأقول: سُحْقاً سُحْقاً". (2)
__________
(1)
قلت: هذه الرواية سياقها لمسلم (8/ 157)، وللبخاري (6526) نحوه. واللفظ الأول للبخاري (6525)، والزيادة عنده في الرواية التي قبلها (6524)، وفيها ما في اللفظ الأول، وهو كذلك عند مسلم (8/ 156)، ولذلك فقوله: "زاد في رواية: مشاة" لغو لا فائدة منه تذكر.
(2)
لم أجد هذه الزيادة في "الصحيحين" عن ابن عباس، ولا ذكرها الحافظ في شرحه إياه من "الفتح" (11/ 385)، كما هي عادته في استقصاء الزيادات، وقد زدت عليه في الاستقصاء في كتابي "مختصر صحيح البخاري" في كل أحاديث "الصحيح" ومنها هذا، وليس فيه الزيادة (2/ 210/ 1427)، فالظاهر أن المؤلف أخذها من بعض الأحاديث الأخرى، وهي في حديث الحوض ورد أقوام عنه؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عند البخاري (6584)، ومسلم (7/ 96). وعلق البخاري عقبه فقال:
"
وقال ابن عباس: (سحقاً): بعداً، يقال: (سحيق): بعيد، (سحقه وأسحقه): أبعده".

(3/412)


رواه البخاري ومسلم.
ورواه الترمذي والنسائي بنحوه.
(
الغُرْل) بضم الغين المعجمة وإسكان الراء: جمع أغرل، وهو الأقلف.

3578 - (3) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً".
قالَتْ عائشةُ: فقلتُ: الرجالُ والنساءُ جَميعاً ينظُر بعضُهم إلى بَعْضٍ؟ قال:
"
الأمْرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يَهُمِّهُمْ ذلك".
وفي رواية:
"
مِنْ أنْ يَنْظُرَ بعْضُهم إلى بَعْضٍ".
رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.

3579 - (4) [
حسن لغيره] وعن سودةَ بنتِ زمعةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُبعثُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً، قد ألجمَهم العرقُ، وبلغ شُحوم الآذانِ".
فقلت: يُبصِرُ بعضُنا بعضاً؟ فقال:
"
شُغِلَ الناسُ، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات. (1)

3580 - (5) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُحْشَرُ الناسُ يومَ القِيامَةِ على أرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْراءَ كقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فيها عَلَمٌ لأَحَدٍ".
__________
(1)
قلت: فيه من لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك جوَّد إسناده ابن كثير، وله شاهد من حديث عائشة، خرجتهما في "الصحيحة" (3469).

(3/413)


[
صحيح] وفي رواية: قال سهل أو غيره: "ليس فيها مَعْلمٌ لأحدٍ".
رواه البخاري ومسلم. (1)
(
العفراء): هي البيضاء، ليس بياضها بالناصع.
و (النقي): هو الخبز الأبيض.
و (المعلم) بفتح الميم: ما يجعل علماً وعلامة للطريق والحدود.
وقيل: (المعلم) الأثر، ومعناه: أنها لم توطأ قبل، فيكون فيها أثر أو علامة لأحد.

3581 - (6) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه:
أنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} أيُحْشَرُ الكافِرُ على وَجْهِهِ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ألَيْسَ الَّذي مَشَّاهُ على الرِّجْلَيْنِ في الدنيا قادراً على أنْ يُمَشِّيَهُ على وَجْهِه؟ ".
قَال قَتادةُ حين بلَغَهُ: بَلى وعزَّةِ رَبِّنا.
رواه البخاري ومسلم.

3582 - (7) [
حسن] وعن بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
إنَّكُم تُحْشَرون رِجالاً ورُكْباناً، وتُجَرُّونَ على وُجوهِكُمْ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

3583 - (8) [
حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يُحْشَرُ المتَكَبِّرونَ يوم القِيامَةِ أمْثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرجالِ، يَغْشاهُم الذُّلُّ مِنْ كلِّ مَكانٍ، يُساقونَ إلى سِجْنٍ في جَهنَّم يُقالُ له: (بُولَسُ)، تَعْلُوهُمْ نَارُ
__________
(1)
قلت: الرواية الأولى لمسلم (8/ 127)، والأخرى للبخاري (6521)، و (العَلَم) و (المَعْلَم) بمعنى واحد.

(3/414)


الأَنْيارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أهْلِ النار: طينَةِ الخَبَالِ".
رواه النسائي، والترمذي وقال:
"
حديث حسن". وتقدم مع غريبه في "الكبر" [23 - الأدب/ 22].

3584 - (9) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُحْشَرُ الناسُ (1) على ثلاثِ طَرائِقَ. راغِبين وراهبينَ، واثْنانِ على بَعيرٍ، وثلاثَةٌ على بعيرٍ، وأربَعةٌ على بعيرٍ، وعَشَرَةٌ على بعيرٍ، وتَحْشُر بَقِيَّتَهم النارُ، تَقيلُ معَهُمْ حيثُ قالوا، وتَبيْتُ معَهُمْ حيثُ باتوا، وتُصْبِحُ معَهُمْ حيث أصْبَحوا، وتُمْسي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا".
رواه البخاري ومسلم.
(
الطرائق): جمع طريقة: وهي الحالة.

3585 - (10) [
صحيح] وعنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يَعْرَقُ الناسُ يَوْمَ القِيامَة حتى يَذْهَبَ في الأرْضِ عَرَقُهم سبْعينَ ذِراعاً، وإنَّهُ يُلْجِمُهُم حتى يَبْلُغَ آذانَهُمْ".
رواه البخاري ومسلم.
__________
(1)
هنا في الأصل زيادة: (يوم القيامة)، ولا أصل لها عند الشيخين، ولا عند غيرهما ممن أخرج الحديث، وهم قرابة عشرة من الحفاظ، إلا النسائي؛ فإنه تفرد بها، وهي شاذة رواية ودراية كما حققته في "الصحيحة" (3395)، ولذلك قال الناجي (224/ 2): "هذا الحديث أدخله في "باب الحشر الأخروي" جماعة، منهم البخاري ومسلم والبيهقي في "البعث والنشور"، وليست لفظة (يوم القيامة) عندهم بلا خلاف، وإنما هي عند النسائي في "باب البعث" أواخر "الجنائز" فقط، ثم ساق بعده حديث أبي ذر الذي هو في الأصل" يعني قبل حديث عمرو بن شعيب المتقدم أيضاً، وهو في "المشكاة - التحقيق الثاني" (5548)، وهو يشير بذلك إلى شذوذ هذه الزيادة (يوم القيامة)، وهي حرية بذلك، فإن الحديث رواه جمع من الثقات عند الشيخين بدونها؛ بخلاف رواية النسائي، فإن رجاله وإن كانوا ثقات، فقد تفرد بهذه الزيادة أحدهم مخالفاً الثقات المشار إليهم عند الشيخين، أضف إلى ذلك أن هذه الزيادة تنافي بقية الحديث، الدال على أن ذلك قبل يوم القيامة، كما شرحه العسقلاني وغيره، وإن خفي عليه ورودها في النسائي! وخفي هذا كله على الجهلة الثلاثة، فأثبتوا الزيادة وعزوها للشيخين بالأرقام!!

(3/415)


3586 - (11) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} قال:
"
يقومُ أحَدُهم في رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيْهِ".
رواه البخاري، ومسلم واللفظ له.
ورواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً (1)، وصحح المرفوع.

3587 - (12) [
صحيح] وعن المقداد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
"
تدنو الشمسُ يومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتّى تكونَ مِنْهُم كمقدْارِ ميلِ. -قال سُلَيمِ (2) بن عامر: فوالله ما أدْري ما يَعني بالمِيل؟ مسافةَ الَأَرْضِ أوَ المَيلَ التي تُكْحَلُ به العينُ؟ قال:- فَيكونُ الناسُ على قدرِ أعْمالِهِم في العَرقِ، فمنْهُم مَنْ يكونُ إلى كَعْبَيْه، ومنهُمْ مَنْ يكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومنْهُمْ مَنْ يكونُ إلى حَقْوَيهِ، ومنهم مَنْ يُلْجِمُهَ العَرقُ إلْجاماً"، وأشارَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى فِيْهِ.
رواه مسلم.

3588 - (13) [
صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله يقول:
"
تَدْنو الشمسُ مِنَ الأرْضِ فيعْرَقُ الناسُ، فمِنَ الناسِ مَنْ يبلُغ عَرَقُه عَقِبَيْهِ، ومنهم مَنْ يبلُغُ [إلى] نصْفِ السَّاقِ، ومنهم مَنْ يبلُغُ إلى رُكْبتَيْه، ومنهم مَنْ يبلُغ العَجُزَ، ومنهم مَنْ يبلُغُ الخاصِرَةَ، ومنهم مَنْ يبلُغ منْكِبيْهِ، ومنهم مَنْ يبلغٌ عُنُقَهُ، ومنهم مَنْ يبلُغُ وسطَ فيهِ (3)، -وأشار بيده فألْجَمها فاهُ،
__________
(1)
قوله: "وموقوفاً" فيه نظر بينته في "التعليق الرغيب".
(2)
بضم أوله كما في "الخلاصة" وغيره. وفتحه خطأ كما وقع في طبعة عمارة، وطبعة مقلديها الثلاثة!
(3)
انظر التعليق التالي.

(3/416)


رأيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشيرُ هكذا-، ومنهم مَنْ يغَطِّيه عَرقُه"، وضرَب بيده إشارةً فأمَرَّ يدَه فَوقْ رأْسِه مِنْ غَيْرِ أنْ يصيبَ الرأْسَ، دَوَّرَ راحَتَه يَميناً وشِمَالاً.
رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". (1)

3589 - (14) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
" {
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} مقدارَ نِصْفِ (2) يومٍ مِنْ خَمْسينَ ألْفِ سنَةٍ، فيهون ذلك على المؤمن كَتَدَلِّي الشمس للغروبِ إلى أَن تغربَ".
رواه أبو يعلى بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه".

3590 - (15) [
حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تَجْتَمِعونَ يومَ القيامَةِ فيُقالُ: أيْنَ فُقراءُ هذه الأُمَّةِ ومسَاكينها؟ فيقُومون، فيقالُ لَهُم: ماذا عمِلْتُم؟ فيقولون: ربَّنا ابْتَلَيْتَنا فصَبرْنا، وولَّيْتَ الأمْوال والسُّلْطانَ غَيْرَنا، فيقولُ الله جلَّ وعَلا: صدقْتُم، قال: فيدْخلُون الجَنَّةَ قبلَ الناسِ، وتَبقَى شِدَّة الحِسَابِ، على ذَوي الأمْوال والسلْطانِ. قالوا: فأيْنَ المؤْمنِونَ يومَئذٍ؟ قال: تُوضَعُ لَهُم كراسِيُّ مِنْ نورٍ، ويظَللُ عليهم الغَمائم، يكونُ ذلك اليومُ أقصرَ على المؤْمِنين مِنْ ساعَةٍ مِنْ نَهارٍ".
رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 24 - التوبة/ 5].
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي في "التلخيص"، واللفظ له، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها منه، وبقيت كما هي في طبعة الثلاثة المزخرفة، وهي مفسدة للمعنى كقوله: "وسطه - وأشار بيده فألجمها فاه-"، فيالهم من محققين ثلاثة! وكم لهم من مثله! والله المستعان.
(2)
كذا في هذا الحديث، وكذلك جاء في بعض الآثار في "الدر المنثور" (6/ 324)، وهو مخرج في "الصحيحة" (2817).

(3/417)


(
قال الحافظ):
"
وقد صح أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام.
وتقدم ذلك في (الفقر) [هناك] ".

3591 - (16) [
صحيح] وعن عبد الله بْنِ مسعودٍ رضيَ الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يجمعُ الله الأوَّلينَ والآخِرين لِميقَاتِ يومٍ مَعْلومٍ، قياماً أرْبعينَ سنةً، شاخِصَةً أبْصارُهم [إلى السماء]، يَنْتَظِرونَ فَصْل القَضاءِ. -قال-:
ويَنْزِلُ الله عزَّ وجلَّ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ مِنَ العَرْشِ إلى الكُرْسيَّ، ثُمَّ يُنادي منادٍ: أيُّها الناسُ! ألَمْ تَرْضَوْا مِنْ ربِّكُم الَّذي خَلَقَكُمْ ورزَقَكُمْ وأمَرَكُمْ أنْ تَعْبُدوه ولا تُشْرِكوا به شَيْئاً أنْ يوليَ كلَّ أناسٍ منكم ما كانوا [يتولون و] يَعْبُدونَ في الدنيا، ألَيْسَ ذلك عَدْلاً مِنْ ربِّكم؟ قالوا: بَلى، فيَنْطَلِقُ كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يَعْبُدونَ ويتَولَّونَ في الدنيا، -قال:- فيَنْطَلِقونَ، ويُمَثَّلُ لهم أشْباهُ ما كانوا يَعْبدونَ، فمنهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إلى الشمْسِ، ومنهم مَنْ يَنْطَلِقُ إلى القَمرِ، والأوثانِ مِنَ الحِجارَةِ، وأشْباهِ ما كانوا يَعْبدُونَ، -قال:-
وُيمثَّلُ لِمنْ كانَ يعْبدُ عيسى شَيْطانُ عيسى، ويُمَثَّلُ لِمَنْ كانَ يعبدُ عُزَيراً شيطانُ عُزَيْرٍ، ويبقَى مُحمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأُمَّتُه، قال:
فيتَمثَّلُ الربُّ تبارك وتعالى، فيأْتِيهِمْ فيقولُ: ما لَكُم لا تَنْطَلِقونَ كما انْطلَق الناسُ؟ قال: فيقولون: إنَّ لَنا إلهاً ما رَأيناهُ [بعد]. فيقولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إنْ رأيْتُموه؟ فيقولون: إنَّ بيْنَنا وبينَهُ علامَةٌ إذا رأْيْناها، عَرْفناه، قال: فيقولُ: ما هِي؟ فيقولون: يكْشِفُ عنْ ساقِهِ، [قال:] فعندَ ذلك يَكْشِفُ عنْ

(3/418)


ساقِه (1)، فيَخِرُّ كلُّ مَنْ كان لظهره طبقٌ ساجداً (2)، ويَبْقَى قومٌ ظُهوُرهم كصَياصي البَقَرِ، يُريدونَ السجود فلا يَسْتَطيعون، {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}.
ثم يقولُ: ارْفَعوا رؤوسَكُم، فَيرفَعونَ رؤوسَهُم، فيُعْطيهِمْ نورَهُم على قدْرِ أعْمالِهْمِ، فمنهُمْ مَنْ يُعْطى نورَه مثلَ الجَبلِ العظيمِ؛ يَسْعى بَيْنَ أيْديهِمْ، ومنهم مَنْ يُعْطى نورَه أصْغَرَ مِنْ ذلك، ومنهم مَنْ يُعْطى مثلَ النخْلَةِ بيمينه، ومنهم مَنْ يُعطَى أصْغَرَ منْ ذلك حتى يكونَ آخِرُهُم رجلاً يُعْطى نورَه على إبْهامٍ قدَمِه، يضيءُ مرَّةً، ويُطْفَأُ مرَّةً، فإذا أضاءَ قدمُه قدِمَ [ومشى]، وإذا طفِئ قامَ، قال: والربُّ تبارَك وتعالى أمامَهُمْ حتى يُمَرَّ بهِمْ إلى النار فيَبْقَى أثَرُه (3) كَحَدِّ السَيْفِ [دَحْض مَزَلة] قال: فيقولُ: مُرُّوا، فيَمُرُّونَ على قدرِ نورِهِمْ، منهم مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفَةِ العَيْنِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالبَرْقِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالسحابِ، ومنهمْ مَنْ يمُرُّ كانْقِضاضِ الكَوْكَبِ، ومنهم مَنْ يَمُر كالريحِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَمُر كشَدِّ الفَرَسِ، ومِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كشَدِّ الرَّجُل، حتى يمرَّ الذي يُعْطى نورَه
__________
(1)
فيه إشارة إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. . .} الآية، وبيان أن الساق فيها إنما هو ساق الله جل جلاله، ففيه رد صريح على من يتأوله بغير ما صرح به هذا الحديث وغيره مما كنت خرجته في "الصحيحة" (583 و584) ولم أكن قد وقفت على إسناد حديث ابن مسعود هناك إلا موقوفاً، فها هو قد وقفنا عليه مرفوعاً والحمد لله عند الطبراني بسند صحيح في بعض طرقه، وصححه الهيثمي، وحسنه ابن القيم، وهو مخرج في "الصحيحة" (3129).
(2)
الأصل: (مشركاً يرائي لظهره)، والتصحيح من "الطبراني الكبير" (9/ 418)، و"التوحيد" لابن خزيمة (ص 155)، و"المستدرك" (4/ 590)، ومعنى (الطبق): فقار الظهر. كما في "النهاية". ولفظه في "المجمع" (10/ 341): "فيخر كل من كان نظر"؛ أي: نظر إلى الله.
(3)
كذا الأصل تبعاً لأصله "المعجم الكبير"، وهو غير واضح، فلعل فيه سقطاً. ولفظه في "المستدرك" بعد قوله: "وإذا طفئ قام": (فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة). فلعل هذا هو الصواب. ويظهر أن الخطأ قديم لأنه كذلك في "المجمع" وغيره. والله أعلم.

(3/419)


على ظهر [إبهام] قدمِه يَحْبو على وجْهِهِ وَيديْهِ ورجْلَيْه، تَخِرُّيَدٌ وتَعَلَّقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجْل، وتَعَلَّقُ رِجْلٌ، وتُصيبُ جوانِبَهُ النارُ، فلا يزالُ كذلك حتى يَخلُصَ، فإذا خلَصَ وقفَ عليها فقالَ: الحمدُ لله الذي أْعطاني ما لَمْ يُعْطِ أحَداً؛ إذْ أنْجاني منْها بعد إذ رأَيْتها. قال:
فيَنْطلقُ به إلى غديرٍ عند بابِ الجنَّةِ فيغْتَسِلُ، فيعودُ إليه ريحُ أهْلِ الجنَّةِ وألْوانُهم، فيرى ما في الجنَّة مِنْ خِلال البابِ، فيقولُ: ربِّ أَدْخلني الجنَّةَ. فيقولُ الله [له]: أتَسْأَلُ الجنَّةَ وقد نَجَّيْتُكَ مِنَ النارِ؟ فيقولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَيْني وبيْنَها حِجاباً حتى لا أسْمعَ حَسيسَها. قال:
فيدْخُلُ الجنَّةَ، ويرى أوْ يُرفَعُ له مَنْزِلٌ أمامَ ذلك كأنَّ ما هو فيه بالنسبَةِ إلَيْهِ حُلُمٌ، فيقولُ: ربِّ! أعْطِيْ ذلك المنْزِلَ. فيقولُ [له]: لعَلَّكَ إنْ أَعطَيتُكَهُ تَسْأَلُ غيرَه؟ فيقول: لا وعِزَّتِكَ لا أسْألُك غَيرَهُ، وأنِّي مَنزِلٌ أحْسن منه؟ فيُعْطاه، فينزلُه، ويرى أمامَ ذلك منزلاً، كأنَّ ما هو فيه بالنسبةِ إليْهِ حُلُمٌ. قال: ربِّ أعْطِني ذلك المنْزِلَ، فيقولُ الله تبارَك وتعالى له. لعلَّكَ إنْ أعطيتُكَهُ تَسْأَلُ غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتِك [لا أسألك]، وأنِّي مَنزِلٌ أحْسَن منه؟ فيُعْطاه فينزله، ثُمَّ يسْكتُ. فيقولُ الله جلَّ ذِكْرُه: ما لَك لا تَسْأَلُ؟ فيقولُ: ربِّ! قد سأَلْتُكَ حتى استَتْحيَيْتُكَ، [وأقسمت لك حتى استحييتك] فيقول الله جلَّ ذِكْرُه: ألَمْ ترضَ أنْ أعْطيَكَ مثلَ الدنيا منذُ خَلْقتُها إلى يومِ أفْنَيْتُها وعَشَرةَ أضْعافِه؟ فيقولُ: أتَهْزَأُ بي وأنْتَ ربُّ العِزَّة؟ [فيضْحَكُ الرَّبُّ عزّ وجلّ من قوله".
قال: فرأيتُ عبد الله بنَ مسعودٍ إذا بَلَغَ هذا المكانَ مِنْ هذا الحديثِ ضَحِكَ، فقالَ لهُ رجلٌ. يا أبا عبدِ الرحمنِ! قَدْ سمعتُكَ تُحدّثُ هذا الحديثَ مراراً، كلّما بَلَغْتَ هذا المكانَ ضَحِكْتَ؟ فقالَ: إني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(3/420)


يحدّث هذا الحديثَ مراراً كلّما بَلَغَ هذا المكانَ مِنْ هذا الحديثِ ضَحِكَ حتى تبدوَ أضراسُه]، (1) قالَ: فيقولُ الربُّ جلَّ ذِكْرُه: لا، ولكنِّي على ذلك قادِرٌ، فيقولُ: ألحِقْني بالناسِ، فيقولُ: الْحَقْ بالناسِ.
فيَنْطَلِقُ يرْمُل في الجنَّةِ، حتى إذا دَنا مِنَ الناسِ رُفِعَ له قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ، فيَخِرُّ ساجِداً، فيقولُ له: ارْفَعْ رأْسَك، مالَك؟ فيقولُ: رأيتُ ربِّي أو تَراءى لي ربِّي، فيقالُ: إنَّما هو منزِلٌ مِنْ منازِلكَ. قال: ثُمَّ يلقى رجُلاً فيتَهيَّأُ لِلسُّجودِ له، فيقالُ لَه: مَهْ! فيقولُ: رأيتُ أنَّك مَلَكٌ مِنَ الملائِكَةِ، فيقولُ: إنَّما أنا خازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ، وعبدٌ مِنْ عَبيدِك، تحت يدي ألفُ قَهْرمانٍ على [مثل] ما أنا عليهِ. قال:
فيَنْطَلِقُ أمامَهُ حتى يَفتَحَ له بابَ القَصْرِ، قال: وهو مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ، سقائِفُها وأبْوابُها وأغْلاقُها ومفاتيحُها منها، تَسْتَقْبِلُه جوْهَرةٌ خَضْراءُ، مُبَطَّنَةٌ بحمراء، (فيها سبْعون باباً، كلُّ بابٍ يُفْضي إلى جَوْهَرةٍ خَضْراءَ، مُبَطَّنةٍ،) (2) كلُّ جَوْهرةٍ تُفْضي إلى جَوْهَرةِ على غيرِ لَوْنِ الأُخْرى، في كلِّ جوهَرةٍ سرُرٌ وأزْواجٌ ووَصائفُ، أدْناهُنَّ حوْراءُ عَيْناءُ، عليها سبْعونَ حُلَّةً، يُرى مُخَّ ساقِها منْ وراءِ حُلَلِها، كَبِدُها مِرْآتُه، وكَبِدُه مِرْآتُها، إذا أَعْرضَ عنها إعراضَةً ازْدادَتْ في عَيْنِه سبْعينَ ضِعْفاً عمّا كانَتْ قبلَ ذلك، فيقولُ لها: والله لقد ازْدَدْتِ في عيني سَبْعين ضِعْفاً، وتقولُ له: وأنتَ [والله] لَقدِ ازْدَدْتَ في عيْني سَبْعين
__________
(1)
قلت: هذا المقطع كأن إسقاطه كان متعمِّداً من بعض الناسخين، لأنه لا مثيل له إلا لمن أراد الاختصار، ولا وجه له في مثل هذا الحديث الطويل، لا سيما وقد ثبت فيما يأتي، وقد أعاده المؤلف (28 - صفة الجنة/ فصل 2/ 1) بتمامه.
(2)
ما بين الهلالين لم يرد في "السنة" للإمام أحمد، ولا في "المجمع"، فلعلها مقحمة من بعض النساخ.

(3/421)


ضِعْفاً، فيقالُ له: أشرِفْ، أَشرِفْ. فيُشْرِفَ، فيُقالُ له: مُلْكُكَ مسيرةُ مئَةِ عامِ، يَنْفذُه بَصَرُكَ".
قال: فقال له عمر: ألا تَسْمَعُ ما يُحدِّثُنا ابْنُ أمِّ عبدٍ يا كعْبُ عن أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ مَنزِلاً، فكيفَ أعْلاهُم؟
قال: يا أميرَ المؤْمِنينَ ما لا عَيْنٌ رأَتْ ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، فذكر الحديث.
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني من طرق أحدها صحيح، واللفظ له، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد". (1)
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" (3129)، والزيادات من "الطبراني" و"المجمع". وتمام الحديث يأتي حيث أعاده المؤلف في "صفة الجنة" (رقم 3704).

(3/422)


3 -
فصل في ذكر الحساب وغيره.
3592 - (1) [
حسن صحيح] وعن أبي برزة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامَة حتى يُسْأَلَ عن أربَعٍ: عن عُمُرهِ فيمَ أفْناه؟ وعن عِلْمِه ماذا عَمِلَ بِه؟ (1) وعَنْ مالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ، وفيمَ أنْفقَهُ؟ وعنْ جِسْمِه فيمَ أبْلاهُ؟ ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". [مضى 3 - العلم/ 9].

3593 - (2) [
صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَنْ تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتى يُسْأَلَ عن أربِع خِصالٍ: عَنْ عمُرهِ فيمَ أَفْنَاهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعنْ مَالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أَنفَقَهُ؟ وعَنْ علْمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ".
رواه البزار، والطبراني بإسناد صحيح، واللفظ له. [مضى هناك].

3594 - (3) [
صحيح] وعن عائشةَ رضيَ الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّب".
فقلتُ: أليسَ يقولُ الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}؟ فقال:
"
إنَّما ذلك العَرْضُ، وليْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يوَم القِيامَةِ إلا هَلَك".
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
__________
(1)
كذا وقع هنا، ووقع فيما تقدم: "وعن علمه فيم فعل"، وهو الذي في الترمذي (2/ 67).
وما هنا لفظ أبي يعلى والخطيب، إلا أنهما قالا: "فيه" مكان "به". وهو مخرج مع الذي بعده في "الصحيحة" (946).

(3/423)


3595 - (4) [
صحيح لغيره] وعن ابنِ الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ نوقِشَ الحِساب هَلكَ".
رواه البزار، والطبراني في "الكبير" بإسناد صحيح.

3596 - (5) [
صحيح لغيره] وعن عُتْبَة بن عبد رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو أنَّ رجلاً يَخِرُّ على وجْهِهِ مِنْ يومِ وُلدَ إلى يومِ يمَوتُ هَرَماً في مَرْضاةِ الله عزَّ وجلَّ لَحَقَرَهُ يومَ القِيامَةِ".
رواه الطراني، ورواته ثقات؛ إلا بقية. (1)

3597 - (6) [
صحيح] وعن محمد بن أبي عَميرة -وكان مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أحسبه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- (2) قال:
"
لوْ أنَّ رجلاً خَرّ على وجْهِه مِنْ يومِ وُلِدَ إلى يومِ يَموتُ هَرَماً في طاعَةِ الله عزَّ وجلَّ لَحقَرهُ ذلك اليومَ، ولَوَدَّ أنَّهُ رُدَّ إلى الدنْيا كَيْما يَزْدادَ مِنَ الأجْرِ والثوابِ".
رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".

3598 - (7) [
صحيح] وعن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّها كانَتْ تقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
سدِّدوا وقارِبوا وأبْشِروا، فإنَّه لَنْ يُدخِلَ أحداً الجنةَ عَملُه".
__________
(1)
قلت: قد صرح بالتحديث عند أحمد (4/ 185)، فكان بالعزو إليه أولى، وقد رواه آخرون أعلى طبقة من الطبراني، وهو مخرج في "الصحيحة" (446)، ومن جهل المعلقين الثلاثة أنهم ضعفوا هذا الحديث بعلة العنعنة، مع أن الهيثمي قد قال (10/ 225): "رواه أحمد، وإسناده جيد"، ولكنهم لم يقفوا عليه!!
(2)
هذه الجملة ليست في "المسند" (4/ 185)، وفيه مكانها: "قال"، وكذا في "أطراف المسند" لابن حجر (4/ 287/ 5915)، فهو موقوف في حكم المرفوع، وسقط إسناده من "جامع المسانيد" (11/ 151)، ولم يتنبه له الدكتور المعلق! وكذلك لم يتنبه المعلقون الثلاثة للجملة الزائدة على "المسند" مع عزوهم إياه بالجزء والصفحة!!

(3/424)


قالوا: ولا أنْتَ يا رسولَ الله؟ قال:
"
ولا أنا؛ إلا أَنْ يَتَغمَّدني الله برَحْمَتِه".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

3599 - (8) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لَنْ يَدخُل الجنَّةَ أحَدٌ إلا برحْمَةِ الله".
قالوا: ولا أَنْتَ يا رسولَ الله؟ قال:
"
ولا أنا؛ إلا أنْ يَتغمَّدنيَ الله برحمَتهِ. وقال بيده فوق رأْسِه".
رواه أحمد بإسناد حسن. (1)

3600 - (9) [
صحيح لغيره] ورواه البزار والطبراني من حديث أبي موسى.

3601 - (10) [
صحيح لغيره] والطبراني أيضاً من حديث أسامة بن شريك.

3602 - (11) [
صحيح لغيره] والبزار أيضاً من حديث شريك بن طارق بإسناد جيد. (2)

3603 - (12) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لَتُؤدِّنَّ الحقوقُ إلى أهْلِها يومَ القِيامَةِ، حتى يُقادَ لِلشَّاةِ الجَلْحاءِ مِنَ الشاةِ القَرْنَاءِ".
رواه مسلم والترمذي.
__________
(1)
قلت: فيه عطية العوفي، لكنه أبعد النجعة، فقد أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، كما تراه مخرجاً وغيره من أحاديث الباب مجموعاً زياداتها في سياق واحد في "الصحيحة" (2602)، وبيان أنه لا ينافي الآيات المصرحة بأن دخول الجنة بالعمل، فراجع فإنه مهم.
(2)
قلت: هو كما قال إن ثبتت صحبة (شريك بن طارق) هذا، ففيها خلاف كما في "الإصابة"، وعنه أخرجه الطبراني أيضاً (7/ 369 - 370).

(3/425)


[
صحيح] ورواه أحمد، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بعْضٍ، حتى للْجماءِ (1) مِنَ القَرْناءِ، وحتى للذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ".
ورواته رواة "الصحيح".
(
الجلحاء): التي لا قرن لها.
3604 - (13) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ليَخْتَصمَنَّ كلُّ شيءٍ يومَ القيامَةِ، حتى الشاتانِ فيما انْتَطحَتا".
رواه أحمد بإسناد حسن.

3605 - (14) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد أيضاً وأبو يعلى من حديث أبي سعيد.

3606 - (15) [
صحيح] وعن عائشة رضيَ الله عنها:
أنَّ رجلاً مِنْ أصْحابِ رسولهِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلسَ بينَ يديْهِ، فقال: [يا] رسولَ الله! إنَّ لي مَمْلوكين يكذِّبونَني وَيخونونني وَيعْصونَني، وأضْرِبُهم وأشْتُمهمْ، فكيفَ أنا منهم؟ فقالَ له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُحسَبُ ما خَانوك وعَصوْك وكذَّبوكَ وعِقابُك إيَّاهُم، فإنْ كان عقابُكَ إيَّاهُمْ دونَ ذُنوِبهم؛ كان فَضْلاً لَك [عليهم]، وإنْ كان عِقابُك إيَّاهُم بقدْرِ ذنوبهم؛ كانَ كفافاً، لا لَك ولا عَليْكَ، وإنْ كان عِقابُكَ إيَّاهُمْ فوقَ ذُنوبِهِم؛ اقْتصَّ لَهم منكَ الفضْلُ الذي بَقِيَ قِبَلَكَ".
فجعل الرجلُ يَبْكي بينَ يدَيْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويهْتِفُ. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
الشاة التي لا قرن لها.

(3/426)


"
ما لَك؟ ما تَقْرأُ (1) كِتابَ الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}؟ ".
فقال الرجلُ: يا رسولَ الله! ما أجِدُ شيْئاً خيراً مِنْ فِراقِ هؤلاء -يعني عبيدَهُ-[إني] أشْهِدُك أنَّهم كلَّهم أحْرارٌ.
رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي:
"
حديث غريب لا نعرفه الا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث عن عبد الرحمن بن غزوان" انتهى.
(
قال الحافظ): "وإسناد أحمد والترمذي متصلان، ورواتهما ثقات؛ عبد الرحمن هذا يكنى أبا نوح؛ ثقة احتج به البخاري، وبقية رجال أحمد ثقات احتج بهم البخاري ومسلم". [مضى 20 - القضاء/ 10].

3607 - (16) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
من ضرب مملوكه سوطاً ظلماً اقتُصَّ منه يوم القيامة".
رواه البزار؛ والطبراني بإسناد حسن. [مضى هناك].

3608 - (17) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن أنيسٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
يَحْشُر الله العِبادَ يومَ القيامَةِ -أو قال: الناسَ- عُراةً غُرلاً بُهْماً".
قال: قلنا: وما (بُهْماً)؟ قال:
"
ليسَ معَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ ينادِيهمْ بصوتٍ يسْمَعُه مَنْ بَعدَ كما يسمَعُه مَنْ
__________
(1)
كذا الأصل وغيره، وفي "المسند" (6/ 280) والسياق هنا له: (ما له؟ ما يقرأ؟)، والزيادات منه، وأما سياق الترمذي فقد تقدم في (20 - القضاء/ 10 - باب/ 40 - حديث) مع التعليق عليه، فراجعه.

(3/427)


قَرُبَ: أنا الديَّان، أنا المَلِكُ، لا يَنْبَغي لأحَدٍ مِنْ أهْلِ النارِ أنْ يدخُلَ النارَ ولهُ عندَ أحدٍ مِنْ أهْلِ الجنَّةَ حقٌّ؛ حتى أَقُصَّهُ منْه، ولا يَنْبغي لأحَدٍ مِنْ أهْلِ الجنَّة أنْ يَدْخُلَ الجنَّةَ ولأَحَدٍ مِنْ أهْلِ النارِ عندَه حَقٌّ حتى أقُصَّهُ منه، حتى اللَّطْمَةَ".
قال: قلنا: كيفَ، وإنَّما نأْتي عراةً غُرْلاً بُهْماً؟! قال:
"
الحسَناتُ والسَّيِّئَاتُ".
رواه أحمد بإسناد حسن.
[
صحيح] وتقدم في "الغيبة" [23 - الأدب/ 19] حديث عن أبي هريرة عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
المفْلِسُ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأتي يومَ القِيامَة بصَلاةٍ وصِيامٍ وزَكاةٍ، ويأْتي قد شَتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَك دَم هذا، وضرَب هذا، فيُعطى هذا مِنْ حسَناتِه، وهذا منْ حسَناتِه، فإنْ فَنِيَتْ حَسناتُه قَبْلَ أنْ يَقْضِيَ ما عليه؛ أُخِذَ مِنْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ".
رواه مسلم وغيره.

3609 - (18) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قالوا: يا رسولَ الله! هَلْ نرى ربَّنَا يومَ القِيامَةِ؟ فقال:
"
هَلْ تُضارُّونَ في رُويَة الشمْسِ في الظهيرَة ليسَتْ في سحَابَة؟ ".
قالوا: لا. قال:
"
فهل تُضارُّونَ في رُوْيَةِ القَمرِ ليلةَ البَدْرِ ليسَ في سحَابَةٍ؟ ".
قالوا: لا. قال:

(3/428)


"
فوَالَّذي نَفْسي بيَدِه! لا تُضارُّون في رُؤْيَةِ ربِّكم إلا كما تُضارُّون في رُؤية أحَدِهما، فيَلْقَى العبدُ ربَّه فيقولُ: أيْ (فُلْ)! ألَمْ أُكْرِمْكَ وأسَوِّدْكَ وأزوِّجْكَ وأسخِّرْ لكَ الخيلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ ترأسُ وتربَع؟ فيقولُ: بَلى يا ربِّ، فيقولُ: أظنَنْتَ أنَّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقولُ: فإنِّي أنْساكَ كما نَسيتَني.
ثم يَلْقى الثاني فيقولُ: أيْ (فُلٌ!) ألَمْ أُكْرِمْكَ وأسوِّدك وأُزوِّجْكَ وأسخِّرْ لكَ الخيلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ ترأَسُ وتَرْبَع؟ فيقولُ: بلَى يا ربّ، فيقولُ: أظنَنْتَ أنَّك ملاقيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: إني أنساكَ كما نسيتني.
ثُم يَلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربِّ! آمنتُ بِكَ وبِكتابِكَ وبرسُلِك، وصلَّيْتُ، وصُمْتُ، وتصدَّقْتُ، ويثْني بخيرِ ما اسْتَطاعَ. فيقول: ههُنا إذاً. ثمَّ يقولُ: الآن نَبْعَثُ شاهدنا (1) عليك. فيتفَكَّرُ في نَفْسه: مَنْ ذا الَّذي يَشْهَد عليَّ؟ فيُخْتَمُ على فيهِ، ويقالُ لِفَخذِه [ولحمه، وعظامه]: انْطِقي. فيَنْطِقُ فخِذُه ولَحْمُه وعِظامُه بعَملِه. وذلك ليُعْذِرَ مِنْ نَفْسِه، وذلك المُنافِقُ، وذلك الذي يَسْخَطُ الله عليه".
رواه مسلم.
(
تَرْأَس) بمثناة فوق ثم راء ساكنة ثم همزة مفتوحة؛ أي: تصير رئيساً.
(
وتَرْبَع) بموحدة بعد الراء مفتوحة: معناه يأخذ ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه، وهو ربع المغانم، ويقال له: المرباع.
__________
(1)
الأصل: (شاهداً)، والتصحيح من (مسلم)، وقال الناجي (225/ 2). "كذا وجد، وإنما هو (شاهدنا) ".
وفي الأصل ألفاظ تختلف عنه بعض الشيء، وزيادات حذفتها لم أر من الضرورة التنبيه عليها، وأما المعلقون الثلاثة، فلم يصححوا شيئاً كعادتهم، وزادوا -ضغثاً على إبالة- أنهم عزوه لمسلم برقم (182)، وهذا رقم الحديث الآتي، وهو في "كتاب الإيمان"! وإنما رقمه (2968) في "كتاب الزهد"!

(3/429)


3610 - (19) [
صحيح] وعنه أيضاً:
أن الناس قالوا: يا رسولَ الله! هلْ نرى ربَّنا يومَ القيامَةِ؟ قال:
"
هل تُمارُون في القمرِ ليلةَ البدْرَ ليسَ دونَهُ سحَابٌ؟ ".
قالوا: لا يا رسولَ الله. قال:
"
هل تُمارونَ في الشمسِ ليسَ دونَها سَحاب؟ ".
قالوا: لا. قال:
"
فإنَّكم تَروْنَه كذلك.
يُحشَرُ الناسُ يومَ القيامَةِ، فيقول: مَنْ كان يعبدُ شيْئاً فلْيتَّبعْ، فمنهم مَنْ يَتّبعُ الشمْسَ ومنهم مَنْ يَتَّبع القَمرَ، ومنهم مَنْ يتَّبعُ الطواغِيتَ، وتَبْقَى هذه الأمَّة فيها مُنافِقوها، فيَأْتيهمُ الله فيقولُ: أنا ربُّكم، فيقولون: هذا مكانُنا حتى يأتينا ربُّنا، فإذا جاءَ ربُّنا عَرفْناه، فيأتيهمُ الله فيقول: أنا ربُّكم. فيقولون: أنْتَ ربُّنا، فيدْعوهُم.
ويضربُ الصراط بينَ ظهرانَيْ جهَنَّم، فأكونُ أوَّلَ مَنْ يَجوزُ مِنَ الرسُل بأُمَّتِه، ولا يَتكَلَّمُ يومَئذٍ أحَدٌ إلا الرسُلُ، وكلامُ الرسُلِ يومَئذِ: اللهُمَّ سلِّم سَلِّم، وفي جَهنم كلاليبُ مثلُ شَوْكِ السَّعْدانِ، هل رأيْتُم شوكَ السَّعْدانِ؟ ".
قالوا: نعم. قال:
"
فإنَّها مثلُ شوْكِ السَّعْدانِ غير أنَّه لا يعلَم قدْرَ عِظَمِها إلا الله، تخطَفُ الناسَ بأعْمالِهم، فمنهم مَنْ يوبَقُ بعَمله (1)، ومنهم مَنْ يُخَرْدَلُ (2) ثُمَّ يَنْجو، حتى إذا أرادَ الله رحمةَ مَنْ أراد مِنْ أَهْلِ النارِ؛ أمر الله الملائكةَ أنْ يُخْرِجوا مَنْ كان يعبدُ الله، فيخرجونَهُم، [ويعرفونهم] بآثارِ السجودِ، وحرَّمَ الله على النارِ أنْ تأْكُلَ أثَر السجودِ، فيَخْرجونَ مِنَ النارِ، [فكلُّ ابنِ آدمَ تأكُلُه النارُ إلا
__________
(1)
أي: يهلك.
(2)
أي: يصرع كما يأتي من المؤلف.

(3/430)


أثرَ السجودِ، فيخرجون من النارِ] وقد امتُحِشوا، فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَياةِ، فيَنْبِتونَ كما تنبُتُ الحِبَّةُ في حَميلِ السَّيْلِ.
ثم يَفرغ الله مِنَ القَضاءِ بينَ العِبَادِ، وَيبْقَى رجلٌ بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، -وهو آخِرُ أهْلِ النارِ دخولاً الجَنّة- مُقْبِلٌ بوَجْهِه قِبَلَ النارِ، فيقولُ: يا ربِّ! اصْرِفْ وَجْهي عنِ النارِ فقَدْ قَشَبني ريحُها، وأحْرَقني ذَكاها (1). فيقولُ: هَلْ عَسَيْتَ إنْ فعِلَ ذلك بك أنْ تَسْأَلَ غير ذلك؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ. فيُعطي الله ما يشاءُ مِنْ عهدٍ وميثاقٍ، فيصرِفُ الله وجهَهُ عنِ النارِ. فإذا أقْبلَ به على الجنَّةِ رأى بَهْجَتها، سكتَ ما شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ، ثمَّ قالَ: يا ربِّ! قدِّمْني عند باب الجنَّة! فيقولُ الله: أليسَ قد أعْطَيْتَ العهدَ والميثاقَ أنْ لا تسأَلَ غيرَ الذي كنتَ سأَلْتَ؟ فيقولُ: يا ربِّ! لا أكونُ أشْقَى خلقِك. فيقولُ: فما عَسَيْتَ إنْ أعطَيتُكَ ذلك أنْ تسأَل غَيرَهُ؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ لا أسْأَلُكَ غير هذا، فيُعْطي ربَّه ما شاءَ مِنْ عهْدٍ وميثاقٍ، فيُقَدِّمُه إلى بابِ الجنَّة، فإذا بلَغ بابَها رأى زَهْرَتها وما فيها مِنَ النَّضْرَةِ والسرورِ، فسكتَ ما شاءَ الله أَنْ يسْكتَ، فيقول: يا ربِّ أدْخِلْني الجنَّةَ! فيقول الله: ويْحكَ يا ابْنَ آدَم ما أغْدَرك! ألَيْس قد أعْطَيْتَني العهودَ [والميثاق] أن لا تَسْأَلَ غيرَ الذي أعطيتَ؟ فيقولُ: يا ربِّ! لا تَجْعَلْني أشْقَى خَلْقِك، فيَضْحَكُ الله منه، ثمَّ يأْذَنُ له في دُخول الجَنَّةِ، فيقولُ: تمنَّ، فيَتَمنّى، حتى إذا انْقطَعَتْ أُمنِيَّتُه، قال: تَمنَّ مِنْ كذا وكذا، يذَكِّرُه ربُّه حتى إذا انْتَهتْ به الأماني، قال الله: لكَ ذلك ومِثلُهُ معَهُ".
قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
قال الله: لكَ ذلك وعَشَرةُ أمْثالِه".
قال أبو هريرة: لَمْ أحْفَظْ مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ قولَه:
__________
(1)
أي: شدَّة حرها.

(3/431)


"
لكَ ذلك ومثْلُهُ معَهُ".
قال أبو سعيد: أشْهَد أنِّي سمعتُه مِنْ رسولِ الله يقول:
"
لكَ ذلك وعَشَرةُ أمْثالِه".
قال أبو هريرة: "وذلك الرجلُ آخِرُ أهْلِ الجنَّة دُخولاً الجنَّةَ".
رواه البخاري (1).
(
أي فُل) أي: يا فلان، حذفت منه الألف والنون لغير ترخيم، إذ لو كان ترخيماً لما حذفت الألف.
قال الأزهري: "ليست ترخيم (فلان)، ولكنها كلمة على حدة تُوقعها بنو أسْد على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، وأما غيرهم فيثني ويجمع ويؤنث".
(
أسوِّدك) بتشديد الواو وكسرها؛ أي: أجعلك سيداً في قومك.
(
السَّعدان): نبت ذو شوك معقف.
(
المخردل): المرمي المصروع. وقيل: المقطع، يقال: لحم خراديل؛ إذا كان قطعاً.
والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار.
(
امتُحِش) بضم التاء وكسر الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي: احترق. وقال الهيثم: "هو أن تُذهب النار الجِلدَ، وتُبدي العظم".
(
الحِبَّة) بكسر الحاء: هي البقول والرياحين. وقيل: بزر العشب. وقيل: نبت
__________
(1)
في مواطن من "صحيحه"، وهذا السياق في "الأذان" منه، دون قول أبي هريرة في آخره: "وذلك الرجل. . ."، فإنه عنده في "التوحيد". ثم إن في عزوه تقصيراً ظاهراً؛ فإنه في مسلم أيضاً كما تقدم بيانه في التعليق على الحديث الذي قبله، وسيعزوه إليه المؤلف أيضاً في (27/ 16 - فصل)، والنسائي كما قال الحافظ الناجي. ورواه أحمد أيضاً (2/ 275 - 276 و533 - 534). وفيه عنده قول أبي هريرة المشار إليه، وكذلك هو عند مسلم (299).

(3/432)


[
ينبت] (1) في الحشيش صغير. وقيل: جميع بزور النبات. وقيل: بزر ما نبت من غير بذر، وما بُذر تفتح حاؤه.
(
حَميلُ السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم: هو الزَّبَد، وما يلقيه على شاطئه.
(
قَشَبني ريحها) أي: آذاني.
(
ذكاها) بذال معجمة مفتوحة مقصور: هو إشعالها ولهبها.

3611 - (20) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:
قلنا: يا رسولَ الله! هَلْ نَرى ربَّنا يومَ القيامَةِ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
نَعم، فهلْ تُضارُّونَ في رُؤيَةِ الشمْسِ بالظهيرَة صَحْواً ليسَ مَعها سحاب؟ وهَلْ تُضارُّون في رُؤْيَةِ القَمرِ ليلَة البدْرِ صَحْواً ليسَ فيها سحَابٌ؟ ".
قالوا: لا يا رسولَ الله. قال:
"
فما تُضارُّون في رُؤْيَةِ الله تعالى يومَ القيامَةِ إلا كما تُضارُّون في رُؤْيَةِ أحَدِهما، إذا كانَ يومُ القيامَة أذَّن مؤَذِّنٌ: لتَتَّبعْ كلُّ أُمَّةٍ ما كانَتْ تعبُد، فلا يَبْقَى أحدٌ كان يعبدُ غيرَ الله مِنَ الأصْنامِ والأنْصاب إلا يتَساقَطون في النارِ، حتى إذا لَمْ يَبْقَ إلا مَنْ كان يعبدُ الله مِنْ بَرٍّ وفاجِرٍ وغُبَّرِ (2) أهْلِ الكِتابِ.
فيُدعَى اليهودُ، فيُقالُ لهم: ما كنتُمْ تعبُدونَ؟ قالوا: كنَّا نعبدُ عُزَيراً ابنَ الله! فيُقالُ: كذَبْتُم ما اتَّخَذ الله مِنْ صاحِبَةٍ ولا ولَدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ قالوا: عَطِشْنا يا ربَّنا فاسْقِنا، فيُشارُ إليهِم ألا تَرِدون؟ فيُحْشَرون إلى النارِ كأنَّها سرابٌ يحطِمُ بعضُها بعضاً، فيتَساقطونَ في النارِ.
__________
(1)
زيادة من "النهاية".
(2)
أي: بقاياهم، جمع (غابر). وكان الأصل: (وغيْر)، وهو تحريف مفسدٌ للمعنى كما لا يخفى.

(3/433)


ثُمَّ تُدعى النَّصارَى فيقالُ لَهُمْ: ما كنْتمْ تعبُدون؟ قالوا: كنَّا نَعبُد المسيحَ ابْنَ الله! فيقالُ لهم: كذَبْتُم ما اتَّخذ الله مِنْ صاحبَة ولا وَلدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ فيقولون: عطِشْنا يا ربَّنا فاسْقِنا، فيُشارُ إليْهِم: أَلا تَرِدون؟ فيُحْشَرون إلى جَهنَّم كأنَّها سرابٌ يَحطِمُ بعضُها بعضاً، فيتَساقطونَ في النارِ.
حتّى إذا لَم يَبْق إلا مَنْ كانَ يعبدُ الله مِنْ بَرٍّ وفاجِر أتاهُم الله في أدْنى صورَةٍ مِنَ التي رأوْهُ فيها، قال: فما تَنْتَظِرون؟ تَتْبَعُ كلُّ أمَّةٍ ما كانَتْ تعبدُ، قالوا: يا ربَّنا! فارَقْنا الناسَ في الدنيا أفْقَرَ ما كنّا إلَيْهِم، ولَمْ نُصاحِبْهُم، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نَعوذُ بالله مِنْكَ، لا نُشْرِكُ بالله شيئاً -مرتين أو ثلاثاً-، حتّى إنَّ بعضَهُم ليَكادُ أنْ يَنْقَلِبَ (1). فنقولُ: هَلْ بينَكم وبَيْنَهُ آيَةٌ فتَعْرِفونَهُ بها؟ فيقولون: نعم، فيُكْشَفُ عَنْ ساقٍ (2)، فلا يَبْقَى مَنْ كان يَسْجُد لله مِنْ تِلْقاءِ نَفْسه إلا أَذِنَ الله له بالسُّجودِ، ولا يَبْقى مَنْ كان يَسْجُد اتِّقاءً ورِياءً إلا جعَل الله ظَهْرَه طبقَةً واحِدةً، كُلَّما أرادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ على قَفاه.
ثم يَرفَعون رؤُوسَهُمْ وقد تحوَّلَ في صورَتِه التي رأَوْهُ فيها أوَّلَ مرَّة، فقال: أنا ربُّكم، فيقولون، أنْتَ ربُّنا، ثُمَّ يُضرَبُ الجِسْرُ على جَهنَّم، وتَحِلُّ (3) الشفاعَةُ، ويقولون: اللهُمَّ سلِّم سلِّم".
قيلَ: يا رسولَ الله! وما الجِسْرُ؟ قال:
"
دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فيه خطاطيفُ، وكَلاليبُ، وحَسَكٌ تكون بنَجْدٍ، فيها شُوَيْكَةٌ يقال لها: السَّعْدانُ، فيمرُّ المؤمِنونَ كطَرْفِ العَيْنِ، وكالبَرْقِ، وكالريحِ، وكالطيْرِ، وكأجاويدِ الخَيْلِ، والرِّكابِ، فناجٍ مُسَلَّم، ومَخدُوشٌ مرسَلٌ،
__________
(1)
أي: يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.
(2)
أي: ساق الرب جل جلاله؛ كما سبق ذلك صراحة في حديث ابن مسعود المتقدم (2 - فصل).
(3)
أي: تقع ويؤذن فيها.

(3/434)


ومكدوشٌ في نارِ جَهنَّم (1). حتى إذا خلَص المؤْمنون مِنَ النارِ، فوالَّذي نَفْسي بيَدِهِ ما مِنْ أحدٍ منكم بأشدَّ [لي] مُناشَدَة لله في اسْتِقْصاءِ (2) الحقِّ مِنْ المؤْمِنينَ لله يومَ القيامَةِ لإخْوانِهمُ الذينَ في النارِ -وفي رواية: فَما أْنتُم بأشَدَّ [لي] مُناشَدَةَ لله في الحَقِّ قد تَبيَّن لَكُمْ مِنَ المؤْمِنينَ يومَئذٍ لِلْجَبَّارِ إذا رَأَوْا أنَّهم قد نَجوا في إِخْوانِهم- (3) يَقولون: ربَّنا كانوا يَصومون مَعنا، ويُصَلُّون، وَيَحُجُّون، فيُقالُ لَهُمْ: أخْرِجوا مَنْ عَرفْتُم، فتُحَرّمُ صوَرُهُم على النارِ، فَيُخْرِجونَ خَلْقاً كثيراً قد أخَذتِ النارُ إلى نِصْفِ ساقَيْه، وإلِى ركْبَتيهِ، ثُمَّ يقولون: ربّنا ما بَقِيَ فيها أحَدٌ مِمَّنْ أمَرْتَنا به، فيُقال: ارْجِعوا، فَمَنْ وجَدْتُم في قَلْبِه مثقالَ دينارٍ مِنْ خيرٍ فأخْرِجوه. فيُخْرِجُون خَلْقاً كثيراً، ثم يقولون: ربّنا لَم نَذَرْ فيها أحداً مِمَّنْ أمَرْتَنا، ثُمَّ يقولُ: ارْجِعوا، فمَنْ وجدْتُم في قلْبِه مثقْالَ نصفِ دينارٍ مِنْ خيرٍ فأخْرِجوه، فيُخْرِجونَ خلْقاً كَثيراً، ثم يقولون: ربَّنا لَمْ نَذَرْ فيها مِمَّنْ أمَرْتَنا أحداً، ثم يقول: ارْجِعوا، فَمْن وَجدْتُم في قلْبهِ مثقالَ ذَرَّةٍ مِنْ خيرٍ فأخْرِجُوه. فيُخْرِجونَ خَلْقاً كثيراً، ثُمَّ يقولون: ربَّنا لَمْ نَذرْ فيها خيراً".
-
وكان أبو سعيد يقول: إنْ لَمْ تُصدِّقوني بهذا الحديثِ فاقْرؤا إنْ شِئْتُم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا
__________
(1)
معناه: أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلاً، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص، وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم.
(2)
أي: تحصيله من خصمه والمتعدي عليه. وكان الأصل (استيفاء)، فصححته من مسلم (302)، وغفل عنه الغافلون الثلاثة!
(3)
هذه الرواية للبخاري في "التوحيد" (7439)، وما بعدها استمرار لرواية مسلم (1/ 141 - 117).

(3/435)


عَظِيمًا} -، فيقولُ الله عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ الملائكةُ، وشَفَعَ النبيُّون، [وشفع المؤمنون]، ولَمْ يَبقْ إلا أَرْحَمُ الراحِمين، فيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النار، فيُخْرِجُ منها قوْماً مِنَ النارِ لَمْ يَعْملوا خَيْراً قَطُّ قدْ عادوا حُمَماً فيُلْقيهِمْ في نهرٍ في أفْواهِ الجنَّةِ يقال له: (نَهْرُ الحَياةِ)، فيخرجُون كما تخرجُ الحِبَّة في حَميلِ السَّيْلِ، ألا تروْنَها تكونُ إلى الحَجرِ أوْ إلى الشَّجرِ، ما يكونُ إلى الشَّمْسِ أصيْفَرُ وأُخَيْضَرُ، وما يكون منها إلى الظلِّ يكونُ أبيضَ".
فقالوا: يا رسولَ الله! كأنك كنتَ تَرعى بالبادِيَةِ!! قال:
"
فيَخْرجُون كاللُّؤْلُؤِ في رِقابِهمُ الخَواتيمُ، يَعرفهم أهل الجنة (1): هؤلاءِ عُتقَاءُ الله الذين أدْخَلهُم الله الجنَّةَ بغيرِ عَمَلٍ عَملوهُ ولا خيرٍ قدَّموه. ثم يقولُ: ادْخُلوا الجنَّةَ فما رأيْتُموه فهو لكم. (2)
فيقولون: ربَّنا أعْطَيْتَنا ما لمْ تُعْطِ أحداً مِنَ العالَمين؟ فيقول: لَكُم عنِدْي أفْضَلَ مِنْ هذا! فيقولون: يا ربَّنا! أيُّ شَيْءٍ أفْضَل مِنْ هذا؟ فيقولُ: رِضايَ، فلا أسْخَطُ عليكم أبَداً".
رواه البخاري، ومسلم واللفظ له (3).
(
الغُبَّر) بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مشددة مفتوحة: جمع (غابر): وهو الباقي.
وقوله: (دَحْضٌ مَزَلَّة): (الدحْض) بإسكان الحاء: هو الزلق. و (المزلة): هو المكان الذي لا يثبت عليه القدم إلا زلت.
__________
(1)
قلت: فيه اختصار بينته رواية البخاري: "فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة".
(2)
إلى هنا تنتهي رواية البخاري نحوه. وانظر تفاهة تخريجه من المعلقين الثلاثة فيما يأتي.
(3)
قلت: نعم، لكن الرواية الأخرى ليست له، وإنما هي للبخاري في "التوحيد" -كما تقدم. وإن من جهل المعلقين الثلاثة بفن التخريج فضلاً عن التحقيق والتصحيح أنهم عزوها للبخاري برقم (4581) أي في "التفسير"! وهي فيه إلى قوله: " (مرتين أو ثلاثاً) "!!

(3/436)


(
المكدوش) بشين معجمة: هو المدفوع في نار جهنم دفعا عنيفاً.
(
الحُمَم) بضم الحاء المهملة وفتح الميم: جمع (حممة)، وهي الفحمة. وبقية غريبه تقدم. [في آخر حديث أبي هريرة الذي قبله].

3612 - (21) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
كنا عند رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضَحِكَ، فقال:
"
هل تدرونِ ممَّ أضْحَكُ؟ ".
قلنا: الله ورسولُه أعلمُ. قال:
"
منْ مخاطَبةِ العبد ربَّه؛ يقولُ: يا ربِّ! ألَمْ تُجِرْني مِنَ الظُّلْمِ؟ يقول: بلَى. فيقولُ: إنِّي لا أجيَزُ (1) على نفْسي شاهِداً إلا مني. فيقولُ: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}، وبالكرامِ الكاتِبين شُهوداً. -قال:- فيُخْتَم على فيهِ، ويقالُ لأَرْكانِه: انْطِقي. فتَنْطِقُ بأعْمالِه، ثُمَّ يُخَلَّى بينَهُ وبينَ الكَلامِ، فيقولُ: بُعْداً لكُنَّ وسُحْقاً؛ فعَنْكُنَّ كنتُ أناضِلُ".
رواه مسلم.
(
أناضل) بالضاد المعجمة: أجادل وأخاصم وأدافع.
__________
(1)
هنا في الأصل زيادة (اليوم)، ولا أصل لها في "مسلم" (8/ 217)، ولا عند غيره ممن أخرج الحديث، كالنسائي في "الكبرى" (6/ 508)، والبيهقي في "الأسماء" (ص 217)، وغفل عنها الجهلة -كالعادة- فأثبتوها!

(3/437)


4 -
فصل في الحوض والميزان والصراط (1).
3613 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بنِ عَمْرِو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
حوضي مسيرةُ شهرٍ، ماؤهُ أبيضُ من اللبنِ، وريحهُ أطيبُ من المسكِ، وكيزانهُ كنجومِ السماءِ، من شربَ منه لا يظمأُ أبداً".
وفي رواية:
"
حَوْضي مسيرَة شهرٍ، وزواياه سَواءٌ، وماؤُه أبيض مِنَ الوَرِقِ".
رواه البخاري ومسلم. (2)

3614 - (2) [
صحيح] وعن أبي أُمامةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله وعَدني أنْ يُدخِلَ الجنَّةَ مِنْ أُمَّتي سبْعين ألفاً بغير حِساب".
فقال يزيدُ بْن الأخْنَس: والله ما أولئك في أمَّتِك إلا كالذُّبابِ الأصْهَبِ في الذُّبابِ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قد وعَدني سَبْعين ألفاً، مع كلِّ ألْفٍ سَبْعونَ ألفاً، وزادَني ثلاث حَثَياتٍ".
قال: فما سَعَةُ حوضِكَ يا نبيَّ الله؟ قال:
"
كما بينَ (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ)، وأوسَعُ، وأوْسَعُ". يشيرُ بيده. قال:
"
فيه مَثْعبَانِ مِنْ ذهبٍ وفِضَّةٍ".
__________
(1)
فيه إشارة إلى أن الصراط بعد الحوض، وهو الذي جزم به الحافظ في "الفتح" (11/ 405 - 406).
(2)
قال الناجي (ق 226/ 2): "رواه البخاري باللفظ الأول، ومسلم بالثاني".

(3/438)


قال: فما ماءُ حوضِك يا نبيَّ الله؟ قال:
"
أشدُّ بياضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى [مذاقةً] مِنَ العَسلِ، وأطيبُ رائحةً مِنَ المِسْكِ، مَن شربَ منه شَربَةً لَمْ يظْمَأْ بعدها أبداً، ولمْ يَسوَدَّ وجْهُه أَبداً".
[
صحيح] رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال:
عن أبي أمامة؛ أن يزيد بن الأخنس قال:
يا رسولَ الله! ما سعَةُ حوْضِكَ؟ قال:
"
ما بين (عَدَنٍ) إلى (عمَّانَ)، وإنَّ فيه مثْعَبَيْن مِنْ ذهبٍ وفِضةٍ".
قال: فما ماء حوضِكَ يا نبي الله؟ قال:
"
أشدُّ بيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى مَذاقةً مِنَ العَسلِ، وأطيبُ رائحةً مِنَ المِسْكِ، مَنْ شرِبَ منه لمْ يظمأْ أبداً، ولمْ يسْوَدَّ وجْهُه أبداً".
(
المَثْعَب) بفتح الميم والعين المهملة جميعاً بينهما ثاء مثلثة وآخره موحدة: وهو مسيل الماء.

3615 - (3) [
صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضي أذودُ الناسَ لأَهْلِ اليَمَن، أضْرِب بِعصايَ حتى يَرْفَضَّ (1) عَليْهِم".
فسُئل عَنْ عَرْضِه؟ فقال:
"
مِن مقامي إلى (عَمَّانَ) ".
وسُئل عن شَرابه؟ فقال:
__________
(1)
أي: يسيل الحوض عليهم.

(3/439)


"
أشدُّ بياضاً مِنَ اللَّبنِ، وأحْلى مِنَ العَسلِ، يَغُتُّ فيه مِيزابان يَمُدَّانِه مِنَ الجَنَّةِ، أحدُهما مِنْ ذَهبٍ والآخَرُ مِن وَرِقٍ".
رواه مسلم.
[
صحيح] وروى الترمذي وابن ماجه، والحاكم -وصححه- عن أبي سلام الحبشي قال:
بعَث إليَّ عُمَرُ بْنُ عبدِ العَزيز، فحُمِلْتُ على البَريدِ، فلمَّا دخْلتُ إليه قلتُ: يا أميرَ المؤْمِنينَ لقد شقَّ على مرْكبي البريدَ، فقال: يا أبا سلامٍ! ما أردْتُ أنْ أشُقَّ عليكَ، ولكنِّي بلَغني عنكَ حديثٌ تُحدِّثُه عن ثَوْبانَ عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحَوْضِ، فأحْبَبْتُ أنْ تُشافِهَني به.
فقلْتُ: حدَّثني ثَوْبانُ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حَوْضي مثلُ ما بينَ (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ البَلْقاءِ)، ماؤُه أشَدُّ بَياضاً مِنَ الثلْجِ، وأحْلى مِنَ العسَلِ، وأكْوابُه عددُ نُجوم السماءِ، مَنْ شرِبَ منه شَرْبةً لَمْ يظمأْ بعدَها أبداً، أوَّلُ الناسِ وُروداً عليه فُقراءُ المهاجرِينَ؛ الشُّعْثُ رُؤوساً، الدُّنَّسُ ثِياباً، الذين لا يَنْكِحونَ المنعَّماتِ، ولا يُفْتَح لهم أبْوابُ السُّدَدِ".
فقال عُمَرُ:
قد أُنْكِحْتُ المنعَّماتِ: فاطمةَ بنتِ عَبدِ المَلِكِ، وفُتِحتْ لي أبْوابُ السُّدَدِ، لا جَرَم لا أغْسِلُ رأْسي حتى يَشْعَثَ، ولا ثَوْبيَ الذي يَلي جَسَدي حتى يتَّسِخَ".
(
عُقْر الحوض) بضم العين وإسكان القاف: هو مؤخره.
(
أذود الناس لأهل اليمن) أي: أطردهم وأدفعهم لِيَرِدَ أهل اليمن.
(
يرفضّ) بتشديد الضاد المعجمة؛ أي: يسيل ويترشش.
(
يغُتُّ فيه ميزابان) هو بغين معجمة مضمومة ثم تاء مثناة فوق؛ أي: يجريان فيه

(3/440)


جرياً له صوت، وقيل: يدفقان فيه الماء دفقاً متتابعاً دائماً، من قولك: غت الشارب الماء جرعاً بعد جرع.
(
الشُّعث) بضم الشين المعجمة: جمع (أشعث)، وهو البعيد العهد بدَهن رأسه، وغسل وتسريح شعره.
(
الدُّنُس) بضم الدال والنون: جمع (دنس): وهو الوَسخ.

3616 - (4) [
صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حَوْضي كما بينَ (عَدَنٍ) و (عَمّانَ)، أبردُ مِنَ الثلْجِ، وأحلىِ مِنَ العَسلِ، وأطيبُ ريحاً مِنَ المسْكِ، أكْوابُه مثلَ نجومِ السماءِ، مَنْ شرِب منه شَربةً لَمْ يظمأْ بعدَها أبداً، أوَّلُ الناسِ عليه ورُوداً صَعاليكُ المُهاجِرين".
قال قائِلٌ: مَنْ هُم يا رسولَ الله؟ قال:
"
الشَّعِثَةُ رُؤوسُهم، الشَّحِبَةُ وجُوهُهمْ، الدَّنِسَة ثِيابُهم، لا تُفْتَحُ لهم السُّدَدُ، ولا يَنْكِحونَ المَنعَّماتِ، الذين يُعطُون كلَّ الَّذي علَيْهِمْ، ولا يَأْخُذون كلَّ الَّذي لَهُمْ".
رواه أحمد بإسناد حسن.
قوله: (الشَّحِبَةُ وجوههم) بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة: هو من الشحوب، وهو تغير الوجه من جوع أو هزال أو تعب.
وقوله: (لا تفتح لهم السدد) أي: لا تفتح لهم الأبواب.

3617 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
حَوْضي كما بينَ (عَدَنٍ) و (عَمَّانَ)، فيه أكاويبُ عددُ نجومِ السماءِ، مَنْ شَرِب منهُ لَمْ يظْمَأْ بعدَه أَبَداً، وإنَّ مِمَّنْ يرِدُهُ عليَّ مِنْ أُمَّتي: الشَّعِثَةُ

(3/441)


رؤُوسُهم، الدَّنِسَةُ ثِيابُهم، لا يَنْكِحونَ المنعَّماتِ، ولا يَحْضُرونَ السُّدَدَ -يعني أبوابَ السُلْطان-[الذين يُعطون كل الذي عليهم، ولا يُعْطَون كل الذي لهم] (1) ".
رواه الطبراني، وإسناده حسن في المتابعات.
(
الأكاويب): جمع كوب، وهو كوب لا عروة له، وقيل: لا خرطوم له، فإذا كان له خرطوم فهو إبريق.

3618 - (6) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما بينَ ناحِيتَيْ حَوْضي كما بينَ (صَنْعاءَ) و (المدينَةِ) ".
[
صحيح] وفي رواية:
"
مثلَ ما بين (المدينَةِ) و (عَمَّانَ) ".
[
صحيح] وفي رواية:
"
تُرى فيه أباريقُ الذهبِ والفِضَّةِ كعددِ نجومِ السماءِ".
[
صحيح] زاد في رواية:
"
أوْ أكثرَ مِنْ عَددِ نُجومِ السماءِ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما (2).

3619 - (7) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أعطيتُ الكَوْثرَ، فضرْبتُ بيدي فإذا هِيَ مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ (3)، وإذا حَصْباؤُها
__________
(1)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "المعجم الكبير" (8/ 140/ 7546)، و"مجمع الزوائد" (10/ 366).
(2)
قال الناجي رحمه الله: "هذه الألفاظ كلها لمسلم، ولفظ البخاري: "إن قدر حوضي كما بين (أيلة) و (صنعاء) من اليمن، وإن فيه أباريق كعدد نجوم السماء".
(3)
أي: طيبة الريح.

(3/442)


اللُّؤْلُؤُ، وإذا حافَّتاه -أظُنُّه قال:- قِبابٌ، يجري (1) على الأرْضِ جَرْياً ليس بِمَشْقوقٍ".
رواه البزار، وإسناده حسن في المتابعات.
ويأتي أحاديث الكوثر في "صفة الجنة" إن شاء الله تعالى.

3620 - (8) [
صحيح لغيره] وعن عتبة بن عبدٍ السلمي رضي الله عنه قال:
جاءَ أعْرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما حَوْضُك الذي تُحدِّثُ عنه؟ فقال:
"
هو كما بينَ (صَنْعاءَ) إلى (بُصْرى)، ثُمَّ يمدُّني الله فيه بكُراعٍ، لا يَدْري بَشَرٌ مِمَّنْ خُلِق أيُّ طرفَيْه".
قال: فكبَّر عُمَرُ رضْوانُ الله عليه. فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أمَّا الحوْضُ فيزْدَحِمُ عليه فُقراءُ المُهاجِرينَ الَّذين يُقْتَلون في سبيلِ الله، ويموتون في سبيلِ الله، وأرْجو أنْ يورِدَني الله الكُراعَ فأشْربَ منه".
رواه ابن حبان في "صحيحه".
(
الكُراع) بضم الكاف: هو الأنف الممدد من الحرة؛ استعير هنا (2). والله أعلم.

3621 - (9) [
حسن صحيح] وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ما بينَ ناحِيَتيْ حَوْضي كما بَيْنَ (أيْلَةَ) إلى (صَنْعاءَ) مسيرةَ شَهْرٍ،
__________
(1)
الأصل: (تجري)، وكذا في "المجمع"، والتصحيح من "كشف الأستار" (4/ 179/ 3488)، و"مسند أحمد" (3/ 152)، وسنده صحيح كسند البزار، وانظر "الصحيحة" (2513).
(2)
يشير هنا إلى أن أصل معنى (الكراع): ما دون الركبة إلى الكعب من الإنسان، ومن البقر والغنم: مستدق الساق العاري من اللحم، وتوضيح ابن الأثير في "النهاية" أوضح، حيث قال: "و (الكراع): جانبٌ مستطيل من الحَرَّة، تشبيهاً بالكراع، وهو ما دون الركبة من الساق".

(3/443)


عَرْضُه كَطوله، فيه مِرْزابانِ يَنْبَعِثانِ منَ الجنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وذَهَبٍ، أبيضُ مِنَ اللَّبنِ، وأبردُ مِنَ الثلْجِ، فيه أباريقُ عددَ نُجومِ السماءِ".
رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه" من رواية أبي الوازع -واسمه جابر بن عمرو- عن أبي برزة، واللفظ لابن حبان.

3622 - (10) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ لي حَوْضاً ما بينَ (الكعْبَةِ) و (بيتِ المقْدِسِ)، أبيضُ مِنَ اللَّبَنِ، آنِيَتُه عَددَ النُّجومِ، وإنَي لأَكْثَرُ الأنْبِياء تَبَعاً يومَ القِيامَةِ".
رواه ابن ماجه من حديث زكريا عن عطية -وهو العوفي- عنه.

3623 - (11) [
صحيح] ولمسلم [يعني من حديث أبي هريرة الذي في "الضعيف"] قال:
"
تَرِدُ عليُّ أمَّتي الحَوْضَ، وأنا أذودُ الناسَ عنه كما يذودُ الرجلُ إبِلَ الرجُلِ عَنْ إبِلِه".
قالوا: يا نبيَّ الله! تَعْرِفنا؟ قال:
"
نعم، لكُمْ سيما ليْسَتْ لأحَدٍ غيركُمْ، تَرِدونَ عليَّ غُرَّاً محَجّلينَ مِنْ آثارِ الوُضوءِ، ولَيُصَدَّنَّ عنِّي طائفَةٌ منكم فلا يَصلِونَ، فأقولُ: يا ربِّ! هؤلاءِ مِنْ أصْحابي، فيجيبُني مَلَكٌ فيقولُ: وهَلْ تَدْري ما أحْدَثوا بَعْدَكَ؟ ".

3624 - (12) [
صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ وهو بين ظهرانَيْ أصْحابِه:
"
إنِّي على الحوضِ أنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عليه منكم، فوَالله ليُقْتَطَعَنَّ دوني

(3/444)


رجالٌ؛ فلأَقولنَّ: أيْ ربِّ! منِّي ومِنْ أُمَّتي، فيقولُ: إنك لا تَدْري ما أحْدَثوا بَعْدَك؛ ما زالوا يَرْجِعون على أعْقابِهِم".
رواه مسلم.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

3625 - (13) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
سألْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يَشْفَع لي يومَ القيامَةِ فقال:
"
أنا فاعِلٌ إنْ شاءَ الله".
قلتُ: فأيْنَ أطْلُبكَ؟ قال:
"
أوَّلُ ما تَطْلُبني على الصراطِ".
قلتُ: فإنْ لَمْ ألْقَكَ على الصراطِ؟ قال:
"
فاطْلُبْني عندَ الميزانِ".
قلتُ: فإنْ لَمْ ألْقَك عندَ المِيزانِ؟ قال:
"
فاطْلُبْني عند الحَوْضِ؛ فإني لا أُخْطِي (1) هذه الثلاثَ المواطِنَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" (2). والبيهقي في "البعث" وغيره.

3626 - (14) [
صحيح لغيره] وعن سلمانَ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يوضعُ الميزانُ يومَ القيامةِ، فلو وُزِنَ فيه السموات والأرض لوُسِعَتْ،
__________
(1)
قال الناجي: "الياء غير مهموزة هنا، أي: لا أجاوز".
(2)
قلت: وضعفه بجهل بالغ صاحب "التوصل"، فلا تغتر به، فإنه خاوي الوفاض -رحمه الله وعفا عنه-. وأما الجهلة الثلاثة فحسنوه تقليداً، وأعلوه تعالماً، وانظر "الصحيحة" (2630).

(3/445)


فتقول الملائكةُ: يا رب! لمن يزنُ هذا؟ فيقولُ الله تعالى: لمن شئتُ من خلقي، فيقولون: سبحانَكَ! ما عبدناك حَقَّ عبادتِكَ".
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (1)

3627 - (15) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
"
يوضَعُ الصراطُ على سواءِ جهَنَّم، مثلَ حدِّ السيْفِ المرْهَفِ، مَدْحَضَةٌ مَزلَّةٌ، عليه كلاليبُ مِنْ نارٍ يَخْطَفُ بها؛ فمُمْسَكٌ يَهْوي فيها، ومَصْروعٌ، ومنهم مَنْ يمرُّون كالبَرْقِ فلا يَنْشَبُ ذلك أنْ يَنْجُو، ثم كالريحِ فلا ينْشَبُ ذلك أنْ يَنْجو، ثم كَجَرْيِ الفَرسِ، ثم كَرمَلِ الرجُلِ، ثم كمشْيِ الرجُلِ، ثم يكونُ آخرُهُم إنساناً رجلٌ قد لوَّحَتْهُ النارُ، ولقِي فيها شرّاً حتى يُدخِلَهُ الله الجنَّةَ بفَضْلِ رحمَتهِ، فيقالُ له: تَمَنَّ وسَلْ. فيقولُ: أيْ. ربِّ! أتَهْزَأُ منِّي وأنتَ ربُّ العِزَّةِ؟ فيُقال له: تَمنَّ وسَلْ، حتَّى إذا انْقطَعَتْ به الأماني قال: لَكَ ما سأَلْتَ ومثلُهُ مَعُه".
رواه الطبراني بإسناد حسن، وليس في أصلي رفعه.
وتقدم بمعناه في حديث أبي هريرة الطويل [3 - فصل/ 19 - حديث].

3628 - (16) [
صحيح] وعن أم مُبَشِّر الأنْصارية رضي الله عنها؛ أنَّها سمعَتْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول عند حفصة:
"
لا يدخلُ النارَ إنْ شاءَ الله مِنْ أصْحابِ (2) الشجَرةِ أَحدٌ؛ الذين بايَعوا تَحْتَها".
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر، لكن له طريق آخر خرجته في "الصحيحة" (941).
(2)
الأصل: (أهل)، والتصحيح من "مسلم" (2469).

(3/446)


قلتُ: بلَى يا رسول الله! فانْتَهرها. فقالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قد قال الله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} ".
رواه مسلم وابن ماجه.

3629 - (17) [
صحيح] وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يجْمَعُ الله الناسَ" فذكر الحديث إلى أن قالا:
"
فيأتونَ محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقومُ ويؤْذَنُ له، وتُرسَلُ معَه الأمانَةُ والرَّحِمُ، فتقومَان جَنْبَتيِ الصراطِ يميناً وشِمالاً، فيمرُّ أوَّلُكم كالبَرْقِ".
قال: قلتُ: بأبي أنتَ وأمِّي! أيُّ شيْءٍ كمرِّ البرق؟ قال:
"
ألَمْ تَروْا إلى البَرْقِ كيف يَمُرُّ وَيرْجعُ في طرْفَةِ عَيْنٍ، ثم كَمرِّ الريحِ، ثم كمرِّ الطَّيْرِ، وشدّ الرجال، تَجْري بِهم أعْمالُهم، ونبيُّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائِمٌ على الصراطِ يقولُ: ربِّ سلِّم سلِّم، حتى تعجِزَ أعْمالُ العبادِ، حتى يَجيءَ الرجلُ فلا يَسْتَطيع السيرَ إلا زَحْفاً، قال: وفي حافَّتَيِ الصراطِ كَلاليبُ مُعلَّقَةٌ مأْمورَةٌ بأخْذِ مَنْ أُمِرتْ بِه، فمَخْدوشٌ ناجٍ، ومَكْدوشٌ فى النارِ، والذي نفْسُ أبي هريرة بيده إنَّ قَعْرَ جهَنَّم لَسبْعون خَريفَاً".
رواه مسلم، ويأتي بتمامه في "الشفاعة" إن شاء الله.
[
صحيح] وتقدم حديث ابن مسعودٍ [2 - فصل] في "الحشر" [آخر حديث فيه]، وفيه:

(3/447)


"
والصراطُ كَحدِّ السيْفِ دَحْضٌ مزَلَّةٌ، قال: فيَمُرُّونَ على قدْرِ نورِهِمْ، فمنهم مَنْ يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوْكَبِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كالريحِ، ومنهم مَنْ يمُرُّ كشَدِّ الرَّجُلِ، ويرمُل رَمْلاً، فيمرُّون على قدْرِ أعْمالِهم، حتى يمرَّ الذي نورُه على إبْهامِ قدمهِ؛ تَخِرُّ يدٌ وتَعَلَّقُ يدٌ، وتخِرُّ رِجْلٌ وتَعلَّقُ رِجْلٌ، فتصيبُ جوانِبَهُ النارُ".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، والحاكم، واللفظ له.

3630 - (18) [
صحيح] وروى الحاكم أيضاً بإسناد ذكر أنه على شرط مسلم عن المسيب قال:
سألتُ مُرَّةَ عن قولِه تَعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}؟ فحدَّثني أنَّ ابْنَ مسْعودٍ حدَّثَهُم أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يَرِدُ الناسُ النارَ، ثم يَصْدُرون عَنْها بأَعْمالِهمْ، وأوَّلُهم كلَمْحِ البَرْقِ، ثم كمرِّ الريحِ، ثم كَحضرِ الفَرسِ، ثم كالراكِبِ في رَحْلِه، ثمَّ كشَدِّ الرجُّل، ثم كمَشْيِه".

3631 - (19) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يَلْقى رجلٌ أباهُ يومَ القِيامَة فيقولُ: يا أبَتِ! أيَّ ابْنٍ كنتُ لَك؟ فيقولُ: خيرَ ابْنٍ، فيقول: هَلْ أنْتَ مطيعي اليَوْمَ؟ فيقولُ: نعم، فيقولُ: خُذْ بأُزْرَتي، فيأخذ بأُزْرَتِه، ثُمَّ يَنْطَلِقُ حتى يأْتِيَ الله تعالى؛ وهو يَعْرِضُ (1) الخَلْقِ، فيقول:
__________
(1)
الأصل: (بعض الخلق)، والتصويب من "المستدرك" (4/ 589)، وكذا (البزار) (1/ 66/ 97)، و"الفتح" (499 و500).

(3/448)


يا عَبْدي! اُدْخُلْ مِنْ أيِّ أبوابِ الجَنَّةِ شِئْتَ. فيقولُ: أيْ ربِّ! وأَبي مَعي؛ فإنَّك وعَدْتَني أنْ لا تُخزِني. قال: فيَمْسَخُ الله أباه ضَبُعاً، فيَهْوي في النارِ، فيأْخُذُ بأنْفِه، فيقولُ الله: يا عَبْدي! أبوكَ هُوَ؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ".
رواه الحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم".
وهو في البخاري؛ إلا أنه قال:
"
يَلْقى إبراهيمُ أباه آزَرَ"، فذكر القصة بنحوه.

(3/449)


5 -
فصل في الشفاعة وغيرها.
(
قال الحافظ): "كان الأولى أن يقدم ذكر الشفاعة على ذكر الصراط؛ لأن وضع الصراط عند الإذن في الشفاعة العامة من حيث هي، ولكن هكذا اتفق الإملاء. والله المستعان".

3632 - (1) [
صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كلُّ نبيٍّ سألَ سُؤالاً -أو قال:- لِكلِّ نبيٍّ دعْوَةٌ قد دَعاها لأُمَّتِه، وإنِّي اخْتَبأْتُ دَعْوتي شَفاعةً لأُمَّتي".
رواه البخاري ومسلم.

3633 - (2) [
صحيح] وعن أم حبيبة رضي الله عنها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال:
"
أُرِيتُ ما يَلْقى أُمَّتي مِنْ بَعدي، وسَفْكَ بعْضِهم دماء بَعْضٍ؛ فأحْزَنَني، وسبقَ ذلك مِنَ الله عزَّ وجلَّ، كما سبقَ في الأُمَمِ قَبْلَهُم، فسأَلْتُه أنْ يوليَني فيهِمْ شَفاعةً يومَ القِيامَةِ، فَفَعَلَ".
رواه البيهقي في "البعث"، وصحح إسناده. (1)

3634 - (3) [
صحيح] وعن عبد الله بن عَمْروٍ رضي الله عنهما:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامَ غَزْوَةِ تَبوك قامَ مِنَ الليْل يُصَلِّي، فاجْتَمع رِجالٌ مِنْ أصْحابِه يَحْرسونَه، حتى صلّى وانْصَرفَ إليْهِمْ، فقال لَهُمْ:
"
لقد أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْساً ما أُعْطيهُنَّ أحَدٌ قبلي، أمَّا أنا فأُرْسِلْتُ إلى
__________
(1)
قلت: قد رواه من هو أعلى طبقة منه كشيخه الحاكم، بل وابن أبي عاصم في "السنة"، وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة (1440).

(3/450)


الناسِ كلِّهم عامَّةً؛ وكان مَنْ قَبلي إنَّما يُرْسَلُ إلى قَوْمِه، ونُصِرْتُ على العدوِّ بالرُّعْبِ ولو كان بَيْني وبيْنَهُ مسيرَةُ شهرٍ لَمُلئ منه [رُعْباً]، وأُحِلَّتْ ليَ الغَنائمُ آكلُها، وكان مَنْ قَبْلي يعظِّمونَ أكْلها، وكانوا يَحْرِقونَها، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مساجِدَ وطَهوراً؛ أينما أدْركتْني الصلاةُ تَمسَّحْتُ وصلَّيْتُ؛ وكان مَنْ قَبلْي يَعظِّمونَ ذلك، إنَّما كانوا يُصَلَّون في كنائِسهِم وبِيَعِهِمْ، والخامِسَة هِيَ ما هِيَ؟ قيلَ لي: سَلْ؛ فإنَّ كلَّ نبيٍّ قد سأَلَ، فأخَّرْتُ مَسْأَلتي إلى يَومِ القِيامَةِ، فهِيَ لَكُمْ، ولِمَنْ شَهِدَ أنْ لا إله إلا الله".
رواه أحمد بإسناد صحيح.

3635 - (4) [
صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن أبي عقيلٍ رضي الله عنةُ قال:
انْطلَقْتُ في وفدٍ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتَيْناهُ، فأَنَخْنا بِالبَابِ، وما في الناسِ أبغَضُ إلينا مِنْ رَجُلٍ يَلِجُ عليه، فما خَرجْنا حتّى ما كانَ في الناسِ أحَبَّ إلينا مِنْ رجُلٍ دخلَ عليه، فقال قائلٌ منَّا: يا رسولَ الله! ألا سأَلْتَ ربَّك مُلْكاً كمُلْك سليمانَ؟ قال: فضَحِكَ ثُمَّ قال:
"
فلَعلَّ لِصاحِبِكُم عندَ الله أفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمانَ، إنَّ الله لَمْ يَبْعَثْ نبيّاً إلا أَعْطاه دَعْوَةً، مِنْهُم مَنِ اتَّخذَها دُنْيا فأُعْطِيَها، ومنهم مَنْ دعا بِها على قوْمِه إذْ عَصَوْه فأُهْلِكوا بِها، فإنَّ الله أعْطاني دَعْوةً، فاخْتَبأْتُها عِنْدَ ربِّي شَفاعةً لأُمَّتي يومَ القيامةِ".
رواه الطبراني والبزار بإسناد جيد. (1)

3636 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أُعْطيتُ خَمْساً لَمْ يُعطَهُنَّ أحدٌ قَبلْي: جُعِلَتْ لي الأرضُ طَهوراً
__________
(1)
قلت: وابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 393 - 394/ 824).

(3/451)


ومسْجداً، وأُحِلَّتْ ليَ الغنائم، ولَمْ تُحَل لنبيِّ كان قَبْلي، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسيرَةَ شَهْرٍ على عدوِّي، وبُعِثْتُ إلى كلِّ أَحْمرَ وأسْوَد، وأُعْطيتُ الشَّفاعَةَ؛ وهي نائِلَةٌ مِنْ أُمَّتي مَنْ لا يُشْرِكُ بالله شَيْئاً".
رواه البزار، وإسناده جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً.
والأحاديث من هذا النوع كثيرة جداً في "الصحاح" وغيرها.

3637 - (6) [
صحيح لغيره] وعن عوف بن مالكٍ الأشجعي رضي الله عنه قال:
سافَرْنا معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَفراً، حتى إذا كانَ في اللَّيلِ أرِقَتْ عيْنايَ فلَمْ يأتِني النومُ؛ فقَمْتُ، فإذا لَيْس في العَسْكَرِ دابَّة إلا وضَع خَدَّه إلى الأرضِ، وأَرى وقْعَ كلَّ شيْءٍ في نَفْسي، فقلتُ: لآتِينَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلأَكْلأنَّه اللَّيْلَةَ، حتى أُصْبِحَ، فخرجْتُ أتَخلَّلُ الرِجالَ حتى خرجْتُ مِنَ العَسْكَرِ، فإذا أنا بسَوادٍ، فتَيَمَّمْتُ ذلك السَّوادَ، فإذا هو أبو عُبَيْدَة بْنُ الجَرَّاحِ ومعاذ بْن جَبَلٍ، فقالا لي: ما الَّذي أخْرجَك؟ فقلتُ: الذي أخْرَجكما، فإذا نَحنُ بغَيْضَةٍ منَّا غيرِ بَعيدَةٍ، فمشَيْنا إلى الغَيْضَةِ، فإذا نحن نَسْمَعُ فيها كدَوِيِّ النَحْلِ وحَفيف (1) الرِياحِ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ههُنا أبو عُبَيْدَة بْنِ الجَرَّاح؟ ".
قلنا: نعم. قال:
"
ومعاذُ بنُ جَبلٍ؟ ".
قلنا: نعم. قال:
"
وعوفُ بْنُ مالكٍ؟ ".
__________
(1)
الأصل: (وخفيق)، وفي "المجمع" (10/ 369)، والتصويب من "معجم الطبراني" (18/ 58/ 107).

(3/452)


قلنا: نَعمْ، فخرجَ إليْنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نَسْأَلُهُ عَنْ شيْءٍ، ولا يَسْأَلُنا عنْ شَيْءٍ حتى رجَع إلى رَحْلِه فقال:
"
ألا أُخْبركُمْ بما خَيَّرني ربِّي آنِفاً؟ ".
قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال:
"
خَيَّرني بينَ أنْ يُدخِلَ ثلُثَيْ (1) أُمَّتي الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذَابٍ، وبينَ الشَّفاعَةِ".
قلنا: يا رسولَ الله! ما الذي اخْترْتَ؟ قال:
"
اخْتَرْتُ الشَّفاعَةَ".
قلنا جَميعاً: يا رسول الله! اجْعَلْنا مِنْ أهلِ شَفاعَتِكَ. قال:
"
إنَّ شفاعَتي لكلِّ مسلمٍ".
رواه الطبراني بأسانيد أحدها جيد، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه؛ إلا أن عنده (الرجلين) معاذ بن جبل وأبو موسى، وهو كذلك في بعض روايات الطبراني، وهو المعروف.
[
صحيح] وقال ابن حبان في حديثه:
فقال معاذ: بأبي أنْتَ وأمِّي يا رسولَ الله! قد عرفْتَ منزِلَتي فاجْعَلْني منهُم. قال:
"
أنْتَ منهُمْ".
قال عوفُ بن مالك وأبو موسى: يا رسول الله! قد عرفتَ أنَّا تركْنا أمْوالَنا وأهْلينا وذَرارينا نؤْمِنُ بالله ورسولِه، فاجْعلنا منهمْ. قال:
__________
(1)
كذا الأصل و"المجمع" أيضاً، وفي "المعجم": (ثلث)، وسواء كان هذا أو ذاك، فهو منكر، فيه (فَرَج بن فضالة) وهو ضعيف، والمحفوظ في هذه القصة من طرق: (نصف أمتي) كما في رواية ابن حبان الآتية وغيرها. فانظر "السنة" لابن أبي عاصم (2/ 388 - 391 - الظلال)، و"المعجم الكبير" (18/ 126 و133 و134 و136)، و"المجمع" (10/ 368 - 370). وغفل عن ذلك الجهلة الثلاثة!

(3/453)


"
أنْتُما مِنْهُمْ".
قال: فانْتَهْينا إلى القومِ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتاني آتٍ مِنْ ربِّي، فخيَّرني بينَ أنْ يُدخِلَ نصفَ أُمَّتي الجنَّةَ، وبين الشَّفاعَةِ، فاخترتُ الشفاعَة".
فقال القومُ: يا رسول الله! اجْعَلْنا منهم. فقال:
"
أنْصِتُوا". فأنْصَتوا حتى كأنَّ أحداً لمْ يتكلَّمْ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هيَ لِمنْ ماتَ لا يشْرِكُ بالله شَيْئاً".

3638 - (7) [
صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال:
"
تُعطى الشمسُ يومَ القيامَةِ حرَّ عَشْرَ سنينَ، ثمَّ تُدنى مِنْ جَماجِم الناسِ". قال: فذكر الحديث، قال:
"
فيأتونَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقولون: يا نبيَّ الله! أنتَ الذي فتحِ الله لك، وغفَر لكَ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبِكَ وما تأَخَّر، وقد ترى ما نحنُ فيه، فاشْفع لنا إلى ربِّك.
فيقولُ: أنا صاحِبُكم، فيخرُجِ يجوسُ بينَ الناس حتى ينْتَهِيَ إلى بابِ الجنَّة، فيأْخُذ بحَلقةٍ في البابِ مِنْ ذهبٍ، فيَقْرعُ الباب، فيقول: مَنْ هذا؟ فيقولُ: مُحمَدٌ، فيُفْتَحُ له حتى يقومَ بينَ يديِ الله عزَّ وجلَّ، فيسجدُ، فينادَى: ارْفَعْ رأْسَك، سَلْ تعْطَهْ، واشْفَعْ تشَفَّعْ، فَذلك المَقامُ المحمودُ".
رواه الطبراني بإسناد صحيح.

3639 - (8) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنِّي لقائمٌ أنتَظرُ أُمَّتي تَعبُر، إذْ جاءَ عيسى عليه السلامُ، قال: فقال: هذه الأنبياءُ قد جاءَتْك يا محمَّدُ! يسْألونَ -أوْ قال:- يجْتَمعونَ إليْك تدعو الله أنْ يفَرِّقَ بين جَمْعِ الأُمَمِ إلى حيث يَشاءُ؛ لِعظَمِ ما هم فيهِ، فالخَلْق

(3/454)


ملْجَمونَ في العَرقِ، فأما المؤْمِنُ فهو عليه كالزَّكْمَةِ، وأما الكافِرُ فيتغَشَّاه الموتُ. قال: يا عيسى! انْتظِرْ حتى أرْجعَ إليكَ، قال:
وذهبَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقامَ تحتَ العرشِ، فلَقِيَ ما لَمْ يلقَ ملَكٌ مصْطفى، ولا نبيٌ مرسَلٌ، فأوحى الله إلى جبريلَ عليه السلامُ: أنِ اذْهَبْ إلى محمَّدٍ فقل له: ارْفَعْ رأْسَك، سَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. -قال:- فشُفِّعتُ في أُمَّتي أنْ أُخْرِج منْ كلِّ تسعةٍ وتسْعين إنْساناً واحِداً، قال: فما زِلْتُ أتردَّدُ على ربِّي فلا أقومُ فيه مقَاماً إلا شُفِّعتُ، حتى أعْطاني الله مِنْ ذلك أنْ قال: أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مِن خلْقِ الله مَنْ شَهِدَ أن لا إله إلا الله يوماً واحداً مُخْلِصاً، ومات على ذلك".
رواه أحمد، ورواته محتجٌ بهم في "الصحيح".

3640 - (9) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يدخُل مِنْ أهلِ هذه القبلَةِ النارَ مَنْ لا يحصي عددَهم إلا الله، بِما عَصُوا الله واجْتَرؤا على معصيتِهِ، وخالَفوا طاعَته، فيؤْذنُ لي في الشَّفاعة، فأثني على الله ساجِداً كما أُثْني عليه قائماً، فيقالُ لي: ارْفع رأْسَك، وسَلْ تُعْطَهُ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير" بإسناد حسن.

3641 - (10) [
حسن] وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال:
أصْبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يوم، فصلَّى الغداةَ، ثم جلَس، حتى إذا كانَ مِنَ الضُّحى ضَحِك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وجلَس مكانَه حتى صلّى الأولى والعصرَ والمغرِبَ، كل ذلك لا يتكَلَّمُ حتى صلّى العِشاءَ الآخِرَة ثم قام إلى

(3/455)


أهْلِه. فقال الناسُ لأبي بكْرٍ رضي الله عنه: سَلْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما شأْنُه صنَع اليومَ شيئاً لمْ يصْنَعْهُ قَطُّ؟ فقال:
"
نعم؛ عُرِضَ عليَّ ما هو كائنٌ مِنْ أمرِ الدنيا والآخِرَةِ، فجُمعَ الأوَّلونَ والآخِرونَ بصعيدٍ واحد، حتى انْطَلقوا إلى آدمَ عليه السلام والعَرقُ يكاد يُلجِمُهم، فقالوا: يا آدمُ! أنتَ أبو البَشر، اصْطفاكَ الله، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك. فقال: قد لَقيتُ مثلَ الذي لَقيتُم، انْطَلقوا إلى أبيكُم بعدَ أبيكُم؛ إلى نوحٍ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
فينْطَلقونَ إلى نوحٍ عليه السلامُ، فيقولون: اشْفَعْ لنا إلى ربِّك؛ فإنَّه اصْطفاكَ الله، واسْتَجاب لك في دُعائك، فلم يدَعْ على الأرِض مِنَ الكافرين دَيّاراً. فيقولُ: ليسَ ذاكُمْ عندي، فانطَلِقوا إلى إبْراهيم؛ فإنَّ الله اتَّخَذَهُ خليلاً.
فينْطَلقونَ إلى إبْراهيمَ عليه السلامُ فيقولُ: ليسَ ذاكُمْ عندي، فانْطَلِقوا إلى موسى؛ فإنَّ الله [قد] كلَّمه تكْليماً.
فينْطَلِقونَ إلى موسى عليه السلامُ فيقولُ: ليْسَ ذاكُمْ عندي، ولكنِ انْطَلقوا إلى عيسى ابن مريم؛ فإنَّه كان يُبْرِئُ الأكْمه والأبْرصَ، ويحيي الموْتى، فيقولُ عيسى؛ ليسَ ذاكُمْ عندي، ولكنِ انْطَلقوا إلى سيِّد وَلَدِ آدم؛ فإنَّهُ أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القيامَةِ، انْطَلِقوا إلى محمدٍ فلْيَشْفَعْ لكم إلى ربُّكُمْ. قال:
فينْطَلِقون إليَّ، وآتي جبريلَ، فيأتي جبريلُ ربَّه فيقول: ائْذن له، وبشِّرْه بالجنَّةِ. قال: فينطَلِقُ به جبريلُ فيخِرُّ ساجداً قدرَ جُمعَةٍ، ثمَّ يقولُ الله تبارَك وتعالى: يا محمَّد! ارْفَعْ رأْسَك، وقلْ تُسمَعْ، واشْفَعْ تُشفَّعْ. فيرفع رأْسَهُ، فإذا نظَر إلى ربِّه خرَّ ساجداً قدرَ جُمعةٍ أُخرى، فيقولُ الله: يا محمَّدُ! ارْفَعْ

(3/456)


رأْسَكَ، وقلْ تُسمَعْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فيذهَبُ لِيَقعَ ساجِداً، فيأخُذ جبريلُ بضَبْعيهِ (1)، ويفتَحُ الله عليه مِنَ الدُّعاء ما لَمْ يفتَحْ على بَشرٍ قَطُّ، فيقول: أيْ ربِّ! جعلْتَني سَيِّدَ ولدِ آدَم ولا فَخْرَ، وأوَّلَ منْ تنشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القِيامة ولا فخرَ، حتى إنهُ لَيَرِدُ عليَّ الحوضَ أكثرُ ما بين (صنْعاءَ) (وأيْلَةَ)، ثم يقالُ: ادْعوا الصدِّيقين، فيَشْفَعون، ثم يقالُ: ادْعوا الأنْبِياءَ، فيَجيءُ النبيُّ معه العِصابَةُ، والنبيُّ معه الخمسةُ والستَّةُ، والنبيُّ [ليس] معه أحدٌ، ثم يُقالُ: ادْعوا الشُّهداءَ، فيشفَعونَ فيمَنْ أرادوا، فإذا فعَلتِ الشهداءُ ذلك يقولُ الله جلَّ وعلا: أنا أرْحَمُ الراحمين، أدْخِلوا جنَّتي مَنْ كان لا يُشْرِكُ بي شيْئاً، فيدخلونَ الجنَّة.
ثم يقول الله تعالى: انْظُروا في النار؛ هلْ فيها مِنْ أحدٍ عمِلَ خيراً قطُّ؟ فيجدون في النار رجلاً، فيقال له: هلْ عمِلْتَ خيراً قطُّ؟ فيقولُ: لا، غيرَ أنِّي كنتُ أُسامِحُ الناسَ في البيْعِ، فيقولُ الله: اسْمَحوا لعبْدي كإسمْاحِه (2) إلى عَبيدي.
ثم يُخرَج منَ النار آخَرُ، فيقال له: هلْ عملتَ خيراً قطُّ؟ فيقول: لا، غيرَ أنِّي كنتُ أمرتُ ولدي: إذا متُّ فأَحْرِقوني بالنارِ ثم اطْحَنوني، حتى إذا كنتُ مثلَ الكُحْلِ اذْهبوا بي إلى البَحْرِ فذرّوني في الريحِ، فقال الله: لِمَ فعلْتَ ذلك؟ قال: مِنْ مخافَتِكَ. فيقولُ: انظرْ إلى مُلْكِ أعْظَمِ مَلِكٍ؛ فإنَّ لك مثلَهُ وعشرةَ أمْثالِه، فيقول: لِمَ تسْخَرُ بي وأنتَ المَلِكُ؟ فذلك الذي ضحِكْتُ منه مِنَ الضُّحى".
__________
(1)
تثنية (الضَّبع): وهو ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها.
(2)
في "النهاية": " (الإسماح) لغة في السماح، يقال: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء".

(3/457)


رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" وقال:
"
قال إسحاق -يعني ابن إبراهيم-: هذا من أشرف الحديث. وقد رَوى هذا الحديث عِدَّة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو هذا، منهم حذيفة وأبو مسعود (1) وأبو هريرة وغيرهم" انتهى.
(
العِصابة) بكسر العين: الجماعة لا واحد له. قاله الأخفش. وقيل: هي ما بين العشرة أو العشرين إلى الأربعين.

3642 - (11) [
صحيح] وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يجمعُ الله تبارك وتعالى الناسَ، -قال:- فيقومُ المؤمنونَ حتى تُزْلَف لهم الجنَّة، فيأْتونَ آدمَ فيقولون: يا أبانا! اسْتَفْتِح لنا الجنَّة، فيقولُ: وهل أخْرجَكم مِنَ الجنَّة إلا خطيئَة أبِيكم؟ لستُ بِصاحبِ ذلك، اذْهَبوا إلى النّبي إبراهيمَ خَليلِ الله. قال: فيقولُ إبْراهيمُ: لستُ بصاحِب ذلك، إنما كنتُ خليلاً مِنْ وراءَ وراءَ، اعْمَدوا إلى موسى الذي كلَّمهُ الله تكْليماً. قال: فيأْتون موسى، فيقولُ: لستُ بصاحبِ ذلك، اذْهَبوا إلى عيسى كلمَةِ الله ورُوحِهِ، فيقولُ عيسى: لستُ بصاحِب ذلك. فيأتون محمَّداً، فيقومُ، فيؤْذَنُ له، وترسَلُ الأمانَة والرَّحِمُ، فيقومان جَنْبَتي الصِّراطِ يميناً وشمالاً، فيمرُّ أوَّلُكم كالبرْقِ".
قال: قلتُ: بأبي وأمي! أيُّ شيْءٍ كالبرقِ؟ قال:
"
ألمْ تروْا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجعُ في طرفَةِ عيْنٍ؟ ثم كمرِّ الطيرِ، وشدِّ الرجالِ، تجري بهم أَعمالُهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصراطِ يقولُ: ربِّ سَلِّم
__________
(1)
كذا الأصل، وكذا في "موارد الظمآن في زوائد ابن حبان" (2589)، ولولا ذلك لرأيت أن الصواب (ابن مسعود)، فقد مضى حديثه بنحوه آخر الفصل (2)، ثم تأكدتُ من صواب الرأي حين رأيته موافقاً لما في "الإحسان". فالحمد لله، بينما غفل عنه المعلقون على "الموارد" طبعة المؤسسة وغيرها! فبالأولى أن يغفل عنه الجهلة الثلاثة!

(3/458)


سَلِّم، حتى تعجزَ أعمالُ العبادِ؛ حتى يجيءَ الرجلُ فلا يسْتطيعُ السيرَ إلا زَحْفاً. قال:
وفي حافَّتيِ الصراطِ كلاليبُ معلَّقةٌ مأْمورَةٌ بأخْذِ مَنْ أمِرَتْ به، فمخْدوشٌ ناجٍ، ومكْدوشٌ في النارِ. والَّذي نفس أبي هريرة بيده إنَّ قعْرَ جهَنَّم لَسبعون خَريفاً".
رواه مسلم. [مضى 4 - فصل/ 16 - حديث].

3643 - (12) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنا سيّدُ ولَدِ آدمَ يومَ القيامَة ولا فخْرَ، وبيدي لواءُ الحمْدِ ولا فخْرَ، وما مِنْ نبيِّ يومَئذٍ آدمَ فمَنْ سِواهُ إلا تحتَ لِوائي، وأنا أوَّلُ مَنْ تنْشَقُّ عنه الأرضُ ولا فخْرَ. . . قال: فآخذُ بحَلقَةِ بابِ الجنَّة فأُقَعْقِعُها،. . . (1) فأخِرُّ ساجِداً، فيُلْهِمُني الله مِنَ الثنَاءِ والحَمْدِ، فيقالُ لي: ارْفَعْ رأسَك، سَلْ تُعْطَه، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وقلْ يُسمَع لِقولِكَ، وهو المقامُ المحمودُ الذي قال الله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
[
صحيح لغيره] وروى ابن ماجه صدره قال:
"
أنا سيِّدُ ولَدِ آدمَ ولا فَخْرَ، وأنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القِيامَةِ ولا فَخْرَ، وأنا أوَّلُ شافعٍ، وأوَّلُ مشفَّعٍ ولا فَخْرَ، ولواءُ الحمْدِ بيدي يومَ القِيامَةِ ولا فَخْرَ".
وفي إسنادهما علي بن زيد بن جدعان.
__________
(1)
هنا في الأصل، وكذا في الموضع الأول جمل رويت في الحديث لم أجد لها شاهداً، بل فيها ما ينكر، فهي من حصة الكتاب الآخر، والمحتفظ به هنا له شواهد، فانظر "الصحيحة" (1570 و1571) و"الموارد" (2127). وأما الجهلة فحسنوه مطلقاً دون استثناء!

(3/459)


3644 - (13) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كنَّا معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دعوةٍ فرُفِعَ إليهِ الذِّراع، -وكانتْ تُعْجِبُه- فنهسَ منها نهْسَةً وقال:
"
أنا سيِّدُ الناسِ يومَ القيامَةِ، هل تدرونَ مِمَّ ذاك؟
يجمعُ الله الأوَّلينَ والآخِرين في صعيدٍ واحدٍ، فيبصرُهم الناظِرُ، ويسمَعُهم الداعي، وتدْنو منهمُ الشمسُ، [فيبلغُ الناسُ مِن الغَمِّ والكربِ ما لا يُطيقونَ ولا يحْتَمِلونَ]، فيقولُ [بعض] الناسِ: ألا تروْنَ إلى ما أنْتُم فيه وإلى ما بلَغكُمْ؟! ألا تَنظُرون مَنْ يَشْفَعُ لكم إلى ربِّكم؟ فيقولُ بعضُ الناسِ [لِبَعْضٍ]: أبوكم آدَمُ، فيأتونَهُ فيقولون: يا آدَمُ! أنتَ أبو البَشرِ، خلقكَ الله بيده، ونفَخ فيكَ مِنْ روحِه، وأمرَ الملائكةَ فسجَدوا لكَ، وأسْكنَك الجنَّةَ، ألا تَشْفَعُ لنا إلى ربِّك؟ ألا تَرى ما نحنُ فيه وما بلَغْنا؟ فيقول: إنَّ ربِّي غضِبَ اليومَ غَضَباً لَمْ يَغْضَب قبْلَه مثلَهُ، ولا يغضَبُ بعدَه مثلَهُ، وإنَّه نَهاني عنِ الشجرَةِ فعَصيْتُ، نَفْسي نَفْسي نَفْسي، اذْهَبوا إلى غيري، اذْهَبوا إلى نوحٍ.
فيَأتونَ نوحاً، فيقولون: يا نوحُ! أنْتَ أوَّلُ الرسُل إلى أهْلِ الأرض، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه، ألا ترى ما بلَغْنا، ألا تشْفعُ لنا إلى ربِّك؟ فيقول: إنَّ ربِّي غضِبَ اليومَ غضَباً، لَمْ يغضَبْ قبْلَه مثلَهُ، ولن يغضَبَ بعدَهُ مثْلَه، وإنَّه قد كان لي دَعوَة دعوتُ بها على قَوْمي، نفسي نفسي نفسي، اذْهَبوا إلى غَيْري، اذْهَبوا إلى إبْرهيمَ.
فيأْتُون إبْراهيمَ فيقولون: [يا إبراهيم!] أنتَ نبيُّ الله وخليلهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ لهُمْ: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَباً، لمْ يغضَبْ قبلهُ مثلَهُ، ولَنْ يغضَب بعدَه مِثلَهُ، وإنِّي كنت

(3/460)


كَذَبْتُ ثلاثَ كَذَباتٍ -فذَكرَها- نفْسي نفْسي نفْسي، اذْهَبوا إلى غيري، اذْهَبوا إلى موسى.
فيأتونَ موسى فيقولون: يا موسى! أنْتَ رسولُ الله، فضَّلكَ الله بِرسالاتِه وبِكَلامِه على الناسِ، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ: إن ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَباً لَمْ يَغضبْ قبلَهُ مثلَهُ، ولَن يغضبَ بعدَهُ مثلَهُ، وإنِّي قد قتَلْتُ نفْساً لَمْ أُومَرْ بقَتْلِها، نفْسي نفْسي نفْسي، اذْهَبوا إلى غيرْي، اذْهبوا إلى عيسى.
فيأْتونَ عيسى فيقولون: يا عيسى! أنْتَ رسولُ الله، وكلِمَتُهُ ألْقاها إلى مريم وروحٌ منه، وكلَّمتَ الناسَ في المهْدِ [صبياً]، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ عيسى: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَباً لَمْ يغْضَبْ قبلَهُ مثلَهُ، ولن يغضبَ بعدَه مثلَه -ولَمْ يذكُر ذَنْباً-، نفْسي نفْسي نفسي، اذْهَبوا إلى غيري، اذْهَبوا إلى مُحمَّدٍ.
فيأْتوني فيقولون: يا محمَّد! أنتَ رسولُ الله، وخاتَمُ الأَنْبِياءِ، وقد غَفر الله لك ما تقدَّم مِنْ ذنْبِكَ وما تأَخَّر، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فأنْطَلِقُ فآتي تحت العْرشِ، فأقَعُ ساجِداً لربي ثم يَفتحُ الله عليَّ مِنْ محامِدِه، وحُسْنِ الثَّناءِ عليه شيئاً لَمْ يفتَحْهُ على أحَدٍ قبْلي، ثُمَّ يقالُ: يا محمَّدُ! ارْفَعْ رأْسَك، سَلْ تُعطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فأرفَعُ رأْسي فأقولُ: أُمَّتي يا ربّ! أمَّتي يا ربّ! (1) فيقالُ: يا محمّد! أدْخِلْ مِنْ أمَّتِكَ مَنْ لا حِساب عليهِمْ مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِنْ أبْوابِ الجنَّةِ، وهم شركاءُ الناسِ فيما سِوى ذلك مِنَ الأبْوابِ". ثم قال:
__________
(1)
هنا في الأصل: (أمتي يا رب!) للمرة الثالثة، وهي ليست في "الصحيحين".

(3/461)


"
والَّذي نفْسي بيدِه! إنَّ ما بينَ المصْراعَيْنِ مِنْ مصاريعِ الجنَّةِ كما بينَ (مَكَّةَ) و (هَجَر)، أو كما بين (مكَّةَ) و (بُصْرى) ".
رواه البخاري ومسلم. (1)

3645 - (14) [
صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يقول إبْراهيمُ يومَ القِيامَةِ: يا ربَّاه! فيقولُ الربُّ جلَّ وعَلا: يا لَبَّيْكاهُ! فيقول إبراهيمُ: يا ربِّ! حَرقتَ بَنِيَّ، فيقولُ: أخْرِجوا مِنَ الناسِ مَنْ كانَ في قلْبِه ذرَّةٌ أو شعيرَةٌ مِنْ إيمانٍ".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولا أعلم في إسناده مطعناً.

3646 - (15) [
صحيح] وعن عبد الله بن شقيقٍ قال:
جلستُ إلى قومٍ أنا رابِعُهم، فقال أحدُهم: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
ليدخُلَنَّ الجنَّةَ بشفاعةِ رجلٍ مِنْ أُمَّتي أكثرُ مِنْ بني تَميمٍ".
قلنا: سواكَ يا رسولَ اللهَ؟ قال:
"
سوايَ".
قلتُ: أنتَ سمعْتَ هذا مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نَعَمْ. فلمَّا قامَ قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: ابنُ الجَدْعاءِ، أو ابن أبي الجدعاء.
رواه ابن حبان في "صحيحه"، وابن ماجه؛ إلا أنه قال: عن شقيق عن عبد الله بن أبي الجدعاء.
__________
(1)
قلت: والسياق للبخاري من روايتين له لفق بينهما المؤلف، إحداهما في "الأنبياء" (3340)، وتنتهي بقول نوح عليه السلام: "ولن يغضب مثله بعده"، وما بعده هي الرواية الأخرى في "التفسير" (4712)، ورواية مسلم (1/ 127 - 128) تامة، فلا أدري لماذا آثر المؤلف عليها التلفيق.

(3/462)


3647 - (16) [
صحيح] وعن أبي أمامةَ رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
لَيدخُلَنَّ الجنَّةَ بشفاعَةِ رجلٍ ليسَ بنبِيٍّ مثلُ الحيَّيْنِ (ربيعَةَ) و (مُضَرَ) ".
فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! أوَ ما ربيعَةُ مِنْ مُضَرٍ؟ قال:
"
إنَّما أقولُ ما أَقولُ".
رواه أحمد بإسناد جيد.

3648 - (17) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ الرجلَ ليشفَعُ لِلرجلَيْنِ والثلاثَةِ".
رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح".

3649 - (18) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه [أيضاً] قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
شفاعَتي لأَهْلِ الكبائِر مِنْ أُمَّتي".
رواه أبو داود والبزار والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

3650 - (19) [
صحيح لغيره] ورواه ابن حبان أيضاً والبيهقي من حديث جابر.
قال الحافظ:
"
وتقدم في "الجهاد" [ج 2/ 12/ 14] أحاديث في شفاعة الشهداء، وأحاديث الشفاعة كثيرة، وفيما ذكرناه غُنية عن سائرها. والله الموفق".

(3/463)


كتاب صفة الجنة والنار (1).
(
الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار).

3651 - (1) [
صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعلِّمهم هذا الدعاءَ كما يعلِّمُهم السورةَ مِنَ القرآنِ:
"
قولوا: اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جهنَّم، وأعوذُ بِكَ مِنْ عذابِ القبْرِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ المسيحِ الدَّجالِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فتنَةِ المحيا والممَاتِ".
رواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

3652 - (2) [
صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ قال: قالتْ أمُّ حبيبةَ زوجُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2): اللهُمَّ أمْتِعْني بزوجي رسولِ الله، وبأبي أبي سفيانَ، وبأَخي معاوِيةَ.
فقال:
" [
قد] سألتِ الله لآجالٍ مضْروبَةٍ، وأيّامٍ معدودَةٍ، وأرزاقٍ مقْسومَةٍ، لن يُعَجِّلَ الله شيئاً قبل حِلَّه، ولا يَؤخِّرُ [شيئاً عَنْ حِلِّهِ]، ولو كنتِ سألتِ الله أنْ يعيذَكِ مِنْ [عذابٍ في] النارِ، وعذابٍ [في] القبرِ؛ كان خيراً وأفْضلَ".
رواه مسلم.
__________
(1)
قد جعلته كتابين: (كتاب صفة النار) و (كتاب صفة الجنة) كما يأتي بيانه، فهذه الأحاديث الخمسة كالمقدمة لهما. ولذلك لم أعطه رقمه هنا اكتفاء بما يأتي لكل منهما.
(2)
الأصل: "وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أقول"، وهذا خطأ لا أصل له في "مسلم"، والصواب ما أثبتُّه، ومنه استدركت الزيادات، وكذلك أخرجه أحمد في "مسند ابن مسعود" (1/ 390 و413 و433 و445 و466). وغفل عن هذا كله الجهلة الثلاثة!

(3/464)


3653 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما اسْتَجارَ عبدٌ منَ النارِ سبعَ مراتٍ إلا قالتِ النارُ: يا ربِّ! إنَّ عبدَك فلاناً اسْتجارَ منِّي؛ فأجِرْهُ، ولا سأل عبدٌ الجنَّةَ سبعَ مراتٍ إلا قالَتِ الجنَّةُ: يا ربِّ! إن عبدَك فلاناً سألني؛ فأدْخِلْه الجنَّةَ".
رواه أبو يعلى بإسناد على شرط البخاري ومسلم. (1)

3654 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أنَسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَنْ سألَ الله الجنَّةَ ثلاثَ مراتٍ قالتِ الجنَّةُ: اللَّهُمَّ أدْخِلْهُ الجنَّة، ومنِ اسْتَجار مِنَ النارِ ثلاثَ مراتٍ قالَتِ النارُ: اللهُمَّ أجِرْهُ مِنَ النارِ".
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" -ولفظهم واحد-، والحاكم وقال:
"
صحيح الإسناد".

3655 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ لله ملائكةً سيَّارةً يتْبَعون مجالِسَ الذكْرِ"، فذكر الحديث إلى أن قال:
"
فيسأَلُهُم الله عزَّ وجلَّ -وهو أعَلمُ-: منْ أينَ جئْتُم؟ فيقولون: جئْنا مِنْ عندِ عبادٍ لكَ يسبِّحونَك، ويكبِّرونَك، ويهَلِّلونَك، وَيحْمَدونَك، ويسْألونَك.
قال: فما يسْأَلوني؟ قالوا: يَسْألونَك جَنَّتكَ. قال: وهلْ رأَوْا جنَّتي؟ قالوا: لا
__________
(1)
قلت: وهو كما قال، ووافقه جمع من الحفاظ، خلافاً لبعض المعاصرين الذين ليس لهم قدم راسخة في هذا العلم الشريف فضعفوه لوهم توهموه، وقد رددت عليهم مفصلاً في المجلد السادس رقم (2506)، واغتر بالتضعيف المذكور المعلقون الثلاثة، ألهمهم الله التوبة، مما جنوا على السنة.

(3/465)


أيْ ربِّ! قال: فكيفَ لوْ رأَوْا جنَّتي؟ قالوا: ويسْتَجيرونَك. قال: وممَّ يسْتجيروني؟ قالوا: مِنْ نارِك يا ربِّ! قال: وهلْ رأَوْا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيفَ لوْ رأوْا ناري؟ قالوا: ويسْتَغْفرونك. قال: فيقولُ قد غَفرتُ لهم، وأعطيْتهم ما سَألوا، وأجَرْتُهم مِمَّا اسْتَجاروا" الحديث.
رواه البخاري، ومسلم واللفظ له. وتقدم بتمامه في "الذكر" [ج2/ 2/14].

(3/466)


[27 -
كتاب صفة النار] (1).
(
الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنِّه وكرمه [ويشتمل على فصول]).

3656 - (1) [
صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال:
"
كان أكثرُ دعاءِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {رَبَّنَا (2) آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ".
رواه البخاري.

3657 - (2) [
صحيح] وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
اتَّقوا النارَ".
قال: وأشاح، ثمَّ قال:
"
اتَّقوا النارَ".
ثم أعْرضَ وأشاحَ (ثلاثاً)، حتى ظننّا أنه ينظُر إليْها، ثم قال:
"
اتَّقوا النارَ، ولوْ بشِقِّ تمرَةٍ، فمنْ لَمْ يجِدْ؛ فبكلِمَةٍ طيِّبَةٍ".
رواه البخاري ومسلم.
(
أشاح) بشين معجمة وحاء مهملة؛ معناه: حَذِر النار كأنه ينظر إليها.
وقال الفراء: المشيح على معنيين: المقبل إليك، والمانع لما وراء ظهره. قال: وقوله (أعرض وأشاح) أي: أقبل.
__________
(1)
الأصل: (كتاب صفة الجنة والنار) كما تقدم، فرأينا أن نجعل كتابين: "كتاب صفة النار" و"كتاب صفة الجنة" ليناسب ذلك ما يأتي من أبواب وفصول، ولسهولة التبويب في الهامش العلوي، وتفاؤلاً بحسن الخاتمة، وغير ذلك.
(2)
لفظ البخاري في هذا السياق: (اللهم آتنا. . .). أخرجه في "الدعاء"، وأخرجه في "تفسير البقرة" بلفظ: "كان يقول: (اللهم ربنا آتنا. . .) ". وباللفظ الأول أخرجه مسلم أيضاً (2690)، والبخاري في "الأدب المفرد" (677)، وأخرجه أبو داود بلفظ البخاري الثاني، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1359).

(3/467)


3658 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
لما نزلَتْ هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشاً فاجْتَمعوا، فَعَمَّ وخصَّ، فقال:
"
يا بني كعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ! أنْقِذوا أنْفُسَكم مِنَ النار، يا بَني مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ! أنْقذوا أنفُسَكم منَ النار، يا بني هاشِمٍ! أنْقذوا أنفُسَكم مِنَ النارِ، يا بني عبدِ المطلبِ! أنْقِذوا أَنفُسَكمَ مِنَ النارِ، يا فاطمَةُ! أنْقِذي نفْسَكِ مِنَ النارِ؛ فإنِّي لا أمْلِكَ لَكُمْ مِنَ الله شيْئاً".
رواه مسلم واللفظ له، والبخاري والترمذي والنسائي بنحوه.

3659 - (4) [
صحيح] وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبُ يقول:
"
أنذرْتُكم النارَ، أنذرْتُكم النارَ".
حتى لو أنَّ رجلاً كان بالسوقِ لسَمِعَه مِنْ مقامي هذا؛ حتى وقَعَتْ خميصَةٌ كانَتْ على عاتِقِه عند رِجْلَيْهِ.
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1).

3660 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّما مثَلي ومثَلُ أُمَّتي؛ كمثَلِ رجل اسْتَوْقَد ناراً، فجعلَتِ الدوابُّ والفَراشُ يقَعْنَ فيها، فأنا آخِذٌ بِحُجَزِكم، وأَنْتم تَقَحَّمونَ فيها".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:
"
مَثَلي (2) كَمَثَلِ رجلٍ اسْتَوْقَد ناراً، فلمَّا أضاءَتْ ما حولَهُ جعل الفَراشُ
__________
(1)
قلت: وهو كما قال، وفاته أنه أخرجه الدارمي أيضاً والطيالسي وأحمد في "مسنديهما".
(2)
الأصل: (إنما مثلي)، والمثبت من مسلم (7/ 63 - 64) و"المسند" (2/ 312) أيضاً، و"صحيفة همام" (29/ 4)، والزيادة منها، والزيادة التي فيها من "المسند" و"الصحيفة". وغفل عن ذلك كله المعلقون الثلاثة!

(3/468)


وهذه الدوابُّ [التي [يقعن] في النار] يَقَعْنَ فيها، وجعلَ يَحْجِزُهنَّ وَيغْلِبْنَهُ فيتَقَحَّمْن فيها". قال:
"
فذلكُم مَثَلي ومَثلُكم؛ أنا آخِذٌ بَحُجَزِكُم عنِ النار: هلُمَّ عنِ النارِ، هلَمَّ عنِ النارِ، فتَغْلِبوني وتقْتَحِمونَ فيها".

3661 - (6) [
صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
مَثَلي ومثَلُكم كمثْلِ رجُلٍ أوقد ناراً؛ فجعلَ الجنادبُ والفَراشُ يقَعْنَ فيها وهو يذُبُّهُنَّ عنها، وأَنا آخِذٌ بحُجَزِكم عنِ النارِ وأنتُم تَفَلَّتون مِنْ يَدي".
رواه مسلم.
(
الحُجَزُ) بضم الحاء وفتح الجيم: جمع (حُجْزة): وهي معقد الإزار.

3662 - (7) [
حسن لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما رأيتُ مثلَ النارِ نامَ هارِبُها، ولا مثلَ الجنَّةِ نامَ طالبُها".
رواه الترمذي وقال:
"
هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله -يعني ابن موهب التيمي-".
(
قال الحافظ): "قد رواه عبد الله بن شَريك عن أبيه عن محمد الأنصاري والسُّدِّي عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه البيهقي وغيره".

3663 - (8) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قالَ:
"
والَّذي نفْسي بيدِه! لو رآيْتُم ما رأيْتُ؛ لضَحِكْتُم قَليلاً، ولبَكَيْتُم كثيراً".
قالوا: وما رأيتَ يا رسولَ الله؟ قال:
"
رأيتُ الجنَّةَ والنارَ".
رواه مسلم وأبو يعلى.

(3/469)


3664 - (9) [
حسن لغيره] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال لِجبريلَ:
"
ما لي لا أرى ميكائيلَ ضاحِكاً قَطُّ؟ ".
قال: ما ضَحِكَ ميكائيلُ منذ خُلِقَتِ النارُ.
رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش، وبقية رواته ثقات.

3665 - (10) [
صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُؤْتَى بالنارِ يومَ القِيامَةِ لها سبْعون ألْفَ زِمامٍ، معَ كلِّ زِمامٍ سبْعونَ ألْفَ ملَكٍ يجُرُّونَها".
رواه مسلم والترمذي.

(3/470)


1 -
فصل في شدة حرها وغير ذلك.
3666 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
نارُكم هذه -ما يوقِدُ بنو آدَمِ- جزْءٌ واحدٌ مِنْ سبْعينَ جزءاً مِنْ نارِ جَهنَّمَ".
قالوا: والله إنْ كانَتْ لَكافِيَةً. قال:
"
إنَّها فُضِّلَتْ عليها بِتِسْعٍ وستِّين جُزْءاً، كلُّهُنَّ مثلُ حَرِّها".
رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي، (1) وليس عند مالك: "كلهن مثل حرها".
[
صحيح] ورواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، فزادوا فيه:
"
وضُربَتْ بالبَحْرِ مرَّتَيْنِ، ولولا ذلك ما جَعل الله فيها منفَعةً لأَحَدٍ".
[
صحيح] وفي رواية للبيهقي:
أنَّ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
تحسَبون أنَّ نارَ جهنَّمِ مثلُ نارِكم هذه؟! هيَ أشدُّ سَواداً مِنَ القارِ، هي جزءٌ مِنْ بِضْعَةٍ وستِّين جُزْءاً منها، أو نيِّفِ وأرْبَعين". شكَّ أبو سهل.
(
قال الحافظ): "وجميع ما يأتي في صفةَ الجنة والنار معزوّاً إلى البيهقي فهو مما ذكره في "كتاب البعث والنشور"، وما كان من غيره من كتبه أعزوه إليه إن شاء الله".

3667 - (2). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (2)

3668 - (3) [
صحيح] وعنه؛ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو كانَ في هذا المسْجِدِ مِئَة ألفٍ أوْ يَزيدونَ، وفيهم رجلٌ مِنْ أهْلِ النارِ فتَنفَّس، فأصابَهُم نَفَسُهُ؛ لاحْتَرق المسْجِدُ ومَنْ فيه".
__________
(1)
قلت: اللفظ المذكور إنما هو عند أحمد (2/ 313)، ومسلم أيضاً (8/ 149 - 150).
ورواية البيهقي الآتية هي في "البعث والنشور" بسند صحيح.
(2)
حُذف نص هذا الحديث بعدما تبين لي أخيراً أنه شاذ والكتاب جاهز للطبع.

(3/471)


رواه أبو يعلى، وإسناده حسن، وفي متنه نكارة.
[
صحيح لغيره] ورواه البزار. ولفظه:
قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لو كانَ في المسْجِد مِئةُ ألْفٍ أو يزيدونَ، ثم تَنفِّسَ رجلٌ مِنْ أهْلِ النارِ؛ لأحْرَقَهُمْ".

3669 - (4) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لمّا خلَق الله الجنَّة والنارَ، أرسلَ جبريلَ إلى الجنَّةِ فقال: انظرْ إليْها وإلى ما أعَددْتُ لأَهْلِها فيها، قال: فجاءَ فنظَر إليها وإلى ما أعدَّ الله لأَهْلِها فيها، قال: فرجَع إليْهِ، قال: وعِزَّتِكَ! لا يَسْمَعُ بها أحَدٌ إلا دخَلها! فأمَر بها فَحُفَّتْ بالمكَارِه. فقال: ارْجعْ إليْها فانْظُر إلى ما أعَددْتُ لأَهْلها فيها. قال: فرجَع إليها فإذا هِيَ قد حُفَّتْ بالمكارِه، فرجَع إليه فقال: وعِزَّتِكَ! لقد خِفتُ أنْ لا يَدْخُلَها أحَدٌ! وقال: اذْهَبْ إلى النارِ فانْظُرْ إليْها وإلى ما أعَدَدْتُ لأَهْلِها فيها، قال: فنظَر إليها، فإذا هي يَرْكَبُ بعضها بعضاً، فرجعَ إليه فقال: وعِزَّتِكَ لا يسمَعُ بها أحدٌ فيدْخُلَها، فأمَر بها فحُفَّتْ بالشَّهواتِ، فقال: ارْجعْ إليها، فرجَع إليها، فقال: وعِزَّتِك! لقد خَشيتُ أنْ لا يَنْجُوَ منها أحَدٌ إلا دخَلَها".
رواه أبو داود والنسائي، والترمذي واللفظ له، وقال:
"
حديث حسن صحيح".

(3/472)


2 -
فصل في ظلمتها وسوادها وشررها (1).
3670 - (1) [
صحيح] ورواه مالك والبيهقي في "الشعب" مختصراً مرفوعاً (2) [يعني عن أبي هريرة] قال:
"
أترونَها حمراء كنارِكم هذه؟! لَهِيَ أشدُّ سواداً من القار. و (القار) الزفت".

3 -
فصل في أوديتها وجبالها.
[
لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].
__________
(1)
انظر حديثه في "الضعيف".
(2)
قلت: كذا الأصل: (مرفوعاً)، وهو في "الموطأ" في "صفة جهنم" (3/ 156) موقوف غير مرفوع، ولكنه في حكم المرفوع. قال الباجي -كما في "تنوير الحوالك"-: "مثل هذا لا يعلمه أبو هريرة إلا بتوقيف". ولكني لم أره في "الشعب" لا مرفوعاً ولا موقوفاً، وإنما رواه في "البعث والنشور" (273/ 551) مرفوعاً في حديث لأبي هريرة تقدم في أول الفصل السابق في رواية للبيهقي، فالظاهر أن قوله: "الشعب" من تحريف النساخ، أو وهم من المنذري.

(3/473)


4 -
فصل في بُعْدِ قعرها.
3671 - (1) [
صحيح] عن خالد بن عميرٍ قال:
خطبَ عُتبةُ بنُ غزوانَ رضي الله عنهُ فقال: إنَّه ذُكِرَ لنا:
"
أنَّ الحجرَ يُلْقى مِنْ شَفَةِ جهَنَّم، فيهْوي فيها سَبْعينَ عاماً ما يُدْرِكُ لها قعْراً، والله لَتُملأَنَّ، أفَعجِبْتُم؟ ".
رواه مسلم هكذا.
[
صحيح لغيره] ورواه الترمذي عن الحسن قال:
قال عتبة بن غزوان على منبرنا هذا -يعني منبر البصرة- عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الصخْرَةَ العظيمَةَ لتُلْقى من شَفيرِ جهَنَّم، فتَهْوي فيها سبْعين عاماً وما تُفْضي إلى قرارِها".
قال: وكان عمر يقول: أكْثِروا ذكرَ النارِ؛ فإنَّ حرَّها شديدٌ، وإنَّ قعرَها بعيدٌ، وإنَّ مقامِعَها حديدٌ.
قال الترمذي:
"
لا نعرف للحسن سماعاً من عتبة بن غزوان. وإنما قدم عتبة بن غزوان البصرة في زمن عمر، وَوُلِدَ الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر".

3672 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو أنَّ حجَراً قُذِفَ به في جهَنَّم؛ لَهَوى سبعين خَرِيفاً (1) قبلَ أنْ يبلُغَ قعْرَها".
__________
(1)
كان هنا في الأصل زيادة: (فيه) فحذفتها لعدم ورودها في المصادر المذكورة، واللفظ لأبي يعلى (7243)، وهو مخرج في "الصحيحة" مع بعض شواهده تحت الحديث (1612).

(3/474)


رواه البزار وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من طريق عطاء ابن السائب.

3673 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كنَّا عندَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسمعْنا وجْبةً، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتدْرون ما هذا؟ ".
قلنا: الله ورسولُه أعلَمُ. قال:
"
هذا حَجرٌ أرسلَهُ الله في جهَنَّم منذُ سَبْعينَ خريفاً، فالآنَ حينَ انْتَهى إلى قَعْرِها".
رواه مسلم.

3674 - (4) [
صحيح لغيره] وعن معاذِ بْنِ جَبلٍ رضي الله عنه؛ أنَّه كان يخبرُ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
والَّذي نفْسي بيده! إنَّ بُعْدَ ما بينَ شفيرِ النارِ إلى أنْ يبْلُغَ قعرَها كصخْرةٍ زِنَةِ سبْع خَلِفات بشُحومِهنَّ ولحومِهِنَّ وأوْلادِهِنَّ، تَهوي فيما بينَ شفير النارِ إلى أن تبلُغَ قعرَها سبْعينَ خريفاً".
رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا أن الراوي عن معاذ لم يسم. (1)
(
الخَلِفات): جمع (خَلِفة)، وهي الناقة الحامل. (2)
__________
(1)
قلت: ورواه ابن المبارك في "الزهد" (86/ 301 - حماد) عن الزهري قال: بلغنا أن معاذ ابن جبل. . الحديث.
(2)
هذا السطر فى الأصل فى نهاية حديث هو من حصة "الضعيف"، وأخرجته هنا لضرورة الشرح.

(3/475)


5 -
فصل في سلاسلها (1) وغير ذلك.
3675 - (1) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ:
في قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال:
"
هِيَ حجارَة مِنْ كبْريتٍ، خلَقها الله يومَ خلَق السَّمواتِ والأرْضَ في السماءِ الدُّنيا، يُعِدُّها لِلْكافِرينَ".
رواه الحاكم موقوفاً وقال:
"
صحيح على شرط الشيخين". (2)
__________
(1)
انظر أحاديثه في "الضعيف".
(2)
قلت: ووافقه الذهبي في "تلخيصه" (2/ 261 و494)، لكن لفظه: "إن الحجارة التي سمى الله في القرآن: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}: حجارة من كبريت، خلقها الله تعالى عنده كيف شاء، أو كما شاء". وهكذا رواه البيهقي في "البعث" (273/ 553) عن الحاكم، وكذلك رواه نعيم بن حماد في "زوائد الزهد" (87 - 88)، وإنما أخرجه باللفظ الذي في الكتاب -حرفاً بحرف- ابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ 131)! وأما الجهلة فأقروا لفظ الكتاب، وعزوه للحاكم بالرقم! مصححاً منه له مع موافقة الذهبي إياه. أما هم فقالوا: "حسن"! أنصاف حلول!! جروا عليه في طبعتهم هداهم الله.

(3/476)


6 -
فصل في ذكر حيَّاتها وعقاربها.
3676 - (1) [
حسن] عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ الزبيدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنّ في النارِ حياتٍ كأمثالِ أعناق البُخْتِ، تلسعُ إحداهن اللسعةَ فيجدُ حَرّها سبعين خريفاً، وإن في النار عقاربَ كأمثالِ البغال الموكفةِ تلسعُ إحداهن اللسعةَ فيجد حُمُوّتَها أربعين سنةً".
رواه أحمد والطبراني من طريق ابن لهيعة عن دراج عنه.
ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم من طريق عمرو بن الحارث عن دراج عنه، وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد". (1)

3677 - (2) [
صحيح موقوف] وعن يزيد بن شجرة قال:
إن لجهنمَ لجُباباً، في كلُّ جُبٍّ ساحلاً كساحلِ البحرِ، فيه هوامُّ وحيّاتٌ كالبخاتي (2)، وعقاربُ كالبغالِ الدُّلْمِ (3)، فإذا سألَ أهلُ النارِ التخفيفَ قيلَ: اخرجوا إلى الساحلِ، فتأخذهم تلك الهوامُّ بشفاههم وجنوبهم (4) وما شاء الله من ذلك، فتكشطُها، فيرجعون، فيبادرون إلى معظم النيرانِ، ويُسَلِّطُ عليهم الجَرَبُ، حتى إن أحدهم لَيَحُكُّ جلده حتى يبدو العظم، فيقالُ: يا فلان!
__________
(1)
قلت: ووافقه الذهبي (4/ 593). وذلك لأن (دراجاً) سمعه من عبد الله بن الحارث، ليس من روايته عن (أبي الهيثم)، فتنبه! وهو مخرج في "الصحيحة" (3429).
(2)
جمع (بُخت): وهي جِمال طوال الأعناق. "نهاية".
(3)
أي: السود، جمع (أدلم). قاله الناجي.
(4)
الأصل: (وقلوبهم)، والمثبت نسخة، وهو رواية البيهقي في "البعث" (298/ 617)، والحاكم (3/ 494) بنحوه.

(3/477)


هل يؤذيك هذا؟ فيقول: نعم، فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين.
رواه ابن أبي الدنيا (1).
(
قال الحافظ):
"
ويزيد بن شجرة الرهاوي مختلف في صحبته. والله أعلم".

3678 - (3) [
صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، في قوله تعالى: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ}؛ قال:
"
زِيدوا عَقَارِبَ؛ أنْيابُها كالنَّخْلِ الطِّوالِ".
رواه أبو يعلى، والحاكم موقوفاً وقال:
"
صحيح على شرط الشيخين".
__________
(1)
قلت: قد رواه الحاكم أيضاً في "المستدرك" (3/ 494)، والبيهقي في "البعث" (298 - 299) بسند صحيح عن يزيد بن شجرة، وقد روي عنه بزيادات في أسانيدها مقال، خرجتها في "الضعيفة" (3740). وأن من إقدام الجهلة الثلاثة على ما لا علم لهم به قولهم في تعليقهم على هذا الحديث: "ضعيف موقوف، رواه ابن أبي الدنيا"! فلا هم بينوا السبب، ولا هم نقلوه عن أحد! (خبط لزق)! وإنما هو الهوى!

(3/478)


7 -
فصل في شراب أهل النار.
3679 - (1) [
حسن] وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إن الحميمَ ليُصَبُّ على رؤوسهم، فينفذُ الحميمُ حتى يخلصَ إلى جوفه فيسلُتُ ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو (الصَّهرُ)، ثم يعاد كما كان".
رواه الترمذي.
والبيهقي؛ إلا أنه قال:
"
فيخلصُ، فينفذُ الجمجمةَ حتى يخلصَ إلى جوفه".
روياه من طريق أبي السمح -وهو دراج- عن ابن حجيرة، وقال الترمذي:
"
حديث حسن غريب صحيح". (1)
(
الحميم): هو المذكور في القرآن في قوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}.
وروي عن ابن عباس وغيره أن " (الحميم): الحار الذي يحرق".
وقال الضحاك: " (الحميم): يغلي منذ خلق الله السماوات والأرض إلى يوم يسقونه، ويصب على رؤوسهم".
وقيل: هو ما يجتمع من دموع أعينهم في حياض النار فيُسقَونه. وقيل غير ذلك.

3680 - (2) [
صحيح] ورواه [يعني حديث أسماء بنت يزيد الذي في "الضعيف"] ابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عَمرو، أطول منه؛ إلاّ أنَّه قال:
__________
(1)
قلت: فاته عزوه للحاكم (2/ 387)، -وبخاصة أن البيهقي رواه عنه- وقال: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. وإنما هو حسن فقط؛ لأنه من رواية دراج عن ابن حجيرة، وليس عن أبي الهيثم، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (3470).

(3/479)


" [
فإن] (*) عادَ في الرابِعَةِ كان حقّاً على الله أنْ يَسقيَهُ مِنْ طينَةِ الخَبالِ يومَ القِيامَةِ".
قالوا: يا رسولَ الله! وما طينَةُ الخَبالِ؟ قال:
"
عُصارَةُ أهْلِ النارِ".
وتقدم في "شرب الخمر" [ج 2/ 21 - الحدود/ 6/ 28 - حديث].

8 -
فصل في طعام أهل النار.
[
لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].
__________
(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع، والمنيرية (مَنْ)، والتصويب من (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)، أفاده الشيخ مشهور في هامش طبعته

(3/480)


9 -
فصل في عِظَمِ أهلِ النارِ وقُبْحِهم فيها.
3681 - (1) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما بينَ مَنْكِبيِ الكافِر [في النار] مسيرَةُ ثلاثَة أيُّامٍ للراكِبِ المُسْرع".
رواه البخاري واللفظ له، (1) ومسلم وغيرهما.
(
المنكب): مجتمع رأس الكتف والعضد.

3682 - (2) [
صحيح لغيره] وعنه؛ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ضِرْسُ الكافِرِ مثلُ (أُحُدٍ)، وفَخِذُه مثل (البَيْضَاءِ)، ومقْعَدهُ مِنَ النار كما بينَ (قَدِيدَ) و (مكَّةَ)، وكثافة جلده (2) اثْنانِ وأرْبعون ذِراعاً بِذراع الجَبَّارِ".
رواه أحمد واللفظ له.
[
صحيح] ومسلم، ولفظه: قال:
"
ضِرسُ الكافِر -أوْ نابُ الكافِر- مثلُ أُحدٍ، وغِلْظُ جِلْدِه مسيرَةً ثلاث". (3)
[
حسن] والترمذي ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ضرسُ الكافرِ يومَ القِيامَةِ مثلُ (أُحُدٍ)، وفَخذُه مثلُ (البَيْضَاءِ)، ومقْعَدُه مِنَ النارِ مسيرَةُ ثلاثٍ مثلَ (الرَّبذَةِ) ".
__________
(1)
قلت: لا وجه لهذا القيد، والصواب حذفه، لأن لفظ مسلم مثله تماماً؛ إلا أنه زاد: "في النار" في رواية (8/ 154)، وهي عند البيهقي أيضاً في "البعث" (300/ 619). وفي رواية له (618): "مسيرة خمسمئة عام"! وهي شاذة.
(2)
الأصل: (جسده)، والتصحيح من "المسند" (2/ 334).
(3)
قوله: "مسيرة ثلاث" شاذ لمخالفته سائر الروايات، وبخاصة منها الرواية الأولى المصرحة بأن هذه مسافة ما بين منكبي الكافر! ويمكن أن يكون قوله: "جلده" تحريف "جسده" فيصح. وانظر "الضعيفة" (6783)، وغفل عن هذا وعما قبله الجهلة الثلاثة!

(3/481)


وقال: "حديث حسن غريب. قوله: (مثل الربذة): يعني كما بين المدينة والربذة.
و (البيضاء): جبل" انتهى.
[
صحيح] وفي رواية للترمذي قال:
"
إنَّ غِلْظَ جِلْدِ الكافِر اثْنان وأرْبعون ذِراعاً، وإنَّ ضِرْسَه مثلُ أحُدٍ، وإنَّ مجْلِسَه مِنْ جَهنَّم ما بينَ (مكَّةَ) و (المدينَةِ) ".
وقال في هذه: "حديث حسن غريب صحيح".
[
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال:
" [
غلظُ] (1) جِلْدِ الكافِرِ اثْنانِ وأرْبعونَ ذِراعاً بذِراع الجبَارِ، وضرسُه مثلُ (أُحدٍ) ".
[
حسن] ورواه الحاكم وصححه، ولفظه -وهو رواية لأحمد بإسناد جيد-: قال:
"
ضِرسُ الكافِر يومَ القِيامَةِ مثلُ (أُحد)، وعَرضُ جلْدهِ سبْعونَ ذِراعاً، وعضُده مثلُ (البَيْضاءِ)، وفخذُه مثل (وَرِقانَ) (2)، ومَقعَدُه مِنَ النارِ ما بَيْني وبينَ (الرَّبذَةِ) ".
قال أبو هريرة: وكان يقال: "بطْنُه مثلُ بَطْنِ (إضَم) (3) ".
(
الجبار): مَلِك باليمن له ذراع معروف المقدار. كذا قال ابن حبان وغيره. وقيل: ملك بالعجم.
__________
(1)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "الموارد" (2616) وغيره، وسقطت من "الإحسان" أيضاً، من طبعتيه، وهو سقط فاحش مفسد للمعنى كما هو ظاهر، فمن الغريب أن يخفى على المعلق عليه، فضلاً عن المعلقين الثلاثة!!
(2)
بكسر المهملة: جبل أسود معروف بين (العرج) و (الرويثة)، على يمين المار من المدينة النبوية. كذا في "العجالة" (229/ 1 - 2).
(3)
بكسر الهمزة وفتح الضاد: اسم جبل أو موضع. كما في "النهاية".

(3/482)


3683 - (3) [
حسن لغيره] وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مقعدٌ الكافر في النار مسيرةٌ ثلاثة (1) أيام، وكلُّ ضرس مثلُ (أُحُدٍ)، وفخذه مثل (وَرِقان)، وجلده سوى لحمه وعظامه أربعون ذراعاً".
رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم؛ كلهم من رواية ابن لهيعة. (2)

3684 - (4) [
صحيح موقوف] وعن مجاهدٍ قال: قال ابن عباسٍ:
أتدري ما سَعَةُ جهَنَّم؟ قلتُ: لا، قال:
أجَلْ (3)، والله ما تدْري، إنَّ بين شحْمَةِ أُذُنِ أحدِهم وبينَ عاتِقِه مسيرَةَ سبْعينَ خَريفاً، تجْري فيه أوْدِيَةُ القيْحِ والدمِ.
قلتُ: أنْهارٌ؟
قال: بلْ أَوْدِيَةٌ.
رواه أحمد بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
__________
(1)
قلت: من قلة الفقه استشهاد المعلق على "أبي يعلى" (2/ 526) لهذا الحديث بحديث: "وغلظ جلده مسيرة ثلاث"! مع تضعيفه لإسناده، فأين الشاهد من المشهود؟!
(2)
قلت: هذا التعميم خطأ لأن الحاكم (4/ 598) لم يروه عن ابن لهيعة، وإنما عن (دراج أبي السمح)، فالصواب إعلاله بـ (أبي الهيثم)، فإنه من روايتهما عنه. لكن الحديث له شاهد هنا في "الصحيح"، ولذلك نقلته إليه.
(3)
الأصل: (أجل والله والله)، والتصويب من "المسند" (6/ 117)، و"المستدرك" (2/ 436)، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

(3/483)


10 -
فصل في تفاوتهم في العذاب، وذكر أهونهم عذاباً.
3685 - (1) [
صحيح] عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أهونَ أهل النارِ عَذاباً رجلٌ في أخْمصِ قدميْهِ جمْرتانِ يغْلي منهما دِماغُه، كلما يغْلي المرْجَلُ بالقُمْقُمِ".
رواه البخاري، ومسلم، ولفظه:
"
إنَّ أهْونَ أهْلِ النارِ عذَاباً مَنْ له نَعْلان وشِراكانِ مِنْ نارٍ يَغْلي منهُما دِماغُه، كما يغْلي المِرْجَلُ، ما يَرى أنَّ أحداً أشدُّ منه عذاباً، وإنَّه لأهْوَنُهم عذاباً".

3686 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنّ أهْونَ أهْلِ النارِ عذاباً رجلٌ منْتَعِلٌ بنَعلَيْن مِنْ نارٍ، يغْلي منهما دِماغُه مع أجْزاء (1) العذابِ، ومنهم مَنْ في النارِ إلى كعْبَيْهِ معَ أجْزاءِ العَذابِ، ومنهم مَنْ في النارِ إلى رُكْبَتيْه مَعَ أجْزاءِ العَذابِ، ومنهم مَنْ [في النارِ إلى أرنَبَتِهِ معَ إجراءِ العَذابِ، ومنهمْ مَنْ في النارِ إلى صدْرِه مع إجراءِ العَذاب] (2) قدِ اغْتَمرَ".
رواه أحمد والبزار، ورواته رواة "الصحيح".
وهو في مسلم مختصراً:
__________
(1)
كذا الأصل بالزاي، وكذا في "كشف الأستار" (4/ 186/ 3502) و"مختصره" (2/ 477/ 2247) و"المجمع" (10/ 395) برواية البزار وحده. وفي "المسند" (3/ 13 و78): (إجراء) بالراء المهملة، ولم يتبين لي.
(2)
زيادة من "المسند" (3/ 78)، والحديث في "المستدرك" (4/ 581) بنحوه، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حجر أيضاً في "المختصر".

(3/484)


"
إن أدْنى أهلِ النارِ عذاباً منْتَعِلٌ بنَعليْنِ مِنْ نارٍ يغْلي دماغُه مِنْ حرِّ نَعْلَيْهِ". (1)

3687 - (3) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أدْنى أهلِ النارِ عذاباً: الذي لهُ نعْلانِ مِنْ نارٍ يغْلي منهما دماغُه".
رواه الطبراني بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه".

3688 - (4) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أهْونُ أهلِ النارِ عذاباً أبو طالبٍ، وهو منْتَعِلٌ بنَعْلَيْن، يغْلي منهُما دِماغُه".
رواه مسلم.

3689 - (5) [
صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
منهمْ مَنْ تأخُذه النارُ إلى كعْبَيهِ، ومنهم مَنْ تأخُذه النارُ إلى ركْبتَيهِ، ومنهم مَنْ تأخُذه النار إلى حُجْزَتِه، (2) ومنهم مَنْ تأخُذه النار إلى تَرقُوَتِه".
رواه مسلم.
وفي رواية له:
__________
(1)
قلت وفي طريق أخرى لمسلم (1/ 135) أنه قال ذلك في عمه أبي طالب، وهي في حديث ابن عباس الآتي بعده بحديث. وهو مخرج في "الصحيحة" مع حديث آخر بمعناه (54 و55).
(2)
في الأصل: "ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه"، ولا أصل لها في مسلم (8/ 150) في هذه الرواية، وإنما في الرواية التالية عنده. وكذلك الرواية الأولى عند أحمد (5/ 10) و"المعجم الكبير" (7/ 282/ 6969) و"البعث" (268/ 541)، ليس عندهم الزيادة. وغفل عنها الجهلة!

(3/485)


"
منهم مَنْ تأْخذُه النارُ إلى كعْبَيهِ، ومنهم من تأخذُه إلى حُجْزَتِه، ومنهم منْ تأْخذُه إلى عُنقِه".

3690 - (6) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يُؤْتى بأنْعَمِ أهْلِ الدنيا مِنْ أهْلِ النارِ، فيُصبَغُ في النارِ صَبْغَةً، ثم يُقال له: يا ابْن آدم! هلْ رأيْتَ خيراً قطُّ؟ هل مرَّ بكَ نعيمٌ قَطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا ربِّ!
ويُؤْتى بأشَدِّ الناسِ بؤساً في الدُّنيا مِنْ أهْلِ الجنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْن آدَم! هَلْ رأيْتَ بُؤْساً قطُّ؟ هل مَرَّ بك مِنْ شدَّةٍ قَطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا ربِّ! ما مرَّ بي بُؤْسٍ قَطُّ، ولا رآيتُ شِدَّةً قَطُّ".
رواه مسلم. (1)
__________
(1)
وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (ق 148/ 2)، والبيهقي في "البعث" (241/ 481).

(3/486)


11 -
فصل في بكائهم وشهيقهم.
3691 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال:
"
إنَّ أهلَ النارِ يَدْعونَ مالِكاً، فلا يُجيبُهم أرْبَعين عاماً، ثم يقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، ثمَّ يَدْعونَ ربَّهم فيقولونَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}، فلا يُجيبُهم مثلَ الدُّنيا، ثُمَّ يقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}، ثُمَّ يَيْأَسُ القومُ فما هو إلا الزفيرُ والشَّهيقُ، تُشْبِهُ أصواتُهم أصواتَ الحميرِ، أوَّلها شهيقٌ، وآخِرها زَفيرٌ".
رواه الطبراني موقوفاً، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرطهما".
(
الشهيق) في الصدر. و (الزفير) في الحلق. وقال ابن فارس:
"
الشهيق ضد الزفير؛ لأن الشهيق ردّ النفس، والزفير إخراج النفس".

(3/487)


[28 -
كتاب صفة الجنة].
(
الترغيب في الجنة ونعيمها، ويشتمل على فصول).

3692 - (1) [
صحيح] عن أبي بَكْرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ قتلَ نفساً مُعاهَدةً بغيرِ حقِّها؛ لمْ يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، فإنَّ ريحَ الجنَّةِ ليوجَدُ مِنْ مسيرَةِ مِئَةِ عامٍ". (1) [مضى ج 2/ 21 - الحدود/ 9].
وتقدم غير ما حديث فيه ذكر رائحة الجنة في أماكن متفرقة من هذا الكتاب، لم نُعدها.
__________
(1)
هنا في الأصل رواية لابن حبان بلفظ: "خمسمئة عام"، وهي ضعيفة من حصة الكتاب الآخر. وقد شملها مع هذا اللفظ بالتحسين الجهلة الثلاثة! وذلك أنهم أحالوا في التخريج إلى (23 - كتاب الأدب/ 30) برقمهم (4425). وقد نبهت على هذا هناك.

(3/488)


1 -
فصل في صفة دخول أهل الجنة وغير ذلك.
3693 - (1) [
صحيح] وعن خالد بن عمير قال:
خَطبنا عتبةُ بنُ غزوانَ رضي الله عنه فحمِدَ الله وأثْنى عليه ثم قال:
أما بعد؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنتْ بصَرمٍ، وولَّتْ حَذّاءَ، ولمْ يَبْقَ منها إلا صُبابَةٌ كصُبابَةِ الإناءِ يتصابُّها صاحِبُها، وإنكم منتَقِلون منها إلى دار لا زَوال لَها، فانْتَقلوا بخيرِ ما بحضرَتِكم، ولقد ذُكرِ لَنا أنَّ مصْراعين مِنْ مصاريعِ الجنَّة بينهما مسيرَةُ أرْبعين سنةً، وليأْتِينَّ عليه يومٌ وهو كَظيظٌ من الزحَام.
رواه مسلم هكذا موقوفاً، وتقدم بتمامه في "الزهد" [24/ 6].

3694 - (2) [
صحيح لغيره] ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، محْتصراً، قال:
"
ما بينَ مصْراعينِ في الجنَّةِ لمسيرَةُ أرْبعينَ سنةً".
وفي إسناده اضطراب.

3695 - (3) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
والذي نفْسُ محمَّدٍ بيدِه! إنَّ ما بينَ مصْراعَيْنِ مِنْ مصاريع الجنَّةِ لَكَما بينَ (مكَّةَ) و (هَجَر) (1) "، أو (هَجَرٍ) و (مكة) ".
رواه البخاري ومسلم في حديث.
__________
(1)
قال الناجي: "هجر" هذه مصروفة وتعرّف فيقال: (الهجر)، والنسبة إليها (هجري).
وهي مدينة عظيمة من بلاد اليمن، وهي قاعدة (البحرين)، وهي غير (هجر) المذكورة في حديث (القلّتين)، تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع فيها، وهي غير مصروفة. فاستفد هذا".

(3/489)


وابن حبان (1) مختصراً؛ إلا أنه قال:
"
لَكَما بين (مكةَ) و (هَجَر)، أو كما بين (مكةَ) و (بصرى) ". [مضى 26/ آخر الشفاعة].

3696 - (4) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ليدْخُلَنَّ الجنَّة مِنْ أُمَّتي سبْعونَ ألْفاً -أو سبْعُمِئَةِ ألْفٍ- مُتَماسِكون، آخِذٌ بعضُهم بِبَعْضٍ، لا يدخُل أوَّلُهم حتى يدْخُلَ آخِرُهُم، وجوهُهم على صورةِ القمَر ليلةَ البدِرَ".
رواه البخاري ومسلم.

3697 - (5) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدخلونَ الجنَّة على صورةِ القَمرِ ليلةَ البدرِ، والذين يلونَهم على أشدِّ كوكَبٍ درِّيٍّ في السماءِ إضاءَةً، لا يبولون، ولا يتَغوَّطون، ولا يمْتَخِطونَ، ولا يَتْفُلونَ، أمْشاطُهم الذهَبُ، ورشْحُهم المسْكُ، ومَجامِرهُم الأَلُوَّة، أزْواجُهم الحورُ العينُ، أخلاقُهم على خُلُقِ رجُلٍ واحدٍ، على صورَةِ أبيهم آدَم؛ سِتّونَ ذِراعاً في السمَاءِ".
[
صحيح] وفي رواية: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أوَّلُ زُمرةٍ تَلجُ الجنةَ صوَرُهُم على صورَةِ القمرِ ليلةَ البدْرِ، لا يَبْصُقون فيها، ولا يمْتَخِطونَ، ولا يتَغوَّطون، آنِيتُهم فيها الذهَبُ، أمْشاطُهم مِنَ الذهبِ
__________
(1)
الأصل: (ماجه)، والتصحيح من "العجالة" (229/ 2)، وليس هو عند ابن ماجه، وعليه فقوله: "مختصراً" يوهم أن ابن حبان لم يروه بتمامه، وليس كذلك، فقد أخرجه (8/ 129 - 131) مطولاً كما رواية الشيخين، ومختصراً (9/ 7346/241) كما ذكر المؤلف، وهو الطرف الأخير من الحديث الطويل، وقد مضى في (26 - البعث/ 5 - فصل الشفاعة/ الحديث 12)، وقد خفي هذا على الهيثمي فأورد المختصر في "الموارد" (2619)، وليس على شرطه.

(3/490)


والفِضَّةِ، ومَجامِرُهُم الأَلُوَّةُ، ورشْحُهم المسْكُ، لكلِّ واحدٍ منهم زَوْجَتان، يُرى مخُّ سُوقِها مِنْ وراءِ اللَّحْم مِنَ الحُسْنِ؛ لا اخْتلافَ بينَهُم، ولا تَباغُضَ، قلوبُهم قلبُ واحِدٌ، يسَبِّحونَ الله بكْرةً وعشِيّاً".
رواه البخاري ومسلم -واللفظ لهما-، والترمذي وابن ماجه.
وفي رواية لمسلم: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أوَّلُ زمرَةٍ يدْخلونَ الجنَّة مِنْ أُمَّتي على صورَة القَمرِ ليلَة البدْرِ، ثم الذين يَلُونَهُمْ على أشدِّ نَجْمٍ في السماءِ إضاءَةً، ثمَّ هُمْ بعدَ ذلك منازِلُ"، فذكر الحديث، وقال:
"
قال ابن أبي شيبة: "على خُلق رجل"، يعنى بضم الخاء. وقال أبو كريب: "على خَلق"، يعني بفتحها".
(
الأُلُوة) بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وتشديد الواو وفتحها: من أسماء العود الذي يتبخَّر به. قال الأصمعي: أراها كلمة فارسية عرَّبت.

3698 - (6) [
صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ جُرْداً مُرداً مكَحَّلين، بني ثلاث وثلاثينَ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

3699 - (7) [
صحيح] ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة. وقال: "غريب"، ولفطه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أهلُ الجنَّة جرْدٌ مرْدٌ كُحْلٌ، لا يَفْنى شبَابُهم، ولا تَبْلى ثِيابُهم".

3700 - (8) [
حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يدخلُ أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ جُرْداً مُرْداً بِيضاً جعاداً، (1) مكَحَّلين، أبْناءَ
__________
(1)
جمع (جعد)، وهو هنا جعد الشَّعر، وهو ضد السَّبَط.

(3/491)


ثلاثٍ وثلاثين، وهم على خَلْقِ آدَم؛ سِتّونَ ذِراعاً (1) ".
رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي؛ كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب عنه.

3701 - (9) [
حسن لغيره] وعن المقدام رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
ما مِنْ أحدٍ يموتُ سِقْطاً ولا هَرِماً -وإنَّما الناسُ فيما بينَ ذلك- إلا بُعِثَ ابْنَ ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً، فإنْ كان مِنْ أهْلِ الجنَّة كان على مِسْحَةِ آدَم، وصورَةِ يوسُفَ، وقلبِ أيُّوبَ، ومَنْ كانَ مِنْ أهْلِ النار عُظِّموا وفُخِّموا كالَجِبَالِ".
رواه البيهقي بإسناد حسن. (2)
__________
(1)
هنا في الأصل جملة: "عرض سبعة أذرع"، حذفتها لأني لم أجد لها شاهداً.
(2)
كذا قال، وفيه نظر، وإنما هو حسن بمتابعات عند الطبراني وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (2512).

(3/492)


2 -
فصل فيما لأدنى أهل الجنة فيها.
3702 - (1) [
صحيح] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ موسى عليه السلامُ سأَل ربَّه: ما أدْنى أهْلِ الجنَّةِ منزلةً؟ قال: رجلٌ يَجيءُ بعدَ ما أُدْخِلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ فيقالُ له: ادْخُلِ الجنَّة. فيقولُ: ربِّ! كيف وقد نَزلَ الناسُ منازِلَهُم، وأخَذوا أخَذاتِهم؟ فيقال له: أتَرْضى أنْ يكونَ لك مثلُ مَلِكٍ مِنْ ملوكِ الدنيا؟ فيقولُ: رضيتُ ربِّ. فيقولُ له: لكَ ذلك، ومثلُه، ومثلُه، ومثلُه، [ومثله] (1)، فقال في الخامِسَة: رضيتُ ربِّ. فيقولُ: هذا لَك وعَشَرَةُ أمْثالِه، ولكَ ما اشْتَهَتْ نفْسُك، ولَذَّتْ عينُك. فيقولُ: رضيتُ ربِّ. قال: ربِّ! فأعْلاهُم منزلةً؟ قال: أولئك الَّذين أردْتُ، غرسْتُ كرامَتَهم بيدِي، وختَمْتُ عليها، فلَمْ تَرَ عينٌ، ولَمْ تسْمَعْ أذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ على قلبِ بَشرٍ. [قال: ومصداقُه في كتابِ الله عزَّ وجلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية] (2) ".
رواه مسلم.

3703 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أدْنى أهلِ الجنَّة منزلةً رجلٌ صرفَ الله وجْهَه عنِ النارِ قبَلَ الجنَّةِ، ومَثَّلَ له شجرةً ذاتَ ظِلٍّ، فقال: أيْ رَبِّ! قَرِّبني مِنْ هذه الشجَرةِ أكونُ في ظلِّها"، فذكر الحديث في دخوله الجنَّةَ وتمنِّيه، إلى أنْ قال في آخره:
"
فإذا انْقطَعتْ به الأَماني قال الله: هو لكَ وعشَرَةُ أمْثالِه". قال:
__________
(1)
زيادتان من "صحيح مسلم".
(2)
زيادتان من "صحيح مسلم".

(3/493)


"
ثم يدخُل بيتَه فتدخلُ عليه زوْجَتاه مِنَ الحُورِ العينِ فتقولانِ: الحمدُ لله الذي أحْياكَ لَنا، وأحْيانا لك. قال: فيقولُ: ما أُعْطِي أحَدٌ مثلَ ما أعطيتُ".
رواه مسلم.

3704 - (3) [
صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يجمعُ الله الأوَّلين والآخِرينَ لميقاتِ يوم معلومٍ قياماً أرْبعينَ سنةً، شاخِصةً أبْصارُهم، ينتظرون فصل القضاء"، فذكر الحديث (1) إلى أن قال:
"
ثم يقولُ -يعني الربُّ تبارَك وتعالى-: ارْفَعوا رؤوسَكم، فيرفَعون رؤوسَهُم، فيعطيهمْ نورَهُم على قدرِ أعْمالِهم، فمنهم مَنْ يُعطى نورَهُ مثلَ الجَبلِ العظيمِ يسْعى بين يديْهِ، ومنهم مَنْ يُعطَى نورَه أصغَر مِنْ ذلك، ومنهم مَنْ يُعطى مثلَ النخْلَةِ بيمينه، ومنهم مَنْ يعطى [نوراً] أصغَر مِنْ ذلك، حتى يكون آخرُهم رجلاً يُعْطى نورَه على إبْهامِ قدَمهِ، يضيءُ مرَّةً ويُطْفأُ مرَةً، فإذا أضاءَ قدَّم قدَمَه [فمشى]، وإذا طفِئَ قام، [قَال: والرب عز وجل أمامهم، حتى يُمَرَّ في النار فيبقى أثَرُهُ كَحدِّ السيفِ؛ دحضٌ مَزَلّة، قال: ويقول: مُروا] (2). فيَمرُّون على قدرِ نورِهْم، منهم مَنْ يَمرُّ كطَرْفَةِ العَيْنِ، ومنهم من يمُرّ كالبرقِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كالسحابِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كانْقِضاضِ الكَوكب، ومنهم مَنْ يمرّ كالريحِ، ومنهم من يمرُّ كشدِّ الفَرسِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كشدِّ الرجُلِ، حتى يمرُّ الذي يُعطى نورَه على إبهام قدمه يَحْبو على وجْهِهِ ويديه ورجْلَيْهِ، تَخِرُّ يدٌ وتَعَلَّقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رجلٌ، وتعلَّق رجلٌ، وتصيبُ جوانِبَه النارُ، فلا يَزال كذلك حتى يخْلُصَ، فإذا خَلَص وقفَ عليها فقال: الحمدُ لله الذي أعْطاني ما لَمْ يُعْطِ أحداً؛ إذْ نَجَّاني منها بعدَ إذْ رأيتُها. قال: فيُنْطَلَق به إلى غديرٍ عند بابِ الجنَّة فيغتَسِلُ، فيعوذ إليه ريحُ أهْلِ الجنَّة
__________
(1)
تقدم هذا التمام في أول (26 - البعث / 2/ 3519).
(2)
في العبارة شيء فانظر التصويب في "البعث".

(3/494)


وألْوانهم، فيرى ما في الجنَّة مِنْ خلال الباب، فيقولُ: ربِّ أدْخِلْني الجنَّة.
فيقولُ [الله] له: أتسْألُ الجنَّةَ وقد نجَّيْتك مِن النارِ؟ فيقول: ربِّ اجْعل بيني وبينَها حجاباً لا أسْمَعُ حسيسَها. قال: فيدخُل الجنَّة ويرى أو يُرفع له منزلٌ أمامَ ذلك كأنَّ ما هو فيه إليه حُلُم. فيقولُ: ربِّ أعْطني ذلك المنزل: فيقول لَه: لعلَّك إنْ أعْطيتُكَه تسألُ غيرَه؟ فيقول: لا وعِزَّتِكَ لا أسألُك غيره، وإنِّي منزلٌ أحْسَن منه؟! فيُعْطاهُ فينزِلُه، ويرى أمامَ ذلك منزلاً كأنَّ ما هو فيه [بالنسبة] إليه حُلُم، قال: ربِّ أعْطِني ذلك المنزلَ. فيقولُ الله تباركَ وتعالى له: فلَعلَّك إنْ أعطيتُكَهُ تسأَلُ غيره؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ [لا أسألك غيره]، وأنِّي منزلٌ أحسنُ منه؟! فيُعطاه فينزله، [قال: ويرى أو يرفعُ له أمامَ ذلك منزلٌ آخر، كأَنما هو إليه حلمٌ، فيقولُ: أعطني ذلكَ المنزلِ، فيقولُ الله جلَّ جلالُه: فلعلك إن أعطيتُكَهُ تسأل غيره، قال: لا وعِزَّتِكَ لا أسأل غيره، وأي منزل يكونُ أحسنَ منه؟! قال: فيعطاه فينزله،] ثمَّ يسْكُت فيقولُ الله جلَّ ذكرُه. ما لَك لا تسْأَل؟ فيقول: ربِّ! قد سألتك حتى استَحْييتُك، وأقسَمْتُ [لك] حتى اسْتَحْيَيتُك. فيقول الله جلَّ ذكره: ألَمْ ترضَ أنْ أعْطيَكَ مثلَ الدنيا منذُ خلقْتُها إلى يومِ أفْنَيْتها وعشرةَ أضْعافِه؟ فيقولُ: أتهزَأُ بي وأنْتَ ربُّ العِزَّة؟ فيضْحَكُ الربُّ تعالى مِنْ قولِه". -قال: فرأيتُ عبدَ الله بَن مسْعودٍ إذا بلَغ هذا المكان مِنْ هذا الحديث ضَحِك، [فقالَ له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن! قد سمعتكَ تحدّث هذا الحديثِ مراراً؛ كلما بلغت هذا المكان ضَحِكْتَ؟ فقال: إني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحدّث هذا الحديث مراراً، كلما بَلَغَ هذا المكان من هذا الحديثِ ضَحِكَ] (1) حتى تبدوَ أضْراسُه- قال:
__________
(1)
هذه الزيادة واللاتي قبلها استدركتها من "المعجم الكبير"، ومنه صححت بعض الأخطاء كانت في الأصل. وقد يكون فاتني شيء فمعذرة لأني بشر أخطئ وأصيب. أولاً، وثانياً فإني لا أزال مريضاً من رمضان الماضي سنة (1418) إلى هذا الشهر/ رجب (1419)، سائلاً المولى سبحانه أن يعافيني ويعيد إلي نشاطي في خدمة السنَّة المطهرة، إنه سميع مجيب.

(3/495)


"
فيقول الربُّ جلَّ ذِكْرُه: لا، ولكنِّي على ذلك قادِرٌ، سَلْ، فيقولُ: أَلْحِقْني بالناسِ فيقول: الْحَقْ بالناسِ. فينطَلِقُ يرمُل في الجنَّة، حتى إذا دَنا مِن الناس رُفع له قصرٌ مِنْ درَّةٍ؛ فيَخِرُّ ساجِداً، فيقالُ له: ارْفَعْ رأسَك، ما لَك؟ فيقول: رأيتُ ربِّي -أو تراءى لي ربي-، فيُقال [له]: إنَّما هو منزِلٌ مِنْ منازِلِكِ، قال:
ثم يَلْقى رجلاً فيتهيَّأُ للسجودِ له، فيقالُ له: مَهْ! [ما لك؟] فيقولُ: رأيتُ أنَّك ملَك مِنَ الملائكةِ! فيقول: إنَّما أنا خازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ، وعبدٌ مِنْ عبيدِك، تحتَ يدي ألْفُ قَهْرَمانٍ على مثل ما أنا عليه. قال:
فينطَلقُ أمامَه حتى يَفْتَح لهُ القَصْرَ، قال: وهو مِنْ دُرَّةٍ مجوَّفة، سقائفهِا وأبْوابُها وأَغلاقُها ومفاتيحُها منها، تسْتَقْبِله جوْهَرةٌ خضْراءُ مُبَطَّنةٌ بحَمْراءَ، (فيها سبْعونَ باباً، كلُّ بابٍ يُفْضي إلى جوهرةٍ خَضْراءَ مُبَطَّنَةٍ) (1)، كلُّ جوْهَرةٍ تُفْضي إلى جَوْهَرةٍ على غير لَوْنِ الأُخْرى، في كلِّ جوهرةٍ سررٌ وأزْواجٌ ووصائِفُ، أدْناهُنَّ حَوْراءُ عَيْناءُ، عليها سَبْعون حُلَّة، يُرى مخَّ ساقِها مِنْ وراءِ حُلَلِها، كبِدُها مِرْآتُه، وكبِدُه مِرْآتُها، إذا أعْرضَ عنها إعْراضَةً ازدادَتْ في عيْنه سبْعين ضِعْفاً [عما كانت قبلَ ذلِكَ، إذا أعْرضَتْ عنه إعراضةً ازدادَ في عينِها سبعينَ ضِعْفاً عما كان قَبْلَ ذلك، فيقولُ لها: والله لقد ازددتِ في عيني سبعين ضِعْفاً، وتقول له: وأنتَ والله لقد ازددتَ في عيني سبعين ضعفاً]،
__________
(1)
ما بين الهلالين غير وارد في "المجمع" ولا في "السنة" للإمام أحمد، فلعلها مقحمة من بعض النساخ. واعلم أن هذا الحديث يفضح المعلقين الثلاثة ويؤكد ما قلته مراراً بأنهم جهلة ومعتدين على السنة، فإنهم لم يستدركوا ولم يصححوا فيه شيئاً مطلقاً، مع تيسر ذلك عليهم ولو بعض الشيء؛ لأنهم رجعوا في تخريجه إلى "المجمع"، و"المستدرك"، و"البعث". ولكنهم مجرد نقلة، لذلك اكتفوا بتحسين الحديث، مع أنهم نقلوا التصحيح من باب (أنصاف حلول)، أما أن يرجعوا إلى الطبراني ويعرفوا أنه عنده بسندين خلافاً لما نقلوه عن الهيثمي -أحدهما صحيح كما قال المنذري- فهيهات هيهات!! وهو مخرج في "الصحيحة" كما تقدم في "البعث".

(3/496)


فيُقال له: أشْرِفْ، فيُشْرِفَ، فيقال له: مُلْكُكَ مسيرَةُ مئةِ عامٍ، يَنْفُذه بَصَرُكَ". قال:
فقال عمر: ألا تسمَعُ ما يحدِّثنا ابْنُ أمِّ عبْدٍ يا كعبُ! عن أدْنى أهْلِ الجنَّةِ منزِلاً، فكيفَ أعْلاهُم؟ قال: يا أميرَ المؤْمِنينَ! ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذنٌ سمِعَتْ، إنَّ الله جلَّ ذكرُه خلق داراً جعلَ فيها ما شاءَ مِنَ الأزْواجِ والثمراتِ والأشْرِبَةِ، ثمَّ أطْبَقها فلَمْ يَرها أحَدٌ مِنْ خلْقهِ لا جبريلُ ولا غيرُه مِنَ الملائكة، ثم قرأ كعب: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قال:
وخلَقَ دونَ ذلك جنَّتَيْنِ، وزيَّنَهما بِما شاءَ، وأراهُما مَنْ شاءَ مِنْ خَلْقِه، ثم قال: فَمنْ كان كتابُه في علِّيِّين نزلَ في تلك الدارِ التي لَمْ يَرها أحَدٌ، حتى إنَّ الرجُلَ منْ أهْلِ علِّيِّين ليخرجُ فيسيرُ في مُلْكِهِ، فلا تبْقَى خَيْمَةٌ مِنْ خِيَمِ الجنَّة إلا دخَلها مِنْ ضوْءِ وجْهِهِ، فيسْتَبْشِرون بريحه، فيقولون: واهاً لهذا الريحِ! هذا ريحُ رجُلٍ مِنْ أهْلِ عِلِّيِّين، قد خرجَ يسيرُ في ملْكِه. قال:
ويحَك يا كعبُ! إنَّ هذه القُلوبَ قد اسْتَرْسلَت فاقْبِضْها، فقال كعب: [والذي نفسي بيده] إنَّ لِجَهنَّم يومَ القيامَةِ لزفْرةً ما مِنْ ملَكٍ مقرَّب، ولا نبيٍّ مُرْسَلٍ، إلا خَرَّ لركْبتَيْهِ، حتى إنَّ إبراهيمَ خليلَ الله لَيقولُ: ربِّ! نفْسي نفْسي، حتى لو كانَ لك عملُ سبعينَ نبِيّاً إلى عَملِك لظَنَنْتَ أن لا تَنْجوَ.
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم هكذا عن ابن مسعودٍ مرفوعاً، وآخره من قوله:
"
إن الله جل ذكره خلق داراً" إلى آخره موقوفاً على كعب. وأحد طرق الطبراني صحيح، واللفظ له، وقال الحاكم:
"
صحيح الإسناد".

(3/497)


وهو في مسلم بنحوه باختصار عنه. (1)

3705 - (4) [
صحيح] وروى البيهقي من حديث يحيى بن أبي طالب: حدثنا عبد الوهاب: أنبأنا سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبدِ الله بْنِ عمروٍ قال:
"
إنَ أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ منزلةً مَنْ يَسْعى عليه ألْفُ خادمٍ، كلُّ خادِمٍ على عمَلٍ ليسَ عليه صاحبُه. قال: وتلا هذه الآية {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} " (2).
__________
(1)
قلت: وفيه جملة الضحك التي حكاها ابن مسعود جواباً لمن سأله، وهو مخرج في "الصحيحة" أيضاً (3129).
(2)
أخرجه أيضاً الحسين المروزي وابن جرير الطبري بإسناد صحيح عن ابن عمرو موقوفاً، وهو مخرج في "الضعيفة" تحت الحديث (5305).

(3/498)


3 -
فصل في درجات الجنة وغرفها.
3706 - (1) [
صحيح] عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أهْلَ الجنَّةَ ليتراءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِنْ فوقِهم، كما تَتَراءَونَ الكَوْكبَ الدُّرِّيِّ الغابِرَ في الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ والمغربِ، لِتفَاضُلِ ما بيْنَهُم".
قالوا: يا رسولَ الله! تلك منازِلُ الأنْبِياءِ لا يبْلُغها غيرُهم؟ قال:
"
بلى، والَّذي نفْسي بيده! رِجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرْسَلِينَ".
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لهما:
"
كما تَراءَوْن الكوْكَبَ الغارِبَ". بتقديم الراء على الباء.

3707 - (2) [
صحيح لغيره] ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بنحوه وصححه؛ إلا أنه قال:
"
إنَّ أهْلَ الجنَّةِ لَيتراءَوْن في الغُرْفَةِ كما يتراءون الكَوْكَبَ الشَّرقيِّ أوِ الكوْكَبَ الغربيِّ الغارِبَ في الأُفقِ أو الطالعَ في تفاضُلِ الدرجَاتِ" الحديث.
وفي بعض النسخ:
"
والكوكبَ الغربيَّ أوِ الغارِبَ". على الشك.
(
الغابر) بالغين المعجمة والباء الموحدة، المراد به هنا هو الذاهب الذي تدلّى للغروب.

3708 - (3) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أهْلَ الجنَّة ليَتراءَوْن في الجنَّة كما تَراءَوْنَ أو تروْن الكوكَبَ الدرِّيِّ الغارِبَ في الأُفُقِ الطالع في تفاضُلِ الدرجاتِ".
قالوا: يا رسول الله! أولئك النبِيُّونَ؟ قال:
"
بلى، والَّذي نفْسي بيَدهِ! وأقْوامٌ آمَنوا بِالله، وصدَّقوا المرسَلين".

(3/499)


رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". وتقديره: كما يرون الكوكب الطالع الدّري الغارب.
ورواه الترمذي، وتقدم لفظه (آنفاً). (1)
[
حسن صحيح] (قال الحافظ):
"
وتقدم من هذا النوع غير ما حديث صحيح في [6 - النوافل/ 11] "قيام الليل" و [8 - الصدقات/ 17] "إطعام الطعام"، وغير ذلك، مثل حديث أبي مالك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ في الجنَّةِ غُرفاً يُرى ظاهِرُها مِنْ باطنها، وباطِنُها مِنْ ظاهِرِها، أعدَّها الله لِمَنْ أطْعَم الطعامْ، وأفْشى السلامْ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نِيامْ"، وحديث عبد الله بن عمرو بنحوه".

3709 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ في الجنَّة مِئةَ درَجةٍ أعدَّها الله لِلْمُجاهدين في سبيلِ الله، ما بين الدرَجَتَيْن كما بينَ السماءِ والأرْضِ".
رواه البخاري.

3710 - (5) [
صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
في الجنَّةِ مِئة درجَةٍ، ما بينَ كلِّ درجَتْينِ مِئةُ عامٍ".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"،
والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنه قال:
"
ما بينَ كلِّ درَجتَيْنِ مسيرَةُ خَمْسِمِئَةِ عامٍ".
__________
(1)
روايته ورواية أحمد (2/ 335 و339) من طريق واحدة، فلا وجه للتفريق بينهما.

(3/500)


4 -
فصل في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك.
3711 - (1) [
حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ:
قلنا: يا رسولَ الله! حدَّثْنا عنِ الجنَّةِ، ما بِناؤها؟ قال:
"
لَبِنَةٌ ذهَبٌ، ولَبِنَةٌ فِضَّةٌ، وملاطُها المسْكُ، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوتُ، وتُرابُها الزعْفَران، مَنْ يدخُلُها يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، وُيخلَّدُ؛ لا يموتُ، لا تبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه" الحديث.
رواه أحمد واللفظ له، والترمذي والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، وهو قطعة من حديث عندهم.

3712 - (2) [
صحيح لغيره] وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة موقوفاً قال:
"
حائِطُ الجنَّة لَبِنَةُ مِنْ ذَهبٍ، ولَبِنَةُ مِنْ فِضَّةٍ، ودُرُجُها الياقوتُ واللُّؤْلُؤ، قال: وكنّا نحدِّثُ أنَّ رضْراضَ أنْهارِها اللُّؤْلُؤ، وترابَها الزعْفَرانُ".
(
الرضراض) بفتح الراء بضادين معجمتين، و (الحصباءُ) ممدوداً: بمعنى واحد، وهو الحصى، وقيل: الرضراض: صغارها.

3713 - (3) [
حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
سئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ الجنَّةِ؟ فقال:
"
مَنْ يدخل الجنَّة يحيى فيها لا يموتُ، وَينعَمُ فيها لا يَبْأسُ، لا تَبلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شبَابُه".
قيلَ: يا رسولَ الله! ما بِناؤها؟ قال:

(3/501)


"
لَبِنَةٌ مِنْ ذَهب، ولَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، ومِلاطُها المِسْكُ، وتُرابُها الزعْفَرانُ، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوتُ".
رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وإسناده حسن بما قبله.
(
المِلاط) بكسر الميم: هو الطين الذي يجعل بين سافي البناء، يعني أن الطين الذي يجعل بين لبن الذهب والفضة في الحائط مسك.

3714 - (4) [
صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال:
"
خلق الله تبارك وتعالى الجنةَ لَبنةً من ذهب، ولَبِنَةً من فِضّةٍ، وملاطُها المسكُ، وقالَ لها: تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، فقالتَ الملائكةُ: طوبى لك منزل الملوك".
رواه الطبراني، والبزار -واللفظ له- مرفوعاً وموقوفاً. وقال:
"
لا نعلم أحداً رفعه إلا عدي بن الفضل، يعني عن الجريري عن أبي نضرة عنه. وعدي بن الفضل ليس بالحافظ، وهو شيخ بصري" انتهى.
[
صحيح لغيره] (قال الحافظ):
"
قد تابع عديِّ بنَ الفضل على رفعه وهبُ بن خالد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولفظه: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إن اللهَ عز وجلَّ أحاطَ حائطَ الجنةِ لبنةً من ذهبٍ، ولبنةً من فضةٍ، ثم شقق فيها الأنهار، وغرسَ فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حُسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك".
خرجه البيهقي وغيره، ولكن وقفه هو الأصح المشهور. والله أعلم".

(3/502)


5 -
فصل في خيام الجنة وغرفها وغير ذلك.
3715 - (1) [
صحيح] عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ لِلْمؤْمِنِ في الجنَّة لخَيمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ واحِدَةٍ مجوَّفَةٍ، طولُها في السماءِ سِتونَ مِيلاً، لِلْمُؤمِن فيها أهْلونَ، يطوفُ عليهِم المؤْمِنُ فلا يَرى بعضُهم بَعْضاً".
رواه البخاري ومسلم، والترمذي؛ إلا أنه قال:
"
عرضها ستون ميلاً".
وهو رواية لهما. (1)
__________
(1)
قلت: تفرد بها عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران الجوني بسنده عن أبي موسى، أخرجه البخاري (4879)، ومسلم (8/ 148)، والترمذي (2530) وصححه، وخالفه همام بن يحيى عند الشيخين، والدارمي أيضاً (2/ 336) وابن أبي شيبة (13/ 105 - 106)، وأحمد (4/ 400 و411 و419)، والبيهقي في "البعث" (181/ 232)؛ كلهم عنه عن أبي عمران الجوني بالرواية الأولى:
"
طولها في السماء ستون ميلاً".
وخالفه أيضاً أبو قدامة الحارث بن عبيد عن أبي عمران بلفظ همام.
أخرجه مسلم وأبو نعيم في "الجنة" (230/ 398).
وروايتهما أرجح كما لا يخفى، لا سيما ولفظ رواية عبد العزيز بن عبد الصمد موافقة لهما في رواية أحمد (4/ 411) عنه، وهي من تحديثه عن (علي بن عبد الله)، وهو ابن المديني الثقة الثبت الإمام. والله أعلم.
ثم إن لفظ حديث همام عند البخاري وقع في متن "فتح الباري" (6/ 318):
"
ثلاثون ميلاً"!
وعليه جرى الشارح (ص 323)، فيبدو لي أنه خطأ قديم في بعض نسخ البخاري، والصواب ما عند الآخرين، فإن البخاري رواه عن شيخه حجاج بن منهال، وقد رواه من طريقه أبو نعيم بلفظهم المتقدم، وقال عقبه:
"
رواه البخاري في "الصحيح" عن الحجاج بن منهال".
لكن يشكل عليه أن البخاري قال عقبه:
"
قال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران: ستون ميلاً".
فغاير بين هذا وبين الذي عقب عليه، فالأمر يحتاج بعد إلى مزيد من التحقيق ولم يمدنا بشيء منه الحافظ ابن حجر على خلاف عادته فى الجمع بين الروايات. وفوق كل ذي علم عليم.
وأما الجهلة فعزوا إلى البخاري الرواية الثانية دون الأولى!

(3/503)


3716 - (2) [
صحيح] وفي رواية له [يعني ابن أبي الدنيا] وللبيهقي [يعني عن ابن عباسٍ قال]:
"
الخيمةُ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ فرسخٌ في فرسخٍ، لها أربعة آلافِ مصراعٍ من ذهب".
وإسناد هذه أصح.

3717 - (3) [
حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرٍ ورضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ في الجنَّةِ غرفاً يُرى ظاهِرُها مِنْ باطِنها، وباطِنُها مِنْ ظاهِرِها".
فقال أبو مالكٍ الأشعري: لِمَنْ هيَ يا رسولَ الله؟ قال:
"
لِمَنْ أطابَ الكلامْ، وأطْعَم الطَعامْ، وبْاتَ قائماً والناسُ نيِامْ".
رواه الطبراني والحاكم، وقال:
"
صحيح على شرطهما". [مضى 6 - النوافل/ 11].

3718 - (4) [
حسن صحيح] ورواه أحمد وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي مالكٍ الأشعري؛ إلا أنَّه قال:
"
أعَدَّها اللهُ لِمَنْ أطْعَم الطعامْ، وأفْشى السلامْ، وصلَّى بالليْلِ والناسُ نِيامْ". [مضى هناك].

(3/504)


6 -
فصل في أنهار الجنة.
3719 - (1) [
صحيح] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
الكوثَرُ نهرٌ في الجنَّةِ، حافَّتاهُ مِنْ ذَهبٍ، ومَجْراهُ على الدرِّ والياقوتِ، تُرْبتُه أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، ومَاؤه أحْلى مِنَ العَسلِ، وأبَيضُ من الثَّلْجِ".
رواه ابن ماجه، والترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح".

3720 - (2) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
بينا أنا أسيرُ في الجنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ حافَّتاه قِبابُ اللُّؤْلُؤِ المجوَّفِ، فقلتُ: ما هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا الكوْثَرُ الَّذي أعْطاكَ ربُّك، قال: فضربَ المَلَكُ بيده، فإذا طينُه مِسْكٌ أُذْفُر".
رواه البخاري.

3721 - (3) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أنْهارُ الجنَّة تخرُج مِنْ تحتِ تلالِ -أو مِنْ تحتِ جبالِ- المسْكِ".
رواه ابن حبان في "صحيحه".

3722 - (4) [
حسن] ورُوي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
في الجنَّةِ بَحرٌ لِلْماءِ، وبحرٌ لِلَّبَنِ، وبَحْرٌ لِلْعَسلِ (1)؛ وبَحْرٌ لِلْخَمْر، ثم
__________
(1)
كذا الأصل وطبعة عمارة، والصواب: (بحر الماء، وبحر اللبن. .) إلخ كما قال الناجي، وعلى الصواب وقع عند غير البيهقي كما يأتي.

(3/505)


تُشَقَّقُ الأنهارُ مِنْها بَعْدُ".
رواه البيهقي (1).

3723 - (5) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
لَعلكم تَظُنُّونَ أنَّ أنْهارَ الجنَّةِ أخدودٌ في الأرْضٍ؟ لا والله، إنَّها لسائِحَةٌ على وجْهِ الأرْضِ، إحدى حافَّتيْها اللَّؤْلُؤ، والأُخْرى الياقوتُ، وطينُه المِسْكُ الأُذْفرُ.
قال: قلت: ما الأُذْفُرُ؟
قال: الَّذي لا خِلْطَ له.
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.
ورواه غيره مرفوعاً، والموقوف أشبه بالصواب (2).

3724 - (6) [
حسن صحيح] وعنه قال:
سُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما الكوْثَرُ؟ قال:
"
ذاكَ نهرٌ أعْطانيهِ الله -يعني في الجنة-، أشَدُّ بيَاضاً مِنَ اللَّبنِ، وأحْلى مِنَ العسَلِ، فيه طيرٌ أعْناقُها كأعْناق الجُزُر".
قال عمر: إنَّ هذه لَناعِمَةٌ. قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أكَلَتُها أَنْعَمُ مِنْها".
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
(
الجزُرُ) بضم الجيم والزاي: جمع جزور، وهو البعير.
__________
(1)
قلت: لقد أبعد المصنف النجعة، فقد أخرجه أيضاً ابن حبان (2623 - موارد)، والترمذي (2574) وصححه، وأحمد (5/ 5) كلهم بلفظ (بحر الماء. . .)، وهو الصواب كما سبق.
(2)
قلت: إسناد المرفوع غير إسناد الموقوف، وكل منهما صحيح، فلا يعلّ بالموقوف، لا سيّما وهو في حكم المرفوع، فانظر "الصحيحة" (2513).

(3/506)


7 -
فصل في شجر الجنة وثمارها.
3725 - (1) [
صحيح] عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ في الجنَّةِ شجرةً يسيرُ الراكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عام لا يقْطَعُها، إنْ شئْتُم فاقْرؤوا: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} ".
رواه البخاري والترمذي.

3726 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ في الجنَّةِ شجرةً يسيرُ الراكِبُ الجَوادَ المُضَمِّرَ السريعَ مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها".
[
صحيح لغيره] رواه البخاري ومسلم، والترمذي، وزاد:
" [
قال:] وذلِكَ الظِّلُّ المَمْدودُ".

3727 - (3) [
حسن لغيره] وعن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر سِدرةَ المنتهى، فقال:
"
يسيرُ الراكب في ظلِّ الفَنَنِ منها مئةَ سنةٍ، أو يستظلُّ بها مئة راكبٍ -شك يحيى-، فيها فراش الذهب، كأن ثمارها القِلال".
رواه الترمذي وقال:
"
حديث حسن صحيح غريب".
(
الفَنَن) بفتح الفاء والنون: هو الغصن.

3728 - (4) [
حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يقولُ الله: أعددْتُ لِعبادِيَ الصالِحين ما لا عَيْنٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشرٍ، اقْرَؤوا إنْ شئْتُم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}،

(3/507)


وموْضعُ سَوْطٍ مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، واقْرَؤوا إنْ شِئْتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} ".
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وروى البخاري ومسلم بعضه.

3729 - (5) [
صحيح لغيره] وعن عُتْبة بن عبدٍ رضي الله عنه قال:
جاءَ أعْرابيٌّ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما حوضُكَ الَّذي تُحدِّثُ عنه؟ -فذكر الحديث (1) إلى أنْ قال:-، فقال الأعرابي: يا رسولَ الله! فيها فاكهَةٌ؟ قال:
"
نعم، وفيها شَجرةٌ تُدعى طُوبى، هي تطابِقُ الفِرْدَوْسَ".
فقال: أيَّ شَجرِ أرْضِنا تُشْبِهُ؟ قال:
"
ليسَ تشْبِهُ شيئاً منْ شجرِ أرْضِكَ، ولكن أتَيْتَ الشامَ؟ ".
قال: لا يا رسولَ الله! قال:
"
فإنَّها تُشبِهُ شجرةً بالشامِ تُدعى (الجَوْزَة)، تَنْبت على ساقٍ واحدٍ، ثم ينتشِرُ أعْلاها".
قال: فما [عِظم] (2) أصلها؟ قال:
"
لو ارتحلَتْ جَذعةٌ مِنْ إبلِ أهْلِك، لما قَطعتْها حتى تنْكَسِر تَرْقُوَتُها هَرماً".
قال: فيها عِنَبٌ؟ قال:
"
نعم".
قال: فما عِظَمُ العُنْقودِ مِنْها؟ قال:
"
مسيرَةُ شهرٍ للْغُرابِ الأَبْقَع، لا يقَعُ ولا ينْثَني ولا يفْتُر".
قال: فما عِظَمُ الحبَّةِ منه؟ قَال:
__________
(1)
تقدم في (26 - البعث/ 4 - فصل الحوض).
(2)
هذه الزيادة والتي بعدها من "المعجم الأوسط" و"الكبير"، و"المجمع" (10/ 413 - 414).

(3/508)


"
هل ذبَح أبوكَ مِنْ غَنمهِ تيْساً عَظيماً؟ ".
[
قال: نعم. قال:]
"
فسلَخ إهَابَهُ، فأعطاه أمَّك؟ فقال: ادْبُغي هذا، ثمَّ افْري لنا مِنه ذَنُوباً نروي [به] ماشيتَنا؟ ".
قال: نعم. قال: فإنَّ تلك الحبَّة تُشْبِعُني وأهلَ بَيْتي؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
وعامَّة عشيرَتِكَ".
رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" -واللفظ له-، والبيهقي بنحوه، وابن حبان في "صحيحه" بذكر الشجرة في موضع، والعنب في آخر، ورواه أحمد باختصار.
قوله: "افْرِي لنا منه ذَنوباً" أي: شقي واصنعي.
و (الذَّنُوب) بفتح الذال المعجمة: هو الدلو. وقيل: لا يُسمى ذنوباً إلا إذا كانت ملأى، أو دون الملأى.

3730 - (6) [
حسن لغيره] وعن عبد الله بن أبي الهُذيل قال:
كنَّا معَ عبدِ الله -يعني ابن مسعود- بـ (الشامِ) أو بـ (عَمَّانَ)، فتذاكروا الجَنَّةَ، فقال:
"
إنَّ العُنقودَ مِنْ عناقِيدها مِنْ ههُنا إلى (صَنْعَاءَ) ".
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.

3731 - (7) [
حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
عُرِضَتْ عليَّ الجنَّة فذهبتُ أتناوَلُ منها قطْفاً أُريكُموه، فحيلَ بيْني وبينَه".
فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! ما مَثَلُ الحبَّة مِنَ العِنَبِ؟ قال:
"
كأعْظَم دَلْوٍ فَرَتْ أُمُّك قَطُّ".
رواه أبو يعلَى بإسَناد حسن (1).
__________
(1)
فيه نظر بينته في الأصل، لكن يشهد لآخره حديث عتبة الذي قبله بحديث، وأما أوله فله شواهد كثيرة في قصة صلاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الكسوف، ورؤيته فيها الجنة والنار، ولي فيها جزء.

(3/509)


3732 - (8) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
ما في الجنَّة شجَرةٌ، إلا وساقُها مِنْ ذَهبٍ".
رواه الترمذي وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من طريق زياد بن الحسن بن فرات، وقال الترمذي:
"
حديث حسن غريب".

3733 - (9) [
صحيح لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
نزَلْنا (الصَّفَاحَ)، (1) فإذا رجلٌ نائم تحتَ شجَرةٍ قد كادَتِ الشمسُ تبْلُغه، قال: فقلتُ لِلْغُلامِ: انْطلِقْ بهذا النَّطْع فأظلَّه، قال: فانْطَلَقَ فأَظلَّهُ، فلمّا استَيْقظَ فإذا هو سَلْمانُ رضي الله عنه، فأتيْتُه أسلِّمُ عليه، فقال:
يا جَرير! تواضَعْ لله، فإنَّه مَنْ تواضَع لله في الدنيا رفَعهُ الله يومَ القِيامَةِ.
يا جرير هل تدري ما الظلُماتُ يومَ القِيامَةِ؟ قلتُ: لا أدري. قال:
ظلْمُ الناسِ بينَهُم، ثم أخَذ عوْيداً لا أكادُ أراهُ بين أصْبَعيْه فقال:
يا جريرُ! لو طلَبْتَ في الجنَّةِ مثلَ هذا لَمْ تجدْهُ. قلتُ: يا أبا عبدِ الله! فأينَ النخلُ والشجرُ؟ قال: أصولُها اللُّؤْلُّؤ والذهَبُ، وأعلاهُ الثمرُ.
رواه البيهقي بإسناد حسن.

3734 - (10) [
صحيح لغيره] وعن البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه؛
في قوله تعالى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} قال:
__________
(1)
بكسر الصاد وتخفيف الفاء: موضع بين (حُنين) وأنصاب الحرم، يسرة الداخل إلى مكة: "نهاية".

(3/510)


"
إن أهل الجنة يأكلونَ من ثمار الجنةِ قياماً وقعوداً ومضطجعين [على أي حال شاؤوا] (1) ".
رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن.

3735 - (11) [
صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
"
نَخلُ الجنَّة جذُوعُها مِنْ زمُرُّدٍ خضْرٍ، وكَرَبُها ذهَبٌ أحمرُ، وسعْفُها كِسْوةٌ لأهْلِ الجنَّةِ، منها مُقَطَّعَاتُهم وحُلَلُهم، وثمرُها أمثالُ القِلالِ والدلاء أشدُّ بيَاضاً مِنَ اللَّبنِ، وأحْلى مِنَ العَسلِ، وألْيَنُ مِنَ الزبْدِ، ليس فيها عَجَمَ (2) ".
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد، والحاكم وقال:
"
صحيح على شرط مسلم".
(
الكرب) بفتح الكاف والراء بعدهما باء موحدة: هو أصول السعف الغلاظ العراض.

3736 - (12) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أنَّه قال له رجلٌ: يا رسولَ اللهَ! ما طوبى؟ قال:
"
شجرةٌ مسيرَةُ مِئَةُ سنةٍ، ثيابُ أهلِ الجنَّة تخرج مِنْ أكْمامِها".
رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق دراج عن أبي الهيثم. (3)
__________
(1)
زيادة من "البعث" للبيهقي (174/ 313)، وفي إسناده: "شريك عن أبي إسحاق". و (شريك) ضعيف، و (أبو إسحاق) مختلط مدلس، وقد عنعنه -وحسنه الجهلة! تقليداً-. لكن قد تابعه جمع عنه، منهم شعبة عنه، قال: سمعت البراء به نحوه. أخرجه الطبري (29/ 39)، وابن أبي شيبة (13/ 140/ 15930)، والحسين المروزي (511/ 1454)، وعلي بن الجعد في "سنده" (1/ 374/ 448)، وعنه ابن أبي الدنيا (30/ 52). فهو إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً (15932)، وهناد (1/ 92/ 100)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (211)، وأبو نعيم (351)، والحاكم (2/ 511) عن شريك وغيره، وصححه.
(2)
هو بتحريك العين والجيم. قال ابن السكيت: والعامة تقول: (عَجْم) بالتسكين! وهو النَّوى.
(3)
قلت: لكن الحديث له شواهد يتقوى بها، أما الشطر الأول منه فقد صح عن جمع من الصحابة كما تقدم في أول الفصل، وأما الشطر الآخر، فله شاهدان من حديث عبد الله بن عمرو، صححه الحاكم والذهبي، ومن حديث جابر، عند البزار وغيره، وهما مخرجان في "ضعيف أبي داود" (434)، و"الروض النضير" (248)، وشاهد ثالث في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (1/ 319).

(3/511)


8 -
فصل في أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك.
3737 - (1) [
صحيح] عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يأكلُ أهلُ الجنَّةِ ويشرَبون، ولا يمْتَخِطون، ولا يتَغوَّطون، ولا يَبُولونَ، طعامُهم ذلك جُشاءٌ كريحِ المسْكِ، يُلْهَمون التسبيحَ والتكبيرَ، كما تُلْهَمون النَّفَس".
رواه مسلم وأبو داود.

3738 - (2) [
حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال:
إنَّ الرجلَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ لَيشتَهي الشرابَ مِنْ شرابِ الجنَّةِ فيَجيءُ الإبريقُ فيقَعُ في يدهِ، فيشْرَبُ ثم يعودُ إلى مَكانِه.
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد.

3739 - (3) [
صحيح] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ مِنْ أهْلِ الكتابِ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا أبا القاسِمِ! تزْعُم أنَّ أهلَ الجنَّةِ يأكلُون ويشْرَبون؟ قال:
"
نعم؛ والَّذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، إنَّ أحَدهُم لَيُعْطى قوَّة مِئَةِ رجلٍ؛ في الأكْلِ والشُّرْبِ والجمَاعِ".
قال: فإنَّ الذي يأكُل ويشْرَبُ تكونُ له الحاجَةُ، وليسَ في الجنَّةِ أذَىً؟ قال:
"
تكون حاجَةُ أحدِهم رشْحاً يفيضُ مِنْ جُلودِهم كرشْحِ المسْكِ، فيضْمُر بَطْنُه".

(3/512)


رواه أحمد والنسائي، ورواته محتج بهم في "الصحيح". و [رواه] الطبراني بإسناد صحيح (1).
[
صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، ولفظهما:
أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ مِنَ اليهودِ فقال: يا أبا القاسِم! ألسْتَ تزعُم أنَّ أهلَ الجنَّة يأكُلون فيها ويشْرَبون؟ -ويقولُ لأَصْحابِه: إنْ أقَرَّ لي بهذا خصَمْتُه-، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
بلى والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، إنَّ أحَدهُم لَيُعْطى قوةَ مِئَةِ رجلٍ في المطْعَمِ والمشْربِ والشهوَةِ والجِماعِ".
فقال اليهوديُّ: فإنَّ الذي يأْكُل ويشْرَبُ تكونُ له الحَاجةُ! فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
حاجَتُهم عَرَقٌ يَفيضُ مِنْ جُلودِهِمْ مثلَ المسْكِ، فإذا البطْنُ قد ضَمَرَ".
ولفظ النسائي نحو هذا.

3740 - (4) [
حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ طيرَ الجنَّة كأمْثال البُخْتِ ترعى في شجرِ الجنَّةِ".
فقال أبو بكْرٍ: يا رسول الله! إنَّ هذه لطيرٌ ناعِمَةٌ. فقال:
"
أكَلَتُها أنْعَمُ منها -قالها ثلاثاً-، وإنِّي لأرْجو أنْ تكونَ مِمَّنْ يأكُلُ مِنْها".
رواه أحمد بإسناد جيد.
__________
(1)
قلت: نعم، ولكن لا وجه للتفريق بين رواية الطبراني واللذين قبله، فإنهم جميعاً أخرجوه من طريق الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم. وقد صححه ابن القيم أيضاً، وأما الجهلة فرغم تصحيح المنذري، فقد اقتصروا على قولهم: "حسن"، يتظاهرون بالاجتهاد، وهم لا يحسنون شيئاً حتى التقليد! وإن مما يوْكد هذا أنهم شملوا بالتحسين رواية أخرى للطبراني؛ هي في الأصل عقب هذه فيها متهم، وخرجتها في "الضعيفة" (5330).

(3/513)


[
حسن صحيح] والترمذي وقال: "حديث حسن"، ولفظه: قال:
سُئلَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما الكَوثَرُ؟ قال:
"
ذاكَ نهرٌ أعْطانيهِ الله -يعني في الجنَّةِ-، أشدَّ بيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى مِنَ العَسلِ، فيه طيرٌ أعْناقُها كأعْناقِ الجُزُر".
قال عمر: إنَّ هذه لَناعِمَةٌ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أكَلَتُها أنْعَمُ مِنْها" [مضى 6 - فصل].
(
البُخْت) بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة: هي الإبل الخراسانية.

3741 - (5) [
؟ موقوف] وعن أبي أُمامة رضي الله عنه:
إنَّ الرجلَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ ليشْتَهي الطير مِنْ طيورِ الجنَّة، فيقعُ في يدِه متَفلَّقاً (1) نَضِجاً.
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.

3742 - (6) [
صحيح لغيره] وعن سُلَيْم بن عامرٍ قال:
كانَ أصْحابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: إنَّ الله لينفَعُنا بالأَعْرابِ ومسائِلهم، قال:
أقْبَل أعْرابيٌّ يوماً فقالَ: يا رسولَ الله! ذكر الله في الجنَّةِ شجرةً مؤذِيَةً، وما كنتُ أرى أنَّ في الجنَّة شجرةً تُؤْذي صاحِبَها! قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
وما هي؟ ".
قال: السِّدرُ؛ فإنَّ له شوْكاً مُؤْذِياً. قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(1)
في "الدر المنثور" (6/ 156): "مقليّاً"، ولعله الصواب. وعزاه لابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"، ولم أجده في النسخة المطبوعة منه، وحسنه الجهلة من كيسهم! وعزوه لابن جرير تقليداً لغيرهم! وقد توسعت قليلاً في الكلام على هذا الحديث في "الضعيفة" تحت الحديث (6784).

(3/514)


"
أليسَ الله يقول: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ}، خَضَدَ الله شوْكَهُ، فجعلَ مكانَ كلِّ شوْكَةٍ ثمرةً؛ فإنَّها لتُنْبِتُ ثَمراً، تَفَتَّق الثمرةُ مِنْها عنِ اثْنَيْنِ وسبْعينَ لَوْناً مِنْ طعامٍ، ما فيها لونٌ يُشْبِه الآخَرَ".
رواه ابن أبي الدنيا، وإسناده حسن.

3743 - (7) [
صحيح] ورواه أيضاً عن سُلَيْم بن عامر عن أبي أمامة الباهلي عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله (1).
__________
(1)
قلت: أخرجه الحاكم أيضاً (2/ 476) وصححه، ووافقه الذهبي.

(3/515)


9 -
فصل في ثيابهم وحللهم.
3744 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
مَنْ يدخلِ الجنَّةَ يَنْعَمْ ولا يبْأَسْ، لا تَبلى ثيابُه، ولا يفْنى شَبابُه، في الجنَّةِ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمعَتْ، ولا خطَر على قلْبِ بشَرٍ".
رواه مسلم. (1)

3745 - (2) [
صحيح لغيره] وعن عبد الله -يعني ابن مسعودٍ- رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
أوَّل زمْرَةٍ يدخلونَ الجنَّة كأنَّ وجوهَهُم ضوءُ القمرِ ليلَة البدرِ، والزُّمرةُ الثانِيَةُ على لونِ أحْسَنِ كوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السمَاءِ، لِكُلِّ واحِدٍ منهم زَوْجَتانِ مِنَ الحُورِ العينِ، على كلِّ زوْجةٍ سبْعون حُلَّة، يُرى مخُّ [سوقهما] (*) مِنْ وراءِ لحومهما وحُلَلِهما؛ كما يُرى الشرابُ الأحْمَرُ في الزُّجاجَة البَيْضَاءِ".
رواه الطبراني بإسناد صحيح، والبيهقي بإسناد حسنَ (2).
وتقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه بنحوه [هنا 1 - فصل، ويأتي 11 - فصل].
[
صحيح] ويأتي حديث أنسٍ المرفوع [11 - فصل]:
"
ولو اطّلَعتِ امْرأَةٌ مِنْ نساءِ الجنَّةِ إلى الأرض لملأَتْ ما بينَهُما ريحاً، ولأضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولَنَصيفُها -يعني خِمارَها- على رأسِها خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها".
رواه البخاري ومسلم.
__________
(1)
قلت: لو عزاه لأحمد أيضاً لأصاب، لأن السياق له (2/ 369 - 370)، ومسلم إنما رواه مفرقاً (8/ 143) بإسنادين مختلفين عن أبي هريرة، انظر "الصحيحة" (1986). أما الجهلة الثلاثة فاكتفوا في عزوه لمسلم برقم (2836)، وهو الشطر الأول منه فقط!
(2)
كذا قال! ولم أره في "البعث" للبيهقي إلا من حديث أبي هريرة (195/ 370)، نحوه دون جملة الزجاجة. وسنده في نقدي صحيح. وأما تصحيحه لإسناد الطبراني؛ فلا وجه له وإن تبعه البيهقي، وقلدهما هنا الجهلة! لأن فيه (أبو إسحاق السبيعي) مدلس مختلط. انظر "الصحيحة" (1736).

(*)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (ساقِها) وصححها الشيخ مشهور في طبعته، وقال: «والمثبت من كبير الطبراني»

(3/516)


10 -
فصل في فِراش الجنة.
3746 - (1) [
حسن موقوف] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه:
في قوله عز وجل: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}؛ قال:
أخبِرْتُم بالبَطائِن، فكيف بالظَّهائِر؟
رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن.

(3/517)


11 -
فصل في وصف نساء أهل الجنة.
3747 - (1) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لغَدوةٌ في سبيلِ الله أو روْحَةٌ؛ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، ولَقابُ قوْسِ أحَدِكم أو موضعُ قِيدِه -يعني سَوْطِه- مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، ولوِ اطَّلَعتِ امْرأَةٌ مِنْ نِساءِ أهْل الجنَّةِ إلى الأرضِ لملأَتْ ما بينَهُما ريحاً، ولأَضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولَنَصيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها".
رواه البخاري ومسلم. (1) [مضى ج2/ 12 - الجهاد/ 6].
(
النصيف): الخمار.
و (القاب): هو القَدْر. وقال أبو معمر: "قاب القوس من مقبضه إلى رأسه".

3748 - (2) [
صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ أوَّلَ زمرَةٍ يدخلونَ الجنَّةَ على صورَةِ القَمرِ ليلةَ البدْر، والتي تَليها على أضْوَءِ كوكَبٍ دُرِّيٍّ في السَماءِ، ولكلِّ امْرئٍ منهم زوْجَتانِ اثْنَتانِ؛ يُرى مُخُّ سوقِهِما مِنْ ورَاءِ اللَّحْمِ، وما في الجنَّةِ أعْزَبُ".
رواه البخاري ومسلم. (2)
__________
(1)
زاد المصنف هنا: "والطبراني مختصراً بإسناد جيد؛ إلا أنه قال: ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"، فحذفته لأنه ليس من شرط هذا "الصحيح". أخرجه الطبراني في ترجمة شيخه (بكر بن سهل الدمياطي) من "المعجم الأوسط" (4/ 113/ 3172)، وهو ضعيف كما قال النسائي، فيكون لفظه منكراً لمخالفته للفظ "الصحيحين"، فأتعجَّب من المؤلف كيف جود إسناده، ومن الحافظ في "الفتح" (11/ 442) كيف سكت عن إسناده ومخالفته! وأما الجهلة فعرجوا عنها إلى الإحالة بقولهم: "سبق تخريجه برقم (1906)! وليس هناك لهذه الزيادة ذكر!
(2)
قلت: والسياق لمسلم (8/ 146)، وليس عند البخاري (3245 و3246 و3254 و3327) جملة الأعزب.

(3/518)


12 -
فصل في غناء الحور العين.
3749 - (1) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ أزْواجَ أهْلِ الجنَّةِ ليُغَنِّينَ أزْواجَهُنَّ بأحْسنِ أصواتٍ ما سمِعَها أحدٌ قَطُّ، إنَّ مِمّا يُغَنِّينَ به:
نحنُ الخيْراتُ الحِسَانُ، أزواجُ قومٍ كِرام، ينظُرونَ بقُرَّةِ أعْيان.
وإنَّ مِمّا يُغَنِّينَ به:
نحنُ الخالِداتُ فلا نَمُتْنَهْ.
نَحنُ الآمِناتُ فلا نَخَفْنَهْ.
نحنُ المُقيماتُ فلا نَظْعَنَّهْ".
رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورواتهما رواة "الصحيح" (1).

3750 - (2) [
صحيح لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الحورَ في الجنَّة يُغَنِّين يقلنَ: نحنُ الحورُ الحِسانْ، هُدينا لأزْواجٍ كِرام".
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني (2) واللفظ له، وإسناده مقارب (3).
__________
(1)
في هذا الإطلاق نظر -كنظائره- بينته في غير ما موضع، فإن شيخ الطبراني فيه (عمارة ابن وثيمة) ليس من رواة "الصحيح"، وقد روى عنه جمع، له ترجمة مختصرة في "تاريخ الإسلام" (21/ 230 - 231)، وسكت عنه، ومثله يسلّكون حديثه، لا سيما والطبراني قد أشار إلى أنه لم يتفرد به. والله أعلم
(2)
هذا الإطلاق يوهم أنه في "معجمه الكبير"، والواقع أنه في "الأوسط" (7/ 257/ 6493).
(3)
كذا الأصل، وفي نقل الناجي عنه أنه قال: "وإسناده ثقات". ولعل ما أثبتناه أقرب إلى الصواب لأن فيه عون بن الخطاب؛ ولم يوثقه أحد إلا أن يكون ابن حبان، كَما قد يشير إلى ذلك قول الهيثمي: "ورجاله وثقوا". ثم رأيته في "ثقات ابن حبان" (7/ 279). وله شواهد مخرجة في "الروض النضير" (496).

(3/519)


ورواه البيهقي عن ابنٍ لأنس بن مالك -لم يسمِّه- عن أنس.

3751 - (3) [
صحيح موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
إنّ في الجنَّة نَهْراً طولَ الجنَّة، حافَّتاه العَذارى، قيامٌ مُتَقابِلاتٌ، يَغنِّين بأحْسَنِ أصواتٍ يسمعُها الخَلائِقُ، حتى ما يروْنَ أنَّ في الجنَّة لَذَّةً مثلَها.
قلنا: يا أبا هريرة! وما ذاكَ الغِناءُ؟ قال: إنْ شاءَ الله التسبيحُ والتحْميدُ والتقديسُ وثناءٌ على الربِّ عزَّ وجلَّ.
رواه البيهقي موقوفاً (1).
__________
(1)
في "البعث" (213/ 425) بإسناد صحيح مخرج في "الضعيفة" تحت حديث آخر عن أبي أمامة نحوه برقم (5028). وإن من جهالات المعلقين الثلاثة وجرأتهم على قفو ما لا علم لهم به قولهم (4/ 449/ 5542): "ضعيف موقوف، رواه البيهقي في البعث والنشور (425) "!!

(3/520)


13 -
فصل في سوق الجنة.
3752 - (1) [
صحيح] عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ في الجنَّة لَسوقاً يأتُونَها كلَّ جمُعَةٍ، فتهبُّ ريحُ الشَّمالِ؛ فتحْثو في وُجوهِهم وثيابِهم؛ فيزْدادونَ حُسْناً وجمَالاً، فيرْجِعونَ إلى أهْليهم وقدِ ازْدادوا حُسْناً وجمالاً، فتقول لهم أهْلوهُم: والله لقد ازْدَدْتُم بعدَنا حُسْناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازدَدْتُم بعدنا حُسْناً وجَمالاً".
رواه مسلم.

3753 - (2) [
صحيح] وعن أنس بن مالكٍ [أيضاً] رضي الله عنه قال:
"
يقولُ أهْلُ الجنَّة: انْطلِقوا إلى السوقِ. فينطلقون إلى كُثْبانِ المسْكِ، فإذا رجَعوا إلى أزْواجِهِم قالوا: إنَّا لنجدُ لَكُنَّ ريحاً ما كانَتْ لَكُنَّ. قال: فَيَقُلْنَ: وأنتُم لقد رجَعْتُم بريحٍ ما كانَتْ لكم إذْ خرجْتُم مِنْ عِنْدِنا".
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد.

3754 - (3) [
صحيح] وعنه قال:
"
إنَّ في الجنَّةِ لَسُوقاً كُثْبانَ مِسْكٍ يخْرجُون إليها، ويجْتَمِعون إليها، فيَبْعَثُ الله ريحاً فيُدْخِلُها بُيوتَهم؛ فيقولُ لهم أهْلوهُم إذا رَجعوا إليْهِم: قد ازدَدْتُمْ حسْناً بعدَنا. فيقولون لأَهْليهم: قدِ ازدَدْتُم أيْضاً حسْناً بَعْدَنا".
رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً أيضاً، والبيهقي.

(3/521)


14 -
فصل في تزاورهم (1) ومراكبهم.
3755 - (1) [
حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بنِ ساعدةَ رضي الله عنه قال:
كنتُ أحبُّ الخيلَ، فقلتُ: يا رسول الله! هل في الجنةِ خيلٌ؟ فقال:
"
إنْ أدخلَكَ اللهُ الجنةَ يا عبد الرحمن؛ كانَ لك فيها فرسٌ من ياقوتٍ، له جناحان يطير بك حيث شئتَ".
رواه الطبراني، ورواته ثقات. (2)

3756 - (2) [
حسن لغيره] وعن سليمانَ بنِ بريدةَ عن أبيه:
أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
يا رسول الله! هل في الجنةِ من خيلٍ؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنِ اللهُ أدخلكَ الجنةَ؛ فلا تشاءُ أن تُحملَ فيها على فرسٍ من ياقوتةٍ حمراءَ يطير بك في الجنةِ حيث شئتَ؛ إلا كان".
قال: وسأله رجل فقال:
يا رسول الله! هل في الجنةِ من إبلٍ؟
__________
(1)
انظر حديثه في "الضعيف".
(2)
قلت: وكذا قال الهيثمي. وفي إسناده اختلاف، والمحفوظ أنه عن (عبد الرحمن بن سابط) مرسلاً، وأن من قال: (عبد الرحمن بن ساعدة) أخطأ. لكن يشهد له حديث بريدة الذي بعده، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (3001). وأما ما نقله الجهلة عن الهيثمي؛ أنه قال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح؛ غير إسماعيل بن بهرام، وهو ثقة"؛ فهو من سوء نقلهم، فإن هذا إنما قاله الهيثمي في حديث طارق بن شهاب المذكور عند الهيثمي عقب هذا في باب آخر! وإن مما يحسن التنبيه عليه أن في الأصل أربعة أحاديث في (تزاورهم)، لكنها من حق الكتاب الآخر.
فتنبه. ولهم من مثل هذا النقل والخلط الشيء الكثير.

(3/522)


قال: فلم يقل له ما قال لصاحبه، قال:
"
إن يُدخِلَكَ اللهُ الجنةَ؛ يكن لك فيها ما اشتهت نفسُك، ولذَّت عينُك".
رواه الترمذي من طريق المسعودي عن علقمة بن مرثد عنه، ومن طريق سفيان عن علقمة عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
نحوه بمعناه؛ وهذا أصح من حديث المسعودي"؛ يعني المرسل.

3757 - (3) [
صحيح لغيره] ورُوي عن أبي أيوبَ رضي الله عنه قال:
أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعرابيٌّ فقال: يا رسول الله! إني أحِبُّ الخيلَ، أفي الجنَّةِ خيلٌ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنْ دخلتَ الجنَّة أُتيتَ بفرَسٍ مِنْ ياقوتَةٍ، له جَناحانِ، فحُمِلْتَ عليه ثم طارَ بك حيثُ شِئْتَ".
رواه الترمذي.

15 -
فصل في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى.
[
ليس تحته حديث على شرط كتابنا]

(3/523)


16 -
فصل في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى.
3758 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ ناساً قالوا: يا رسولَ الله! هلْ نرى ربَّنا يومَ القيامة؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
هَلْ تُضارّون في رُؤْيَةِ القمرِ ليلةَ البدِر؟ ".
قالوا: لا يا رسول الله! قال:
"
هَل تُضارّونَ في الشمْسِ ليسَ دونَها سَحابٌ؟ ".
قالوا: لا. قال:
"
فإنكم تَروْنَه كذلك"، فذكر الحديث بطوله. [مضى 26 - البعث/ 3/ 19].
رواه البخاري ومسلم.

3759 - (2) [
صحيح] وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا دخَل أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يقولُ الله عزَّ وجلَّ: تُريدون شيْئاً أزيدُكم؟ فيقولون: ألَمْ تبيِّضْ وجوهَنا؟ ألَمْ تُدخلْنا الجنَّةَ وتُنَجِّنا مِنَ النارِ؟ قال: فيُكْشَفُ الحِجابُ، فما أُعْطوا شيْئاً أحبَّ إليْهِم من النظَرِ إلى ربِّهم. ثُمَّ تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ".
رواه مسلم والترمذي والنسائي.

3760 - (3) [
صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ في الجنَّة خَيْمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجوَّفَةِ، عَرْضُها ستّونَ ميلاً، في كلِّ زاويةٍ منْها أهلٌ ما يرونَ الآخَرين، يَطوفُ عليهم المؤْمِنُ، وجنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهِما، وجنَّتانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُها وما فيهِما، وما بينَ القوْمِ وبين أنْ يَنظُروا إلى

(3/524)


ربَّهم إلا رِداءُ الكِبْرياءِ على وجْهِه في جَنَّاتِ عَدْنٍ".
رواه البخاري واللفظ له، ومسلم والترمذي.

3761 - (4) [
حسن لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
أتاني جبريلُ عليه السلامُ وفي يده مِرآةٌ بيْضاءُ، فيها نُكْتَةٌ سوْداءُ؛ فقلتُ: ما هذه يا جبريلُ؟ قال: هذه الجُمعَةُ يَعْرِضُها عليك ربُّك لتكونَ لك عيداً ولِقَومِكَ مِنْ بْعدِك، تكونُ أنَت الأوَّل، وتكونُ اليهودُ والنَّصارى مِنْ بعْدِك. قال: ما لنا فيها؟ قال: فيها خيرٌ لكم، فيها ساعةٌ مَنْ دعا ربَّه فيها بخيرٍ هو له قِسْمٌ إلا أَعْطاهُ إيَّاه، أو ليسَ له بِقِسْمٍ إلا ادُّخِرَ له ما هو أَعْظَمُ منه، أو تعَوَّذَ فيها مِنْ شرٍّ هو عليه مكتوبٌ؛ إلا أعاذَهُ، أو ليس عليه مكتوبٌ؛ إلاّ أعاذَهُ مِنْ أَعْظم منه. قلتُ: ما هذه النكتَةُ السوْداءُ فيها؟ قال: هذه الساعَةُ تقومُ يومَ الجُمعَةِ، وهو سيِّد الأيَّامِ عندَنا، ونحن ندْعوه في الآخِرَة: (يومَ المزيدِ). قال: قلتُ: لمَ تدعونَه يومَ المزِيدِ؟ قال: إنَّ ربَّك عزَّ وجلَّ اتَّخذ في الجنَّة وادياً أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أْبيضَ، فإذا كان يومُ الجمُعَةِ نزل تبارَك وتعالى مِنْ علِّيِّينَ على كرسيِّه، ثم حَفَّ الكرْسيَّ بِمنابِرَ مِنْ نُورٍ، وجاءَ النَبِيُّون حتى يَجْلِسوا (1) عليها، ثم حفَّ المنابِر بكراسيِّ مِنْ ذَهبٍ، ثم جاءَ الصِّدِّيقون والشُّهداءُ، حتى يجْلسوا (2) عليها، ثم يجيءُ أهْلُ الجَنَّة حتى يجلسوا (3) على الكَثيبِ، فيتَجَلَّى لهم ربُهم تبارَك وتعالى حتى يُنْظَرَ إلى وجْهِهِ، وهو
__________
(1)
كذا الأصل، وكذلك في "كشف الأستار" (4/ 194 - 196)، وهو جار على أن (حتى) ناصبة هنا، لكن في ققل الناجي (231/ 1) بلفظ (حتى يجلسون) بالنون في الثلاثة مواضع وقال:
"
كذا وجدت هذه الألفاظ هنا بالنون بتقدير أن لفظة (حتى) ليست الناصبة، ورأيتها كلها بالألف بخط شيخنا ابن حجر في "مجمع الزوائد" للهيثمي. والله أعلم".
(2)
كذا الأصل، وكذلك في "كشف الأستار" (4/ 194 - 196)، وهو جار على أن (حتى) ناصبة هنا، لكن في ققل الناجي (231/ 1) بلفظ (حتى يجلسون) بالنون في الثلاثة مواضع وقال:
"
كذا وجدت هذه الألفاظ هنا بالنون بتقدير أن لفظة (حتى) ليست الناصبة، ورأيتها كلها بالألف بخط شيخنا ابن حجر في "مجمع الزوائد" للهيثمي. والله أعلم".
(3)
كذا الأصل، وكذلك في "كشف الأستار" (4/ 194 - 196)، وهو جار على أن (حتى) ناصبة هنا، لكن في ققل الناجي (231/ 1) بلفظ (حتى يجلسون) بالنون في الثلاثة مواضع وقال:
"
كذا وجدت هذه الألفاظ هنا بالنون بتقدير أن لفظة (حتى) ليست الناصبة، ورأيتها كلها بالألف بخط شيخنا ابن حجر في "مجمع الزوائد" للهيثمي. والله أعلم".

(3/525)


يقولُ: أنا الَّذي صدَقْتُكم وَعْدي، وأتممْتُ عليكم نِعْمَتي، هذا محل كرامَتي، فسَلوني؛ فيسأَلُونَه الرِّضا، فيقولُ عزَّ وجلَّ: رِضائي أَحَلَّكم دارِي، وأنالَكُم كرامتي، فسلوني؛ فيسأَلُونه حتى تنْتَهي رغبَتُهم. فيفتَحُ لهم عند ذلك ما لا عينٌ رأَتْ ولا أذُنٌ سمِعَتْ، ولا خَطَر على قلْبِ بَشرٍ إلى مقدارِ مُنصَرفِ الناسِ يَومَ الجُمعَةِ، ثم يصْعَدُ الرب تبارك وتعالى على كرسيِّه، فيصعَدُ معه الشُّهداءُ والصِّدِّيقون -أحسبه قال:- ويرجع أهل الغرف إلى غرفِهم دُرَّةٍ بيضاءَ، لا فصْمَ فيها ولا وَصْمَ، أو ياقوتةٍ حمراءَ، أو زبرجدةٍ خضراءَ، منها غُرَفُها وأبْوابُها، مطَّردةٌ فيها أنْهارُها، متَدلّية فيها ثمارُها، فيها أزْواجُها وخَدمُها، فليسوا إلى شيْءٍ أحْوجَ منهم إلى يومِ الجُمعةِ ليزْدادوا فيه كرامةٌ، وليزْدادوا فيه نظراً إلى وجْهِه تباركَ وتعالى، ولذلك دُعيَ (يومَ المزِيد) ".
رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في "الأوسط" بإسنادين أحدهما جيد قوي، وأبو يعلى مختصراً ورواته رواة "الصحيح"، والبزار، واللفظ له.
(
الفَصْم) بالفاء: هو كسر الشيء من غير أن تفصله.
و (الوَصْم) بالواو: الصدع والعيب.

3762 - (5) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقولُ لأَهْلِ الجنَّة: يا أهلَ الجنَّة! فيقولونَ: لبَّيْكَ ربَّنا وسعْدَيْكَ، والخيرُ في يديْك! فيقولُ: هل رَضيتُم؟ فيقولون: وما لَنا لا نَرْضى يا ربَّنا! وقد أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعطِ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ؟ فيقولُ: ألا أُعْطيكم أفْضلَ مِنْ ذلك؟ فيقولون: وأيُّ شيْءٍ أفْضَلُ مِنْ ذلك؟! فيقولُ: أُحِلُّ عليكم رِضْواني فلا أسْخَطُ عليكم بعده أبداً".
رواه البخاري ومسلم والترمذي.

(3/526)


17 -
فصل في أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك.
3763 - (1) [
صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قال الله عزَّ وجلَّ: أعددْتُ لِعباديَ الصالحينَ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشَرٍ. واقْرؤوا إنْ شئْتُم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ".
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

3764 - (2) [
صحيح] وعن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال:
شهِدتُ من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مجَلِساً وصفَ فيه الجنَّة حتى انْتَهى، ثم قال في آخِر حديثه:
"
فيها ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلْبِ بشَرٍ"، ثم قرأَ هاتَيْن الآيتين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ".
رواه مسلم.

3765 - (3) [
صحيح] وعن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لو أنَّ ما يُقِلُّ ظُفُرٌ ممَّا في الجنَّة بدا؛ لَتزخْرَفَ له ما بينَ خَوافِقِ السماواتِ والأرْضِ، ولوْ أنَّ رجلاً مِنْ أهْلِ الجنَّةِ اطَّلَع فبدا سِوارُه؛ لطَمسَ ضَوْءَ الشمسِ كما تطْمِسُ الشمسُ ضوءَ النُّجومِ".

(3/527)


رواه ابن أبي الدنيا والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (1)

3766 - (4) [
صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"
في الجنَّةِ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بَشرٍ".
رواه الطبراني والبزار بإسناد صحيح.

3767 - (5) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
قِيْدُ سَوطِ أحدِكم في الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما فيها ومثلِها مَعَها، ولَقابُ قوسِ أحَدِكم مِنَ الجنَّة خيرٌ مِنَ الدنيا ومثلِها مَعها، ولَنَصِيفُ امرأةٍ من الجنَّةِ خيرٌ من الدنيا ومثلِها معها".
قلتُ: يا أبا هريرة! ما النَّصيفُ؟
قال: الخِمارُ.
[
حسن صحيح] رواه أحمد بإسناد جيد، والبخاري، ولفظه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لَقابُ قوسٍ في الجنَّةِ خيرٌ مِمَّا تطْلُع عليه الشمسُ". وقال:
"
لغَدْوةٌ أوْ رَوْحَة في سبيل الله خيرٌ مِمّا تطلُع عليه الشمسُ أو تغربُ".
[
حسن صحيح] ورواه الترمذي وصححه، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إنَّ (2) موضع سوطٍ في الجنَّةِ خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، واقْرؤوا إنْ شئْتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ".
__________
(1)
قلت وهو كما قال، بل أعلى، فإن له طرقاً أخرى كما في "الصحيحة" (3396)، ورغم تحسين الترمذي فقد جزم المعلقون الثلاثة بضعفه! مع أنهم عزوه لـ "تاريخ البخاري"، وهو عنده بإسناد جيد، ومن غير طريق الترمذي! أصلحهم الله تعالى، فقد أفسدوا كثيراً.
(2)
الأصل: (وموضع)، والتصويب من "الترمذي" (3017).

(3/528)


[
صحيح] ورواه الطبراني في "الأوسط" مختصراً بإسناد رواته رواة "الصحيح"، ولفظه:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
لموضعُ سوطٍ في الجنَّةِ خيرٌ مِمَّا بينَ السماءِ والأرضِ".
وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال:
"
غَدوَةٌ في سبيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، ولَقابُ قَوْسِ أحَدِكم أوْ موضِعُ قدم مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنْيا وما فيها، ولوْ أَنَّ امْرأَةً اطَّلَعتْ إلى الأرْضِ مِنْ نِساءِ أَهْلِ الجنَّة لأَضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولملأَتْ ما بيْنَهُما ريحاً، ولَنَصيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدنْيا وما فيها".

3768 - (6) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
لَغَدْوَةٌ (1) في سبيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خيرٌ مِنَ الدُنيا وما فيها، ولَقابُ قَوْسِ أحَدِكُم أو موضعُ قدمِه في الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُنيا وما فيها، ولَوْ أنَّ امْرأَةً مِنْ نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلعَتْ إلى الأرضِ لأضاءَت ما بينهما، (2) ولمَلأتْ ما بَيْنَهُما ريحاً، ولَنَصيفُها -يعني خمارَها- خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها".
رواه البخاري ومسلم، والترمذي وصححه، واللفظ له. (3)
(
القاب) هنا؛ قيل: هو القِدّ، وقيل: من مقبض القوس إلى سيته، ولكل قوس قابان، و (القد) بكسر القاف وتشديد الدال: هو السوط.
__________
(1)
الأصل: "غدوة" و"لأضاءت الدنيا وما فيها، والتصحيح من "الترمذي " (1651)، وقد نبه عليه الحافظ الناجي (ق 231/ 2) رحمه الله، وغفل عنه الجهلة الثلاثة. وعلى الصواب وقع عند البخاري (2796 و6568)، وكذا أحمد في "المسند" (3/ 141 و157 و264)، وليس عند مسلم (6/ 36) منه إلا جملة الغدوة.
(2)
الأصل: "غدوة" و"لأضاءت الدنيا وما فيها، والتصحيح من "الترمذي " (1651)، وقد نبه عليه الحافظ الناجي (ق 231/ 2) رحمه الله، وغفل عنه الجهلة الثلاثة. وعلى الصواب وقع عند البخاري (2796 و6568)، وكذا أحمد في "المسند" (3/ 141 و157 و264)، وليس عند مسلم (6/ 36) منه إلا جملة الغدوة.
(3)
قلت: هذا اللفظ أورده الهيثمي في "الموارد" (2629 و2630)؛ ولا وجه لذلك، فإنه ليس على شرطه، كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في هامشه.

(3/529)


ومعنى الحديث: ولقدر قوس أحدكم، أو قدر الموضع الذي يوضع فيه سوطه؛ خير من الدنيا وما فيها.
[
صحيح لغيره] وقد رواه البزار مختصراً بإسناد حسن قال:
"
موضعُ سوْطٍ في الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها".

3769 - (7) [
صحيح] وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:
"
ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مما في الدنيا إلا الأسْماءُ".
رواه البيهقي (1) موقوفاً بإسناد جيد.
__________
(1)
قلت: أخرجه في "البعث" (1/ 368) من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري كما حققته في "الصحيحة" (2188)، وأما الجهلة الثلاثة فقالوا بغير علم: "حسن موقوف"! ثم إنه قد رواه من هو أولى بالعزو من البيهقي، وهو هناد بن السري قال في "الزهد" (1/ 349): حدثنا وكيع به، وأخرجه الضياء في "المختارة". انظر "الصحيحة". 
18 -
فصل في خُلودِ أهل الجنة فيها، وأهل النار فيها، وما جاء في ذبح الموت.
3770 - (1) [
صحيح لغيره] عن معاذ بْنِ جَبلٍ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثَهُ إلى اليمَنِ، فلمّا قَدِمَ عليهم قال:
"
يا أيُّها الناسُ! إنِّي رسولُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليكم يخبركم أنَّ المردَّ إلى الله؛ إلى جنَّةٍ أو نارٍ، خلودٍ بلا مَوتٍ، وإقامَةٍ بلا ظَعْنٍ".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً.
وتقدم [4 - فصل] حديث أبي هريرة في "بناء الجنة"، وفيه:
"
مَنْ يدخلْها يَنْعَمْ ولا يَبْأسُ، ويخلُدْ لا يموتُ، لا تَبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه".
وحديث ابن عمر أيضاً بمثله.

3771 - (2) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي هريرة رضي الله عنهما عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
إذا دخَل أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ يُنادي منادٍ: إنَّ لكم أنْ تَصحّوا فلا تَسْقَموا أبداً، وإنَّ لكم أنْ تَحيَوْا فلا تَموتوا أبداً، وإنّ لكم أنْ تَشِبُّوا فلا تَهرَموا أبداً، وإنَّ لكم أنْ تَنْعَموا فلا تَبْأَسوا أبداً، فذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ".
رواه مسلم (1) والترمذي.
__________
(1)
والسياق له في "صفة الجنة" (8/ 148)، والآية في (سورة الأعراف/ 43)، ونص الآية عند الترمذي (3241): {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا. . .}، وهي في (سورة الزخرف/ 72). فتنبه
3772 - (3) [
صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُؤْتى بالموتِ يومَ القِيامَة كهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُنادي منادٍ: يا أهْلَ الجَنَّة! فيَشْرَئبُّونَ وينظُرون، فيقولُ: هل تَعْرِفونَ هَذا؟ فيقولون: نَعم؛ هذا المَوْتُ، وكلُّهم قد رأوه، ثم ينادي منادٍ: يا أهْلَ النارِ! فيَشْرَئبُّونَ وينْظُرون، فيقولُ: هَلْ تعرفون هذا؟ فيقولون: نَعم؛ هذا الموتُ، وكلُّهم قد رأَوْه، فَيُذْبَحُ بيْنَ الجَنَّةِ والنارٍ، ثم يقولُ: يا أهْلَ الجنَّةِ! خلودٌ فلا مَوْتَ، ويا أَهْل النار! خلودٌ فلا مَوْت، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، وأشارَ بيدِه إلى الدنيا".
رواه البخاري ومسلم والنسائي.
(
يشرئبّون) بشين معجمة ساكنة ثم راء ثم همزة مكسورة ثم موحدة مشددة؛ أي: فيمدّون أعناقهم لينظروا.

3773 - (4) [
حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُؤْتى بالموتِ يومَ القيامَةِ فيوقَفُ على الصِّراطِ، فيُقالُ: يا أهْلَ الجنَّةِ! فيطَّلِعونَ خائِفين وجلين أنْ يُخْرَجوا مِنْ مَكانِهم الذي هُمْ فيه، ثم يُقالُ: يا أهْلَ النارِ! فيطَّلِعونَ مسْتَبْشِرين فرِحين أنْ يُخْرَجوا مِنْ مَكانِهمُ الَّذي هُمْ فيه، فيُقالُ: هل تَعْرِفونَ هذا؟ قالوا: نعم؛ هذا الموتُ، قال: فيُؤمَرُ به فَيُذْبَحُ على الصِّراطِ، ثم يُقالُ لِلْفَريقيْن كِلاهُما (1): خُلودٌ فيما تَجِدُونَ، لا موتَ فيها أبداً".
رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
__________
(1)
كذا الأصل، وهو الموافق لـ "سنن ابن ماجه" (4327)، وكذا في "المسند" (2/ 261). 
3774 - (5) [
صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
يُؤْتَى بالموْتِ يومَ القِيامَةِ كأنَّه كَبْشٌ أَملَحُ، فَيُوقَفُ بينَ الجنَّةِ والنار، ثم ينادي منادٍ: يا أهْلَ الجنَّة! فيقولونَ: لَبَّيْكَ ربَّنا؛ قال: فيقالُ: هَلْ تعرفون هذا؟ فيقولونَ: نعم ربَّنا؛ هذا الموتُ، ثمَّ ينادي منادٍ: يا أهْلَ النار! فيقولون: لَبَّيْكَ رَبَّنا، قال: فيُقالُ: هَلْ تَعْرِفون هذا؟ فيقولون: نعم رَبَّنا؛ هذا الموتُ، فيُذْبَحُ كما يُذْبَحُ الشاةُ، فَيَأْمَن هؤلاءِ، وينقَطعُ رجالُ هؤلاءِ".
رواه أبو يعلى واللفظ له، والطبراني والبزار، وأسانيدهم صحاح (1).

3775 - (6) [
صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
إذا صارَ أهْل الجنَّةِ إلى الجنَّةِ، وأهلُ النارِ إلى النار جِيءَ بالمْوتِ حتى يُجْعَلَ بين الجنَّةِ والنارِ، ثم يُذْبَحُ، ثمَّ ينادي منادٍ: يا أهْلَ الجنَّة! لا موت، يا أهْل النارِ! لا مَوتَ، فيزْدادُ أهْلُ الجنَّةِ فرَحاً إلى فرَحِهم، و [ويزداد] أهْلُ النارِ حُزْناً إلى حُزْنِهمْ".
وفي رواية: أنَّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"
يُدخِلُ الله أهْلَ الجنَّةِ الجنَّةَ، و [يدخل] أهلَ النارِ النارَ، ثم يقومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُم، فيقول: يا أهْلَ الجنَّة! لا موتَ، ويا أهْلَ النارِ! لا مَوْتَ، كلٌّ خالِدٌ فيما هو فيه".
رواه البخاري ومسلم. (2)
__________
(1)
قلت: وهو كما قال، ونحوه كلام الهيثمي الذي نقله الجهلة، ومع ذلك تجاهلوه وتوسطوا كعادتهم فقالوا: "حسن"! هداهم الله وعرَّفهم بأنفسهم، وقديماً قالوا: من عرف نفسه فقد عرف ربه.
(2)
قلت: الرواية الأولى لهما، والزيادة منهما، (خ 6548، م 2850)، والأخرى لمسلم، والزيادة منه، والبخاري نحوه (6544) دون قوله: "كل خالد فيما هو فيه"، وغفل عن هذا كله المعلقون الثلاثة على عادتهم
(
ولنختم) الكتاب بما ختم به البخاري رحمه الله كتابَه، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"
كَلِمَتَانِ حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمنِ، خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسَانِ، ثَقيلَتانِ في المِيزَانِ: سُبْحانَ الله وبِحَمْدِه، سُبْحانَ الله العَظيمِ". [مضى ج 2/ 14 - الذكر/ 7].
(
قال الحافظ) زكي الدين عبد العظيم مملي هذا الكتاب رضي الله عنه:
"
وقد تمَّ ما أرادنا الله به من هذا الإملاء المبارك، ونستغفر الله سبحانه مما زل به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان؛ فإن كل مصنّف -مع التؤدة والتأني وإمعان النظر، وطول التفكر- قلَّ أن ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه، وغيبة كتبه؟!
وقد اتفق إملاء عدة من الأبواب في أماكن كان الأليق بها أن تذكر في غيرها، وسبب ذلك عدم استحضارها في تلك الأماكن، وتذكُّرِها في غيرها، فأمليناه حسب ما اتفق، وقدمنا فهرست الأبواب أول الكتاب لأجل ذلك.
وكذلك تقدم في هذا الإملاء أحاديث كثيرة جداً صحاح، وعلى شرط الشيخين أو أحدهما، وحسانٌ؛ لم ننبه على كثير من ذلك، بل قُلت غالباً: "إسناده جيد"، أو "رواته ثقات"، أو "رواة (الصحيح) "، أو نحو ذلك، وإنما منع من النص على ذلك تجويز وجود علّة لا تحضرني مع الإملاء. (1)
__________
(1)
قلت: هذا نص من المؤلف رحمه الله أن قوله هو، وكذلك غيره: "رواته ثقات. . ." لا يعني تقوية الحديث، وقد شرحت ذلك في مقدمة هذا الكتاب، فارجع إليه فإنه هام. لكن قرنه مع هذا القول ما قبله: "وإسناده جيد" ليس بجيد، لأنه نص في تقوية الحديث، كقوله: "إسناده حسن" كما هو معروف في علم (مصطلح الحديث)، فتنبه

وكذلك تقدم أحاديث كثيرة غريبة وشاذة متناً وإسناداً، لم أتعرَّض لذكر غرابتها وشذوذها (1)، والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به؛ إنه ذو الطول الواسع، والفضل العظيم".
...
انتهى بفضل الله ومنّه كتاب "صحيح الترغيب والترهيب"
والتعليق عليه، سائلاً المولى سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يُحْسن ختامي، وختامَ ذريتي، وأقاربي، وأحبابي حيثما كانوا، وأن يدخلنا جميعاً الجنةَ بسلامٍ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
__________
(1)
قلت: وقد استدركت ذلك ما استطعت في هذا الكتاب كما تقدم، وذلك في الكتاب الآخر "ضعيف الترغيب" بصورة أبين وأوسع كما سيرى القراء إن شاء الله تعالى إذا يسر الله طبعه ونشره، وعسى أن يكون ذلك قريباً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فهرس كتاب اعلام الموقعين لابن القيم

إعلام الموقعين/فهرس الجزء الأول [[إعلام الموقعين/الجزء الأول#نوعا التلقي عنه ﷺ|نوعا التلقي عنه ﷺ]] إخراج المتعصب عن زمرة العلماء فصل حفاظ ال...